وضع داكن
25-04-2024
Logo
فقه السيرة النبوية - الدرس : 34 - الهجرة -9- قصة أم معبد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا بد من وقفة سريعة حول حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، لأن هذه قضية اُختلف فيها.

بسطُ القول في حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

أولاً: يجب أن نعلم علم اليقين أنه ما لم يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لم لا يتم الواجب به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية متفق عليها أرأيت إلى الوضوء هو فرض، لأن الصلاة وهي فرض لا تؤدى إلا به، إذاً هو فرض.
الآن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، هذه قاعدة أصولية ثانية، ما لم تكن قرينة تصرف عن الوجوب إلى شيء آخر، كأن يقول الله عز وجل: 

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

(سورة الكهف الآية: 29 ).

هذه لام الأمر، هذا أمر تهديد، أو أمر إباحة.

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾

( سورة البقرة الآية: 187 ).

إباحة، أو أمر ندب: 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

( سورةالنور الآية: 32 ).

مادام هناك قرينة تصرف عن الوجوب فالأمر يأخذ معنى الإباحة، ويأخذ معنى الندب، ويأخذ معنى التهديد، ما لم تكن هذه القرائن فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، حينما يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾

( سورة الحشر الآية: 7 ).

خذوه أمر، هذا أمر يقتضي الوجوب، التطبيق كيف نأتمر بما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام، وكيف ننتهي عما عنه نهانا، إن لم نعرف ما الذي أمرنا، وعن أي شيء نهانا، إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين، وإذا قال الله عز وجل: 

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

(سورة الأحزاب ).

كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حسنة إن لم نعرف سيرته، كيف عامل زوجته كيف عامل أولاده، كيف عامل جيرانه، كيف عامل أصحابه، كيف كان في سلمه، كيف كان في حربه، كيف كان في الفقر، كيف كان في الغنى، كيف كان في السراء، كيف كان في الضراء، إذاً ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم.
حينما تحضر درس فقه السيرة لا تظنن أن هذا الحضور من نوافل العلم، بل من واجبات العلم، بل من الفرائض التي افترضت على المؤمنين، لأنهم مأمورون أن يأخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمرهم، وقد نهوا أن ينتهوا عن كل شيء نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، لأن تنفيذ أمر الله عز وجل:

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾

لا يتم إلا بمعرفة الأمر، ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين، لأن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لك، وهذا لا يتم إلا إذا عرفت سيرته.
الآن إذا قال الله عز وجل: 

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

( سورة هود الآية: 120 ).

إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً عندما يسمع قصة نبي دونه فلأن يقوى إيماننا إذا سمعنا قصة سيد الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: 

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 69 ).

يعني اعرفوا رسولكم، فإذا جلست في مكان، في بيت، في مسجد، في دعوة من أجل أن تتعلم شمائل النبي، وأخلاق النبي، ومنهج النبي، وكمال النبي فهذا من صلب الدين، الآية السادسة: 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

( سورة سبأ الآية: 46 ).

﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾

وتتفكروا في منهج النبي صلى الله عليه وسلم، في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، في سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

 ﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

إخواننا الكرام، الاحتفال بعيد المولد أي أن نجتمع في أي يوم من أيام العام من دون استثناء، وأن نحدث الناس عن سيد الأنام هذا من الدعوة إلى الله، هذا من صلب النشاط الدعوي في الإسلام، لكن إياك أن تقول: إن الاحتفال بعيد المولد عبادة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، أما العبادات فبالعكس، الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، لا تسمِّ الاحتفال بعيد المولد عبادة، سمِّه نشاطاً دعوياً، سمّه تعريف الناس برسول الله، سمّه شرح الشطر الثاني من كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
بالمناسبة أيها الإخوة، لا يمكن أن تعيش المُثل إلا بمثل أعلى، وتكاد مشكلة المسلمين اليوم أنهم فقدوا المثل الأعلى، لذلك ضاعوا، واختلفوا، وأصبح بأسهم بينهم المثالية تحتاج إلى مثل، القيم الأخلاقية تحتاج إلى كائن متحرك ترى صدقه، ترى أمانته ترى عفافه، ترى كماله، من هنا كانت صورة النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة بشكل عملي، لو لم يكن في الدين إلا سيرة النبي لكفت، لأنها في الحقيقة كتاب وسنة، ولكن ليست قولاً بل عملاً.
ولبعض العلماء رأي دقيق جداً، وأنا أحترمه، أن دلالة أفعال النبي على فهمه لكتاب الله أدق من دلالة كلامه على فهمه لكتاب الله، لأن الكلام يؤول، بينما الفعل لا يؤول، الفعل حدي، أما الكلام فاحتمالي.
يقول أحدهم: أنا أصلي بغير وضوء، ما هذا الكلام ؟ يمكن انه يصلي على النبي بغير وضوء، يقول: أنا أفرّ من رحمة الله، وهو يعني من المطر، يقول: أنا أحب الفتنة، وهو يحب أولاده . 

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾

(سورة التغابن الآية: 15 ).

يقول: أنا أكره اليقين، واليقين هو الموت.

﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾

( سورة الحجر ).

فالكلام يؤول، أما الفعل فلا يؤول، هذا الموضوع القصير بدأت به الدرس لأننا في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، ونتابع السيرة.

مرور النبي عليه الصلاة والسلام بخيمة أم معبَد ومعجزته مع الشاة العجفاء:

أيها الإخوة الكرام، في طريق النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مر بخيمة أم معبد، أم معبد امرأة لها خيمة مرّ بها النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر، قال: وكانت امرأة برزةً، معنى برزة أي برزت محاسنها، هذا قول، معنى برزة أي امرأة موثوق برأيها وعفتها، والقول الثاني أرجح، أو إن كشف وجهها، أو كهلة لا تتحجب كما تتحجب الشابات، هذه المعاني وردت في كلمة برزة، يرجح عندي أنها امرأة موثوق برأيها وعفتها، وأنها كهلة لا تتحجب، أو لا تخفي وجهها، وكأن الحجاب من الفطرة، هذه امرأة لم تسلم بعد، الحجاب من الفطرة، ورد في القاموس أن المرأة البرزة هي الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الشابات.
أيها الإخوة، وكانت امرأة برزةً جلدة، ليس بين جلدها وعظمها لحم كثير ، يعني أنها ممتلئة، ولكنها ليست بَدِينة، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي، قال بعض العلماء: الاحتباء حيطان العرب، الخيمة ليس فيها حائط تستند إليه، بل إن القماش لا يحتمل أن تستند إليه، إذاً كان العرب وهم في الصحراء يشبكون أصابعهم أمام ركبهم، وهذا هو الاحتباء.
إذاً هذه المرأة كانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم، وتسقي من مرَّ بها يسألاها، النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه سألاها: هل عندك شيء نشتريه ؟ فقالت: والله لو عندنا شيء ما أعوزتكم إلى القرى، لو عندنا شيء نبيعكم إياه ما حملتكم على أن تسألوني، لأطعمتكم من تلقائي نفسي، لأن صفة الكرم والشجاعة من أبرز صفات الصحراء.
ثمة إنسان في الصحراء كان من لصوص الخيل، وأرض تصنع الألم من شدة الحر، مرّ به فارس على فرسه، فرقّ له، ودعاه إلى ركوب الخيل، فما إن ركب هذا اللص الخيل حتى دفع صاحبها نحو الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، قال له صاحب الفرس: يا هذا، وهبتُ لك الفرس، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن تشيع هذا الخبر في الصحراء، فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما في الصحراء.
والآن الذين يمنعون الماعون، تقترض فلا تؤدي، يقترض فلا يؤدي، الآن معظم الناس يمتنعون عن الإقراض الحسن، هذا الذي اقترض، ولم يؤدِ منع الماعون، هذا الذي استعار حاجة فأتلفها منع الماعون، أنت حينما تسيء لمن أحسن إليك تمنع الماعون.
أيها الإخوة، ثم قالت: والشاء عازب، معنى عازب لا يدرّ ضرعها،وكانت سنة شهباء، أي لا نبات فيها ولا مطر

فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، يعني في جانب الخيمة، فقال: ما هذه الشاة ؟ قالت: خلّفها الجهد عن الغنم، أي التعب والمشقة والنصب، فقال: هل بها من لبن ؟ قالت: هي أجهد من ذلك، هي أضعف من أن تعطي اللبن، فقال عليه الصلاة والسلام بأدب جم: أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليباً فاحلبها، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ضرعها، مسح ضرعها وسما الله ودعا، فتفاجت عليه، معنى تفاجت أي فرقت ما بين رجليها كي يسهل عليه حلب ضرعها، فتفاجت عليه ودرت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، معنى يربض أي يشبع يروي، الرهط أهلها زوجها وأولادها، فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها، سقى أم معبد، لم يشرب هو، سقاها أولاً فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب هو، ساقي القوم آخرهم شرباً، وحلب فيها ثانياً فملأ الإناء، ثم غادره عندها، وارتحلوا، فما لبس أن جاء زوجها يسوق أعنزاً عجافاً، أي هزيلة من شدة الجوع، وتساوتن هزالاً، أي كل عنزة تشبه أختها في هزالها، لأن السنة شهباء، قاحلة فلما رأى اللبن، قال أو معبد: من أين هذا والشاء عازب لا تدرّ ؟! ولا حلوبة في البيت، قالت: والله مر بنا رجل مبارك، ومن حديثه كيت وكيت، قال: والله إني أراه صاحب قريش الذي تطلبه، وضعوا مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، صِفِيه لي يا أم معبد.

وصف أم معبَد للنبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلقية :

هذا هو درس اليوم صفيه لي يا أم معبد، ومرة واحدة في درس السيرة نصف شكل النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أدق وصف ورد عن أم معبد، لكن أصحابه الكرام من شدة هيبته، ومن شدة مكانته إذا جلسوا معه كأنهم على رؤوسهم الطير، لن يصفوا، لكن أم معبد وصفته قالت:
<< هذا الرجل ظاهر الوضاءة، الوضاءة ؛ النظافة والحُسن، ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، الكلمة كالكائن الحي، يولد ويشب ويهرم ويموت >>.
هناك كلمات كثيرة جداً في التاريخ العربي الآن ليست مستخدمة، أضرب لكم مثلا، قال بعض الشعراء في الجاهلية:

مدخوصة بنحيص الدحص باذلها له صريفٌ صريفُ القعو في المسد

هل فهمتم شيئًا ؟ هذه لغة عربية، كلها كلمات الآن غير مستعملة، فهذا الوصف رائع جداً، إلا أن أكثر كلماته تحتاج إلى شرح.
<< رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، يعني نظيفاً، حَسن الوجه، أبلج الوجه، وجه مشرق، ليس عبوساً قمطريرا، حسن الخلق، كامل، لم تعبه سجلة، ما هي السجلة ؟ ضخامة البطن، لم تعبه سجلة، ما له بطن كبير، التجار أحياناً يستخدمون البطن الكبير بمعنى آخر، ولم تزرِ به صعلة، الصعلة صغر الرأس، ليس بطنه كبيراً، ولا رأسه صغيراً وسيم، وسيم يعني جميل. 

وأجمل منك لم ترَ قط عينٌ وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقت مبرأ من كل عيـبٍ كأنك خلقت كما تشـاءُ

وسيم قسيم، معنى قسيم له من كل أنواع الحسن قسم، والحسن قد يكون طولا، وقد يكون بياضًا...إلخ، له من كل أنواع الحسن نصيب، قسم، في عينيه دعج، عيناه واسعتان، وبياضها شديد النصوع، وسواد بؤبؤها شديد السواء، وهذا هو الحور في اللغة شدة بياض العين مع شدة سوادها، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، والأشفار رموش عينه طويلة، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، بحة، الآن كبار قراء القرآن الكريم له بحة محببة جداً، بحة الصوت فيها أنس، النفس تطرب لهذه البحة، في صوته صحل، وفي عنقه سطع، عنقه طويلة ـ في رأس ملزوق بالكتف وفي عنق جميل ـ وفي لحيته كثاثة، شعره غزير، أكحل في سواد في جفنه، طبيعي من دون كحل أكحل، أزج، ومن أدق ما قال العلماء وعلماء اللغة في أزج: يعني حواجبه طويلة ورقيقة ومنقطعة بين العينين، بياض ناصع بين الحاجبين، حاجب طويل ورقيق ومعرج، أقرن يميل مع العين، طويل ورقيق ومنعرج، وبين الحاجبين بياض ناصع، أزج أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
دخل عليه رجل أصابته رعدة، قال: هوّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة، حتى أن أصحابه الكرام قالوا: من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم علاه البهاء، أجمل الناس، وأبهاهم من بعيد ، هناك إنسان تراه عن بُعد جميلا، إذا اقترب منك والعياذ بالله، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، جميل على البعد وعلى القرب، حلو المنطق، كلامه جذاب بالتعبير الحديث، متحدث لبق، يأسر القلوب بكلامه، لا ندْر، معنى ندر أي قليل الكلام، قد تسأل الطبيب: ما الوضع ؟ أخذ مبلغًا كبيرًا، لا يتكلم ولا كلمة، خذ الدواء فقط، المريض يحب أن يفهم ما وضعه، هل الحالة صعبة ؟ سهلة ؟ علاجها سهل ؟ عيب بالإنسان في قلة كلامه، هناك إنسان قلة كلامه جفاء لمن حوله، وإنسان لا يحتمل من كثرة كلامه، كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، منطقه لا ندر ولا هدر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن كأنه عقد، الحبة الأكبر، الأصغر، الأصغر، نظم الكلام فن، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا هو طويل تشنأه العين من طوله، ولا هو قصير تقتحمه العين من قصره، لا هو قصير يقتحم، ولا طويل يصعب أن تنظر إليه.
قال رجل قصير لرجل طويل: الطقس عندك كيف فوق ؟ لأن ثمة مسافة طويلة.
ربعة، أي ليس بالطويل ولا بالقصير، معتدل، لا تقتحمه عين من قصر، ولا تشنأه عين من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، معه اثنان حادي الإبل وسيدنا الصديق، الغصن بين غصنين، النبي الكريم كغصن أنضر الأغصان الثلاثة، أجملهم وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود، أي التف الناس حوله، محشود مخدوم، لا عابس ولا مفند، هناك إنسان ينتقد دائماً مُتعب، ظله ثقيل، كل شيء ينتقده، لا عابس ولا مفند، لا ينتقد، قال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش، يعني هذه الصفات الكاملة.
بالمناسبة أيها الإخوة، هذا الإنسان الكامل، الجميل، الرحيم، الكامل المتواضع، الأخلاقي، الذي يوحى إليه، الذي معه القرآن، الذي آتاه الله المعجزات الفصيح، الحكيم، كل هذه الكمالات قال له الله أنت أنت بالذات، على كل هذه الخصائص: 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ 

(سورة آل عمران الآية: 158).

فالواحد لو لم يكن نبياً، ولا رسولاً، ولا يوحى إليه، ولا معه قرآن، ولا معجزات، وليس فصيحاً، وليس جميلاً، ومع ذلك فهو غليظ قال له: 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾

أنتَ أنت بالذات: 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾

 

﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾

( سورة آل عمران ).

قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأصبح النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى المدينة.
هذا أدق وصف مر بالسيرة النبوية للنبي عليه الصلاة والسلام في شكله أولاً، وفي أخلاقه، وفي تواضعه وأدبه، وحسن صحبته مع إخوانه.
هذا الدرس الوحيد في فقه السيرة متعلق بشكل النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جمعت لكم بعض الأحاديث الشريفة حول خَلقه صلى الله عليه وسلم، وقد علمنا النبي الكريم أن أحدنا إذا وقف أمام المرآة، ورأى شكله حسناً، له عينان، وله أنف طبيعي، وله حجم معتدل، شكله تام، كان عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي )) 

[ أحمد عن عائشة]

لأنه قيل:

جمال الجسم مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس

أحد الناس كان أنيقًا جداً، جميل الصورة، تكلم كلامًا بذيئًا، فقال له أحدهم: إما أن تتكلم وفق هندامك، وإما أن ترتدي ثياباً وفق كلامك.

أحاديث في وصف النبي عليه الصلاة والسلام:

إخواننا الكرام، تجلس مع مؤمن والله لا أبالغ 30 عامًا، تصحب مؤمناً 30 عامًا لا تستمع منه إلى كلمة نابية، أبداً، لسانه مضبوط.

(( قلت: يا رسول الله، أنؤاخذ بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ ))

[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ].

(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))

[ أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق ].

(( مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه))

[ رواه عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه ]

(( وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّم سيعين خريفاً ))

[ رواه البخاري عن أبي هريرة ]

كان عليه الصلاة والسلام: 

(( أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير )) 

[ متفق عليه ]

كل واحد منا إذا كمل الله عز وجل خَلْقه فعليه أن يسعى ليكمل أخلاقه.
وكان عليه الصلاة والسلام: أبيض مليح الوجه، ولا تنسوا مرة ثانية الدعاء المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا وقف أحدكم أمام المرآة، ورأى شكله حسناً أن يقول: 

(( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ))

[ أحمد عن عائشة]

وكان عليه الصلاة والسلام مربوعاً، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية تعلوه الحمرة، بالتعبير الدارج على كل خد وردة، تعلوه حمرة، لقد رأيته في حُلةٍ، يقول راوي الحديث: رأيته في حُلةٍ ما رأيت أحسن منه.
إخواننا الكرام، الإنسان بحاجة إلى الجمال، إذا رتب بيته، نظف بيته، رتب محله التجاري، أنا لا أقول: أن تشتري أشياء غالية، لكن الجمال لا يحتاج إلى جِمال، بل يحتاج إلى ذوق فقط، المسلم كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( حسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس ))

[الحاكم في المستدرك عن سهل بن الحنظلية ].

كان عليه الصلاة والسلام: 

(( ضخم الرأس، واليدين، والقدمين، حسن الوجه، لم أرَ قبله ولا بعده مثله )) 

[ رواه البخاري ].

وكان عليه الصلاة والسلام:

(( وجهه مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا ))

[ رواه مسلم عن جابر بن سمرة ].

كان عليه الصلاة والسلام : 

(( إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ))

[ متفق عليه ].

لذلك ورد في بعض الأحاديث:

(( إذا كان الوجه الحسن رجلاً لكان رجلاً صالحاً ))

وكنا نعرف ذلك، مسرور.
وكان عليه الصلاة والسلام:

(( لا يضحك إلا تبسما ))

[ رواه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن جابر بن سمرة ].

هناك ضحك فيه قلة أدب، يضحك الإنسان، لكن كان ضحكه تبسمًا، هناك شخص يقلب للوراء، وعن عائشة قالت:

((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم ))

[ أخرجه الشيخان والترمذي عن عائشة رضي الله عنها ].

الإنسان أحيانا يضحك فيفتح فمه، ترى أعمق حلقه، تقول السيدة عائشة:

((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم ))

ويقول سيدنا جابر:

(( فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ ))

[ رواه المحفوظ عن جابر بن سمرة ].

الله عز وجل جميل، ويكسب المؤمن جمالا، ولو كان ملونًا، سيدنا بلال ملون، أنا متأكد أن في وجهه نورًا، والإنسان يكون لونه أحيانا فاتح جداً، واستوفى الجمال البشري، لكن فيه ذنوب ومعاصٍ وآثام وخبث، فتجد في وجهه فتورًا وغبرة. 

﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾

(سورة عبس ).

أيها الإخوة، أبو طالب وصف النبي عليه الصلاة والسلام شعراً قال: 

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطعم اليتامى، ويمنع الأرامل من أن تُظلمن.
أيها الإخوة الكرام، الحياة الدنيا كما يقال: ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة، والإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ومن أدق تعريفات الإنسان أنه زمن، أو أن أثمن شيء يملكه هو الزمن، وأن الزمن رأس ماله، وأن هذا الزمن إما أن ينفق استهلاكاً، وإما أن ينفق استثماراً، فإذا طلبت العلم، وتعرفت إلى سيد الخلق، وسرت على منهجه، أنشأ الله له حق عليه أنا أخاطب الشباب، المستقبل مخيف لكنك إذا كنت مع الله مستحيل وألف 

ألف ألف مستحيل أن يعامل الشاب المؤمن كما يعامل الشاب المتفلت

قال تعالى، دققوا في هذه الآية أيها الشباب، سمعتَ خبرًا أنه مما يلفت النظر أن رواد المساجد في دمشق ـ خبر أذيع قبل يومين ـ من الشباب، وأنا أخاطب الشباب، وريح الجنة في الشباب: 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 21 ).

مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعامَل شاب مؤمن يخاف من الله كما يعامَل شاب فاسق.

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))

[ أخرجه أبو المظفر السمعاني في أماليه عن سلمان ]. 

(( إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي)) 

[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ].

إذاً: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادٍ: " يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ".
حضور درس فقه السيرة مما يجب على كل مسلم، لماذا ؟ ليعرف عن النبي أخلاقه، ليعرف عن النبي شمائله، ليعرف عن النبي رحمته، ليعرف عن النبي تواضعه ليعرف عن النبي حكمته، ليعرف عن النبي عفته.
سيدنا جعفر لما سأله النجاشي حدثنا عن نبيكم، قال: 

(( أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار حتى بعث الله إلينا رجلاً نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه ))

( أحمد عن أم سلمة )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور