وضع داكن
28-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 087 - الاستغفار .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام:
 أستوحي أحياناً بعض الموضوعات من مشكلات الأخوة الكرام، فحينما يشتد الإلحاح على سؤال بعينه معنى ذلك أن هناك مشكلة عامة، فمن خلال بعض الأسئلة التي تتكرر وتتواتر أستوحي موضوعاً بهذا الدرس، أكثر من أخ يسألني إذا أذنبت ذنباً أتوب فإذا وقعت به ثانيةً ماذا أفعل ؟
ويبدو أن هذه ظاهرة منتشرة، أن يقع المرء بالذنب أكثر من مرة، فليأتوا بهذا الموضوع موضوعات ثلاثة تجيب عن هذا السؤال بشكل شاف إن شاء الله.
 أولاً: هذا الذي قتل تسعةً وتسعين نفساً والقصة معروفة عندكم، وسأل راهباً وقال له لا توبة لك فكمل به المائة، ثم سأل عالماً فقال له لك توبةٌ ولكن اخرج من هذه الأرض إلى أرض أخرى، ماذا أعطاه الثاني ؟ أعطاه شيئاً حاسماً في قطع أسباب الذنب.
 مادمت في بيئة سيئة، مادمت في مكان يعصى الله فيه، مادام حولك أناس يدعونك إلى المعصية، مادامت الإغراءات عالية جداً في مكان، العبرة لا أن تتوب من هذا الذنب تقع به غداً العبرة أن تبحث عن البعد عن أسباب الذنب، هذا موضوع دقيق جداً، حينما سهرت مع هؤلاء تورطت في بعض الذنوب إذاً ينبغي أن تبتعد عنهم، حينما خلوت بهذه الموظفة سولت لك نفسك أشياء لم تكن تفعلها من قبل، إذاً ينبغي أن تبتعد عن الخلوة بامرأة لا تحل لك، حينما تنزهت في المكان الفلاني طاش بصرك يمنة ويسرة لأن فيه من الحسناوات الكثيرات مثلاً.
 حينما تعاملت مع فلان في علاقة مالية مالت نفسك إلى أن تأخذ ما ليس لك لأنه يفعل هكذا هنا تسهر في مكان معين وترى أنك تنسى واجباتك الدينية مع هؤلاء لأنهم بعيدون عن الله عز وجل...إذا قلت لي أنا أكرر الذنب أقول لك ابحث عن أسباب الذنب وابتعد عنه.
 حدثني أخ جزاه الله خيراً، قال لي: أنا عندي معمل بسيط فأقنعني الناس أن المرأة راتبها أقل من العمال ولا تسرق مصلحتك إلى جهة أخرى، فجاء بفتيات، قال لي: دون أن أشعر أنا معهم كل يوم ابتعدت عن الله شيئاً فشيئاً ضعفت صلاتي، أخرت صلاتي، انقطع ذكري، أنكرت قلبي، فتشكى إلي مرةً، فقلت له: هناك أسباب للذنب مستمرة ينبغي أن تقطعها، وهذا الرجل أنا أثني عليه والله أخذ موقف آخر وبدل جنس الموظفين ودفع أكثر بكثير، ويوجد مع الشباب متاعب أكثر بكثير لكن سلم صدره، وارتاحت نفسه، واصطلح مع ربه، وعادت له أحواله وصلاته، وإقباله وتألقه.
 العوام يقولون: الإنسان حكيم نفسه. من أي جهة يأتيك منه قلق أو بعد عن الله ينبغي أن تستأصلها، أن تبتعد عنها، يمكن أن تكتب قائمة سوداء، هذا الشخص لن أصاحبه، هذا المكان لن أذهب إليه، هذا اللقاء لن أكرره، هذه الخلوة لن أعيدها، الذهاب إلى هذا المكان لن أفعله، أنت حكيم نفسك.
 المكان الذي عصيت الله فيه، أو البيئة التي عصيت الله فيها، الإغراءات التي خضعت لها، أو التهديدات التي خفت منها فعصيت الله عز وجل، ينبغي أن تبتعد عنها، والإنسان حكيم نفسه.
 هذا أول استنباط دقيق جداً حينما قال له الراهب ليس لك توبة كمل به المائة أما العالم قال له لك توبة ولكن لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية.
 سبحان الله أماكن المعصية محزنة، وأماكن الطاعة مفرحة، لو أن رجلاً جلس مع إخوانه في مكان متواضع جداً وصار نوع من السرور والتألق يغدو هذا المكان جنة، ولو كان في أفخر مكان وأغلى مكان وعصى الله فيه يغدو هذا المكان جحيماً، فالعبرة أن تعيش مع المؤمنين أن تعيش في بيوت الله، أن تكون أجواؤك أجواء إيمانية، في موضوع سابق تحدثت لكم عن أن أول علاجٍ لضعف الإيمان أن تحيط نفسك بأجواءٍ لا إيمانية، المسجد جو إيماني، أخ مؤمن بيته إسلامي لن تدخل عليك امرأته كي تسلم عليك وهي في أبهى زينة، لو جلست في مطعم لن ترى امرأة كاسيةً عارية، إذاً أقم الوليمة في بيتك أو اطلب أن تقام الوليمة في البيت، جو طاهر مريح، الأماكن العامة موبوءة فيها تفلت، وفيها شيء محرم، فيها شيء يغضب الله عز وجل فأنت مهما أخذت احتياطات قد تنظر إلى امرأة، أو تستمع إلى أغنيةً، أو تشهد مشهداً يثير غرائزك، لا أنت المكان الذي يعصى الله فيه ابتعد عنه من أجل أن لا تقول أنا كررت الذنب ماذا أفعل ؟ والحقيقة سؤالك وجيه إنك كلما كررت الذنب وجدت التوبة أصعب، والحجاب بينك وبين الله أكثر، ومشروع التوبة شاق، أهون توبة أول توبة لكن الثانية أصعب وقد يأتي وقت لا تستطيع أن تتوب وقد يأتي وقت تنقض التوبة كل يوم مائة مرة وصار الطريق مسدوداً، في مثل هذه الحالة لابد من أن تبتعد عن سبب الذنب.
 أيها الأخوة:
 مرةً ثانية إن كانت صحبة فلان واللقاء معه فالأولى أن تتركه، إن كانت الخلوة والوحدة قد يقع الإنسان بذنب وحده ويوجد ذنوب كثيرة يقع بها الإنسان لوحده إذاً ينبغي أن يخفف قدر المستطاع من الوحدة مثلاً، إن كان رؤية ما تبثه الفضائيات سبب لنقض التوبة ابتعد عنها كلياً، الله سبحانه وتعالى أغلى، الله وعدك بجنة عرضها السماوات والأرض لا شيء قي الدنيا يعدل طاعة الله عز وجل، إن كان السير في طريق معين يلفت نظرك إلى الغاديات والرائحات ابتعد عن هذا الطريق سر في طرق فرعية، هذا المؤمن، المؤمن يجاهد نفسه وهواه.

((عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[مسلم، الترمذي، أحمد ]

  إذا كان بالتفكير أعصي الله، أفكر في معصية وأسترسل في هذه الخواطر إلى أن أشتهي أن أفعلها إذاً دعك من هذه الخواطر، مثلاً من الأدلة التي تؤكد هذه الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

 

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَر))

 

[ البخاري، مسلم، أبو داود، أحمد ]

  من خلال هذين الحديثين الشريفين يتضح أن الهروب من أسباب المعصية هو ضمان أن لا تعود إلى المعصية ثانياً، أما إذا كنت في بيئة منحرفة ومع أصدقاء فاسدين وفي جو موبوء بالشهوات، وفي مكتبة مفعمة بالمغريات، وفي أجهزة تسبح بالأغنيات، وفي محطات تكشف لك عن ما يجري في نوادي الليل، فأنت مع هذه البيئة الموبوءة لن تستطيع أن تحكم استقامتك بل كثيراً ما تنقض توبتك، هذه القضية واضحة.
 قرأت كلمة لسيدنا عيسى عليه السلام أن الشريف ليس الذي لا يقترف ذنباً أو لا يقترف خطيئةً ولكن الشريف الذي يهرب من أسباب الخطيئة.
 لكن لو أن مؤمناً وقع في الذنب ثانياً بماذا نجيبه ؟ قلنا له أولاً ابتعد عن أسباب هذه المعصية، إن ابتعدت عن أسباب هذه المعصية في الأعم الأغلب ان الله سبحانه وتعالى يعينك على نفسك، في شيء آخر توحيدي، قال تعالى:

 

﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

 

[ سورة يوسف ]

  يجب أن تستعين بالله على الاستقامة، لا أن تعتد بنفسك وبإرادتك، كل إنسان اعتد بنفسه كأنه وقع في شرك خفي، الله جل جلاله ربما يضعف له مقاومته تأديباً له، إاذ كان نبي كريم كسيدنا يوسف يقول: وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فالأمر بديهي جداً أن تستعين على طاعة الله بالله.

 

 وقرأت في شروحات بعض الأحاديث أن معنى لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا حول عن معصية الله إلا بالله ولا قوة على طاعته إلا به. يارب اعصمني من أن أخطئ، يا رب اهدني سبيل الاستقامة لا أحيد عنها أبداً، اهدني لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، هذه الاستعانة تعطيك مقامة كبيرة جداً، ولقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾

[ سورة هود الآية: 114]

 وبعد هذا نقول له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

((عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْب))

[ البخاري، مسلم، أحمد ]

  معنى الحديث: ليس لنا إلا الله نتوب ألف مرة، والمؤمن مذنب تواب، الأولى أن تدع أسباب الذنب، والأولى أن تستعين بالله على ترك الذنب والأولى أن ترمم التوبة الثانية بصدقة وحينما تقع بالذنب مرة ثانية ليس لك إلا أن تتوب إلى الله لا يوجد طريق ثان، تصوروا أن الله لن يفتح باب التوبة ما الذي يحصل ؟ الإنسان من أقل ذنب يفجر لا يوجد أمل يأس، ولكن الله عز وجل بفتح باب التوبة أصلح من عباده أعداداً لا يعدون ولا يحصون، قال تعالى:

 

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 27]

 بل:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 222]

  حديث آخر:
((عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحدنا يذنب قال: يكتب عليه، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، فقال: يغفر له ويتاب عليه، قال: فيعود ويذنب قال: فيكتب عليه، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: يغفر له ويتاب عليه، قال: فيعود فيذنب، قال: يكتب عليه، وإن الله لا يمل حتى تملوا))
 هل يوجد غير الله عز وجل ؟ أنا أعطيك العلاج الأولي، لكن بعد هذا لا يوجد غير الله، تتوب إلى الله مرة واثنتين وأربعة، وكل عدد التوبات من ذنب واحد قل يرتاح أكثر، حينما ترتقي نفسك إلى مستوى الشرع، حينما يكون هواك تبعاً لما جاء به النبي هذه مرتبة عالية جداً حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((نعم العبد لو لم يخف الله لم يعصه ))

  هذا شيء راقٍ جداً أنت في مستوى الشرع طاقت نفسك إلى الفضائل تمقت الرذائل، يعني يجب أن تصل إلى درجة لو يكن هذا العمل محرماً لا تفعله شيء ثابت وهذه أعلى مرتبة،

 

(( نعم العبد لو لم يخف الله لم يعصه ))

 ارتقت نفسه إلى مستوى الشريعة فصار هواه تبعاً لما جاء به النبي، يعني هواه في العفة، هواه في صحبة الأكابر، هواه في ضبط اللسان، هواه في غض البصر، هواه في قول الحق، هواه في التواضع، يفعل هذا لا عن جهاد ومشقة بل عن طيب نفس ومسرة.

 

(( خياركم كل مفتن تواب، قيل فإن عاد، قال: يستغفر الله ويتوب، قال: فإن عاد، قال: يستغفر الله ويتوب، قيل حتى متى ؟ قال سيدنا علي حتى يكون الشيطان هو المدحور))

 يوجد نقطة مهمة:

 

 

﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 17]

  إذا طال عليك الأمد بالذنب يصبح عادةً ومن أصعب الحالات ترك العادات، ليتوبوا من قريب أما إذا طال عليهم الأمد قست قلوبهم فأصبح كالحجر الأصم، العبرة أن تتوب من قريب الآن، كلكم يعلم أن لك يوماً مشهوداً هو هذه الساعة، ويوماً مفقوداً هو الماضي، ويوماً موعوداً هو الموت، ويوماً موروداً هو يوم القيامة، ويوماً ممدوداً هو الخلد في الجنة أو النار. أنت بين يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود، أخطر هذه الأيام على الإطلاق اليوم المشهود الذي أنت فيه، هذا يحدد أيامك القادمة.
 وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ويستغفر، ثم يعود، فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلا تملوا من الاستغفار.
 الشيطان يدفع عليها ملايين أن تيئس من رحمة الله، أن تنصرف عن التوبة، أنا لا أتوب، هذا الذي يتمناه الشيطان، خيب ظنه وتب إلى الله عز وجل.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يقول في خطبته: أيها الناس من لم يذنب فليستغفر الله وليتب فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا في أعناق الرجال وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها.
 الحقيقة أرجى آية في القرآن الكريم على الإطلاق هي:

 

﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة الزمر: الآية 53]

  والله يا أيها الإخوة: التائب يشعر براحة والله لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، يشعر بخفة.
 قلت لهم البارحة أني كنت في مطار أمستردام، في بطاقة الصعود إلى الطائرة مكتوب الفرع رقم واحد، ويوجد خمسة فروع وكل فرع تقف به مائة طائرة، فخطر في بالي أن هذه بوابات خروج وأيضاً لكل إنسان بوابة خروج لا يوجد إنسان إلا وله بوابة يخرج منها من الدنيا، هذا يخرج بحادث، وهذا بالدماغ، وهذا بالقلب، هذا بالأعصاب، هذا بالكليتين، هذا بالكبد، هذا مثلاً بالورم الخبيث، لا يوجد أحد ليس له بوابة، إذاً من هو المؤمن ؟ يموت مثل الناس، ببوابة كذلك، تجد عالماً كبيراً معه مرض معين نقله إلى الدار الآخرة، الذي تكلمته البارحة أن بطولة المؤمن أن يجعل هذه البوابة التي لابد منها بوابة إلى الجنة، أما بوابة الكافر إلى النار، هذا المعنى أنه كلما أذنبت ينبغي أن تتوب، هل هناك آية تؤكد هذا المعنى ؟ طبعاً أرجى آية قوله تعالى:

 

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة الزمر: الآية 53]

  لكن هنا الآية:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 135]

  ذكروا رحمته و ذكروا عفوه و ذكروا مغفرته و ذكروا محبته، ورد ببعض الآثار أن:
 يا داود لو يعلم المعرضون انتظاري لهم و شوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي و لماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي في المعرضين فكيف بالمقبلين ؟
 إن علمت أن لك رباً يحبك و يرحمك و يعفو عنك و يغفر لك و يقبل توبتك ينبغي أن تتوب:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 135]

  الجريمة أن تصر على ذنبك:

 

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 206]

  و كل إنسان لا يتعظ من مصيبة أراد الله أن تحمله على التوبة فنفسه أكبر مصيبة.
 من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر مصيبته في نفسه أكبر بكثير، النعمان بن بشير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر قوله تعالى:

 

﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 195]

  من ألطف تفسيرات هذه الآية: أي إذا أذنب أحدكم فلا يلقين بيده إلى التهلكة و لا يقولن لا توبة لي، إن قال المؤمن لا توبة لي فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، أنا بهذا الكلام لا أشجعكم على تكرار الذنب لا سمح الله و لكن أطلب منكم أن لا تيئسوا و لو أعدت الذنب مرتين و ثلاثة ليس لك إلا الله، أي و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إذا أذنب أحدكم فلا يلقين بيده إلى التهلكة و لا يقولن لا توبة لي، و لكن ليستغفر الله و ليتب إليه فإن الله غفور رحيم.
 و عن البراء قال له رجل يا أبا عمارة: ما معنى قوله تعالى:

 

﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة(195)﴾

 

  أحد الصحابة سئل أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل ؟ قال: لا، و لكنه الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفره الله لي، يوجد شخص هداه الله بالزمن القديم يطوف حول الكعبة و يقول: ربي اغفر لي ذنبي و لا أظنك تفعل، فقيل له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله، قال: ذنبي عظيم، قال: ما ذنبك ؟ أي المؤمن انظروا يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً هذا عمل كبير، قال له: ما ذنبك ؟ قال له: كنت في حملة لقمع فتنة فلما قمعت أبيحت لنا المدينة فدخلت بيتاً من بيوتها فرأيت فيه رجلاً و امرأة وولدين فقتلت الرجل و قلت لامرأته أعطني كل ما عندك، أعطتني كل ما عندها، فقتلت ولدها الأول فلما رأتني جاداً في قتل الثاني أعطتني درعاً مذهبة ـ من الذهب ـ غالية جداً، أعجبتني قرأت عليها بيتين من الشعر فلما قرأتهما وقعت مغشياً علي، البيتان:
إذا جـار الأمير و حاجبـاه             و قاضي الأرض أسرف في القضاء

فويــل ثم ويـل ثم ويـل             لـقاضي الأرض من قاضي السماء

 أي الله عز وجل بطشه شديد، و الله قبل أشهر رجل من أهل العلم متواضع أخطأ بقيادة مركبته فاصطدم بسيارة فكتب ورقة أنه أنا فلان الفلاني، قال له: الله يحميني منك، قال له: دع الله يخلصك مني، لم يمض أربع و عشرون ساعة حتى أصيب بحادث فأصبح مشلولاً بأربعة أطرافه، لا يزال الآن، فالذي عالجه حدثني أي طبيبه، أربعة أطراف و ذهب نطقه، ما هذا الكلام ؟

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)﴾

[ سورة البروج ]

  فأنت إياك أن تقول كلمة فيها تطاول على الله، قال: يا أبا عمارة ما معنى قوله تعالى:

 

﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة(195)﴾

  أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل ؟ قال: لا، و لكنه الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفره الله لي، يوجد شخص آخر يطوف حول الكعبة قال له يا ربي هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي قال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: يا سبحان الله من أنت ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عن الله و أنا أتمنى رضاه ؟ ما هذا الكلام ؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، أي إذا عندك إمكان أن ترضى بقضاء الله و أن تقبله، و الله أعرف رجل أصيب بمرض خبيث في أمعائه كان صديقاً لي، و قد توفي رحمه الله، بقي سنتين، تقسم بالله زوجته أنها ما سمعت منه في السنتين كلمة تأفف، إلا ربي لك الحمد أنا راضٍ عنك، هذه أكبر درجة، حينما تأتي مصيبة تقول يا ربي لك الحمد أنا راضٍ يا رب.
 انظر موقف النبي عليه الصلاة و السلام:

 

 

(( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، و لك العتبة حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع ))

  و يقول سعيد بن المسيب في قوله تعالى:

 

 

﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 25]

  أي هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، ليس لنا إلا الله.
 وعن وهب بن جرير عن أبيه قال: كنت جالساً عند الحسن إذ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب ؟ قال: لم يزدد بتوبته من الله إلا دنواً، أذنب وتاب معنى ذلك طلب من الله، ثم قال: ثم عاد في ذنبه ثم تاب، قال: لم يزدد بتوبته إلا شرفاً عند الله، ثم ذكر حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم ثم قرأ:

 

﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾

 

[ سورة الأعراف: الآية 201]

  أي كلما تبت توبة ارتفع مقامك عند الله، هذا الحق، حتى أكون معكم واقعياً ليس من السهل أن تتوب من الذنب مرة ثانية، التوبة الثانية صعبة و الثالثة أصعب بكثير، و الرابعة أصعب بكثير جداً فكل بطولتك ألا تعود، ولكن إذا عدت ماذا تفعل ؟ الجريمة أن تيأس من الله:

 

﴿إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 87]

  القنوت واليأس من رحمة الله جريمة، أقول لكم أيها الإخوة طالما القلب ينبض باب التوبة مفتوح، إذا كان في العمر بقية.
 أخت كريمة تحضر معنا من عام أربع وسبعين ولا تزال فيما أعتقد لها بنت وصهر ليسوا على ما يريد الله عز وجل بل إن صهرها ملحد، والأم أم تدعو ابنتها إلى دروس الأحد هذه القصة قديمة جداً منذ عشرين عاماً، بعد إلحاح طويلٍ طويل أرادت البنت أن ترضي أمها إرضاء فقط حضرت مرة واحدة، وكان عندنا هنا قاعدة قديمة مهدمة متداعية، ولا يوجد غيرها في ذلك الوقت والنساء يجلسن هناك، فلما دخلت ابنتها إلى قسم النساء فرحت الأم فرحاً لا حدود له لأن الله هدى ابنتها، والبنت جاءت مرة واحدة لترضي أمها وهي لا تعبأ بشيء أبداً، ثم جاء زوجها وحضر معنا حضر درسين فقط يوم الأحد ثم وافته المنية، يروي أولاده هو محمول إلى المستشفى في أزمة قلبية قال لهم: كل شيء سمعتموه مني باطل والحق هو الذي سمعته في هذين الدرسين.
 أنا والله دهشت من هذه القصة، إنسان قضى عمره في الإلحاد ويبدو أنه مفكر ورأى كلامي حق، حضر درسين فقط ووافته المنية ولعل الله تاب عليه، الصلحة في لمحة يا أيها الإخوة.
 الآن آخر فقرة في الدرس وأرجو أن لا تطول، أول فقرة ينبغي أن تبتعد عن أسباب الذنب، وأن تستعين بالله على الاستقامة، وأن تحدث عند كل ذنب توبة، ولو تعددت.
 الآن دوام الاستغفار يقول الله عز وجل على لسان سيدنا نوح:

 

﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾

 

[ سورة نوح: الآية 28]

  سيدنا نوح قال:

 

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾

 

[ سورة هود: الآية 47]

  أذكر لكم آيات من القرآن الكريم، الأنبياء يستغفرون كل يوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة))

  هنا يوجد معنى جديد ما كل استغفار من ذنب، النبي الكريم يستغفر الله في اليوم أكثر من مئة مرة، إذاً ما كل استغفار ذنب، سيدنا موسى:

 

 

﴿إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 16]

﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 151]

  سيدنا إبراهيم:

 

﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾

[ سورة إبراهيم: الآية 41]

  إذاً الاستغفار هو من شأن الأنبياء فمن أنت ؟ من شأن الأنبياء العظام.
 قال العلماء: الاستغفار له مواضع أول مواضعه عند الذنب، وهو أكد هذه المواضع، اعتراف بالذنب وطلب للتوبة، وسؤال الله أن يمحو أثر هذا الذنب، قال تعالى على لسان سيدنا آدم:

 

﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾

 

[ سورة الأعراف: الآية 23]

  سيدنا موسى وكزه فقضى عليه:

 

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 16]

  وسيدنا يونس لما ذهب مغاضباً قال تعالى:

 

﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 87]

  والله عز وجل يقول:

 

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾

 

[ سورة النساء: الآية 110]

  والآية التي قلتها قبل قليل:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 135]

  يقول عليه الصلاة والسلام للسيدة عائشة:

 

(( عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الذَّنْبِ النَّدَمُ وَالاسْتِغْفَارُ))

 

[البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

  وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ))

 

[ الترمذي، ابن ماجة، أحمد ]

  الآن عندنا موقع ثاني، الاستغفار عند الذنب الآن تفاجأون ومتى ؟ وبعد كل طاعة، صليت ماذا تقول ؟ أستغفر الله العظيم لعلك لم تؤدها كما ينبغي، لعلك قصرت فيها، لعلك شردت فيها، لعله جاءتك خواطر فيها، لعلك أسرعت فيها فهذه موطن آخر بعد الطاعة.
 كان عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السلامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجلالِ وَالإِكْرَامِ ))

 

[ مسلم أبو داود، ابن ماجة، أحمد، مسلم ]

  بعد الفراغ من الحج قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 199]

 وبعد الفراغ من الوضوء، وبعد الفراغ من قيام الليل، قال تعالى:

 

﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 17]

﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾

[ سورة الذاريات ]

  وبعد النصر، قال تعالى:

 

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)﴾

 

[ سورة النصر ]

  الإنسان لا يأتيه العجب أو التيه، أيام يحقق نجاح فيتكلم كثير، يقول أنا فعلت هكذا... أصبح عنده عجب في نفسه ونسي الله عز وجل، أنت بحاجة إلى أن تستغفر عقب النجاح، يوجد نجاح مهم جداً ودخل الناس في دين الله أفواجا فسبح، دخل مكة فاتحاً صلى الله عليه وسلم فاستغفر الله عز وجل.
 أحد العلماء يقول: أرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفاراً بعد الطاعات لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه وأنه لولا الأمر لما أقدم أحد على مثل هذه العبودية.
 أولاً عند الذنب
 ثانياً عقب الطاعات كالصلاة والصيام والحج والزكاة.
 ثالثاً في الأذكار اليومية الراتبة.

 

(( عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد ]

 عقب الصلاة، عقب الخروج من البيت، الدخول إلى البيت....
 رابعاً: الاستغفار في كل وقت وحين يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ))

 

[ مسلم، أبو داود، أحمد ]

(( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً))

[ البخاري، الترمذي، ابن ماجة، أحمد ]

 أيها الإخوة الكرام:
 من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إن الله ليعجب من العبد إذا قال لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))

  أرجو الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يلهمنا أن نستقيم على أمره فإذا أذنبنا أن نتوب إليه مرة ومرتين... وأن نجعل الاستغفار دائماً في حياتنا.

 

تحميل النص

إخفاء الصور