وضع داكن
16-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الندوة : 26 - الاعتراف بالفضل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ عدنان :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم في حلقة جديدة في برنامج مكارم الأخلاق ، وباسمكم أرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً .
الأستاذ عدنان :
الاعتراف بالفضل من جملة مكارم الأخلاق إذا كان إسداء المعروف للآخرين هو فضل ، فالاعتراف من قبل من أسدي لهم المعروف هو أيضاً من مكارم الأخلاق ، وهذا له أصل في كتاب الله عز وجل ، إذا أردنا أن نطلع على ما ورد في كتاب الله عز وجل من تبيان لهذا الموضوع فآيات القرآن الكريم كثيرة في ذلك .

 

العمل الصالح أهم شيء في الحياة الدنيا لمن عرف الله ليدخل الجنة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عدنان علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله ، والعبادة أن تعرفه ، وأن تنصاع لمنهجه ، وأن تسعد بقربه ، من جملة الأعمال التي ينبغي أن تكون مجسدة للعبادة العمل الصالح ، بل إن حركة الإنسان انضباط وعطاء ، انضباط وفق منهج الله ثم بذل للمعروف ، إذاً الإنسان حينما يأتيه ملك الموت على أي شيء يندم ، ماذا يقول ؟

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾

( سورة المؤمنون الآية : 100 )

إذاً يبدو أن أهم شيء في الحياة الدنيا لمن عرف الله أن يعمل أعمالاً صالحة تكون ثمن دخوله للجنة :

 

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

( سورة النحل )

أعظم شيء ألا نسيء لمن فعل الخير :

لكن لا بد من التفريق بين أن تقوم بعمل يكافئ الجنة ، وبين أن تقوم بعمل يساوي سبب دخول الجنة ، الجنة برحمة الله ولكن يقتسمها المؤمنون بأعمالهم .
على كل حينما تؤكد الآيات القرآنية الكثيرة أن أعظم شيء لمن عرف الله أن يتقرب إليه بالعمل الصالح فلا بد من صيانة هذا العمل العظيم ، كيف نصونه ؟ كيف نشجع عليه ؟ كيف نحث الناس على فعله ؟ كيف نحث الناس على متابعة فعله ؟ كيف نحذر الناس من تركه ؟ من هنا كان الاعتراف بالفضل ، الإنسان حينما يعمل عملاً طيباً ثم يقدره الناس على هذا العمل ، يشجعونه على متابعة العمل ، لذلك من أكبر الجرائم منع الماعون ، أن تمنع الخير ، كيف تمنع الخير ؟ بالإساءة لمن فعل الخير ، تروي كتب الأدب أن إنساناً يمتطي جواده في الصحراء ، وفي أيام الحر الشديدة رأى رجلاً ينتعل الرمال الحارة وكأنه الجمر فدعاه لركوب الفرس ، إذا بهذا الإنسان أحد لصوص الخيل ما إن اعتلى الفرس حتى دفع صاحبها إلى الأرض ، وعدا بالفرس لا يلوي على شيء ، ماذا قال صاحب الفرس ؟ يا هذا لقد وهبت لك هذه الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء فتذهب منها المروءة وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها .

بطولة الإنسان أن يصون العمل الصالح من أن ينحرف أو يتوقف :


لذلك أولئك الذين يسيؤون للمحسنين ، أولئك الذين لا يقدرون المحسنين ، الذين يتفننون بالإساءة للمحسنين ، هؤلاء يقترفون في نظر الشرع أكبر جريمة لأنهم يمنعون الماعون ، لو أن إنساناً استقرض مالاً وتوانى في رده قطع هذا الخير ، لو أن إنساناً استقرض مالاً وأداه بالتمام والكمال في الوقت المناسب شجع المحسنين على إقراض الناس ، لذلك أحياناً تنعدم الفضائل في المجتمع لسبب أن الذين قدموا هذه الفضائل تَنَكَّر الناس لهم ولم يعبؤوا بهذا العمل الطيب ، لذلك ليست البطولة أن تعمل عملاً صالحاً ، البطولة أن تصون هذا العمل الصالح من أن ينحرف أو من أن يتوقف .
من هنا كان الاعتراف بالفضل ، لذلك الآية الأساسية في هذا الموضوع :

﴿وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237)﴾

( سورة البقرة )

من لم يشكر الناس لم يشكر الله :

أيضاً أستاذ عدنان أنا حينما يسدي إليّ إنسان معروفاً ، بادئ ذي بدء إن كان القلب سليماً والمعدن نفيساً يجب أن يمتلئ قلبي امتناناً منه ، هذا شعور داخلي لكن لابد من أن يترجم الامتنان تعبيراً بلساني ، لذلك القاعدة الأساسية من لم يشكر الناس لم يشكر الله ، هناك أناس يفهمون الدين فهماً مغلوطاً يقول لك : ليس لأحد فضل عليّ إلا الله ، وهذا الذي كان سبب وجودك أبوك وأمك ، وهذا الذي احتضنك وهذا الذي زوجك ابنته ، من أدق ما قرأت حول موضوع الزواج أن أحدهم قال : لك أب أنجبك ، و لك أب زوجك ، و لك أب دلّك على الله .
المعروف الذي هو علة وجودنا بعد الإيمان بالله والدليل القطعي أن الإنسان حينما يأتيه ملك الموت لا يندم على شيء إلا على عمل صالح فاته ، إذاً علة وجودنا بعد الإيمان بالله العمل الصالح ، العمل الصالح قد نفعله لكن إذا شجعنا عليه إذا عرف الناس قيمة هذا العمل ، لذلك يبدأ ردّ هذا الجميل بالامتنان القلبي ، ويأتي بعد هذا الامتنان القلبي النطق باللسان ، أنا أسمي هذا تديناً ولك أن تسميه حضارة ، أي خدمة قدمت إليك ينبغي أن ترد عليها بالشكر ، باتصال هاتفي ، برسالة ، بامتنان ، أو بعمل يقابل هذا ، فقد يكون الامتنان القلبي مشفوعاً بالشكر اللساني ولكن أكمل ما يشجع على هذا العمل الصالح أن ترد هذا الجميل بالجميل ، والخدمة بالخدمة ، والهدية بالهدية ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( َتَهَادَوْا تَحَابُّوا))

[ مالك في الموطأ ]

فعل تهادوا فعل مشاركة تقدم له هدية ويقدم لك هدية .

 

بطولة الإنسان أن يشجع الآخرين على فعل الخير :

لذلك القضية الدقيقة هنا أن الإنسان بطولته أن يشجع الناس على فعل الخير ، أن يشجعهم على متابعة هذا العمل ، لأن الذي يسيء للمحسنين كأنه يقطع هذا الباب ، وهذا ورد في القرآن الكريم تحت صياغة ويمنعون الماعون ،يمنعون المعونة

يمنعون القرض الحسن ، يمنعون الخدمة ، لو أعرت إنساناً كتاب ونسيه في مكتبته فقد أساء لهذه الخدمة أما إذا ردّه إليك في الوقت المناسب بل ردّه إليك مجلداً أنت عندئذ تشجع على متابعة هذا العمل ، من باب الطرف إنسان قبل موته عنده مكتبة كبيرة جداً في كل الجدران من الأرض إلى السقف ، قدم لأولاده وصية ألا تعيروا منها كتاباً واحداً لأن كل هذه الكتب معارة .
أحياناً أنت حينما تستعير كتاباً ولا تؤديه تقطع هذه الخدمة ينبغي أن تؤديه ، لا تقل لصاحبه تعال خذه ، ورد في بعض الآيات :

﴿وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ (178)﴾

(سورة البقرة)

إلى لانتهاء الغاية ، وأداء إليه بإحسان ، يعني اذهب إلى بيته وقدم إليه الكتاب الذي استعرته مجلداً :

 

﴿وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ (178)﴾

(سورة البقرة)

هناك إنسان عنده كتاب قد استعاره من صديق يعطيه إياه في الطريق كيف يحمله ذاهب إلى عقد قران ، ذاهب إلى حفل ، خذ هذا الكتاب ، لا :

 

﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ (178)﴾

(سورة البقرة)

نحن حينما نتعلم أوامر الدين وحقائقه يكون هذا العمل الصالح نامياً فيما بين الناس .

 

كل عمل صالح يؤدى يجب أن يُقابل بالشكر القولي أو الفعلي :

أستاذ عدنان الآن الذي زهّد الناس بالخير قلة تقدير الخير ، بل الإساءة إلى فاعلين الخير وهذا من أعظم المصائب التي تصيب الأمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ، ونهيتم عن المعروف ، قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً المنكر معروفاً ؟ ))

[ ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

فلذلك أي عمل صالح قرض حسن ، إعارة كتاب ، معاونة ، إنسان أعارك منزله وقانون الإيجار لصالحك لا ينبغي أن تفعل معه شيئاً تزهده بالعمل الصالح ، إذا رأيت في الحياة المعاصرة انحسار العمل الصالح لأن الناس لا يراعون هذه الفضيلة ، فضيلة الاعتراف بالفضل ، أما في كتاب الله : 

﴿ وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237)﴾

( سورة البقرة )

لا بين الآباء والأبناء ، ولا بين الأبناء والآباء ، ولا بين الأزواج والزوجات ، ولا بين الجيران ، ولا بين الأصدقاء ، ولا بين الزملاء ، ولا بين الأقرباء ، ولا بين المؤمنين ، ولا بين الناس عامة ، أنا أتمنى أن كل عمل صالح يؤدى يجب أن يقابل بالشكر إما القولي أو كتابة أو رسالة أو اتصال أو تنويه بالصحيفة ، أحياناً طبيب يقدم على عمل جراحي

(بارع جداً)

ويبذل ساعات طويلة ويأخذ أجراً معتدلاً ، أحياناً المريض ينوه بصحيفة يومية بفضل هذا الطبيب هذا مكافأة ، شيء جميل جداً ، ينبغي أن نعود أنفسنا أن كل شيء جاءنا من أخواننا أن ننوه به هذا من كمال هذا الأدب .
الأستاذ عدنان :
أيضاً الاعتراف بالفضل له أصل في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .

 

بطولة المسلم أن يرد المعروف بمعروف مثله أو أحسن منه :

الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه ))

[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]

كافئوه المعروف بالمعروف ، الهدية بالهدية ، الخدمة بالخدمة ، أعارك مركبته مرة واضطر إلى مركبتك ثانياً أعره مركبتك .

((ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له ))

[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]

أحياناً يكون الذي أسدي إليه المعروف ضعيفاً أو فقيراً أو ضيق ذات اليد ماذا يفعل ؟ قال : فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه .
لذلك أنا أرى من خلال هذا الحديث أنه لا يجوز أن تكتفي بالشكر القولي إذا كان بإمكانك أن ترد على هذه الهدية بهدية مثلها ، أو بهذه الخدمة بخدمة مثلها ، أو بهذا المعروف بمعروف مثله ، البطولة أن ترد على المعروف بالمعروف ، وعلى الخدمة بالخدمة ، وعلى الإعارة بالإعارة ، وعلى القرض الحسن بقرض حسن ، أما حينما لا تستطيع تقول له : جزاك الله خيراً ، لأنك إن كنت لا تجد ما تعطي بهذه الكلمة قد أديت الذي عليك .
الأستاذ عدنان :
صلى الله عليك يا سيدي يا أبا الزهراء فقد دعوت الصحابة والمسلمين جميعاً أن يؤدوا الفضل لصاحب الفضل وأن يعترفوا به ، أنت الذي بينت من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له ، وكان هذا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا استعرضنا شيئاً من مواقفه بالاعتراف بالفضل ورد المعروف وهي كثيرة بل كل حياته .

 

مواقف النبي عليه الصلاة والسلام

من الاعتراف بالفضل و ردّ المعروف :

الدكتور راتب :
أستاذ عدنان يوجد للنبي حديث شريف يتصل بالاعتقاد ، وفي هذا الموضوع بالذات :

(( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ))

[ متفق عليه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ]

يعني حتى إذا هطلت الأمطار ينبغي أن تعتقد أن هذا فضل الله عز وجل ، أنها رحمة الله ، أنها غيث الله ، أما بمتابعتنا للنشرات الجوية نتوهم أن هناك منخفض متمركز في قبرص باتجاه الشرق الأوسط ، ننسى أن هذا من فضل الله عز وجل ، فهناك حديث يتصل بالعقيدة ، الإنسان إذا توهم أن هذه الأمطار بسبب منخفضات فقط وينسى أن الله هو الذي أرسلها وسخرها وأكرمنا بها فقد وقع في الشرك ، هذا الموضوع إذاً يتصل بالشرك ، أما النبي صلى الله عليه وسلم كان وفياً لأصحابه لدرجة تفوق حدّ الخيال ، سيدنا الصديق قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : أعطاني ماله وزوجني ابنته وما ساءني قط .
سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم حينما وجدوا الأنصار عليه في أنفسهم فجاء زعيمهم سعد بن عبادة وقال : يا رسول الله إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم لهذا الفيء الذي لم تؤتِ الأنصار منه شيئاً ، فقال يا سعد أين أنت من قومك ؟ قال : ما أنا إلا من قومي ، قال : اجمع لي قومك ، أستاذ عدنان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف كان أقوى إنسان في الجزيرة العربية ، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، وبمنطق الأقوياء كان بإمكانه وقد انتقده بعض من حوله أن يلغي وجودهم ، أو أن يهدر كرامتهم ، أو أن يهملهم ، أو أن يعاتبهم لصالحه ، الذي فعله لا يصدق جمع الأنصار ، قال لهم : أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم به ، أتيتنا مكذباً فصدقناك ، طريداً فآويناك ، عائلاً فأغنيناك ، ذكرهم بفضلهم عليه وهذا قمة الكمال ، وأنت قوي ، وأنت غني ، وأنت متمكن من هذا الذي انتقدك أن لا تنسى فضله عليك ، هذا درس بليغ علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم .

 

الاعتراف بفضل الآخرين من مكارم الأخلاق :

الاعتراف بالفضل من مكارم الأخلاق ، بل هو من قمم مكارم الأخلاق ، قد تعترف بالفضل وأنت ضعيف ، قد تعترف بالفضل وأنت فقير ، أما حينما تكون قوياً غنياً لا تنسى الذي ساهم معك ، لا تنسى الذي كان معك .
النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة المكرمة ، لم تكن السيدة خديجة التي أعانته والتي كانت سنده من الداخل موجودة وفاءً لها قال لهم : انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة ، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر .
هذا وفاؤه لزوجته خديجة ، وهذا وفاؤه لصاحبه الصديق ، أما السيدة عائشة مرة حدثت النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة ، ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الرفيعة أنه يصغي لزوجاته ، أحياناً الإنسان يكون له عمل خطير ، له شأن كبير ، يدخل إلى البيت يتوهم أنه بهذا المكان وبهذا الشكل فلا يسمح لأحد أن يكلمه ، فمن تمام كمال النبي وهو في قمة العلو ، وفي قمة القوة ، وهو في قمة خطورة المسؤولية أنه كان يصغي باهتمام لزوجته عائشة ، حدثت النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة عن أبي زرع وأم زرع ، وحدثته عن شجاعته وكرمه ، وأنه كان زوجاً نموذجياً ، لكنها تأسفت أشد الأسف حينما أعلمته في النهاية أنه طلقها ، فكان عليه الصلاة والسلام رفيقاً بها ، فقال لها : أنا لك كأبي زرع لأم زرع ، غير أني لا أطلقك .
فكان مع الصديق وفياً ، وكان مع زوجته خديجة وفياً ، وكان مع عائشة وفياً ، وكان مع الأنصار وفياً ، لذلك مواقف النبي صلى الله عليه وسلم رائعة جداً . مرة كان النبي عليه الصلاة والسلام في مجلس وإلى جانبه سيدنا علي بن أبي طالب ، دخل سيدنا الصديق ماذا فعل هذا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ؟ وقف للصديق وأجلسه مكانه ، تبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال :

((لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))

في حياته رجل أقام بين يديه ونزع قشة عن ثوبه ، فقال جزاك الله خيراً ، كان عليه الصلاة والسلام لين الجانب ، كان عليه الصلاة والسلام يرد على الهدية بهدية مثلها ، كان عليه الصلاة والسلام لا يدع أحداً دون أن يشكره ، بل كان متواضعاً إلى درجة أنه قال :

(( ولو دعيت إلى كراع لأجبت ))

[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس ]

أي رجل خروف .

 

حثّ النبي عليه الصلاة والسلام

الآخرين على الاعتراف بالفضل في قوله و عمله :

لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله يحثنا على الاعتراف بالفضل بل كان في أعماله ومواقفه ، لذلك الصحابة الكرامة حينما رأوا هذا الكمال الرائع أحبوه وافتدوه بأرواحهم ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتبع القول بالعمل ونحن لا نفلح إلا إذا ضاقت المسافة بين أقوالنا وأفعالنا .
الأستاذ عدنان :
في هذه الحالة لا شك أن الصحابة مشوا على الطريق نفسه ، وأمثلة ذلك كثيرة .
الدكتور راتب :
سيدنا الصديق عقب وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وقف مع سيدنا عمر وقال : يا عمر مد يدك لأبايعك ، صعق سيدنا عمر قال : أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني ، إذا كنت أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر ؟!! قال الصديق : يا عمر أنت أقوى مني . قال : يا أبا بكر أنت أفضل مني . ثم قال عمر : يا أبا بكر قوتي إلى فضلك . أي الإنسان حينما يعرف فضل الآخرين ، أنا أقول دائماً هناك من يدعو إلى الله دعوة خالصة ، من لوازم هذه الدعوة أن يعترف بأقدار الآخرين ، يعترف بعلمهم ، بمكانتهم ، بتقاهم ، بورعهم ، أما الذي يلغي الطرف الآخر كلياً إنسان يعبد ذاته ولا يعبد الله عز وجل .

الاعتراف بالفضل من سمة العلماء :

لذلك من لوازم الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله أن يبني علاقاته مع الآخرين على التعتيم ، وعلى الإهمال ، وعلى إبراز مكانته على حساب الآخرين .
لذلك تبنى الدعوة إلى الذات على التنافس لا على التعاون وعلى إنكار الطرف الآخر ، الاعتراف بالفضل هذه من سمة العلماء ، لذلك العلماء الصادقون متواضعون ، العلماء الصادقون يجلون زملاءهم ، يعرفون أقدارهم ، وهؤلاء الدعاة إلى الله إذا عرف بعضهم أقدار بعضهم الآخر ، وقدروا بعضهم البعض ، وتعاونوا ، وتضامنوا ، وتكاتفوا ، وتآزروا ، وتناصحوا ، يرتفعون جميعاً عند الله وعند الناس ، فإذا تنافسوا وإذا تراشقوا التهم يسقطون جميعاً من عين الله وعين الناس ، لذلك الاعتراف بالفضل فضيلة كبيرة جداً ، أنت حينما تبين للناس أنك تعرف فضل فلان ، أحياناً يسكت الإنسان اعترافاً بالفضل ، اعترافاً بأن هذا الآخر أعلم منه ، كل الفضائل متشابكة لكن هذه الفضيلة هدفها الأول صيانة العمل الصالح ، هذه الصيانة من أدق ما في هذا الموضوع .
الأستاذ عدنان :
دكتور لا شك أن فعل الفضل والرد على الفضل بشكر أو بدعاء إن لم يجد مجالاً للشكر سيؤتي ثماراً جيدة في حياة المجتمع ويكونوا متآلفين فيما بينهم ، يحبون للآخرين ما يحبون لأنفسهم ، كل واحد يحمل هذه الفكرة ، أردنا أن نتابعها .

من فعل معروفاً مع الناس عليه أن ينساه و من فعل معك معروفاً ينبغي ألا تنساه :

الدكتور راتب :
سنتابعها إن شاء الله ولكن لي وقفة متأنية عند حقيقة ، أنا أنصح أخوتي المشاهدين أنهم إذا فعلوا معروفاً مع إنسان ينبغي أن ينسوا هذا المعروف كلياً وكأنهم ما فعلوه ، أما إذا فعل معهم معروفاً ينبغي ألا ينسوه ما داموا أحياء ، هذه قاعدة ذهبية إن فعلت الخير انسه وكأنك لم تفعله إطلاقاً ، لا تمنن ، لا تقرع ، لا تجرح ، أما إن فعل معك معروف ينبغي ألا تنساه مدى الحياة .
الأستاذ عدنان :
ولها آثار إيجابية في المجتمع كثيراً أن ينسى الإنسان فعل خيره مع الآخرين فلا يمتد شيئاً من المنة إطلاقاً والعكس صحيح .
الدكتور راتب :
من ثمار هذه الفضيلة أنها سبب حفظ النعمة ، وأنها تشجيع لذوي الفضل على متابعة فضلهم ، وأنها وسيلة لنيل مرضاة الله عز وجل ، وأنها وسيلة لنيل محبة الناس جميعاً ، لذلك هذه الفضيلة لا تقل (فضيلة الاعتراف بالفضل)عن الفضل نفسه .
الأستاذ عدنان :
دكتور وما أجدر الناس أن يعترفوا بفضل الله عليهم الذي ملأ وجودهم وحياتهم وكل شيء فيهم .

موضوع الإعجاز العلمي :

إذا تابعنا معكم الآن موضوعاً من موضوعات الإعجاز العلمي في مخلوقات الله عز وجل ندرك هذا الإعجاز من خلال أبصارنا ، وبصرنا نعمة وفضل من الله عز وجل علينا والنعم كثيرة وأفضاله علينا كثيرة من اعترافنا فيها وبها أن يكون هذا يا رب حالنا ونشكرك يا رب ونعبدك ، وهذا أيضاً من مكارم الأخلاق نتابعه معكم .

التماسيح من أشد أصناف الحيوانات افتراساً ولكنها أشفق أمهات في العالم على صغارها :

الدكتور راتب :
الإنسان حينما يدعى إلى مكارم الأخلاق ليؤكد إنسانيته فكيف إذا رأى أن هناك وحوشاً كاسرة تتحلى بعلاقات اجتماعية راقية جداً ؟ من هذه الوحوش التماسيح كائنات تحتمي بأمهاتها ، ولنقم الآن برحلة إلى قارة إفريقيا ولنتابع هذا الشكل من الحماية التي تصل إلى حدّ الروعة ، نحن الآن قريبون من نهر النيل ، تعيش في هذه المياه تماسيح النيل ، والتماسيح أستاذ عدنان من أشد أصناف الحيوانات افتراساً على وجه الأرض ، ومع ذلك تأخذ هذه الكائنات مكاناً لها بين أشفق الأمهات في العالم .

تغرز أنثى التمساح بيوضها في رمال الشاطئ ، وعندما يحين وقت فقص البيض تبدأ بحفر الرمال بدقة واهتمام ، إنها دقيقة جداً كي لا تتضرر بيوضها ، تبدأ البيوض بالفقس بمجرد إزالة التراب عنها وتظهر التماسيح الصغيرة ، وفي هذه الأثناء تحدث واقعة عجيبة جداً : تحرك التمساحة الأم أسنانها الحادة وتفتح فمها الضخم وتضع صغارها في فمها ، المشاهدون لهذه الحادثة يتوهمون أن هذه التمساحة تأكل صغارها ، لكن الحقيقة مختلفة تماماً فآمن مكان في الساحل لصغار التمساح أفواه أمهاتها ، تضع الأم جميع صغارها واحداً واحداً في فمها برحمة واهتمام كبيرين ، الصغار الخارجة من البيوض كأنها تستنجد بأمها لتدخل في فمها

تأخذ التمساح البيوض وتوضع في فم الأم ، بالمناسبة تضغط على البيض بخفة ، أنياب التمساح تضغط على البيض بخفة بحيث تزيل قشرتها فقط ، هذه الأسنان الحادة كالشفرة يمكن أن تمزق جاموساً كبيراً أو غزالاً ، عندما يعض التمساح فريسته يصل الضغط الذي قامت به أسنانه إلى أبعاد هائلة ، إلا أن هذه التمساح الأم عندما تأخذ الصغار إلى فمها تتصرف برحمة ودقة إلى درجة أن الصغار لا يتأثرون بأي ضرر من هذه الأسنان الحادة ، تضغط ضغطاً يكفي لكسر البيضة ، مع أن هذا الناب بإمكانه أن يقسم الجاموس قسمين .
تعود الأم إلى النهر بعد أن ملأت فمها تماماً بصغارها .

 

خاتمة وتوديع :

الأستاذ عدنان :
في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، و كل الشكر أيضاً للأخوة المشاهدين ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور