وضع داكن
20-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 084 - التواضع وخفض الجناح للمؤمنين .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام... رياض الصالحين من كلام سيّد المرسلين عليه أتمُّ الصلاة والتسليم من أدقِّ كتب الحديث، فيه أحاديث صحيحة، مبوَّبة تبويباً رائعاً، من أبواب هذا الكتاب القيِّم باب التواضع وخَفْضِ الجناح للمؤمنين، ومن عادة الإمام النووي رحمه الله تعالى أنه يبدأ باب كتابه ببعض الآيات الكريمة..

الآية الأولى أيها الإخوة، ودققوا:

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

( سورة الشعراء )

  المجتمع كما تعلمون نظامه نظام الأُسَر، أسر، فإذا الإنسان بدأ بعشيرته الأقربين، أي واحد منكم له أخوة وأخوات، وأعمام وأخوال، أولاد أعمام وأولاد أخوال، له عمات وخالات، وأولاد عمات وأولاد خالات، أي إنسان في حوله مجموعة ؛ إما من قرابة الأب أو من قرابة الأم، وفي حوله زملاء، وفي أصدقاء، في حوله جيران، بين جارٍ وصديقٍ وزميلٍ، وقريبٍ تابعٍ للأب، وقريبٍ تابعٍ للأم، لماذا أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق قال له:

 

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)﴾

 

( سورة الشعراء )

  أي ابدأ بعشيرتك الأقربين، في ملمح لطيف في هذه الآية: الإنسان الغريب بينك وبينه حواجز، وبينك وبينه شكوك، وبينك وبينه سوء ظن، فلو دَعَوْت غريباً إلى مسجد لاعتذر، يخاف، لعل في الأمر شيء غير جيّد، أما حينما تدعو أخاك، أو تدعو ابن عمك، أو تدعو ابن خالتك، أو تدعو جارك، أو تدعو صديقك، أو تدعو زميلك، لا توجد الحواجز، فما دام في هذا المجال ليس هناك حواجز، ابدأ بهذا.
 لذلك كل واحد منكم أيها الإخوة ـ الآن أنا أريد أن أضع النقاط على الحروف ـ كل واحد منكم لا ينبغي أن يزهد بدعوة مَن حوله إلى الله، بل إن دعوة مَن حوله إلى الله مُقَدَّمَةٌ على البعيد، أولاً الأقربون أولى بالمعروف.
 في ملمح آخر من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنك حينما تقدِّم معونة لقريب، هي عند الله بأجرين، بأجر الصدقة وأجر الصِلة، وهناك أحاديث كثيرة تنص على ذلك، إذا الإنسان قدَّم شيء من ماله إلى أقرباؤه، هي صدقة وصلة في وقت واحد، الآن إذا دعوت إلى الله مَن حولك ؛ إخوتك أو أخواتك، أولاد إخوتك، أو أولاد أخواتك، أولاد عمَّاتك أو أولاد خالاتك، أولاد أعمامك أو أولاد أخوالك، جيرانك أصدقائك زملاؤك، هذا مَن حولك، ماذا فعلت ؟ هؤلاء أولى بالدعوة إلى الله من غيرهم.

 

 ولكن في ملمح آخر: أنت حينما تكون في بيت، وأنت قد اهتديت وحدك إلى الله، وإخوتك ليسوا كذلك، هم جبهةٌ ضدك، أنت حينما يكون إخوتك في البيت قد اهتدوا إلى الله، أصبحتم جميعاً جبهة حقٍ ضد الباطل، إذا أولاد أعمامك، أولاد أخوالك، أقرباءك، جيرانك، فأنت حينما تبحث عن هداية القريب، لا تنس أن هذا القريب سيكون داعماً لك، وشيء ملاحظ أحياناً يكون في بيت من البيوت أربع أولاد في مسجد واحد، في التزام وانسجام، أما واحد مهتدي إلى الله، الأربع ضده، في مشاحنات بالبيت لأن هناك معركة أزليةٌ أبديةٌ بين الحق والباطل، معركة قديمة ومستمرة إلى ما شاء الله بين الحق والباطل، فانظر إلى هذا التوجيه، توجيه من الله عز وجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام:

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)﴾

( سورة الشعراء )

  الأقرب.. والله أنا أحياناً بعض الإخوة الكرام، جزاهم الله خيراً، يأتي إلى المسجد ويلتزم ويصطلح مع الله، بعد حين جلب أخاه، أخوه الثاني، ابن عمه، جاري، زميلي، صديقي، صارت مجموعة، هو استراح وأراح، فأنت حينما تدعو إلى الله أقرب الناس إليك ينتفعون منك وتنتفع بهم، لأنهم أصبحوا عوناً لك على الحق.
 أنت لاحظ بيت فيه أربع بنات، لهن أربع أزواج، إذا زوج واحد مهتدي إلى الله وثلاثة متفلّتون، هذه المسكينة زوجة المُلتزم تعاني من متاعب لا تنتهي، لأن زوجات غير الملتزمين يتكبَّرون عليها، ذهبنا إلى المكان الفلاني، وجلسنا في المقهى الفلاني، وسافرنا إلى كذا، جلسات مختلطة، ولائم مختلطة، هذه تُعْزَل، أما لو أزواج الأخوات اهتدوا جميعاً إلى الله أصبح ليس هناك مشكلة، صاروا جميعاً في انسجام، فأنت حينما تحرص على هداية أقربائك إلى الله، أنت هديتهم، وأعانوك على الحق، ما دام هناك آية كريمة معنى هناك توجيه حكيم وقويم جداً..

 

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)﴾

 

( سورة الشعراء )

  بالمناسبة، هل هناك بالإسلام ما يسمى بالضمان الاجتماعي ؟ نعم، الضمان الاجتماعي في الإسلام على أساس نسبي وجغرافي، نسبي: كل إنسان ملزم بقريبه أن ينفق عليه، أبداً ما في إنسان إلا وهناك جهة ملزمة بالإنفاق عليه، الزوجة زوجها، الأولاد الأب، مات الأب الأعمام، دائماً في جهة يجب أن تُنفق على هذه الجهة الفقيرة، ففي إلزام، ولو فيما أذكر قبل سنوات طرحت موضوع باب النفقة، باب النفقة باب بالفقه دقيق جداً، هذا الباب لابد لكل إنسان من جهةٍ ملزمةٍ بالإنفاق عليه، وفي عندنا قاعدة بالفقه " الغرم بالغنم " فكل إنسان يرث ينبغي أن ينفق، ما دام هذا الإنسان يرث من هذا الإنسان، إذاً هذا الإنسان ينبغي أن ينفق عليه، فأردت من هذه المقدِّمة أنك إذا أردت أن تعين مَن حولك ممن يلوذ بك في شأن دينهم، عاد الخير عليك أضعافاً مضاعفة.
 مناسبة ثانية: ماذا نفعل بقول النبي عليه الصلاة والسلام وهو الصادق المصدوق لا ينطق عن الهوى:

 

(( إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. ))

 

( الجامع لأحكام القرآن )

  الهوى المتبع المال والنساء، الشُح المطاع نفوس بخيلة، ممكن يركز نفسه بمئات الألوف ويضن على طالب علم بما يقيم أُوَدَهُه، ما تفسير ذلك ؟ هو أن الإنسان فيه هذه الجبلة قبل أن يعرف الله..

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

( سورة المعارج )

  ذات مرة حدثني أخ، قال لي: أعمل بمكان ـ قصة لعلها قديمة، قال لي: يعطيني صاحب العمل ألفين ليرة، على مدار الشهر، أنا مهمتي بالعمل أن آتي له بأغراض البيت، أقسم لي بالله أنه باليوم الواحد لا يكفيه عشرة آلاف، هو عشرة آلاف باليوم، بذخ منقطع النظير، ويعطيه طوال الشهر ألفين، فما معنى:

 

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

( سورة المعارج )

  أي يريد الإنسان أن يعيش لحاله، دائماً المؤمن يتمنى الخير لكل مَن حوله، غير المؤمن يحب أن يعيش وحده، أن يأكل وحده، أن يعيش في بحبوحة وحده، أن يأكل ما لذَّ وطاب وحده، أن يسكن في أجمل بيت وحده، هذه النزعة الفردية بالإنسان قبل أن يعرف الله..

 

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

( سورة المعارج )

  إن أنفقوهُ أنفقوه إسرافاً وتبذيراً، وإن منعوهُ منعوه بخلاً وتقتيراً، ممكن الآن في أعراس بالعشرين مليون، مرة بالشام في عرس بلغ خمسة وثمانين مليون، عرس واحد، هناك مَن يزوَّج بمائتي ألف، إقسم خمسة وثمانين مليون على مائتي ألف، فكم شاب يتزوج بهذا المبلغ أنفق في ليلة واحدة على الخمور والنساء، لذلك الكافر إذا أنفق ماله أنفقه إسرافاً وتبذيراً، وإذا منعه منعه بخلاً وتقتيراً، فالإنسان خُلق هلوعاً..

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

( سورة المعارج )

  اختلف، في استثناء ؛ المصلي اتصل بالغني فصار غنياً، اتصل بالكريم فصار كريماً، المؤمن يعيش في الآخرين، دقق في هذه العبارة، هناك مَن يعيش الناس له، وهناك مَن يعيش للناس، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم.

 

((إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه ـ يقول لك النبي والحديث صحيح: فالزم بيتك ـ هرجٌ ومرج ـ فالزم بيتك وأمسك لسانك))

 

( الجامع لأحكام القرآن )

احفظ لسـانك أيها الإنـسان     لا يـلدغنك إنـه ثعبـان
كم في المقابر من قتيل لسانه     كانت تهاب لقاؤه الشجعان

* * *

 في الهرج والمرج أمسك لسانك، إلزَم بيتك.

((... فالزم بيتك وأمسك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ))

( الجامع لأحكام القرآن )

 هذا توجيه نبويٌ حكيم، والحديث صحيح.

 

(( إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))

 

( الجامع لأحكام القرآن )

  كل واحد له دين خاص، هكذا قناعاتي، هكذا أرى، هكذا أفهم، ما في خضوع لله عز وجل، ما في استسلام له، له عقيدته الخاصة، ومزاجه الخاص، وأحكامه الشرعية الخاصة، ليس قنعان أن الربا حرام، ليس قنعان، وليس قنعان أن الاختلاط حرام، هذه نصف المجتمع، فكل واحد له قناعة خاصة، وعقيدة خاصة، وتطور خاص.
  إذا رأيت شحاً مطاعاً ـ حرص على المال ـ وهوىً متبعاً ـ المال والنساء ـ وإعجاب كل ذي رأي برأيه فالزم بيتك ـ اجعله كهفك..

 

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)﴾

 

( سورة الكهف )

  اجعل ملاذك بيتك وجامعك.

 

((... فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر ـ الآن ـ وعليك بخاصة نفسك ))

 

  مَن هم ؟ أنت، وأولادك، وأقرباؤك من جهة الأب، وأقرباؤك من جهة الأم، وجيرانك وأصدقاؤك، وزملاؤك، هكذا فسَّر ابن حجر العسقلاني، كلمة عليك بخاصة نفسك، أي ليس لوحدك، مَن حولك، إخوان طيبين طاهرين، موثوقين، أمناء، أعفَّة، صادقين، هؤلاء عش معهم، عش بجو رائع.
 والله أيها الإخوة، لو لم يكن في الالتزام في مسجد إلا هذه الميزة لكفت، تيعيش مع مؤمنين، أولاً لا يغدروك، ولا يطعنوا بك، ولا يحتالون عليك، تعش مرتاح، في أخطاء لا يوجد أحد معصوم، ولكن لا يوجد غدر، ما في طعن، ما في مقلب، ما في ابتزاز، ما في تهديد، أخ مؤمن يخاف الله عز وجل، عليك بخاصَّة نفسك، ودع عنك أمر العامة، دع العامة لربها، وكما روى عليه الصلاة والسلام عن ربه في الحديث الصحيح:
(( عبادة في الهرج كهجرةٍ إلي ))

 في الطريق نساء كاسيات عاريات، أينما تحرَّكت في فتن، فتن، ومشكلات، وصراعات.

(( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة ))

( الجامع لأحكام القرآن )

   فأنت إذا طبَّقت توجيه النبي عليه الصلاة والسلام نجوت من فتن آخر الزمان، لأنه.." عبادة في الهرج كهجرةٍ إلي "
 إذاً الضمان الاجتماعي في الإسلام أساسه القرابة، وأساسه الجوار جغرافياً، العلماء قالوا: أربعون بيت جار شمالاً، أربعون بيت جار جنوباً، أربعون بيت يميناً جار، وأربعون بيت يساراً جار، إذا كانت ناطحة سحاب أربعون بيت لفوق، باليابان في ثلاثين تحت الأرض، وباليابان ثلاثين تحتك، فأربعين بيت بست جهات كلهم جيران، هذا الضمان الاجتماعي على الأساس الجغرافي، ففي قرابة وفي جوار، وهذا أضمن شيء.
 الآن..

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

 

( سورة الشعراء )

  أحياناً من مقابلة الآيات بعضها بعضاً، تظهر معاني دقيقة، في آية:

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

 

( سورة الحجر )

  في آية أخرى..

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

 

( سورة الشعراء )

  مؤمن طيب، طاهر، مستقيم، ولكن ليس من جماعتك، فهو على عيننا ورأسنا، أنت انتماءك لمجموع المؤمنين، عظمة الإسلام، أنت انتماءك لمَن ؟ لمجموع المؤمنين، فأنا أخفض جناحي وأتواضع لمؤمن من أتباعي، وأخفض جناحي وأتواضع لمؤمن ليس من أتباعي، فهذا مؤمن، عظمة الإسلام أن كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( المؤمنون بعضهم لبعض نصحاء وادون وإن افترقت منازلهم، والفجرة بعضهم لبعض غششة خونة وإن اجتمعت أبدانهم ))

 

( الدر المنثورفي التفسير المأثور )

  والله أيها الإخوة، بين المؤمنين من الحب، والود، والإخلاص، والصدق ما لا يوصف انظر الناس إذا عاملوا بعضهم بعضاً، وكانوا شاردين عن الله، كل واحد لُغم، كلمة بعقد غلطت فيها راح البيت، غلطة بعقد شراكة راحت الوكالة، عايش مع أناس قنَّاصين، اقعد مع المؤمنين لا توجد مشكلة أبداً، ما في مشكلة، تجد نفسك مرتاح، في ود، طعن بالظهر لا يوجد تآمر عليك لا يوجد، ابتزاز ما في، احتيال ما في، غش ما في.

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

 

( سورة الشعراء )

  تواضع للمؤمنين، فأنت لاحظ مسجد، يدخل له شخص معه أعلى شهادة بالعالم، يدخل واحد أمي، مَن دخل أولاً يجلس أولاً، يدخل واحد معه مائتي مليون فهذا مليونير، يدخل مديونير أي عليه ديون، يجلسون بمكان واحد، لا توجد طبقية في الإسلام، سيدنا الصديق لما اشترى بلال من سيده صفوان، أراد صفوان أن يهين بلالاً، قال له:
   والله لو دفعت به درهماً لبعتكه. درهم أبيعك إياه.
  قال له: والله لو طلبت به مائة ألف درهمٍ لدفعتها لك. ووضع يده تحت إبطه قال: هذا أخي في الله حقاً.
 ما هذا الإسلام ؟ أخوك بالله، مثقف، غير مثقف، فقير، غني، مدني، ريفي، هذا كلها تحت القدم، المؤمن لا يمكن أن يضاف على اسمه كلمة، هذا بصراحة، مؤمن، لا يضاف عليه، غني تشتهي الغنى منه، من تواضعه، من سخاءه، وإذا فقير، تشتهي الفقر منه من عفته، وتجمله، وأناقته، وإذا مثقف فهو متواضع، على الرغم من ثقافته، غير مثقف، متعلم، ماذا يقول سيدنا علي ؟
 دقق في هذا القول هذا من نهج البلاغة، يقول: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ؛ عالمٌ مستعمل علمه ـ أي عالم عامل، عالم مطبِّق، بالفلسفة الإغريقية اسمه حكيم، مَن هو الحكيم الفيلسوف ؟ الفيلسوف إنسان فيلسوف أي عنده علم عالي، أما الحكيم فيلسوف طبَّق علمه، استخدم علمه ـ وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ـ أحد أركان الدنيا، جاهل متواضع يتعلم، هناك إنسانان لا يتعلمان: المستكبر، والمستحي، لا يتعلمان، مرة كنا في الجامعة، في الأدب العربي، جاءنا عالم كبير جداً من تونس، عالم باللغة، فدعي بإلقاء محاضرة على طلاَّب السنة الرابعة، وكنت وقتها في هذه السنة، أول صفين لأساتذتنا، كلهم دكاترة، أنا أراقب الأساتذة، هذا الضيف من أكبر علماء اللغة بشمال إفريقيا، فجاء يلقي محاضرة، الأستاذ المستكبر ما جاء بقلم وورقة، أما الأستاذ المتفوِّق العالم الكبير جاء بقلم وورقة وكتب، رآها نقيصة بحقه أن يكتب، فالإنسان يطلب العلم دائماً، يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ــ وغنيٌ لا يبخل بماله، وفقيرٌ لا يبيع آخرته بدنياه.
 الآن:
  فإذا ضيَّع العالم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلم ـ يقول لك: أنا فلان ليس مطبق عمله وأنا لا أطبق، زهدته بالعلم، صراحة في كلمة ولو أنها قاسية: الآن الناس كفروا بالكلمة الأنبياء بماذا جاءوا ؟ الأنبياء جاءوا بصواريخ ؟ جاءوا بمحطات فضائية ؟ جاءوا بكمبيوتر ؟ جاءوا بترسانة أسلحة ؟ الأنبياء بماذا جاءوا ؟ بالكلمة، الأنبياء جميعاً ماذا قدَّموا ؟ قدموا كلمة صادقة فقلبت وجه الأرض، الآن بالعالم كله الكلمة لا أحد يعبأ بها، لأن ليس لها معنى، ليس لها مضمون، قد يقول إنسان شيء، وهذا الشيء صار سلوك، سلوك شائع، كلام أحلى من العسل، وفعلٌ أمر من الأصل، من الصبر، تنكر عليه حساباته، تنكر عليه أمانَته، تنكر عليه استقامته، تنكر عليه عفافه، أما إذا حدَّثك تجده قطب من أقطاب لدنيا، هذا النموذج خطير جداً فالكافر واضح، والمؤمن واضح، مَن هو الخطير ؟ المنافق، عنده ازدواجية ؛ موقف معلن، وموقف مبطن..

 

 فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ـ مَن قطع الطريق على طلب العلم ؟ مَن ضيَّع علمه ـ وإذا بخل الغني بماله، باع الفقير آخرته بدنيا غيره ـ يعني هذا الفقير يأس من الغني، تجده يتعامل مع الشيطان، لكي يأمن حاجاته، حدثوني عن شخص، والقصة قديمة جداً، رجل ملحد، وله مهمة قذرة جداً في المجتمع، فعنده ابن مرض مرضاً يحتاج لعملية في بلد بعيد، يمكن كان ثمن البيت عشرين ألف، بيت أربعة وصالون، تكلف العملية ستين ألف، ففي واحد دله على جامع، والأمر قديماً كان كيفي، والشيخ ما عرف أنه إنسان ملحد، وهو فقير، له ابن له عمليه في الاتحاد السوفيتي، ممكن تحكولنا كلمتين، هذا العالم ببساطة حكى ولم مبلغاً يقرب من الستين ألف، وأخذوه على البلد البعيد، والعملية نجحت ورجع، هذا الملحد الذي له مهمة قذرة ما عاد ترك المسجد إطلاقاً، التزم وتاب لله عز وجل، لما وجد أناس حلوا له مشكلة ابنه، فانضم للمؤمنين..

 أما إذا الفقير يأس، ولم يجد أحد معه، فسيتعاون مع الشيطان، إذا أغنياء المؤمنين ضيعوا الأمانة، أهملوا، تجد هؤلاء الفقراء الشباب يتعاملون مع إبليس من أجل تأمين حياتهم.

 والله مرة حدثني أخ قال لي: ما كل النساء المومسات سيئات، لكن قسم كبير عن حاجة عن حاجة ماسة، فأغنياء المؤمنين حينما يقصرون فيما عليهم من واجبات تجاه الفقراء، قد يحولون امرأة شريفة إلى مومس، طبعاً الجاهلة، الحرة تجوع ولا تأكل بثديها، هكذا في المثل العربي القديم، فإذا بخل الغني بماله، باع الفقير آخرته بدنيا غيره، حديث دقيق لسيدنا علي:
   قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغنيٌ لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيَّع العالم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله، باع الفقير آخرته بدنيا غيره .
 أيها الإخوة الكرام... فعندما الإنسان يقدم، صار في تعاون صار في تكاتف، أنا لي قناعة أن كل الكلام النظري ليس له قيمة، الآن الناس كفروا بالكلمة، فمثل بسيط: أب هذا أب نادر جداً، أب وحش، يأتي بأطيب الطعام يأكله وحده أمام أولاده، وأولاده يتضورون جوعاً، إذا قال هذا الأب: أبنائي إني أحبكم. فهل كلمة أحبكم لها معنى عندهم ؟ أبداً، هؤلاء كفروا بهذه الكلمة، لأن الممارسة خلاف الكلام، كفروا بهذه الكلمة، ففي عهد الأنبياء الكلمة مقدَّسة، جاؤوا بالكلمة الصدقة..

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾

( سورة إبراهيم)

  مثل كلمة كشجرة طيبة، احفظوا هذه الكلمة، الأنبياء جاءوا بالكلمة الصادقة، والكلمة الصادقة وحدها يمكن أن تصلح الدنيا بأكملها، كلمة صادقة، تصوَّر صحابي أثناء الهجرة، ألقي القبض عليه، قال لهم: أعاهدكم إن أطلقتموني لن أحاربكم، صدقوه وأطلقوه، وصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفرح به النبي، بعد حين في غزوة، ومن شدة حبه للجهاد انخرط مع الجنود، رآه النبي قال له: ارجع، أنت عاهدتهم ألا تقاتلهم. أرأيتم إلى هذه الأخلاق، هكذا.

 

 أرسل النبي عبد الله بن رواحة، ليهود خيبر ليقيم تمرهم، وهناك اتفاقية بينهم، فأرادوا أن يغروه بحليّ نسائهم كي يخفِّض التقييم، أي رشوة، قال: " والله جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير، ذلك لن أحيف عليكم ". فهل لديك هذه الأخلاق، أعدى أعداءك تعامله بالعدل ؟.

﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

( سورة فصلت )

  قال لي واحد: أستاذ يجب أن تكون في شدة، قلت له: يجب أن تفرِّق بين أخلاق الجهاد وأخلاق الدعوة...
 فأخلاق الجهاد:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾

 

( سورة التوبة: من آية " 73 " )

  بالمعركة لا يوجد حل وسط، لا تؤاخذنا يا سيدي أنا سأضربك. هذه معركة، تحتاج للشدة والقسوة، أما أخلاق الدعوة:

 

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 

( سورة آل عمران: من آية " 159 " )

﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

( سورة فصلت )

  يجب أن تفرِّق بين أخلاق الحرب وبين أخلاق الدعوة، أخلاق الدعوة كلها لطف، كلها نعومة، كلها تواضع، كلها إيناس، فهذا الذي يخلط بين أخلاق الدعوة، يقول لك: هذا كافر. الله عز وجل قال:

 

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 8 " )

  أي يحملنَّكم..

 

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 8 " )

  اعدل مع هذا الكافر، إن عدلت معه قرَّبته من الله، وقرَّبته منك، أحياناً إنسان عنده ابن عاق، جاءتني ورقة الآن يقول صاحبها: أن رجل تنازل عن كافة أملاكه إلى أحد أولاده، بقصد حرمان بقية أولاده السبعة، قال: فما حكم هذا التصرُّف ؟ هذا التصرف حرام عند علماء المسلمين جميعاً، وفي كتب الفقه كلها، لأن هؤلاء السبعة العاقّين برأي الأب، لما حرم السبعة وأعطى واحد، زادهم عقوقاً، أما لو عدل بينهم خفّف من عقوقهم إن كان فيما يقول صادقاً.
 الآية الثانية، قال:

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

 

( سورة الشعراء )

  أنت تريد النصيحة أم الفضيحة ؟ تريد الدعوة إلى الله أم التأنيب ؟ تريد أن تأخذ بيده إلى الله أم أن تحطِّمه ؟ ضمن الدين في معاصي، في معاصي ضمن الدعوة، قضية نفس مستعلية.
 آية ثانية، يقول الله عز وجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

  بعض الشيوخ لهم كلمة: أنه يروح الزاهد يأتي العاشق. أحياناً الإنسان يمن على الله عز وجل، فقد ينصرف، وقد يأتي مَن هو مشتاق، فإذا الله عز وجل سمح لك تعطي فاشكر الله، سمح لك تعطي، سمح لك تحل مشكلات الناس، إذا أحب الله عبداً جعل حوائج الناس إليه، إياك أن تتأفف، لأنه قادر ـ والله أقول كلمة ولعلها قاسية ـ قادر الله عز وجل يجعل أذكى إنسان وأغنى إنسان ينقِّب بالحاوية ليأكل طعام متفسِّخ، قادر، شخص أقسم لي بالله فقال لي: والله عندي بيت مساحته مع حديقته ألف متر، أي فيلا، عندي ثلاثة سيارات، واحدة للسفر ضخمة جداً، واحدة للمدينة، واحدة للمعمل، قال لي: والله ما دخل بيتي الحلويات إلا بالصواني، والفواكه إلا بأكبر كميات، وعنده طباخين بالبيت، وعامل حديقة حكى لي عن حياته، والقصة طويلة جداً، يذهب إلى سوق الهال، وفي قمامة سوق الهال، في شوية خس معسقلين، كبهم صاحبهم يلزموه، في شوية سبانج، شوية سلق مثلاً، يأتي بطبخه من قمامة سوق الهال من شدة الفقر، الله قادر، أغنى واحد وأذكى واحد يجعله ينقب بالحاوية.
 في أخ من إخواننا توفي رحمه الله، قدم بيت لجمعية خيرية، البيت الآن صار مركز تدريب مهني للفتيات الفقيرات، تعليم للخياطة، والبيت ثمين جداً بأرقى أحياء دمشق، عملوا له حفل تكريم، كل الذين تكلموا أثنوا عليه، وعلى إحسانه وكرمه، بيت كبير وبحي راقي، وقدمه هدية لجمعية خيرية، وصار الآن مركز تدريب مهني، وهذا عمل طيب، قام أحد إخواننا ألقى كلمة قال له: أيها المحسن الكريم، كان من أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، يقف صف طويل معه هويته ويبصم على مئتين ليرة على العيد، قال له: كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، ولكن الله كرمك وجعلك تعطي، فاشكر الله.

 

 فإذا واحد أعطى الله عز وجل مكنه أن يعطي، من يومين أو ثلاثة كنت بمكان، واحد ألقى طرفة لكن يبدو أنه ضحك الجميع ضحك شديد، فكان تعليقي على ضحكهم، أنه اقرأ قوله تعالى:

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)﴾

( سورة النجم )

  واحد يكون ما عنده مشكلة كبيرة، صحته طيبة، أولاده أمامه، بيته منتظم، دخله كافي فيضحك إذا كانت طرفة لطيفة، كنت في دعوة لافتتاح كلية القرآن الكريم، فكان شيخ القراء موجود، حدثنا عن أستاذه، فأستاذه توفي رحمه الله وهو من كبار علماء القرآن الكريم، فكان يقرأ أمامه:

 

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18)﴾

 

( سورة النبأ )

  فقال له أعدها، فذكرنا دقائق لفظ التاء، أعدها، عادها، مرة ثانية، ثالثة، رابعة، خامسة، قال له: سيدي فتأتون، ممكن تسمع طرفة لطيفة تضحك، لماذا ضحكت لأن الله عز وجل سمح لك أن تضحك، ما عندك مشكلة كبيرة، فلو أخذت خزعة منك، وظهر أنه ورم خبيث، فهل تضحك ؟ مستحيل تضحك، مستحيل، في أمراض وبيلة تلغي الضحك من حياة الإنسان كلياً، لو عنده غسيل كلية في الأسبوع مرتين، يضحك ؟ يحتاج إلى تبديل صمام بأمريكا يكلف ثلاث ملايين فهل يضحك الواحد ؟ لا يضحك، ما دام استيقظ صباحاً معافى في جسمه، آمن في سربه عنده قوت يومه.
 انظروا يا إخوان، فهم الحياة بعمق ضروري جداً، إذا واحد منكم استيقظ صباحاً يسمونها جاهزية تامة ؛ عينه سلمية، سمعه سليم، ينطق، يتحرك، يقضي حاجته بنفسه، ما في عنده مشكلة بجسمه، في طعام ببيته، زوجته أمامه، أولاده أمامه، ما في عليه مذكرة بحث أراد أن يطلع على الزبداني، على حلب، يسافر، ليس ملاحق، يتمتع بحقوقه المدنية، حر، وصحته سليمة، وزوجته وأولاده، هذا مَلِك.
 مرة ذكرت أن لو فرضنا مَلِك، وخير بين أن يموت بمرض وبين أن يكون موظف بقصره، لا يتردد دقيقة، معنى ذلك أن كل واحد الله عز وجل معافيه، أعطاه شيء ثمين جداً، لما أقول لصندوق العافية، الإنسان لما يدفع يدفع زكاة صحته التي يتمتع بها، هذه صحة ثمينة فإذا أنت آمن في سربك، هذا أمن الإيمان، لست مرتكب معصية، ما لك ظالم إنسان، ما لك باني مجدك على أنقاض إنسان، أنت آمن في سربك معافى في جسمك عندك قوت يومك، فكأنما حيزت لك الدنيا بحذافيرها.
 مرة قلت لكم: ملك جبار سأل وزيره مَن الملك ؟ قال له: أنت يا سيدي، قال له: لا يا بني، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيتٌ يؤيه، وزوجة ترضيه، ورزقٌ يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إحراجه. فالإنسان في عنده ميزات كبيرة جداً إذا شكر الله عليه..

 

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾

 

( سورة إبراهيم: من آية " 7 " )

  لا تبحث عن النواقص، ابحث عن الموجودات، واحد دخل السجن ذات مرة، وطلع، قالت له زوجته: ما عندنا شيء اليوم، صار يبكي، قال لها: ما عندنا شيء، عندنا أكل لستة أشهر، قصدها ما عندها طبخ، في بيت ما في جبنة وزيتون وشاي ؟ بكل بيت في مونة لستة أشهر، لما قال لها: ما عندنا شيء استحى من الله، عندنا كل شيء، فإذا الإنسان شكر الله عز وجل، كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقَّت، لو شرب كأس من الماء.
 يا أيها الإخوة:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

  فإذا الله عز وجل سمح لك أن تسمع الحق أشكر الله، سمح لك تخدم الناس أشكر الله، سمح لك أن تنفق أشكر الله، لأنه: إذا أحب الله عبداً جعل حوائج الناس إليه، إذا أحب الله عبداً جعله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، في إنسان مهمته شريرة، فإذا أحب الله جعله مفتاحاً للخير..

 

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

  لإخوانه متواضع جداً، أما للكافرين عزيز، أحياناً يكون العكس، أمام المؤمنين متجبِّر، أمام الأقوى منه ذليل، أرأيت إلى هذا النموذج ؟ أمام إنسان أقوى منه ذليل أذل من شاةٍ، أما على مَن هو ضعيف متجبِّر، هذا اللئيم، قال سيدنا علي: " واللهِ والله مرتين، لحفر بئرين بإبرتين ـ بئر بإبرة ـ وكنس أرض الحجار في يومٍ عاصفٍ بريشتين ـ ريشة، صحراء كلها رمل يجب أن تكنسها بهذه الريشة ـ ونقل بحرين ذاخرين بمنخلين، تنقل بحر من مكان لمكان بالمنخل ـ وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون عليَّ من طلب حاجةٍ من لئيم لوفاء دين ".
 غسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، كنس أرض الحجاز في يومٍ عاصف بريشتين، نقل بحرين ذاخرين بمنخلين، حفر بئرين بإبرتين أهون من طلب حاجةٍ من لئيم لوفاء دين، فاللئيم على الضعيف متجبِّر، أمام القوي ذليل، المؤمن..

 

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

  فهل أنت تصدق أن سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان في معركة عدد جنوده ثلاثين ألف، العدو مائتا ألف، فطلب مدد من سيدنا الصديق، طلب مدد، قائد جيش بالفتوح، والخليفة مهمّته أن يمده، فطلب مدد، سيدنا الصديق أرسل له واحد، اسمه القعقاع بن عمرو، والله قصص مثل الخيال، فلما جاءه القعقاع قال له: أين المدد ؟ قال له: أنا، ما هذا الكلام، معه كتاب، ففتحه فإذا به قول سيدنا الصديق له: " أحمد الله إليك، يا خالد لا تعجب من إرسال القعقاع، فوالذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم ". ما هذه القوة، واحد كألف، الآن ألف كأف، فلذلك الله عز وجل قال له:

 

﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

  لا يكون العكس، لا تكون أمام القوي ذليل، وعلى المؤمن الضعيف متجبر، في شخص دون أن يشعر بعقله الباطن، إذا رآه ضعيف تجده ضغط عليه، تجبَّر عليه، أمام قوي تجده ذليل لدرجة مخزية، فلا، أنت تواضع للمؤمن المستقيم العفيف، وقف موقف عزيز أمام إنسان منحرف..

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54

 إخواننا الكرام المحبوبية أصلٌ في الدين، فإذا الواحد قرأ القرآن ولم يتأثر، ذكر الله لم يتأثر، صلى لم يتأثر، في عنده مشكلة مع الله كبيرة جداً، ديننا مبني على الحُب، الإنسان بالحب يبذل روحه، أحد الأعراب آمن، ودخل مع النبي في غزوة، وحدث النصر، فأعطوه غنيمة قال: ما هذه ؟ قالوا: هذه غنيمة، قال: ما على هذا أسلمت، أنا أسلمت على الذبح، الشرط أن يموت في سبيل الله، في المعركة الثانية ذبح، قتل، فبلغ النبي ذلك، فبكى، قال: هو هو، قالوا: هو هو. أما نحن ماذا قدمنا ؟ نحن محمولين، مرتاحين، نأتي على الجامع مرتاحين، كان سيدنا ياسر يعذَّب، سيدنا بلال يوضعوا صخرة على صدره وهو يقول: أحدٌ أحد، فلذلك:

 

﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

تحميل النص

إخفاء الصور