وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 1157 - شروط نجاح الدعوة إلى الله عز وجل - حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :

أيها الأخوة الأكارم، إذا قال الله عز وجل:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآيات : 1-3 ]

لو وقفنا عند كلمة تواصوا بالحق، أي يجب أن نعتقد يقيناً أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، فرض عين في حدود ما يعلم ومع من يعرف، هناك دعوة إلى الله تعد فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن المجموع، هذه الدعوة ـ إن صحّ التعبير ـ الاحترافية، هذا المتعمق، والمتبحر، والمتفرغ، هذا داعية إلى الله من نوع فرض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل، أما الحقيقة الدقيقة والخطيرة أن كل واحد منا ـ ولا يستثنى واحد ـ يجب أن يدعو إلى الله كفرض عين عليه، لكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف.

 

سورة العصر دليل الدعوة إلى الله عز وجل :

لذلك لابدّ من حديث دقيق عن خصائص هذه الدعوة التي هي فرض عين على كل مسلم، دليلها القوي سورة العصر، سمى الإمام الشافعين ما بعد إلا أركان النجاة، قال:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآيات : 1-3 ]

فالتواصي بالحق هي الدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم، يؤكد هذه الآية قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

بلغ، استمعت إلى خطبة، حضرت درساً، قرأت كتاباً، تابعت ندوة، تأثرت في شرح آية، في شرح حديث، في قصة عن صحابة رسول الله، هذا الذي تأثرت به أنت مكلف كمسلم أن تنقله للغير، إلى أهلك، إلى بيتك، إلى زوجتك، إلى أخوتك، إلى أعمامك، إلى جيرانك، أيْ أي لقاء خلال الأسبوع مع أي إنسان، في سهرة، في دعوة، في وليمة، في حفلة، قل هذا الذي تأثرت به تكون قد أديت فرض العين في الدعوة إلى الله، فالدليل الأول:

 

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3]

والدليل الثاني لا يقل عن الأول قوة:

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[سورة يوسف الآية : 108 ]

فإن لم تدعُ إلى الله على بصيرة، قطعاً أنت لست متبعاً لرسول الله،

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

إن كنت متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تدعو إلى الله على بصيرة، معنى على بصيرة أي بالدليل والتعليل إن أمكن، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل يقوي دعوتك، الدليل يعطي هذا الدين قوة، ادعُ إلى الله على بصيرة، لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، ولا تدعُ إلى شيء من دون دليل، ولا تنهى عن شيء من دون دليل، عود نفسك البحث عن الدليل، فالدين المدلل المدعوم بالأدلة يسهل الإقناع به، أما الدين غير المدلل افعل هكذا، لماذا؟ هكذا افعل، هذه ليست دعوة إلى الله عز وجل.

 

الإسلام دين الله وهو الدين الأول الذي ينمو في العالم كله :


لكن أيها الأخوة، لماذا اخترت هذا الموضوع؟ لسبب دقيق، هذا السبب هو أن العالم قبل خمسين عاماً تقريباً كان هناك ثلاث كتل كبيرة، الشرق بعقيدته التي آمنت بالمجموع ولم تعتنِ بالفرد، والغرب الذي آمن بالفرد ولم يعتنِ بالمجموع، والإسلام دين الله، هذه الكتل الثلاثة تداعت واحدة منها وانتهينا، هي الكتلة الشرقية، بقي على ساحة المبادئ والقيم كتلتان كبيرتان؛ الغرب والإسلام، الحقيقة تقال: الغرب قوي جداً، وغني جداً، وذكي جداً، وطرح قبل الحادي عشر من أيلول قيماً رائعة جداً، كالحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحق المقاضاة إلى آخره، لكن بعد الحادي عشر من أيلول كان الغرب حضارة فأصبح قوة غاشمة، فلم يبقَ على ساحة المبادئ والقيم إلا الإسلام، لذلك نحن مع أننا ضعاف، في العصر الذهبي للدعوة إلى الله العالم من كل أطرافه يبحث عن الإسلام، قد لا تصدقون أنه يدخل في فرنسا يومياً خمسون فرنسياً في الإسلام، في أمريكا فوق الثلاثين يومياً، لا يوجد دين الآن ينتشر بسرعة مذهلة كالإسلام، وكأن هذه الحضارة حينما أعلنت إفلاسها، لم تستطع أن تحقق السلامة والسعادة للإنسان، في الخمسينات أي عام ألف وتسعمئة وخمسين تألق الغرب تألقاً كبيراً، وخطف أبصار البشر، وتوقع الناس أن كل السعادة في اتباع الغرب، هذه الموجة كانت في الخمسينات، حتى إن المجتمع الإسلامي أخطأ خطأً فادحاً في إنكار بعض ما عنده من مبادئ، وقيم، ونظر إلى الغرب نظرة إعجاب، لكن الغرب خيب ظنه، والغرب أصبح قوة غاشمة، رأينا ماذا فعل في بلاد إسلامية احتلها، أين حقوق الإنسان؟ أين حق المقاضاة؟ رأينا ما يفعله أعداء الأمة اليهود في فلسطين، رأينا ما يفعله من دعم أعداء الأمة في بلاد إسلامية احتلت، فكان الغرب قوة غاشمة ليس غير، لذلك العالم كله الآن يتطلع إلى الإسلام، وإقبال الناس على هذا الدين إقبال عجيب، هو الدين الأول الذي ينمو في العالم كله.

من لا يدعو على بصيرة فليس متبعاً لرسول الله :

لذلك أردت في هذا اللقاء الطيب أن أتحدث عن بعض الضوابط، أو عن بعض الشروط، التي ينبغي أن يتحلى بها لا الداعية المحترف بل الداعية العادي، أي كل واحد منكم داعية، أحياناً يسمع فكرة في الخطبة فيتأثر بها، الآن يعرضها على أهله، على أخوته، فأي إنسان بأي مسجد يعد داعية، بنص الآية الكريمة:

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3]

والآية الثانية:

 

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف الآية : 108 ]

والحديث الصحيح:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

لو طالبك أحد بأدلة قطعية قوية حول أن الدعوة إلى الله فرض عين قل له الآية الأولى:

 

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف الآية : 108 ]

فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، والآية الثانية:

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3 ]

والحديث الثالث:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

شروط نجاح الدعوة إلى الله عز وجل :

1 ـ الإخلاص و الصدق مع الله عز وجل :

موضوع اليوم متعلق بالإنسان العادي، المؤمن العادي، الذي سمع درساً، كيف ينقل هذا الدرس؟ أولاً: لابدّ لنجاح الدعوة إلى الله كفرض عين من الإخلاص والصدق مع الله، لذلك قال تعالى:

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 3 ]

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾

[ سورة البينة الآية : 5 ]

أما غير المخلصين:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾

[ سورة الفرقان الآية : 23 ]

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾

[ سورة الكهف الآية : 110 ]

فسر العلماء العمل الصالح بأنه ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وفق السنة، إذاً أول شرط الإخلاص، "من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو ليجادل به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فليتجهز إلى النار"، لا بد من الإخلاص، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، حينما تتكلم بكلمة في مجلس، في سهرة، في لقاء، في وليمة، ابتغِ وجه الله، لا تبتغِ أن تظهر كمتعلم بارع، لا، ابتغِ وجه الله بهذه الدعوة، هذا الذي أمامك عبد لله غفل عن الله، غفل عن طاعة الله، أنت كمؤمن، كأخ صادق، كمحب، ينبغي أن تذكره بمهمته في الدنيا، أن تذكره بأن علة وجودنا في الدنيا عبادة الله عز وجل، والدليل:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِي ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56]

الإخلاص يصلح معه قليل العمل وكثيره :

مما يؤكد أيضاً معنى الإخلاص قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتواتر:

(( إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))

[ أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب ]

إذاً الشرط الأول لمن أراد أن يكون داعية كفرض عين في حدود ما يعلم ومع من يعرف أن يكون مخلصاً، لأن الإخلاص يصلح معه قليل العمل وكثيره، أما عدم الإخلاص يلغي أكبر عمل، إذا خلا من الإخلاص لا قيمة له إطلاقاً.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

شيء خطير، شيء خطير أن تبتغي من الدعوة هدفاً أرضياً، أن تبتغي سمعة، أن تبتغي وجاهة، "من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو ليجادل به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه ، فليتجهز إلى النار" ، لابدّ من الإخلاص، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، حينما تتكلم بكلمة:

(( َيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَال ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ ، وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

لعل النص مخيف جداً، أنا أردت أن أورده لكم كي نحرص على الإخلاص، راقب نفسك، أنت حينما تشك في إخلاصك اعمل عملاً طيباً ولا تعلم به أحداً، لا يستطيع أحد أن يتهمك في إخلاصك، الإخلاص الإخلاص، مع الإخلاص ينفع كثير العمل وقليله، ومن دون إخلاص لا ينفع لا كثير العمل ولا قليله، لذلك ورد في بعض الأحاديث القدسية:

(( أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

على كل إنسان أن يتأدب مع الله عز وجل :


لذلك مما يخشى على طلاب العلم حب الرئاسة، أن يخطف أبصار الناس، أن يكون ذا مكانة علية، هذه شهوات لا ترضي الله، ذكرت هذا ولعله يضطرب له الإنسان، لكن هذه الحقيقة المُرّة وهي أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، ولابدّ من متابعة حاجات الإنسان فيما إذا كانت مخلصة لله، أو كان هناك دنيا يقصدها من هذا العمل:

(( أَثنى رجل على رَجُل عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ويلك، قطعتَ عُنق صاحبك، يقوله مراراً، ثم قال: مَنْ كان منكم مادحاً أخاه لا محالةَ، فليقل: أَحْسِبُ فلاناً واللهُ حسيبه، ولا يُزَكِّي على الله أحداً، أَحْسِبُ كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه ))

[ البخاري عن أبي بكرة]

أنا لا أنسى موقف النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان في بيت أحد أصحابه الذين توفاهم الله، كان من عادته أن يزور المتوفى قبل أن يغسل، فسمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان كلامها صحيحاً، فقال النبي يخاطب المرأة من وراء الستر: ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
تأدب مع الله، قل: أرجو الله لفلان الجنة، أرجو لفلان أن يغفر الله له، أما لا تقل: فلان في الجنة، هذا التألي على الله أن تحكم على المستقبل بحكم قطعي، هذا الضابط الأول.

 

2 ـ تحصيل العلم الحقيقي :

الضابط الثاني لهؤلاء الذين يدعون إلى الله أن يحصّلوا العلم الحقيقي، أن يتقن القرآن قراءة ورواية، وأن يأتي بالشاهد المناسب، وأن يطّلع على الحديث الشريف، وأن يحفظ بعض الأحاديث الصحيحة، إنسان يتكلم من دون علم هذه مشكلة كبيرة، لذلك قال الإمام الغزالي: "العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون على الله من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون".
بل إن الله عز وجل حينما رتب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً، شيء يلفت النظر، ذكر الفحشاء والمنكر، والبغي والعدوان، وذكر الشرك، وذكر الكفر، وذكر الإلحاد، وجعل على رأس كل هذه المعاصي:

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية :169 ]

إذا ذكرت للناس أن النبي عليه الصلاة والسلام يشفع لكل أمته بلا قيد ولا شرط ماذا فعلت مع الناس؟ طمعتهم بالمعاصي والآثام.

 

على الإنسان أن يطلب العلم أولاً ثم يدعو إلى الله ثانياً :

أساساً بعض الأحاديث غير الصحيحة، وبعض الأفكار غير الدقيقة، قد تثبط عمل الإنسان، هناك أحاديث تحتاج إلى شرح طويل، يقول لك: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، عمر بأكمله لا يصلي، عمر بأكمله معاصي وآثام، بهذه البساطة كلمة تقولها نجوت من حساب الله عز وجل، هذه الكلمة قبل أن تقولها تحتاج إلى شرح طويل:

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

أن تحجزه عن محارم الله، قال: وحجزته عن محارم الله، فالضابط الثاني تحصيل العلم الحقيقي، وتحصيل الفهم العميق لهذا الدين، أما إنسان بلا علم، بلا دقة، في فهم كلام الله بلا دقة، في فهم حديث رسول الله بلا دقة، في فهم التاريخ الإسلامي بلا دقة، يتكلم بما لا يعرف، نقول له: اطلب العلم أولاً ثم ادعُ إلى الله ثانياً، لذلك قال تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد الآية : 19 ]

قال تعالى:

﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾

[ سورة العنكبوت الآية : 43 ]

قال تعالى:

﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾

[ سورة العنكبوت الآية : 49]

قال تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

[ سورة المجادلة الآية : 11 ]

قال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 9 ]

إذاً الشرط الأول: الإخلاص، الثاني: طلب العلم، لابدّ من طلب العلم، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))

[البخاري عن حميد بن عبد الرحمن]

الفتن الطائفية الورقة الوحيدة الرابحة في أيدي أعداء المسلمين الآن :

أيها الأخوة، الآن يمكن أن تدعو إلى الله لخمسين عاماً دقق في المتفق عليه، الآن أعداء المسلمين معهم ورقة رابحة وحيدة، هي الفتن الطائفية، بل إن فرعون موسى قال الله عز وجل عنه:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾

[ سورة القصص الآية : 4]

فالتفرقة، وتراشق التهم، وأنتم لستم على حق، ونحن على حق، هذه المصيبة التي ابتلي بها المسلمون في العداء بين الجماعات الإسلامية وبين الطوائف الإسلامية هذه ممنوعة، لأن الغرب وضعنا جميعاً في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، أنا أرى أن طرح أية قضية خلافية يعد الآن جريمة بحق المسلمين، ابحث عن المشترك بيننا، ابحث عن التوافقات، حاول أن تقرب لا أن تباعد، حاول أن تصلح لا أن تفسد، حاول أن توحد لا أن تفرق، ليس منا من فرق، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 105]

أي جاءهم العلم لكن خلافهم خلاف بغي.

 

أنواع الاختلاف بين البشر :

1 ـ الاختلاف الطبيعي :

لذلك قالوا الاختلاف أنواع ثلاث: حينما يختلف بسبب نقص المعلومات، فإذا اتضحت صار هناك اتفاق، كيف؟ سمعنا صوت مدفع ونحن في التاسع والعشرين من شهر شعبان، يقول أحدهم: إنه مدفع رمضان، يقول آخرون: تفجير في الجبل، فتت به صخرة، مثلاً اختلفنا، السبب نقص المعلومات، هذا اختلاف طبيعي. 

2 ـ الاختلاف القذر :

لكن هناك اختلاف قذر، حقير، قال تعالى:

﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 19 ]

أي عدواناً وحسداً بينهم، هذا الاختلاف اختلاف قذر، في علوم واحدة لا يوجد خلاف علمي لكن خلاف الأهواء، والحظوظ، والمصالح، هذا اختلاف قذر. 

3 ـ الاختلاف المحمود :

وهناك اختلاف التنافس بين المؤمنين:

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين الآية : 26 ]

مؤمن يرى الدعوة على الله أفضل عمل، مؤمن آخر يرى الإحسان للناس أفضل عمل، مؤمن يرى المساهمة بجمعية خيرية أفضل عمل، هذا اختلاف محمود اختلاف التنافس.
اختلاف الهوى والبغي والعدوان اختلاف قذر، اختلاف التنافس اختلاف محمود، والاختلاف الطبيعي عند نقص المعلومات، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

هذا الحديث منهج،

((لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا ـ أن يبيع بعضكم على بيع بعض، كم اشتريتها؟ يقول لك بستين أرجعها له أنا أبيعها بخمسين، هذا محرم، هذا التناجش ـ وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

4 ـ العمل على منهج تفصيلي من ضوابط الدعوة إلى الله أيضاً :

أيها الأخوة، من ضوابط هذه الدعوة إلى الله التي هي فرض عين العمل على منهج تفصيلي، عندي كتاب، سنة، أحكام فقه، سيرة، هذه خطوط عريضة في الدعوة إلى الله، لا بد من آية توضحها، من حديث صحيح يؤكدها، من حكم فقهي يستنبط منه، من سيرة تؤكد أن الصحابة الكرام والتابعين وتابعي التابعين طبقوا هذا المنهج، آية، حديث، فقه، سيرة، إذاً دعوة وفق منهج، أما إنسان يدعو بقصص، يدعو بكرامات، بمنامات، هذه ليست دعوة إلى الله عز وجل، تحتاج إلى أصول. 

5 ـ أن يكون الداعية وسطياً :

ومن هذه الضوابط أن يكون الداعية وسطياً، فلا إفراط ولا تفريط، ولا جفوة، ولا إهمال، ولا مبالغة، ولا تأكيد على شيء وإهمال شيء، الدعوة الوسطية هي الإسلام الصحيح، هي ما ينبغي أن نتبعه، لذلك التطرف دائماً يسبب مشكلات لا تنتهي.
أيها الأخوة الكرام، هذه بعض الملاحظات لمن أراد أن يطبق منهج الله عز وجل، ودعا إلى الله دعوة كفرض عين في حدود ما يعلم ومع من يعرف.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

أيها الأخوة الكرام، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، الاستقامة سلبية، لم تكذب مستقيم، لم تغش مستقيم، لم تغتب مستقيم ، لم تفسد بين اثنين مستقيم، الاستقامة كلها تبدأ بكلمة لم، ما فعلت كذا لم أفعلها، لكن العمل الصالح هو الذي يرقى بك، والدليل:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 10]

فاعتقد يقيناً أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، واسأل نفسك كل يوم هذا السؤال الدقيق والمحرج، لو وقفت بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وقال: يا عبدي ماذا فعلت من أجلي؟ يا رب أكلت، وشربت، وتزوجت، واشتريت بيتاً، كل هذا الكلام يوم القيامة لا يقبل، يريدك أن تعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله، لو أن الإنسان فكر كل يوم كيف ألقى الله بلا عمل؟ معظم أعمال الناس أعمال مصالح، متعلقة بحرفته، ببيته، بدخله، بمكانته، هذه كلها أعمال لا يشعر أنه يرقى بها، أما عمل لوجه الله لا تبتغي منه مالاً، ولا سمعة، هذا العمل هو الذي يرقى بك، فلذلك مع دعاء صلاة الفجر:" اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك"، وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح، والأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى، لأن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هناك إطعام مسكين، أو أن تدل إنساناً على الطريق المستقيم، أو أن تدعو إلى الله، أو أن تقدم مالاً، أو أن تحسن إلى جارك، أو أن ترعى يتيماً، أو أن ترعى أرملة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وأنت عندما تعمل عملاً صالحاً تشعر أن الله يحبك، عندئذ تُحكم الصلة بينك وبينه، قال تعالى:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 10]

فاعتقد يقيناً أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح:

﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾

[ سورة الكهف الآية : 110]

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور