وضع داكن
29-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 120 - الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم الحديث عن الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر.
 ذكرت من قبل أيها الإخوة الكرام أن هناك كبائر ظاهرة، كالقتل، وشرب الخمر، والزنا، والسرقة، وما إلى ذلك، هذه الكبائر صارخة وواضحة وظاهرة، ومعظم المسلمين بعيدون عنها ـ والحمد لله ـ إلا قلة قليلة ممن شردوا عن الله عز وجل، ودفعوا ثمن شرودهم شقاء في الدنيا والآخرة.
 ولكن المشكلة في الكبائر الباطنة، الكبائر الباطنة قلما يتوب منها الإنسان، لأنها ليست ظاهرة، من هذه الكبائر الكبر.
 الكبر أيها الإخوة الكرام يصيب معظم الناس، أنت إذا نجحت زلت قدمك إلى الكبر، لذلك أخطاء الناجحين كبيرة جداً، والبطولة لا أن تصل إلى قمة النجاح، ولكن أن تبقى في هذه القمة، وكثيرون وصلوا إليها، ولكن الغرور أصابهم، و الكبر تشرب في أفعالهم و أقوالهم فسقطوا.
 ومن سمات المؤمن التواضع، والتواضع في الحقيقة ليس تصنعاً، هو حقيقة، بمعنى أن العبد عبد، وأن الرب رب، وأنت بالتواضع قد تصل إلى كل ما عند الله من عطاء، وبالكبر قد تحجب نفسك عن أعظم عطاءات الإيمان، وكما قيل، و لست ممن يروج هذه المقولة: رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، فالإنسان حينما يرى نفسه متفوقاً، وهذا التفوق قد يجعله في طريق يستغني عن رحمة الله، حجب عن الله، فلذلك الكبر من الكبائر الباطنة، ولو علم المتكبر أنه متكبر فليس بمتكبر، خطورة هذا المرض كيف أن في الجسم أمراضًا عضالة مميتة ليس لها أعراض، كالأورام الخبيثة، لا يوجد أعراض أبداً، متى يبدأ العرض ؟ حينما يستفحل، إذا استفحل، وصار المريض في طريق مسدود تظهر أعراض المرض.
 أيها الإخوة الكرام، الأحاديث المتعلقة بالكبر عديدة جداً، من أبرزها فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

  يوجد قضية دقيقة في التواضع، وهي أنك إذا تأملت في خلق السماوات والأرض، وأنك إذا اتصلت بالله عز وجل، و اطلعت على جانب من عظمة الله عز وجل ترى نفسك لا شيء، كلما ضعفت معرفتك بالله نمت نفسك، الأنا تضخمت، وكلما ازدادت معرفتك بالله تضاءلت الأنا، أنا لا أرى أن في حياة البشر على الإطلاق إنساناً في قمة التفوق، وفي قمة التواضع كرسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك قالوا من: رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه، كان يأكل مع الخادم، تستوقفه امرأة يكلمها في حاجتها طويلاً، تأخذ بيده الجارية البنت الصغيرة، وتقوده إلى حيث تشاء، ويقول: أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة.
 صدقوا أيها الإخوة الكرام أن كل واحد منكم ربما أكرمه الله بالدعوة إليه، أو ربما التف بعض الناس حوله، لأن كل شخص بالمسجد عند أهله شيخ، وعند أهله مظنة صلاح، وعند أهله مظنة اتصال بالله عز وجل، لذلك أنت هنا من المستمعين، من طلاب العلم، لكنك في حيز بيتك وأهلك وأقاربك أنت محسوب على أهل الإيمان، ولأن لك شيخًا وجامعًا، أنت حينما تتواضع يلتف الناس حولك، وحينما تتكبر نفض الناس من حولك، والحقيقة أحياناً يوجد كبر مغلف بتواضع، و هذه الحالة صعبة جداً، توجد نقطة تضعف شخصية الإنسان، أنه حينما يشعر بحاجة إلى من يمدحه يصبح المديح عنده جزءاً من حياته، فإذا شح المديح تحرش هو بمن حوله، يسأله عن هذا الطعام: أعجبكم ؟ هل كنتم مرتاحون بهذه الوليمة ؟ لأن استجداء المديح يضعف شخصية الإنسان، ولو درسنا في الأحاديث الشريفة لوجدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام ذم المداحين، فعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ:

(( قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ ))

[ مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

  وقد ورد أن المديح هو الذبح.
 ويوجد حديث آخر عجيب، إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه، فكيف نجمع بين تلك الأحاديث التي تبدو أنها متناقضة ؟
 المقياس أنك إذا مدحت إنساناً فاستكبر، واستعلى فينبغي ألا تمدحه، ما كنت مصيباً في مدحه، لكن المؤمن الصادق إذا مدحته يزداد تواضعاً، و يزداد افتقاراً إلى الله، و يرى أن هذا المديح إنما هو من فضل الله عليه، و هو يردد قول القائل: إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل و نسبه إليك.
مثلاً أحد الإخوة المحسنين الذين توفاهم الله عز وجل قدم بيتاً هدية لفقراء المسلمين، أحد إخوتنا الكرام رئيس جمعية خيرية، فهذا البيت أسسه مركزًا للتأهيل المهني للفتيات الفقيرات، هذه الفقيرة بدل أن نعطيها الصدقة والزكاة، وأن نجعلها إنسانة تمد يدها دائماً للأغنياء جعلناها عاملة وكاسبة، وقد تدفع زكاة مالها، هذا رأي عميق جداً، أفضل أنواع الزكاة ما حولت الفقير المستجدي إلى مكتفٍ معطٍ، فهذا المكان أسِّس، وصار هناك تهيئة للفتيات الفقيرات، و الله عز وجل أخذ بيد هؤلاء الذين أسسوا، و هو في صحيفة أعمالهم إن شاء الله.
 لكن هذا المحسن الذي قدم هذا البيت، وهو غالي الثمن، أقيم له حفل تكريم لتقدير هذا العطاء، وكل المحتفلين أثنوا على هذا المحسن، وأطروا إحسانه، إلا أحد إخوتنا الكرام فاجأ الحضور بكلمة من نوع آخر، خاطبه، وقال: أيها المحسن، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا، وأن تقف في طابور كبير، وأن توقع إما ببصمة أو بتوقيع لتأخذ على مشارف العيد مبلغًا يسيرًا جداً لا يقدم ولا يؤخر، و لكن الله كرمك بأن جعلك محسناً، فاشكر الله أن جعلك محسناً تعطي، ولا تأخذ.
 يا إخواننا الكرام، إذا مكنك الله عز وجل من عطاء، من إلقاء درس، من إحسان، يجب أن تذوب لله خجلاً، لأنه جعلك تعطي، ولم يجعلك تأخذ، الذين يأخذون أذكياء أحياناً:
 و لو كانت الأرزاق تجري مع الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائـــمُ
 قد تجد إنساناً ألمعياً في الذكاء و فقيرًا، فهذا الذي كرمه الله بصحته، أو بنجاح في عمل، أو بطلاقة في إلقاء، أو بإنفاق مال، هذا من فضل الله عليك، وكلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة، وكلما ازددت تواضعاً التف الناس حولك، وكلما ازددت تواضعاً أقبل الناس عليك، وكلما ازددت تواضعاً كنت في قلوب الجميع.
 فيا أيها الإخوة الكرام، إياك أن تستجدي المديح، وهو عادة من أسوأ العادات، مادام إخلاصك لله واضحاً، ومادام إقبالك على الله تاماً، أنت لست في حاجة إلى المديح، هذا الذي يمدحك لا يقدم و لا يؤخر، و من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
 لذلك التواضع أنت الآن دقق:

 

انظر إلى الأكحال و هي حجارة     لانت فصار مقرّها في الأعين

 وحينما يقال عن النبي عليه الصلاة والسلام: إنه من رآه بديهة هابه، و من عامله أحبه، من تواضعه الشديد، يا عمر، لا تنسنا يا أخي من دعائك، سيد الخلق وحبيب الحق يسأل سيدنا عمر أن يدعو له، تواضع ما بعده تواضع، زعيم الأمة، و قائد الأمة، و قائد الجيش، ونبي الأمة، ورسول هو أعظم الرسل على الإطلاق، في معركة بدر الصحابة ثلاثمئة وبضعة عشر، قال::

(( وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ e، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ e فقالا له: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ ))

[النسائي في السنن الكبرى، أحمد، والحاكم، وابن حبان عن ابن مسعود ]

  عدّ نفسه جندياً.
 نحن نفتقر إلى التواضع في حياتنا، أي تعلو مرتبتك قليلاً لا تحتمل أن تنادى باسمك، مع أنني ذهبت إلى بلاد الغرب، شيء عجيب جداً، كنت في مركز كل أعضائه أطباء يحملون البورد، وما سمعت كلمة دكتور إطلاقاً، فلان، شيء طبيعي جداً، كن طبيعياً، الآن إنسان له مقام، و ما كان مقامه بالصف الأول في عقد قران تقوم الدنيا ولا تقعد، فمرة اقترحت على صالات أن تكون طويلة يوجد صف واحد أحسن شيء، كل المدعوين يجلسون أول صف، لا يوجد إلا صف أساساً، يمكن ألا يكون هناك مكان في أول صف، تجد هناك مشكلة، كلها كبائر باطنية، هذه أمراض يا إخوان، إذا قلت لي: ما الفرق الدقيق الدقيق بين مجتمع الصحابة ومجتمعات المسلمين في آخر الزمان ؟ لا يوجد حب، لا يوجد تواضع، تصدق أن نور الدين الشهيد قبل خوض المعركة مع التتار سجد لله عز وجل ماذا قال ؟ قال: يا رب، من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك، يوجد ملك يسمي نفسه كلباً ؟ من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك، لا يوجد صفة بالإنسان أرقى من التواضع، و لكن التواضع غير المذلة، المؤمن يعرف قيمة نفسه لكنه يربأ بنفسه عن أن يذل لمخلوق.
 بالمناسبة إخوانا الكرام، بقدر ما تتذلل لله عز وجل يعزك الله، و بقدر ما تتكبر يذلك الله، العلاقة عكسية بين التواضع والعز:

 

اجعل لربك كل عزك يستقر و يثبت         فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

 أنت حينما تربط نفسك بجهة أرضية انتهيت، أنت محسوب عليها، ترقى بقوتها، وتسقط إذا سقطت، أنت ألغيت شخصيتك، أجمل كلمة مرة عالم جليل من علماء مصر توفاه الله عز وجل كان في بريطانية لإجراء عمليه، فجاءت رسائل لا تعد و لا تحصى تطمئن عن صحته، إذاعة بريطانية أجرت معه مقابلة، وسألته هذا السؤال: ما هذه المكانة الكبيرة التي حباك الله بها ؟ مئات ألوف الرسائل جاءت، فأجاب إجابة أنا ما رأيت إجابة أدق منها، قال: لأنني محسوب على الله، أي أنا لست أهلاً لهذا الاهتمام، لكن أنا عند الناس محسوب على الله.
 والله أيها الإخوة الكرام، سمعت طرفة، أن رجل دين غير مسلم، لكن تعلمت منها دروساً والله لا تعد ولا تحصى، أن السيد المسيح في أثناء زيارته للقدس ركب حمارة ـ و القصة معروفة في كتب التاريخ ـ أهل القدس أحبوه، و تقربوا منه، و تمسحوا بثيابه، بالغوا في إكرامه، فهذا الحمار ظن أن هذا التكريم له، فلما عاد إلى أمه ؛ أمه أيضاً حمارة مثله، لكن أذكى منه، قالت له: لا، هذا التكريم ليس لك، لمن يركبك، لكنه لم يقتنع، فبعد أيام تمنى أن يذهب إلى القدس ثانية، في المرة الثانية ذهب وحده ضربه الصغار بالحجارة حتى بالغوا بإيلامه وإذلاله، فعاد إلى أمه غاضباً، و قد شكا لها ما أصابه، قالت له: ألم أقل لك: إن هذا التكريم لم يكن لك، بل كان للذي يركبك.
 أحياناً الإنسان يكرمه الناس من نوع أنه هو باب الله عز وجل، أو إنسان يدلهم على الله، أنا أرى أن هذا التكريم هو لله عز وجل، أما هذا الإنسان فظنوه صالحاً، ظنوه باباً لله عز وجل، فأنت إياك أن تظن أن هذا التكريم لك، وإلا كالذي فكر أنه له، يجب أن تعتقد أن هذا التكريم لأنك مظنة صلاح فقط، فأنت في خدمة الناس، في خدمتهم إلى أقصى الحدود، وأنت ينبغي أن تكون أقلهم شأناً، ينبغي أن يصعد الناس عليك، لا أن تصعد على أكتافهم، فرق كبير جداً، كما فعل النبي e.
 النبي عليه الصلاة والسلام له طريقة في معاملة أصحابه، كان متواضعاً أشد التواضع، كان يأكل مع الخادم، كان يجلس حيث انتهى به المجلس، كان الأعرابي إذا دخل عليه يقول: أيكم محمد ؟ وفهمكم كفاية، لا يوجد أي مظهر كهنوتي إطلاقاً، فالتواضع يرفع قيمة الإنسان، أنت تريد أن تكون باباً إلى الله تواضع حتى يحبك الناس:

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 159]

  لكن أنا أفرق بين التواضع والضعة، أنت لست وضيعاً، ولكنك متواضعاً، الفرق كبير جداً، إذا أكرمك الناس فأنا أخاطب إخوتنا الشباب، أي شاب متدين فالذين حوله يكرمونه، يوقرونه، يحترمونه، قد يتقربون إليه بخدمة أحياناً أو بهدية، إذا ظننت أن هذا التكريم لك فأنت كالذي ظن له، هذا التكريم ليس لك، ظن من حولك أنك طريق إلى الله، ظنك من حولك أنك باب إلى الله، ظنك من حولك أنك معوان على معرفة الله فكرموك، فأنت ينبغي أن تكون في خدمتهم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: سيد القوم خادمهم، و كلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة.
 مثلاً سيدنا الصديق، و هو يأتي في الدرجة الثانية بعد رسول الله، ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، لو وزن إيمان الخلق مع إيمان أبي بكر لرجح، هل يعقل أن هذا الإنسان العظيم يتقرب إلى الله بخدمة جارة له عجوز، فما خدمته لها ؟ كان يحلب شياهها كل يوم، فلما تسلم منصب الخلافة غلب على ظن هذه الجارة العجوز أن هذه الخدمة قد توقفت، في صبيحة اليوم الأول مِنْ تسلّمِ هذا الخليفة العظيم منصب الخلافة طرق باب العجوز، قالت لابنتها: يا ابنتي، افتحي الباب، ثم سألتها من الطارق، قالت جاء حالب الشاة يا أمي، سيدنا الصديق، والله الذي تراه من خلفاء رسول الله شيء لا يصدق، سيدنا عمر يتجول في المدينة ليلاً رأى قافلة قد حطت رحالها في ظاهر المدينة، فقال لعبد الرحمن بن عوف: تعال نحرس هذه القافلة، بكى طفل، قال لأمه: أرضعيه، خليفة المسلمين، بكى ثانية، قال: أرضعيه، غضبت، وقست عليه في الكلام، قالت: وما شأنك بنا ؟ إنني أفطمه، قال: ولمَ ؟ قالت: لأن عمر لا يعطي العطاء إلا بعد الفطام، أي التعويض العائلي، تروي الروايات أنه ضرب جبهته، و قال: ويحك يا ابن الخطاب، كم قتلت من أطفال المسلمين ؟ ثم أمر أن يكون العطاء حين الولادة، وفي صلاة الفجر في اليوم التالي لم يفهم أصحابه الكرام ماذا قرأ في الصلاة من شدة بكائه، ثم سمعوه يدعو، ويقول: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها ؟
 هذه المواقف البطولية تحتاج لإنسان مفتقر إلى الله:

 

مالي سوى فقري إليـك وسيلة          فبالافتقار إليك فقري أدفع
و مالي سوى قرعي لبابك حيلة          فإذا رددت فأي باب أقرع

 فأنا أقول لكم: هذا الطريق ممكن أن تأتي من أعلى، ممكن أن تأتي من أسفل، من أعلى الطريق مسدود، تصور برميل ماء له فتحات من أعلاه إلى أسفله، فلو جئت إلى الفتحة السفلى التي في مستوى قعره ماذا تأخذ من البرميل ؟ تأخذ كل ما فيه، أما إذا اتجهت إلى الفتحة العليا التي على مستوى فتحته العليا لا تأخذ شيئاً، فكلما نزلت أخذت أكثر، لذلك باب الانكسار ليس فيه ازدحام، لكن باب العلو عليه ازدحام شديد.
 عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

[ أبو داود، ابن ماجه ]

 أنا أتمنى أيها الإخوة الكرام أن يكون واضحاً لكم أن التكبر على المتكبر صدقة، وأن بعض أصحاب النبي رضوان الله عليهم كان يمشي قبيل المعركة متبختراً، فقال عليه الصلاة و السلام: إن هذه المشية يبغضها الله إلا في هذا الموقف.
 تواضعك لأهل الإيمان، تواضعك لمن يعرف قيمة التواضع، أما إذا كنت مع إنسان مستكبر، ستعلى، غافل، جاهل، هذا ينبغي أن تريه قوة و أن تريه حزماً:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾

 

[ سورة الشورى: الآية 39]

  لكن ينتصرون:

 

﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

 

[ سورة الشورى: الآية 40]

  أكاد أقول لكم أيها الإخوة الكرام هذه المقولة الرائعة التي قالها الإمام ابن القيم الجوزية: " الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ".
 ومرة ثانية الله عز وجل، آتى النبي أشياء نادرة جداً، قال له مثلاً:

 

﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)﴾

 

[ سورة الأعلى: الآية 6]

  من منا يستطيع أن يقرأ نصاً مرة واحدة، ويحفظه بحذافيره ؟ مستحيل، الله عز وجل آتى النبي هذه الميزة، آتاه فصاحة ما بعدها فصاحة، قال: أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، وقريش أفصح القبائل، هذا اسمه أسلوب تأكيد المدح بما يشبه الذم، و آتاه جمالاً، و آتاه نسباً، وآتاه حكمة، وآتاه فهماً، أما حينما أثنى عليه أثنى على خلقه، لأن كل هذه الاستثناءات والميزات هي خصائص للدعوة، أو وسائل للدعوة، و الله عز وجل منحه إياها، لكن الشيء الذي أثنى عليه هو من كسبه، فالخلق من كسبه:

 

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

 

[ سورة القلم: الآية 4]

  فأنا أحياناً أرى الفرق بين المسلمين المعاصرين و بين المسلمين الذين كانوا في العصور الأولى، فرق في الخلق، كمعلومات، كقرآن، كصلوات، كصيام، كحج، كزكاة، واحد، العبادات واحدة، حتى المظاهر الإسلامية صارخة، أحياناً تجد جامعًا كلّف ألف مليون دولار، جامع الدار البيضاء، أنا زرته كلف ألف مليون دولار، جامع رسول الله سقفه من سعف النخيل، وأرضه من البحص فقط، القضية قضية إيمان، لا قضية بنيان، نحن عندنا بنيان شيء رائع جداً، الوسائل، و المظاهر، و الزخارف، و المصاحف، و المؤتمرات، و وسائل النشر الإسلامية من كتب إلى أشرطة، إلى أفلام، إلى إنترنت، شيء يفوق حد الخيال، لكن نفتقر إلى أخلاق الصحابة، إلى محبة الصحابة، إلى تعاون الصحابة.
 هذا الحديث:

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ رَجُلًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ))

[ مسلم، الترمذي، أحمد، الدارمي ]

  على المستوى اليومي أحياناً يوجد مدير مؤسسة يدخل، يبدأ هو بالسلام على الحاجب، كيف يا بني ؟ صحتك طيبة ؟ أهلك بخير ؟ أولادك بخير ؟ تجد هذا الحاجب يتفانى في خدمته، كلمة طيبة، والكلمة الطيبة صدقة، لو أنه كان متواضعاً، وعامل من حوله بلطف، وبإحسان يتفانون بأداء عملهم، وكنت أقول دائماً: القوي يمدح في حضرته، ولا يمدح في غيبته، وأنت كمقياس دقيق لصلاح الإنسان انظر هل يمدح في حضرته أم في غيبته، القوي يمدح في حضرته، لكن المحسن يمدح في غيبته، والمقياس الدقيق أن تمدح في غيبتك لا في حضرتك.
 الإنسان الكامل يعيش للناس، الإنسان القوي يعيش الناس له، و الفرق كبير جداً، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الإنسان القوي يملك الرقاب، أما الإنسان المؤمن الكامل فيملك القلوب، و فرق كبير بين أن تملك القلوب وأن تملك الرقاب.
 إذاً:

(( وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ))

 فالتواضع أساسه أنك موصول بالله عز وجل، و تواضعت لله، و لم تستكبر على عبادة الله، الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس، آدم نسي، و لم نجد له عزماً:

 

﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 37]

  و الصلحة بلمحة، أما إبليس فأسباب معصيته الكبر، أنه استنكف أن يسجد لآدم:

 

﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 34]

  لذلك أيها الإخوة الكرام، معاصي الكبر يصعب التوبة منها، بل يصعب اكتشافها، كالأمراض السرطانية، لا أعراض لها، فجأة تتفاقم الأعراض، و قد استحق الإنسان الهلاك.
 يوجد حديث قدسي يقصم الظهر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ))

[ مسلم، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

  ويوجد قصص لا تعد و لا تحصى حول الكبر الذي يقصم ظهر صاحبه قصماً، و العوام لهم كلمات لطيفة، أن الإنسان يأكل لقمة كبيرة، لكن لا يحكي كلمة كبيرة، الحقيقة يوجد كلام كفر بواح، الكفر أنواع، يوجد كفر قولي، وهناك كفر اعتقادي، و هناك كفر سلوكي.
 يوجد سلوك يشف عن كفر، و يوجد كلام يشف عن كفر، و يوجد اعتقاد يشف عن كفر.
 الرواية الثانية لغير مسلم:

(( العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته ))

 والله عنده عذاب مهين، عنده عذاب أليم، و عنده عذاب مهين، و عنده عذاب عظيم.
 العذاب المهين لا يوجد به آلام، فيه إذلال، فيه إذلال يفوق حد الخيال، هذا اسمه عذاب مهين، أنتم حينما ترون مثلاً أشخاصاً كانوا من القوة بمكان، ثم هم في السجن فرضاً، وضعت القيود في أيديهم، و كان هذا القوي إذا نظر إلى إنسان يتجمد أو يموت من خوفه، فجأة توضع القيود في يديه، طبعاً قد لا يعذب الآن، لكن هذا عذاب مهين، أين كان، وأين صار ؟
 ويوجد عذاب أليم فيه آلام لا تحتمل، و يوجد عذاب عظيم في جهنم، عذاب جهنم عذاب عظيم، يوجد بالدنيا عذاب مهين وعذاب أليم، أي أغلب الظن المتكبر يؤدب بعذاب مهين.
 حدثني مرة أخ قال لي: مديرة مدرسة بعيدة عن الدين بعد الأرض عن السماء، كلما رأت طالبة عليها مسحة أخلاق، مسحة تدين، كانت تكيد لها، و تتفنن في إذلالها، مضت سنوات شاهدتها مدرسة من مدرساتها، وقد ارتدت الحجاب، فرحت بها فرحاً لا حدود له، ثم علمت أنه ليس حجاباً، لكن لمرض أصاب شعرها فقدت شعرها كله، ومنعها الطبيب أن تضع شعراً مستعاراً لئلا يتحسس جلدها، فوضعت هذه الخرقة على رأسها حفاظاً على مظهرها، الله أذلها إذلالاً، لأنها كانت تذل كل فتاة محجبة، أصابها مرض في رأسها أذهب شعرها كله، الطبيب منعها أن تستخدم الشعر المستعار، فاضطرت أن تضع الحجاب قهراً، و ليس تعبداً.
 الله كبير، أحياناً يسوق عذاب فيه ذل ما بعده ذل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَرُبَّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أحمد ]

  فأيها الإخوة التواضع من صفات المؤمن، لأنه رأى عظمة الله عز وجل، إذا كان لإنسان آلة ( تريكو ) مصنوعة عام ألف و تسعمئة و سبعة عشر، يدوية، لا يوجد بها ولا ميزة، وما رأى آلة أخرى يظنها أعظم آلة في الأرض، فإذا رأى آلة حديثة إلكترونية تعطي ألوانًا، تعطي ( جاكار )، يوجد الآن آلات تريكو يصعب وصفها، فهو حينما يطلع على هذه الآلات الحديثة تصغر في عينه آلته.
 إخواننا الكرام، اقبلوا مني هذه الفكرة، وهي دقيقة جداً، أنت حينما تطلع على غيرك، تطلع على علماء الأمة، على السلف الصالح، حينما تطلع على أبطال الأمة الذين قدموا، وضحوا، أو حينما تسافر، و ترى المسلمين في شتى أقطارهم تصغر، لماذا ؟ توازن نفسك مع إنسان أكبر منك في علمه، أو أكبر منك في أعماله الصالحة تصغر، لكن إنك تصغر كي تكبر، لكن حينما تحجب نفسك عن من حولك، و تتوهم أنك وحيد عصرك، أو تتوهم أنك وحيد القرن، أنت صغير في نظر من حولك، لكنك كبير في نظر نفسك، هذا الشيء لا قيمة له إطلاقاً، بقدر معرفتك بالله تتواضع، و بقدر معرفتك بمن حولك تتواضع، وطن نفسك على أن تعتم على شخصك، و على أن تظهر عظمة ربك.
 أقول لكم كلمة دقيقة: كيف يوجد بلور سادة عند أهل المصلحة، بلجيكي، أي هذا فيه إتقان مذهل، من شدة صفائه و استوائه تظنه غير موجود، وكم من حوادث الآن تصير، إنسان يدخل ويظن أنه لا يوجد باب، يكون فيه باب بلور، فالآن يضعون دائماً صورة على الأبواب البلورية، الصورة هذه الذي عنده زوجة نظيفة جداً و موسوسة، و يوجد أبواب بلور كاملة، و البلور ممسوح جداً أنصحه أن يضع صورة على البلور، يوجد حالات كثيرة جداً لإنسان يدخل فيجرح جبينه، و قد يصاب بكسر في جمجمته، يظن أنه لا يوجد شيء.
 أنا أقول لك: المؤمن كهذا البلور صافٍ، يشف عما وراءه، فهو همه التعريف بالله، التعريف برسول الله، ليس له وجود، هذه يسميها بعض الصوفيين حالة الفناء، أي ذهل عن شخصه حينما دهش بعظمة ربه.
 كلما خفّ إيمان المؤمن يصبح بلور تريكو، ليس سادة فيه نقشات، فأنت لا ترى ما وراءه، ترى نقشه فقط، فكلما كانت الأضواء مسلطة على شخصك تصبح بلور تريكو، و لكن ليس شفافًا، و الآن يمكن أكثر كلمة نستعملها هي الشفافية الآن، كلمة حديثة جداً بكل خطاب تحكى حوالي عشرين مرة الشفافية، الشفافية، الشفافية، الشفافية أن تشف عن الحقيقة، أنت تلغي وجودك، و أن تركز على الذي خلقك، و على أنبيائه العظام، فكلما عتمت على نفسك، و أبرزت عظمة ربك فأنت متواضع، تجلس في جلسة أحياناً لا يتكلم بحرف إلا عن الشخص، عملت، كتبت، سافرت، صرفت، حصلت، ربحت، المحور كله شخصه، مثل هذا الإنسان الناس يكرهونه، ويضجرون من كلامه، إن أردت أن يلتف الناس حولك تحدث عن ربك، لذلك:

(( ما ذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في نفسي، ولا ذكرني في ملأ من خلقي إلا ذكرته في ملأ خير منهم ))

[الترمذي، ابن ماجه عن أبي هريرة]

  تجد ـ سبحان ـ الله سمعة المؤمن راقية جداً، بل إن الله يلقي محبة المؤمن في قلوب الخلق:
 ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
 و قد قال بعضهم في تفسير قوله تعالى:

 

﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾

 

[ سورة طه: الآية 39]

  أي ألقيت حبك في قلوب الخلق، فأنت حينما تتواضع لله، و تفتقر إليه، و تمرغ نفسك في أعتابه يرفعك، أذكركم بقول نور الدين الشهيد، السلطان الملك، سجد، و قال: يا رب، من هو الكلب نور الدين حتى تنصره، انصر دينك، فأنت يجب أن تكون مؤمناً متواضعاً، و التواضع يلهم صاحبه أساليب مقنعة، فقد تجد إنساناً مع تواضعه وبعلم معقول ينفع أناساً كثيرين، والإنسان يكون أعلم علماء عصره، يوجد عبارات كثيرة لا تحتمل الآن، وحيد عصره، و فريد زمانه، كلمات منمقة، و مع ذلك أنت لا ترى أن هذا الكلام له معنى، والله قديماً كانوا يكتبون الفقير إليه تعالى، أحقر الورى، والله يوجد لوحات بالمسجد النبوي الشريف لسلاطين فيها أن المذنب طالب المغفرة من الله عز وجل، فكان السلف الصالح يتواضعون كثيراً، الآن بقدر ما عندك، شهادات، أربعة اسطر تحت اسمه، هذا لا يقدم و لا يؤخر، أما عملك العظيم الخالص فهو الذي يرفعك عند الله.
آخر حديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ))

[ مسلم، أحمد ]

  يوجد قول في الأثر لطيف، " أحب ثلاثاً، و حبي لثلاث أشد: أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد ـ في مقتبل حياته ليس بالثمانين ـ قال لي شخص: أنا العداد قالب، و الدولاب ماسح، و سلمت النمر، أي عبر عن تقدمه بالسن، جميل جداً أن تجد شاباً في مقتبل حياته في طاعة الله عز وجل، وما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي، فأحب ثلاثاً، وحبي لثلاث أشد: أحب الطائعين، و حبي للشاب الطائع أشد، أحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء، و حبي للفقير الكريم أشد، وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد أبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشد.

تحميل النص

إخفاء الصور