وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 041 - توجيهات نبوية في التعليم عن طالب العلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مطالب الإنسان تنصب في حقلين فقط :

قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾

[ سورة الأحزاب :28-29]

 ذكرت مرة أن الإنسان له مطالب في الحياة ، لكن هذه المطالب مهما تنوعت ، ومهما تعددت ، ومهما اختلفت من إنسان لآخر لا يمكن إلا أن تنصب في حقلين اثنين ، إما أن ترجو الله والدار الآخرة ، وإما أن ترجو الدنيا وزينتها ، فإذا رجوت الله والدار الآخرة قبل كل شيء فلا بد من العلم ، لأن أي حركة بلا علم يوجد بداخلها غلط كبير ، يوجد فيها جهد ضائع، فيها انحراف ، فيها هلاك ، السيارة حركتها بلا مقود دمار محقق ، هلاك محقق ، حادث محقق، سقوط في الوادي محقق ، دائماً الحركة من دون علم خطيرة ، والعلم من دون حركة موت ، مقود دقيق جداً ولكن لا يوجد محرك ، فما قيمة هذا المقود ؟ ما قيمة دقته ؟ ما قيمة توازنه ؟ ما قيمة فعاليته ما دامت المركبة متوقفة ؟ أما لو أن هناك محركاً فعالاً عندئذ لا بد من المقود ، فالحركة من دون علم انحراف ، الحركة من دون علم جهد ضائع ، الحركة من دون علم قد تكون هلاكاً ، فلذلك السؤال الكبير قبل كل شيء اسأل نفسك هذا السؤال : ماذا تريد ؟ إن كنت تريد الحياة الدنيا وزينتها فلا شأن لك بالعلم إطلاقاً ، لك شأن آخر بعلم آخر ، بعلم الدنيا ، بعلم كسب المال ، بعلم الارتقاء في المناصب ، بعلم اقتناص المناسبات ، إذا أردت الدنيا وزينتها فأنت بحاجة إلى علم آخر .

 

الفرق بين الجاهل و العالم :

 والحقيقة :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب : 21 ]

 متى يغدو النبي أسوة حسنة لك ؟ متى لا يغادر النبي ذاكرتك ؟ متى لا يغادر النبي وجدانك ؟ متى لا يغادر النبي وأخلاقه وشمائله ومواقفه خواطرك ؟ إذا كنت تريد الله ورسوله والدار الآخرة ، أما إذا أردت المال وكان أرباب المال في ذهنك ، والمتفوقون في كسب المال في خاطرك ، والمتفوقون في تمتع في مباهج الدنيا في مخيلتك فالقضية واضحة جداً ، إن كنت تريد الله ورسوله والدار الآخرة عندئذ يكون النبي هو الأسوة ، هو القدوة ، عندئذ تغدو طالب علم ، وهؤلاء الذين يأتون إلى المساجد في الأصل هم أرادوا الله ورسوله والدار الآخرة ، ولأنهم أرادوا الله ورسوله والدار الآخرة جاؤوا ليتعلموا ماذا أراد الله ورسوله ، وماذا يتوجب عليهم ليصلوا إلى الآخرة بسلام ، الآن كلمة طالب علم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني أن هذا الإنسان أراد الله ورسوله والدار الآخرة ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في حديث مرسل :

((طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات))

[الديلمي في الفردوس عن حذيفة ]

 وهذا مقياس دقيق ، فإذا شعرت أنك بين أهل الدنيا ، بين أرباب المال ، بين الغافلين ، بين التائهين ، بين الشاردين فكأنك حيّ ينبض قلبك بالحياة ، يتقد ذهنك بالأفكار ، تضطرب نفسك بالمشاعر ، وأنت بين أموات لا حراك بهم ، ولا مشاعر لهم ، ولا قلوب لهم ، إذا كنت كذلك فأنت طالب علم ورب الكعبة ، هذا مقياس المتعلم ، إذا أردت أن توازنه بالجاهل فهو كالحي بين الميت ، تصور إنسانًا حيًّا مؤنسًا مفكرًا ، يشعر ، يتكلم ، ينطق ، يداعب ، يمزح ، يلقي علمًا ، يلقي موعظة ، يلقي حكمة ، يعطيك من ماله ، يرحب بك في بيته ، يدعوك إلى الطعام ، أما الميت فمخيف ، والغرفة التي يموت فيها الميت تبقى أشهراً مهجورة ، كان الإنسان مصدر أُنس للبيت ، كان إذا دخل تدافع أطفاله إليه ، كان إذا دخل البيت تراقص أولاده أمامه ، كان إذا دخل إلى البيت دخلت معه الحياة ، دخل معه السرور ، فماله أصبح الآن مخيفاً ؟ فرق كبير بين الحي والميت ، عيني الحي غالية جداً ، يقول لك : العملية كلفتني ثلاثمئة ألف ، ما هي هذه العملية ؟ يوجد خوف على الشبكية ، أصبح التثبيت بالليزر ، العين بعد الموت كعين البقرة ، وعين الخاروف ، كالمهملات ، لا قيمة لها إطلاقاً ، وازن بين عين في إنسان حي وهذه العين في إنسان ميت ، لا قيمة لها ، الكبد له خمسة آلاف وظيفة ، بعد الموت صفر ، أما إذا ذبح الحيوان فأصبحت تباع بالكيلو ، أما عملية في الكبد والجسم حي فلا بد لها من طبيب جراح ، اللحام يقطع قطعاً ، أما هنا فيقول : أجرينا عملية على التلفاز لدقتها ، إذاً هذا الحديث الأول :

((طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات))

[الديلمي في الفردوس عن حذيفة ]

على الإنسان أن يسجد لله على نعمة الهدى :

 إذا شعرت من دون كبر ، من دون استعلاء ، من دون غطرسة ، إذا شعرت وقد تلقيت العلم لسنوات عديدة أصبح عندك مفهوم واضح عن حقيقة الكون ، وعن حقيقة الحياة ، وعن سر الوجود ، وعن حقيقة التكليف ، وعن مقومات التكليف ، وعن العقل ، وعن النقل ، وعن أسماء الله الحسنى ، وعن شمائل النبي ، وعن حقيقة النبوة ، وعن هذا الكتاب الكريم ، وعن آياته الكونية ، وعن آياته التشريعية ، وعن آياته التي تأخذ طابع القوانين ، وعن أخبار الماضي ، غيب الماضي ، وعن غيب المستقبل ، وعن غيب الحاضر ، وعن الحلال والحرام ، وما يجوز وما لا يجوز ، والخير والشر ، إذا كنت قد طلبت العلم ، وجلست بين الجهال ، بين أهل المال ، بين أهل البدع ، بين المنحرفين ، بين التائهين ، بين الشاردين ، وشعرت بأنك حي بينما هم أموات ، فاسجد لله عز وجل شكراً على نعمة الهدى ، وأحياناً تسوقك الصدف إلى أن تكون مع صديق قديم ، صديق قبل عشرين عاماً ، تستمع إليه ، فإذا هو ينطق بالجهل ، فإذا هو لا ينضبط بالشرع ، مزاحه رخيص ، كلامه ثقيل ، تعليقاته لاذعة ، مطالبه أرضية ، همومه سفلية ، تقول : سبحان الله ! تقول : كنت مثله ، كنت في هذا المستوى .
 فالإنسان عندما يغيب ثلاثين سنة ، وتعرف صورته ، عندما كان شاباً ترى فرقاً واضحاً في ملامحه ، كذلك الإنسان لا تتبدل في يوم وليلة ملامح وجهه ، لكن من عام إلى عام، من خمس سنوات إلى خمس سنوات ، كذلك طالب العلم ، قد لا يرى فرقاً واضحاً بين درس ودرس ، لكن بين فصل وفصل ، بين عام وعام يرقى وهو لا يدري ، فهذا الحديث الأول :

((طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات))

[الديلمي في الفردوس عن حذيفة ]

 هكذا قال عليه الصلاة والسلام . ولا أكتمكم أن المؤمن الصادق حينما يرى أهل الدنيا غارقين في شهواتهم ، يكفي أن ترى إنسانًا في الستين أو السبعين يمضي ساعات طويلة في لعبة النرد ، ألا تقول له : إنك مسكين ، ماذا أبقيت لآخرتك ؟ يكفي أن ترى إنسانًا على مشارف الستين لا يصلي ، إلى أين هو ذاهب ؟ ماذا أعدّ لآخرته ؟ تشعر أنك حي ، وهو بين الأموات ، والنبي من أين جاء بهذا الحديث ؟ جاء به من كتاب الله ، قال تعالى :

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

[ سورة النحل : 21 ]

 ووصف أهل الكفر بأنهم :

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾

[ سورة النحل : 21 ]

طالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله عز وجل :

 حديث آخر يقول :

((طالب العلم لله ))

[الديلمي في الفردوس عن حسان بن أبي سنان]

 هذا قيد ، معنى ذلك أن هناك من يطلب العلم لغير الله ، وقد قال بهذا الإمام الغزالي : " طلبنا العلم لغير الله ، فأبى العلم إلا أن يكون لله " .
 هناك الكثير من الأشخاص تعلموا الشريعة لا حباً للشريعة ، لكن حباً لبعثة داخلية انتسبوا إليها ، فإذا هي تشدهم إلى الله ، طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله ، العلم فيه قوة جذب فظيعة ، تقرأ القرآن ، تقرأ الحديث النبوي ، تقرأ السيرة ، وتبقى كما كنت ؟! هذا شيء مستحيل ، الحقيقة أثر العلم في نفس الإنسان واضح جداً ، واللهِ العالم فيه صمت ، سكوت العالم علم ، سكوته له أصول ، إذا تكلم تكلمَ بأصول ، إذا ابتسم فالابتسامة أحياناً معصية ، شخص تعثر ، فالابتسامة معصية ، شخص سألك سؤالاً سخيفًا ، واللهِ إذا سخرت منه لا تعرف الله أبداً ، سألك سؤالاً من أجل أن تشجع الناس على السؤال ، من أجل أن تجعلهم يندفعون إلى طلب العلم ، يجب أن تحترم هذا السائل ، ولو كان هذا السؤال سخيفاً أصغِ إليه ، أجبه بأدب ، اشكره على هذا السؤال ، أما لو أنك سخرت ممن سأل ، وكان السؤال سخيفاً نفّرت الناس من طلب العلم ، وخاف كل واحد أن يسأل ، يخاف أن يسألك فتتهكم عليه ، لا أريد أن أسأله ، اسكت ، فهذا أفضل لك ، كلا ، إذا سألك سائل يجب أن تصغي له ، ويجب أن تبالغ في احترامه كي يتشجع ليسألك ثانية ، لأن مفتاح العلم السؤال ، فطلب العلم لله :

﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾

[ سورة الأحزاب : 29 ]

 هناك أهداف كثيرة ، ذات مرة خطر في بالي مثل ، إن هناك طريقين واضحين ، طريق إلى تل ، على هذا التل قصر منيف ، فيه كل شيء ، وطريق إلى حفرة ما لها من قرار ، يمكن أن يكون الطريق الصاعدة طريق الجنة تنتهي بقصر منيف ، من باب التقريب ، والطريق الهابطة طريق النار ، تنتهي بحفرة ما لها من قرار ، هذا المثل وضّحه النبي عليه الصلاة والسلام ، فقَالَ :

((أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثًا ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))

[أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 خطر في بالي مرة أن هذه الطريق الصاعدة التي تنتهي بالقصر لها فروع ، طرقات فرعية توصل إلى الهاوية ، تصور هذا المنظر ، تل عليه قصر منيف ، ولهذا التل طريق صاعدة ، وطريق هابطة تنتهي بحفرة ما لها من قرار ، لكن يجب أن تعلم علم اليقين أنه على الطريق الصاعدة على القصر المنيف فروع تؤدي إلى الحفرة التي ليس لها قرار ، وأنت في طريق الإيمان ، وأنت من رواد المساجد ، وأنت تطلب العلم هناك منزلقات ، منزلق أن تتداخل الدنيا بالآخرة ، قد ترى الدنيا من طرف الدين ، فتصبح مرتزقاً بعد أن كنت طالب علم ، فالبطولة وأنت في طريق الإيمان أن تبقى على الطريق الموصلة إلى القصر المنيف ، لا أن تنجذب إلى طرقات فرعية تؤدي بك إلى الحفرة التي ليس لها من قرار ، وأنت على الطريق الصاعدة إلى هذا القصر المنيف على جانبي الطريق فروع مغرية مزدهرة بالألوان ، بالأزهار ، بالرياحين ، لكنها توصل إلى الطريق الهابطة التي تنتهي إلى الجحيم ، لذلك عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ))

[ابن ماجه عَنْ ابْنِ عُمَرَ]

 و :

((أندم الناس عالم دخل الناس بعلمه الجنة ، ودخل هو بعلمه النار))

[ورد في الأثر]

 وقد يرى أهل النار اسماً لامعاً جداً ، يقولون : يا فلان ألم تكن كذا وكذا في الدنيا ؟ لك اسم كبير ، يقول : بلى ، يقولون : ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ يقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ، لهذا من الأدعية المؤثرة : " اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ، اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك ، اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ، اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك " فطالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله .
 يمكن أن ترى سيارة عامة فيها مئة راكب بين واقف وجالس ومزدحم ، هذا ذاهب لكي يشتري بيتًا ، هذا عنده دوام بعد الظهر ، هذا ذاهب ليقيم دعوى ، يقابل المحامي ، وفي داخل هذه المركبة العامة ثلاثة ذاهبون إلى مجلس علم ، الثلاثة غير السبعة والتسعين ، هؤلاء الثلاثة في سبيل الله ، كأنهم في جهاد في سبيل الله ، لذلك طالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله عز وجل .

 

طالب العلم طالب الرحمة :

 طالب العلم طالب الرحمة ، أنت ماذا تطلب ؟ دائماً أضطر لضرب أمثلة من الدنيا ، وضرب الأمثلة من السنة ، الآن لو لاحظت طالبًا درس الطب سبع سنوات ، أصدقاؤه أغنياء ، في نزهات ، و سهرات ، و مرح ، و فرح ، و زيارات ، و مغامرات ، و ضحك ، هو وراء الطاولة في غرفته عشر ساعات في الدراسة ، لكن بعد سبع سنوات أخذ بعثة من أجل البورد ، بعدما عاد يقف على عيادته خمسون إلى ستين مريضًا ، كل مريض ألف ليرة ، خمسمئة تخطيط ، و ثلاثمئة تصوير إيكو ، كل يوم خمسون ألفًا ، بعد شهر اشترى بيتًا بأرقى أحياء دمشق ، أربعمئة متر ، أخذ بيتًا في المصيف ، فيه حديقة ، لديه سيارتان ، عندما كان يدرس ، وينام يذهب لتغسيل وجهه ، وإذا دعي إلى سهرة يعتذر ، هذه السنوات السبع في الدراسة أصبح له بها هذا الدخل الكبير في الدنيا ، إذا كنت ذاهبًا إلى المسجد ، أين كنت ؟ لدي درس علم ، إلى أين ذاهب ؟ إلى المسجد ، وأين كنت ؟ في المسجد ، بعد خمس سنوات يجب أن تقطف ثمار هذه المجالس ، يجب أن تحس أنك إنسان آخر غير أقربائك ، غير جيرانك ، غير أهلك ، غير أبناء مهنتك ، غير بقية التجار ، غير بقية الصناع ، غير بقية الموظفين ، غير الناس ، الإنسان متميز ، إنك طالب علم ، إن تحركت فوفق الشرع ، إن تكلمت فوفق الشرع ، إن تكلمت بنصيحة تركت بها أثراً بليغاً ، فالوقت ثمين جداً ، وحضور مجلس العلم أثمن ، لكن عندما تقطف ثماره لما تصلي صلاة متقنة ، لما تقرأ القرآن وتفهمه فهماً دقيق ، لما ترى الناس واقعين في حماقات ، واقعين في جهالات ، في ضلالات ، في خلافات ، في خصومات ، في دعاوى ، في كذب ، في بهتان ، في اختلاط ، في غيرة ، في خيانات ، نزهات مختلطة ، ترى الناس في الوحول يعيشون ، وأنت حفظك الله عز وجل بالعلم ، نزهتك نقية ، لك نزهة خاصة ، حتى سهرتك نظيفة ، لقاءاتك نظيفة ، ندواتك لطيفة ، ولائمك لطيفة ، ضمن الشرع ، لا يوجد مخالفة ، بالعكس الحديث عن الله عز وجل ، يجب أن تشعر بهذه الثمرة الكبيرة .

 

طلب العلم مرتبة عالية جداً :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ أنا أتصفح هذا الكتاب ، الجامع الصغير ، أقول : ماذا أعطي هذا اليوم ؟ وجدت بحث طلب العلم بحثًا راقيًا جداً ، طالب العلم هذه مرتبة عالية جداً ، أحدهم يقول لك : أنا معي بورد ، يمشي بالعرض ، هذا فلان يقول : معي اختصاص كذا ، هذا فلان ابن فلان ، كل إنسان يتيه بشيء ، إما بنسب ، أو بحسب ، أو بمال ، أو بتجارة ، أنا لدي معمل إنتاجه اليومي كذا ، هذا حجم المال عنده كذا ، كل هذا الذي يفتخر به لا قيمة له ، لكن حق لك أن تقول : أنا طالب علم ، وأنصحك مهما تعلمت فلا تخرج عن هذه الكلمة ، وأنا أسمع هذه الكلمة من علماء كبار ، أنا طالب علم ، لكن نحن معاشر العلماء ، من حضرتك ؟ لا تقل : أنا عالم ، قل : أنا طالب علم ، مهما ارتقى بك العلم قل : أنا طالب علم ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ))

[ورد في الأثر]

 في اللحظة التي يظن فيها أنه علم الآن أصبح جاهلاً ، يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، ومن صفات العلماء التواضع ، العالم الحقيقي متواضع ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما غادر سيدنا عمر مكة المكرمة معتمراً طلب منه الدعاء ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ ، وَقَالَ لَهُ :

((يَا أُخَيَّ أَشْرِكْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِكَ وَلَا تَنْسَنَا))

[ابن ماجه عَنْ عُمَرَ]

 رسول الله ، سيد الخلق ، حبيب الحق ، سيد ولد آدم ، المعصوم ، الذي يوحى إليه ، الذي أطلعه الله على ملكوت السماء والأرض .

((يَا أُخَيَّ أَشْرِكْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِكَ وَلَا تَنْسَنَا))

[ابن ماجه عَنْ عُمَرَ]

 لك أن تفتخر ، سيدنا الحسن يمشي مزهواً ، فقيل له : يا بن رسول الله ، هو ابن ابنته أزهو في الإسلام ؟ قال : لا ، هذا عز الطاعة ، فأنت إذا كنت طالب علم حقيقة تطلب معرفة الله ليكون عملك كما يرضي الله فأبشر .

 

طالب العلم قلعة من قلاع الإسلام و ركن من أركانه :

 فأول حديث :

((طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات))

[الديلمي في الفردوس عن حذيفة ]

 و :

((طالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله))

[الديلمي في الفردوس عن حسان بن أبي سنان]

 وطالب العلم طالب الرحمة ، أنت طالب رحمة الله ، كلمة رحمة الله تعرفها ، أي رحمة الله في الدنيا ، أي ينزل عليك نعمة الأمن ، رحمة الله في الدنيا أي ينزل عليك نعمة الصحة ، رحمة الله في الدنيا أي ينزل عليك سمعة طيبة بين الناس ، تعيش بها ، رحمة الله في الدنيا أن يهبك زوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها ، تحفظك إن غبت عنها ، تطيعك إن أمرتها، رحمة الله في الدنيا أن يهبك الله ذرية طيبة ، أولاداً أبراراً ، رحمة الله في الدنيا أن تشعر بالغنى ، رحمة الله في الدنيا أن تشعر بفضل الله عليك ، ورحمة الله في الآخرة هي الجنة ، فلذلك : " إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها " لا أعتقد أنه هناك واحداً منكم يدخل عنده إنسان زائر لا يضيفه شيئًا إطلاقاً ، والله شيء صعب ، قد يحدث ، لكن خطأ، أو لأمر قاهر ، أو مستعجل جداً ، أو ليس لديك شيء تضيفه ؟ أما في الأصل فمستحيل إنسان يدخل عليك ولا تضيفه ، فطالب العلم طالب رحمة الله :" إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطيب في بيته ، ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر " طالب العلم طالب الرحمة ، طالب العلم ركن الإسلام ، دقق حينما رأى النبي رجلاً يصلي في المسجد في النهار ، قال : من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك ، أما هذا الذي شكا شريكه إلى النبي ، وشريكه طالب علم ، ماذا قال له النبي ؟ قال عليه الصلاة والسلام : لعلك ترزق به ، معناها العابد لذاته ، أما العالم فلغيره .

 

الفرق بين العابد و العالم :

 العابد واحد ، العالم أمة ، العابد قد ينجو وقد لا ينجو ، لأن إيمانه هش ، ضعيف المقاومة ، لا يتحمل الضغوط القوية ، لا يحتمل الإغراءات ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ))

[ الترمذي عن ابن عباس]

 طالب العلم قلعة من قلاع الإسلام ، طالب العلم ركن من أركان الإسلام ، ركن كبير ، مرجع ، وأنت تأتي إلى المسجد تستمع إلى التفسير ، إلى الحديث ، إلى الفقه ، إلى السيرة ، يومًا بعد يوم ، أسبوعًا بعد أسبوع ، شهرًا بعد شهر ، عامًا بعد عام ، أنت في المسجد منذ عشر سنين ، يجب أن تكون مرجعاً ، ركنًا في الحي ، بين الأقارب ، في أسرتك ، بين جيرانك ، بين زملائك ، بين من تعرف ، بين من هم فوقك ، فأنت أصبحت مرجعاً ، فأنت لا تستهن بهذه المجالس ، هي عند الله غالية جداً .

 

خير البلاد مساجدها و شرها أسواقها :

 ولا تنس أن خير البلاد مساجدها ، وأن شرها أسواقها ، إذا تجوّل الإنسان في الأسواق رأى البضاعة معروضة بشكل رائع ، عليها إضاءات رائعة ، ترى أن الحاجة ملبّسة في هذه التماثيل ، وإضاءة شديدة ، والتمثال مصنوع باليد ، شيء مغرٍ ، لكن ليس لديك ثمن هذا اللباس ، ليس لديك ثمن هذا الطعام ، تنشأ في نفسك حسرة ، أو كبر ، أو حرمان ، أو شقاق زوجي ، إذا ذهب الإنسان مع زوجته إلى السوق تنشأ مشاكل ، اشتر هذه ، ليس لدينا ثمنها ، تقول له : خذ لنا هذه ، إنها جيدة ، هي على أنها جيدة هي غالية الثمن ، ترى إذا ذهب الزوج مع زوجته يعودان متخاصمين ، وإذا ذهبا إلى بيت الله يعودان متفاهمين ، بعدما سمعا الدرس كل شخص بينهما سمع بماذا يأمر الله عز وجل ، وعن أي شيء ينهى ، فالمسجد غير السوق، السوق فيه مشاكل ، فيه عورات متكشفة ، هناك مغازلة بين البائعين والمشتريات ، وإغراءات ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :

((يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ، فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي : أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ ؟ فَقُلْتُ : لَا أَدْرِي ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ ؟ فَقَالَ : أَسْوَاقُهَا))

[أحمد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ]

 والحقيقة أن المؤمن من علامة إيمانه الصادقة أنه إذا أوى إلى المسجد كان كالسمك في الماء ، هذا مكانه الطبيعي ، هذا بيته ، هذا مكان تربيته ، هذا مكان عبادته ، هذا مكان أشواقه ، مكان أحواله ، مكان إقباله ، مكان استماعه ، هذا البيت مسجد ، فلذلك المسجد ركن أساسي في الحياة ، والنبي عليه الصلاة والسلام لو سألتموني أي شيء فعله بعد أن هاجر؟ أول عمل قام به بعد الهجرة أنه بنى مسجداً ، هذا المكان مكان الدعوة ، مكان الصلاة ، مكان الذكر ، مكان العلم ، مكان حلّ مشكلات المؤمنين ، مكان اللقاء ، مكان المصافاة ، مكان المعاتبة ، طالب العلم طالب الرحمة ، طالب العلم ركن الإسلام ، طالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله . يقبلها ويكافئك عليها ، ويعوضها عليك ، ويرحمك بها ، أن تقدم نفسك رخيصة في سبيل الله ، لذلك الذي يعرف الله عز وجل يعرف كيف يقدم نفسه لله ، لهذا طالب العلم لله أفضل عند الله من المجاهد في سبيل الله .

 

تيسير أمور طالب العلم و تكفل الله برزقه :

 هذه الأحاديث التي وردت بالجامع الصغير حول طلب العلم ، طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع ، الملائكة هؤلاء الأطهار الذين خلقهم الله عز وجل للتسبيح والتقديس ، إذا طلبت العلم تضع لك هذه الملائكة أجنحتها تكريماً لك ، وتسهيلاً لك ، واسألوا طلاب العلم ، أمورهم ميسرة ، أنا لا أنسى أن الإمام أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى سمع عن رسول الله حديثاً غيّر مجرى حياته ، أن طالب العلم يتكفل الله برزقه ، ودعوكم من شرح هذا الحديث على المستوى الواقعي ، طالب العلم الصادق الله سبحانه وتعالى ييسر له طريقاً للرزق يتناسب مع طلب العلم ، هناك أعمال تتطلب دوام اثنتي عشرة ساعة ، أعمال تتطلب دوام ست عشرة ساعة ، أعمال تحتاج جهدًا جهيدًا ، الله سبحانه وتعالى إكراماً لطلاب العلم ييسر لهم أعمالاً تتناسب مع طلب العلم ، هذا العمل يسمح له أن يطلب العلم ، وأن يحضر دروس العلم ، وأن يقرأ القرآن ، وأن يحفظ القرآن ، وأن يلتقي مع إخوانه ، فهذا من مكافأة الله له ، أن الإنسان إذا طلب العلم يهيئ الله عز وجل له عملاً يتناسب مع طلب العلم ، يتناسب معه وقتاً ، يتناسب معه دخلاً ، بأنك أنت نذرت نفسك في سبيل الله ، هذا معنى القول الذي نقل عن رسول الله أن طالب العلم يتكفل الله له برزقه ، وليس معنى هذا ألا يعمل ، وليس معناه أنه كسول ، لكن هناك مهناً شاقة ، توجد مهن متعبة ، هناك مهن تحتاج إلى وقت لا يحتمل ، ومهن مردودها أكبر من عملها ، فربنا عز وجل ييسر لكل طالب علم صادق عملاً يقيه السؤال .
 مرّ معي منذ يومين دعاء تأثرت له كثيراً ، كنت أدعو به في بعض الخطب :" اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار " إذا يسر الله لك أمورك ، وجعل لك دخلاً معقولاً تصرف منه ، تأكل ، تشرب ، تلبس ، تتدفأ بالشتاء ، صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار، إذا ضيق الله على شخص ، يقف على الأبواب ، يتضعضع أمام الناس ، ويسأل الأغنياء ، ويتمسكن أمامهم ، وانظروا إلى البيت ، يا سيدي ، وهذا العنوان ، تعالوا ، انظروا ، ليس لدي شيء ، وأحدهم يقيم بيتًا خلبيًا : " صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع " تنشأ مشاكل مع الناس ، هذا لم يعطني ، هذا بخيل ، هذا شحيح ، هذا يده مغلولة ، والذي أعطاك ليس أحد مثله ، وقد لا يصلي ، تبتلى بحمد من أعطى ، وتصبح عبداً للذي أعطاك ، الذي أعطاك فاسق ، تمدحه ، تثني عليه ، هذا تقي ، نقي ، ورع ، قلبه من الله ، لكن لا يصلي ، شارب خمر ، تبتلى بحمد من أعطى ، وتبتلى بذم من منع ، لأن ربنا عز وجل جعلك تبذل وجهك بالإقتار ، شيء صعب جداً :" اللهم صن وجهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من دونهم ولي العطاء ، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم " ترى أن أهل الدنيا يقول أحدهم : هذا البيت لا أبيعه بثلاثين مليونًا ، مرتاح فيه ، هذا المحل سعر المتر ثمانمئة ألف ، ولا أبيعه أساساً ، هذه السيارة أنا أبيعها ، أعوذ بالله ، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، لديه أولاد ، وزوجة ، و بيت ، ومركبة ، ومتجر ، ومعمل ، ينام مرتاحاً ، يقيّم حساباته وأرباحه، قال له : يا رب كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك ، إذا أحس المؤمن أن الله يحبه ، وله مقام عند الله عز وجل ، وربنا راضٍ عنه ، ويوفقه بأعمال صالحة ، ويطلق لسانه بالدعوة إلى الله ، والناس تستفيد منه ، وينام في المساء مرتاحاً ، وكأن عنده بيتاً بثلاثين مليونًا ، وكأنه مالك الدنيا :" اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك ، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك ، وأسعدنا بلقياك ، ولا تسقمنا بالبعد عنك ، اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلينا ، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا " واللهِ هذا الدعاء سهل الحفظ ، ويدعى به في أوقات السحر ، في السجود ، في قيام الليل .

 

من ينفق من وقته في سبيل معرفة الله يعوض الله عليه وقتاً مباركاً :

 لازلنا في باب الطاء ، حرف الطاء :

((طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات))

[الديلمي في الفردوس عن حذيفة ]

((طالب العلم أفضل عند الله من المجاهد في سبيل الله))

[ السيوطي عن أنس]

((طالب العلم لله كالغادي والرائح في سبيل الله))

[الديلمي في الفردوس عن حسان بن أبي سنان]

((طالب العلم طالب الرحمة ، طالب العلم ركن الإسلام))

[ الديلمي عن أنس]

((طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضىً بما يطلب))

[ ابن عساكر عن أنس]

 هذه الأشياء أعيدها كثيراً ، هذا وقت الدرس ، هذا زكاة الوقت ، أنا واللهِ أقول لكم عن تجربة ، أحياناً الإنسان يتكلم عن معلومات قرأها لا يؤثر في الآخرين ، ولكن واللهِ الذي لا إله إلا هو أحياناً أتكلم عن واقع أعيشه ، أن الله عز وجل عندما تنتزع من وقتك الثمين ساعتين لمجلس علم ، لك تجارتك ، عندك لقاء ، عندك مواعيد ، عندك اجتماعات ، عندك أعمال إضافية ، وأنت عضو في لجان عديدة ، وتنتزع من وقتك الثمين ساعة أو ساعتين لمجلس علم لتتعرف إلى الله ، واللهِ الذي لا إله إلا هو يطرح الله البركة في وقتك ، مثلاً شخص يجب أن تلتقي به ، ومن أجل أن تلتقي به لابد من ساعتين ، فإذا بك تراه في الطريق ، أو شخص يجب أن تسافر إليه ، وأن تمضي يومين في السفر إليه ، فإذا به يأتي هو إليك ، كما أنك إذا أنفقت من مالك عوض الله عليك هذا المال أضعافاً مضاعفة ، تماماً إذا أنفقت من وقتك في سبيل معرفة الله عز وجل عوض الله عليك وقتاً مباركاً ، والله عز وجل بالمقابل قادر لسبب تافه جداً أن يضيع من وقتك مئة ساعة ، إذا وضع الرجل يده على ابنه ، ووجد حرارته أربعين درجة ، ماذا يفعل ؟ يحتاج إلى طبيب في الليل ، قال له الطبيب : يحتاج إلى الدواء الفلاني فوراً ، ولا يوجد صيدليات ، فهو بحاجة إلى سيارة ، قال له : يحتاج إلى تحليل وتصوير ، بعد أسبوعين دفع حوالي خمسة أو ستة آلاف ، ثم أضاع حوالي مئة ساعة ، ووجد أنه ليس بحاجة إلى شيء، يمكن أن تتعطل قطعة في سيارة ، تنكسر مع الصانع ، ولا يوجد منها ، لا في الأردن ، ولا في لبنان ، وقد تكون غير أصلية ، أو قياسها أكبر أو أصغر ، وضاعت منك مئتا ساعة ، واللهِ قال لي أحدهم : أنا لا أغيب عن الدرس ، ولكن نفسي حدثتني ، وضغط أهلي عليّ ، وأخذتهم إلى نزهة وقت الدرس ، وفي نبع بقين أريد أن أملأ الماء ، فجاء شاب ، وقال : دعني أساعدك ، فوجدت أخلاقه عالية ، وعندها فقدت محفظة أوراقي ، الهوية ، وشهادة السياقة ، والنقود ، وحتى حصلت على غيرهم مضى ستة أشهر ، لن أعيدها أبداً ، هذا الوقت وقت الله ، كما قال أبو يزيد البسطاني له كلمة مؤثرة ، له مجلس علم ، فلما رأى الناس حوله متحلقين ، قال : يارب هؤلاء لم يأتوا إلي ، والله جاؤوا إليك ، لكنهم رأوني ساجداً فأقبلوا عليّ ، فأنت لا تأتي إلى إنسان وإنما تأتي للواحد الديان ، هذا هو مجلس العلم ، أنت أتيت بيت الله عز وجل .

 

التوفيق و التعسير بيد الله وحده :

 وهناك حديث آخر ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

((طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ))

[أحمد عَنْ جَابِرٍ]

 معنى الطائر : العرب عندهم عادة جاهلية ، أن الإنسان إذا طار على يمينه طائر يتفاءل ، وإذا طار على يساره طائر يتشاءم ، هذا هو التطير ، ألم يرد في قوله تعالى :

﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾

[ سورة يس : 18 ]

 أي تشاءمنا منكم ، التطير هو التشاؤم ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ))

[ مسلم عَنْ أَنَسٍ]

 فالتطير هو التشاؤم ، وهذه كلها أشياء جاهلية ، دخل شخص فألغِيت البيعة ، فهذا قَدمه شؤم ، ليس له علاقة ، رقم ثلاثة عشر ، يوم الأربعاء ، هذا كله كلام فارغ ، هذه الأشياء من أيام الجاهلية ، لا يوجد إلا شيئان في الكون ، توفيق وتعسير ، التوفيق بيد الله ، والتعسير بيد الله ، قال تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

[ سورة الليل الآيات : 5- 10 ]

 ليس هناك حظ ، كما يقال : فلان محظوظ ، وهذا الكلام يقوله النسوة غالباٌ ، الله عز وجل هو الحكيم ، هو الخبير ، لو فرضنا فتاة حظها جيد ، والله بعث لها زوجًا غنيًّا أسكنها بيتًا فخمًا ، والمركبة واقفة على الباب ، والطعام طيب ، وكل شيء أحسنه ، وأخذها إلى جهنم أخيراً ، كيف كان حظها ؟ وفتاة ثانية حظها قليل ، أسكنها في بيت صغير ، ومظلم ، والأكل وسط ، وهذا أوصلها إلى الجنة ، فكيف كان حظها ؟ كلمة حظ كلمة ليس لها معنى إطلاقاً ، لا الحظ ، ولا التشاؤم ، ولا الطيرة ، يقول عليه الصلاة والسلام :

((طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ))

[أحمد عَنْ جَابِرٍ]

 أي خيرك منك ، وشرك منك ، تفاؤلك منك ، وتشاؤمك منك ، عملك ، وقد كنت أقول مرة مثلاً أقوله دائماً : معك كيلو من الذهب ، والناس ظنوه حديداً ، وأصبحوا يتندرون بك، يطعنون فيك ، ويطولون ألسنتهم عليك ، هل يمكن أن يكون هذا الكيلو حديداً ؟ يبقى ذهبًا ، وثمنه معه ، والآن أنت تملك كيلو حديداً ، وبذكاء ، وبطلاقة لسان ، وبقوة إقناع أوهمت الناس أنه ذهب ، فصدقوك ، هل صار ذهبًا ؟ بقي حديداً ، خيرك منك ، وشرك منك ، خيرك من عملك ، وشرك من عملك ، توفيقك من عملك ، وعسرتك من عملك ، المصائب من عملك ، والرحمات من عملك ، لا تتهم أحدًا ، لا تتهم حظًا ، ولا دهرًا ، ولا قدرًا ، ولا زمنًا ، ولا ظروفًا ، ولا بيئة ، ولا معطيات ، ولا وضعًا عامًا ، ولا شح السماء ، اتهم عملك ، فالنبي الكريم يقول :

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه ))

[مصنف ابن أبي شيبة عن علي موقوفا ]

 فطائر كل إنسان في عنقه ، قال تعالى :

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾

[ سورة الإسراء : 13 ]

 هل هذا الحديث صحيح ؟ القرآن يؤيّده ، فليس هناك تشاؤم ، عملك مستقيم ، تأتيك الخيرات ، هناك انحراف ، وهناك مال حرام ، يأتي الإتلاف ، من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله .
 والله مرة أخ زارني في البيت ، قال : كم تقدر عمري يا أستاذ ؟ قلت : حوالي ستين سنة ، قال : ست وسبعون سنة ، وأنا مثل الحصان ، وقال : أُعارِك الحائط ، أقسم بالله أنه لم يأكل قرشًا حرامًا في حياته ، ولا يعرف الفاحشة في حياته ، طبعاً من عاش تقياً عاش قوياً ، هذا قانون ، يا سيدي ما هذه الصحة ؟ ستة وتسعون عاماً ، شيخ الأزهر ، وقد وزعنا كتابًا عليكم ، كلمات قرآن ، لحسين مخلوف ، هذا معجم صغير ، إذا كنت تقرأ القرآن كل سورة بسورتها ، فالكلمات الصعبة مشروحة بمعجم صغير ، يقدر بعشرين أو ثلاثين ليرة ، اسمه كلمات القرآن ، لحسين مخلوف ، الذي عاش مئة وثلاثين سنة ، عاشها صحيحاً قوياً ، ما هذه الصحة ؟ ست وتسعون سنة ، البصر حاد ، والسمع مرهف ، وعلى كل خد وردة ، وطويل ، قات : يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، والله يا أخوان المؤمن عمره مبارك ، فليهنأ به ، فصلواته ، وصيامه ، وحجه ، وزكاته ، وغض بصره ، وإنفاقه للمال ، ورعاية الأيتام والأرامل والمساكين ، ويبني المساجد ، ويخدم الناس ، فالله عز وجل شكور ، هؤلاء عباده ، فإذا تغاضيت لشخص عن كلمة صدرت منه ، لأنه خدمك خدمة بأحد أولادك ، فقلت له : والله لا أنسى لك هذا العمل حتى الموت ، لأن الابن غالٍ جداً ، فإذا كان العبد مع قليل من الإيمان يجعل عندك كل هذا الشكر ، فكيف ربنا عز وجل ؟ وهو الشكور ، أنت تدعو إلى الله ، وتخدم عباده ، ترحمهم ، وتمنحهم الأمن ، تخفف مصائبهم ، تمسح جراحهم ، تهدىء من روعهم ، تأويهم إلى هذا البيت ، هذا بعمل ، هذا تدله على الله ، أنت ليس لك شيء عند الله عز وجل ، بالعكس ، فهناك تشاؤم شيطاني ، شيء مخيف ، الله كله رحمة ، الله شكور ، فهناك تشاؤم شيطاني ، الشيطان أحياناً يُضيِّق ، أشياء صعبة جداً ، وأنت لست ناجيًا ، لا ، فأنا أرجح جانب التفاؤل ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا))

[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]

 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا))

[ متفق عليه عَنْ عائشة]

 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا))

[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]

 نفسك مطيتك فارفق بها . إذاً :

((طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ))

[أحمد عَنْ جَابِرٍ]

طاعة المرأة في الأمور العامة ندامة :

 الحديث قبل الأخير :

((طاعة النساء ندامة))

[مسند الشهاب عن عائشة ، والسيوطي في الجامع الصغير]

 شُرَّاح الحديث قالوا : إذا أطعت المرأة في أمر من اختصاصك ، بع هذا المحل ، وخذ لنا بيتًا أوسع ، هذا المحل مورد رزق ، إذا بعته توقف دخلك ، هذا شيء ليس من اختصاصِها .
 سيدنا عمر زوجته سألته سؤالاً متعلقًا ببعض إخوانه ، فلان ما وضعه ؟ فغضب سيدنا عمر غضباً شديداً ، وقال : يا أئمة السوء ، ما شأنك بهذا ؟ هذا ليس من اختصاصك . فهذا يعني أن الإنسان لا يطيع المرأة في أمور متعلقة به ، من اختصاصه ، هناك أمور عامة، هذا الشيء تطاول منها ، وحشر أنف من غير مبرر ، أما في بيتك فلها أن تفعل ما تشاء في شأن بناتها ، اختصاصها ، لها مطلق الأمر ، طريقة الصلاحية في اختصاصها ، لكن تتدخل في شؤون تكون عامة ، علاقة الإنسان مع أقرانه ، مع إخوانه ، مع زبائنه ، هذه مشكلة كبيرة ، فالنبي الكريم قال :

((طاعة المرأة ندامة))

[السيوطي في الجامع الصغير]

 وهناك حديث آخر :

((طاعة النساء ندامة))

[مسند الشهاب عن عائشة ، والسيوطي في الجامع الصغير]

توجيهات النبي في التعليم :

 قبل أن ننهي الدرس ، النبي عليه الصلاة والسلام له توجيهات لطيفة جداً في التعليم ، قلنا : طالب العلم ، لكن إذا أحب الطالب أن يعلم فهناك توجيهات ، من هذه التوجيهات أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا عبر عن علاقات زوجية كانت تعبيراته دقيقة جداً، ولطيفة ، ولا تجرح الحياء ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ))

[ متفق عليه عَنْ أبي هريرة]

 دعته إلى ماذا ؟ مفهوم ، الكلام واضح ، انظر ، تعلم من النبي ، أما ذكر الأعمال الفاحشة بألفاظها ، بتفصيلاتها ، اليس هذا من شأن طالب العلم ، ولا من شأن الداعية إلى الله ، عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ :

(( كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا))

[أحمد عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ]

 واللهِ كلمة عظام ليست منفرة . قال تعالى :

﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾

[ سورة النساء : الآية 43]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾

[ سورة المؤمنون : 5-7]

 أدخل كل الانحرافات ، كل أنواع الانحرافات في العلاقات الجنسية دخلت تحت:

﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾

 فالإنسان يتأدب بأدب القرآن ، يتأدب بأدب النبي ، أحياناً تجد على المنبر يقال : إن في الطريق نساء كذا وكذا ، يصف أعضاءهن ، صدورهن ، نحورهن ، أصبح موضوعًا ثانيًا ، أصبح أدبًا مكشوفًا ، فالنبي الكريم ذكر رجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، هذا توجيه من توجيهات النبي .
 التوجيه الثاني كما قلت في أول الدرس : أعرابي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، ثيابنا في الجنة ننسجها بأيدينا ؟ أي هناك معامل نسيج ؟ واللهِ سؤال سخيف ، في الجنة ، فضحك القوم ، لما ضحك القوم أجابه بأدب جم ، وباحترام شديد، حتى يشجع الآخرين على السؤال ، إياك إذا كنت تعرف شيئاً ، وأحدهم سألك سؤالاً تتهكم عليه، أو تسخر منه ، تحطمه ، تذوبه ذوبانًا ، تربي الناس أن يسألوك سؤالاً ، هذه أخلاق العلماء ، هناك علماء جبابرة ، قال : تعلموا العلم ، وتعلموا له السكينة والوقار ، وتواضعوا لمن تعلمون ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، يكون هناك تواضع متبادل ، تتواضع لطلاب العلم ، ويتواضعون لك ، أما إذا كنت تتقن شيئاً ، وأحدهم غلط تصبّ عليه التهكم والسخرية ، فهذا ليس من أخلاق الدعاة إلى الله .
 هناك موقف ثالث : النبي عليه الصلاة والسلام رأى أماً تُقبِّل ابنها ، فاستغل هذه الناحية عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

(( قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا ، وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لَا ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ))

[البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

 الوقت ضاق بنا ، ولكن هناك موضوع لطيف جداً ، كيف علَّم النبي أصحابه ؟ هذا الموضوع متعلق بالتربية ، أنت طلبت العلم الآن ، لو أحببت أن تُعلِّم فيجب عليك ألا تُنفِّر، ألا تُخوِّف ، أن تُبشِّر ، أن تُسدِّد وتُقارب ، وأن يغلب عليك الاعتدال ، استخدام الأمثلة ، استغلال الوقائع .
 النبي الكريم رأى شاة ملقاة في الطريق ميتة ، عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ :

(( كُنْتُ مَعَ الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا ؟ قَالُوا : مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا))

[الترمذي عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ]

 رأى أماً تُقبِّل ابنها فقال : أتلقي هذه بولدها إلى النار ؟ قالوا : معاذ الله ، قال : والذي نفس محمد بيده لله أرحم بعبده من هذه بولدها . رأى شاة ميتة قال : انظروا كم هذه هينة على أهلها ، والله للدنيا أهون عند الله من هذه الشاة على أهلها .

 

توجيهات أخرى للنبي الكريم :

 إن شاء الله في درس قادم نتعلم شيئًا عن أصول التعليم ، كيف علَّم النبي أصحابه؟ كيف كان يسألهم ، وكيف يجيبهم ، كيف كان يأخذ موقفاً ذكياً جداً ، هو على المنبر يحدث الناس ، ويخطب بهم ، فخرج واحد ، وسأله في أثناء الخطبة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : حُبَّ اللَّهِ وَرَ

تحميل النص

إخفاء الصور