وضع داكن
25-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 076 - الرحمة بالأولاد .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس:

(( عن أبو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ: الأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ ))

 أيها الأخوة: الأقرع بن حابس كان فيما ترويه الكتب رجلاً غليظ الطبع قاسي القلب قد استغرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل الحسن ابن علي بن أبي طالب وذكر أنه لم يقبل واحداً من أولاده فرد عليه النبي برواية أخرى أبلغ رد قال له:

 

((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَة))َ

 

 محور هذا الدرس الرحمة بالأولاد بعض الحكماء قال: ذهبت ملذات الدنيا إلا ثلاثة، شم الصبيان، وقيل لآخر من أحب أولادك إليك قال صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يبرأ وغائبهم حتى يحضر.
وقال الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى: أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، وإن لم يسألوا فبدئهم ولا تنظر إليهم شذراً فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك.
 أيها الأخوة: أحد أكبر نجاحات الإنسان في الحياة أن يستميل قلب أولاده إليه وأحد أكبر نجاحات الإنسان في الحياة أن يحدث في أولاده تأثيراً واضحاً بفضل توجيهه وقدوته ورعايته وبذله وعطائه، وكان السلف الأولون من عظماء الصحابة والتابعين يداعبون أطفالهم ويتصابون لهم وهناك أدلة كثيرة وشواهد غزيرة في هذا الموضوع لكن أردت أن يكون محور هذا الدرس الرحمة بالأولاد إلا أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ذكر في تربية الأولاد من كتاب الإحياء طرفاً صالحةً وأفرد ذلك في بعض الكتب ومن كلام الغزالي ومحور هذا الدرس فصل في إحدى كتب الغزالي عن تربية الأولاد نظراً لأهميته البالغة أردت أن أشرحه لكم وأجعله محور هذا الدرس.
  يقول: مهما رأى فيه ـ أي في ابنه ـ مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته، مراقبة الولد أحد أكبر مهام الأب، المراقبة لأن الغفلة قد تسبب انحراف، مراقبة أبناءكم جزء من عبادة ربكم، والمراقبة تحتاج إلى جهد، إلى يقظة، إلى سهر أحياناً، إلى انتظار، تأخر انتظره حتى يأتي، اسأله مع من كان، أين كان، ماذا يفعل، المراقبة تحتاج إلى جهد، ورد في الأثر أنه: لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه.
الأبوة مسؤولية، الأبوة رسالة، الأبوة جهد مبذول هذا الذي يتزوج ويبحث عن راحته، وعن استرخائه، وعن استجمامه، وعن النزهات وعن سفره، دون أن يرعى من أوكله الله بهم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))

 الذي يضيع من يقوت ليس من أمة النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً هو يقيتهم، ويطعمهم، ما نفى عنه النبي الإطعام، يطعمهم لكنه ضيعهم مع ربهم، ضيعهم في أمر دينهم، ضيعهم ما علمهم، ضيعهم ما أخذهم معه إلى المسجد، ما لقنهم دروس العلم، قال: ينبغي أن يحسن مراقبته وأول ذلك ظهور أوائل الحياء، يعني الذي عنده ابن وفيه بوادر حياء فليستبشر لأن الحياء من الإيمان، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر، لما تلاحظ أن ابنك يستحي أن يخلع ثيابه أمامك، يستحي إذا دخل عليك وأنت تخلع ثيابك، تبدلها إذا كان يستحي فهذه بادرة طيبة، والحياء من الإيمان وأذكركم أن الخجل عيب وأن الحياء فضيلة، الخجل أن تخجل أن تطالب بحق، الخجل أن تضطرب فلا تستطيع أن تتكلم بين الناس، الخجل مرض نفسي لكن الحياء فضيلة، والدين كله حياء، وهذا الذي يقول لا حياء في الدين يجب أن يعيد النظر في هذه المقولة، لا حياء في الدين اسأل عن كل شيء لأنك إن سألت عن أشياء محرجة وعرفت الحكم الشرعي أفضل ألف مرة من أن تجهلها وأن تقترف الحرام، قضية متعلقة بالغسل، قضية متعلقة بالجنابة، قضية متعلقة بالعلاقة الخاصة بين الزوجين، قضية متعلقة بأشياء يستحي الإنسان أن يبديها هذا نقول لك فعلاً لا حياء في الدين، يعني اسأل، أما لا حياء في الدين أن تسمي الأشياء بمسمياتها وأن تجعل محور الدعوة إلى الله الحديث عن هذه العلاقات وأن تمزح مزاحاً غليظاً متعلق بعلاقة المرأة بالرجل تحت غطاء لا حياء في الدين، ساعة ئذٍ نقول لك الدين كله حياء، لذلك وهذه قاعدة أنت إذا رأيت من صديق لك حياءً فاستبشر ودله على الله وخذ بيده وعاونه لأن الحياء من الإيمان، الذي يستحي من الناس ويستحي من الله هذا إنسان فيه خير كبير
 قال: فإن كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل حتى يرى بعض الأشياء قبيحاً وبعض الأشياء مخالفاً للبعض، يعني إذا أنت وجدت من ابنك حياء يستحي أن يكذب، يستحي أن يبدو في شكل لا يرضي، يستحي أن يرتكب شيئاً نهى عنه الشرع فهذه علامة طيبة، لذلك كثير من الآباء، أصلحهم الله يضعفون روح الحياء في أبنائهم، يقحمه إقحاماً في الاختلاط، يدفعه إلى أن يخلو في بيت مع قريباته، لا تخاف، هذا الأب الذي يظن أن هذا تقوية لشخصية الطفل هو يدفعه إلى حقل ألغام وهو لا يدري، لذلك إذا وجدت من ابنك مخايل الحياء فنمي هذا، ومهمة الأب المربي دائماً أن ينمي الجوانب الإيجابية في حياة ابنه، دائماً الأشخاص نوعان، شخص يبحث عن الكمال وينميه، وشخص يبحث عن النقيصة ويضخمها، فأهل الدنيا وأهل الفجور والعصيان في كل علاقاتهم الاجتماعية وفي كل لقاءاتهم يبحثون عن النقيصة ويضخمونها، بينما المؤمن يبحث عن الجانب الإيجابي في حياة كل إنسان.
هذا الذي دخل إلى المسجد ليدرك مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى وأحدث جلبةً وضجيجاً حتى أنه شوش على الصحابة صلاتهم ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام:

 

((عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ))

 رأى في ذلك حرصاً، وتعلمون جميعاً أن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام رأى جيفةً مع أصحابه فقال أصحابه ما أنتن ريحها، فقال عيسى عليه السلام بل ما أشد بياض أسنانها، هذه القصة لها مغزى، لا يوجد إنسان لا يوجد عنده ميزة إطلاقاً، فالمربي الناجح يأخذ هذه الخصلة الحسنة ويثني عليها وينميها، ويتغافل عن الخصال الأخرى بهذه الطريقة يحبك الذين حولك، أما إذا نصبت نفسك قاضياً ووصياً وحاكماً وقامعاً لهم ينفرون منك، شيء آخر، اللهم صلي على رسول الله، قال له ربنا عز وجل:

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

 

( سورة آل عمران )

 لين النبي مع من حوله ما سببه بنص هذه الآية ؟ لين الجانب، لين العريكة، التسامح، التساهل، التغافل، العفو، عدم التدقيق، تنمية الفضائل، الغفلة عن النقائص، هذا الموقف اللين من النبي عليه الصلاة والسلام ما سببه ؟ الباء للسببية، فبما رحمة من الله لنت لهم، لذلك هذا الأقرع بن حابس الذي قال:

 

(( الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ: الأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ ""... فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَة))َ

 معنى ذلك اللين لا يفسر بالذكاء فقط، لا يفسر بالحكمة فقط، لا يفسر بالكياسة فقط، اللين يفسر بالرحمة، فالقلب الرحيم هو الذي يجعل الإنسان لين الجانب، لين العريكة، يألف ويؤلف فالمؤمن كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: يألف ويؤلف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف.
 النبي عليه الصلاة والسلام كان عبقرياً في قلب أعدائه إلى أصدقاء، دخل عليه رجل قال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا ـ ألا ترون هذا في منتهى الوقاحة أن يخاطب نبياً مرسلاً يأتيه الوحي، يقول له ائذن لي بالزنا والزنا فاحشة عند الناس جميعاً ـ فقال إليه أصحاب النبي، فقال: دعوه اقترب يا عبد الله، قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لأمِّكَ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأمَّهَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأخْتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ))

 تألفه، هذا الذي أعطاه النبي ما أعطاه وقال يا هذا: هل أحسنت إليك قال: لا والله ولا أجملت، فقام أصحاب النبي، فقال: دعوه، زاده عطاءً فقال له: هل أحسنت إليك، قال: نعم جزاك الله عني خيراً، فقال عليه الصلاة والسلام: قل لأصحابي ما قلت لي لكي لا يجدوا عليك في أنفسهم، فقال: إن هذا يزعم أنه قد رضي أهكذا يا أعرابي، قال: نعم، قال النبي الكريم: مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل ناقة جمحت فتبعها أناس فزادوها نفوراً، أنا جئتها بطعام وقربته إليها حتى تألفتها، لو تركتم وشأنه لأهلكتموه ولقي الله عز وجل عاصياً.
 فكان عليه الصلاة والسلام عبقرياً في قلب أعدائه إلى أصحاب، صفوان ابن أمية، عمير بن وهب جاء إلى المدينة ليقتل النبي، وسقى سيفه سماً وركب ناقته وتوجه إلى المدينة رآه عمر قال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً قيده بحمالة سيفه وقاده إلى النبي، قال: يا عمر أطلقه، فأطلقه، قال: يا عمر ابتعد عنه فابتعد عنه، قال: يا عمير ادنو مني فدنا منه، قال: ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال له سلم علينا، قال: عمت صباحاً يا محمد، قال: قل السلام عليكم، قال له: لست بعيد عهد بسلام الجاهلية، بمنهى الفظاظة، قال له: ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال جئت أفدي ابني، قال: وهذه السيف الذي على عاتقك، قال: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر، قال: ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني وأولاد أخاف عليهم العنت لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، وقف عمير وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله وأنت رسول الله.
يوجد عشرات القصص كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام استطاع أن يتألف قلوب أعداءه، يوجد أناس يجعلون أصدقاءهم أعداءً، بالمناسبة أخوانا الكرام دققوا في هذه الكلمة، إذا كنت صاحب معمل، مدير ثانوية مدير مستشفى، يعني لك منصب قيادي، معلم مدرس، قاضي أي منصب قيادي، عشرات التصرفات، بل بضع عشرات التصرفات الذكية جداً، بمجملها قد تشد الإنسان إليك، وتصرف واحد أحمق يبتعد عنك بعد الأرض عن السماء، وإذا ممكن أن تدقق في العلاقات الاجتماعية تجد أن أكبر العداوات سببها كلمة واحدة، إخلاف موعد، استهزاء، نظرة فيها شزر، ابتسامة ساخرة، جلسة فيها استعلاء، كلمة نابية، كلمة قاسية تجريح، أنا أعني ما أقول ألف تصرف ذكي يشد الإنسان إليك وتصرف واحد أحمق يبتعد عنك بعد الأرض عن السماء لذلك أحياناً تفسخ شركات، تطلق نساء، تهدم بيوت، تقوم حروب بين الدول يوجد حروب أساسها كلمة نابية من سفير إلى ملك في أوربا، حرب بقيت سنوات طويلة، حروب في الجاهلية رجل مد رجله وقال: من كان أشرف مني فليضربها، فقام رجل وضربها، عشر سنوات بقيت الحروب بين القبيلتين

الإنسان في تصرفات كثيرة جداً ذكية جداً حانية جداً راقية جداً حكيمة جداً تشد الناس إليك، تصرف أحمق واحد تبعدهم عنك بعد الأرض عن السماء، قال تعالى:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

 

( سورة البقرة )

 الحقيقة ليس القصد أن تشد الناس إليك لتكون لك جماعة، لتتقوى بها، لتشعر بالتيه والزهو، إذا قلت هؤلاء جميعاً أتباعي، لا هذه من الدنيا أيضاً، من تعلم العلم ليصرف وجوه الناس إليه فليتجهز إلى النار، ولكن أنت عندما تشد الناس إلى الكمال تكون قد أعنت على دينهم، تشد الناس إلى طاعة الله هؤلاء الذين يمسكون بالكتاب، هؤلاء هم خاصة أهل الله عز وجل، يعني يحملون الناس على التمسك في هذا الدين، فيا أيها الأخوة: الآية دقيقة دقيقة، قال تعالى:

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

 

(سورة آل عمران )

 إذاً لينك ولين عريكتك سهل الخلق تألف وتؤلف هذا ليس بسبب ذكائك ولا بسبب حكمتك، لا، هذا بسبب رحمتك، هكذا القرآن الكريم، رحمة استقرت في قلب المؤمن من آثارها لين الجانب، لو الإنسان كان بعيداً عن الله كلما ابتعد عن الله قسا قلبه ومع قساوة القلب تظهر الفظاظة في السلوك، الفظاظة في السلوك هي المظهر المادي لقساوة القلب، كيف أن الحب في القلب كامن، المودة تجسد هذا الحب، كذلك قسوة القلب تجسدها فظاظة، كلمة قاسية، نظرة قاسية، استعلاء عجرفة، غطرسة، تكبر، احتقار الآخرين.

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

 

( سورة آل عمران )

 إذا كان النبي وهو سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم الذي أوتي القرآن ومثله معه، المعصوم، المبلغ، إذا كان مع كل هذه الخصائص فظاً غليظ القلب لانفض الناس من حوله، فما قولكم بداعية لا يملك لا معجزات ولا وحي، ولا شيء إطلاقاً مؤمن من المؤمنين فعلام الغلظة لا أنسى أحد الملوك دخل عليه واعظ لكن يبدو أن الملك أفقه من الواعظ، فقال له: إني سأعظك وسأغلظ عليك، فقال الملك: ولمَ الغلظة يا أخي، إن الله أرسل من هو خير منك إلى من شر مني أرسل موسى إلى فرعون، لا أنت موسى ولا أنا فرعون.
قال تعالى:

 

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

( سورة طه )

 الإنسان باللين يملك قلوب الآخرين، الآن لا يوجد عبودية والحمد لله، لكن أنت ممكن أن تستعبد الحر بلطفك، بإنسانيتك، بتواضعك، برحمتك، باهتمامك، فالإنسان إذا الله عز وجل مكنه من الخلق الطيب هذا الخلق هو وسيلة لجلب الناس إلى الله.
 ولكن بصراحة الناس رجلان، مقرب ومنفر إما أن تقرب الناس من الله وإما أن تنفرهم منه، كلما كنت كاملاً قربتهم من الله، وكلما كنت قاسياً نفرتهم من الله لذلك أحد العلماء يقول: من دعا إلى الله بمضمون سطحي ـ منامات، كرامات، شطحات، هالة كبيرة ـ غير متماسك وبأسلوب غير علمي وغير تربوي، أو دعا إلى الله بمضمون عميق، المدعو لم يجد في الداعي هذه المصداقية، قال: هذا المدعو لا يعد عند الله مبلغاً ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذا الطريقة.
 لأن الإنسان بأعمق أعماقه يشعر أن هذا الدين دين الله والله كامل، الله خالق السماوات والأرض، دائماً الدين يجب أن يكون في هذا المستوى الرفيع، فمن أظهر الدين بشكل ساذج أو سطحي أو غير متماسك أو متناقض، هذا المدعو يقول هذا ليس دين الله عز وجل، لو أنه رفض هذه الدعوة السطحية غير المتماسكة لا يعد عند الله مبلغاً، ليس هذا دينك يا الله دينك أرقى من هذا، هذه زعبرة، تلبسة، تناقضات، سحبات، منامات، كرامات، دين الله علم، أدلة، قواعد، مبادئ، قيم، هذا هو الدين.
بصراحة المؤمن يجب أن تحبه من أعماق أعماقك، يجب أن تحبه بأعمق ما في كيانك هذا هو المؤمن، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

 

 

( سورة آل عمران )

 لذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل، أنت تظنه صغيراً هذا الطفل الصغير له نفس ينظر إليك على إنك قدوة فإذا قيدت قلبه، ابتسمت في وجهه، نصحته، ضممته إذا كان ابنك، يعني أكرمته، أيام تطعم طفل سكرة يميل قلبه إليك، سمعت في الأثر أن للجنة باب وهذا الباب لا يدخله إلا من فرح الصبيان، أنا أتمنى من أعماقي أن يكون بيت كل واحد منكم جنة، قد يكون البيت خمسين متر، وأن يكون لا يوجد أثاث أبداً، قد يكون الطعام خشن، أما بالمودة والمحبة والمرأة والصلة بالله عز وجل تصبح البيوت جنات يوجد بيت ثمنه خمسين مليون قطعة من الجحيم، يقول الشيطان إذا دخل أحدكم إلى البيت فقال: السلام عليكم، يقول الشيطان لإخوانه لا مبيت لكم في هذا البيت، قال: وإذا جلس إلى الطعام وقال: بسم الله، يقول ولا طعام لكم، الإنسان إذا دخل ولم يسلم وجلس إلى الطعام ولم يسمِ، يقول الشيطان إلى أخوانه: اطمئنوا أدركتم المبيت والعشاء قال فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه، نحن عندنا دائماً أسلوب القمع وأسلوب التشجيع، أيام تقول لطفل أنت أبوك فلان وأنت من عائلة كريمة، وأنت مظنة صلاح يا بني هذا الكلام تستعين على تأديبه ببروءته، والإنسان دائماً يجمع بين الثناء والنقد يوجد آباء أصلحهم الله لا يعرف إلا أن ينتقد يكون لابنه ألف ميزة، مليون ميزة يتعامى عن كل الخصائص الطيبة ويثير النقاط السلبية، والطفل عندئذ ييأس، الأكمل كلما رأيت بابنك صفة طيبة أثني عليه ونمها، وامدحه بها، وشجعه، أيام المديح يفعل في النفس فعل السحر.
 قال: يستعان على تأديبه بحيائه أو تميزه، أول ما يغلب على الطفل من الصفات شره الطعام، فينبغي أن يؤدب فيه أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه وأن يقول بسم الله عند أخذها، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يحدق النظر إليه، ولا إلى من يأكل، ولا أن يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم، وأن لا يوسخ يده وثوبه، وأن يعود الخبز وحده في بعض الأوقات حتى لا يصير الإدام حتماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: اخشوشنوا، وتمعددوا، أنا لا أقول أن الإنسان يضيع أهله، أحياناً من الحكمة ينبغي أن تأكل طعاماً متواضعاً ظهراً لعل أن يأتي خاطب ومناسب وأخلاقه عالية جداً وليس في بحبوحة عود ابنتك على الطعام العادي، طعام خشن أحياناً، الإنسان أخطر شيء أن يألف شيئاً ثابت، وأفضل عادة أن لا تتعود ولا عادة، النبي قال في الحديث الصحيح اخشوشنوا وتمعددوا فإن النعم لا تدوم، الإنسان من حين إلى آخر أكل عادي أكل من الدرجة الثانية، أكل خشن أحياناً، بالتعبير الدارج ـ تمضاية ـ بدون فاكهة، هذا الشيء يربي الإنسان تربية عالية، الحقيقة أيام البذخ والترف يجعل في الطفل صفات غير مقبولة إطلاقاً يعني لا أحد يتمنى أن يجلس معه لعجرفته وغطرسته.
 فينبغي أن يؤدب فيه أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه وأن يقول بسم الله عند أخذها، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يحدق النظر إليه، ولا إلى من يأكل، ولا أن يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم، وأن لا يلطخ يده وثوبه، وأن يعود الخبز أي وحده في بعض الأوقات حتى لا يصير الإدام حتماً، ويقبح عنده كثرة الأكل، ثم إن هذا الغلام المستحي الذي وجهه أبوه لآداب الطعام، وأن يحبب إليه البياض من الثياب، وهو في السنة يوجد إشارة إلى اللون الأبيض، يعلم النظافة وقيه شيء من الوقار والملائكية وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام مع ابنه فلا يوبخه إلا أحياناً، إذا التوبيخ زاد والله لا يعطيك عافية، وأنت لا يوجد خير منك إطلاقاً يوجد آباء لسانهم بذيء مع أولادهم، لأنه صار هدم بين الأب وابنه فالإنسان كلما ضبط لسانه مع أولاده كلما نمت هيبته، الهيبة لا تأتي من فراغ، لا تأتي من لا شيء فلان له هيبة، هيبته جاءت من انضباطه، هيبته جاءت من ضبط لسانه، هيبته جاءت من ضبط جوارحه، هيبته جاءت من رحمته، هيبته جاءت من عفوه، هيبته جاءت من حلمه طبعاً الحليم والعفو والرحيم وذو اللسان المستقيم، وذو الجوارح المنضبطة هذا يكون له هيبة في البيت.
 الحقيقة أنا أضرب مثلاً دائماً في فحص القيادة، الفحص على غير ما تظنون لا يقال للمفحوص قد هذه المركبة نحو الأمام، لا قدها نحو الوراء والطريق ضيق ومتعرج، ويوجد علامات، لو مسح إحداها ووقعت رسب، أنا أقول لماذا هذه الصعوبات وهذه العقبات ؟ إذا أتقن أن يرجع بالمركبة بطريق ضيق ذو انعطافات كثيرة وذو علامات كثيرة ولم يرمِ أية علامة معنى ذلك أنه يحسن ما سواها، هذا أصعب شيء في القيادة، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.
إذا الإنسان كان في بيته قدوة ممكن أن يكون خارج بيته قدوة، لأن في الخارج أفضل الناس يحافظون على سمعتهم، وعلى مكانتهم ويتبعون أساليب منطقية، تراه يعتذر ويبتسم أحياناً ويصافحك، ولكن في البيت عندما يقصر بهذه القواعد الأخلاقية صار خارج البيت عملية تمثيل صارت، أما المحك الصحيح لخلق الإنسان، خلقه في البيت، لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعلاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ))

 فو الله ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً، كان عليه الصلاة والسلام يقف لابنته فاطمة، وحينما جاءته فاطمة ضمها وشمها وقال: ريحانة أشمها وعلى الله رزقها.
 لازلنا مع رسالة الإمام الغزالي في التربية، قال: فلا يوبخه إلا أحياناً والأم تخوفه بالأب، أيام يكون في تنسيق بين الأم والأب، والأم تأخذ جانب العفو والرحمة، والأب يأخذ جانب القسوة، ودائماً الأم تخوف، يوجد أمهات بحمق شديد تصغر الأب أمام أولاده، هذه أم حمقاء، لما تناقش الأب أمام أولادها مناقشة قاسية، لما تتكلم كلام لا يوجد فيه أدب مع زوجها أمام أولادها كأنها تجرأهم عليه، كأنها تدعوهم إلى أن يضعفوا في برهم له، لذلك الأم العاقلة ليس لها مصلحة أبداً أن تضعف مركز زوجها أمام أولادها إطلاقاً، فكلما حرصت الأم على توقير زوجها أمام أولادها لمصلحتها، لأنه يوجد عندها ورقة رابحة بالتعبير المعاصر، والورقة الرابحة هي الأب، فهي تخوف بالأب أولادها، وتطمع أولادها بأن يعطيهم الأب من أمواله، أما إذا صغرت الأب أمام أولاده ضعفت شخصيته ودفعت هي الثمن.
 قال: وينبغي أن يمنع من النوم نهاراً فإنه يورث الكسل، الحقيقة النوم حاجة أساسية وذكرت البارحة كيف أن النوم من نعم الله الكبرى وكيف أن الأعصاب أثناء النوم تتباعد، فالسيالة العصبية إذا سرت في الأعصاب ترى مسافة واسعة تقف، لذلك النائم ينام ويرتاح، أما إذا جاء صوت كبير جداً، هذا الأثر القوي يقفز عندئذٍ يستيقظ الإنسان، الله جعل النوم سباتاً وجعل النهار معاشاً، أما النوم إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، يقول الإنسان أيام استيقظت وجسدي مكسر، النوم المديد له مشكلة، أيام ينام الإنسان الساعة اثني عشر ويستيقظ الساعة الرابعة والنصف ويعود وينام بعد الصلاة، انقطع النوم، أما نوم ثمانية ساعات متصلة، القلب أثناء النوم المديد يصبح ضرباته خمسة وخمسين ضربة، وكلما الضربات خفت الدم يبطئ السير في الأوعية، وإذا أبطأ السير المواد العالقة ترسب على جدران الأوعية، وهذه مشاكل العالم كله الآن، يقول لك الشريان التاجي مسدود، الانغلاق سبعين بالمائة وستين بالمائة، ثلث المشكلات أن هذه الشرايين يترسب حولها هذه المواد الدهنية، هذا قرأته في مجلة علمية، النوم المديد المتصل يجعل بعض المواد العالقة بالدم ترسب على جدران الأوعية، الحقيقة لما الإنسان يقطع نومه ويصلي الفجر في جماعة ويعود إلى البيت ويستلقي مرة ثانية قطع هذا النوم المديد.
 قال: ولا يمنع منه ليلاً، وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله خفيةً فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد قبيح، لما الإنسان يتعود أن لا يكون عنده حالتين يوجد أشخاص لهم موقف معلن وموقف مبطن، له جلوة وله خلوة، له مواقف خارج البيت، وفي البيت له مواقف عكسها، هذه الازدواجية مرض في الإنسان، الحقيقة الازدواجية في الشخصية مرض في الإنسان، والازدواجية في المكيال مرض، والازدواجية بالمعاملة مرض، الأولى كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال ))

 لذلك المؤمن خلوته كجلوته، سريرته كعلانيته، سره كجهره بيته كعمله في الطريق وفي البيت، حضره كسفره، يوجد أشخاص بالسفر يتفلتون كأن الله موجود فقط في بلد إقامتهم، إذا سافر لا يوجد رقابة إذاً هذا لا يخشى الله يخشى الناس، كل إنسان إذا سافر يغير من استقامته هذا ما يؤكد أنه يخشى الناس ولا يخشى الله.
 أيها الأخوة الكرام: مرةً ثانيةً أقول لكم ما من شيء يدخل على قلب الأمهات والآباء السعادة كأن يكون أبناءهم في أعلى مستوى من التربية فلذلك الجهد الكبير الذي تبذله في تربية أولادك هذا مصدر سعادتك، وليس مع الخسائر بل مع المكاسب، يعني الجهد والوقت، والتعليم وإنفاق المال إذا انتهى بك إلى أن يكون الابن في المستوى الذي يرضي الله ويرضيك فأنت من أسعد الناس ولما الإنسان يتساهل في تربية أولاده ويرى الانحراف في سلوكهم عندئذٍ يدخل على قلبه من الألم والشقاء ما لم يوصف، لذلك ربنا عز وجل تعجل بالآباء والأبناء بثواب تربية أولادهم بالدنيا قبل الآخرة، ما هو هذا الثواب ؟ أن يجعل الله الآباء قريري العين بأولادهم من قوله تعالى:

 

 

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

 

 

( سورة الفرقان )

 فالأب الصالح المؤمن الذي ربى أولاده تربية صالحة هذا يقطف ثمار هذه التربية قبل دخول الجنة هو في الدنيا، يقطف ثمار هذه التربية طمأنينة وسعادة في قلبه لا يعلمها إلا الله، ولما الإنسان الله عز وجل يتفضل عليه بولد صالح أو فتاة صالحة هذه أعظم نعمة على الإطلاق لكن لا يعرف هذه النعمة إلا من فقدها، وأتمنى على كل من أكرمه الله بهذه النعمة أن يرعاها، وأن يذكر الله عليها وأن يبالغ في خدمة هؤلاء الذين ساهموا في تربية.
 طبعاً أحياناً الابن انضم إلى مسجد، الأب يقيم عليه النكير أحياناً، أن يخطر في بالي أن هذا الأب لو أن ابنه من ملهى إلى ملهى ومن صديق فاسق إلى صديق فاسق ومن سهرة وراء فيلم ماجن إلى فيلم ماجن وبلغه أن ابنه هكذا ماذا يفعل ؟ هذا الذي رباه لك ووجهه وعلمه أمر دينه وحمله على طاعة الله، وحمله على الاستقامة على أمر الله، ألا ينبغي أن يشكر وأن يدعم، لذلك ترى لسبب تافه مرة أب قال لي: قلت لابني درس واحد يكفي، وسبه لأنه يحضر ثلاث دروس في الأسبوع، هل من المعقول أن توبخ ابنك وأن تقيم عليه النكير من أجل طلب العلم، والله عز وجل يتكفل طالب العلم بالتوفيق والنجاح، أنا والله لا أعجب إلا من أب يكفر نعمة الابن الصالح، يكون عنده ابن صالح ومستقيم وجيد جداً ومؤدب، يحاسبه أشد المحاسبة ويقيم عليه النكير، وابنه الفاسق الفاجر يتساهل معه ويسمع منه، ابنه الدّين قاسي معه ويحرمه أحياناً أشياء كثيرة، هذا محاسب على ذلك يوم القيامة، لذلك أخوانا الكرام سوف ألقي عليكم هذه الحقيقة، لو أن أب سار ابنه سيراً صحيحاً وسلك منهجاً قويماً والأب غير راضي عن هذا الاتجاه ليس له أجر عند الله أبداً ولو صار ابنه أكبر عالم، ليس له أجر لأنه ما أراد ذلك وعاكسه أيضاً، كل ابن في صحيفة الأب لا أبداً، ما كل ابن صالح أعماله في صحيفة أبيه أبداً، الابن الصالح الذي أراد أبوه أن يكون صالحاً وأعانه على أن يكون صالحاً ودفعه إلى الصالح وبذل من أجل الصلاح ما بذل هذا الأب هو الذي يكافأه الله في أن يجعل أعمال ابنه في صحيفته.
 قضية كبيرة جداً أيها الأخوة أن الحياة تنتهي، أن تعيش ستين سنة، خمسة وستين، مائة وعشرة، انتهت الحياة لا أحد يخلد، إذا كان لك ابن صالح كل أعماله الطيبة في صحيفته، أولادك وأولاد أولادك، وأولاد أولاد أولادك إلى يوم القيامة، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

 

 

( سورة الطور )

 شيء كبير جداً أن تنتهي الحياة والعمل مستمر إلى ما شاء الله إلى يوم القيامة، وهذا كله تحصله بولد صالح، ونجعل محور هذا الدرس هذا الحديث:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ))

الذي عنده ولد صالح هذه نعمة كبرى لا ينبغي أن تكفر، الذي عنده زوجة صالحة، الزوجة التي أكرمه الله عز وجل بزوج لا تكفر نعمة الزوج.

 

 

((عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ))

 لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه، فنعمة الزوج، نعمة الولد الصالح، نعمة البنت الصالحة، هذه النعم ينبغي أن تشكر وينبغي أن نتسابق في هذا المضمار.

 

 

إخفاء الصور