وضع داكن
20-04-2024
Logo
ومضات قرآنية - الدرس : 09 - العبادة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الصلاة عماد الدين وغرة الطاعات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات :

 أيها الأخوة الكرام ، الحديث اليوم عن الاتصال بالله ، الحقيقة كل شيء في الدين من أجل الاتصال بالله ، فالصلاة من أجل أن تتصل به ، والصيام من أجل أن تتصل به ، والحج من أجل أن تتصل به ، والزكاة من أجل أن تتصل به ، وغضّ البصر من أجل أن تتصل به ، والصدق والأمانة من أجل أن تتصل به ، العبادات الشعائرية بأكملها ، والعبادات التعاملية بأكملها ، من أجل أن تتصل به .
 بالمناسبة الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، تسقط الزكاة عن الفقير ، يسقط الحج عن المريض والفقير ، يسقط الصيام عن المسافر والمريض ، والشهادة ينطق بها مرة واحدة ، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو الصلاة :

(( الصلاة عماد الدين))

[البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]

 وغرة الطاعات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، الآية الأصل في الصلاة :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

( سورة العنكبوت الآية : 45 )

 أولاً أقم الصلاة ، الشيء الذي يقام يحتاج إلى ممهدات ، تقول : أقمت البناء ، هناك مهندس مخطط ، وهناك حفر أساسات ، و تكاليف باهظة :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾

  استقامتك على أمر الله وعملك الصالح هو من إقامة الصلاة ، وسائل للاتصال بالله ، مبررات للاتصال بالله ،

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

النظام الإسلامي من روعته وعظمته أنه مبني على الوازع الداخلي لا على الرادع الخارجي :

 في الإنسان رادع وفي الإنسان وازع ، الرادع خارجي والوازع داخلي ، النظام الإسلامي من روعته وعظمته مبني على الوازع ، سيدنا ابن عمر رأى راعياً معه شياه ، قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال له الراعي : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، يقول الراعي : ليست لي ، يقول له : خذ ثمنها ، يقول له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ، أما حينما يكون الرادع لا الوازع نحتاج إلى آلات لتصوير السرعات الزائدة ، ولأن واضع هذا القانون إنسان فالمواطن قد يكون أذكى منه ، فيخترع جهازاً في السيارة يكشف له هذه المراكز التي تكشف سرعته الزائدة ، عندئذ الدولة تبحث عن جهاز لكشف أجهزة السيارات ، هي معركة لا تنتهي بين عقلين ذكيين ، بين عقل وضع التشريع وبين عقل يحاول التملص من هذا التشريع .
 فرق كبير جداً بين الوازع وبين الرادع ، أي لو فرضنا أن الدولة شرعت الصيام ، كم إنسان يصوم ؟ يدخل إلى بيته فيفطر ، يدخل إلى الحمام فيفطر، ليس هناك قوة تردع الإنسان عن شيء إلا إذا كان من عند الله ، فالإنسان الصائم يدخل إلى بيته ويكاد يموت من العطش ، والماء بارد ، والغرف مقفلة ، والنوافذ مقفلة ، وبإمكانه أن يشرب ما شاء له أن يشرب دون أن يراقبه أحد ، ولكن لا يستطيع المؤمن أن يضع في فمه قطرة ماء ، الإسلام قائم على الوازع الداخلي ومعه روادع خارجية ، لكن القوانين قائمة فقط على الروادع الخارجية ولا يستطيع إنسان أن يضبط الأمور ضبطاً تاماً ، لذلك لابدّ من احتيال على القانون، لذلك قال تعالى :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾

 من الداخل تعتمد على الوازع الداخلي .
 والله قصة لا أنساها سائق في دمشق وجد بسيارته عشرين مليون ليرة ، مبلغ فلكي يشتري له بيتين وسيارتين و ، بحث أربعة أيام عن صاحبها حتى أوصلها إلى صاحبها أي الوازع الداخلي ، والله أنا أقول : لا تقوم الحياة إلا بالوازع الداخلي ، لا تصلح الحياة إلا بالإيمان ، قال له : ولكن أين الله ؟ هذا الراعي البسيط ثقافته محدودة وضع يده على جوهر الدين ، والإنسان إذا لم يعرف الله يحتال فيأكل الأموال الطائلة عدواناً وظلماً .

 

ذكر الله لك أكبر من ذكرك له لأنه إن ذكرك منحك الحكمة :

 

 أيها الأخوة الكرام :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾

( سورة العنكبوت الآية : 45 )

 أيها الأخوة ، قال علماء التفسير ذكر الله أكبر ما فيها ، والدليل :

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

( سورة طه )

 فالصلاة ذكر لله ، لكن مفسراً فهم الآية فهماً آخر

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

 أي ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إن ذكرك منحك الحكمة :

 

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)﴾

( سورة البقرة )

 فالصلاة ذكر لله ، لكن مفسراً فهم الآية أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بدخل محدود ، ومن دون حكمة تبدد الأموال الطائلة ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، لذلك من أعظم عطاءات الله الحكمة :

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)﴾

( سورة البقرة )

نعمة الأمن لا تعدلها نعمة وهي من حظ المؤمنين فقط :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾

 تعتمد على الوازع الداخلي وعلى خوف الله،

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾

 أي ذكر الله لك أيها المصلي وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له ، إذا ذكرك منحك الحكمة ، وإن ذكرك منحك نعمة الأمن :

 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾

( سورة الأنعام )

 نعمة الأمن لا تعدلها نعمة ، وهي من حظ المؤمنين فقط :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾

( سورة الأنعام )

 والله الذي لا إله إلا هو بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، هذه نعمة الأمن رائعة جداً :

﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾

( سورة قريش )

الجوع و الخوف من عقابات الله الأليمة :

 كيف يعاقب الله قوماً ضلوا عن سبيله ؟

﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾

( سورة النحل )

 أذاقها الله لباس الجوع والخوف ، كأن من عطاءات الله ،

﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾

 وكأن من عقابات الله الأليمة

﴿ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾

الله عز وجل إن ذكرك منحك الرضا و السعادة و السكينة :

 فلذلك :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾

( سورة العنكبوت الآية : 45 )

 أكبر ما فيها ذكر الله ، أو ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، إنه إن ذكرك منحك الرضا ، منحك السعادة ، منحك السكينة ، تسعد بالسكينة ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، ورد في بعض الأحاديث القدسية :

(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 هذا الذي فكر في خلق السماوات والأرض فامتلأ قلبه تعظيماً لله ، وخشية منه ، ومحبة له ، وخوفاً منه ، ورجاء في عطائه :

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

من فكر في خلق السماوات والأرض امتلأ قلبه تعظيماً لله وخشية منه ومحبة له وخوفاً منه:

 هناك من يقول : إن المسلمين يزيدون عن مليار وخمسمئة مليون ، إن مليون منهم يصلون ، وفي بعض الأحاديث الصحيحة :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 معنى ذلك أن هذه الصلاة التي يصليها المسلمون فيها شرود ، يرافقها بعض الآثام ، بعض المعاصي ، بعض التجاوزات ، هذه الصلاة لا تقدم ولا تؤخر :

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 فكر في خلق السماوات والأرض ، نظر في خلق السماوات والأرض ، نظر في ملكوت الله ، امتلأ قلبه تعظيماً لله ، وخشية منه ، وعرف الآمر ، فلما عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر :

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ))

 استقام على أمر الله ، كفّ شهواته عن محارمي ، وما لم يستقم الإنسان على أمر الله لن ـ لتأبيد النفي ـ يقطف من ثمار الدين شيئاً ، وكفّ شهواته عن محارمي ، فإذا زلت قدمه يتوب سريعاً ، ولم يصر على معصيتي .

 

المؤمن الصادق المتصل بالله يتمتع برؤيا صحيحة :

 كأن هذا الحديث القدسي يبين الكتل الكبيرة في هذا الدين ، أول شيء فكر في خلق السماوات والأرض

(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، استقام على أمري ، ولم يصر على معصيتي ))

 بمعنى أنه سريع التوبة :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

( سورة النساء )

﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

( سورة البقرة )

(( وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ))

 العمل الصالح ، كأن هذا الحديث جمع كليات الدين :

(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ـ مخلصاً هذه عبادة القلب ـ وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 قذف الله في قلبه النور ، رأى به الحق حقاً والباطل باطلاً ، المؤمن الصادق المتصل بالله يتمتع برؤيا صحيحة ، حتى إنهم قالوا : قول ألف في واحد لا يعدل قول واحد في ألف ، الواحد الموصول يؤثر في ألف ويحملهم على طاعة الله :

(( خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم ))

[البيهقي عن عمر ]

 إنسان طليق اللسان لكنه ليس متصلاً بالله هذا الطليق لا يستطيع بطلاقة لسانه أن يقنع واحداً ، لو أن ألفاً من هؤلاء المتكلمين لا يستطيعون أن يقنعوا واحداً ، حال واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد .

 

الحلم سيد الأخلاق :

 لذلك من ثمار الصلاة نعمة الحكمة ، نعمة الأمن ، نعمة السكينة ، هذه كلها من ثمار الصلاة ، وشيء آخر مع العمل الصالح ومع الإخلاص :

(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 والحلم سيد الأخلاق ، رعونات الجاهلية ، انحرافات الجاهلية ، فظاظات الجاهلية، قسوة الجاهلية ، عجرفة الجاهلية ، كبر الجاهلية :

(( على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ))

 والظلمة ، رؤيته الخاطئة ، العمى الذي هو فيه :

 

﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾

( سورة الحج )

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ـ أصبح مستجاب الدعوة ـ ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

الصلاة نور

 يُقذف في قلب المصلي يرى به الخير خيراً والباطل باطلاً :

 أيها الأخوة الكرام :

(( الصلاة نور ))

[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ]

 نور يقذف في قلب المصلي ، يرى به الخير خيراً ، يرى به الحقَّ حقَّاً ، والباطل باطلاً، يرى به المسعد مسعداً ، والمشقي مشقياً ، لذلك حينما تعمى البصيرة يرى الشر خيراً والخير شراً ، يرى الباطل حقاً والحق باطلاً ، المشكلة في الرؤيا ، المؤمن يتمتع برؤيا صحيحة لكن عند الموت لا بدّ من أن تنكشف الحقيقة :

 

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

( سورة ق )

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 أيها الأخوة ، الإنسان خياره مع الإيمان خيار وقت ، لكن خيار الإنسان مع ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض ، تعرض عليك وظيفة فترفضها لقلة دخلها ، قد تعرض عليك فتاة للزواج منها ترفضها ، لم تعجبك أخلاقها ، فأنت أمام ملايين الخيارات ، خيار قبول أو رفض إلا أمام خيار الإيمان أنت أمام خيار وقت ، فإن لم تؤمن في الوقت المناسب ، وإن لم تنتفع من إيمانك في الوقت المناسب ، لابدّ من أن تؤمن بعد فوات الأوان ، لذلك الله عز وجل يبين حينما أغرق فرعون كيف أغرقه ؟ فقال فرعون :

﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

( سورة يونس الآية : 90 )

 فقال الله له :

 

﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾

( سورة يونس الآية : 91 )

 أي أكفر كفار الأرض الذي قال :

 

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

( سورة النازعات)

 والذي قال :

 

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38)﴾

( سورة القصص)

 أكبر كفار الأرض أيقن بالحقائق التي جاء بها سيدنا موسى ، بل إن كل إنسان على وجه الأرض عند الموت سوف تكشف له الحقائق :

 

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

( سورة ق )

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 فيا أيها الأخوة الكرام ، الصلاة نور ، تلقي في قلبك نوراً ، ترى به الخير خيراً، والشر شراً ، والحق حقاً ، والباطل باطلاً ، والحلال حلالاً ، أثمن شيء يملكه المؤمن هذا النور الذي يقذفه الله في قلبه ، ليرى به الحق حقاً والباطل باطلاً ، الصلاة نور ، والصلاة طهور .
 صدقوا ولا أبالغ مستحيل وألف ألف مستحيل على إنسان اتصل بالله أن يكون محتالاً ، أن يكون كذاباً ، أن يكون قاسياً ، أن يكون ظالماً ، هذه الصفات تتناقض مع المصلي، تتناقض تناقضاً كلياً ، المصلي مؤمن ، متواضع ، منصف ، رحيم ، خيّر ، حليم ، هذه صفات الصلاة :

(( إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا حسنا ))

[ أخرجه الحكيم عن العلاء بن كثير ]

 فالصلاة نور ، والصلاة طهور ، والصلاة حبور و سعادة :

(( أرحنا بها يا بلال ))

[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ]

 والصلاة عقل :

(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))

[ ورد في الأثر ]

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43)﴾

( سورة النساء )

 وغرة الطاعات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .

 

الصلاة أهم ركن من أركان الدين ومن خلالها تتحقق ثمار الدين :

 أيها الأخوة الكرام ، قال تعالى :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

( سورة طه )

 وفي آية أخرى :

 

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾

( سورة العلق)

 وقال النبي عليه الصلاة والسلام : الصلاة يحاسب عنها الإنسان ، فالإنسان قبل كل شيء يحاسب عن صلاته ، لأن الله عز وجل جعل الصلاة عماد الدين ، جعلها غرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، فلذلك تعد الصلاة أهم ركن من أركان الدين لأنه من خلالها تتحقق ثمار الدين ، الاتصال بالله مسعد ، ومطهر ، ومشرف ، ومنير ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه الحقائق إلى صلاة مقبولة عند الله عز وجل :

(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه ـ أصبح مستجاب الدعوة ـ ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 وإلى لقاء آخر إن شاء الله .

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور