وضع داكن
25-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 09 - حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

تجمل النبي عليه الصلاة والسلام :

الجمال حاجة أساسية في الإنسان
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في دروس الشمائل المحمدية، ومع الدرس التاسع من هذه الدروس، ولا زلنا في تجمل النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بد من كلمة بين يدي هذا الموضوع، هذه الكلمة ملخصها أن هذا الإنسان الأول رتبة هو مثل أعلى لنا في كل علاقاته، في كل حركاته، في كل شؤونه، فحينما نتحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام لأن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، هو المثل الأعلى، هو قمة الكمال البشري، فالحديث عن شمائله منهج لنا، بل إن المؤمن الصادق في كل شؤون حياته هو النبي عليه الصلاة والسلام، إذا دخل البيت والطعام ليس جاهزاً ماذا يفعل؟ أي في كل الشؤون التي يعيشها الإنسان كان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى.
نحن ما زلنا في تجمله، الحقيقة أن الجمال حاجة أساسية في الإنسان، فأنت إذا رأيت إنساناً نظيفاً، كلامه نظيف، أفكاره واضحة، معاملته لطيفة، رحيماً، صادقاً، أميناً، هذا الذي يشدك إلى الدين، وأكبر طريق للدعوة أن تكون أنت كاملاً فقط، لأن الصدق وحده دعوة، والأمانة دعوة، والرحمة دعوة، والشجاعة دعوة، وأن تقف موقفاً حازماً دعوة، فالإسلام عظمته أن المسلم يتمتع بمكارم الأخلاق.
إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.

الأخلاق هي الكلمة الفاصلة بين المؤمن والمنافق :

الأخلاق هي الكلمة الفاصلة بين المؤمن والمنافق
صدقوا أيها الأخوة أن الكلمة الفاصلة بين المؤمن والمنافق الأخلاق، لأن الله عز وجل حينما أثنى على النبي عليه الصلاة والسلام، أثنى على خلقه، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4]

فكان النبي عليه الصلاة والسلام فصيحاً بليغاً:

(( أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ]

وقريش أفصح قبائل العرب، حتى في هذه العبارة سماها العلماء تأكيد المدح بما يشبه الذم، وكان كلامه فيما يسمى اليوم بالسهل الممتنع، واضح لكن لا تستطيع أن تقلده، لذلك كلما ضعفت لغة الإنسان جاءت عبارته معقدة، كلما ضعفت لغة الإنسان جاءت الجملة معقدة، وكلما قوي في اللغة جاءت الجملة بسيطة واضحة، كيف أنك تستنشق الهواء ببساطة، كيف أنك تشرب الماء، كذلك عبارة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً، العبرة أن يُمكّن هذا المعنى في نفس المستمع، العبرة لا أن يتكلم سريعاً كان كلامه موزوناً، كان هادئاً.

 

صفات كلام النبي عليه الصلاة والسلام :

1 ـ كان النبي يتكلم بكلام فصلٍ لا هذرٍ ولا نزر :

كان النبي عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه أنه يتكلم بكلام فصلٍ لا هذرٍ ولا نزرٍ، لا في إيجاز مخل ولا في إطناب ممل، أحياناً تلتقي بإنسان حديثه في إطناب، لكنه ممل، يقول لك: قابلت الوزير وقبل أن أدخل عليه كان بمكتبه أشخاص، أحدهم يتحدث مع الآخر، هذا الكلام كله لا يعنيني، حينما قابلته ماذا قال لك؟ يأتي بتفاصيل وجزئيات تعد عبئاً على الموضوع، فعندنا إيجاز مخل، وعندنا إطناب ممل، فكان النبي عليه الصلاة والسلام، يتكلم بكلام فصلٍ لا هذرٍ ولا نذرٍ، ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق به، التشدق تصنع الفصاحة، مثلاً: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني.

2 ـ يكره التنطع في الكلام والتكلف في فصاحته :

هذه فصاحة مفتعلة، ممجوجة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يكره التنطع في الكلام والتكلف في فصاحته، كان كلامه بسيطاً عذباً، بلا تكلف، بلا تصنع، بلا تشدق.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ))

[الترمذي، وأبو داود وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

هناك رجل البلاغة عنده هدف، موضوع المعنى بالدرجة الثانية، لا بد من أن يعرض فصاحته على الناس، سبحان الله كل إنسان يتكلف الفصاحة تصبح هذه الفصاحة ممجوجة مرفوضة، كان النبي عليه الصلاة والسلام فصلٍ لا هذرٍ ـ لا في كلامه إطالة مملة ـ ولا نزرٍ ـ ليس في كلامه إيجاز مخل ـ يكره الثرثرة في الكلام والتشدق به، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يكره التنطع في الكلام والتكلف في فصاحته.

3 ـ لا يخلّ ولا يملّ :

شيء آخر من أروع ما قيل في كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أنه إذا خطب لا يخل ولا يمل، لا يخل لا يأتي كلامه ناقصاً غير واضح، ولا يمل من إطالة وتكرار، ودائماً الفصاحة بين تطرفين إما إيجاز مخل أو إطناب ممل.
الآن عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:

(( كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا - معتدلة - وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا - أي معتدلة))

[ رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

لا في كلامه إطالة مملة ولا كلام قليل لا تفهم منه شيئاً، أعرابي قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ"، فقال هذا الأعرابي: قد كفيت. أي أصبح فقيهاً.

 

المحاسبة غير المعقولة شيء مستحيل فالإنسان عليه أن يسدد و يقارب :

والله أيها الأخوة، أحياناً آية واحدة تكفيك، مثلاً:

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[ سورة النساء:1]

الإنسان أحياناً يُبلغ أن هاتفك مراقب، يضبط كلامه ضبطاً يفوق حدّ الخيال،

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

ألا تكفي هذه الآية؟ آية ثانية:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

روى الإمام أحمد وأبو داود عَن الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ قَالَ: الدقة المطلقة ليست من صفات البشر

((وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ ـ دقة الرواية أي معه ستة ـ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ زُرْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ بِنَا أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا))

[أحمد وأبو داود عَن الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ ]

أي سددوا وقاربوا، مثلاً أنت مضطر أن تنظف بيتك، قد تجد نملة وراء بعض الأواني، إذا كانت هذه النملة ميتة تلغي تنظيف البيت، أي موضوع الاستقامة المطلقة فوق طاقة البشر، أحياناً فرن يحمل عامل كيس طحين، قد ينزل من هذا الطحين شيء قليل جداً، الشيء المطلق ليس من صفات الإنسان، لذلك سددوا وقاربوا، أحياناً يصب لك في مركبتك الزيت حينما ينتهي هذا الوعاء، لكن لو أبقيته نصف ساعة هناك زيت لم ينزل بعد، المحاسبة غير المعقولة شيء مستحيل، هذا معنى كلام النبي عليه الصلاة والسلام:

((لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا))

أي أنت يا بائع الزيت هل أعطيت صاحب المركبة كل الزيت؟ لا هناك قسم بقي في أطراف الوعاء من الداخل، أما لو أبقيت هذا الوعاء ساعة تجد كأس شاي قد ملئ، القصد أن الله يريد ورعك وطاعتك له، أما الشي ءالمطلق فوق طاقة البشر.

 

كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً فالكلام الموجز بليغ :

كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا فأوجز في كلامك
شيء آخر سيدنا الصديق له كلمة رائعة جداً، قال: "إيَّاك وكثرة الكلام، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاَ".
لذلك الكلام الموجز بليغ، لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، كان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامتاً، فإذا تكلم بذّ القائلين، وكان يُرى ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جدّ الجد فهو الليث عادياً، أي إذا تحدث تحدث في موضوع واحد مركز، له مقدمة، له عرض، له تشقيق، مع أدلة وشواهد وقصة تؤكد، وخاتمة، وانتهى، هناك خطة، هناك كلام مركز.
مرة نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: نعم الإدام ـ أي أطيب مادة دسمة، أطيب طعام يا ترى اللحم؟ـ الجوع.
أن تكون جائعاً، إذا كنت جائعاً أي طعام تراه أطيب طعام على الإطلاق، منهج، كل واحد منكم يقول: أكلت طعاماً ما ذقت مثله في حياتي، هو أكل عادي جداً لكن كنت جائعاً، نعم الإدام الجوع، أي أطيب طعام تأكله أن تكون جائعاً فقط.

تناقض التعالي والكهنوت والهيبة المفتعلة مع الكمال :

وروى الطبراني والبزَّار عن جابر:

((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذير قومٍ أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه كذلك رأيته أطلق اللسان وجهاً وأكثرهم ضحكاً وأحسنهم بشراً ))

[الطبراني والبزَّار عن جابر ]

كن مرحا ولطيفا في النزهة
كان النبي عليه الصلاة والسلام مرحاً، يبتسم دائماً مع أصحابه، لذلك ورد نص دقيق جداً: "الوقار في البستان من قلة المروءة"، أي أنت في نزهة، من خصائص النزهة أن تكون مرحاً، أن تكون لطيفاً، أي من كان معك تكلم أحدهم بطرفة فضحكوا جميعاً اضحك معهم، التعالي، والكهنوت، والهيبة المفتعلة، هذه تتناقض مع الكمال، فكان النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه كأنه واحد منهم.
مرة جاء رجل إلى مجلس النبي عليه الصلاة والسلام ونظر فيهم، قال أيكم محمد؟ والله يتكلم في هذا النص سنة، ليس له ثياب خاصة؟ أبداً، مقعد خاص؟ أبداً، مع أصحابه، أيكم محمد؟ طبعاً هذا النص له عدة روايات، إحدى رواياته: قال النبي الكريم: أنا، هناك رواية ثانية، قال له صحابي جليل: ذاك الوضيء، ألا تكفيه فخراً؟
بالمناسبة، في معركة بدر كان أصحابه حول ألف وزيادة، والرواحل ثلاثمئة، فالنبي هو قائد الجيش، زعيم الأمة، أصدر توجيهاً، قال: "كل ثلاثة على راحلة ـ يتناوبون عليها ـ وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، جعل نفسه كأحد الجنود، ركب الناقة فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير ـ كان رياضياً ـ ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر".

 

تأثير النبيالكريم في قلوب السامعين إذا وعظ وتطييب نفوسهم :

كان عليه الصلاة والسلام إذا وعظ أثَّر في قلوب السامعين، وطيَّب نفوسهم، حتى إنهم لتذرف دموعهم، وترق وتخشع قلوبهم، ويرتقي حالهم إلى المشاهدات والمعاينات.
كان مجلس النبي مجلس علم وأدب، فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا))

هذا من تواضعه، أحياناً يشكو لك إنسان زوجته، فترد عليه: والله أنا عندي زوجة لا يوجد منها، هذا سوء أدب، شكا لك أولاده، تقول له: أنا عندي أولاد قمة في الكمال، ليس من الأدب إذا إنسان شكا لك شيئاً أن تعطيه العكس، هذا يولد الازدراء ويشيع الحزن في قلبه. المؤمن في إقبال وإدبار

((فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))

[مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ]

هذا منهج، نحن المؤمنون ساعة وساعة، لكن إياكم ثم إياكم ثم إياكم أن تتوهموا أن ساعة طاعة وساعة معصية، لا ساعة تألق وساعة فتور، مقام المؤمنين ساعة وساعة، مقام الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، فرق كبير بين المقامين، المؤمنون يتفاوتون؛ ساعة إقبال وساعة عدم إقبال، أو ساعة إقبال وأربع ساعات عدم إقبال، أو خمس ساعات إقبال وساعة عدم إقبال، أي النفوس لها إقبال ولها إدبار، إذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض، بحالة الإدبار أدِّ الفرائض تكن أعبد الناس، مع الإقبال صلِّ قيام الليل لك أجر.
طبعاً هذا الكلام درس لنا، أنت في بيت من بيوت الله تتلقى درس علم، لك حال مع الله، تحس بسعادة، وأنك والجنة كهاتين، لكن في البيت هناك ضجيج أحياناً، هناك شيء لم يتحقق، الطعام لم يكن جاهزاً، عليك ضغط عمل كبير جداً، المواعيد متضاربة، فقد تتألم، فحالك في البيت غير حالك في المسجد، وكأنك في المسجد في ضيافة الله، "إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر".

 

للمؤمن ميزات لا يعلمها إلا الله عز وجل :

أحياناً الله عز وجل يكرمك بالحكمة:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة : 269 ]

في بيت الله ضيافة تساوي الدنيا وما فيها
يكرمك بالحلم، كاد الحليم أن يكون نبياً، أحياناً يكرمك بالرضا، راض عن الله، راض عن بيتك، عن أهلك، عن أولادك، أحياناً يكرمك بالتفاؤل فلا يوجد تشاؤم، أحياناً تجلس مع إنسان لا تستطيع أن تقف بعد هذا اللقاء، وإنسان آخر راض عن الله، أنا أقول: يجب عليك ـ والله أعلم ـ إذا دخلت بيتاً من بيوت الله كما علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن تقول إذا دخلت:

((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك))

[مسلم عن أبي حميد]

أنت الآن في بيت من بيوت الله، في ضيافة الله، طبعاً لا يوجد ضيافة مادية، تجلس على الأرض، لا يوجد شراب ولا عصير ولا أكلات معينة، لا يوجد شيء، هناك سجاد أنت جالس على الأرض، لكن والله أيها الأخوة، قد يقدم لك ضيافة تساوي الدنيا وما فيها، أنك مستقيم، أنك تحب الله، أنك عرفت الآخرة، أن الله جعلك حليماً، حكيماً، رحيماً، بيتك منتظم، محبوب، ما عندك كلمة غلط، لا يوجد مزاح فاحش إطلاقاً، لا يوجد موقف فيه تردد، للمؤمن ميزات لا يعلمها إلا الله، لكن قد يغفل عنها الإنسان.
مرة قرأت لسيدنا عمر كلمة قال: كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها، كلام دقيق، لم تكن في ديني، مصيبة في المركبة نصلحها، تلف شيء في البيت نجدده، لكن ليست في الدين. الحمد لله ثلاث مرات: الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.

 

شفافية النبي عليه الصلاة والسلام :

أيها الأخوة الكرام، يتحدثون عن كلمة، مصطلح جديد، اسمه الشفافية، مصطلح الآن رائج جداً والكل يتكلم بالشفافية، لكن أقدم لكم لقطة من الشفافية، النبي عليه الصلاة والسلام دخل مرة لبستان فرأى ناقةً، فحنت لما رأته، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ " فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))

[أبو داود عن عبد الله بن جعفر ]

المؤمن شفافيته عالية
هذه شفافية عالية جداً، والله أحياناً إذا ضرب إنسان هرة، تبتعد عنه، وتنظر إليه وكأنها تعاتبه، الإنسان كلما ارتقى عنده شفافية عالية، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "إن حجراً كان يسلم علي"، المؤمن يتجاوب مع الطبيعة، قطرة ماء تعني عنده شيئاً كثيراً، نبتة صغيرة، هناك شخص رأى نبتة صغيرة تسبح الله، يدوسها بقدمه، رأى نملة يسحقها، هناك إنسان كل ما حوله يعتني به، ننهي هذا الموضوع بهذا الحديث :

((وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، تولى عليكم، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))

[الترمذي عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ]

أيها الأخوة، الحقيقة أن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام منهج لنا، وهذه الشمائل ينبغي أن نقتدي بها، أو أن نتخلق بها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الإنسان الأول في الأرض:

(( سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ))

[ أخرجه مسلم عن ابن عمر ]

الموضوع العلمي :

الجاذبية نعمة عظيمة من نِعم الله عز وجل :

والآن ننتقل إلى الموضوع العلمي، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا*أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا﴾

[ سورة المرسلات: 25-26 ]

الجاذبية نعمة عظيمة من نعم الله
كفاتاً، مأخوذة من فعل كفت يكفته كفتاً ضمه وقبضه، فالأرض من صفاتها أنها تكفت، أي تجذب وتضم وتقبض، هذه البطاقة لو تركتها تنجذب إلى الأرض، لولا أن الله جعل الجاذبية لما أمكنك أن تتعامل مع الأشياء، أي هناك أماكن بين الأرض والقمر تنعدم فيها الجاذبية، فقد يستيقظ رائد الفضاء في سقف المركبة لأنه لا يوجد وزن، هناك نعمة لا تخطر على بال واحد منا، أن هذا الشيء تضعه يبقى في مكانه، لمَ يبقى في مكانه؟ لأنه ينجذب إلى الأرض، هذا الوزن، الوزن هو انجذاب الشيء إلى مركز الأرض، أنت في الأرض، وزنك ثمانون كيلو، في القمر ثمانية كيلو، الجاذبية ما رأينا خلافها، شيء طبيعي هذه تضعها تبقى في مكانها، لولا أن الأرض تكفت ما عليها إليها لكانت الحياة مستحيلة، كل واحد له بيت، غرفة الضيوف فيها كراسي وثيرة بمكانها، لو لم يكن هناك جاذبية لوجدت الكراسي في السقف، أحياناً يعرضون في المركبة الفضائية مكاناً ليس فيه جاذبية، حاجات الإنسان بالهواء، يقفز قفزة يصير في السقف، ليس له وزن أبداً، كلمة الوزن تعني الجاذبية، هذه نعمة لا تعدلها نعمة:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴾

[ سورة المرسلات: 25]

الماء كيف يستقر في البحر إن لم يكن هناك جاذبية؟ الماء مستقر بالبحر، في بيتك، حاجات بيتك، مركبتك، كله مستقر هذا الاستقرار سببه الجاذبية، هذا قانون الجاذبية دقيق جداً، هذا متعلق بالكتلة، ومتعلق بالمسافة، لكن هذا الكون يتحرك لولا الحركة لجمع الكون كله في كتلة واحدة، الأكبر تجذب الأصغر، الكون كله، مئات ألوف مليارات المجرات تصبح كتلة واحدة، لكن ما الذي يحصل؟ كل كوكب يدور، حينما يدور ينشأ من دورانه قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فيبقى في مكانه، كل شيء يدور من هذا الدوران ينشأ من دورانه قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فيبقى في مكانه، والدليل ائت بوعاء من الماء وأدره، الماء لا ينزل، عندما دار الماء الذي في هذا الوعاء ينشأ من دورانه قوة نابذة، فلولا هذا التوازن بين القوة النابذة و القوة الجاذبة لتجمع الكون كله في كتلة واحدة.

 

الوزن من نعم الله الكبرى :

الوزن من نعم الله الكبرى
والله هناك نعم أيها الأخوة، قد لا تخطر في البال، كل شيء له وزن، وأنت لك وزن، لكن الآن بعد الوصول إلى القمر رواد الفضاء دخلوا بأماكن لا يوجد بها وزن أبداً، والحياة لا تحتمل، في بعض المشاهدات حاجات الرائد في السقف، أحياناً رائد الفضاء يستيقظ فيجد نفسه بالسقف، ليس له وزن أبداً، فالوزن من نعم الله الكبرى، في الوزن هناك استقرار، لذلك الله عز وجل قال:

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾

[ سورة الأنعام : 11]

بربكم تمشي أنت فوق الأرض أم في الأرض؟ فوق الأرض، الآية في الأرض، لأن الله عز وجل عدّ الهواء جزءاً من الأرض، الهواء كم يساوي؟ خمسة وستون ألف كيلو متر، هذا الهواء يدور مع الأرض، تصور الهواء لا يدور مع الأرض، ما الذي يحصل؟ ينشأ عواصف وأعاصير، سرعتها ألف و ستمئة كيلو متر في الساعة، لا تبقي شيئاً على وجه الأرض، أحياناً تجد موجة رياح شديدة، سرعتها مئة وخمسة وعشرون تهدم بعض المنازل، هناك أعاصير بأمريكا سرعتها ثمانمئة كيلو متر، لا تبقي شيءاً في الأرض، لا بيت، ولا مركبة، ولا شيء، فإذا كان الهواء ثابتاً والأرض تدور معنى ذلك هناك تيار، هناك عاصفة أو زعزعة سرعتها ألف و ستمئة كيلو متر في الساعة، لا تبقي ولا تذر.
أيها الأخوة: قضية الجاذبية من نعم الله الكبرى، لكن هناك شيئاً قد لا ننتبه له، لك وزن والوزن متعلق بالحجم والكثافة وما إلى ذلك.
أرجو الله عز وجل أن يكون هذا الكون بآياته الدالة على عظمة الله سبيلاً إلى معرفته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور