وضع داكن
29-03-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 082 - حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله - توقير العلماء والكبار وأهل الفضل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


 تمهيد :

 

لا زلنا أيها الإخوة في رياض الصالحين، من كلام سيد المرسلين، عليه أتم الصلاة والتسليم، واليوم باب: 

توقير العلماء, والكبار, وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم.

أيها الإخوة؛ الناس يتفاضلون بقيم أرضية، وبقيم سماوية: 

أما القيم الأرضية, فقيمة المال قيمة كبيرة عند الناس، فصاحب المال معظم، معظّم، هكذا، صحيح أو خطأ، هذا موضوع ثان، أما الناس فيعظمون أرباب المال، والقوي معظم، والناس يعظمون الأقوياء، والجميل محبوب، والناس يتملقون للجميل، هذه قيم الأرض، الغني مبجل، القوي معظم، الجميل يتملق له. 

ولكن لو فتحنا القرآن، وقرأناه من دفته إلى دفته، لا نجد عند الله عز وجل إلا قيمتان ترفعان الإنسان عند الله فقط: 

قيمة العلم، وقيمة العمل.


 الدليل الأول قوله تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]


 الدليل الثاني قوله تعالى:

 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾

[ سورة الأنعام ]

عند الله تعلو بعلمك وعملك، وعند الناس تعلو بمالك وقوتك. 

هذه قيم الأرض، وتلك قيم السماء.

وقد ورد في الحديث: ((ابتغوا الرفعة عند الله)) قيم السماء خالدة إلى أبد الآبدين، أنت حينما تطلب العلم، وحينما تعمل بما علمت ترقى إلى أعلى عليين، ليس في الدنيا فقط، بل في الآخرة، فهناك قيم ممتدة، وهناك منتهية عند الموت، فأكبر يموت، وإذا مات انتهى، هناك أغنياء في العالم, تركوا أرقاما فلكية، انتهوا حينما ماتوا، وليس لهم أي أثر. 

 

قيمة العلم:


مرة سألت طلابي قديماً مداعباً، قلت لهم: من يأتيني باسم غني, عاش في دمشق عام 1896، هذا هو السؤال، وله علامة تامة، فكر الطلاب كثيراً، لم يجب أحد منهم، قلت: وأنا معكم لا أعرف. 

من منا لا يذكر سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا عليًّا، سيدنا خالداً، سيدنا صلاح الدين، الإمام الشافعي، الإمام أبو حنيفة، الإمام مالك، الإمام ابن حنبل، هذه الأسماء تدور على الألسنة في اليوم ملايين المرات، ولا يستطيع إنسان أن يذكر غنياً, عاش في الشام قبل مئة عام، يموت فينتهي، لذلك: سيدنا علي قال: 

يا بني, العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق

أنا أذكر: أول ما خطبت في جامع النابلسي، القصة من ثلاثين سنة تقريباً، جاءني رجل، قال لي: 

زوجتي تخونني، وصار يبكي، ولي منها خمسة أولاد، ومضى على خيانتها لي سنتان، ماذا أفعل؟. 

قلت له: مع من؟. 

قال: مع جارنا. 

قلت له: كيف تعرف عليها؟. 

قال: والله أنا السبب يا أستاذ، مرة جاءنا يزورنا، ناديت زوجتي، اجلسي معنا، هذا كأخيك. 

قلت له: أنت لو حضرت مجلس علم واحد ما فعلت هذا، أنت السبب.

سائق تاكسي -هنا في الشام- قبل سنتين أو ثلاث, استوقفته امرأة، تضع عباءة، ركبت معه.

قال لها: إلى أين يا أختي؟. 

قالت له: أينما تريد خذني. 

قضى وطره منها، وأعطته ظرفين، أول ظرف فيه خمسة آلاف دولار، والظرف الثاني فيه رسالة.

فتح الرسالة فإذا قد كُتب فيه: مرحباً بك في نادي الإيدز، مصابة بهذا المرض، فنقلته له، فلما ذهب ليصرف هذا المبلغ, فإذا به مزور، فأودع السجن.

لو أنه طلب العلم, لوضع رجله في ظهرها وركلها, حينما قالت له: خذني أين تريد؟. 

أيها الإخوة؛ العلم حارس، والعلم حصن، والعلم سبب سلامتك وسعادتك، فلذلك: لا بد لك من طلب العلم.

قالوا لك آباء ثلاثة: 

لك أب أنجبك، أبوك الحقيقي، ولك أب زوجك، ولك أب دلك على الله.

1- الأب الذي أنجبك هو سبب حياتك، ينتهي فضله عند نهاية الحياة. 

2- والأب الذي زوجك يبدأ فضله يوم الزواج، وينتهي عند الفراق، فراق الزوجة، فراقك لها، أو فراقها لك.

3- وأما الذي دلك على الله, فيستمر فضله إلى أبد الآبدين, من عرّفك على طاعة الله، حملك على أن تستقيم.

فلذلك في عالم الأرض: قيم المال والقوة والجمال، عند الله عز وجل قيمة العلم والعمل.

كن ابن من شئت، اطلب العلم ترق عند الله، ((تعلموا العلم، فإن كنتم سادة شرفتم، وإن كنت وسطاً سدتم، وإن كنت سوقة عشتم)) إذا كنت من الطبقة العليا، إذا كان للواحد منصب رفيع جداً بحكم قرابته بالملك مثلاً، ومعه دكتوراه، ((إن كنت سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم)) .

قيم الأرض: فقيم المال والقوة والجمال.

وقيم السماء: قيم العلم والعمل.

والموت ينهي كل قيم الأرض.

إذا كان هناك قبران متجاوران، أحدهما مات عن خمسة آلاف مليون، والثاني مات مليونيرًا، القبر واحد، أحدهما ضعيف، والثاني قوي، ماتا، كلاهما يا عبد الله؛ الموت حق، والجنة حق، والنار حق، وقد يكون ملكاً، لا يقال له: يا صاحب الجلالة الموت حق، يا عبد الله ، فقيم الدنيا تنتهي عند الموت، ولكن قيم السماء تبدأ بعد الموت، قال تعالى:

﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)﴾

[ سورة يس ]

فأنت حينما تعظم قيم السماء ترقى عند الله، لذلك: يمكن أن تلتقي برجل غني, تنحني له نصفين، أما المؤمن فيحترم الذين أكرمهم الله بالعلم.

الحقيقة: العلم كرامة، ولكن هذه الكرامة رائعة جداً، لا تحتاج إلى خرق العادات, كرامة العلم أعلى كرامة، ومع أنها أعلى كرامة, ليس فيها خرق للعادات، قال تعالى:

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾

[ سورة الزمر ]

مرة دخلت معملاً، صاحب المعمل وجهه مصفر ومكفهر: خير؟ قال: تعال انظر، معمل ضخم، معمل تطريز، قال: انظر إلى هذا الشق في هذا الجسر، قلت: ما معنى ذلك؟ قال : هناك هبوط في أساس المعمل، أتينا بدكتور في الهندسة، قال: القصة سنة 1970، قال: كلفة تدعيم أساس هذا المعمل خمسمئة ألف ليرة، وكان الدولار بثلاث ليرات، لو جاء صاحب المعمل بدهان، وقال له: هناك شق، فقال الدهان: أنا أمعجنه لك، فبين معجن الدهان هذا الشق وبين تدعيمه بخمسمئة ألف مسافة كبيرة جداً، مسافة العلم ومسافة الجهل، فلذلك: رتبة العلم أعلى الرتب.

إن أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم 


الحديث الأول: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله...

 

(( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ, فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً, فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ, فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً, فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا, وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ, وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ, إِلَّا بِإِذْنِهِ ))

[ أخرجه مسلم ]

أيها الإخوة؛ تسمع أحياناً العجب العجاب، مرة هكذا قيل لي: المذيع قدّم قارئاً, وقال: يتلو عليكم سورة يَاسْ، عوض يَاسين، ((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ)) الآية الكريمة:

﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾

[ سورة التوبة ]

قال: وكلمةَ الله، مشكلة كبيرة جداً، يعني: جعل كلمة الذين كفروا السفلى, بعد أن كانت عليا، وجعل الله كلمة الله هي العليا, بعد أن كانت –والعياذ بالله -، فإذا قلت: وكلمةَ الله, وقعت في معنى خطير جداً، أي كانت كلمة الله سفلى، فصارت عليا. قال تعالى: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى) وقْف. قال تعالى: (وَكَلِمَةُ اللَّهِ) مبتدأ: (هِيَ الْعُلْيَا) دائماً: حركة تنتقل من معنى رائع إلى معنى فاسد.

((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ, فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً, فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ, فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً, فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا, وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ, وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ, إِلَّا بِإِذْنِهِ)) أنت في بيت لا يؤمّنّ، أي لا يصلي إماماً، ((يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ)) أنت في مزرعة، مَن أولى أن يصلي بك إماماً؟ صاحب المزرعة، هذا سلطانه، أنت في بيت، من أولى أن يصلي بك؟ صاحب البيت، إلا أن يوكلك، أما الأصل: أن يؤمّ القومَ من كان في سلطانه، ((وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)).

دخلت إلى مكتب فخم، ووراء المكتب كرسي فخم، هناك أماكن لجلوس الزوار، هناك أشخاص يقعدون في مكان صاحب المكتب، هذا المكان ليس لك؛ فيه درج مفتوح، فيه دفتر هاتف، فيه سندات، هذا لا يجوز أن تجلس فيه، ((وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) كل إنسان له مكان يجلس فيه، له مكتب، له مكتبة، يأتي ضيف، ويمسك كتاباً من دون إذن، يفتح دفتراً من دون إذن، يفتح درجاً من دون إذن، هذا يتنافى مع كمال الإيمان.

أعيد عليكم قراءة الحديث: 

(( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ, فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً, فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ, فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً, فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا, وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ, وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ, إِلَّا بِإِذْنِهِ ))

[ أخرجه مسلم ]

حتى ورد في الأثر أنه: ((من نظر إلى كتاب أخيه من غير إذنه, فكأنما ينظر إلى النار)) لفتة، مذكرات، لا ينبغي أن تفتح من دون إذن صاحبه، هناك رسالة فرضاً، هناك مشكلة أو رسالة من زوجته مثلاً, تهدّده بالمفارقة، هذه أسراره الخاصة، أما أن تفتح كتاباً ليس لك، فهذا ليس من السنة.


 الحديث الثاني: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم...

 

(( وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ, وَيَقُولُ: اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))

[ أخرجه مسلم ]

الإمام إذا صلى, الأكمل: أن يصلي وراءه, أقرؤهم لكتاب الله، فإذا أخطأ في قراءته ردّه، ((لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى))، أي: علية القوم, يصلون وراء الإمام، ((ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)). 


الحديث الثالث: يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد...

 

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ, ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا, قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ))

[ أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي ]

يقدّم في اللحد من كان أكثر قراءة للقرآن من أخيه، لذلك: في مجتمعات المادة يعظَّم رب الأموال، وفي مجتمعات الدين يعظَّم أهل العلم.

 

توقير العلماء  والكبار وأهل الفضل.


سمعت قصة أعجبتني جداً، أستاذ جليل في محافظة في الجنوب, زار رئيس الوزارة، هكذا سمعت، نزل إلى الباب الخارجي, وفتح له باب السيارة بيده، شيء جميل، إنسان له دعوة إلى الله، له باع في العلم، يُحترم من قِبل الأمير، الأمير ينفّذ، ماذا قال الله عز وجل؟ قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

[ سورة النساء ]

قال الإمام الشافعي: ((أولو الأمر: هم الأمراء والعلماء معاً)) كيف؟ العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، هناك أمر إلهي، واحد يعلمه، وواحد ينفذه، فالأصل التعاون، العلماء يعلمون، والأمراء ينفذون.

 

الحديث الرابع:


دقق في هذا الحديث: 

(( عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ تعالى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ, وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ, وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ))

[ أخرجه أبو داود ]

من تعظيم الله تعالى ((إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ)) إنسان كبير في السن، شاب شعره في طاعة الله، صائم، يصلي، يغض بصره، كلامه مهذب، يقرأ القرآن، عمره ستون, أو سبعون سنة، أو ثمانون, أو تسعون، من إكرام الله تعالى أن تكرم ذي الشيبة المسلم ((وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ)) الذي يحفظ كتاب، والذي يعلم كتاب الله، والذي يفسر كتاب الله ((وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ))

أي: إذا التقيت بمدير ناحية، لكنه مستقيم، ورع، لا بد أن تحترمه، الموظف مثلا: إذا كان يقوم بواجبه الوظيفي، وحريص على العدل، وحريص على خدمة الناس، وعلى توفير الأمن لهم، هذا يجب أن يُحترم، تشجيعاً له، لما تكرم ذي السلطان المقسط، فهذا من إجلال الله عز وجل، ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ, إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ, وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ)) أي لم يتجاوز الحدود، يقرؤه، ويعمل به، لأنه: ((رُبّ تال للقرآن, والقرآن يلعنه)) هناك بنت لأكبر قراء مصر ابنته مغنية، هذا بيت يتلى فيه القرآن، أيعقل أن تكون بنت أحد كبار, كبار القراء في مصر مغنيةً؟ هذه وصمة عار في حقه ((وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) العادل، إذا كان الموظف نزيهاً مستقيما, لا بد أن تحترمه، من السنة أن تحترمه، كي تشجعه أن يبقى مستقيماً، وعلى أن ينفع الناس.

 

الحديث الخامس:


وفي الحديث الصحيح: 

(( عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا, مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا, وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ))

[ أخرجه الترمذي وأبو داود ]

الصغير يُرحم، والكبير يبجَّل ويعظَّم، مرة أحد الخلفاء، أحد أمراء المؤمنين, سأل عالماً جليلاً, اسمه أبو حازم، قال له:

عظني، قال له: اجعل أصغر الناس في رعيتك ابناً، وأوسطهم أخاً، وأكبرهم أباً، فارحم الصغير، وواسِ المتوسط، وأجلّ الكبير 


الحديث السادس:

 

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ, فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ, وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ رضي الله عنه, وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا بْنَ أَخِي, لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ, فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ؟ فاستأذن له, فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه, فَلَمَّا دَخَلَ, قَالَ: هِيْ يَا بْنَ الْخَطَّابِ! فَوَ اللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ, فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)﴾ [ سورة  الأعراف ] وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ تعالى ))

[ أخرجه البخاري ]

إذا ذكّرت المؤمن بآية يقف، هذا حكم الله، قال له: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) ، ((وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ)) .


 آخر حديث:

  

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ, إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ, مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ))

[ أخرجه الترمذي ]

إن كنت تعظّم المال, فلا بد من أن تعظّم أرباب الأموال، وإن كنت تجلّ العلم, فلا بد أن تحترم حاملي العلم، والذي تحترمه هو الذي تصبو إليه دائماً، ومن السنة: أن توقر أهل العلم والفضل، وذي الشيبة المسلم.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور