وضع داكن
28-03-2024
Logo
الندوة : 03 - الامتحان - 1 - من صلحت نيته و خلص مقصده لله عز وجل حقق نجاحاً باهراً
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ جمال شيخ بكري :
 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد بن عبد الله النبي الكريم، وعلى آله، و أصحابه الطيبين الطاهرين.
 أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم جميعاً بكل خير، نحييكم مع بداية هذه الحلقة الجديدة:" فيه هدى للناس"، والتي نستضيف فيها صاحب الفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، دكتور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أستاذ جمال جزاكم الله خيراً.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
 دكتور عندما نتحدث عن الإنسان نتحدث عن مزايا يتمتع بها، وأهم ميزة يحبها هذا الإنسان هي السعادة في حياته قبل الدار الآخرة، يسعى هذا الإنسان للسعادة من خلال النجاح، من خلال التفوق على أقرانه، على نفسه أولاً و أقرانه ثانياً، ليكون ظاهراً في مجتمعه، سعيداً، طيباً، وأحلى لحظات الحياة سيدي هي لحظة النجاح، و قد علمتمونا أن السعادة هي النجاح، كيف يمكن لهذا الإنسان أن يصل إلى النجاح؟ ونحن هذه الأيام سيدي يعيش طلابنا في الجمهورية العربية السورية على اختلاف مراحلهم الدراسية الدراسة بكل أبعادها الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، والجامعية، ونسأل الله عز وجل أن يحقق لهم المراد، كيف نتحدث بداية عن هذا الموضوع؟

 

كل إنسان جُبل على حبّ وجوده و سلامة و كمال وجوده :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صاحبته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أستاذ جمال كتعليق على ما تفضلتم به، ما من إنسان على وجه الأرض من الستة آلاف مليون إنسان يعيشون على سطح الأرض إلا وقد جبل وفطر على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده.
 بشكل مختصر سلامة وجوده بتطبيق تعليمات صانعه، كأية آلة بالغة التعقيد، سلامة وجوده بطاعة ربه، وكمال وجوده بالتقرب إليه بالعمل الصالح، واستمرار وجوده بتربية أولاده، فالذي يطع الله فيما أمر ثم يتقرب إليه بالعمل الصالح ثم يربي أولاده، فقد حقق سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده.

الإنسان يسعد بسعادة أولاده ويشقى بشقائهم :

 الآن كيف يربي أولاده؟ أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبَ بطلب العلم، هبط الإنسان عن مرتبة إنسانيته إلى مرتبة أخرى لا تليق به، لأنه ما من صفة في الإنسان إلا وفي الحيوان صفة تفوقه بها، إلا أن الإنسان تميز بهذه القوة الإدراكية، هذه القوة الإدراكية غذاؤها العلم، فإذا صحّ أن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، نقول: وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب.
 إذاً أنا حينما أربي ابني ما من شيء يلتصق بالإنسان، ويعتد امتداداً له كالابن، فالإنسان يسعد بسعادة أولاده، ويشقى بشقائهم، وطريق السعادة الأول أن يكون الإنسان عالماً، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، فما من أب على وجه الأرض ولو كان أمياً إلا ويتمنى أن يكون ابنه أعلم العلماء، فلذلك حرص الآباء على تحصيل أبنائهم تحصيلاً علمياً شيء ثابت في كل أنحاء الأرض، ونحن على وشك أن نصل إلى الامتحانات الانتقالية والرسمية من إعدادية، وثانوية، وجامعية، الامتحان أساس التعليم، كما أنه لا إنسان يأتي إلى الدنيا إلا وهو ممتحن كذلك لا طالب ينتسب إلى مدرسة إلا وهو ممتحن، لأن الامتحان أصبح على الأبواب، فلا بد من إرشاد أبنائنا الأعزاء إلى الطريقة المثلى التي يدرسون بها أولاً، ويؤدون امتحاناتهم ثانياً.

من صلحت نيته و خلص مقصده لله عز وجل حقق نجاحاً باهراً :

 إذاً نحن في شهر الامتحانات، وتعيش البيوت في هذا الشهر ـ بيوت الناس جميعاً ـ أزمة الامتحانات، التي تطرق الأبواب كل عام، وما إن يقترب هذا الموسم حتى ترى كثيراً من البيوت وقد أعلنت عن حالة التأهب القصوى، والاستعداد الكامل، لدخول معمعة الامتحان، التي يكرم فيها المرء أو يهان، وهذا جهد مشكور، وعمل مأجور، ووعي عميق، وإدراك دقيق، من قبل أولياء الأمور، فإذا صلحت النية، وخلص المقصد لله عز وجل حقق هذا النجاح، وكان الابن وسام شرف على صدر أبيه وأمه، وكان الابن قرة العين، بل إن الله عز وجل كافأ الآباء والأمهات بمكافأة في الدنيا فقال:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان الآية : 74 ]

الأستاذ جمال شيخ بكري :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لطالما تتحدث عن أن الأب قرة عينه أن يكون ابنه عالماً، متفوقاً، ناجحاً، أين يكمن دور الأهل في هذه الأيام في تهيئة الظروف المناسبة والملائمة ليكون هذا الابن ناجحاً؟ فهناك البيت يجب أن يكون ـ سواء من الجيران، أو الأب، أو الأم، أو الأخوة الذين لا يقدمون امتحاناً ـ منضبطاً.
 

التعلم والتعليم قوام الدين :

الدكتور راتب:
 أستاذ جمال قبل كل شيء، إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره ولا ازدهار لمستقبله إلا به، والناس أحد رجلين متعلم يطلب النجاة، وعالم يطلب المزيد، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس ))

[ابن ماجه عن أبي أمامة]

 وتعلُّم العلوم المادية تأكيداً لما تفضلت به، وتعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات فيها، وتوفير الحاجات، تحقيقاً لقوله تعالى :

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

[ سورة هود الآية: 61 ]

 أي أرادكم أن تعمروها، وتعلم العلوم المادية، فيزياء، كيمياء، رياضيات، فلك، طب، هندسة، والتفوق فيها قوة، يجب أن تكون في أيدي أبناء الأمة ليجابهوا أعداءهم، أعداء الحق، أعداء الخير، أعداء السلام، تحقيقاً لقوله تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 60 ]

قوة هذا العصر هي قوة العلم فعلينا التسلح به :

 أستاذ جمال، لأن القوة ـ قوة هذا العصر ـ هي قوة العلم، بل إن الحرب الحديثة ليست حرباً بين ساعدين، بل هي حرب بين عقلين، هذه حقيقة دقيقة، وبالتحرر من الجهل والوهم، وباعتماد النظرة العلمية، واتباع الطريقة الموضوعية، نستطيع أن نسقط كل الدعاوى الباطلة المزيفة التي يطرحها أعداؤنا، أعداء الدين، للنيل من إمكاناتنا وطموحاتنا، فباعتماد النظرة العلمية تصح رؤيتنا، وبإيماننا بالله، واستقامتنا على أمره الذي نستمد منه قوتنا، قال تعالى :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 160]

للأهل دور كبير وخطير في تهيئة الأجواء لأبنائهم :

 أستاذ جمال، نحن بمناسبة قدوم الامتحان نخص طلابنا الأعزاء، وطالباتنا العزيزات، بهذا الموضوع المتعلق بحياتنا اليومية، فالإسلام هو الحياة وأبناؤنا هم أهم ما في حياتنا، لأنهم خير كسب، وشبابنا وشاباتنا هم أمل أمتنا، هم مستقبلها، تفوقهم في التحصيل العلمي، وانضباطهم في الجانب السلوكي، أحد أسباب انتصارنا أمام التحديات التي تواجهنا، لذلك هناك بعض الحقائق أستاذ جمال أضعها بين أيدي أخوتنا الطلاب، وهم على مشارف الامتحان، لكن كما تفضلت في سؤالك الأهل لهم دور كبير، ودور خطير، في تهيئة الأجواء، في إحاطة هذا الطالب بجو هادئ بعيد عن الضجيج، بعيد عن الاحتفالات، والمناسبات، والدعوات، والولائم، هذا شهر هدوء في البيت، شهر سكون، شهر نهيئ فيه لطلابنا كل الأجواء التي تساعدهم على الدراسة، ولا يقول أحدهم: ليس عندي أولاد في المدارس، جارك له حق عليك، فإذا كنت لا تعاني من مشكلة ابن يؤدي امتحاناً فجارك يعاني هذه المشكلة، لذلك إن شاء الله في وقت لاحق من هذا اللقاء الطيب سأتحدث طويلاً عن هذه النقطة الدقيقة في هذا اللقاء.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
 نتابع أيها الأعزاء موضوع الامتحانات التي يعيشها طلابنا الأعزاء، ونسأل الله سبحانه أن يكونوا جميعاً من المتفوقين الناجحين، بما فيه مصلحة الأمة، وخيرها، ونجاحها، دكتور خطر في بالي الآن سؤال؛ الطالب يطمح ليكون متفوقاً، لكن هذا التفوق له قواعد، له أسس، كيف يمكن لهذا الطالب أن يصل إلى القمة؟ لا نقبل أن يكون إلا في الطليعة هكذا تعلمنا، أبناء سوريا تعلموا أن يكونوا في الطليعة، كيف يمكن لطلابنا وطالباتنا أن يكونوا في الطليعة في موضوع الدراسة تحديداً؟

بعض الحقائق المتعلقة بالدراسة والامتحان :

الدكتور راتب:
 أستاذ جمال، سؤال رائع ولكن إن شاء الله ـ إن أمدّ الله في عمري ـ أتمنى أن أجري ندوة مطولة في أول العام الدراسي عن أسلوب الدراسة الناجح، الآن أختصره.
 أولاً: ثبت أن قراءة التصفح وأنت مستلق على مقعد وثير، أو على شرفة، تمتع النظر بالغادي والرائح، أو في غرفة الجلوس مع أهلك، وأخوتك الصغار، لا تثمر شيئاً، أنت لا تذكر من الذي قرأته أية معلومة اللهم إلا انطباعاً عاماً، وهل تعتمد امتحاناتنا حتى الآن وهي لا تزال تقليدية إلا على ما في الذاكرة من معلومات، وإذا صحّ أن للجهد المبذول في فهم الكتاب المقرر، و القدرة على الإجابة عن أسئلة الامتحان، يقاس بوحدات كما تقاس الحرارة بالدرجات، مثل هذه القراءة ـ قراءة التصفح ـ وأنت مع أهلك، مع أخوتك، مع أولادك، وأنت على شرفة، وأنت في مكان جميل، وأنت تنظر إلى الغادي والرائح، هذه القراءة لا قيمة لها إطلاقاً، ولا يبقى في ذهن القارئ من المعلومات شيء إطلاقاً إلا انطباعاً عاماً.
 فإذا كان طلابنا الأعزاء يقرؤون هذه القراءة لن يحققوا شيئاً، هذه اسمها قراءة التصفح، هذه لا تقدم ولا تؤخر، لذلك لو أن هناك وحدات للجهد المبذول في فهم الكتاب ـ كيف أن هناك وحدات حرارية، وحدات طاقة، وحدات كهرباء ـ هذه القراءة لا تحقق من المئة درجة خمس درجات فقط، فهذه القراءة مرفوضة، وهذه القراءة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تذكر من الذي قرأته شيئاً، وتصبح وهماً، يتوهم أنه درس، أما حينما يجلس الطالب وراء طاولة بعيداً عن الضجيج، بعيداً عن المناظر التي تدعو إلى الشرود، ويفتح الكتاب المقرر، ويقرأ بتأن وبتعمق، ويضع علامة بقلم شفاف تحت كل فكرة رئيسة، وخطاً بالرصاص تحت كل فكرة فرعية، ثم يلخص الفقرة على الهامش، ويضع خطاً باللون الأحمر مثلاً تحت كل كلمة يحب أن يضيفها إلى قاموسه اللغوي، وخطاً باللون الأحمر تحت كل عبارة يحب أن تغنى بها أساليبه التعبيرية، ثم يضع إشارة بلون ثالث عند كل فكرة غامضة يسأل عنها أستاذه، أو صديقه المتفوق في تلك المادة، وبعدها يرسم مخططاً للبحث الذي قرأه، يملأه بالأفكار الرئيسة، ثم يسمعه لمن حوله، أو يحاول أن يراجعه من ذاكرته، أو أن يكتبه، هذه القراءة المجدية.

المشاكل التي يعاني منها الطلاب :

1 ـ التعثر في الكتابة أثناء الامتحان :

 ذلك أن الإنسان حينما يقرأ يودع الذي قرأه في ذاكرة سماها العلماء الذاكرة التعرفية، لكن هو لا يستطيع أن يأخذ منها شيئاً، مثلاً أنت تقرأ كلمة وشيجة تفهمها لكن وأنت تتحدث عن علاقة لا تذكر كلمة وشيجة، هذه مشكلة كبيرة يعاني منها الطلاب وهي أنهم يستمعون إلى الدروس كثيراً، ويقرؤون كثيراً، أما أنهم إذا جلسوا في قاعة الامتحان يتعثرون في الكتابة، ذلك لأن في الإنسان ذاكرة تعرفية يغذيها جهد الأخذ، القراءة، الاستماع، وفي الإنسان ذاكرة أخرى استرجاعية، يغذيها جهد العطاء كإلقاء الدرس، ككتابة البحث، كالتذكر، فهناك ذاكرة استراجعية وذاكرة تعرفية، الذي تأخذه من الكتاب، أو الذي تستمع إليه، أو الذي تنظر إليه، يوضع في الذاكرة التعرفية، هذا إذا رأيته تعرفه، أو إذا قرأت الكلمة المودعة بالذاكرة التعرفية تعرفها، لكن إذا أردت أن تكتب، أن تنشئ، أن تجيب عن سؤال، كل هذه الحقائق المودعة في الذاكرة التعرفية لا تجدها في الذاكرة الثانية الاسترجاعية، متى تغذى؟ بالعطاء، بإلقاء الموضوع، بكتابة الموضوع، بالمناقشة، بالحوار، فحينما تعطي يودع هذا في ذاكرة استرجاعية، وحينما تأخذ يودع هذا في ذاكرة تعرفية، المشكلة الكبيرة أن الطالب في الامتحان يحتاج إلى الذاكرة الاسترجاعية، فإذا كانت فارغة و كل معلوماته في الذاكرة التعرفية وقع في خطأ كبير، مثلاً إذا أردت أن تتقوى في الإعراب، يجب أن تعرب لا أن تقرأ بيتاً معرباً، إن أردت أن تتقوى في التعبير يجب أن تكتب، أن تحل مسألة.
 الامتحان بالنهاية يحتاج إلى ذاكرة استرجاعية، أن تكون المعلومات جاهزة تحت يديك، فهذا الذي أتمنى على طلابنا الأعزاء أن يقرأ ويكتب، أن يقرأ ويتكلم، أن يقرأ ويعيد، أن يقرأ ويلقي على صديقه، أو على أمه، أو على أخوته الذي قرأه، فالذي تعطيه يودع في ذاكرة استرجاعية، هذه الذاكرة وحدها تفيدك في الامتحان.

2 ـ القراءة و عدم محاولة الكتابة :

 أستاذ جمال القضية دقيقة، أنا أتمنى أن يدرس الطلاب فن الدراسة، كيف يدرس في جهد لكنه ضائع؟ في وقت يمتد طويلاً في الدراسة لكنه غير مجدي، فما دام الطالب يدرس لينجح، ما دام يدرس ليكتب في الامتحان، ما دام يدرس ليتذكر، فلا بد من إيداع معلوماته في الذاكرة الاسترجاعية لا في الذاكرة التعرفية، الذاكرة التعرفية يغذيها الذي تأخذه، أما الذاكرة الاسترجاعية يغذيها الذي تعطيه، أنت تقرأ بحثاً في الفيزياء ـ أقول هذا المثل في كتاب الصف الثالث الثانوي ـ بعد أن قرأته حاول أن تكتبه تجد صعوبة بالغة، تجد تعثراً كبيراً، تجد القلم ليس سيالاً، السبب لأن الذي قرأته أودعته في الذاكرة التعرفية، أما الآن أنت تستخدم ذاكرة استرجاعية فارغة، فمحاولة الكتابة، محاولة كتابة موضوع في التعبير، محاولة إعراب بيت، كل هذا الجهد الذي أساسه العطاء يخزن في الذاكرة الاسترجاعية، هذه القراءة من أجل أن تغذي الذاكرة الاسترجاعية، تقرأ وتكتب، تقرأ وتتكلم، تقرأ وتلخص، تقرأ وتحاور، تقرأ وتناقش، هذا الجهد المبذول في تفاعل الطالب مع الكتاب هو الذي يعينه على تذكر الحقائق في الامتحان، أما إذا بقي يأخذ ويأخذ ويأخذ، وأنا والله أشفق على طلاب كثيرين يمضون أوقات طويلة في القراءة ولا يحاولون أن يكتبوا إطلاقاً، حتى لو قرأت فصلاً في التاريخ، حاول أن تكتب من حين لآخر، حاول أن تكتب فصلاً في التاريخ قرأته، معظم الكلمات طارت منه، معظم الأفكار طارت من ذهنك، فلذلك العطاء له ميزة، العطاء يثبت في الذاكرة الاسترجاعية.
 هذه أشياء دقيقة جداً أستاذ جمال، الإنسان يدرس ليتعلم، والتعلم هو ما تستطيع أن تقوله من دون ورقة، أنت اقرأ أي كتاب وأنت في جلسة لا تذكر من الذي قرأته شيئاً إلا القليل، ما قيمة هذه القراءة؟ مضيعة للوقت، أما حينما تقرأ وتلخص، تقرأ وتكتب، تقرأ وتتذكر، تقرأ وتحاول في لقاء مع صديق أن تحدثه بما قرأت، الآن تغذى الذاكرة الاسترجاعية، أي معلومات تحت الطلب، معلومات بين يديك، معلومات تملكها، معلومات تحفظها، هذا الذي يعين الطالب في الامتحان، هذه الحقيقة دقيقة.

3 ـ قلة عدد المفردات التي لها قيمة كبيرة في دقة أسلوب الطالب :

 هناك شيء آخر مثلاً جاؤوا بإنسان أمي وضعوا في رقبته آلة تسجيل، وسجلوا كل أقواله خلال أسبوع، وفرغوها، وحذفوا المتكرر، هذا الإنسان الغير متعلم يستخدم في حياته كلها ثلاثمئة كلمة، وضعوا هذه المسجلة في صدر أستاذ جامعي، وسجلوا كلامه خلال سبعة أيام كتبوها على ورق، وحذفوا المتكرر، يتكلم بألف وخمسمئة كلمة، فكلما نمت كلماتك دقت عبارتك، أوضح مثل لو أردت أن ترسم منظراً طبيعياً بالريشة، معك لونان فقط أبيض وأسود، المنظر غير مقبول، أما إذا كنت تملك أربعة ألوان فالمنظر أقوى، فكلما كثرت هذه الألوان، يكون المنظر أقوى وأقوى، فلذلك مبدئياً عدد المفردات له قيمة كبيرة جداً في دقة أسلوبك.
 نأتي بمثل أستاذ جمال، نستخدم كلمة نظر إذا نظرت إلى الشيء، لكن كلمة رأى فيها معنى آخر، قد تقول: رأيت العلم نافعاً، هذه ليست رؤية بصرية إنما هي رؤية قلبية، رأيت النضال مجدياً، هذه رأى لا تعني أنك رأيت بعينك هذه لا تعني أنك رأيت بعين الرأس تعني أنك رأيت بعين القلب، حدّج : نظر إلى الشيء مع المحبة، وفي الحديث:" حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم"، نظر شزراً : رؤية مع احتقار، إنسان مختلس، إنسان سارق، تنظر إليه محتقراً، لكن شعرت بأصوات في السقف، والبيت على وشك أن يتداعى، تنظر وأنت خائف تقول: شَخَصَ، شخص مع الخوف، حدّج مع الحب، رنا مع المتعة، رنوت إلى هذا المنظر، إلى منظر البحر، إلى منظر الجبل الأخضر، هناك رنا، ونظر شزراً، وشخص، ورأى، بين الغيوم ظهرت طائرة نقول: لاحت الطائرة، معنى لاح ظهر واختفى، باب مفتوح وأنت تمشي في الطريق نظرت أنت إلى الباب المفتوح فإذا امرأة فغضضت بصرك نقول: لمح، لاح شيء ولمح شيء آخر، نظرت أراقب الطلاب في الامتحان وجدت طالباً يتطامن، وكأنه يأخذ من صديقه، فأنا أتمطى، نقول: تمطى نظر أي استشرف، والاستشراف مع التمطي، قد أعطيت قميصاً أمسكه بيدي وأتلمس خيوطه أهي خيوط طبيعية من الصوف أم من البترول؟ هذه استشف، استشف: نظر مع التلمس، النظر مع الخوف شخص، مع المحبة حدج، مع المتعة رنا، مع الاحتقار شزراً، شيء ظهر واختفى لاح، نظرت وأعرضت لمح، هناك حوالي خمسين أو ستين أو سبعين فعلاً، فكلما كثرت الكلمات التي تستخدمها دقت عبارتك وقوي أسلوبك.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
 دكتور لقد أجدت سيدي في إقناعنا، كيف يمكن أن تكون القراءة الحقيقية لكل متتبع، لكل من يطلب العلم، لكل طالب يريد أن يتفوق؟ طالب وضع برنامجاً اليوم أريد أن أكمل مادة الفيزياء إن كان في الثالث الثانوي أو التاسع أو الجامعة، يصيبه الملل يضيع جزءاً كبيراً من الوقت في هذا اليوم والنتيجة صفر مؤلمة، ماذا نقول؟

على الطلاب أن يسلسلوا كتبهم وفق الصعوبة :

الدكتور راتب:
 أستاذ جمال، أنا أقول هناك خطأ في وضع البرنامج الدراسي، ماذا يفعل الطلاب عادة بل ماذا يفعل معظم الطلاب؟ يضع برنامج سبت أحد اثنين فيزياء، ثلاثاء أربعاء خميس رياضيات، مثلاً سبت أحد اثنين الثاني مثلاً جغرافيا، كتاب ضخم يقرأ أول فصل يمل، ماذا ينبغي أن يفعل؟
 أنا أقترح على أبنائنا الطلاب والطالبات أن يسلسلوا كتبهم وفق الصعوبة، أي أصعب كتاب ما هو؟ قد يكون الرياضيات، قد يكون الفيزياء، وقد يكون الكيمياء، وقد يكون الطبيعيات، أسهل كتاب قد يكون التاريخ، أي كتب التربية الاجتماعية، فأنت حينما ترتب هذه الكتب ترتيباً تصاعدياً في الصعوبة، وتقرأ من كل كتاب فصلاً فقط، ما الذي يحصل؟ أستاذ جمال عندنا حالة اسمها الإعياء، تضع كيلو غرام بكفك وترفعه مرة، اثنتين، ثلاثة، خمسة، عشرة، ستين، بعدها لا تستطيع أن ترفع الكيلو إطلاقاً، نقول: هذه العضلة أصيبت بالإعياء، لو وضعت في كفك نصف كيلو، ترفعه مئة مرة ثانية، ثم أصيبت اليد بالإعياء، لو وضعت مئتي غرام ترفعها مرة ثالثة، فأنت حينما تنتقل في اليوم الواحد من كتاب إلى كتاب، من كتاب صعب إلى كتاب أسهل إلى أسهل يمكن أن تمضي عشر ساعات متواصلة في الدراسة دون أن تتعب، عندما يتبدل الكتاب يتبدل الموضوع، تتبدل الصعوبة إلى أسهل، صار هناك نشاط دائم، أوضح مثل رفع كيلو غرام، فكلما نزل مستوى الكتاب أمكنك أن تتابع الدراسة.

السأم والضجر وتضييع الوقت سببه خطأ في وضع البرنامج الدراسي :

 فأنا أتمنى على أخوتنا الطلاب والطالبات أن يجمعوا صفحات كتبهم كلها، فرضاً عشرة آلاف صفحة، وهذا البرنامج يجب أن أقرأه في عشرين يوماً، فالعشرة آلاف على عشرين يوماً في اليوم فرضاً مئتي صفحة، أقرأ فصل فيزياء، فصل كيمياء، فصل طبيعيات، فصل تاريخ، فصل جغرافيا، فكلما بدلت من كتاب صعب إلى كتاب أسهل، وجدت نشاطاً، وحيوية، وقدرة على متابعة الدراسة، فبهذه الطريقة أولاً تنوع الموضوعات ممتع، تنتقل من كتاب إلى كتاب، لكن كل كتاب عليك أن تقرأ منه فصلاً متكاملاً، تقرأه قراءة متأنية على طاولة، مع تلخيص أفكاره، مع كتابة ملخص لكل فقرة، مع إشارة لبعض الكلمات والجمل والتعابير، كما تكلمت قبل قليل، تقرأ فصلاً واحداً قراءة متأنية، أنت حينما ترتاح عشر دقائق وتنتقل إلى فصل آخر إلى كتاب آخر تشعر بنشاط عجيب.
 فالسأم، والملل، والضجر، وتضييع الوقت، سببه خطأ في وضع البرنامج الدراسي، أنا أرفض ـ وهذه نصيحة ـ أن تجعل بضعة أيام مستمرة في كتاب واحد، هذا شيء ممل، فأنت خذ في كل كتاب فصلاً، أولاً: تنوع الموضوعات ممتع، ثانياً: موضوعات متدرجة في الصعوبة، تبدأ بالأصعب صباحاً قبل أن تنام تأخذ كتاباً فيه فصل يحتوي على معلومات خفيفة فقط.
 هذا التنوع في اليوم الواحد من كتاب صعب إلى كتاب سهل، وهذا التنوع في الموضوعات يعينك على متابعة الدراسة، بل إنني أرى أنه لا بد للطالب من دقائق يرتاح فيها كل ساعة أي يجعل خمسين دقيقة دراسة وعشر دقائق راحة، يجلس مع أهله يأكل شيئاً، يشرب شيئاً، ويتابع الدراسة.

خاتمة و توديع :

الأستاذ جمال شيخ بكري :
 أيها الأعزاء كان حديثاً ممتعاً، ووضع من خلاله فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي يده على مكمن الموضوع، وكيف يمكن للطالب أن يتابع دراسته خاصة في هذه الأيام التي يعيشها طلبتنا، ويستعدون بعد حوالي أيام قليلة ليكونوا في معترك الامتحانات.
 شكراً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أيها الأعزاء لقاؤنا في الأسبوع القادم بعون الله.
 و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور