وضع داكن
20-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الندوة : 04 - العقل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ عدنان:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أيها الأخوة والأخوات السلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وأرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج:"مكارم الأخلاق"، وباسمكم أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً ومرحباً بكم دكتور.
الدكتور راتب:
بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً.
الأستاذ عدنان:
حياكم الله، العقل كلمة تدرج على الألسنة فيقال: هذا عاقل، وهذا قليل عقل، وهذا يستطيع بعلقه أن يصل إلى ما يشاء، كلام كثير عن العقل، ترى ما هو العقل؟ ما تعريف العقل؟.

تعريف العقل :

الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أستاذ عدنان، العقل جهاز أودعه الله في الإنسان ليكشف به بعض الحقائق، هناك معرفة حسية أساسها الحواس الخمس، هذه المعرفة بسيطة، أنت ترى، وتسمع، وتشم، وتلمس، وتشعر، هذه المعرفة الحسية نحن وبقية المخلوقات فيها سواء، لكن هناك معرفة أرقى، أنه أودع الله في الإنسان جهازاً إن رأى الأثر عرف منه المؤثر، وإن رأى التسيير عرف منه المسير، وإن رأى الحكمة عرف منه الحكيم.
فالعقل معرفته أرقى من المعرفة الحسية، فالمعرفة الحسية شيء ظهرت ذاته وآثاره، أداة اليقين بهذا الشيء الحواس الخمس، لكن هناك أشياء عظيمة جداً غابت عنا ذاتها، بقيت آثارها، يأتي دور العقل ليكتشف ذاتاً غابت عينها، وبقيت آثارها.
لذلك الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، ولا دخان بلا نار، فالعقل معرفته أرقى، أنت بإمكانك من آثار الشيء أن تعرف الشيء.
الآن الذات الكاملة خالق السماوات والأرض، من بيده ملكوت كل شيء، لن نستطيع أن نراه بحواسنا، لن نستطيع أن نراه قطعاً.

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 103 ]

لن نستطيع أن نراه قطعاً،

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

ولكن العقول تصل إليه ولا تحيط به، تماماً لو ركبت مركبتك إلى البحر، تصل بالمركبة إلى شاطئ البحر، لكنك بالتأكيد لن تستطيع أن تخوض بها البحر.

 

العقل قد يكون صريحاً وقد يكون تبريرياً :

لذلك العقل جهاز راق جداً، بل هو أعقد ما في الكون من دون استثناء، بل هو عاجز عن فهم ذاته، بل إن كل هذه المنجزات التي تراها العين في الأرض من إنتاج العقل، ولو أن الإنسان استخدم عقله واحد بالمليار من الجهود التي بذلها من أجل أن ينقل الصورة عبر الفضائيات، وأن يصل إلى القمر، وإلى المريخ، وإلى المشتري، وأن يغوص في أعماق البحار، وأن ينقل الصوت من مكان إلى آخر، وأن ينقل الرسالة، كل هذه المنجزات العلمية الرائعة من اختراع العقل، لذلك هو أكبر جهاز في الكون.

لكن هذا العقل قد يكون صريحاً، وقد يكون تبريرياً، يسقط العقل حينما يكون تبريرياً، ويصبح أداة رخيصة كما لو اشتريت آلة غالية الثمن، آلة تصوير ملونة غالية جداً، يمكن أن تربح منها ملايين مملينة من تصميم الخرائط، وأغلفة الكتب، والبطاقات، فاستخدمها الإنسان لتزوير العملة، فأودع في السجن.
فالعقل يمكن أن يكون صريحاً وهو طريق معرفة الله، ويمكن أن يكون تبريرياً فكل الجرائم التي ترتكب في الأرض تغطى بكلمات معسولة كالحرية والديمقراطية مثلاً، هذا العقل التبريري ساقط ولا قيمة له.

 

الحق دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط :

بل إن الحقيقة التي أعتقد بها أن الحق دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط، خط العقل الصريح الحر، الذي يقود ولا ينقاد، لأن الإنسان حينما ينحرف، وحينما يسقط، يستخدم العقل للتبرير، وهذه أقذر مهمة للعقل، أن تستخدم العقل لتبرير الجريمة.

فلذلك هذه الدائرة التي هي الحق تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط العقل الصريح الحر القائد، وخط النقل الصحيح، ذكرت كلمة صحيح لأنه هناك نقلاً غير صحيح، هناك نص قد يكون موضوعاً، وقد يكون ضعيفاً، وقد يكون النص صحيحاً لكن تأويله مغلوط، إذاً الخط الثاني النقل الصحيح، الخط الأول العقل الصريح، الخط الثالث الفطرة السليمة، الإنسان حينما يستمرئ الانحراف تنطمس فطرته، وتصبح فطرته غير سليمة، والواقع الموضوعي والواقع قد يزور، قد تقول كلاماً غير صحيح عن واقع ما.

إذاً الحق دائرة تخطها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي، ولأن الواقع خلقه، ولأن النقل وحيه، ولأن العقل جهاز راقٍ جداً أودعه الله فينا، ولأن الفطرة مقياس عاطفي، تكشف به الخطأ، كلها من صنع الله وحده، إذاً هي متساوية فيما بينها.
هذا ما دعا بعض كبار العلماء إلى أن يقول: حتمية توافق العقل مع النقل، ولا يتناقض العقل مع النقل إلا قطعية أحدهما، قد يكون العقل غير صحيح، تراقب نصاً شرعياً وقد يكون النص غير صحيح يناقض حقيقة علمية، أما يتناقض العقل مع النقل لعدم حدية أحدهما، قطعية أحدهما.

 

كل إنسان يحاسب على عقله و عاطفته :

إذاً العقل جهاز دقيق جداً، مثلاً إنسان أراد أن يبيع بيتاً غالياً جداً، باعه بعملة صعبة

في جيبه الأيمن جهاز لكشف العملة المزورة، وفي جيبه الأيسر نشرة بأرقام الأوراق النقدية ذات الأرقام المزورة، لم يستخدم جهاز كشف العملة المزورة، ولم يستخدم الورقة التي في جيبه الأيسر، فهو أحمق، إنسان معه عقل، ومعه شرع، لم يستخدم عقله لكشف الحقيقة، ولم يستخدم هذا الوحي العظيم لكشف الخطأ، حينما أهمل عقله ولم يطلع على دقائق الشرع وقع في الشقاء، لذلك قال تعالى :

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾

[ سورة الرحمن الآية :7 ]

أعطاك ميزاناً، العقل ميزان، والفطرة ميزان، وبعضهم قال :

﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾

[ سورة الإسراء ]

وبعضهم قال : الرسول هو العقل، أي الإنسان يحاسب على عقله لأنه كافٍ لمعرفته، ويحاسب على فطرته لأنها كافية لمعرفة خطئه، إلا أن تفاصيل الشريعة لمن يبلغه الوحي ليس مطالباً بها، لكن مطالب أن عقله يكفي لمعرفة خالقه، وأن فطرته تكفي لمعرفة خطئه، إذاً أداة معرفة الله.
الأستاذ عدنان:
دكتور، الله تعالى دعا العقل فأقبل، وبعده فابتعد، فأعطاه لأحب مخلوقاته إليه وهو الإنسان، الآن طالما أن العقل يستطيع أن يفكر، ويعطي، ويحلل، وكأنه كمبيوتر معقد جداً جداً، بل أعلى من ذلك بكثير، نحن نجد وفي صريح القول :

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 44 ]

كما علمنا الإسلام، العقل طالما أنه يعطي الإنسان هذه القدرة على التمييز والتفكير ومعرفة الحقيقة، هل تراني أستطيع أن أقول من خلال شرحكم أن العقل التبريري هو الذي جعله يبتعد عن الله تعالى؟.

 

العقل يساء استخدامه حينما يغدو عقلاً تبريرياً :

الدكتور راتب:
طبعاً، سيدي، لأن الإنسان مخير، كل شهواته، وكل حظوظه، وكل خصائصه حياديةفالعقل قد يكون أكبر سبب لمعرفة الله، والميل إلى الآخرة، وقد يكون أكبر سبب لشقاء في الدنيا والآخرة، كما فلت قبل قليل: آلة طابعة قد تربح منها ملايين مملينة، لكن الإنسان استخدمها لتزوير العملة أي أساء استخدامها، فالعقل يساء استخدامه حينما يغدو عقلاً تبريرياً.

مبادئ العقل :

1 ـ نظام السببية :

على كلٍّ أستاذ عدنان، العقل فيه مبادئ، وهو أداة معرفة الواقع، الواقع مبني على نظام السببية، والعقل لا يفهم شيئاً من دون سبب، تطابق بنية العقل مع الواقع شيء رائع جداً، لولا هذا التوافق بين مبادئ العقل وبين خصائص الكون ليس للعقل أي فائدة، لكن أنت لا تفهم شيئاً بلا سبب، والكون بني على نظام السببية، وكأن الله أراد من خلال هذا النظام السببي أن يأخذك بلطف إليه، أي البيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، من خلق أول دجاجة؟ لو أن الكون ليس فيه نظام السببية لما آمنت بالله، تقول: هكذا خلق الكون، ما دام ليس هناك نظام سببية، لكن أي شيء تناله له سبب، وهو سبب موجب، وله سبب مقوي، فأنت حينما تفكر بالأسباب تصل إلى مسبب الأسباب، إلى خالق الأرض والسماوات.
فأنت لا تقبل أنك إذا غبت عن بيتك، وأقفلت الأبواب بإحكام، وقطعت التيار الكهربائي، لا تقبل إذا عدت إلى البيت بعد أسبوع، وليس مع أي إنسان مفتاح لهذا البيت أن ترى ضوءاً متألقاً ينخلع القلب، لماذا هذا الخوف؟ لأنك موقن أن أحداً دخل إلى البيت، لأن تألق الضوء يحتاج إلى يد صنعته.
إذاً نحن كل حياتنا قائمة على نظام السببية.

2 ـ نظام الغائية :

الآن وأنت لا تفعل شيئاً بلا غاية، من صفات العاقل أن كل عمل له غاية، لماذا البقرة تعطي أربعين كيلو حليب مع أن وليدها يحتاج إلى كيليين فقط؟ كأن الغاية الإنسان.

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

[ سورة النحل الآية : 5 ]

لماذا الأرض تدور حول الشمس؟ من أجل اختلاف الليل والنهار، لماذا محورها مائل؟ من أجل الفصول الأربعة، لماذا هناك تربة؟ من أجل الزراعة، لماذا هناك أمطار؟ من أجل الآبار، فأنت حينما تفهم الشيء بسببه، وتفهم الشيء بغايته، تستقيم المعرفة، العقل شيء ثمين جداً، لكن أنا أحذر من أن العقل وحده لا يكفي.
الأستاذ عدنان:
هل يمكن أن يحدث التناقض مثلاً بين الأسباب التي تحدثنا عنها وبين الغايات التي يؤمل أن تكون قد وصل إليها بنو آدم؟.

 

 

الغاية والسبب متكاملان وليسا متناقضين :

 

الدكتور راتب:
الحقيقة أن الغاية والسبب متكاملان، وليسا متناقضين، أنت مثلاً ترى شاحنة وراءها سلسلة، أنت لا علاقة لك بالشاحنات إطلاقاً، لك عمل علمي، لكن هناك تساؤلاً لماذا هذه السلسلة تجر وراء الشاحنة؟ لا ترتاح إلا إذا عرفت الغاية منها، كسبب واضحة، سلسلة حديدية تنتهي بقطعة حديد مبسطة، تجر وراء الشاحنة، لكنك حينما تعلم أن هناك صواعق، فإذا اتصلت المركبة بالأرض مباشرة أفرغت هذه السلسلة الشحنة الكهربائية ولم تحترق المركبة فهمت حكمتها.
تقتني أحياناً آلة ظاهرة، فيها نتوء، لماذا هذا النتوء؟ لا تفهمه إلا بغاية، لذلك الإنسان العاقل لا يفهم شيئاً بلا سبب، ولا يفهم شيئاً بلا غاية.
الأستاذ عدنان:
إذاً بالتالي لا يقبل التناقض.

3 ـ نظام عدم التناقض :

الدكتور راتب:
أبداً، المبدأ الثالث : عدم التناقض، لأنه أنت كقاض لو اتهم إنسان بقتل إنسان وأثبت لك هذا المتهم أنه كان في مدينة بعيدة جداً وقت حدوث الجريمة، تقتنع ببراءته، لأنه لا يقبل ولا يعقل أن يكون الإنسان في مكانين في آن واحد، إما في دمشق، أو في حلب.
لذلك العقل لا يقبل التناقض، ولو أعمل الإنسان عقله في الكون لكان العقل أحد أكبر الأسباب الموصلة إلى الله، أنت لا تقبل مطبعة فيها حبر، وفيها حروف، فيها ورق، أحدثنا فيها انفجاراً ضخماً، فالمحصلة قاموس لا روس، أنت لا تقبل أن تهب عاصفة على مجمع حديدي فإذا هي طائرة بوينغ 777، هذا شيء مستحيل، أي العقل أداة معرفة الله، ومناط التكليف، ولكن لا بد من تحفظات كثيرة.
الأستاذ عدنان:
هنا دكتور قال أحدهم من خلال دعابة، ومن خلال فكرة عقلية: أنت لا تقبل كما ذكرت بأن يحدث بركان مثلاً، ويقذف ما في باطن الأرض، فإذا بهذه المقذوفات من باطن البركان يبنى جدار ثم جدار آخر، ثم غرفة، ثم بورسلان ثم، ثم، حتى يتم قصراً رائعاً، هذا لا يقبل، ولا يحدث على الإطلاق.

العقل مناط التكليف :

الدكتور راتب:
هو نفي مبدأ الصدفة، لو وضعنا في كيس عشر ورقات مرقمة بالتسلسل من الواحد إلى العشرة، احتمال أن تسحب هذه الأوراق تباعاً وتكون الأرقام مسلسلة واحد على عشرة آلاف مليون، أي عملية بسيطة جداً، عشر أورق صغيرة، على كل ورقة رقم من الواحد للعشرة، وضعت في كيس، أن تسحب هذه الأوراق بالتتابع بشكل متسلسل هذه من واحد من عشرة آلاف مليون حالة.
أما ذرة حمض أميني، وذرات الكون لا تكفي لتصنيع حبة ذرة حمض أميني صدفة.
لذلك العقل حينما يفقد مبدأ الصدفة، قال تعالى :

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾

[ سورة الطور ]

فالعقل مناط التكليف، والآيات التي تتحدث عن العقل، وعن العلم تقترب من ألف آية.

﴿ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة يس ]

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ ﴾

[ سورة الغاشية الآية : 17 ]

أفلا يتفكرون.

﴿ لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الصافات ]

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾

[ سورة التكوير ]

لذلك الإنسان كائن عاقل.

 

العقل من دون وحي يهتدي به كالعين من دون ضوء :

ولكن أستاذ عدنان، التحفظ الكبير الأول لو أن إنساناً فحص عينيه عند طبيب متفوق في العيون، فكانت عيناه من أعلى مستوى، في لوحة الفحص هناك حروف لتكن حروف C أو E، يقول له: أول حرف إلى أين جهته؟ يمين، يسار، فوق، تحت، السطر القبل الأخير إذا عرفت اتجاه الحروف تكون الرؤية عشرة على عشرة، هناك سطر بعده لو وصلت للصحة أي الرؤية 12 على عشرة، فهذه العين دقيقة جداً، لو ألغيت الضوء لا قيمة لها، يستوي في الظلام الدامس الأعمى والبصير، في هذه الحالة يستوي الأعمى والبصير، مع أنهما لا يستويان، أما في الظلام الدامس يستوي الأعمى والبصير، معنى ذلك أن العين لا قيمة لها من دون ضوء يكون وسيطاً بينها وبين المرئيات.
أنا مؤمن بكل خلية في جسمي، وبكل قطرة في دمي، أن العقل من دون وحي يهتدي به شأنه كشأن العين من دون ضوء.

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾

[ سورة المدثر ]

كل شيء في الكون يدل على الله :

من هنا أقول : أنت بالعقل يمكن أن تعرف الله من خلال خلقه، من خلال الكون، لأن كل شيء في الكون يدل على الله، وأنت بالعقل يمكن أن تعرف الله، وأنت بالعقل يمكن أن تعرف رسوله من خلال قرآنه، وينتهي دور العقل، ليأتي بعده دور النقل، كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، الماضي السحيق، المستقبل البعيد، المخلوقات التي لا تراها كالجن والملائكة كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبر الله به.
أنت عندك ميزان حساس جداً، غالٍ جداً، فيه عشرات الذواكر، هذا الميزان تستخدمه في البقالية، لكن في أصل التصميم حدود استعماله من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو، يقدم لك نتائج رائعة ضمن الحدود، لو أردت أن تزين به مركبتك وضعته على الأرض وسرت فوقه كسرته، هل نتهم الشركة الصانعة، تقول لك : لا، أنت استخدمته لغير ما صنع له.
فأنت حينما تتفكر بذات الله تهلك:

(( تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))

[ورد في الأثر]

لذلك العقل البشري له مهمة محدودة، يعرف ذاتاً غابت عينه، وبقي لها آثار، أما إذا غابت الذات وآثارها لا سبيل إلا للخبر الصادق.
الأستاذ عدنان:
وما هو الوحي والعقل دكتور؟.

 

الوحي والعقل :

الدكتور راتب:
الوحي والعقل، الوحي للعقل كالنور للعين، والعقل والنقل، مهمة العقل قبل النقل التأكد من صحة النقل، وبعد النقل فهم النقل، أما أن يكون العقل حكماً على النقل فهذا مستحيل، وهذا مرفوض، لأن النقل وحي الله، لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، أما العقل فمتعلق بالوقت، لو أيقظنا إنساناً من قبره، وأطلعناه على قرص فيه سبعة آلاف كتاب لا يصدق، لأن عقله مربوط بواقع ليس فيه هذه البرمجيات.
لذلك العقل مع الوحي مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل، مهمته بعد النقل فهم النقل، ولم يكن العقل حكماً.
الأستاذ عدنان:
إذاً العقل يفيد الإنسان في معرفة أشياء كثيرة، يبصره بالحقائق، لكنه لا يمكن أن يلغي دور النقل والوحي اللذين أرادهما الله تعالى من خلال الشريعة الإسلامية، نستطيع أن نتابع معكم دكتور، التفكر والتفكير أشياء هامة في حياة الإنسان نستطيع أيضاً أن نتابع معكم أشياء هامة علمية، في هذا الإطار، فماذا تختار؟.

الموضوع العلمي :

العلق :

الدكتور راتب:
وصلنا إلى العلق، قال تعالى :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

[ سورة العلق ]

نرى على الشاشة نطفة الرجل التي اتحدت قبل قليل مع البويضة، المعلومة الوراثية للنطفة والبويضة بعضها إلى جانب بعض، هنا الآن سوف تتحقق واحدة من أكبر المعجزات على وجه الأرض، حيث يتم اجتماع وانسجام معلومتين وراثيتين لتكوين إنسان جديد، وتحقق اللقاء، ربما يكون تصديق الأمر صعباً، إلا أنه يوجد داخل هذه الخلية جميع المعلومات العائدة للإنسان الذي لم يولد بعد، عين الطفل الذي سيولد، بشرته، لون شعره، لون وجهه، خصائصه الفيزيائية جميعها مشفرة هنا، إلا أن الأمر ليس مقصوراً على مظهره الخارجي بل حدد هيكله، وأعضاءه الداخلية، وعروقه، حتى أشكال الخلايا؛ خلايا الدم التي تدور في عروقه، تقوم الخلية بعد التلقيح بمدة قصيرة بتصرف آخر محير جداً، تنقسم وتتكون خليتان حديثتان، ثم تنقسم هاتان الخلايا مرة أخرى لتصبح أربع.

فقد بدأ الآن تكون إنسان جديد، ولكن لماذا تتخذ الخلية قرار الانقسام هذا؟ ولماذا تكلف نفسها عناء تكوين الإنسان، هذه الأسئلة ترشدنا إلى عظمة الله تعالى للعلم الكامل والقدرة اللامتناهية، خالق الخلية، والإنسان الموجود داخلها، والعالم الذي يوجد فيه الإنسان، والكون كله، خالقهم من العدم الله جلّ جلاله.

في هذه اللحظة نشاهد رحلة الخلايا التي تنقسم باستمرار داخل قناة فالوب، كتلة الخلايا هذه يطلق عليها منذ الآن البيضة الملقحة، في أثناء انقسام الخلايا، وتكاثرها داخل البيضة الملقحة تتحقق حادثة أخرى محيرة أيضاً، تبدأ بعض الخلايا بالتمايز عن الأخرى، أثناء تجمع الخلايا القديمة في المركز فإن الخلايا المتمايزة تحيط بها، وبعد مدة قصيرة ستكون بعض الخلايا مجموعة الخلايا المركزية الجديدة، أي المرحلة الأولى لخلق الإنسان وستكون المجموعة التي حولها المشيمة التي ستغذي الجنين.
بدأت الخلايا فجأة بالتمايز، واتخذت قراراً بتكوين الجنين، مع المشيمة، ويعد هذا معجزة كبيرة في الأوساط العلمية.

 

انغراز البويضة الملقحة في غشاء الرحم آية دالة على عظمة الله عز وجل :

هناك أمر مخفي يعمل في هذه الخلايا، تصل البويضة الملقحة بعد أربعة أيام من تلقيحها من المكان الذي جهز وخصص لأجلها، أي إلى رحم الأم، ويلزم تمسكها بالرحم كي لا تسقط خارج الجسم، إلا أن البيضة الملقحة ليست إلا كتلة دائرية مكونة من الخلايا الشبيهة ببعضها، ولكن ليس لها أي نتوء يؤمن لها التعلق بمكان، إذاً كيف تستطيع التمسك بجدار الرحم؟ هذا أيضاً قد حسب حسابه عند وصول البيضة الملقحة إلى رحم الأم.

شيء دقيق جداً سبحان الله! يتدخل نظام آخر ـ يظهر هذا المشهد الملتقط من المجهر الالكتروني ـ يخبر البيضة الملقحة التي وصلت منذ اللحظة إلى رحم الأم، تفرز الخلايا الموجودة في السطح الخارجي للبيضة الملقحة أنزيمات خاصة، تذيب جدار الرحم، وبذلك تتمسك البيضة الملحقة بالرحم بشدة، وتنجو من سقوطها خارج الرحم، وجود الخلايا على سطح البيضة الملحقة من المكان اللازم، وإخراجها من الأنزيم اللازم، يوضح مرة أخرى كمال خلقها، بفضل هذه الخلقة الكاملة تنغرز هذه البيضة الملقحة في جدار الرحم، هذا المخلوق الجديد الذي يكبر أثناء تمسكه بالرحم، يسمى منذ الآن بالجنين، وهذه الحقيقة التي اكتشفها العلم الحديث ذكرت في القرآن الكريم، فعندما يذكر الله عز وجل أول مرحلة للطفل في رحم الأم يستخدم كلمة العلق،

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق ]

الحقيقة قضية انغراز البويضة الملقحة في غشاء الرحم آية دالة على عظمة الله عز وجل، وقد ذكرت في القرآن الكريم. 

خاتمة و توديع :

الأستاذ عدنان:
اللهم يا رب اجعل عقولنا تنظر إلى الغاية المطلوبة من كل إنسان في الحياة لنكون على الأخلاق الكريمة، وعلى العبادة الكريمة، التي نبتغي منها وجه الله تعالى، وعلى التعامل فيما بيننا في الخلق الحسن لنصل إلى مكارم الأخلاق الكريمة، والحمد لله رب العالمين.
في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، وكل الشكر أيضاً للأخوة الكرام.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور