وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 27 - سورة البقرة - تفسير الآية 62، الانتماء الشكلي لا قيمة له عند الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام لازلنا مع الدرس السابع والعشرين من سورة البقرة.

في القرآن الكريم آيتان تقتربان من الآية التالية:

مع الآية الثانية والستين وهي قوله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

هناك في القرآن الكريم آيتان تقتربان من هذه الآية ؛ الآية الثانيـة في سورة المائدة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69) ﴾

( سورة المائدة )

هناك الآية الثالثة من سورة الحج وهي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)﴾

( سورة الحج )

الإنسان يجمع بين المتناقضين فيه نفخةٌ من روح الله وقبضةٌ من تراب الأرض:

أيها الأخوة الكرام، كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، سيدنا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام تلا الحق على أولاده، وأولاده تلوا الحق على أحفادهم، وهكذا، لكن الذي حصل أن النفوس تنحرف، والشهوات تستعر، والمصالح تتضارب، فالإنسان مُركب من عقل ومن شهوة، لو كان مركباً من عقلٍ فقط لم تكن هناك أية مشكلة، لكنه ركب من عقلٍ وركب من شهوةٍ، في حين أن المَلَك ركب من عقلٍ فقط، هو يذكر الله دائماً، والحيوان ركب من شهوةٍ فقط وهو ليس مكلفاً، الإنسان نوعٌ عجيب، فيه نفخةٌ من روح الله، وفيه قبضةٌ من تراب الأرض، فيه حاجات عُليا، ونوازع عليا، وفيه شهوات سُفلى، هو المخلوق الأول، بطولته أنه يجمع بين المتناقضين، هناك شهوة تحرِّكه، وهناك قيمٌ يصبو إليها، فيه نفخةٌ من روح الله وقبضةٌ من تراب الأرض، تراب الأرض يشدُّه إلى الأرض:

﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 176 )

والنفخة من روح الله تشده إلى الله وإلى القيَم، الذي ترونه جميعاً أن الإنسان يقلق إذا انغمس في شهوته، يبحث عن شيءٍ مفقود لو أعطى نفسه هواها، لو انغمس في إمتاع نفسه بالشهوات المادية إلى قمَّةِ رأسه يشعر أن هناك شيئاً يخالفه، يختل توازنه، ولا يستعيد توازنه إلا إذا عرف الله، فلذلك ربنا عزَّ وجل خلق الإنسان من نسل آدم، وأسكن سيدنا آدم في الجنة، وأعطاه درساً له ولذريته من بعده، أعطاه درساَ بليغاً، وبيَّن الله عزَّ وجل لسيدنا آدم ولذريته من بعده:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6) ﴾

( سورة فاطر )

لكن الإنسان بعد أن تأتي رسالات الأنبياء قد ينسى وقد ينحرف، وقد يُفَرِّغ الرسالة من مضمونها.

 

حينما لا يطبق الدين تطبيقاً كاملاً لا تقطف ثماره:


حينما جاء الدين الإسلامي أيها الأخوة، كان فيه زخم روحي شديد، مضمون كبير، قيَم رائعة، سلوك منضبط، إخلاص شديد، ولكن مع مُضي الزمن أصبح الدين شكلاً وفُرِّغَ من مضمونه شيئاً فشيئاً، لذلك ربنا عزَّ وجل يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة دينها، يصبح الدين شكلاً، يصبح فلكلوراً، يصبح رقصاً، يصبح أناشيد، يصبح غناء، يصبح مظاهر فخمة، شهادات عُليا، ألقاباً علمية، مؤتمرات، مكتبة، ولا يوجد التزام، وحينما لا يطبق الدين تطبيقاً كاملاً لا تقطف ثماره، هذا شأن الإنسان حينما يميلُ إلى الشهوة على حساب القيم.الشيء المفروض أن الإيمان فطري، والله عزَّ وجل بدأ البشرية بنبيٍ عظيم هو سيدنا آدم، وينبغي أن يَسري الحق من جيلٍ إلى جيل، لكن الذي حصل أنه حدث انحراف، مع الانحراف يأتي الأنبياء والرُسُل العظام من قبل المولى جلَّ وعلا ليصححوا مسار البشرية فصار هناك يهود، سمي اليهود يهوداً لأنهم اتبعوا يهوذا أحد أولاد سيدنا يعقوب، أو لأنهم هادوا إلى الله أي تابوا إليه هذه أصل التسمية، علماً أن الواقع الحالي لا ينتمي لهذه التسمية، إما أنهم تابوا إلى الله أو أنهم اتبعوا يهوذا، والنصارى:

﴿ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾

( سورة آل عمران الآية: 52 )

سمي الذي اتبعوا المسيح نصارى، والذي اتبعوا سيدنا موسى سموا يهوداً.

الإنسان حينما ينسى منهج الله يتولَّد في نفسه عداوةٌ وبغضاء:

يقول الله عزَّ وجل :

﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 156 )

الآية دقيقة جداً ونحن في أمس الحاجة إلى معناها، فهذا الذي يملك إيماناً فطرياً بسيطاً، أو الذي آمن وانتمى إلى الإيمان شكلاً لا مضموناً، وهذا الذي انتمى إلى الدين اليهودي شكلاً لا مضموناً، وهذا الذي انتمى إلى الدين النصراني شكلاً لا مضموناً، تصور أربع محلات تجارية لا يوجد فيها بضاعة إطلاقاً، لكن توجد لافتات، لافتة كتب عليها مطرزات، لافتة كتب عليها أجواخ، لافتة كتب عليها ألبسة جاهزة، لافتة كتب عليها مواد غذائية، ليس في هذا المحل مواد غذائية، ولا ألبسة جاهزة، ولا مُطَرَّزات، ولا أجواخ، لا شيء فيها، ولكن توجد لافتات متباينة، وهناك صراع، وتعصُّب ديني، وحروب دينية، أما المضمون فارغ، النقطة الدقيقة جداً جِداً أن الإنسان حينما ينسى منهج الله يتولَّد في نفسه عداوةٌ وبغضاء، قال تعالى:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

( سورة المائدة الآية: 14 )

الآية تتحدث عن الذي ينتمي إلى الإيمان انتماءً شكلياً، ما الانتماء الشكلي ؟ حياته غربية، لا يوجد قيد في كسب المال، لا يوجد عنده انضباط، لا يوجد عنده منهج، إنفاق ماله بلا منهج وبلا ضابط، علاقاته مع النساء بلا منهج وبلا ضابط، يمضي وقت فراغه في أعمال سخيفة، ومتابعة أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، نمط حياته نمط غير إسلامي، لكنك تراه في المسجد يوم الجمعة، وقد علَّق في بيته آية الكرسي، وتراه يلبس الجديد في أيام العيد، ويهنِّئ ويبارك، البروتوكولات جيدة، الطقوس جيدة، الأعمال الاستعراضية جيِّدة، المظاهر جيدة، أما المضمون فهو غير إسلامي، فهذا الذي ينتمي إلى الدين انتماءً شكلياً، وهذا الذي ينتمي إلى اليهودية انتماءً شكلياً، وهذا الذي ينتمي إلى النصرانية انتماءً شكلياً.

 

الانتماء الشكلي إلى الدين مظاهر وطقوس وعبادات جوفاء لا معنى لها:

قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الحديد الآية: 27 )

هكذا وُصِفَ أتباع سيدنا عيسى، كتبوا على عُملتهم ثقتنا بالله لكنهم ماذا يفعلون ؟ يرتكبون من الجرائم في العالم ما يندى له الجبين، يبنون ثروتهم على نهب ثروات الشعوب، يبنون قوتهم على تدمير أسلحة الشعوب، يبنون رخاءهم على إفقار الشعوب، فالانتماء شكلي والدليل أن أعمالهم بخلاف ما وصفوا به:

﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الحديد الآية: 27 )

إذاً الانتماء شكلي، مظاهر، طقوس، عبادات جوفاء لا معنى لها، وقد تكون العبادات غناء وموسيقى وما شاكل ذلك:

﴿ وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35)﴾

( سورة الأنفال )

صار إحياء ليلة القدر برقص، أليس كذلك ؟ فهذا الدين قد فُرِّغَ من مضمونه.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ (62) ﴾

الصابئون حَكَّموا عقلهم فرفضوا بعض النصوص، أو انتقلوا من دينٍ إلى دين، أو أصبحوا بلا دين، إنسان لا يتبع سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام، ولا السيد المسيح، ولا سيدنا موسى، يقول لك: أنا عقلاني، أو أنا علماني، والأصح جَهْلاني، ليس له علاقة بالأديان، عقله هو دينه، وعقله الحَكَم .

العقل لا قيمة له من دون وحيٍ يرشده:

هناك نقطة مهمة جداً أيها الأخوة حتى أثبت لكم أن العقل وحده لا يكفي، يوجد عند طبيب العيون لوحة متدرجة في الدقة، فقبل آخر سطر إذا عرف اتجاه الـ (C) أو الـ (E) باللغة الإنكليزية، يكون نظره حاداً، يقول له الطبيب: يمين، يسار، فوق، تحت، إذا عرف قبل آخر سطر يأخذ عشرة على عشرة، إذا عرف آخر سطر يعطى اثنا عشر على عشرة، فأدق العيون هي التي تكشف اتجاه هذه الحروف في آخر سطر، لو أن إنساناً يملك عينين حادتين وهناك منظر جميل أمامه ولكن لا يوجد ضوء، ما قيمة العينين ؟ صفر، أَجلس في غرفة إنساناً أعمى وإنساناً له عينان حادتان، أطفئ المصباح ألا يستويان ؟ يستويان تماماً، معناها لا قيمة للعين من دون ضوءٍ يكون وسيطاً بينها وبين المرئي.
قس على ذلك العقل، والعقل لا قيمة له من دون وحيٍ يرشده، من هو العالم الغربي ؟ عالم قائم على العقل فقط، العقل قدَّم إنجازات مادية مذهلة، ولكنه هبط هبوطاً اجتماعياً وأخلاقياً مُريعاً، وما يُعانون منه من مرض الإيدز، ومن الجريمة، ومن التفكك الأسري، وانحلال الأسرة، وشيوع المخدرات شيء لا يحتمل، إنسان يتحرَّك وفق عقله فقط لا وفق منهج الله عزَّ وجل، والعقل قد ينتهي بالإنسانية إلى الدمار، بسبب استخدام العقل وحده.
أخواننا الكرام، الخلق هو سياج العقل، العقل قوة كبيرة، ما الذي يمنع صاحب العقل الكبير أن يصنع مادةً تؤذي الناس ؟ الآن العلماء الكبارُ الكبار يصنعون القنابل الجُرثومية، والقنابل الكيماوية، يبنون تفوَّقَهُم على تدمير البشرية، فما الذي يمنع العقل من أن يدمِّر العالم كله ؟ هو القيم الأخلاقية، ولا أخلاق بلا دين، معناها الدين أساس الأخلاق، والأخلاق أساس ضبط العقل، العقل يحتاج إلى وحي، والعقل مقياس غير صحيح من دون وحي، الآن الدليل، العقل مرتبط بواقع، لو أنهضنا إنساناً قبل مئة عام من قبره، وقلنا له: هذه الكتب ـ أربع جدران من الأرض إلى السقف كلها مجموعة بقرص ليزري واحد ـ لا يصدق كلامنا، أما الآن فهو شيء واقع، هناك الآن أقراص ليزرية فيها ألف كتاب بقرص ليزري واحد، العقل لا يصدق قبل مئة عام أنه من الممكن أن نبعث رسالة إلى أقصى قارة في العالم بثانية واحدة، الآن عن طريق الفاكس ترسل رسالة إلى أقصى مدينة في أمريكا، بغرب أمريكا على المحيط الهادي بثانية، لم يكن العقل يصدق أن يحدث شيء في مكان يراه العالم كله بالأقمار الصناعية، العقل لم يكن يصدق سابقاً، معناها العقل مرتبط بالواقع ولا يحق له أن يكون حكماً على النقل، النقل هو الحقيقة المطلقة التي من عند الله عزَّ وجل.

 

من هم الصابئون ؟

من هم الصابئون ؟ هم الذين حَكَّموا عقولهم في النصوص فرفضوا ما لا يروق لهم وقبلوا ما راق لهم، صابئ أي أنه انسلخ من الدين، احتكم للعقل، أي علماني بالتعبير الحديث، العلماني هو إنسان صابئ انسلخ من الدين وصار له مقاييس أخرى.
على كلٍ الآية مخيفة، هذا الذي ينتمي إلى الإسلام شكلاً، أو إلى الإيمان العامي الفطري شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى اليهودية شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى النصرانية شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى عقله ويحَكّم عقله في كل نقل، في المعنى الضمني لهذه الآية :

﴿ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾

( سورة النحل الآية: 71 )

وقال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ (62) ﴾

من هؤلاء جميعاً المقبول منهم:

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

حقيقة الإيمان أن تؤمن بأن الله موجود:

حقيقة الدين، جوهر الدين أن تؤمن بالله، يمكن لكل واحد أن يقول: أنا مؤمن بالله ؟ ولكن حقيقة الإيمان أن تؤمن بأن الله موجود، وأنه في السماء إلهٌ وفي الأرض إله، وأن هذا الذي تستمع إليه من أحداث من تدبير الله، ويد الله فوق أيديهم، ويد الله تعمل في الخفاء، وما من إلهٍ إلا الله.

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً(26) ﴾

( سورة الكهف )

وقال:

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر )

وقال:

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 54 )

وقال:

﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِك فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) ﴾

( سورة فاطر )

وقال:

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾

( سورة الرعد الآية: 11 )

حينما تؤمن بالله الواحد الأحد لا يمكن أن تُقْدِم على معصية ولو أعطوك ملء الأرض ذهباً :

حينما تؤمن أن الله هو الفَعَّال، يقول لك: هناك في كل بلد رجل قوي، قد يكون ظاهراً وقد يكون غير ظاهر، من هو الرجل القوي في كل بلد ؟ لا يوجد إلا الله هو القوي، هو الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الباقي على الدوام، بيده الأمر، بيده مقاليد السماوات والأرض:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

( سورة هود الآية: 123 )

وقال:

﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ﴾

( سورة الحديد الآية: 3 )

وقال:

﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة الحديد )

لا يقع شيءٌ في الكون إلا بإذنه، هذا هو الإيمان، يبنى على هذا الإيمان أشياء كثيرة، حينما تؤمن أن الله وحده هو الفَعَّال لا تنافق لأحد، حينما تؤمن أن الله وحده هو الفعال لا تبتغي رزقاً بمعصية، مستحيل، حينما تؤمن بالله الواحد الأحد لا يمكن أن تُقْدِم على معصية ولو أعطوك ملء الأرض ذهباً لأنك تعلم أنك خاسر لا محالة، معنى تؤمن أي أن يتغلغل الإيمان إلى أعماق الإنسان فيغير كل صفاته، وكل مبادئه، وكل قيمه، وكل أهدافه، الإيمان يصنع إنساناً جديداً، يعد المؤمن الفوز بالعطاء لا بالأخذ، أكثر الناس يشعرون براحة حينما يأخذون، حينما يتملكون لا حينما يعملون عملاً صالحاً.
الإيمان الحق يعكس موازين الإنسان، الإنسان له موازين مادية، لكن حينما يؤمن بالله تختلف موازينه.

الإنسان له موازين مادية لكن حينما يؤمن بالله تختلف موازينه:

الإيمان الحق يعكس موازين الإنسان، الإنسان له موازين مادية، لكن حينما يؤمن بالله تختلف موازينه.
مثل بسيط أضربه دائماً ؛ قال مَلِك لأستاذ: عَلِّم ابني دروساً وأنا أكرمك، إذا عرف هذا الأستاذ ما معنى مَلِك، وأن كل شيء بيده، وأقل عطاء له بيت وسيارة، المستحيل أن يطلب من الابن أجرة الدرس، يقول لتلميذه ابن الملك: لا، والدك يحاسبني، أما إذا لم يعرف من هو الملك، فطالب الابن بأتعابه، أعطاه على الدرس ألف ليرة مثلاً ولكنه أضاع على نفسه عطاءً كبيراً .
أنت حينما تؤمن أن الأمر بيد الله وحده لا ترجو سواه، لا تتضعضع أمام غيره، ولا تعلق أملاً على إنسانٍ آخر، فالإيمان شيء يغيِّر نمط الإنسان، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( لن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفاً مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

أي اثنا عشر ألف مؤمن لن يغلبوا في الأرض، وإذا كان مليار ومئتا مليون مغلوبين، مغلوبين على أمرهم، ليس أمرهم بيدهم، ليست كلمتهم هي العُليا، أعداءهم يتحدَّونهم، لأنه:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) ﴾

( سورة مريم )

هذا هو الكلام الدقيق.

إذا لم تؤمن أن هناك يوماً هو يوم الجزاء والحساب لن تستقيم في سلوكك :

قال تعالى :

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (62) ﴾

أركان الإيمان خمسة، لماذا في معظم الآيات الكريمة قرن ربنا الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر ؟ أي أنَّك إذا لم تؤمن بأن هناك يوماً تسوى فيه الحسابات، تسترد فيه الحقوق، يُنْصَف المظلوم من الظالم، يؤخذ الحق من القوي إلى الضعيف، إذا لم تؤمن أن هناك يوماً، هو يوم الجزاء، يوم الدينونة، يوم الحساب، لن تستقيم في سلوكك:

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

هناك انتماءات شكلية للأديان، وهناك جوهر الدين الذي أراده الله عزَّ وجل، جوهر هذا الدين أن تؤمن بالله، وأن تثق به، وأن تعتمد عليه، وأن تتوكل عليه، وأن تعلِّق عليه الآمال، وأن تطيعه، وأن تحبه، وأن تُقبل عليه، وأن تعمل لليوم الآخر، هذا هو الدين، تجد المؤمن أمره عجيب يركض بلا أجر، لا يريد شيئاً، يشتغل أربعاً وعشرين ساعة، يعمل ليل نهار، يقدِّم ولا يأخذ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، إنسان كل حياته عطاء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي الليل لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته، فكانت تنحرف يساراً كي يصلي، أنتم ترون هذه الأبهة الواسعة شيء يأخذ بالألباب، سيد هذه الأمة كان بيته صغيراً جداً لا يتسع لصلاته ونوم زوجته.

تخلَّى الله عن المسلمين لأنهم عصوه:

الأنبياء العظام أعطوا ولم يأخذوا، وهناك من يأخذ ولا يعطي، والمؤمن بين بينَ يأخذ ويعطي، ولكن لا بد من أن تعطي، إذا آمنت بالآخرة لا بد من أن تعطي، ماذا قدمت؟

(( يا بشير لا صدقة ولا جهاد فبم إذن تدخل الجنة ؟ ))

[أحمد عن بشير بن الخصاصية]

هذا السؤال الدقيق، ماذا قدمت للمسلمين ؟ أي عملٍ فعلته في سبيل الله ؟ أي عمل فعلته تقرُّباً إلى الله ؟ هذه نقطة دقيقة جداً، قد تلاحظ مسلماً غير منضبط، طعامه، شرابه، لقاءاته، سهراته، اختلاطه، كسب ماله، أين يمضي وقت الفراغ ؟ أجهزة اللهو في بيته، نساءه متبرجات كاسيات عاريات، وازن بين أسرة تنتمي للإسلام شكلاً، وأسرة تنتمي للنصرانية شكلاً، وأسرة تنتمي لليهودية شكلاً، وإنسان علماني تجدهم مثل بعضهم، هناك تشابه ولكن هناك تعصب، هناك تشابه، أما لو تمسك هؤلاء بالدين الحقيقي لالتقوا ولاجتمعوا لأن المنهج واحد والأصل يوحِّد، فلذلك لا يريد الله عزَّ وجل الانتماء الشكلي، لا يريد التعَصُّب.
تجد أحياناً طالباً دفاتره أنيقة جداً ولكنه استحق بكل المواد أصفاراً، كل دفتر مغلف وفوقه نايلون، وبطاقة، ولوحة، ونشَّافة، وشريطة، ويأخذ صفراً بالمذاكرات، فهذه الأشياء الشكلية لا تقدِّم ولا تؤخر، لا تكفي العناية بالمساجد لوحدها فقط، دخلت مسجداً في الدار البيضاء في المغرب كلف تشييده ألف مليون دولار، شيء يفوق حد الخيال، بني فوق البحر، من يجلس في الحرم يرى البحر، استوحي هذا المسجد من قوله تعالى:

﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾

( سورة هود الآية: 7 )

تجد البحر من تحته، نعتني بالمساجد لكن البيوت خَرِبَة، البيوت جحيم، العلاقات كلها علاقات ربوية، العلاقات بين الجنسين علاقات بغي وعدوان، يبدو في هذا الوضع كما لو أن الله تخلَّى عن المسلمين لأنهم عصوه:

(( إذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني.))

[ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض]

الإيمان المنجِّي هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله وعلى التخلُّق بالخلق الإسلامي:

أيها الأخوة، هذه آية أساسية جداً :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (62) ﴾

الإيمان الشكلي:

﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى (62) ﴾

والعلمانيون معهم:

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (62) ﴾

الإيمان المنجِّي، هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، هو الإيمان الذي يحملك على التخلُّق بالخلق الإسلامي:

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (62) ﴾

المؤمن يهيئ جواباً لله عن كل حركة، كل سكنة، كل عطاء، كل مَنع، كل وَصل، كل قطع، كل رضا، كل غضب، ماذا سيقول لله عزَّ وجل يوم القيامة لو سأله: لم طلَّقت ؟ لم غضبت ؟ لم أعطيت ؟ لم منعت ؟ لم فعلت ؟ لم تركت ؟

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً (62) ﴾

آمن بالله وباليوم الآخر فاستقام وعمل صالحاً، قال: هؤلاء هم الذين وضعوا أيديهم على جوهر الدين، تصور إنساناً بدوياً لا يقرأ ولا يكتب، راعياً، قال له سيدنا عمر: " بعني هذه الشاة وخذ ثمنها " ، قال له: " ليست لي " ، قال له: " قل لصاحبها ماتت" ، قال له: " ليست لي "، قال له: " خذ ثمنها "، قال له: " والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادقٌ أمين، ولكن أين الله ؟ " .

 

الذين فرَّغوا الدين من مضمونه بقي لهم من الدين الانتماء الشكلي:

أيها الأخوة، صدقوني لو وصل المسلمون لمستوى هذا الراعي الأُمي لكانوا في حالٍ غير هذه الحال، ليست القضية بالدراسات العُليا ولا بالألقاب العلمية القضية بالاستقامة، هذا الأعرابي وضع يده على جوهر الدين، والذين فرغوا الدين من مضمونه جعلوا الدين تقاليد، عادات، مظاهر، ألقاباً، افتخاراً، الذين فرَّغوا الدين من مضمونه بقي لهم من الدين الانتماء الشكلي، هذا الانتماء الشكلي لا قيمة له عند الله أبداً.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً (62) ﴾

هؤلاء الذين يحبُّهم الله عزَّ وجل، إذاً هذه الآية دقيقة، أي إنسان ينتمي لهذه الأديان لو انسلخ من هذا الانتماء الشكلي و:

﴿ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

هذه الآية آية البقرة .

سبب رفع كلمة " الصابئون " في الآية التالية:

الآية الثانية قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴾

(سورة المائدة الآية: 69 )

هنا مشكلة، " إنّ " حرف مشبَّه بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

الذين اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم إنّ .

﴿ والَّذِينَ هَادُوا ﴾

معطوف، أما:

﴿ وَالصَّابِئُونَ ﴾

وقال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴾

للفت النظر ورد في الآية كلمة

﴿ الصَّابِئُونَ ﴾

مرفوعة، أي أن هذا الذي احتكم لعقله ـ مع أنه عقله مربوط بالواقع وعقله يحتاج إلى وحي ـ فهذا وقع في ضلالٍ كبير.

 

جميع الاتجاهات الدينية في العالم الله وحده هو الذي سيفصل بينهم يوم القيامة:

قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69)﴾ 

( سورة المائدة )

هذا التطمين الثاني، الأولى : 

﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

هنا :

﴿ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69)﴾

(سورة المائدة )

الآن لو أخذنا مجموع الاتجاهات الدينية في العالم ؛ هناك وثنيون، هناك بوذيون، وهناك سيخ، وهندوس، وعُبَّاد النار، وعُبَّاد الشمس، وعُبَّاد البَقَر، وعُبَّاد المَوج، وعُبَّاد الفَرج، و عُبَّاد لا نهاية لهم، قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا (17) ﴾

( سورة الحج )

من هو على الحق منهم ؟ قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17) ﴾

( سورة الحج )

كلٌ يدَّعي أنه على حق، وكل مِلَّة، وكل اتجاه، وكل مذهب، وكل دين، وكل طائفة، وكل جماعة تدعي أنها على الحق، لكن من هو الذي سيفصل بينهم ؟ هو الله عزَّ وجل، الله عزَّ وجل يعلم السر وأخفى.

 

صفات الضالين في العالم أربع:

هناك اتجاهات كلها ضالة لكن بشكل أو بآخر صفات الضلال بالأرض أربع:
أول صفة: تأليه الأشخاص، كثيراً ما تجد أدياناً كل شيء هو الذي يقوله رئيس الدين، لا يوجد منهج، قد يكون مثلاً رئيس مجوعة دينية، قد يكون ديناً أرضياً، الذي يقوله هو التشريع، لا يوجد تشريع بل تأليه للأشخاص.
الثانية: اعتماد النصوص الموضوعة والضعيفة .
الثالثة: تخفيف التكاليف .
الرابعة: النزعة العدوانية.
هذه صفات الضالين في العالم، أما نحن المبادئ عندنا أقوى من الأشخاص:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)﴾

(سورة الحج )

إذا أراد الإنسان أن يتبع الدين اتباعاً حقيقياً يجد الكثير من المبادئ والتعليمات يجب أن تُطبق:

في الإسلام، النبي عليه الصلاة والسلام :

﴿ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ﴾

(سورة الأعراف الآية:203 )

سيدنا الصديق قال: " إنما أنا متبع ولست بمبتدع، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم."
حتى في الدعوات الدينية إذا قال الشيخ فرضاً: " يا بني أنت ما دمت معنا فلا تخف "، فمن أنت ؟ ذُكِرت قصة في أحد الكتب أن أحدهم توفي وعندما جاءه الملكان ليسألاه عن دينه وعن ربه وعن نبيه، تلقيا ضربة أخرجتهم من القبر، قيل لهما: " هذا مريدي، أمِثل هذا يُسْأل !! " ، فهذا كلام مضحك، قال تعالى مخاطباً نبيَّه:

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)﴾

(سورة الأنعام )

سيد الخلق حبيب الحق:

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)﴾

يا رسول الله: " مَثِّل بهم " قال: " لا أمثل بهم فيمثِّل الله بي ولو كنت نبياً "، هناك خوف من الله، هناك انضباط، لذلك إذا أراد الإنسان أن يتبع الدين إتباعاً حقيقياً يجد عنده مئات الألوف من المبادئ والتعليمات، وافعل ولا تفعل، هذه كلها ينبغي أن تطبق.

 

الإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له إطلاقاً:

قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)﴾

(سورة الحج )

الملخص: الانتماء الشكلي لا قيمة له عند الله، جوهر الدين أن تؤمن بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، وأن تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته، إذا قال إنسان لك: أنا مطلع على مقالات عن أضرار الدخان وتراه يدخن، فأنت لن تصدقه، هذا جاهل، ما دام مطلعاً على مقالات عن أضرار الدخان ويدخن فمعلوماته لم تحمله على ترك الدخان، إذاً هذه المعلومات لا قيمة لها إطلاقاً، أما عندما يطلع الإنسان على مضار الدخان ويقلع عن التدخين نقول: معلوماته التي قرأها عن الدخان حَمَلَتْهُ على ترك الدخان، هذه معلومات مجدية ـ طبعاً من باب التمثيل ـ وحينما تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته، وعلى تحرِّي الحلال، وعلى ترك الحرام، وعلى خدمة الخَلق، هذا الإيمان هو المجدي، وإلا أي إيمان لم يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له، بعضهم يسميه تندراً [إيمان إبليسي]، لأن إبليس قال:

﴿ فبعزتك (82)﴾

( سورة ص)

آمن بالله رباً وآمن به عزيزاً، وقال له:

﴿ فأنظرني إلى يوم يبعثون (79)﴾

( سورة ص)

آمن بيوم البعث، وإبليس قال له:

﴿ خلقتني من نارٍ (76)﴾

( سورة ص)

آمن أنه خالق، فآمن بأنه خالق وعزيز ورب وآمن بيوم البعث، ومع ذلك هو إبليس، فالإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له إطلاقاً، صفر.

العبرة أن تملك الحقيقة لأن الله يفصل بين الناس يوم القيامة:

ثلاث آيات أيها الأخوة ؛ في البقرة آية، في المائدة آية، في الحج آية:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

هذه آية البقرة. أما آية المائدة فهي:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69) ﴾

( سورة المائدة )

آية الحج :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)﴾

( سورة الحج )

العبرة لا أن تقنع الناس بباطلك، العبرة أن تكون عند الله على حق ـ دققوا في هذه الكلمة ـ قد تقنعني أن معك كيلو من الذهب وهو من التنك، ما قيمة هذا الإقناع ؟ أنت الخاسر الأول لا سمح الله، وقد تملك كيلو ذهب وأنا متوهِّم أنه تنك معدن خسيس، لا قيمة لهذا الوهم فأنت الرابح الأول، العبرة أن تملك الحقيقة لأن الله يفصل بين الناس يوم القيامة.

 

المؤمن الصادق يحاول أن يوفِّق بين قناعاته وبين مقاييس القرآن الكريم:

أنا لم أر فئة إلا وتدعي أنها على حق، أي فرقة، أي نموذج في العالم كله، كل جماعة تدَّعي أنها على حق، وهي الصفوة المختارة ـ الصفوة النار ـ هكذا، أما المؤمن الصادق يحاول أن يوفِّق بين قناعاته وبين مقاييس القرآن الكريم، العبرة كما قال النبي الكريم:

(( ابتغوا الرفعة عند الله ))

[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ]

العبرة أن تكون عند الله على حق، وأن تكون عند الله مرضياً :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) ﴾

( سورة القيامة )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور