وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0747 - الفرق بين بعض الأمور المشتبهات والعادات اليومية - إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا ، مَن يهدهِ الله فلا مُضل له ، ومَن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمَن جحد به وكفر .
 وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخَلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومَن والاه ومَن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الأمور المشتبهة التي لا يعلمها كثيرٌ من الناس :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :

(( الحلال بيِّن والحرام بيِّن . . .))

[ الجامع لأحكام القرآن عن النعمان بن البشير]

 السرقة جريمة ، والزنا ، والقتل ، وشُرب الخمر ، والمَيْسِر ، وما إلى ذلك ، لا يختلف مسلمان في العالم الإسلامي على أنها أشياء محرَّمة ، والصلاة والصيام والحج والزكاة والصدقة ، وصلة الأرحام ، والرحمة باليتيم ؛إلخ لا يختلف اثنان في العالم الإسلامي على أنها أعمالٌ طيبة ، ولكن هناك أشياء تقترب من بعضها ، فتارةً تبدو حراماً وتارة تبدو حلالاً ، هذه هي المشتبهات ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( الحلال بيِّن والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس..))

[ الجامع لأحكام القرآن عن النعمان بن البشير]

 موضوع هذه الخطبة حول هذه الأمور المشتبهة التي لا يعلمها كثيرٌ من الناس ، فمثلاً الفرق بين التحدُّث بنِعَمِ الله عز وجل وبين الافتخار بها ، أو الفرق بين رِقَّة القلب والجَزع، الفرق بين المَوْجِدَة والحِقد ، بين المنافسة والحسَد ، بين حب الرئاسة وحب الإمارة في الدعوة إلى الله ، بين الحبّ في الله ، وبين الحب مع الله ، بين التوكُّل والعجزِ .
 أيها الأخوة الكرام ؛هذه أشياء متشابهة ، يجب أن نوضح الفرق الدقيق بينها ، فيأتي إنسان يتحدَّث عن ماله ، وعن تجارته ، وعن بيته ، وعن رحلاته ، ويقول بعد كل هذه الآثام :

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

[ سورة الضحى : 11]

 مَن قال لك : إن هذا تحدثٌ بنِعَم الله ؟ إنه كسرٌ لقلب الفقير ، إنه استعلاءٌ على الناس ، إنه كبرٌ ، قال العلماء : التحدُّث بنعَم الله هو الإخبار عن صفاته الفُضلى ، وعن أسمائه الحسنى ، وعن جوده ، وعن إحسانه ، وعن كرمه ، وعن عفوه ، وعن حبِّه لعباده ، وعن الجنَّة التي أعدها الله لهم ، هذا هو التحدُّث بنعم الله ، أما أن تستطيل على الناس بنِعَم ربك ، وتريهم أنك أعزُّ منهم ، وأكبر ، وأقوى ، وأغنى ، من أجل أن تركب أعناقهم ، وأن تستعبد قلوبهم ، وأن تستميلها إليك بالتعظيم والخدمة ، هذا ليس تحدثاً بنعم الله ، هذا افتخارٌ باطل ، وهذا سلوكٌ شيطاني ، فليكون الفرق واضحاً بين التحدث بنعم الله تحبيب الخلق إليه ، ربطهم به ، دفعهم إلى الإقبال عليه ، دفعهم إلى الطمع بكرمه و جوده ، توحيد الألوهية ، هذا تحدثٌ بنِعَمِ الله ، أما حينما تفتخر أنت بما عندك ، ما الفرق بين هذا الإنسان وبين قارون؟ خرج على قومه بزينته . .

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾

[ سورة القصص : 81 ]

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ ما كل مَن يتحدث عن فضل الله عليه ، الذي آثره به ليستعلي على الناس يُعَدّ تحدثاً بنعم الله ، هذا هو الفرق بين التحدث بنعم الله ؛ أي بيان فضل الله ورحمته وكماله ، ونعمه المتوالية ، والجنة التي أعدها الله للمؤمنين ، وبين أن تستعلي بهذه النعَم على خَلْق الله عز وجل ، وأن تتغطرس عليهم ، وأن تستعبدهم ، وأن تجلب استعظامهم وخدمتهم .

 

الفرق بين رقة القلب و الجزع :

 أيها الأخوة الكرام ؛شيءٌ آخر في هذا الموضوع ؛الفرق بين رقَّة القلب وبين الجزع ، الجزع ضعفٌ في النفس ، خوفٌ في القلب ، أساسه شدة الطمع والحرص ، ويتولَّد هذا الجزع من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر ، أما الرقَّة فالله عز وجل يهب كل قلبٍ متصلٍ به رحمةً ، إنما يرحم الله من عباده الرحماء ، وكان عليه الصلاة والسلام أرقَّ الناس قلباً ، وأبعدهم عن الجَزع ، رقة قلبه رأفةٌ ورحمة ، والجزع مرضٌ وخوف ، رقة القلب كمال ، والجزع مرضٌ نفسي .

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج : 19-22]

 لا تنزع الرحمة إلا مِن شقي ، مَن لا يَرْحم لا يُرْحم ، ارحموا من في الأرض يرحمكم مَن في السماء ، أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطانٍ مقسطٍ متصدق ، ورجلٍ رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ، ومسلم عفيف متعففٍ ذو عيال .
 أيها الأخوة الكرام ؛ما كان فضل الصديق رضي الله عنه إلا برقِّة قلبه ، يقول الله عز وجل :

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك يا محمد ، من خلال اتصالك بالله عز وجل ، لنت لهم ، اتصالٌ ، فرحمةٌ ، فلينٌ ، فالتفاف ، وانقطاعٌ ، فقسوةٌ ، فغلظةٌ ، فانفضاض ، ففرق كبير بين الجَزَع الذي أساسه ضعف اليقين ، أساسه ضعف التوحيد ، أساسه الحِرص على الدنيا ، التعلُّق بها ، هذا قلبه جزوع ، وبين الرحمة التي أودعها الله في القلب ، فشتانَ بين رقة القلب وبين الجزع ، وقد يخلط الناس بينهما ، رقة القلب كمالٌ في الإنسان ، دليل اتصاله بالواحد الديَّان ، دليل إقباله على الله ، لأنه اشتق الرحمة منه ، مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم ، بينما الجزع خورٌ، وضعفٌ ، وتخاذلٌ ، وانهزامٌ ، ويئسٌ ، بسبب ضعف التوحيد ، شتانَ بين رقة القلب وبين الجزع .

 

الفرق بين الحقد و الموجِدة :

 شيءٌ آخر أيها الأخوة ؛ الفرق بين أن يجد الإنسان في قلبه على إنسان لضرٍ أصابه منه . أوجدت عليه؟ النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أحد أصحابه ، سعد بن عبادة ، قال : يا رسول الله إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم ، قال : يا سعد أين أنت منهم ؟ قال : ما أنا إلا من قومي ، فقال : اجمع لي قومك . قال عليه الصلاة والسلام : يا معشر الأنصار مقالةٌ بلغتني عنكم ، و وجدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم من أجل هذا الفيء . . يا معشر الأنصار ، أما إنَّكم لو قلتم فلصدقتم ولصدقتم به ، أتيتنا مكذباً فصدقناك - دققوا أيها الأخوة ، كان في أعلى درجات القوة ، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، بإمكانه أن يلغي وجودهم ، بإمكانه أن يهدر كرامتهم ، بإمكانه أن يهملهم ، بإمكانه أن يعاتبهم لصالحه ، ماذا فعل؟ جمعهم وهو في أعلى درجات القوة ، وذكَّرهم بفضلهم عليه- وطريداً فآويناك ، وعائلاً فأغنيناك ، يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضُلالاً فهداكم الله بي؟ وأعداءً فألَّف بين قلوبكم؟ وعالةً فأغناكم الله؟ يا معشر الأنصار أوجدتم علي في أنفسكم في لعاعةٍ تألَّفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إيمانكم ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فبكوا حتى أخضلوا لحاهم ؟ وقالوا : رضينا برسول الله . كان الله في عون كُتَّاب السيرة ، هذه القصة أين موقعها من السيرة؟ أو أين موقعها من شمائل النبي؟ أَتُصَنَّف مع رحمته أم مع حكمته أم مع وفائه أم مع حسن سياسته ؟‍‍‍‍!!

وأجمل منك لم تر قط عينٌ  وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ مــــــن كل عيبٍ  كأنك قد خلقت كما تشاء
* * *

 فأن تجد على كائنٍ مَن كان ، ولو أنك تحبه ، أن تجد عليه في نفسك شيء ، وهذا لا يقدح في صبرك ، ولا يقدح في كمالك ، وبين أن تحقد عليه شيءٌ آخر ، الحقد دَفين ، ومستمر ، وكامن ، يظهر فجأةً في انتقامٍ شَرِس .
 أيها الأخوة الكرام ؛فرقٌ كبير بين الحقد وبين المَوْجدة ، يروى أن سيدنا علي بن أبي طالب شكاه يهوديٌ إلى سيدنا عمر ، فقال عمر : قم يا أبا الحسن فقف إلى جنب الرجل . وحكم بينهما ، فلما انتهى من الحكم عاد أبو الحسن إلى جنبه وقد تغيَّر لونه . . قال : مالك يا أبا الحسن أوجدت علي؟ قال : نعم ،ـ قال : ولمَ؟ قال : لمَ قلت لي يا أبا الحسن ولم تقل لي يا علي لقد ميزتني عليه؟ الخصمان ينبغي أن يستويان في كل شيء .

 

الفرق بين المنافسة و الحسد :

 أيها الأخوة الكرام ؛فرقٌ بين المنافسة والحسد ، أنت حينما ترى أخاً مؤمناً ؛ متفوقاً في العلم ، متفوقاً في المعرفة ، له أعمال طيِّبة كثيرة ، تتمنى أن تكون مثله ، فتنافسه ، هذه فضيلة ، هذه مَكْرُمَة ، لأن الإنسان جُبل على حب المنافسة ، ليتسابق الناس إلى الجنة ، قال تعالى :

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين : 26 ]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[ سورة الصافات : 61]

 و . .

﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾

[ سورة الحديد : 21 ]

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾

[سورة آل عمران : 133]

 هذه الجِبِلَّة في الإنسان أن يتمنى أن يكون مثل المتفوقين ، هذه جبلَّةٌ لصالحه ، لذلك ينبغي أن تكون هذه الخَصيصة مُنْصَبَّةٌ على خير الآخرة ، فإذا انصبت على الدنيا أصبحت حسداً مقيتاً ، الحَسود يتمنَّى زوال النعمة عن الآخرين ، يتمنَّى زوال النعمة عن الآخرين لتصير إليه ، وهناك أشدُّ من هذا الحسد ؛ يتمنى زوال النعمة عنهم دون أن تصير إليه ، وهناك أشد من هذا؛ يسعى لإزالة النعمة عن الآخرين ، بكتابةٍ ، أو بوشاية ، أو بعمل ، فبين أن تتمنّى زوال النعمة عن الآخرين لتكون إليك ، وبين أن تتمنى زوالها عنهم دون أن تصل إليك ، وبين أن تسعى بجهدك كي تزيلها عنهم ، فرقٌ كبير بين المنافسة والحسد ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام استعمل مجازاً كلمة الحسد في الغبطة ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( لا حسد إلا في اثنتين ؛ رجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الله وأطراف النهار ، ورجلٍ آتاه الله علماً فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار ))

[الجامع لأحكام القرآن عن مالك ]

 أيها الأخوة الكرام ؛هذه الجِبلَّة في النفس ينبغي أن نستغلها استغلالاً إيجابياً ، ينبغي أن تغار من المؤمنين الصادقين ، من العلماء العاملين ، من أولياء الله الصالحين ، ينبغي أن تنافسهم ، ينبغي أن تتمنَّى أن تسبقهم ، هذا يرضي الله عز وجل ، أما إذا تنافست في أمور الدنيا فهو تنافسٌ قذر ، لأن الموت ينهي كل شيء .
 تصوَّر سباق سيارات في طريقٍ طويل ، ينتهي بجدارٍ عمقه خمسين متراً ، فأول سيارةٍ سقطت ، وآخر سيارةٍ سقطت ، وأكبر مركبةٍ سقطت ، وأجمل مركبةٍ سقطت ، هكذا الدنيا ، الموت يُنهي غنى الغني ، وفقر الفقير ، قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، صحة الصحيح و ، مرض المريض ، التنافس في الدنيا تنافسٌ أحمق لأن الموت ينهي كل شيء ، بينما التنافس في الآخرة عَيْن العقل والحكمة والتوفيق . .

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين : 26 ]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[ سورة الصافات : 61]

الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة في الدعوة إلى الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة في الدعوة إلى الله عز وجل ، هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنُصح له ، وتعظيم النفس والسعي في حظها ، بين أن تُعَظِّم الله وأن تنصح العباد له ، وبين أن تعظم النفس وأن تسعى لنيل رغباتها الخسيسة ، فإن الناصح لله ، المعظم له ، المحب له ، يحب أن يطاع ربه فلا يعصى ، وأن تكون كلمة الله هي العُليا ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن يكون العباد ممتثلين للأوامر والنواهي ، مَن فعل هذا أحب الإمارة لله ، أحب أن يكون قدوةً للآخرين ، أحب أن يكون مثلاً أعلى يحتذي به الآخرون ، هذا ليس حب رئاسة ولكن حب دعوة إلى الله ، لذلك قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾

[ سورة الفرقان : 74]

 هؤلاء المتقون يطلبون أن يكونوا أئمةً للمتقين ، لا حباً بالرئاسة ولكن حباً بالدعوة إلى الله ، حباً بأن يُقِبل الناس على الله ، أن يعملوا لله ، أن يخلصوا لله ، لذلك يحرصُ على ألا يخطئ ، يحرصُ على أن يكون قدوةً ، يحرصُ على التنزه عن كل ما يسفِّه هذه الدعوة .
 أيها الأخوة ؛أما حب الرئاسة ، إن كنتما شريكين الواحد منكما يريد أن يحطِّم الآخر ، إن كنتما في مدرسةٍ ، الواحد منكما يحب أن يحطم الآخر ، هذا سلوكٌ شيطاني .
 أيها الأخوة ؛طبع الإنسان فرديّ ، والأمر التكليفيّ أن يتعاون مع أخيه ، فالإنسان يتعاون مع أخيه ويكون فريقاً ، ويكون عنصراً في فريق عمل بقدر طاعته لله ، ويتنافَس مع أخيه ، ويحطِّم أخاه ، بقدر معصيته لله ، فشتان بين حب الإمارة من أجل الدعوة إلى الله ، وبين حب الرئاسة من أجل حظوظ النفس .

 

الفرق بين الحب في الله والحب مع الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ شيءٌ آخر مهمٌ جداً هو الفرق بين الحب في الله والحب مع الله ، الحب في الله عين الكمال ، والحب مع الله عين الشِرك ، أنت إن أحببت الله تحب مَن يحب الله ، إن أحببت الله تحب أنبياءه جميعاً ، ورُسُلَه جميعاً ، وتحبُّ الصِدِّيقين ، وتحب المؤمنين ، وتحب أولياء الله الصادقين ، وتحب المساجد ، وتحب الكُتُب؛ القرآن ، وكُتُب العلم ، وكل شيءٍ يوصل إلى الله ، فهذا حبٌ في الله ، إن أحببت الله أحببت كل مَن يحب ، وإن لا سمح الله بَعُدَ الإنسان عن الله عز وجل أبغض ما يحب الله ، وهو لا يشعر يكره المساجد ، يكره الدين ، يكره القرآن ، يكره طاعة الرحمن ، الحب في الله عين الكمال ، والحب مع الله عين الشرك .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الحب مع الله نوعان : نوعٌ يقدح في أصل التوحيد . .

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾

[ سورة البقرة : 165 ]

 هذا عيْن الشرك ، أن تحب مع الله ، أن تحب مع الله جهةً تعاملها كما تعامل الإله ، تحبّها كما ينبغي أن تحب الله ، هذا عين الشرك ، وحبٌ آخر يقدح في كمال الإخلاص ، حبٌ يقدح في أصل التوحيد فيجعله شِرْكاً ، وحبٌ يقدح في كمال الإخلاص ، فالذي يحب الماء البارد وهو في حالة عطشٍ شديد ، هذا شيءٌ من طبيعة النفس ، قال تعالى :

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾

[ سورة آل عمران : 14]

 هذه شهواتٌ أودعها الله فينا ، فمَن أحبَّها ليستعين على طاعة الله أُجِر ، مَن أحبها لتكون في يده لا في قلبه ليستعين بها على طاعة الله أجر ، ومَن أحبها دون أن تشغله عن طاعةٍ كان هذا مباحاً ، لا أثم ولا أجر ، ومَن شغلته هذه عن طاعة الله كانت آثماً .
 أيها الأخوة الكرام ؛أن تحبها من أجل أن تتقوى بها على طاعة الله هذه محبة الصادقين ، وأن تحبها محبةً لا تشغلك عن طاعة الله هذه محبة المُقْتَصدين ، وأن تحبها وتؤثرها على طاعة الله هذه محبة الظالمين ، فشتانَ بين أن تحب في الله وأن تحب مع الله ، فرقٌ كبير ، الحب في الله عين الكمال وعين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك .

 

الفرق بين التوكل و العجز :

 أيها الأخوة الكرام ؛ فرقٌ كبير بين التوكل والعجز ، عليكم بالكيس ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يكره منا أن نعجز ، لا تعجز ، استعن بالله ولا تعجز . . عليكم بالكيس وإياكم والعجز ، إذا غلبك أمرٌ فقل : حسبي الله ونعم الوكيل . . المتوكِّل يأخذ بكل الأسباب وكأنها كل شيء ، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا هو التوحيد ، يأخذ بكل الأسباب وكأنها كل شيء ، ويتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، يغطي كل ثغرةٍ بتدبيرٍ حكيم ، لو أن ابنه مرض يأخذه إلى أعظم طبيب ، يكون دقيقاً جداً في معالجته ، يتوكل على الله ، ويتصدَّق من أجل شفائه ولكنه يأخذ بالأسباب ، يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها ، يعتمد على الله الواحد الديَّان . أما الذي لا يأخذ بالأسباب فهو العجز ، استعن بالله ولا تعجز ، أو يأخذ بها ويتوكَّل عليها ، كلام دقيق جداً؛ إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فهذا شرك ، وإن لم تأخذ بها فهذا عجز ، أما التوكل كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في الهجرة فسار مساحلاً ، اختبأ في غار ثور ، عيَّن مَن يأتيه بالأخبار ، من يمحو الآثار ، اختار دليلاً رجح فيه الخبرة على الولاء ، فعل كل شيء ، فلما وصل الكفَّار إليه لم يجزع لأنه أخذ بالأسباب تعبداً وعلى الله الباقي . الفرق بين العجز والتوكل التوكل تأخذ بكل الأسباب ، وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، أما مَن أخذ بالأسباب واعتمد عليها فقد أشرك ، مَن لم يأخذ فقد عَجَز .

الفرق بين الاحتياط والوسوسة :

 أيها الأخوة الكرام ؛لا زلنا في هذا الموضوع الدقيق ، الفرق بين الاحتياط والوسوسة ، الاحتياط الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة ، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ، من غير غلوٍ ، ولا مجاوزةٍ ، ولا تقصيرٍ ، ولا تفريط ، فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله ، أما الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأتِ به السنة ، ولم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولا أحدٌ من أصحابه ، زاعماً أنه يصل بذلك إلى تحصيل بُغْيَتِه ، هذا ليس احتياطاً إنما هو وسوسة . . اصطاد سمكةً فلم يأكلها ، لعل أحداً قبله اصطادها فتفلتت منه ، إذاً هو يأكل مال غيره حراماً ، دخل في عالم الوسوسة ، والوسوسة مَرَض ، الذي فعله النبي افعله ، والذي لم يفعله النبي لا تفعله ، فأنت محتاط ، أما إذا اخترعت أساليب تزاوِد بها على النبي عليه الصلاة والسلام فهذه وسوسة ما أنزل الله بها من سلطان .

الفرق بين إلهام المَلك وإلقاء الشيطان :

 فرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان ، كم من خواطر شيطانية قال : ألهمت كذا ، مَن ألهمك هذا؟ ألهمت كذا ، هذه وسوسة من الشيطان ، العلماء فرقوا بينهما : ما كان لله موافقاً لمرضاته ، وما جاء به رسوله فهو من المَلَك ، وما كان لغير الله غير موافقٍ لمرضاته ، فهو من إلقاء الشيطان ، ما أثمر إقبالاً على الله وإنابةً إليه وذكراً له وهمةً صاعدةً إليه فهو من إلقاء المَلَك ، وما أثمر ضد ذلك فهو من إلقاء الشيطان ، ما أورث سكينةً وطمأنينةً فهو من الملك ، وما أورث قلقاً وانزعاجاً واضطراباً فهو من الشيطان ، الإلهام المَلَكِيّ يكثر في القلوب الطاهرة النقية التي قد استنارت بنور الله ، فللملَك بها اتصالٌ وبينه وبينها مناسبة ، فإنه طيبٌ طاهر لا يجاور إلا قلباً يناسبه ، أما القلب المُظْلِم الذي قد اسودّ بدخان الشهوات والشبهات فإلقاء الشيطان له أكثر من إلهام الملك .
 ما كل خاطرٍ يسمى إلهاماً ، هناك خواطر شيطانية ، هناك خواطر فيها فساد ، هناك خواطر فيها قطيعة ، هناك خواطر فيها شقّ صفوف المسلمين ، ما كل خاطرٍ تقول : هذا إلهام مَلَك ، هكذا ألهمت ، ألهمت من الملائكة ، هناك إلقاء من الشياطين وإلهامٌ من الملائكة .

الفرق بين الاقتصاد والتقصير :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الفرق بين الاقتصاد والتقصير ، الاقتصاد هو التوسط بين طرفين؛ الإفراط والتفريط ، هما طرفان متضادان لا يقصر ولا يجاوز ، المقتصد أخذ بالوسط ، وعَدَل بين الطرفين ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا﴾

[ سورة الفرقان : 67 ]

 تطرف . .

﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾

[ سورة الفرقان : 67 ]

 تطرف . .

﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾

[ سورة الفرقان : 67 ]

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾

[ سورة الإسراء : 29]

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾

[ سورة الأعراف : 31]

 هذا هو الاقتصاد ، الاعتدال : التوسُّط ، المنهج الوسطي ، الإسلام وسطي بين طرفين متناقضين ، بين التقصير وبين الغلو .
 لذلك أيها الأخوة ؛ ما أمر الله بأمر على الإطلاق إلا وللشيطان فيه نزعتان ؛ نزعةٌ إلى غلوٍ ومجاوزةٍ ، ونزعةٌ إلى تفريط وتقصير ، يأتي الشيطان فيوسوس لهذا الإنسان : بالغ ، تشدد ، اجعل من هذه الجُزْئِيَّة في الدين الدينَ كله ، نَفِّر الناس من الدين ، اصرفهم عن اتباع النبي عليه الصلاة والسلام ، بتشددٍ غير منطقي ، وغير واقعي ، ولم يأتِ به النبي هذا من فعل الشيطان . أو : تساهل؛ الله غفورٌ رحيم ، لا عليك ، لا شيء عليك . فما من أمر يأمر الله به ، وما من نهيّ ينهى الله عنه إلا وللشيطان فيه نزعتان ؛ نزعة إلى غلو ومجاوزةٍ ، ونزعةٍ إلى تفريط وتقصير .

 

الفرق بين النّصيحة والتّأنيب :

 أيها الأخوة الكرام ؛ وفرقٌ دقيق بين النصيحة والتأنيب ، النصيحة إحسانٌ إلى مَن تنصحه ، بصورة الرحمة له ، والشفقة عليه ، والغيرة له ، وعليه ، فهو إحسانٌ محضٌ يصدر عن رحمة ورقة ، ومراد الناصح وجه الله عز وجل ، ورضاه ، والإحسان إلى خلقه ، فليتلطَّف في بذلها غاية التلطُّف ، ويحتمل أذى المنصوح ولائمته ، ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق للمريض المُشْبَع مرضاً ، وهو يحتمل سوء خلقه ، وشراسته ، ونفرته ، يحتمل شراسته ، يحتمل تأنيبه ، لأنه يبتغي وجه الله ، بينما المُؤَنِّب إنسان يتشفَّى ، المؤنب رجل قصده التعبير والإهانة ، وذمُّ مَن يؤنِّب ، وشتمه في صورة نصحٍ ، إنسان حقود حسود يجعل إنساناً في مجلس واسع وينصحه وهو يؤنِّبه ، ينصحه وهو يفضحه ، ينصحه وهو يتشفَّى منه ، هذا ليس عند الله نصحاً ، إنما هو تأنيبٌ وشتيمة وتصغير ، وهو مبغوض عند الله عز وجل .

 

الفرق بين المبادرة و العجلة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك فرق بين المبادرة وبين العجلة ، المبادرة ؛ انتهاز الفرصة في وقتها ، وعدم تركها حتى إذا فات طَلَبَها ، المبادرة : أن تفعل الشيء في وقته المناسب ، أما العجلة فأن تبادر إليه قبل وقته المناسب ، مَن تعجَّل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، أي تعلَّم كلمتين ، أراد أن يكون داعية ، فبدأ يضع الأمور في غير مواضعها ، بدأ ينفِّر الناس ، إنه تعجَّل ، لو تريَّث حتى تمكَّن من العلم ، ثم تصدى لتعليم العلم كان في أعلى عليين ، لذلك قالوا : تعلَّموا قبل أن ترأسوا ، فإن ترأستُم فلن تعلَّموا . .
 أيها الأخوة الكرام ؛فرقٌ كبير بين المبادرة والعجلة ، المبادرة أن تنتهز الشيء في وقته المناسب .

الفرق بين الإخبار بالحال و بين الشكوى :

 أيها الأخوة الكرام ؛ وفرق آخر بين الإخبار بالحال وبين الشكوى ، السيدة عائشة قالت للنبي : وا رأساه . فقال عليه الصلاة والسلام : " بل أنا وا رأساه " .
 ما كان يشكو ، ولكن يبين الحال ، الإنسان يحتاج أحياناً إلى أن يبيِّن ، أنا أصابني كذا فصبرت يا أخي ، اصبر كما صبرت ، هو لا يفتخر ، ولكنه يبيِّن ، فالإخبار بالحال شيء محمود عند الله ، يا أخي أنا تصدقت ، وضاعف الله الذي فعلته أضعافاً كثيرة ، تشجيعاً للناس ، النبي قال :

(( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ))

[ الجامع لأحكام القرآن ]

(( أنا سيد ولد آدم ولا فخر))

[مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 فرق كبير بين أن تفتخر وبين أن تبين لتنصح ، فقد تضطر أن تتحدث عن نفسك أحياناً : فعلت كذا ففعل الله معي كذا ، سلباً أو إيجاباً ، فرقٌ بين الإخبار بالحال وبين الشكوى ، " مَن اشتكى إلى كافر فكأنما اشتكى على الله ، ومن اشتكى إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله " ، أما أن تشتكي إلى الله مباشرةً فهذا سلوك الأنبياء . .

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

[ سورة الأنبياء : 83]

 إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، النبي اشتكى إلى الله ، أن تشتكي إلى الله مباشرة شيء رائع جداً ، عين التوحيد وعين العبودية لله ، أما أن تشتكي إلى مؤمن لعله ينصحك ، لعله يخفف عنك ، لعله يثني على الله عز وجل ، لعله يملأ قلبك رضاً ، لا يوجد مانع ، أما أن تشتكي إلى كافر فكأنما تشتكي على الله ، لأنه يعاب أن تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم . .

﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة يوسف : 86]

 هكذا قال سيدنا يعقوب .

 

الخطّ بين الطاعة و المعصية خط رفيع جداً :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا غيضٌ من فَيْض ، أمور دقيقة جداً ، خطٌ رفيعٌ بين طاعةٍ وبين معصية ، فمثلاً : لو رأيت مبلغاً ضخماً على الطريق ، وهناك مَن يصوّرك ، انحنيت فأخذته ، ووضعته في جيبك ، وفي نيتك أن تبحث عن صاحبه ، ترقى بهذا العمل ، إنسانٌ آخر رأى مبلغاً ، وهناك مَن يصوِّره ، انحنى وأخذه ووضعه في جيبه ، وفي نيته أن يأكله حراماً ، سقط إلى أسفل سافلين ، لو عرضنا الفيلمين لا نرى فرقاً بين الشخصين ، كلاهما انحنى وتناول المبلغ ووضعه في جيبه ، هذا في نيته أن يبحث عن صاحبه ، وهذا في نيته أن يأكله حراماً .
 فأحياناً الأمور دقيقة جداً ، قد تتحدث عن نفسك مفتخراً ، تسقط من عين الله ، قد تتحدث عن نفسك لتبين عظمة منهج الله ، ترقى عند الله ، فهذه الفروق الدقيقة أعيدها على أسماعكم : الفرق بين الإخبار بالحال وبين الشكوى ، الفرق بين المبادرة والعَجَلة ، الفرق بين النصيحة والتأنيب ، الفرق بين الاقتصاد والتقصير ، الفرق بين إلهام المَلَكِ وإلقاء الشيطان ، الفرق بين الاحتياط والوسوسة ، الفرق بين التوكُّل والعجز ، الفرق بين الحب في الله والحب مع الله ، الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة في الدعوة إلى الله ، الفرق بين رقة القلب والجزع ، الفرق بين الوجد والحقد ، الفرق بين المنافسة والحسد ، الفرق بين التحدُّث بنِعَمِ الله والفخر به .
 أيها الأخوة الأكارم ؛حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس مَن دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

تحريم الله على الأرض أجساد الأنبياء :

 أيها الأخوة الكرام ؛ سألني أخٌ كريم هل تفنى أجساد الأنبياء؟ قلت : لا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ صحيح ورد في السنن ؛ سنن أبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، بالأسانيد الصحيحة عن أوس بن أوس رضي الله عنه أنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :

(( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ . فقالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وأنت قد أَرَمْتَ - أي فنيت - فقال عليه الصلاة والسلام : إن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء ))

[أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أوس بن أوس رضي الله عنه]

 أيها الأخوة ؛في سبعة وثلاثين كتاباً من كُتب الأحاديث الصحيحة وردت أحاديث كثيرة ، هذا واحدٌ منها ، يؤكد النبي عليه الصلاة والسلام أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض ، لا تفنى ، والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى ، وكلامه صلى الله عليه وسلم وحيٌ غير متلو ، كل ما قاله النبي ليس من اجتهاده ، ولا من نظره ، ولا من خبرته ، ولا من تجربته ، ولا من ثقافته ، ولا من شيء ، إنه نبي ، إنه نبي مرسل ، النبي عليه الصلاة والسلام ليس رجلاً عبقرياً ، ولا مصلحاً اجتماعياً ، إنه نبي الله ، يأتيه الوحي المتلو ، وهو القرآن الكريم ، والوحي غير المتلو ، وهو سنته الشريفة ، فأقواله ، وأفعاله ، وإقراره ما صحّ منها وحيٌ غير متلو ، وفي سبعة وثلاثين كتاباً من كُتب الحديث وردت أحاديث كثيرة ، لضيق الوقت اخترت واحداً منها هو هذا الحديث :

(( . . .إن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء ))

[أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أوس بن أوس رضي الله عنه]

 هذا الحديث يقطع كل مناقشة . .

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 في قرآنه . .

﴿وَرَسُولُهُ﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 في سنته . .

﴿أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 شيءٌ قطع به النبي ، ممنوع أن تبحثه ، أو أن تناقشه ، أو أن تجعله موضوعاً خاضعاً للمناقشة ، لأنه لا ينطق عن الهوى ، من عند الله خالق السموات والأرض ، فما دام النبي يقول : " إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء " لا يمكن أن نقبل طرح هذا الموضوع سلباً أو إيجاباً لأنه . .

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 هذا منهج الإسلام ، وهذا منهج الله عز وجل ، ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء فعلى العين والرأس ، وما جاءنا عن غيره فهم رجال ونحن رجال ، كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب القبة الخضراء ، لأنه معصوم ، إنه معصوم بمفرده ، بينما أمته معصومةٌ بمجموعها ، إذا أخطأ أحد أفراد أمَّته صحح له ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فلا يخطئ ، إنسان واحد في العالم الإسلامي هو رسول الله يجب أن تأخذ عنه ، لأن كلامه وحيٌ من الله ، فإذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : " إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء " هل يعقل أن نضع هذه القضية على بساط البحث؟ وأن ندرسها سلباً أو إيجاباً؟ وأن نحكم عقولنا بها؟

يقولون هذا عندنا غـير جائـز  فمَن أنتم حتى يكون لكم عندُ ؟
* * *

 ألك عندية مع كلام رسول الله؟ ألك عندية مع كلام الله؟

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[ سورة الحجرات : 1]

 لا تقدم رأياً مخالفاً للقرآن ، لا تقدم رأياً مخالفاً لسنة النبي العدنان ، لا تفعل هذا .
 فأشكر هذا الأخ الكريم الذي سألني هذا السؤال ووضَّحت له هذا التوضيح .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليه ، وإنه لا يذل مَن واليت ، ولا يعز مَن عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تُهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر .
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك .
 اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم ، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم صُن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد مَن أعطى وذم مَن منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور