وضع داكن
19-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 069 - بر الوالدين وصلة الرحم2 – حديث بر الوالدين - أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة لميقاتها وبر الوالدين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في رياض الصالحين، من كلام سيد المرسلين، عليه أتم الصلاة والتسليم، وننتقل اليوم إلى باب: 

بر الوالدين، وصلة الأرحام.

قال تعالى: 

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36)﴾

[ سورة النساء ]

هناك معنى دقيق في هذه الآية: العبادة لله، والإحسان للوالدين، أما أن يُعبد الوالدان من دون الله، فإذا أمر الوالدان بما يغضب الله عز وجل, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قالت أم سعد لابنها: يا بني إما أن تكفر بمحمد، وإما أن أدع الطعام حتى أموت، فقال يا أمي: لو أن لكِ مئة نفس, فخرجت واحدةً واحدة, ما كفرت محمد، فكلي إن شئت أو لا تأكلي.

 

يجب أن تفرق بين العبادة والإحسان.


الوالدان يجب أن تحسن إليهما، يجب أن تؤثرهما على نفسك، يجب أن تكون في خدمتهما طوال حياتك، هذا هو الإحسان.

أما أن تقول لك أمك: طلق امرأتك, وإلا أغضب عليك، لا غضب لها ولا رضا.

أما أن يحملك أبوك على كسب مال حرام، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 

هذا المفهوم ينبغي أن يكون واضحاً، ولا أتكلم من فراغ، هناك آلاف القصص، وآلاف القضايا تُعرض عليَّ، سببها: أن الأب يجبر ابنه على المعصية، إن لم تظهر زوجتك أمام كل الأقرباء, فلن أعطيك شيئاً. 

آباء مسلمون، يصلون في المساجد، يجبرون أبناءهم على الاختلاط، ويربطون رضاهم بالاختلاط، أمهات وقد يكن محجبات, يجبرن أولادهن على ما لا يرضي الله عز وجل, لجهل أو لبعد عن الدين.

المفهوم الساذج: أنه يجب أن أطيع أمي، من قال لك ذلك؟ يجب أن أحسن إلى أمي.

الطاعة لله، والإحسان للوالدين (وبالوالدين إحساناً)

ماذا قال العلماء حول هذه الآية؟.

أيها الإخوة؛ الآية واضحة، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) هذه الباء باء الإلصاق، أمسكت به، من معاني الباء: أنها للإلصاق، وقد تأتي الباء للسببية، قال تعالى: 

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160)﴾

[ سورة النساء ]

بسبب ظلمهم، وقال عز وجل: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

بسبب رحمة من الله لنت لهم، هذه الباء سببية، وعندنا باء الظرفية، مررت بدمشق، هذه الباء ظرفية، هناك باء للإلصاق، أمسكت به، لو فتحنا معاجم اللغة، الفعل أحسن يتعدى بـ, إلى، أحسنت إليه، ليس هناك في اللغة أحسنت به، لكن في القرآن: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) أي: إحساناً بالوالدين، فهذا الفعل ورد في كتاب الله على خلاف القاعدة، القاعدة: أحسن إليه، وفي القرآن: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) قال العلماء معنى ذلك: أن الإحسان للوالدين ينبغي أن يكون بالذات مباشرة، وكأنك ملصق به.

قد يكون الإنسان مشغولاً، وقد يكون عنده سائق، يقول له: خذ أبي إلى المكان الفلاني، هذا لا يجوز، يجب أن تأخذه أنت، يجب أن تخدمه بذاتك، أو يكلف إنساناً, يسأل عن حاجات أمه فيأتيها بها، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) يجب أن يكون إحسانك إلى والديك بالذات مباشرة، يجب أن تلتصق بهما إذا أحسنت إليهما، السبب: أن الأب والأم أحياناً, يتجاوزان أمور الدنيا، يحتاجان إلى وجودك، إلى مؤانستك، إلى أن تكون معهما، لا إلى أن تقدم لهما كل الحاجات، يتمنى الأب أن يرى ابنه أمامه، وهذا أفضل عنده ألف مرة, من أن يرسل له فاكهة، أبوك يريدك أن تكون أمامه.

 

حضارة العصر:


أيها الإخوة؛ العالم الغربي الآن, يعاني ما يعاني، إنسان مرض يؤخذ إلى مأوى العجزة مباشرة، هذا المتقدم في السن, يسعده أن يكون بين أولاده.

هناك امرأة ثرية جداً، ولها أولاد كثر، أصيبت بالشلل، فالأولاد تبرموا منها بضغط من زوجاتهم، كل واحد منهم رفض أن يستقبلها، فاتفقوا على أن يضعوها في مأوى العجزة.

والآن: هناك مستويات عالية جداً، فندق خمس نجوم، خدمات من أعلى مستوى، غرفة مكيفة، طعام من الدرجة الأولى، نظافة، أناقة، جمال، مبلغ كبير جداً، تقريباً من ثلاثمئة ألف سنوياً، المبلغ فلكي، كل هذا الرفاه لا يعدل أن يكون هذا الإنسان العاجز بين أولاده، فهذه المرأة الثرية, وجدت نفسها في مأوى العجزة، في رفاه عال جداً، طلبت كاتب العدل، وكتبت كل أموالها من دون استثناء للجمعيات الخيرية، وانتقمت من أولادها.

 

ما الذي يسعد الأبوين؟.


أيها الإخوة؛ هناك الآن علم اسمه: علم نفس الشيوخ، صار للإنسان المتقدم في السن نفسية خاصة، علم نفس الشيوخ, يبيّن أن هذا الإنسان عنده حساسية بالغة جداً، ما الذي يسعده ؟أن يكون بين أولاده، فالخدمة من الدرجة العاشرة, وهو في بيت أولاده أفضل عنده من خدمة من الدرجة الأولى, وهو في مأوى العجزة، قد يكون الابن ميسوراً، وجوده عند والديه لا يعدله وجود، فلذلك قال تعالى: 

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23)﴾

[ سورة الإسراء  ]

يقول الإنسان: والله أنا عندي خمسة أولاد في بيتي، يأكلون من رزقي، أنا أربيهم، هم عندي، ولما يكبر في السن تنعكس الآية، أنا أبي عندي، كنتَ أنت عنده، والله عندي ثلاثة أولاد، أربعة أولاد، لما تقدم الابن في السن, صار يقول: أنا عند ابني، من عندك؟ عندي أبي ، والحمد لله، كبر في السن, قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا) إذا كان والد أحدنا شاباً, فهيماً، مثقفاً، يكون إرضاؤه سهلاً جداً، ليس بحاجة إليه بالهاتف والزيارة، يسأل عنه، أما إذا كبر الأب، وتقدمت به السن، وضعفت ملكاته، ويحتاج إلى خدمة عالية المستوى، وإلى تنظيف، وإلى طعام خاص، صار الأب عبئاً، الرضا هنا، قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا) هو كبير، وهو عندك، وما معنى كبير؟.

 

المسارعة بالأعمال الصالحة .


إخواننا الكرام؛ الحديث الذي يقصم الظهر: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، وْالدَّجَّالَ، والدجال َشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، وْالسَّاعَةَ، والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟ ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي في سننهما ]

 

قصة أرويها دائماً.


هناك بدوي في شمال جدة، له أرض، فلما توسعت جدة, وصلت إلى أرضه، فباع أرضه عن طريق مكتب عقاري خبيث جداً، اشتراها بربع قيمتها، وأنشأ عليها بناية من اثني عشر طابقاً، هم ثلاثة شركاء، والقصة واقعية، وقعت في جدة، أول شريك وقع من رأس البناء على الأرض، فنزل ميتاً، والشريك الثاني دهسته السيارة، وانتبه الثالث إلى أن موت الشريكين بسبب احتيالهما على صاحب الأرض، فبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه ، ونقده ثلاثة أضعاف ما قد أعطاه من قبل, فقال له هذا البدوي: ترى أنت لحقت حالك، كلمة بليغة جداً.

وأنا أحب ذكر هذه القصة، حتى نلحق حالنا نحن، الإنسان ما دام قلبه ينبض، ما دام هناك بقية من الحياة, فإنه يمكنه أن يتدارك نفسه. 

يقول عليه الصلاة والسلام: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ...

أي أدركوا أنفسكم، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ هذه الدنيا أمامكم، أنتم كلكم واقعيون ، ماذا أمامنا؟ ممكن أن أستيقظ كل يوم كالبارحة على طول؟ مستحيل، لا، في أحد الأيام تجد في نفسك مشكلة، لأن الإنسان لا بد أن يغادر الدنيا، كيف يغادرها؟ بمرض.

عُقد في دمشق مؤتمر أطباء القلب، ثبت أن هناك مورثاً, يحدد طريق موت الإنسان، حينما يولد، أحد المورثات طريقة موته، والله فلان مات، خيراً، ما المرض الذي مات به؟ تشمع كبد، الثاني فشل كلوي، والرابع جلطة في القلب، الخامس خثرة في الدماغ، السادس ورم خبيث في العظام، كل واحد له طريقة, يغادر بها الدنيا، هذا سماه النبي: مرض الموت.

لو كان صاحبه صدِّيقاً, فلا بد أن يموت، يتفاقم، فهل يمكن أن أستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله؟ مستحيل، يقول عليه الصلاة والسلام: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ)) ما الذي ينتظر أحدكم من الدنيا؟ ما الذي أمامك؟ أيّ إنسان شارد, ساهٍ لاهٍ، هذا ما أشار إليه النبي. 

هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا...

هناك الآن محلات ضخمة جداً، وليس هناك بيع، بقيت تجارة البناء أربح تجارة خلال ستين سنة، قبل سنتين وقفت، بيت دفِع ثمنه خمسة عشر مليون ونصفاً، بيع قبل أيام بخمسة ملايين ونصف، فالذي يحمل أبنية وبيوتاً قرش ونصف، أحياناً: يأتي الفقر فجأة، الوضع صعب، وليس هذا من باب التشاؤم، هناك وضع غريب في العالم، الأموال كلها تجمّع بيد الأقوياء.

في حرب الخليج, انتقل من الشرق إلى الغرب سبعمئة وخمسون ملياراً، كان في أمريكا عجز من خمسين سنة، فترمّم عجزهم، عندهم رواج الآن, يفوق حد الخيال، وعندنا كساد يفوق حد الخيال ((هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا)) قد يأتي فقر مفاجئ. 

فقر بعد غنى واستكبار.

هناك أخ من إخواننا قال: كنت وسيطاً في زواج، رجل عنده في المنطقة الحرة معامل ومشاريع، خطب ابنته مهندس راق جداً، صاحب دين، فقابله بكِبر ليس بعده كِبر، قال له: أنت كم معاشك في الشهر؟ قال له: عشرة آلاف، قال: هذا لا يكفي ابنتي يوماً واحداً، اذهب لا حظّ لك عندنا، فصرفه، الله كبير، والرجل راوي القصة من إخواننا، لأن هناك قرابة، فجأة صدر قانون ألغى عمل المناطق الحرة، وكان عليه التزامات بالملايين، هناك تفاصيل ليس هذا مقامها، فجأة افتقر، وصار مكشوفاً، تفاقم الأمر لدرجة أنه سأل الوسيط, وقال له: هذا الذي خطب ابنتي في زمانه، هل تزوج أم لم يتزوج؟ فقال: لم يتزوج، قال: هل تقنعه أن يخطبها مرة ثانية؟ فأقنعه، خطبها مرة ثانية، ووافق، بعد ذلك عمِل العمُّ عند الصهر محاسباً، هذا فقر منسٍ مفاجئ، هناك قصص كثيرة جداً، فمثلما يعطي الله فيدهش، فإنه يأخذ ويدهش.

واللهِ حدثني أخ، قال: كان عندي مئات الملايين، لم يعد معي ثمن رغيف خبز، الله عز وجل رتب له ترتيباً, جعله يتمنى أن يأكل، أُخِذ منه هاتفه. 

هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا...

كان بالدخل المعقول مستقيماً، من مسجد إلى مسجد، فلما اغتنى صار من ملهى إلى ملهى، اختلف وضعه، هذا الغنى المطغي أحد المصائب، أحد أكبر المصائب: أن تغتني غنى يحملك على المعصية.

  هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا...

هناك أمراض مفسدة، لا يستطيع صاحبها الأكل، ولا أن يمشي، يعيش معلولاً.  

أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا...

يخرف، يعيد القصة مليون مرة، يكون قد أكل من لحظات، فيأتي الضيف فيقول له: لا يطعمونني، هذا هرم مفند، وهناك مرض مفسد، وغنى مطغٍ، وفقر منسٍ. 

أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا...

نعيه على الجدران، ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ الذي لا يريد الله، أعرض عن ذكر الله، أعرض عن العمل الصالح، أعرض عن هذا الدين، ماذا ينتظره؟ أحد السبعة. 


أدركوا أنفسكم:

 

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، وْالدَّجَّالَ، والدجال َشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، وْالسَّاعَةَ، والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟ ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي في سننهما ]

بادروا: أي أدركوا أنفسكم، مثل ذاك البدوي، قال: ترى أنت لحقت حالك، أدرك نفسك بتوبة، أدرك نفسك بعمل صالح، أدرك نفسك بإنفاق، أدرك نفسك بطلب علم، أدرك نفسك بضبط أمورك، بإقامة الإسلام في بيتك، في عملك، أدرك نفسك بتلاوة القرآن، بتربية أولادك ، أدرك نفسك.

ما المراد بكلمة: (أُفٍّ) في هذه الآية؟ وما هو الأمر الإلهي الموجه إلينا من خلال هذه الآيات؟ قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) ما هو الأفّ؟ الأف زفير، صوت مرتفع، تأفف، التأفف فصاعداً محرم، ماذا يقابل الأف؟ غلق الباب في وجههم بقوة، هذا أقلّ شيء ممكن، وهناك أبناء –والعياذ بالله– يقول لأمه: كل البلاء منكِ، أسأل الله أن يخلّصنا منك، وهناك أبناء يضربون آباءهم، فما دامت كلمة أف محرمة، فما قولك فيما فوق الأف؟ قال بعض العلماء: لو أن في اللغة كلمة أقلّ من أف, لذكرها الله عز وجل.

قال تعالى: 

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)﴾

[ سورة الإسراء ]

بصراحة: الأم تتمنى حياة ابنها، فإذا كبرت قال: الله يخفف عنها، إذا قالها في قلبه, فلا شيء.

لذلك: لا تجد آية قرآنية, يوصي الله فيها الآباء بأولادهم، لماذا؟ لأن محبة الأولاد فطرة وطبع، هل يمكن أن يصدر مرسوم جمهوري, أنّ على المواطنين تناول طعام الفطور، وإلا فهم تحت طائلة السجن؟ لا داعي، كل الناس جائعون، ولا بد أن يأكلوا، فكل شيء مركب في الفطرة, لا يحتاج إلى قوانين، حب الأبناء مركب في فطرة الإنسان، أيّ أم مسلمة، فاجرة ، فاسقة، منحرفة، تحب ابنها، ولكن ليس كل ابن يحب أباه، لذلك: جاء الأمر ببرّ الآباء، لا ببرّ الأبناء.

قال تعالى: 

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)﴾

[ سورة لقمان ]

سبحان الله! موضوع الجنين، الجنين يحتاج إلى كلس، الأم لا تشرب الحليب، والجنين يأخذ حاجته من الكلس من عظام أمه، فأغلب النساء الحوامل اللواتي لا يأكلن الحليب والجبن بكميات معقولة, يصبن بنخر في أسنانهن، وهشاشة عظامهن، لأن الجنين أخذ حاجته من الكاس من عظام أمه، قال تعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ورد في بعض الآثار: ليعمل العاق ما شاء أن يعمل, فلن يدخل الجنة، وأنا أنصحك, ألاّ تشارك عاقًّا، لو كان فيه خير, لكان لأمه وأبيه، لا تشاركه، ولا تعامله، هذا عديم الخير.


 أي العمل أحب إلى الله تعالى قال: بر الوالدين....

 

(( عَن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تعالى؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَلت: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ -يا لطيف، بعد الصلاة- قَلت: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

أعظم الأعمال: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، ثم ماذا؟ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثم ماذا؟ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

لذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم: 

من أعظم النساء حقاً على الرجل في حياتك؛ أمّ ، وأخت، وزوجة، وبنت، وخالة، وعمة؟ أعظم امرأة لها حق عليك أمك، فلما سئل: من أعظم الرجال حقاً على المرأة؟ قال: زوجها.

هذا كلام النبي، أعظم النساء حقاً على الرجل أمه، وأعظم الرجال حقاً على المرأة زوجها.

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ, أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تعالى, قَالَ: هَلْ لك من وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ, بَلْ كِلَاهُمَا, قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تعالى؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا ))

[ أخرجه مسلم ]

خدمة الوالدين جهاد في سبيل الله.

أيها الإخوة؛ هذا الدرس عن بر الوالدين، الذي أتمناه أن يُترجم إلى واقع، وإلا فلا قيمة لهذا الدرس إطلاقاً، قل: ألف مليون، هذا كلام، تملّكُ هذا المبلغ شيء، وأن تنطق بهذا الرقم شيء آخر.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور