وضع داكن
23-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 51 - وسائل تربية الأولاد -21- التعاون بين المسجد والمدرسة والبيت - التبسم - الهدية - الاهتمام - الملاطفة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الوسائل الفعالة لتربية الأولاد:

 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في القسم الثاني منها حول الوسائل الفعالة لتربية الأولاد، وانتهينا للقواعد الأساسية في تربية الأولاد، والآن ننطلق حول موضوع جديد ينطوي تحت الوسائل الفعالة.
 أولاً: هناك ميمات ثلاثة، ميم المنزل، وميم المسجد، وميم المدرسة، هذا واقع في حياتنا، فما لم يكن هناك تعاون بين المنزل وبين المدرسة وبين المسجد لن تكتمل شخصية من نربي.

الإنسان عقل يدرك و قلب يسمو و جسم يتحرك:

 أخوتنا الكرام: في الدرجة الأولى المنزل في المجتمع الإسلامي مهمته الأولى العناية بنمو الطفل، وتأمين حاجاته الأساسية من الطعام، والشراب، والملبس، والعناية بصحته، ومتابعة تصرفاته، وأخلاقه، العبء الأول في تربية الطفل في البيت ينصب على جسمه وأخلاقه.
بينما العبء الأول في المدرسة ينصب على التربية العلمية.
 والعبء الأول في المسجد ينصب على التربية الروحية، فالإنسان عقل يدرك، غذاؤه العلم، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً جلياً في المدرسة، وقلب يسمو، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً جلياً في المسجد، وجسم يتحرك، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً جلياً في المنزل، وأي تقصير في أحد هذه الأطراف الثلاثة ينعكس على الطرفين الأخريين.

الأب الكامل هو الذي يعتني بصحة أولاده ونموهم وأخلاقهم وتحصيلهم:

 في المنزل:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[ أبي داوود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 لهذا الحديث معنيان: المعنى الأول: من كان قوته مرتبطاً برب المنزل، فإذا ضيع رب المنزل هذه المهمة الأولى فقد وقع في إثم كبير، " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ".
 وهناك معنى آخر يلمح: أنك تطعمه، وتسقيه، لكن لا تعتني بدينه ولا بأخلاقه أنت ضيعته ! فلا تقتصر مهمة الأب على إطعام أولاده والعناية بصحتهم فقط بل تتجاوز للعناية بأخلاقهم ودينهم.
وهناك حديث آخر:

 

(( كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ قَالَ لَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ))

 

[ مسلم عَنْ خَيْثَمَةَ ]

 فالأب الكامل هو الذي يعتني بصحة أولاده ونموهم، ويعتني بأخلاقهم، وبتحصيلهم، لكن التحصيل العلمي يقع في الدرجة الأولى في المدرسة، والتحصيل الروحي يقع في الدرجة الأولى في المسجد، فإذا أدى كل حقل من هذه الحقول تأدية كاملة صار تكامل في شخصية الطفل، عقله غذّي في المدرسة، وقلبه غذّي في المسجد، وجسمه غذّي في البيت، أما إذا علّم في المدرسة تعليماً خاطئاً، عُلّم أن أصل الإنسان قرد، وأن هذه المادة نشأت نشوءاً عفوياً ومن قبيل الصدفة، ثم انتقلت في طفرة للحياة الطبيعية وأصبحت مادة حية، وتطورت إلى أن وصلت للإنسان، فالذي يبني المسجد يخربه التعليم العام.

 

ضرورة التوافق و التكامل بين المسجد و المنزل و المدرسة:

 

 

 أيها الأخوة: المشكلة كبيرة جداً، ذلك أن هذه الأطراف الثلاثة المسجد والمنزل والمدرسة ينبغي أن تتكامل لا تتعارض، فإذا تعارضت وجد في شخصية الطفل ما يسمى بانفصام في الشخصية.
 هناك كلام يقال في البيت ولا يقبل في المدرسة، وكلام يقال في المسجد ولا يقبل في المدرسة ولا يقبل في البيت، تمزق الطفل، أحياناً يكون البيت غير منضبط يكون هناك تفلت، فالأب قد لا يعبأ بتوجيهات المعلم بل يسخر منها و، قد يتهمه بالجهل، ماذا يفعل هذا الصبي الصغير؟ أستاذه له مكانة كبيرة عنده وأبوه الذي أنجبه ؟
 أيها الأخوة: أخطر شيء يواجه الطفل حينما يكون هناك تناقض بين مدرسته وبين مسجده وبين منزله، وقد عقد مؤتمر فيما أعلم لتطوير التعليم ما قبل الجامعي وتطوير التعليم الجامعي قبل عشر سنين فيما أذكر، أبرز شيء قيل في هذا المؤتمر: إن مناهج التعليم ينبغي أن تنبع من عقائد الأمة، فإذا نبعت المناهج من فكر غربي بعيد عن عقائد الأمة كان هناك انفصام في شخصية الطفل.

الصراع المستمر بين المنزل و المسجد و المدرسة يسبب حالة لا مبالاة عند الإنسان:

 أخواننا الكرام: الصراع المستمر يسبب حالة لا مبالاة عند الإنسان، المدرسة تطرح شيئاً، والمنزل يطرح شيئاً، والمسجد يطرح شيئاً آخر، والطفل واحد هذا أبوه وهذا معلمه وهذا شيخه ! أما لو وجد انسجام لوجدت جيلاً آخر غير هذا الجيل، ميمات ثلاثة، عن المسجد يقول عليه الصلاة والسلام:

(( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ))

[البخاري عن أَبي ُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

 يوجد ملمح لطيف عن صلاته في بيته وسوقه، معظم التجار يصلون في محلاتهم التجارية، ولو صلوا في المسجد لكان أفضل.

 

(( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ))

 

[البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

 وفي حديث آخر:

 

((صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ))

 

[البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

الراحة النفسية التي يجدها المصلي هي من إكرام الله تعالى له:

 أيها الأخوة: لا زلنا في الحديث عن رسالة المسجد، لمجرد أن تصلي مع إخوانك هذه رحمة، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب.

(( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ ))

[الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ]

 أيها الأخوة الكرام: الجماعة حصن ! يحدثني بعض الأخوة: قد يأتي للدرس متأخراً، مع أنه فاته كلام كثير كان ينبغي أن يتعلمه، لكن لمجرد أن يلتقي بإخوانه ويحبهم ويحبونه يشعر براحة، الإنسان في الأصل اجتماعي، فإذا كان أخوانه من المؤمنين هي راحة ما بعدها راحة، فلذلك صلاة الجماعة لو لم يكن في المسجد إلا صلاة الجماعة لكفى، فإذا كان فيه درس علم، درس العلم تشحن فيه شحنة علمية، وشحنة روحية، الإنسان يحتاج لشحنتين، لابد من حديث، آية، حكمة شرعية، سيرة، موعظة، تضاف لمعلوماتك الدينية، ولابد من شعورك بالأنس في المسجد، وإذا قرأت الحديث القدسي: " إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها فطوبى لعبد تطهر ثم زارني، وحقّ على المزور أن يكرم الزائر"، هذه الراحة النفسية التي يجدها المصلي هي من إكرام الله له لأنه ضيف الله عز وجل، يؤكد هذا:

 

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

 

[مسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

 هذا كلام سيد الخلق، كلام من لا ينطق عن الهوى، وكلام الصادق المصدوق، السكينة إن منحتها سعدت بها ولو فقدت كل شيء، وإن حرمتها شقيت بفقدها ولو ملكت كل شيء.
 الرحمة مطلق عطاء الله عز وجل، سعادة على أمن على تفاؤل على ثقة بالله عز وجل، والملائكة تلهمك الخير وتبعدك عن الشر: "وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ " هل بعد هذا العطاء من عطاء؟

 

من اقتطع من وقته وقتاً لمعرفة الله ولطاعته أدى زكاة وقته فيبارك الله له فيه:

 

 أخوتنا الكرام: الآن هذا واقع أعجبنا أو لم يعجبنا، المسجد هو المكان الوحيد الذي يعلم العلم الشرعي، وأصول الدين، وطريق السلوك لله عز وجل، وإليكم بعض هذه الأحاديث:

(( مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ))

[الترمذي عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ]

 أنا أؤكد لكم ولا أتألّى على الله، أحدكم يسكن في مكان ما في دمشق، أو أطرافها، أو خارجها، يأتي لمسجد ليس فيه مغنم، ولا عطاء، ولا هدية، ولا ضيافة، ولا شيء، إنه يأتي للمسجد ليطلب العلم، أو ليشحن شحنة روحية، هذا الإنسان الذي لا يخرجه من بيته إلا طلب معرفة الله ورضوانه مشمول في هذا الحديث:

 

(( مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ))

 

[الترمذي عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ]

 أنت في مهمة مقدسة، وفي رعاية الله، وتوفيقه، ظله، وقد اقتطعت من وقتك وقتاً لطلب العلم فقد أديت زكاة وقتك، ومن أبسط المكافآت من الله أن يبارك لك في وقتك، ويمكنك من أن تفعل الشيء الكثير في الوقت القليل.
 كلام دقيق جداً حتى تزداد بالله ثقة واتصالاً عليك أن تؤدي زكاة وقتك، و مكافأة لك الله جلّ جلاله يبارك لك في وقتك، ومعنى هذا أنك تمكن من فعل الشيء الكثير في الوقت القليل، وقد تعجب لعلماء المسلمين، لا يوجد كومبيوتر، ولا مكتبات، ولا فهارس، والله أسباب المعرفة الآن متوفرة بشكل العقل لا يصدقها، السلف الصالح كل هذه الأسباب كانت منقطعة عنده، لا يوجد مطابع، ولا كتب، ولا مكتبات عامة، ولا معلوماتية، خمسمئة كتاب ثمنها مئتا ألف ليرة تشترى الآن بخمسين ليرة ! قرص فيه خمسمئة كتاب ثمنها مئتا ألف ليرة تشتريها بخمسين ليرة، وتقرأها بكاملها في بضع ثواني.
 تسأل سؤالاً الجهاز يقرأ لك كل هذه الكتب كلمة كلمة، حرفاً حرفاً، في بضع ثواني ويعطيك النتائج، شيء لا يصدق ! أسباب المعرفة لا تصدق، أما السلف الصالح لا يوجد معلوماتية، ولا كمبيوتر، ولا مراجع، ولا فهارس، ولا كتب، ولا شيء، وبعضهم ألف في اليوم الواحد ما يزيد عن مئة صفحة، وأنت لا تستطيع أن تقرأ في اليوم الواحد خمس صفحات، أن تقرأ لا أن تؤلف ! حينما تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله ولطاعته أديت زكاة وقتك، فيبارك الله لك في وقتك، ويمكنك من أن تفعل الشيء الكثير في الوقت القليل.

 

العالم و العابد:

 

 

 

لذلك:

(( مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ))

[الترمذي عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ]

(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))

[الترمذي عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه ]

 هذا الطريق من بيتك للمسجد هذا طريق طويل ينتهي بك إلى الجنة إن شاء الله.

 

(( أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ قَالَ لَا قَالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ قَالَ لَا قَالَ مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ))

 

[الترمذي عَنْ رضي الله عنه ]

 الفرق بين العالم والعابد: كنت مرة في عمرة ـ أرجو الله أن يمكنكم جميعاً من أداء العمرة ـ فسمعت في مكة أن في المدينة أنواراً ساطعة ! عجبت أنوار ساطعة لمسافات شاسعة في السماء هذه أنوار قبر النبي، والله أنا لا أدري صحة هذا الكلام ! النبي سيد الخلق وحبيب الحق، لما وصلت للمدينة كان يوجد درس في المسجد النبوي الشريف حضرته فإذا في نهاية الدرس يقول المدرس جزاه الله خيراً: أنه قد أعلمه أمير المدينة أنه أنشئ فوق قبر النبي أشعة ليزر من أجل أن تكون إرشاداً للطائرات إلى أن هذه الأشعة في كبد السماء مكان قبر النبي عليه الصلاة والسلام هذا تفسير علمي، العابد يبالغ، العالم يعطي الشيء حقه، وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، العالم مسلح، أما العابد مقاومته هشة أي خرافة يصدقها، وأي دجل ينطوي عليه، وأي فكرة مغلوطة يقبلها، لا يوجد عنده ميزان، وإذا كانت العبادة في عصور سابقة تكفي، الآن لا بد من العلم لأن فيه الشبهات لا يعلمها إلا الله، وضلالات، وطموحات، ومنزلقات، وأفكار خاطئة ومغرضة، وتفجير الدين من الداخل، هذا كله لم يكن من قبل، فيجب أن تكون مسلحاً بالعلم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ...))

 

[ أخرجه الدارمي عن أبي الدرداء ]

أروع حالة في التربية التعاون والتكامل والانسجام بين المدرسة والمنزل و المسجد:

 أول شيء و الذي أتمنى أن يحصل أن يكون هناك تناغم بين المدرسة و المسجد والمنزل، ألا يكون هناك ازدواجية ولا تناقض، وأي تقصير في مؤسسة ينعكس على المؤسستين، مثلاً: لو أهمل المعلم واجبه تضطر الأم لأن تدرس ابنها الرياضيات واللغة والإملاء والقراءة، صار عبء على الأب والأم إذا وجد إهمال في المدرسة، وإن وجد إهمال في المدرسة من النواحي الدينية يضطر الأب لأن ينبه ابنه من كل خطأ يسمعه ابنه من المدرسة، وإذا في أخطاء في المسجد لا سمح الله صار العبء ينصب على الأب لتصحيح أخطاء المسجد، أما صدقوا أن أروع حالة في التربية أن يكون هناك تعاون وتكامل وانسجام بين المدرسة و المنزل و المسجد، هي ميمات ثلاثة وكلمة ميمات ثلاثة تذكرني بطرفة تروى في مصر: أن الطبيب حينما يتخرج يحتاج لعينات أربع، عيادة وعروس وعربية وعيّان ! الدرس الآن بدأنا فيه ثلاثة ميمات المدرسة والمنزل والمسجد.

 أيها الأخوة، هذا التعاون أحد قواعد التربية الصحيحة إن شاء الله، فإذا دعيت لمجلس آباء ساهم، القطيعة بين أولياء الأمور والأساتذة مشكلة كبيرة، دعيت ساهم، سمعت عن مدرس فيه تفوق وإخلاص أثني عليه كي تشجعه، نحن الآباء نهتم بمصير أولادنا، إذا دعيت لحفل في المسجد لتخريج الطلاب لبِّ هذه الدعوة، كي تشعر أنك مهتم بحضوره إلى المسجد.

الحب جوهر العملية التربوية:

 الآن هناك حقيقة أسأل الله عز وجل أن أمكن من شرحها.
 نحن عندنا معلم ومتعلم، ومربي ومربى أي طفل لا تفهموها فهماً آخر، فممكن أن تكون علاقة علم فقط، إلقاء درس واستماع، هذه العلاقة العلمية الجافة لا تصنع بطلاً، القاعدة هنا: لا بدّ من صلة روحية بين المعلم والمتعلم، من وسائل هذه الصلة أنت كمعلم، أو كأب، أو كشيخ، ممكن إنسان يحضر الدرس بالمسجد، وممكن طالب يكون بالمدرسة، ممكن أب يكون مشغولاً وغارقاً في عمله حتى النهاية، لا يهتم بأولاده إطلاقاً، فإن لم يكن هناك صلة متينة وحارة وأساسها الود والحب بين المعلم والمتعلم العملية التربوية لن تنجح، هذه الحقيقة من ذكرها ؟ أرسطو، استدعى أحد أولياء طلابه قال له: خذ ابنك عني إنه لا يحبني ! إذا لم يحب المتعلم المعلم، وإذا لم يحب الابن أباه أنا لا أقول شيئاً من فراغ، هناك أبناء لا يحبون آباءهم بسبب القسوة، والضرب، والإهانة، والإهمال، والتمييز بين الأخوة، لا يمكن أن يستفيد ابن من أبيه إلا إذا أحبه، ولا متعلم من معلم إلا إذا أحبه، ولا طالب علم في المسجد إلا إذا أحب المرشد، والحب جوهر العملية التربوية، أنت بالحب تصنع المعجزات، القمع يسبب شرخاً كبيراً، والنبي قال:

(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))

[أخرجه البيهقي عن أبي هريرة ]

 القاعدة الأساسية: لابدّ من علاقة ود بين المعلم والمتعلم، يجب أن تصنعها أيها الأب عندما تدخل للبيت، فإذا كان في البيت عيد بمناسبة مجيئك فأنت أب ناجح، وإذا خرجت من البيت ينبغي أن يكون هناك حزن، أما إذا عكست الآية: الراحة وتنفس الصعداء إذا خرجت من البيت، والقلق والوجوم إذا دخلت البيت، لست أباً ناجحاً أبداً.

 

على كل إنسان أن يكون هناك صلة ود بينه وبين من يعلمه:

 

 

 

لابد من الحب، فالحب له أسباب، كلمة يا فلان أحب أباك هذا كلام.
 الحقيقة النفس لها قوانين، لو أن هناك منحدراً، وجئنا بكأس ماء، وسكبناه على هذا المنحدر، قوانين الجاذبية والأواني المستطرقة وسيولة الماء بالمئة مليون تدعو لانحدار الماء نحو الأسفل، فلو قلت للماء مليون مرة اصعد نحو الأعلى لا يصعد، ولو قلت له: انزل سينزل ؟ كلامك ليس له معنى، يوجد قواعد ثابتة، فهذه النفوس جبلت على حبّ من يحسن إليها، إذا أسأت لن يحبك من أسأت إليه ولو كنت في أعلى مقام، ولو كنت أباً له، لن يحبك تلميذك ولو كنت معلماً له، لن يحبك طالب العلم ولو كنت شيخه !
 قواعد: يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، فأنت كأب، أو كمعلم، أو كشيخ، لابدّ من أن تكون هناك صلة ود بينك وبين من تعلمه، وبينك وبين ابنك، وبينك وبين تلميذك، وبينك وبين طالب العلم في مسجدك.

بعض النماذج من سنة النبي عليه الصلاة والسلام:

1 ـ التبسم:

 مثلاً: أقدم لكم بعض النماذج من سنة النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ))

 

[الترمذي عن عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]

 كم تكلف البسمة ؟ لا تكلف شيئاً هي صدقة، يوجد إنسان وجهه طليق وباش يكلم ويبتسم، يكلم ويظهر وده في كلامه، هذا واجب:

 

(( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ))

 هذه وسيلة.

 

 

2 ـ الهدية:

 الوسيلة الثانية:

 

 

(( تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ ))

 

[مالك عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ]

 عندك طالب تفوق، قدم له هدية و لو كانت رمزية، في بعض المدارس ما شاء الله الهدايا شيء ثابت بسلوك المعلمين، طفل لو أعطيته قلماً أو مسطرة أو دفتراً أو أكلة يأكلها يسعد، العبد الفقير بالأعياد ويوم الجمعة نقدم للأطفال، قال لي أحد الآباء: بعد أن زرناكم في العيد، وقدمتم لابني أكلة و عيدية ذهب للبيت، وقال لأمه: هذا الشيخ أحببته ! ودائماً يضغط على أبيه أن يأتي يوم الجمعة لهذا المسجد، إن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها.

 

(( تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ ))

 

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 وكلما ارتقيت تكثر من الهدية لمن تعلم وتربي، الهدية محببة ورمزية، قيمتها في معناها لا في ثمنها، يقول عليه الصلاة والسلام: " تَهَادَوْا تَحَابُّوا ".
 تهادوا فعل على وزن المشاركة، تقدم له هدية ويقدم لك هدية، ليست من طرف واحد، تقدم له هدية ويقدم لك هدية، هذا معنى تهادوا فعل مشاركة، والهدية دين لكنها تصنع المودة، هذا أسلوب ثانٍ، التبسم أسلوب والهدية أسلوب.
 إنسان أحياناً ينشأ بينه وبين زوجته مشكلة تحلها الهدية ! حل جذري، ينشأ مع أخوه مشكلة تحلها هدية أيضاً، النبي قال: " تَهَادَوْا تَحَابُّوا "، والتهادي فعل مشاركة، الهدية دين.

 

3 ـ الاهتمام:

 يوجد سلوك ثالث يقرب المعلم من المتعلم الاهتمام، طالبك يده مربوطة، خير يا بني ؟ يدي كسرت يا أستاذ، معافى إن شاء الله، كم يوم مضى عليك ؟ ثلاثة أيام، ماذا كلفك السؤال ؟ سؤالك عن يده التي هي ملفوفة بشاش أبيض هذا اهتمام، دخلت للبيت وجدت ابنك حزيناً يدل أن له حالة صحية غير طبيعية، سألته ما به، بحثت له عن دواء، أمنت له ما يريحه، الاهتمام له شيء عجيب، التبسم، الهدية، الاهتمام.

 

 

علامة إيمانك وقربك من الله أنك تحمل همّ المسلمين:

 

 

 

من أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم، لا يكفي أن يكون لا مشكلة لديك أنت، أي أنك تعاني أكبر مشكلة، إذا كنت لا تعاني ولست مهتماً بمشكلات المسلمين هذه أكبر مشكلة تعاني منها أنك أناني ولا تهتم بالناس، علامة إيمانك وقربك من الله أنك تحمل هم المسلمين، فحينما تهتم بإنسان مريض، أو يعاني مشكلة، يجب أن تشاركه ألمه وحزنه، هذا يقربك منه ويقربه منك، فعن المعاملة بحسن الخلق:

(( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 والله مضطر لأن أقول هذه الكلمة، وشيء مؤلم أشد الألم تجد إنساناً له سمعة طيبة، محبوب في المسجد، وفي عمله، تستمع لشكوى من زوجته و كأنه وحش في البيت ! يا رب كيف يتوازن هذا الإنسان ؟ استمعوا لهذه الحقيقة وسأقدم لها بمثل: بفحص القيادة كيف يكون الفحص في قيادة السيارات ؟ أن ترجع للوراء والطريق ملتوٍ على شكل s، وضيق على عرض السيارة، وهناك علامات موضوعة على طرفي الطريق، فلو مسست علامة واحدة ترسب، هذا أصعب شيء في القيادة أن ترجع بشكل صحيح، والطريق ضيق، وفيه علامات متحركة، فإذا أحسنت الرجوع بطريق ضيق وملتوٍ مع علامات متحركة الباقي كله سهل.

 

4 ـ الخلق الحسن:

 النبي عليه الصلاة والسلام جعل مقياس الخيرية أخلاقك في البيت، الدليل:

 

 

(( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا ))

 

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أكثر الناس والعياذ بالله في البيت دبور وخارج البيت شحرور، لا يوجد ألطف منه مع رفاقه، ولا أنعم منه مع تجار السوق، ولا أرحم منه بعلاقات خارجية، فإذا دخل للبيت وحش كاسر، يده بالضرب، والسباب، والكلام البذيء، والعبوس والعياذ بالله، والله لولا أنني أستمع لشكاوى كثيرة جداً ممن يرتادون المساجد، ويحضرون دروس العلم، ما قلت كلاماً كهذا ! طبعاً عند أهل الدنيا شيء طبيعي جداً، من هو الإنسان الغافل الفاجر ؟ دابة فلتانة، أما إنسان له مجلس علم، وجامع، وقاسٍ جداً، و كلامه بذيء، ويده بالضرب.... دققوا في هذا الحديث: " وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا "، علامة الخيرية أخلاقك في البيت.
 طبعاً في السوق يوجد مراقبة، وسمعة، ومصلحة، ومكانة، ورغبة تأكيد بالذات، وفي المسجد لك أخوان، ومكانة تحرص عليها، وشخصيتك، وسمعتك، لكن في البيت لا يوجد رقابة، في البيت أنت فرعون، البيت لا يوجد أحد يردك، قيل: يا فرعون من فرعنك ؟ قال: لم أجد من يردني، فبطولتك في البيت لا في الطريق، ولا في الأسواق، ولا في المسجد.

 

5 ـ إعانة الابن على برّ أبيه:

 لا تنسوا موضوع الشواهد، أهم شيء أن تقيم علاقة بين المعلم والمتعلم أساسها الحب والود، بين معلم وتلميذه، بين أب وابنه، بين مرشد علم وطلاب العلم في المسجد، رحم الله والداً أعان ولده على بره، رحم الله والداً أي أن هذا الابن يحتاج لصبر، وسماحة، ومعاونة، وتسامح، فكلما كان الأب أكثر رحمة، وحلماً، وأفقاً بعيداً، ونظراً ثاقباً، يتقرب لابنه أكثر.
 علموا أولادكم و هذبوهم فإنهم خلقوا لزمن غير زمانكم، مثلاً أنت لست مقتنعاً بجهاز حديث جداً لكن ابنك بحاجة له، هذا لا داعي له ! جهاز لا معصية منه فما المانع ؟ لكن له فائدة بروح العصر، ينبغي أن تسمح له، خلق لزمن غير زمنك.

 

 

6 ـ التصابي للأبناء و مداعبتهم:

 يوجد شيء آخر: بدأنا بالبسمة والهدية واللطف والملاطفة، والخلق الحسن وانتقلنا إلى أب يعين ابنه على بره، الآن من كان له صبي فليتصابَ له، له حاجات باللعب، يوجد آباء عظام، ولهم شأن كبير في المجتمع، إذا دخل لبيته لاعب أولاده وكأنهم أصدقاؤه أو رفاقه وفعل هذا النبي.
 كان النبي عليه الصلاة والسلام يضع الحسن والحسين على ظهره يركبا ظهره، ويمشي في البيت ويقول:

 

 

(( نعم الجمل جملكما، ونعم الحملان أنتما، ونعم العدلان أنتما. ))

 

[ كنز العمال عن جابر]

 شخص عظيم سيد الخلق وحبيب الحق، نبي هذه الأمة، ببيته يلاعب الحسن والحسين، يجب أن تهبط لمستوى ابنك، يجب أن تداعبه، وتضمه، وتشمه، وتضعه في مكان تريد إطعامه، أو تمزح معه، تضحك له، هذه حاجة أساسية.

 

(( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال تقبلون الصبيان ؟ فما نقبلهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ))

 

[ أخرجه مسلم في الفضائل عن عائشة]

 مهما تكن مكانتك كبيرة خارج البيت، بالبيت أنت صديق أولادك.

 

البيت يجمل بالود ويقبح بالعداوة والبغضاء:

 

 والله يا أخوان أتمنى عليكم أن يكون بيتكم قطعة من الجنة، قد يكون البيت صغيراً، والدخل قليل، والأثاث قديم، لكن البيت يجمل بالود، ويقبح بالعداوة والبغضاء، يوجد بيوت ثمنها ثمانين مليوناً لكن العلاقات العائلية صفر، العنكبوت قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾

(سورة العنكبوت)

 قد لا تصدقون أن متانة خيط العنكبوت أمتن من الفولاذ بخمس مرات ! الفولاذ أمتن عنصر على وجه الأرض، المصاعد تستخدم الفولاذ المضفور، والتل فريك يستخدم الفولاذ المضفور، وخيط العنكبوت أمتن من الفولاذ بخمس مرات، خيط من العنكبوت لو سحب ثلاثين ميلي يحمل مئة وخمسين سيارة سياحية، لو كبرنا العنكبوت لطول الإنسان لكان بيت العنكبوت ارتفاعه مئة وخمسين متراً، كالبرج العالمي للتجارة، بيت العنكبوت يوقف اقتحام طائرة ! شيء لا يصدق والله عز وجل قال:

 

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) ﴾

 

(سورة النحل)

 قال العلماء: إنه ضعف اجتماعي، علاقات سيئة جداً، الأنثى تأكل الذكر كلياً ليس حقه بل كله ! وتقتل أولادها، ضعف هذا البيت ضعف اجتماعي.
 تجد بيتاً متماسكاً مثل الصخر، الأب والأم والأولاد والبنات على قلب واحد و تعاون، وبيوت العياذ بالله بالمحاكم، الأخوة بالمحاكم، الأب والابن، البنت وأخوها، البنات والأخوات، فهذا يحتاج لود بين الصغار.

 

الإنسان يملك القلوب بالابتسامة والملاطفة:

 

 التبسم:

(( سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثًا تَبَسَّمَ فَقُلْتُ: لَا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّكَ أَيْ أَحْمَقُ، فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَوْ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا إِلَّا ))

[أحمد عَنْ أبي عبد الصمد ]

 ويقول جرير بن عبد الله: ما رآني النبي إلا تبسم، بالابتسام تملك القلوب، وكان عليه الصلاة والسلام يمسح رؤوس الصبيان ويقبلهم.
 لو قدمت فاكهة له في بواكيرها كان يقبلها شكراً لله على هذه النعمة، ثم يعطيها لطفل صغير ليأكلها، الطفل متعلق بالفاكهة، الكبير يصبر لكن الصغير لا يصبر، كان إذا أوتي بأول ما يدرك من الفاكهة يعطيه لمن يكون في المجلس من الصبيان.

 

((حَدَّثَنَا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ ))

 

[البخاري عَنْ قَتَادَةُ ]

 جاء في الصحيحين:

 

((عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ ))

 

[البخاري عَنْ أَنَسٌ ]

 و قوله أيضاً:

 

(( فمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلاَ سَبَّنِي سَبَّةً، وَلاَ انْتَهَرَنِي، وَلاَ عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَوْصَانِي بِهِ أَنْ قَالَ: يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُ مُؤْمِنًا. فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ أُخْبِرُهُمْ بِهِ، وَمَا أَنَا بِمُخْبِرٍ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا أَبَدًا ))

 

[البخاري عَنْ أَنَسٌ ]

خلق النبي الكريم:

 والسيدة عائشة سئلت: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ؟ قالت:

(( كان ألين الناس، بساماً، ضحاكاً، لم ير قط ماداً رجليه بين أصحابه وذلك لعظيم أدبه "))

[ورد في الأثر]

 مرة حدثني أخ كان بدرس علم في أحد المساجد، فجالس رجل ومادٌّ رجليه للآخر، صار يسحب ويسحب حتى نام ! هكذا أفضل !! ما رئي النبي ماداً رجليه قط وهو سيد الخلق.
 أحياناً تجلس في مركبة عامة يجلس إنسان بكل راحة ويترك لك مكاناً ضيقاً ! فكلما جلست متضامناً أكمل.

 

(( جَاءَ عَمَّارٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ ))

 

[الترمذي عَنْ عَلِيٍّ ]

 أخوك يحب هذا الاسم سمّه به، كان هناك أستاذ بالتعليم ـ رحمه الله ـ كان يغير اسم الطالب إن كان هذا الاسم يخلق له مشكلة بالصف، بالسجلات حسب القيود، أما في العام الدراسي يعطيه اسماً آخر كي يبعد أي تعليق من الطلاب عنه، أو كان يختار أيهما أحب للطالب ؟ اسمه أم كنيته ؟.
 كان عليه الصلاة والسلام إذا التقى بأحد أصحابه يقول له: يا فلان كيف أنت ؟
 سألته عن أحواله، صحته طيبة، أهله، أولاده بخير، كيف العمل ؟ بارك الله بك.
 كان سيدنا عمر إذا التقى بأحد أمراء البلاد يقول له: كيف الأمطار عندكم ؟ إذا التقى بولاته كيف الأسعار عندكم ؟ اسأله عن الأمطار، والأسعار، وأولاده، وزوجته، وأهله، وعمله، هذا كله ود.

 

(( النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْقَى رَجُلًا فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ كَيْفَ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ: بِخَيْرٍ أَحْمَدُ اللَّهَ، فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَعَلَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ))

 

[ أحمد عن أنس بن مالك]

(( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ ))

[ ابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]

الإحسان قبل البيان:

 

 

الإحسان قبل البيان، كان عليه الصلاة والسلام يأنس بأصحابه:

(( سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ وَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

[ النسائي عن سماك بن حرب]

 يوجد شخص لا يسمح لأحد حوله أن يتكلم كلمة في الدنيا ! سيد الخلق من أنت أمامه ؟ يوجد مرونة ونوع من التلطف، طفل صغير كان عنده عصفور يقول:

 

(( إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ))

 

[البخاري عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ]

 ما الذي حصل ؟ الود، اللطف، والأدب، والتباسط، والتواضع، والمحبة، والنزول لمستوى أصحابه، هذا أثمن محبة تفوق كل محبة.
 الله عز وجل أثنى على أصحابه الكرام فقال: " لا يرغبون بأنفسهم عن نفسه " يحبونه.
 سيدنا علي كان يقول: " كان عليه الصلاة والسلام أحب إلينا من أموالنا، وأولادنا، وآبائنا، وأمهاتنا، وأحب إلينا من الماء البارد على الظمأ ".

 

علامة إيمان الإنسان أن يحبه من حوله:

 

 اسمحوا لي بكلمة أرجو الله أن أكون دقيقاً بها: إن لم يحبك الناس لدرجة العشق فلست مؤمناً ! متواضع، مؤمن، رحيم، منصف، لطيف، طبعاً ينبغي أن يحبك من حولك، علامة إيمانك أن يحبك من حولك.
 شيء لا يصدق بلغ المرأة أن النبي قتل في أحد فخرجت فإذا ابنها مقتولاً، قالت: ما فعل رسول الله ؟ فوجدت أخوها مقتولاً قالت: ما فعل النبي ؟ فإذا زوجها مقتولاً، قالت: ما فعل النبي ؟ فإذا أبوها مقتولاً فلما وقعت عينها على النبي قالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل، هذا الحب.
 أحد الصحابة الكرام اسمه ثوبان قال: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من أهلي، ومالي، وإني أذكرك فما أصبر حتى أجيئك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك أبداً، ماذا أفعل ؟ مقامي غير مقامك، الآن أنا في الدنيا أراك أشتاق إليك فآتيك، بالجنة لا شيء يجمعنا، أنت مع النبيين وأنا مع عامة المؤمنين، الله عز وجل أنزل وحياً من أجل هذا الصحابي، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ﴾

(سورة النساء)

 وإذا لم تطع الله ورسوله هل تعرف مع من تجلس ؟ مع شارون في جهنم طبعاً !!!!
 عن عاصم بن محمد رضي الله عنه قال: ما سمعت ابن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسمل إلا ابتدرت عيناه تبكيان من شدة الحب.

 

الأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم والأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم:

 

 أقول: دائماً الأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم، والأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم، والناس جميعاً أتباع قوي أو نبي، فمن سلاحه ما معه من سلطة هذا أتباع الأقوياء، ومن سلاحه كماله هذا من أتباع الأنبياء، سلاحك كمالك، لطفك، إنصافك، أدبك، أنت من أتباع الأنبياء، سلاحك معك دفتر ضبط تعال إلى هنا أنت من أتباع الأقوياء.
 ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي صلى الله عليه وسلم ثم يبكي.
 روى ابن عساكر بسند جيد في شرح هذا الحديث أنه لما نزل بداريا ـ اسم قريب من الشام ـ قال هنيئاً لأهل داريا زارهم بلال و:

(( إن بلالاً رأى في منامه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال، فأنتبه حزناً وجلاً خائفاً فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يبكي عنده ويمرغ وجه عليه، فأقبل الحسن والحسن فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ففعل، فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازداد رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرجن العوائق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فلما رئي يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك اليوم ))

ملخص الدرس:

 

 

أيها الأخوة: لعل ملخص هذا الدرس أنه لا بدّ من تعاون المدرسة مع المسجد مع المنزل، ولابد من تناغم، وانسجام، وتوافق، وتعاون، وأي تقصير في أحد هذه المؤسسات ينعكس على المؤسستين.
 النقطة الثانية في الدرس: لا يمكن أن تحدث أثراً في إنسان إلا إذا أحببته وأحبك، والحب وسائله: ابتسامة، هدية، اهتمام، تواضع، ملاطفة، مداعبة، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
 هذا الكلام موجه للأب، ينبغي أن تدخل بيتك وعند أطفالك عيد، وهذا الكلام موجه للمعلم في الصف، ولكل داعية في الإسلام، مضطر لأن أقول: سيد الخلق، حبيب الحق، وسيد ولد آدم الذي يوحى إليه، أفصح العرب معه معجزات، أنزل عليه الوحي، معه بيان، أكمل خلق الله قاطبة، هو نفسه خاطبه الله قائلاً:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَِ ﴾

(سورة آل عمران)

 بعده ليس هناك نبي، ولا رسول، ولا إنسان يوحى إليه، وليس معه معجزات، وفيه غلظة، لماذا هذا ؟

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 159 )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور