وضع داكن
28-03-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 054 - حديث لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ عقد الإمام النووي باباً, في كتابه رياض الصالحين, سماه باب: 

النهي عن التباغض, والتقاطع, والتدابر 

الآية الأولى :

وافتتح هذا الباب بآية كريمة، هي قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

[ سورة الحجرات ]

وأقدس علاقة بين رجلين هي: علاقة الإخوة الإيمانية. 

لذلك: هذه العلاقة لا تحتمل أي شائبة، والله عز وجل حينما قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الأصل في العلاقة بين المؤمنين هذه الإخوة، فإن لم تكن كذلك, فهي حالة مرضية, تقتضي المعالجة والدليل، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .

أيها الإخوة؛ الحديث الذي يقصم الظهر. 

(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ, وَالصَّلاةِ, وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما ]

ويُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( هي الحالِقة، لا أقول: هي تحلِقُ الشَّعْرَ ، ولكن تَحْلِقُ الدِّين ))

[ أخرجه الترمذي ]

هل تصدق: أن سوء العلاقة مع أخيك, قد تنسف لك إيمانك كله؟ وهذا نص حديث رسول الله، سوء العلاقة مع أخيك, قد تنسف لك إسلامك، وقد تنسف لك إيمانك، وقد تنقلك من الإيمان إلى غيره، ومن الطاعة إلى غيرها، ومن الإقبال على الله إلى الإدبار والقطيعة.

يا أيها الإخوة الكرام؛ لعل أجمل ما في الحياة: أخ في الله، تحبه ويحبك، وتنصحه وينصحك، وتزوره ويزورك، وتخدمه ويخدمك، وتخلص له ويخلص لك، وتعينه ويعينك، لست وحدك في الحياة، إنك مع فريق من المؤمنين، مشكلتك مشكلتهم، قضيتك قضيتهم، ما يؤلمك يؤلمهم، ما يسعدك يسعدهم, هذا مجتمع المؤمنين، وإن لم يكن كذلك, فلسنا مؤمنين، هذا من أخص خصائص المؤمنين، إن لم تكن مع أخوانك كذلك, فلست مؤمناً، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لذلك: أيها الإخوة، كل إنسان يعلم علم اليقين بفطرته: أن هذه الكلمة تباعد بينه وبين أخيه، وإن هذه الكلمة تقرب بينه وبين أخيه.

 

الصديق وحنظلة.


سيدنا الصديق حين مر بالطريق، ورأى صحابياً اسمه حنظلة، رآه يبكي، قال:

مالك يا حنظلة تبكي؟. 

قال: نافق حنظلة. 

قال: ولمَ يا أخي؟. 

قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى.

دققوا: سيدنا الصديق.

ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر.

سدوا كل خوخة علي إلا خوخة أبي بكر.

ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك.

هذا القمة، العملاق في الإسلام, يخاطبه صحابي عادي، تتبدل أحواله تبدلاً كبيراً بين أن يكون مع رسول الله، وأن يكون في بيته.

قال له: أنا كذلك يا أخي.

انظر إلى هذا التواضع والأنس.

أحياناً: يشكو أخ لك ابنه، فتقول له: أنا ابني، والحمد لله، هذه لا يعملها.

هناك مشكلة عامة، أكثر الأسر كذلك، الطفل بهذا السن, يكون نوع من الطيش.

دائماً: الإنسان يتواضع لا يتعالى، فالصحابة الكرام كانوا في أعلى درجات الحب.

 

ما الذي ينقصنا؟.


أيها الإخوة؛ أقول لكم دائماً: ينقصنا الحب.

المساجد موجودة، المكتبات بعدد مخيف، الأشرطة، الأفلام الدينية، المحطات الفضائية، المناقشات، الحوارات، علماء كبار، مراكز علمية عالية، كل شيء موجود، ولكن لا يوجد الحب في الله.

ذهب إنسان إلى بلد، اشترى محلاً تجاريًا بسرعة، لا يوجد فروغ، رأساً جاءه هاتف وفاكس، الاستيراد سهل جداً، البضاعة تأتي، ثم تخلص، ثم ينشأ لها إجازة بعد أن تأتي، يكاد يختل توازنه لكثرة التسهيلات، كل شيء مؤمّن، لكن اكتشف حقيقة, أنه لا يوجد زبائن، ألغيت التجارة. 

رجل خطب ابنة الملك قال: أنا وأمي وأبي موافقون، لكن هناك عقبة صغيرة، أن توافق هي وأمها وأبيها، إذا لا يوجد حب، لا يوجد مجتمع مؤمن.

دائماً: يا إخواننا الكرام, لا نستهلك طاقاتنا فيما بيننا، إذا غضب الله علينا, جعل بأسنا بيننا.

على مستوى شركة, إذا كان فيها خلاف تنتهي وتحلُّ، لأن المفروض أن يتعاونوا على حل المشكلات الخارجية، فإذا وُجد خلاف فيما بينهم, ضاعت طاقاتهم وقدراتهم فيما بينهم، وأصبح عدوهم قوياً.

أنا ألح على ذلك، أحب أن يكون المسجد كتلة واحدة كالجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، شعار المؤمنين إن صح التعبير: الكل لواحد، والواحد للكل.

أحياناً: أشعر بغبطة ما بعدها غبطة، شاب من إخواننا تزوج، ترى الإخوة أعانوه، درسوا ما ينقصه، قدمت له الهدايا، هذا قدم له برادًا، وهذا ثريا، وهذا سجادة، أعانوه على تأثيث البيت، على شراء الأغراض، الحياة مع المؤمنين والله جنة, من المودة, والتعاون, والتناصح, والوفاء.

فأنا أغتبط، وأشعر بسعادة لا تقدر بثمن, حينما أرى التعاون والحب والود، وأتألم ألماً لا حدود له, حينما أرى البغضاء والشحناء والأحقاد، هذا ليس من أخلاق المؤمنين في شيء، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .

أيها الإخوة؛ سيدنا خالد، ماذا فعل سيدنا عمر معه؟ قال له:

لمَ عزلتني؟ قال له: والله يا بن الوليد ما عزلتك إلا مخافة أن يفتتن الناس بك، لكثرة ما أبليت في سبيل الله

الذي يبتغي وجه الله لا يعنيه الموقع، يعنيه العمل، والذي يريد الدنيا يعنيه الموقع، فلذلك قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

أنا سمعت كلمة أطرب لها: إذا عز أخوك فهن أنت.

أنتم في وفد، تقبلوا شخصًا, أخوك تكلم كلاماً طيباً، وكلاماً جيداً، وكلاماً مقنعاً، وطليق اللسان، وأنت ما تكلمت ولا كلمة، ولكن أخاك قام بالغرض، ولو كنت في التعتيم، وهو تحت الأضواء, فنحن أسرة، الوفود دائماً يدخلون ثلاثين، ويتكلم واحد منهم، يختارون أفضل إنسان، أكثرهم فصاحة، أكثرهم جرأةً، أكثرهم حكمةً، أكثرهم طلاقةً، يتكلم، والباقي صامتون جميعاً، ولكن هذا تكلم بلسانهم جميعاً، وحقق الهدف، فإذا عز أخوك فهن أنت، هذا الذي يريد وجه الله. 

 

المؤمن ونصيره.


أيها الإخوة؛ المؤمن ولي من أولياء الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)﴾

[ سورة  الأحقاف ]

فهذا الولي من نصيره؟. الله جل جلاله.

من خصمك دونه؟. الله جل جلاله. 

الإنسان يعد إلى المليون قبل أن ينال مؤمناً، هذا مؤمن.

 بالمناسبة: لو أن إنساناً قتل مؤمناً, فهو في جهنم خالداً مخلداً إلى أبد الآبدين، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء الآية: 93 ]

  الآية الثانية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

تواضع فيما بينهم، لو أن إنسانًا مؤمنًا, مديرَ عام، ومن باب الصدف كان حاجبه مؤمنًا، والله لا يستطيع هذا المدير العام, أن يستعلي على هذا الحاجب ولا درجة، هذا مؤمن، مواقع مختلفة، أما المرتبة فواحدة، ولحكمة أرادها الله عز وجل في المساجد، وفي الحج لا توجد مراتب دنيوية، يكون الإنسان مدير عام، عنده مكتب، عنده موظفون، ومكتب، وعنده خدم وحشم، يأتي إلى المسجد يوم الجمعة، قد يأتي الحاجب في أول صف، وهو في آخر صف، نحن في المساجد ليس عندنا مراتب.

دخل الإنسان إلى بيت الله فهو مؤمن، مثل الحج يقولون: يا حاج، يكون هذا الحاج غنيًا، ضابطًا كبيرًا، معاون وزير، اسمه حاج، وأنت في المسجد اسمك مؤمن، فإذا وجدت مراتب دنيوية يدعها المؤمن خارج المسجد، نحن نريد أن نعيش الإسلام، أن نعيش التعاون، أن نعيش التواضع، أن نعيش التكاتف، أن نعيش التواضع، هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام. 

الآية الثالثة:

قال تعالى:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)﴾

[ سورة الفتح ]

الآن لا يوجد عمل فردي، الإنسان كفرد ضعيف، حتى في التجارة، حتى في الصناعة، حتى في أي عمل، الفرد ضعيف، والآن في العالم لا يوجد حياة إلا للتجمعات، الأجانب أدركوا هذه الحقيقة، أوروبا كلها سوف تصبح دولة واحدة، الدول عندما تكون فرادى تؤكل واحدةً واحدة، فإذا اجتمعت أصبحت كتلة كبيرة، هذا على مستوى الدول، على مستوى الأعمال: الفرد غير ناجح، ولا بد من التعاون.

يقول لك أحدهم كلمة مؤلمة جداً: فلان جيد، أما إذا شاركته فلا يكون جيداً، معنى هذا أنه في الأصل ليس جيدًا، الجيد جيد بالعلاقة الحميمة، الجيد جيد بالسفر، الجيد جيد بالمحاككة، بالدرهم والدينار، الجيد جيد في النزهة، الجيد جيد بالمجاورة.

قال له: أتعرفه؟. 

قال: نعم. زكاه. 

قال: هل سافرت معه؟. 

قال له: لا.

قال: هل جاورته؟. 

قال: لا. 

قال: هل حاككته بالدرهم والدينار؟. 

قال: لا.

قال: أنت لا تعرفه.

سيدنا عمر أديب.

قال له: يا هذا إني لا أعرفك، ولا يضرك أني لا أعرفك.

قد تكون أحسن مني، إذا لم يعرفك فليس المعنى أنك سيء، لا!. أكثر كلمة مؤثرة, لما جاءه رسول من معركة نهاوند.

قال له: مات خلق كثير.

قال له سيدنا عمر: من هم؟. 

قال: إنك لا تعرفهم. 

فبكى عمر وقال: ما ضرهم أني لا أعرفهم, إذا كان الله يعرفهم.

سيدنا الإمام الشافعي يقول: أنا أتمنى أن يلقى علمي على الناس دون أن يعزى إلي.

أخ كريم, قال لي: سمعت هذه الخطبة كثيراً تأثرت بها، أتسمح لي أن ألقيها خطبة كما هي، قلت له: ألقها كما هي، فقال: لا أستطيع أن أذكر الاسم، قلت له: مستحيل أن تقول للناس: هذه الخطبة من فلان، اعزها إليك، وأنا أسامحك، أنا أريد هذا الحق أن ينتشر بين الناس.

قال لي أخ: أنا كنت في بلدة في محافظة، وخطيب المسجد يلقي خطبة كلمة كلمةً من كتابك، قلت له: هذا شيء يسعدني، في الإسلام حقوق النشر لكل مسلم، الإخلاص لله يقتضي هذا، أنا لا أريد اسمًا، ولا مكانة، والناس يعرفون أنه من عندي، خذ هذا الكتاب، وألق ما فيه من الخطب إلى ما شاء الله، وأنت في حل من أن تعزو هذا إلى صاحبه، العبرة الإخلاص.

أنا لا أتكلم من فراغ، أنا أسعد كثيراً عندما أرى الإخوة في تعاون، ويؤلمني أن أرى التباغض والألم بينهم، قبل أن نغادر الآية: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)) دقق: على من كانوا أشداء؟ على الكفار، هذا التعاون يجعلهم في قوة، والإنسان حينما يتعاون مع أخيه, يصنع المؤمنون شيئاً ثميناً، أما إذا لم يتعاونوا فهم فرادى، بيت الشعر المشهور:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً      وإذا افترقن تكسرت أحادى

وأساس العدو فرّق تسد، هذا شغله الشاغل.

لو لاحظتم مثلاً بريطانيا استعمرت الهند، أبقت مقاطعة مع بلد لا تنتمي إليها، معنى هذا أنه هناك مشكلات لا تنتهي لمئة سنة قادمة، ويوجد حروب، وتفجير نووي، السودان أبقوا جنوبه، هناك تخطيط في العالم لخلق مناطق متوترة باستمرار، هذه تفرق الناس، تبدد قواهم، وتجعل بأسهم بينهم، يشترون سلاحاً، ويعيشون على أنقاضنا. 

الآية الرابعة:

لذلك قال تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[ سورة الأنفال ]

هناك في الشام معمل أدوية، بمعلوماتي الدقيقة: يكاد يكون أول معمل من حيث القفزة النوعية في صناعة بعض الأدوية، هذه الحبوب كانت تضغط من خلال السبيرتو، السبيرتو محرم، وتمكن طبيب مسلم أن يستخدم طريقة بالماء، يضغط الحَب، ويؤدي المفعول نفسه، ويكاد يكون الأول في الشرق الأوسط، انهار المعمل وأغلق بخلاف بين الشركاء.

الخلاف يضعف الأمة، يضعف الشركات، يضعف الجوامع، يضعف المسلمين، دائماً حاول أن تتعاون، لا أن تتنافس، حاول أن تكون أنت وأخوك رقمًا كبيرًا، لا تكن أنت وأخوك جُداء داخليًا، اجعله مجموعًا لا يكون ضربًا.


 قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَبَاغَضُوا.....

 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا. ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك ]

(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ))

[ أخرجه مسلم ]

((لا تَبَاغَضُوا)) : البغض شعور داخلي، كيف يضبط؟ لا تحب فلانًا، وحب فلانًا، الإنسان ليس مسيطراً على مشاعره.

معنى الحديث: لا تعمل عملاً يؤدي إلى البغضاء.

النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أشياء كثيرة: 

1- إذا دعاك أخوك فيجب أن تلبي دعوته. 

2- إذا مرض فعليك أن تعوده. 

3- إذا استقرضك فعليك أن تقرضه. 

4- إن استعانك فعليك أن تعينه. 

5- إن أصابه خير فعليك أن تهنئه. 

6- إن أصابته مصيبة فعليك أن تعزيه.

7- إن طلب الإعانة أعنته.

هذا المؤمن.

أما إذا دعاك ولم تلبه، ذكرته بسوء في غيبته، قصرت في واجبك اتجاهه, فقد عملت بأسباب البغضاء.

 

لذلك قال عليه الصلاة والسلام لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا.....


الحسد دليل نقص العلم، لأننا كلنا عباده، والله عز وجل:

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)﴾

[ سورة النساء ]

ملك الملوك إذا وهب            قم فاسألن عن السبب

اسألوا الله من فضله، وبدل أن تستهلك طاقاتك بالحسد, استهلكها بطاعة الله, حتى يعطيك الله عز وجل، والحسود دائماً مغلوب ومهزوم، والحسود محجوب عن الله عز وجل، والمؤمن يتمنى لأخيه كل خير.

 

لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدَابَرُوا.....


يمكن أن يسير أخوك على الرصيف اليمين، وأنت على اليسار، فتنتقل من رصيف إلى رصيف كي تسلم عليه، موضوع السلام شيء عظيم.

النبي علمنا، إذا كان المسلمان يسيران معاً، وفرقت بينهما شجرة، فإذا التقيا بعدها, يقول أحدهما: السلام عليكم.

أحياناً: يسير رجلان، ركبا سيارة، يقولان: السلام عليكم، هذه الكلمة؛ اسم السلام, اسم الله عز وجل، افشوا السلام تسلموا، السلام يقرب القلوب.

 

لا تَبَاغَضُوا, وَلا تَحَاسَدُوا, وَلا تَدَابَرُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا.


أيها الإخوة؛ كل الذي أتمناه على الله عز وجل, أن تنقلب هذه الحقائق إلى سلوك يومي، الحب سر الحياة.

 

الكون لماذا خلقه الله؟.


دقق الآن: ما هو الكون؟. هو ما سوى الله.

الله عز وجل هو الذات الكاملة، وما سوى الله هو الكون.

في القرآن اسمه السموات والأرض، التعبير القرآني عن الكون.

هناك تعبير علمي حديث، هو الكون.

الكون ما سوى الله، لماذا خلق الله الكون؟. 

هذا أضخم سؤال، ليسعد مخلوقاته.

فالحب هو الأساس، والله عز وجل خلق مخلوقاته، لا أقول: عباده، مخلوقاته؛ الشمس, والأرض, والتراب, والصخر, والحيوانات, والطائر, والسمك، والدليل القوي، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

الإسعاد هو الأصل، معنى هذا: أنه يوجد حب، يلاحظ الأب.

مرة كنت في الخليج, أزور رجلا مدير شركة ضخمة جداً، الهاتف قرع، فقال له: حاضر، قال لي: أتعلم من يكلمني؟ عنده ابن عمره أربع سنوات، قال له: تأتي، وتأخذني إلى صديقي، وتحت يده ثلاثمئة موظف.

أنا والله دمعت عيني، تأثرت، لأن الله سبحانه وتعالى أودع في قلب الآباء رحمة, حيث إن الابن يتدلل، يعرف مكانته عند أبيه، ويعرف مكانته عند أمه، هذا الطلب بالإلحاح، وهذا من رحمة الله الذي أودعها في قلوب الآباء.

فلما يرى الإنسان هذه الرحمة.

والقصة المشهورة التي تروى في الكتب، ولها معنىً كبيراً، وإن لم تكن وقعت: أن سيدنا موسى كان يسير في الطريق، فرأى أمًّا تخبز في التنور، وابنها على طرف التنور، كلما وضعت الرغيف في التنور ضمته، وشمته، وقبلته، فعجب هذا النبي الكريم من رحمة هذه الأم بولدها، فسأل الله عز وجل، فقال:

هذه رحمتي أودعتها في قلبها، وسأنزعها، فلما نزع من قلبها رحمة بكى ابنها، فألقته في التنور

انتهت العملية.

الله عز وجل في الأصل خلق الكون ليسعده، الحب هو الأساس في الكون, والآية الكريمة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

هذه أول بديهيات العقيدة، أنت مخلوق لترحم، مخلوق للسعادة، أما حينما يخرج الإنسان عن منهج الله, فهناك تؤدبه، لمصائب وضع استثنائي، يوجد آية قرآنية دقيقة بهذا المعنى، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)﴾

[ سورة الأنعام ]

الخير مراد، أما الشر فغير مراد، كيف يضطر الطبيب أن يفتح البطن ليستأصل الزائدة؟ فتح البطن غير مطلوب، المطلوب هو الإكرام، فالخير مراد من قبل الله عز وجل، الشر غير مراد، علاج استثنائي، حالة استثنائية.

مثلاً: أسست ثانوية ضخمة، الأصل أن يكون هناك طلاب مهذبون، دوامهم صحيح، وسائل معينة، قاعات، مقاعد، حدائق، مكتبات، الأصل إكرام الطلاب، قد يضطر مدير الثانوية إلى ضرب طالب أخلاقه منحرفة، أو يسرق، قد يضطر إلى ضربه، هل نقول: أنشئت هذه الثانوية من أجل أن يضرب طلابها؟ ما هذا الكلام؟ هذا الكلام غير مقبول إطلاقاً، أنشئت من أجل أن يعلم هؤلاء الطلاب، أنشئت من أجل أن يسعدوا، أن يكونوا قادة للأمة، صرح جامعي كبير, تشعر أن هذه الجامعة أسست كي تخرج قادة للأمة، أما حينما نحرم طالب ست دورات هذا يكون قد غش في الامتحان، وهذه حالة نادرة، إذا غش طالب في الامتحان, يحرم ست دورات من الامتحان، هل نقول: أسست هذه الجامعة كي توقع ألوان العقاب في الطلاب؟ لا, الأصل هو إسعاد الخلق، وليس إيذاءهم.

إخواننا الكرام؛ هذا حديث متفق عليه، إذا قرأتم في كتب الحديث: متفق عليه, فهو أعلى أنواع الحديث، اتفق عليه البخاري ومسلم، اتفق عليه الشيخان.

(( عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ))

 

الفرق بين الأسر المسلمة وبين الأسر غير المسلمة.


أيها الإخوة؛ هناك أسر في تقاطع, عمره عشرون عاماً، وثلاثون عاماً، لا يعرفه، ولا يشاهده، ولا يسلم عليه، ولا يزوره، وقد يكون ابن عم، وقد يكون أخاً، وقد يكون ابناً، هكذا الناس.

الحقيقة: نحن عندنا ميزة في بلادنا، نحن بلاد نامية, هكذا صنفونا، يوجد عندنا مشكلات كثيرة، ولكن عندنا ميزات كثيرة.

يوجد أخ خرج إلى ألمانيا لحضور معرض صناعي، فنزلوا في بيت، قال لي: ما وقعت عيني في حياتي على حديقة لهذا البيت, أجمل من هذه الحديقة، شيء عجيب، أنواع الورود، المروج الخضراء، الأشجار المثمرة، فسأل: ما سر هذه العناية الفائقة؟ فقالت صاحبة البيت: إنني أعتني بهذه الحديقة ثلاثمئة وأربعةٍ وستين يوماً من أجل أن أستقبل أولادي في العام كله يوماً واحداً، ترغبهم في زيارتها، تعتني بالحديقة من أجل أن تستقبلهم، وهي تستعد لاستقبالهم، ولم يأتوا، وفي الليلة بكت، قال لي: نزلنا إلى السوق، واشترينا لها هدية، وبكت بكاءً شديداً، هؤلاء هكذا يعيشون، أما عندنا يقول الأب لابنه: اليوم مساءً لم أرك، البارحة كان عنده، وقبل البارحة، أما اليوم فلم أرك، أين كنت؟ هذه نعمة كبيرة جداً، ونحن عندنا نعم كثيرة لا نعرفها إلا إذا فقدناها.

مرة أخ طرق بابي، وكان عندنا شهادة، إذا لم يكن الإنسان معه شهادة, ومعه دكتوراه, الأنظمة في سوريا تمنع تعليمه, حتى لا نخسر علماءنا، أحدثوا شهادة اسمها ما يعادل الثانوية، شهادة بسيطة تاريخ وجغرافية، كل واحد معه دكتوراه، وليس معه بكالوريا حتى يتعين في الجامعة يقدم فحصاً، وأنا كنت مكلفاً أن أصحح أوراق العربية.

طرق بابي شخص، وأحب أن يزورني، قلت له: تفضل، وقال لي: ممكن أنا قدمت فحصاً اليوم في امتحان ما يعادل الثانوية, أتمنى أن تساعدني في النجاح، قلت له: أنا لا أرسب أحداً، لأن قناعتي أن هؤلاء أبناءنا، يجب أن يأتوا، وأن يقدموا خدماتهم لأبناء وطنهم، قلت له: ما قصتك؟.

قال: أنا طبيب أقيم في بريطانيا بمانشستر، هكذا قال لي، وسأذكر لكم التفاصيل، وعندي سيارة جاكور، دخلي ثمانية آلاف جنيه في الشهر، مبلغ خيالي، وليس عندي مشكلة، إلا مشكلة واحدة، قلت له: ما هي؟ قال: بناء فيه ستة طوابق، الطابق السادس، ولندن باردة جداً، وطابق سادس، ومحكم الإغلاق، ويوجد رجل توفي، ومضى على وفاته ستة أشهر، لما تفسخت الجثة، و ظهرت الرائحة, طبعاً خرقوا الباب، واقتحموا البيت، ما الذي فوجئ به؟.

هذا الأخ الطبيب أن له ستة أولاد في لندن، ما خطر في بال واحد منهم, أن يزور أباه في هذه الأشهر الستة، فقال لي: عرفت مصيري، واتخذت قراراً بالعودة إلى وطني، وقدم فحصاً ونجح، ولا أعلم ماذا حدث بعد ذلك؟.

نحن عندنا ميزات كثيرة جداً، هذه الأسرة مستمرة، أطول زواج في أمريكا سنتان، نسب الطلاق خمسة وستين بالمئة، كل مئة زواج خمسة وستون, تنتهي إلى الطلاق، في ألمانيا سبعة وثلاثون، كان في بلدنا اثنين بالألف, الآن خمسة عشر بالمئة، الصحون عندما تكثر, يكثر معها الطلاق، يعمل موازنات لا تعجبه زوجته، من اثنين بالألف إلى خمسة عشر بالمئة.

فنحن في نعم كثيرة، في نعم الانضباط الأسري، في نعم التواصل، في نعم الحب، نحن عندنا سهرات, يأتي الأب وأولاده يسهرون عند والدهم، هكذا يقول لك، شيء جميل، تجد كل شيء موفراً، ولكن لا يوجد حب، القلب مقيت.

هذا حيث أصل: ((لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)) هذا الحديث أصل في العلاقات الاجتماعية، اعتذار، ابتسامة، زيارة في بيته، الهدية تذهب بِحَرِّ الصدر، مهما كان الخلاف مستعصيا، هدية، ابتسامة، اعتذار.

أنا لم أقصد أن أزعجك، لأن قوتنا في تعاوننا، قوتنا في محبتنا، جامع صغير, توجيه واحد، وكتاب واحد، النبي واحد، والقرآن واحد، ونوع التوجيه واحد، وخلافات لا يتحمل، يتحمل حباً، معاونة.

أنا بيتي مطل على المسجد، أحياناً أشاهد يوم الخميس عشرين، ثلاثين أخاً, ينظفون المسجد، والله كأنهم جنود لله عز وجل، لوجه الله, لا يأخذون شيئاً، تنظيف الصحن، وتنظيف السجاد، ودورات المياه لوجه الله هذا الحب.

 

قصص فيها عبر.


أيها الإخوة؛ عندنا أستاذ في الجامعة تقاعد، وهو من أكابر الأساتذة في الجامعة، أقيم له حفل تكريمي كبير جداً، أذكر أنه ألقى الخطباء كلمات كثيرة، فجاء دوره في الكلام، وهو أستاذ في علم النفس، فقال: الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يُحِب، ولا يشعر بحاجة إلى أن يُحَب، هذا ليس من بني البشر، من خصائص الإنسان أن يحب، يجب أن تحب زوجتك، تحب أولادك، تحب جيرانك، أن تحب المؤمنين.

أيام ترى طفلاً ابتسامة في وجهه.

قال أخ كريم: أنا دخلت من زمن إلى مسجد لأصلي، وكان يلبس في قدميه حذاءً جديداً، فسرق، وهذا الطفل بحسب سنه, عنده شيء كبير جداً، وهو فرح به، فبكي، فشاهده رجل صالح، فأخذه إلى محل أحذية، واشترى له حذاء، يقول هذا الأخ: مضى على الحادثة أربعون سنة, ما تركت فرض صلاة من محبتي بالمسجد، لأنني بكيت, أخذني رجل إلى محل، واشترى لي هذا الحذاء، وكنت أخاف من أبي، وليس لي من حيلة إلى هذا الحذاء.

أقول لكم ألف قصة بهذا المعنى.

رجل يتكلم عن تاريخ سبب انتمائه إلى الدين، وهو قاض كبير، يسير في سيارته تعطلت، وكانت سيارة أجرة تسير، فتوقفت، وقال له: خير؟ قال: السيارة معطلة، تحب أن تركب معنا، أم نصلح لك سيارتك؟ فقال: لا, أصلحوا لي السيارة، والرجل الذي يسوق السيارة الأخرى رجل عظيم، فخلع الطربوش وصلح له السيارة، فقدم صاحب السيارة بطاقته إلى هذا الرجل، وقال له: أنا القاضي فلان، فقال له: أنا معلم ابتدائي، وهو رجل داعية كبير في مصر، تعال إلينا، سبب انتمائه إلى الدين هذا الموقف الأخلاقي.

فأنا أريد، وألح على الحب، مودة، تعاون، تضحية، إيثار.

أقول لكم دائماً: حياة المؤمن مبنية على العطاء، وحياة المنافق والكافر مبنية على الأخذ، المؤمن يؤثر أخوانه، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

[ سورة الحشر ]

أخ حدثني، وقال لي: افتقرت، وانقطع دخلي كلياً، يأتي أصدقائي المؤمنون إلي، ويقولون: أحضر لنا كأس ماء, يذهب فيعود, فيرى في جيبه ألف ليرة، وهو لا يملك ثمن طعام، بذكاء لطيف لا يعرف من أين جاء؟.

يوجد أخ من إخواننا, أنا أعده بطلاً، هو متآخٍ مع أخ، النبي الكريم قال: ((تآخيا اثنين اثنينْ)) هو يعمل عملاً, مورده ألفان، وهي قصة قديمة، يوزع مواد غذائية، وأخوه يعيره سيارته، هذا الأخ الذي هو أخ له في الله, فقد عمله فجأةً، جاء وشكا له همه، فقال له: تعال، واجلس إلى جانبي في السيارة، أنا عوضاً أن أصف السيارة، وأقدم إلى المحل هذه العلب, أنت أعطيه إياها، ونتقاسم الربح مناصفةً، ألف لك، وألف لي، يقسم بالله العظيم, الله ألهمه عملاً, ربحوا في أول شهر ستة عشر ألف ليرة، بعد أن نوى أن يعطيه من الألفين ألفاً، فقال له: هذه ثمانية آلاف.

عندما يرى الله أنك تحب إخوانك وتكرمهم, ماذا يفعل معك؟ يغمرك بالفضل, قال تعالى:

﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)﴾

[ سورة محمد ]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ, وَيَوْمَ الْخَمِيسِ, فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا, إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ, فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا, أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا, أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي ومالك ]

هذه المغفرة حجبت عنهما معاً بسبب المشاحنة، لذلك الآية الكريمة:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾

[ سورة الأنفال ]

دقق أولاً: أصلح نفسك مع الله، والله الواحد منا يعرف إذا كانت نفسه عامرة مع الله أم خربة، إذا كان في الطاعة فهي عامرة، وإذا كان في المعصية فهي خربة، إذا كان في الإحسان فهي عامرة، وإذا كان في الإساءة فهي خربة، إذا كان في الإخلاص فهي عامرة، وبعدم الإخلاص خربة، فأهم علاقة المسلم فيما بينه وبين الله.

اليوم أخبرني شخص, أبكاني على الهاتف، قال لي: أنا عملت عملاً سقطت من عين الله، أنا لم أسأله: ما هذا العمل؟ هكذا الأدب، لست مكلفاً أن أعرف: ماذا عمل؟ فقال لي: ألي توبة عند الله؟ قلت له: لك توبة، وحب وكرامة ((عبدي لو أن ذنوبك, بلغت عنان السماء، ثم جئتني تائباً, غفرتها لك ولا أبالي)) قلت له: قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إذا تاب العبد توبة نصوحاً, أنسى الله حافظيه، والملائكة، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، قلت له: الإسلام يجب ما كان قبله، أقنعته على التوبة، فقال: أنا أذنب نفس الذنب، فقلت له: يوجد حل، إذا أذنب إنسان نفس الذنب، وتاب منه, يكفيه أن يتوب إذا عاده مرة ثانية، يحتاج إلى ترميم صدقة وتوبة ((استرضي الله بالصدقة)) ، ((وصدقة السر تطفئ غضب الرب)) ، ((وباكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، وإن الصدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير)) قلت له: من فضل الله علينا, أن الله يسترضى، بينما الأقوياء لا يسترضوا، قال تعالى: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الإنسان القوي لا يسترضى مهما حاولت، لكن الله عز وجل يرضى بالتوبة، يسترضى بالصدقة، يسترضى بالصيام، بالقيام، بالعمل الصالح، يسترضى بشيء وهو ينتظرك.

 

الخلاصة.


أيها الإخوة؛ الحركة العملية من الدرس أن تعمل جرد. 

أولاً: كيف علاقتي مع الله؟ يوجد أشياء، شوائب، حواجز، حجب، فإذا كانت مع الله عامرة.

ثانياً: حاول أن تعمل جردا لعلاقاتك مع من حولك، الذي له أب وأم على قيد الحياة, علاقتك مع أمك وأبيك، مع أخوتك، مع جيرانك، مع زوجتك، مع أولادك.

ثالثاً: الآن: كله جيد, نصعد إلى مرحلة ثالثة: هل يوجد حولك علاقة سيئة بين شخصين؟ حاول أن تصلح بينهما.

فهذه الآية من أدق الآيات، وهذا الدرس العملي، وهذا مهمتنا بعد الدرس, اعمل جرد لكل علاقاتك، علاقة مع الله، مع الآخرين, أية علاقة بين اثنين, شابتها شائبة, حاول أن تصلحها, هذا الذي يرضي الله عز وجل, وهذا الذي يرفع عنا مقت الله وغضبه، الله عز وجل إذا رآنا في هذه الخصومات, مقتنا جميعاً، وعندئذ لا يرحمنا، وعندئذ يبدو أنه تخلى عنا.

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ, وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ]

((  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ مَالُهُ, وَعِرْضُهُ, وَدَمُهُ, حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ, أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ))

[ أخرجه أبو داود في سننه ]

دمه: لا تقتله، وماله: أن لا تبتز أمواله بالباطل.

وأقول لكم: كم طريق يوجد؟ في مليار طريق لابتزاز أموال الناس بالباطل، هذه السرقة المشهورة نوع من الغباء، ولكن يوجد أسلوب أن تسلبه ماله دون أن يشعر، يوجد أسلوب تبيعه بيعة فيها غش، الغش يعني السرقة، التدليس يعني السرقة، إخفاء العيب يعني السرقة، الاحتكار يعني السرقة، يوجد آلاف الطرق للابتزاز, كله غير مشروع، التضخيم، مريض لا يحتاج إلى تصوير، أو تخطيط، أو إيكو، أنت موثوق، طلبت منه تصوير، والآلة عندك، وتخطيط كل مريض باستمرار بشكل آلي، إذا كان ليس بحاجة، وكلفته بمبلغ ضخم، وهو ليس بحاجة, من يعلم ذلك؟ الله وحده يعلم، كسب المال الغير مشروع, له ألف طريق، قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾

[ سورة القيامة ]

(( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ, وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ ))

[ أخرجه أبو داود في سننه ]

الاتهام من دون دليل، الاتهام الباطل، سوء الظن بالآخرين، هذا من المعاصي الكبيرة.

 أكثر الناس يقولون: تكلمنا، ما الذي صار؟ الله يغفر لنا، لا، الله لا يسامحك، حقوق العباد مبنية على المشاححة.

كل إنسان يتكلم على الناس بالباطل، يغتابهم، وهو يتوهم أنه لو تاب إلى الله, القضية حلت هذه القضية، لا, لم تحل، هذا الذي استغبته بالباطل, سوف يقف أمام الله يوم القيامة، وسوف يقول: يا رب أعطن مظلمتي من فلان، فلان تؤخذ حسناته، فإذا فنيت حسناته طرح عليه سيئاته، حتى يطرح في النار.

عد إلى المليون قبل أن تستغيب أخاً بالباطل.

الشيء الدارج: إذا أزعجك, جرده من الإيمان كله, بهذه البساطة، إذا صار سوء تفاهم بين المؤمنين, كل طرف ينفي عن الطرف الآخر الإيمان، عندما تنفي عن البنت شرفها, أنت طعنتها بأثمن ما تملك.

دقق: بنت قل عنها: إنها ليست متعلمة، شكلها وسط، بسيطة، أما زانية، وهي بريئة, فهذا اتهام كبير جداً، كما لو أنك اتهمت فتاة في شرفها, فقد ارتكبت أكبر الكبائر، كذلك لو اتهمت مؤمناً بإيمانه، هذا ليس فيه إيمان، من الذي قال لك ذلك؟ هذا أيضاً من الجرم الكبير.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور