وضع داكن
16-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 123 - الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعجب والافتخار.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم الحديث حديثان شريفان صحيحان يندرجان تحب باب الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار.
 إخواننا الكرام، بشكل واقعي، يعاني الإنسان أحياناً من الإخفاق، الفشل معناه الضعف، لكن العوام يستخدمون كلمة الفشل بمعنى الإخفاق، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 46]

  أي تضعفوا.
 فالإنسان يعاني أحياناً من الإخفاق، والإخفاق مؤلم جداً، ويعاني أحياناً من النجاح، هذا واقع، لكن البطولة أن تكشف قانون النجاح وقانون الإخفاق.
 في موضوع القوانين يجب أن تعلم أيها الأخ أن تعامل الله مع عباده تعاملاً مقنناً، أي يوجد قواعد ثابتة، مثلاً: لماذا هناك عداوة وبغضاء ؟ قال تعالى:

 

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 14]

  إذاً حينما يقصر الزوج في طاعته لله، أو تقصر الزوجة في طاعتها لله، أو يقصران معاً في طاعتهما لله، تنشأ بينهما العداوة و البغضاء، هذا على مستوى أفراد، وعلى مستوى جماعات، وعلى مستوى شعوب، وعلى مستوى أمم، هذه واحدة.
 قانون التيسير والتعسير:

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾

 

[ سورة الليل ]

  هذا قانون ثان.
 لو أنك إذا قرأت القرآن كشفت هذه القوانين، واستخرجتها، وجعلتها منهجاً لك، اليوم الدرس: لماذا تخفق أحياناً، ولماذا تنجح ؟ النجاح مسعِد، والإخفاق مؤلم، لكن ما علة النجاح، وما علة الإخفاق ؟
 الحقيقة درسان بليغان مرّ بهما أصحاب رسول الله في بدر وفي حنين، ففي بدر قال تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 123]

  قال علماء التفسير: أذلة بمعنى مفتقرون إلى الله.
 وفي حنين:

 

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 25]

  درس بدر أنك إذا افتقرت إلى الله تولاك الله، ودرس حنين أنك إذا اعتددت بعلمك، بمالك، بصحتك، بجماعتك، بأتباعك، تخلى الله عنك، ولو درست كل حالات الإخفاق لوجدت الذي أخفق كان معتداً بنفسه، وهذا لا علاقة له بالذكاء والغباء، قد يكون أذكى إنسان، وقد يكون أعلى إنسان خبرة في الأمر الذي أخفق فيه.
 الحقيقة قضية الإخفاق والنجاح قضية خطيرة، ولها آثار كبيرة، والعالَم يجهل أسبابها، لماذا أنا أخفق ؟ لماذا انفض الناس من حولي ؟ لماذا لم أفلح في هذا العمل ؟ لماذا أفلحت في عمل آخر ؟
 أحد الإخوان الكرام، هذا الأخ اختصاصي بمستوى عالي بالكومبيوتر الصناعي، و يوجد معمل طلبه، يوجد خللا في الكومبيوتر التابع لآلاته، فدرس الوضع، طلب منه رقماً فقط، فصاحب المعمل بالغ في مساومته، لدرجة أنه أضجره، فلما ضجر، قال له: أنا لست بحاجة لك، أنت بحاجة لي، هذا الرقم تدفعه لأعمل، لا تدفعه السلام عليكم، كلام واضح، طبعاً قدم، والدوام غداً، فيقول لي: أنا عملي تقريباً ساعة أو ساعتين، يكون هناك خلل، خبراته متراكمة، و عنده باع طويل، و أي قضية مهما تبدو عسيرة عليه يسيرة يحلّها، قال لي: أول يوم من الساعة التاسعة إلى الساعة الثامنة مساء، ولم يتبين معي الخطأ، ثاني يوم من التاسعة إلى الثامنة، ولم يتبين، يقسم بالله، والله هو عندي صادق، ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، سابع يوم، ثامن يوم، ثمانية أيام، وهو يجهد في كشف الخلل، والأجر ليس على الساعة على الإنجاز، قال لي: في اليوم الثامن ذهبت إلى البيت، وقررت أن أراجع نفسي، ما العمل الذي فعلته حتى اقتضى أن يسد الله عليّ معرفة الخلل ؟ راجع نفسه، تذكر اللقاء الأول مع صاحب المعمل، وقف عند هذه الكلمة، أنا لست بحاجة إليك، أنت بحاجة إلي، تدفع المبلغ لأعمل، لا تدفع السلام عليكم، اعتبر هذه اعتدادًا، وكبرًا، فاستغفر الله عز وجل، ودفع صدقة، جاء في اليوم التاسع يقسم بالله، خلال ساعة كشف الخلل، وأصلح الكومبيوتر.
 من مثل هذه القصة يوجد مئات القصص، الملخص: إذا قلت: أنا، معنى أنا، أنا معي دكتوراه، أنا معي خبرات متراكمة، أنا ابن السوق، أنا بذلت جهودًا جبارة حتى حصّلت هذه المعلومات، أنا ابن فلان، أنا حجمي المالي كبير.
 شهد الله أن هذه القصة أعدها نموذجية، فلما قال: أنا، تخلى عنك، قل: الله، يتولاك.
 أخ آخر عنده معمل ألبسة، وأخ من إخوان المسجد وضعه المادي ضعيف، علم أن فلاناً عنده معمل ألبسة، فزاره في الأيام التي قبل العيد، وطلب ثلاث قطع لأولاده، هنا صاحب المعمل يبيع ثلاثمئة دزينة، أربعمئة دزينة، اعتبر طلبه ثلاث قطع إهانة له، قال له: أنا لا أبيع مفرّقًا، قال له: لا تؤاخذني، السلام عليكم، يقسم بالله أربعة وثلاثين يوماً لم يدخل معمله إنسان، بالتعبير التجاري نشف دمه، وعرف ذنبه، واستغفر، والآن يبيع قطعة واحدة.
 أخ ثالث من أكبر مستوردي بعض الأمور النسائية في الخياطة، أول حاجات متعلقة بالخياطة، هو من أكبر المستوردين في القطر، ويبيع ألف دزينة، ألفين، بكميات فلكية، جاءت امرأة إليه تريد عشرة سحابات، قال لها: يا أختي، أنا لا أبيع مفرّقًا، هذا محل جملة، قالت له: لا تؤاخذني، أن تنجح، يوجد سبب، وأن تخفق يوجد سبب، فقط تكشف هذا القانون، قانون بدر، و قانون حنين، من الذي أفشلهم، أو جعلهم يخفقون ؟ الله عز وجل، من هم ؟ أصحاب النبي e، النبي e قال: إن الله اختارني، واختار لي أصحابي، هم قمم في الكمال، لكنهم بعد فتح مكة رأوا أن الجزيرة العربية دانت لهم من أقصاها إلى أقصاها، لن نغلب من قلة، قال تعالى:

 

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 25]

  تقول: أنا خطيب من الطراز الأول، ألقى خطبة، نزل ليصلي، بدأ بالآيات، ونسي الفاتحة، حينما تعتد بنفسك يحجب الله عنك الأشياء البديهية، هذه نصيحة.
 وهذا الدرس يا إخوان يلزمك ليس كل يوم مرة، و إنما يلزمك كل ساعة، قدمت شيئاً جيداً، هذا من توفيق الله، هذا ليس تواضعاً، هذا واقع، لولا أن الله وفقك لما فعلت هذا الشيء، قدمت معاملة، وببساطة أخذت موافقة، يا أخي، هابوني، كلا، لم يهب منك، يا أخي خاف، لا، لم يخف، الله عز وجل أراد أن يوفقك في هذا العمل، لا تعزُ نجاحك بأي مجال إلى قدرتك الذاتية، يجب أن تعزو نجاحك في أي مجال إلى توفيق الله عز وجل، والدليل:

 

﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾

 

[ سورة هود: الآية 88]

  قال بعض العلماء حول هذه الآية: لا يمكن أن ينجح شيء على وجه الأرض إلا بتوفيق الله، لذلك الدعاء النبوي:

(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، و أنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلا ))

[صحيح ]

  إذا لم ييسر الله لك تجد عقبات تحول بينك وبين تحقيق أهدافك، أنا الكتاب أحفظه عن ظهر قلب، سآخذ علامة تامة، يأتيه مرض شديد في أثناء الامتحان فيعيد السنة.
 يا رب، أنا في الجبر جيد، لكن في الهندسة ضعيف، أعنّي في الهندسة، هناك لا تعينني، أنا قوي في الجبر، فيرسب بالجبر، بالدورة الثانية يا رب أعني في الجبر والهندسة.
 حينما تعتد انتظر التأديب الإلهي، لأنه يحبك الله، لأن الله يحبك، ولم يرد أن يورطك، وتمشي في طريق الاعتداد بالنفس، هذا إذا كان الإنسان على شيء من العلم، لذلك أنت عندما تنجح في شيء فابحث عن أسباب نجاحك، وحينما تخفق ابحث عن أسباب إخفاقك، حينما تخفق ينبغي أن تبحث عن أسباب إخفاقك، والعبرة أن تكشف القانون، القانون الافتقار إلى الله، فلذلك أناس كثيرون قبل أن يقدم على عمل، قبل أن يلقي درساً، قبل أن يلقي خطبة، قبل أن يقابل مسؤولاً، قبل أن يجري عملية جراحية يستعين بالله.
والله سمعت عن طبيب، أنا أعجب بهذا التصرف، المريض على طاولة العملية، و يوجد سجادة صلاة في غرفة العمليات، يقوم الطبيب، ويصلي ركعتين، و يقول هذا الدعاء: يا رب، ألهمني الصواب، إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين.
 قبل إجراء عملية، قبل سفر، اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد.
 هذا الموضوع أيها الإخوة الكرام، النجاح والإخفاق يقتضي موضوعًا آخر، وهو لاصق أشد اللصوق بهذا الدرس، الله عز وجل صمم الكون على نظام السببية، فجعل لكل شيء سبباً:

 

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85)﴾

 

[ سورة الكهف ]

  فالأخذ بالأسباب ما موقعه في الشرع ؟ الحقيقة أن هناك من يأخذ بالأسباب، الغربيون يأخذون بها بشكل مذهل، ويعتمدون عليها بل، ويؤلهونها، فيقعون في الشرك الكبر، وأهل الشرق لا يأخذون بها فيقعون في المعصية، وكلا الفريقين خاطئ، الصواب أن تأخذ بها، وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.
 أمثلة: عندك سفر، يجب أن تراجع مركبتك مراجعة تامة، ضغط بالعجلات، المكابح، الأجزاء الأساسية في السيارة، الزيت، بعد أن تراجع المركبة مراجعة تامة تقول: يا رب، أنت الحافظ، أنت الموفق، أنت المُسَلِم، افتقرت إليك، سهل جداً أن تقيم مراجعة للسيارة تامة، وتنسى الله، وسهل جداً أن تتذكر الله، ولست مقيما للمراجعة، وكلا الموقفين خاطئ، الموقف الأول أخذت بالأسباب، و نسيت مسبب الأسباب، الموقف الأول اعتددت بهذه الأسباب، و اعتمدت عليها، و الغرب ألهها، لا تعتد بنفسك، افتقر إلى ربك، هذه واحدة.
 و الطرف الآخر لم يأخذ بها، يا رب، وفقني، هذا كلام فارغ، هذا الذي يدعو الله من دون أخذ بالأسباب يستهين بالدعاء، قال له: يا أخا العرب، ماذا تفعل بهذا الجمل الأجرب ؟ قال له: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطرانا.
 أيها الإخوة الكرام، وبالمناسبة دائماً التطرف سهل، مثلاً: إذا أخطأ ابنك، وتألمت منه ألماً شديداً تضربه ضرباً مبرحاً، هذه سهلة، و إذا أخطأ ابنك تسيبه أيضاً، سهلة، أما أن تؤدبه، ويبقى على محبة لك، وعلى هيبة منك، فهذه تحتاج إلى جهد كبير.
 دائماً الحالة المتطرفة فعلها سهل، ولا تحتاج إلى جهد، أما الحالة المتوازنة فصعبة.
 مثلاً: الأنبياء الكرام وصفوا بأنهم يعبدون ربهم خوفاً و طمعاً، الله عز وجل وصف ذاته العلية فقال:

 

﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾

 

[ سورة الرحمن: الآية 78]

  بقدر ما تحبه بقدر ما تخافه، لكن في حياتنا إنسان تحبه ولا تقدره، أي شخص له أم غمرته بحنانها، لكنها غير متعلمة، قال لها: يا أمي صعدوا إلى القمر، قالت له: معقول، لا يسع صغيرًا، أين سيقفون، مثلاً، لو أن شخصًا والدته قالت له: ليس من المعقول أن يصعدوا إلى القمر، إنه صغير جداً، لا يتسع لِرِجل شخص، مثلاً، فأنت ليس من المعقول أن تقدرها على هذا الكلام، ليست متعلمة، لكنها غمرتك بحنانها، فأنت تحبها، و لا تقدر علمها، وقد تقف أمام إنسان أستاذ في الجامعة، تقدره كثيراً، و لا تحبه، يقول لك: أسئلته صعبة جداً، لا يرحم، تقدره، و لا تحبه، لكن عظمة هذا الدين أنك إذا عرفت الله بقدر ما تحبه تقدره.
 أيها الإخوة الكرام، إذاً يوجد في حياة كل مؤمن درسان، درس بدر، و درس حنين، درس بدر تقول: الله، و اللهُ عندئذ يتولاك بالحفظ والتوفيق والتأييد والنصر.
 ودرس حنين، تقول: أنا، أو علمي، أو مكانتي، أو نسبي، أو اختصاصي، أو شهاداتي، أو أتباعي، أو من يلوذ بي، فيتخلى الله عنك، يقابل هذا الموضوع أن تأخذ بالأسباب، و كأنها كل شيء، و أن تتوكل على الله، و كأنها ليست بشيء، لكن من باب التحفظ حينما تأخذ بالأسباب في الأعم الأغلب تنسى الله، كل شيء مُؤَمَّن، تجد مفاجآت لم تكن في الحسبان، ممكن أن تتعطل الرحلة لأتفه الأسباب.
 وحينما لا تأخذ بها، وتتوكل تفاجأ أيضاً أن الله لم يستجب لك، لأنك لم تكن أديباً معه، لأنك أردت أن يخرق الله لك القوانين، من أنت حتى يخرق الله لك القوانين ؟
 فمن لوازم عبوديتك لله أن تتأدب مع قوانين الله عز وجل، شخص ضغطه خمس عشرة، عشرون، قال له الطبيب: لا تأكل ملحاً أبداً، ضع بالخرج، سم الله وكُلْ، الشافي الله، بقدر ما تدعو بهذه الأدعية البلدية تأتي أزمة، وتأتي جلطة، ويأتي خمسون مرضاً، يقول لك طبيب مختص بقوانين جسمك: الملح يسبب تجلط الدم، أوقف الملح، ضغطك عالٍ، عالج ضغطك، الشافي الله، وضع بالخرج، و لا تسأل، و يا شافي، و يا معافي، و تمسك تفاحة، ليست مغسولة، كل و سمِ، لا يضر مع اسمه شيء، هذه كلها تلبسة وشطحة.
 يجب أن تأخذ بالأسباب، و كأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله، و كأنها ليست بشيء، إن فعلت هذا نجحت، و النجاح مسعد، وإن لم تفعل، أي مع الدعاء لا يوجد أخذ بالأسباب لا يوجد إجابة.
 الآن أخذ بالأسباب، ولا يوجد دعاء، لا يوجد توفيق، هذا كلام دقيق، وهذا منهج تحتاجه كل ساعة.
 الآن إلى الحديثين: يقول عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه الإمام مسلم عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ.))

[مسلم]

  المتواضع محبوب.
 بعض الأمثلة: أنت لو أنك عالم، قلت: أنا طالب علم، ففيها أدب، هذا العالم الكبير في مصر عندما ذهب إلى بريطانيا ليجري عملية في عينيه، فجاءته رسائل بمئات الألوف، شيء يلفت النظر، فأجروا معه مقابلة بالإذاعة البريطانية، فقيل له: بما نلت هذا المقام ؟ ماذا يقول، اعتذر، فلما أصر عليه المحاور، قال له: لأنني محسوب على الله، أي لست جيداً، لكن أنا محسوب على الله، كل إنسان مربوط بجهة، هذا فلان، هذا من جماعة فلان، كل شخص مربوط بجهة أرضية، أما هو فقال له: أنا محسوب على الله، لا علاقة لي بالأرض، أنا محسوب على خالق السماوات والأرض.
يوجد أدب، وتواضع.
 كثير من المؤلفين يؤلفون كتاباً، يقول: فإن أصبت فمن توفيق الله، و إن أخطأت فمن تقصيري وجهلي، واللهِ هذا شيء جميل، المتواضع محبوب:
 انظر إلى الأكحال وهي حجارة لانت فصار مقرها في الأعين.
 كلما تواضعت زادك الله عزاً، وهذه قضية يسمُّونها علاقة عكسية، ليست طردية، العلاقة العكسية كلما خضعت لله أكثر رفع الله لك ذكرك، وكلما استعليت بأي شيء خفض الله لك ذكرك، فالحديث:

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

 يقابل هذا الحديث حديث آخر، أيضاً ورد في صحيح البخاري ومسلم معاً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ))

[متفق عليه]

  يوجد صفات خاصة بالإله، عندما تتقمص هذه الصفات تقصم، و كلما تألَّه عدوُّك افرح، لأن أمامه قصمًا.
 يوجد كثير من الكلمات فيها تألّه، اعتداد مع تألّه، و دائماً المتأله سوف يقصمه الله عز وجل.
 إخواننا الكرام، هذه قضايا أساسية في الحياة، وأنا أشعر من أعماقي أن كل واحد منا يحتاجها كل ساعة، الإنسان بين عمل، بين معالجة صحية، بين لقاء مع إنسان مهم، بين تقديم طلب، بين تعيين بوظيفة، بين إلقاء درس، بين ذهاب إلى طبيب، يوجد عنده حوداث كثيرة، فأنت حينما تفتقر إلى الله تضمن التوفيق والنجاح والتأييد والنصر، و حينما تعتد بمالك تفشل.
 قال له: إلى أين أنت ذاهب ؟ قال له: أريد أن أشتري حمارة، قال له: قل إن شاء الله، قال له: لماذا إن شاء الله ؟ الحمير كثر، والثمن معي في جيبي ؟ فسرق ماله، رجع، قال له: اشتريت ؟ قال له: لا، و الله سرق مالي إن شاء الله.
 إياك أن تعتد بنفسك، يوجد إنسان على أتفه سبب دُمر، وأي شيء قادم قل: إن شاء الله، لا تقل: إن شاء الله، كما يقولها عوام المسلمين، أي إذا أراد ألا يدفع يقول لك: إن شاء الله أدفع لك، وإذا أراد ألا يأتي إلى الموعد يقول لك: إن شاء الله، هذه إن شاء الله العامية، أما إن شاء الله القرآنية فمصمم أن يأتي، إلا أن يحاط بنا.

تحميل النص

إخفاء الصور