وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0979 - الإيمان هو حسن الخلق - البشر فريقان يوم القيامة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، و نسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم علمنا ما ينفعنا، و انفعنا بما علمتنا، و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإيمان هو حسن الخلق:

 أيها الإخوة الكرام،
الحقيقة أن الخُلُق هو الإيمان، فقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ".
 ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:

 

(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

 

حديث مرفوع، رواه البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ورجاله رجال الصحيح.

 بمكارم الأخلاق تتقرب إلى رب الأرض والسماوات.

حسن الخلق: الميزة العظمى للحبيب الأعظم، صلى الله عليه وسلم:

 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، أوتي المعجزات، أوتي الوحي، أوتي القرآن، أعطاه الله كل أدوات الدعوة.
 قال تعالى:

 

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾

 

( سورة الأعلى، الآية 6 )

أعطاه فصاحةً.. كما ورد في الأثر:

(( أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش ))

 وقريش أفصح القبائل، أوتي خصائص لا تعد ولا تحصى، لكن الله جل جلاله حينما أثنى عليه ؛ أثنى عليه بخلقه العظيم، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم، الآية 4 )

 أنت لا تستطيع أن تكرم ابنك إذا منحته بيتاً، لكنك تكرمه إذا تفوق في الدراسة، تكرمه بما هو من كسبه.

 

الأخلاق:هي تعريف سيدنا جعفر للإسلام:

 أيها الإخوة الكرام، لو وقفنا وقفة متأنية عند سيدنا جعفر بن أبي طالب، وقد التقى بالنجاشي، وقال: حدثنا عن الإسلام،

 

 

(( قال: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقة وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة..))

 

من حديث موقوف، أخرجه أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها

 هذا تعريف سيدنا جعفر للإسلام..يخاطب النجاشي.
 الإسلام هو الخلق، الإسلام صدق وأمانة، وعفة وإنصاف، وعطاء وبذل، وعفو .

 

واقع المسلمين ونتائج البعد عن مكارم الأخلاق:

 

 أيها الإخوة الكرام، إذا فقدت من الإسلام تلك المكارم الأخلاقية أصبح ثقافة ليس غير، لا تقدم ولا تؤخر،الله عز وجل، حينما قال:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

( سورة النور: 55 )

 بربكم ـ والحقيقة المُرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ـ هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله.. هل ديننا ممكّن في الأرض ؟ إنه يحارب كل يوم.. هل نحن آمنون ؟ لا والله..
 لسنا مستخلفين، ولا ممكنين، ولا آمنين..
 مع أن الله عز وجل وعدنا أن يستخلفنا، وأن يمكن ديننا، وأن يطمئننا، هذه مفارقة بين وعد الله وبين واقع المسلمين ـ وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ـ ألم يخطر على بالكم هذه المفارقة الحادة ؟ ما تفسيرها ؟
 واقع المسلمين لا يحسدون عليه، مع أنهم مليار وثلاثمائة مليون، ويحتلون أهم موقع استراتيجي في الأرض، وهم على ثروة لا يعلمها إلا الله، وعوامل وحدتهم: إله واحد ونبي واحد، وكتاب واحد، ومنهج واحد، ومع ذلك بأسهم بينهم، ومع ذلك ليس أمرهم بيدهم، ومع ذلك للطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل..

كيف نوفق بين وعد الله وواقع المسلمين ؟

 كيف نوازن..
 وقد وعدنا الله بالاستخلاف وبالتمكين وبالتطمين، ونحن نرى واقع المسلمين تغتصب بلادهم، وتحتل أرضهم، وتنهب ثرواتهم، ويقهرون ؟
 القرآن الكريم يجيب عن هذا التساؤل، قال تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

 

( سورة مريم، آية 59 )

 ولقد لقينا ذلك الغي،

(( أضاعوا الصلاة))

 أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها، ولكن تعني تفريغها من مضمونها، فليس كل مصلٍّ يصلي، قال الله تبارك وتعالى:

 

(( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس أكلأه بعزتي وأستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نوراً وفي الجهالة حلماً ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة ))

 

حديث قدسي مرفوع، أخرجه البزار في مسنده، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

( سورة مريم، آية 59 )

 وقد ورد في بعض التفاسير عن قوله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

( سورة الشعراء، الآية 88، 89 )

 ( القلب السليم ): هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يحتكم لغير شرع الله، ولا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد غير الله.

خطوات العلاج:

 لابدّ من العمل: ورقة العمل الأولى:

 

إحكام الاتصال بالله عز وجل عن طريق الاستقامة

 

 والورقة الثانية:

أن نبتعد عن كل شهوة لا ترضي الله

 شيء آخر، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

( سورة النور: 55 )

 أي دين وعد الله بتمكينه ؟.. وعد بتمكين الدين الذي يرتضيه، فإن لم نمكّن فمعنى ذلك أن فهمنا للدين، وأن تطبيقنا له، وأن عرضنا له للطرف الآخر لم يُرضِ الله عز وجل فلم نمكّن، ورقة العمل الثالثة: هي كما قال عالم هداه الله إلى الإسلام، قال:
" أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان ـ ودققوا في هذا الكلام ـ ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن في الإسلام خلاص العالم، ولكن بشرط إذا أحسنوا فهم دينهم، وأحسنوا تطبيقه، وأحسنوا عرضه ".

الفهم الصحيح للدين:

 أن نحسن فهم الدين، وأن نحسن تطبيقه، وأن نحسن عرضه، نحن في أمس الحاجة إلى أن نطبقه، وإلى أن نخلص في تطبيقه، وإلى أن نحسن الدعوة إليه.

مواجهة مكر الأعداء:

 أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم، آية 46 )

 

 إله السماوات والأرض يقول: مكر الطرف الآخر تزول منه الجبال، هل تستطيع أمم الأرض مجتمعةً بكل ما أوتيت من قوة أن تـنقل جبلاً صغيراً من مكان إلى مكان ؟ بينما الله عز وجل يقول:

﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم، آية 46 )

 وبعد ذلك يطمئننا فيقول:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران: 120 )

 أسلحتهم الفتاكة، طائراتهم، حاملات طائراتهم، أقمارهم الاصطناعية، القنابل الذرية والنووية، والجرثومية والكيماوية، و القنابل التي تلغي الاتصالات، والقنابل التي تلغي الطاقات، والقنابل التي تميت البشر، ولا تهدم الأبنية، و القنابل و القنابل... كل هذه الأسلحة الفتاكة المتطورة لا تفعل شيئاً إذا كان الله معنا، و أعددنا لعدونا ما نستطيع.

قواعد النصر:

 أيها الإخوة الكرام، ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويتوق إلى النصر، وللنصر في منهج الله قواعده، أول شرط للنصر:

 

الإيمان:

 قال تعالى:

 

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 

( سورة الروم، آية 47 )

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

( سورة الصافات، آية 173 )

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة غافر: 51

﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

( سورة النساء، آية 141 )

 هذا الشرط الأول، ولكنه شرط لازم غير كاف، الشرط الثاني:

الاستعداد الكافي:

 قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال: 60 )

 ما كلفنا الله أن نعد القوة المكافئة، وهذه تبدو مستحيلة، ولكن الله رحمنا، وكلفنا أن نعد القوة المتاحة، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال: 60 )

 والشرط الثاني أيضاً شرط لازم غير كاف، الإيمان والاستعداد شرطان لازمان لا يكفي أحدهما، ذلك لأن المعركة بين حقين لا تطول، الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، والمعركة بين باطلين لا تنتهي، عندئذ نتحدث عن خصائص الأسلحة، إذا فقد الإيمان من الطرفين فالحديث عن الأقوى سلاحاً، والأقوى عتاداً والأقوى تخطيطاً، والأقوى تدبيراً، والأقوى إعلاماً، والأقوى فتكاً بما على الأرض، لا نتحدث عن القوى إلا إذا غاب الإيمان من الطرفين، عندئذ النصر للأقوى.
 الشرط الثالث:

الصبر عن المعاصي والصبر على الطاعات:

 لكن المسلمين ـ وهي الحقيقة المرة ـ حينما يعصون الله، ويصبرون على الضغوط والانتهاكات والتجاهل ؛ يصبرون على كل ما يتحملون، وما لا يتحملون، المعصية والصبر هما القهر، وهما الطريق إلى القبر، بينما الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران: 120 )

 إذا كان الله معنا فمن علينا ؟ وإذا كان علينا فمن معنا ؟

 الشرط الرابع:

تغيير الأنفس:

 أيها الإخوة الكرام، ملمح آخر، قال تعالى في آية دقيقة محكمة فاصلة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة الرعد: 11 )

 فما لم نغير من الداخل لا يغير ما بنا من الخارج، نحن في دائرة نملكها، الدائرة بيتنا، وعملنا، فإذا أقمنا أمر الله فيما نملك كفانا ما لا نملك.

تعالوا لنعمل:

 أنا أضع بين أيديكم ورقات عمل، نحن في هذه الأيام لا نحتاج إلى أقوال، بل نحتاج إلى الأعمال، نحتاج إلى أن نرتب أوراقنا، نحتاج أن نرتب خططنا، نحتاج أن نقيم أمر الله في أنفسنا، وأن نقيم أمر الله في بيوتنا، وأن نقيم أمر الله في أعمالنا، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

( سورة الأنفال: 33 )

 يعني يا محمد، مادامت سنتك قائمةً في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي كسب أموالهم وفي إنفاق أموالهم، وفي حلهم، وترحالهم، وسفرهم، وإقامتهم، وفي كل مناسباتهم، مادامت سنة النبي قائمةً فيهم ؛ فهم في مأمن من عذاب الله، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

( سورة الأنفال: 33 )

 أيها الإخوة الكرام، أضع بين أيديكم ورقات العمل، الورقة الأولى:

 

إحكام الاتصال بالله بالاستقامة:

 قال تعالى:

 

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾

 

( سورة مريم: 59 )

 الاستنباط القطعي من هذه الآية: إحكام الاتصال بالله، والورقة الثانية:

 

البعد عن كل شهوة لا ترضي الله.

 

 ثم:

الطاعة والصبر،

 ثم:

 

أن نغير ما بأنفسنا،

 

 لكن، أيها الإخوة الكرام، يقول بعض الشعراء:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ  فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 يبدو أن الأمة يرتبط مصيرها بأخلاقها، فإذا ضاعت منها القيم ضعفت، واستطاع عدوها أن يصل إليها.

 

رسالة إلى الغافلين:

 أيها الإخوة الكرام، نظراً للمحن والشدائد التي تمرّ بها أمتنا، والتي تنهدّ لهولها الجبال ؛ أنا أخاطب هؤلاء الذين لم يحملوا هم أمتهم أينما كانوا في العالمين العربي والإسلامي، ولم يتألموا لآلامها، ولم يحزنوا لأحزانها، وتوهّموا أن الذي يجري حولهم لا يعنيهم، هم غارقون في حفلات تقام في نزهات الفنادق، وفي أبهاء المطاعم، وفي حدائق المزارع، وفي ألعاب تافهة، وفي باقات فارغة، وفي برامج ساقطة مستوردة من عالم تتناقض قيمه مع قيمنا، وتتناقض مبادئه مع مبادئنا، تبثها بعض الفضائيات، والتي تبذل فيها الأموال الطائلة، والأوقات الثمينة، إلى هؤلاء الشاردين أقول:

 

أخي في الله أخبرني متى تغضب ؟
إذا انتهكت محارمنا، إذا نسفت معالمنا،
ولم تغضب،
إذا قتلت شهامتنا، إذا ديست كرامتنا، إذا قامت قيامتنا،
ولم تغضب،
فأخبرني متى تغضب ؟

إذا نهبت مواردنا، إذا نكبت معاهدنا، إذا هدمت مساجدنا،
وظل المسجد الأقصى وظلت قدسنا تغصب
ولم تغضب،
فأخبرني متى تغضب ؟

عدوي أو عدوك يخطف الأعراض، يعبث في دمي لعباً، وأنت تراقب الملعب .
إذا لله.. للحرمات.. للإسلام.. لم تغضب،
فأخبرني متى تغضب ؟
رأيتَ هناك أهوالا،
رأيتَ الدمَّ شلالا،
عجائز شيعتْ للموت أطفالا،
رأيتَ القهر ألواناً وأشكالا،
ولم تغضب،
فأخبرني متى تغضب ؟

فصارحني بلا خجل لأيةِ أمةٍ تنسبْ ؟

 ـ إن انتسبتَ إلى ما قبل الإسلام كانت الشهامة والشجاعة والكرم.

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي،

 وإذا انتسبت إلى الإسلام فهو قمة المناهج التي جاءت من عند الله،
 وإذا انتسبت إلى الحضارة الغربية ففيها نظام، وفيها عمل دؤوب، وفيها إنتاج ـ

 

فصارحني بلا خجل لأية أمة تنسب ؟
فلستَ لنا، ولا منا، ولستَ لعالم الإنسان منسوباً،
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الهولِ ؟
ألم يحزنك ما تجنيه من مستنقع الحلِ ؟
وما تلقاه في دوامة الإرهاب، والقتلِ ؟
ألم تغضب لهذا الواقع المعجون بالذلِ ؟
وتغضب عند نقص الملح بالأكلِ ؟

ألم يهززك منظرُ طفلةٍ ملأت مواضع جسمها الحفر،
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلع بظهر أبيه يستتر،
فما رحموا استغاثته، ولا اكترثوا، ولا شعروا، فخر لوجهه ميتاً،
وخرّ أبوه يحتضر،
متى التوحيد في جنبيك ينتصر ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشك المغموس بالإذلال تعتبر ؟
متى من هذه الأحداث تعتبر ؟

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت  فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صورة الماضي المشرقة:

 أيها الإخوة الكرام، في غمرة الألم الساحق، والاقتراب من اليأس القاتل، وفي غفلة عن ماضي هذه الأمة المشرق ؛ ينبغي أن نضع بين أيديكم صورة مشرقة من ماضيها، لا أسوق هذه الصورة تغنياً بها، فالاكتفاء بالتغني بالماضي من صفات الأغبياء، بل لتكون باعث أمل في النفوس، ودافعاً لعمل مثمر نستعيد به مجد أمتنا، وتألق حضارتنا، نحن إلى جوار ضريح بطل جابَه أوربا بأكملها، وفتح القدس، يوم تم فتح مدينة القدس من قبل المسلمين، وبقيادة صلاح الدين، وتم تحريرها من أيدي الغزاة الطامعين، ها نحن أولاء نرى القلوب قد امتلأت بالفرح، والوجوه قد عمها البشر، ونسمع الألسنة، وقد لهجت بالشكر، لقد علت الرايات، وعلقت القناديل، ورفع الأذان، وتلي القرآن، وصفت العبادات، وأقيمت الصلوات، وأديمت الدعوات، وتجلت البركات، وانجلت الكربات وزال العبوس، وطابت النفوس، وفرح المؤمنون بنصر الله، نسأل الله أن يعيد هذه الأيام، وهانحن أولاء ننتقل بكم إلى أيام فتح القدس، وهانحن أولاء ندخل المسجد الأقصى فإذا المسلمون، وفيهم صلاح الدين وجنده يجلسون على الأرض، لا تتفاوت مقاعدهم، ولا يمتاز أميرهم عن أحد منهم، قد خشعت جوارحهم، وسكنت حركاتهم، هؤلاء الذين كانوا فرساناً في أرض المعركة ؛ استحالوا رهباناً خشعاً، كأنّ على رؤوسهم الطير في حرم المسجد.

خطبة قاضي دمشق في المسجد الأقصى:

 وهاهو ذا خطيب المسجد ( محي الدين القرشي )، قاضي دمشق، يصعد المنبر، ويلقي خطبته، ولو ألقيت على رمال البيد لتحركت، وانقلبت فرساناً، ولو سمعتها الصخور الصم لانبثـقت فيها الحياة، لقد افتتحها بقوله تعالى:

 

﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

 

( سورة الأنعام، آية 45 )

 هانحن أولاء نستمع إلى فقرات من خطبته، يقول خطيب المسجد الأقصى (محي الدين القرشي) قاضي دمشق:
 " أيها الناس، أبشروا برضوان من الله تعالى الذي هو الغاية القصوى، والدرجة العليا، لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة، وردها إلى مقرها من الإسلام بعد أن ابتذلتها أيدي المعتدين الغاصبين قريباً من مئة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع، ويذكر فيها اسمه من رجز الشرك والعدوان "
 ثم قال محذراً:
 " إياكم عبادَ الله أن يستذلكم الشيطان، فيخيل إليكم أن هذا النصر كان بسيوفكم الحداد، وخيولكم الجياد، لا والله، وما النصر إلا من عند الله، فاحذروا عباد الله بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الجليل أن تقترفوا كبيرة من مناهيه، انصروا الله ينصركم، خذوا بحسم الداء، وقطع شأفة الأعداء ".

شاهد عيان من الفرنجة:

 وهانحن أولاء نخرج من المسجد الأقصى، ونلتقي بأحد الفرنجة الذين شهدوا فتح القدس، وهاهو ذا يحدثنا، ويقول ـ هذا في التاريخ، أنقل لكم ما في كتب التاريخ ـ يقول هذا الإفرنجي:
 " إن المسلمين لم يؤذوا أحداً، ولم ينهبوا مالاً، ولم يقتلوا مسالماً، ولا معاهَداً، وإنما من شاء منا خرج، وحمل معه ما شاء، وإنا بعنا المسلمين ما فضل من أمتعتنا، فاشتروها منا بأثمانها، وإننا نغدو ونروح آمنين مطمئنين، لم نرَ منهم إلا الخير والمروءة، فهم أهل حضارة وتمدن، وصدق، ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب ".

 

 يقول الله عز وجل:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة، آية 216 )

حياء واعتذار:

 لكنْ.. أيها الإخوة الكرام، بعد هذا الإنجاز الضخم ؛ لهذا البطل الذي يرقد في ضريح مجاور لهذا المسجد الكبير ؛ يجب أن نعتذر له، عذراً لك يا صلاح الدين، وألف عذر، أنت الذي طردت الفرنجة القدامى من بلاد الشام ومصر والعراق، وأنت الذي حررت دمشق والقدس من أيديهم، وقد قلت قولتك المشهورة:
 " لن يرجعوا إليها مادمنا رجالاً "، عذراً لك يا صلاح الدين، لقد رجعوا
 لقد رجعوا في المرة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، وقد دخل قائدهم إلى دمشق، ووقف عند قبرك، وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين، فعذراً وألف عذر، لقد رجعوا مرة ثانية، بسبب أخطاء ارتكبها بعضنا، ولسان حالهم يقول ثانيةً: ها قد عدنا يا صلاح الدين، ولئلا تقلق علينا كثيراً، إنهم يقولون: إنما عادوا كي ننعم بحرية كحريتهم، وسلام كسلامهم، ورخاء كرخائهم، ولا أتمنى عليك يا أيها القائد الفذ أن تسألنا: أهم حققوا هذه الأهداف بوسائل من جنسها، أم بوسائل مناقضة لها ؟
 من أجل أن تكون مستريحاً لا تسأل، إن وسائلهم كانت إفقاراً وإضلالاً، وإفساداً وإذلالاً، إنها ردة ولا صدّيقَ لها، إنها هجمة تترية ولا قطز لها، إنها حملة إفرنجية، وأنت غائب عنها، فعذراً لك يا صلاح الدين، لقد كنتَ دائماً ترتسم معالم الحزن و الأسى على وجنتيك، ولم يكن للابتسامة مكان ولا نصيب على شفتيك، ولما كنت تُسأل: لماذا لا تضحك يا صلاح الدين ؟ كان جوابك المتكرر: " والله إني أستحي من الله أن أضحك، وما يزال المسجد الأقصى بيد المعتدين "،
 عذراً لك يا صلاح الدين، أنت الذي وصلك خبر مؤلم أن أمير الفرنجة أرناط اعترض قوافل الحج، وأقام في قلعة الكرك في الأردن، وراح يقطع الطريق على الحجاج المسلمين المتوجهين من الشام نحو الحجاز، فكان يقتل الرجال، ويسبي النساء، وهو يقول لهم: نادوا من ينتصر لكم، فلما سمعتَ ما قاله بكيت، وانسابت الدموع من عينيك، وقد قلت قولتك المشهورة: " أنا سأنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصرة أمته "، وهذا ما كان منك أيها البطل، ما هدأ لك بال، ولا سكنت لك جارحة حتى وفيت بوعدك يوم حطين، يوم انتصرتَ على ملوك أوربا وأمرائها، ويوم وقع أرناط في الأسر، فمثل بين يديك، وذكّرته بما قال، وقلت له: يا أرناط، أنا أنوب اليوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدفاع عن أمته، ولم تذكر الروايات التاريخية أنك تأكدت من شخصية أرناط بفحص حامضه النووي،
 عذراً لك يا صلاح الدين، وألف عذر، أنت الذي كنت كل مساء بعد أن ترجع من قتال الأعداء القدامى يوم حطين، كنت تخلع عباءتك وعمامتك، وتنفض ما علق بها من غبار في كيس، وتجمع ذلك الغبار حيث أوصيت أولادك أن إذا متَّ أن يضعوا هذا الغبار تحت رأسك، حتى إذا جاءك الملكان في القبر يسألانك كما يسأل كل إنسان عند موته في قبره، فإذا رأيا ذلك الكيس من الغبار قالا: ما هذا الكيس يا صلاح الدين ؟ فتقول لهما: هذا غبار الجهاد في سبيل الله.

 

 يا سعد بلغ خالداً أن القتال له رجال

 

 عذراً لك يا صلاح الدين، وألف عذر، يا من هزمت الفرنجة القدامى حتى أصبح اسمك على لسان النساء في أوربا يخوف بك أولادهن في الليل ليناموا، نم يا ولدي، وإذا لم تنم فسيطلع علينا صلاح الدين، لقد قذفت الرعب في أهل أوربا، وشكلت لهم عقدة نفسية اسمها صلاح الدين، عذراً لك يا صلاح الدين، وألف عذر، يا أيها القائد الفذ، لما حلَّ بنا من بعدك، ومن أجل أن تبقى منسجماً مع إيمانك الكبير بالله نقول لك، والأسى يعتصر قلوبنا: هان أمر الله علينا فهنّا من بعدك على الله، هان أمر الله علينا فهنّا من بعدك على الله، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى: 30 )

 هنّا على الله بعد أن هان أمر الله علينا، وقد تحققت نبوءة القرآن فينا، قال تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

( سورة مريم، آية 59 )

بعض صفات القائد العظيم ( صلاح الدين الأيوبي ):

 قال مستشارك ومرافقك: كنت خاشع القلب، غزير الدمعة إذا سمعت القرآن الكريم، أو تلوته دمعت عيناك، وكنت ـ رحمة الله عليك ـ كثير التعظيم لشعائر الدين، وكنت ناصراً للتوحيد، وقامعاً أهل البدع، لا تؤخر الصلاة عن وقتها، وكانت لك ركعات تصليها في جوف الليل، وكنت إذا سمعت أن العدو داهم المسلمين خررت ساجداً لله تدعو بهذا الدعاء: " إلهي انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي، ونعم الوكيل ".

 

الأمل الوحيد:

 ومن أجل ذلك نطمئنك، ونذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دافعت عن المسلمين نيابةً عنه:

(( لا تزال من أمتي أمَّة قائمة بأمر الله لا يضرهم مَن خَذَلهم ولا مَن خالَفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قال ابن يُخامِر: سمعت معاذاً يقول: هم أهل الشام، أو بالشام ))

من حديث صحيح مرفوع، أخرجه البخاري ومسلم، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

 أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( مثل أمتي كالمطر، يجعل الله في أوله خيراً وفي آخره خيراً ))

حديث مرفوع أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عمار بن ياسر رضي الله عنه.

 أقول قولي هذا، و أستغفر الله العظيم لي و لكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

 الخطبة الثانية:

 الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

البشر فريقان يوم القيامة:

 أيها الإخوة الكرام، بكلام جامعٍ مانع: البشر على اختلاف مللهم ونحلهم، وأعراقهم وأنسابهم، وأديانهم ومذاهبهم، وطوائفهم هم عند الله فريقان، لا ثالث لهما،
 الفريق الأول: عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسعد في الدنيا والآخرة،
 والفريق الثاني: غفل عن الله، وتفلت من منهجه، فشقي في الدنيا والآخرة،
 يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل، الآية 5، 6 )

الفريق الأول

 صدق أنه مخلوق للجنة، وأنه في الدنيا من أجل أن يدفع ثمن الجنة، لذلك، ولأنه آمن أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، يعطي من وقته، يعطي من ماله، يعطي من خبرته، يسعد بالعطاء، هذا النموذج، هذا الفريق الأول ؛ بنى حياته على العطاء، لأنبياء أعطوا، ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا، ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء يمدحون في غيبتهم، والأقوياء يمدحون في حضرتهم، والناس جميعاً تبعاً لقوي أو لنبي، أتباع الأنبياء سلاحهم الكمال، العطاء، الرحمة، الإنصاف، اللطف، العفو، والطرف الآخر سلاحهم ما بأيديهم.
 أيها الإخوة الكرام، الفريق الأول أيقن أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله.

الفريق الثاني

 الفريق الثاني كفر بالجنة، وآمن بالدنيا، وقال: الدنيا هي كل شيء ولا شيء بعد الدنيا، الغني في جنة، والفقير في جهنم، همه شهوته، كفر بالجنة، وآمن بالدنيا، هي محط رحاله، ومنتهى آماله، لذلك استغنى عن طاعة الله، ولذلك بنى حياته على الأخذ، قال تعالى:

 

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

 

( سورة الليل، الآية 8، 9 )

نتائج عمل كل فريق:

 نتيجة الفريق الأول، قال تعالى:

 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل، الآيات 5، 6، 7 )

 ييسر الله له وفقاً لما خلق له من السعادة.. في بيته، وفي صحته، وفي زواجه، وفي أولاده، وفي مكانته، وفي راحة باله، وفي سكينته، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل، الآيات 5، 6، 7 )

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل، الآية 8، 9 )

 بنى مجده على أنقاض الناس، وبنى عزه على ذلهم، وبنى حياته على موتهم، وبنى غناه على فقرهم، وبنى أمنه على خوفهم، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

( سورة الليل، الآيات 8، 9، 10 )

 سوف ييسر لخلاف ما خلق له، خلق للسعادة، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود: 119 )

 سوف ييسر للشقاء.

اجعل همك الآخرة:

 أيها الإخوة الكرام، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

( سورة طه، آية 124 )

 

(( من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة ))

من حديث صحيح مرفوع أخرجه ابن ماجة عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه.

 وقد ورد في الأثر:

 

(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات و الأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، و ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، و قطعت أسباب السماء بين يديه ))

 وفي الأثر أيضاً:

 

 

(( ابنَ آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ))

 

 يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟

الدعاء

 إني داعٍ فأمنوا، اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلمْ.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور