وضع داكن
26-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 090 - الاصطفاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام:
 ذكرت في خطبة الجمعة أن هذا الإنسان الذي لا يستحق إلا أن يكون رقماً في مجموع ٍ لا معنى له، أن هذا الإنسان الذي لا يستطيع أن يؤثر بأحد، من صفاته أنه يعيش ماضيه وحاضره فقط يعيش ماضيه يتغنى إما بأمجاد من سبق أو بشبابه وطفولته وما إلى ذلك، وأما حاضره فهو له دور واحد في هذا الحاضر دوره ردود فعل، تأتيه الأفعال فيرد عليها لكنه لا يخطط لمستقبله أبداً إطلاقاً، والإنسان إن لم يعلم أن عمره ثمين جداً وأن الوقت وعاء عمله وأنه ما لم يخطط لمستقبله فإنه هالك لا محال وهذا شأن معظم الناس.
 هذه المعاني تستقى من حديث صحيح في كتاب إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب لحديث البخاري ومسلم، هذا المعنى ينطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من دعائه:
 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

[النسائي،الترمذي، مسلم ]

  نحن الآن في ثورة معلومات، المعلومات التي تأتينا لا تعد ولا تحصى قد تسأل موقع معلوماتي عن معلومة تأتيك مائة ألف بحث، هناك غزارة في المعلومات لا تصدق، هناك كتب كنت أقول دائماً ما يطبع في اليوم الواحد باللغة الإنكليزية لا تستطيع أن تقرأه في مائتي عام، هناك كتب في اللغة العربية في موضوعات شتى لا تعد ولا تحصى، هناك نشاطات لا تحصى هناك علاقات لا تنتهي، هناك مشاريع لا تنقضي، أنا ماذا أفعل ؟ أمام هذا الكم اللامتناهي من المعلومات، أمام هذا الكم اللامتناهي من الحقائق، أمام هذا الكم اللامتناهي من النشاطات، ماذا ينبغي أن أفعل ؟ ماذا علي أن أفعل ؟
 أيها الإخوة الكرام:
 الجواب الدقيق عن هذا السؤال لابد من الاصطفاء، وأوضح مثل: لو أنك تملك مكتبةً فيها مائة ألف كتاب وعندك بعد أربعة أيام فحص مصيري مادة أساسية في سنة الاختصاص والتخرج يبنى عليه وظيفتك، ودخلك، وزواجك، وحياتك الدنيا، هل يعقل أن تتناول كتاب من هذه المكتبة لا علاقة له بالامتحان

 هل يعقل أن تقرأ قصةً لا معنى لها، أمام حالة واضحة جداً يوجد امتحان لمادة أساسية في سنة التخرج لاختصاص نادر لو تخرجت لعينت ولو عينت لتزوجت، وبينك وبين الامتحان أربعة أيام فلابد من أن تستقي من كل هذه الكتب الكتاب المقرر.
 ولابد أن تصطفي من كل هؤلاء الناس إنساناً يدلك على الله وترقى به، يرقى بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله، ولابد أن تصطفي من كل هذه الأمكنة مكاناً يقربك من الله، مسجد، بيت الله الحرام، مكان، جلست أنس، جلسة فيها روحانية، أخوة مؤمنين.
 محور هذا اللقاء إن شاء الله الاصطفاء، لابد من أن تصطفي وإلا الحياة قصيرة والاهتمامات لا تعد ولا تحصى، ادخل إلى مكتبة في الأدب ألف كتاب، في الفن، التمثيل، الرسم، الموسيقا، النحت، التاريخ، تاريخ الإغريق، تاريخ اليونان، تاريخ الرومان، تاريخ الأمة العربية، تاريخ الإسلامي، في التربية، علم النفس، علم الاجتماع، الفلك، الرياضيات الطب، الهندسة، الكتب لا يمكن أن أقرأ كل هذه الكتب، ماذا أختار منها ؟
 أيام الإنسان بحكم حركة الحياة يسمع أخبار، ممكن أن تتابع أي خبر في أي مكان في العالم وكل يوم ماذا فعل خاطفوا الطائرة ماذا فعلوا ؟ ترى نفسك موزع بين مائة موضوع، موضوعات لا تعنيك إطلاقاً تتابعها ولكن ممتعة المتابعة، فأنت مع ما يجري في العالم كله تضيع أربع ساعات، ماذا كسبت من هذه الساعات، شيء وقع ولا أحد يستشيرك ولن تستطيع أن تقول كلمة ولا أن تدلي برأي، ولا أن تحرك ساكناً، شيء يقع، الذين يحركون الأحداث لا تستطيع أن تصل إليهم، أنت فقط تلقي، تلقي...
تتلقى والوقت يضيع أما حينما يأتي الموت ماذا أعددت لهذه الساعة.
 أنا كل إحساسي اليوم من هذا الحديث

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ))

  ممكن أن تقتني مجلة فيها قصة ثلاثين صفحة علاقات، خيانة، حب، موقف غير أخلاقي، أو موقف أخلاقي، شيء يتكرر، أنا أريد أن أقول العمر ثمين، والوقت غالي ولابد من أن تصطفي ما تقرأ، وأن تصطفي من تصاحب، وأن تصطفي مكان تذهب إليه، وأن تصطفي زمان تقبل به على الله عز وجل، كل هذه المعاني من قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أدعيته

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ))

  الوقت يمضي سريعاً وكل واحد منا لو سأل نفسه سؤال ولو كان قاسي هل بقي بقدر ما مضى، إذا الإنسان تجاوز الأربعين من عمره هل بقي بقدر ما مضى ؟ كلما مات إنسان اسأل كم عاش ؟ أنا أسأل هذا السؤال دائماً اثنين وستين، تسعاً وخمسين، واحد وخمسين، تسعة وأربعين، واحد وأربعين، تسعة وثلاثين، ثلاثة وسبعين، كل إنسان خرج من الأربعين قلما يكون الذي بقي بقدر ما مضى إلا أقل، فما دام الذي مضى قد مضى بلمح البصر فالذي بقي أيضاً يمضي بلمح البصر، إذاً ماذا ينبغي أن أتعلم ؟
 يوجد مجلات غالية جداً فيها موضوعات قيمة ولكن كلها لا تعنيك قضية خلاف في دولة في إفريقيا، تحليل دقيق جداً، دولة في آسيا صراع بين الصين وتايوان، ممكن كلها أن تطلع عليها ! أنا لا أزهد في العلم ولكن هناك علم لا ينفع لعله ينفع عند أهله لو أن إنساناً من الصين وإنساناً من تايوان وقرءوا هذه المقالة يستفيدوا كيف الأمور تجري، أما أنت لا في العير ولا في النفير، موضوع عن أمتك يمكن أن تقرأه عن صراعنا مع أعدائنا يمكن أن تقرأه، أما صراعات بعيدة وأحداث بعيدة عنا نتابعها باستمرار.
 أو نقرأ شعر، ما هذا الشعر الجاهلي ؟ شيء جميل، غزل وهجاء ووصف وحماسة، كلها موضوعات غير إسلامية، غزل رخيص وفي هجاء كاذب ومر ولاذع، وفي وصف يمني اللغة ولكن هل من المعقول أنا أعيش عمراً وحيداً معد لجنة عرضها السماوات والأرض أن يكون كل اهتمامي بشعر غزلي، أو شعر هجاء، أو شعر وصف، أو شعر... والشعر كله جانب من حياة الإنسان.
 أنا الذي أتمنى على الله عز وجل أن ننتبه إلى أن المستقبل خطير جداً المستقبل يجب أن تخطط له، ماذا ينبغي ؟ ينبغي أن أفهم كلام الله، ينبغي أن أقرأ تفسير القرآن، ينبغي أن أفهم سنة النبي العدنان، ينبغي أن أتخلص من هذه العادات غير الجيدة، نحتاج إلى مراقبة للذات، مراقبة للعمل، فالنبي الكريم يعوذ بالله من علم لا ينفع.
 كنت أقول دائماً هناك علم ممتع لكنه غير نافع، علمونا في الجامعة أنه يوجد قصيدة لهوميروس اسمها الإلياذة تقريباً عشرين ثلاثين ألف بيت شعر، فيها تاريخ الإغريق بأكمله وطبعاً كلها آلهة ووثنيات، وكلها عادات وتقاليد بعيدة عنا بعد الأرض عن السماء، قراءة هذه القصيدة مترجمة إلى اللغة العربية لعل ذلك يكون شيء ممتع يطلع الإنسان على تاريخ الأمم ولكن ما علاقتها بحياتنا ؟ هذا علم ممتع ولكن غير نافع يوجد ألوان الأدب، المسرحيات، القصص، الشعر، المقالات، يوجد كتب سيرة ذاتية، سيرة موضوعية، بحوث في الفن، في النحت مثلاً، يوجد موضوعات لا تعد ولا تحصى، وهذه كلها موضعات رصينة، ويوجد أيضاً موضوعات ساقطة تبثها الفضائيات، يمكن أن يتوزع الوقت كله في مشاهدات وفي قراءات، وسماعيات لا تقدم لك في دينك شيئاً لكنها إن لم تكن فيها معصية فهي استهلاك رخيص للوقت، بربكم عندك الساعة ثمانية غداً امتحان و أنت جائع و بلغك أنه يوجد بالميدان بائع يبيع شطائر لذيذة المذاق و لا يوجد عندك سيارة ممكن تركب بباص و تنتظر بالدور، إلى باص ثاني، تجد عنده خمسين شخصاً تقف و تنتظر ساعة كي تأخذ هذه الشطيرة تأكلها و ترجع ساعة أخرى، أذهبت من وقتك ثلاث ساعات، يقول لك: أنا لم أعمل شيئاً حراماً، هذا صحيح و لكن ارتكبت بحق الوقت جريمة، أنت لم تعمل حراماً و لكن أكلت شطيرة، أنت جائع، وشطيرة طيبة المذاق، لكن استهلاك ثلاث ساعات لتناول شطيرة و الوقت يعد عليك بالدقائق حتى الامتحان، هذا عمل فيه خطأ كبير، فأحياناً يوجد أعمال ليست محرمة و لكن لأنها تستهلك وقتاً كبيراً محرمة لغيرها، الشيطان كنت أقول لكم دائماً إنه يغري الإنسان بالكفر، فإن رآه على إيمان يغريه بالشرك، فإن رآه على توحيد يغريه بالبدعة، فإن رآه على سنة يغريه بالكبيرة، فإن رآه على طاعة يغريه بالصغيرة، فإن رآه على ورع يغريه بالمباحات، كله حلال لكن المباحات تستغرق وقتاً كبيراً جداً وهذا الوقت أثمن شيء تملكه، في الوقت تتعرف إلى الله في الوقت تطلب العلم، في الوقت تعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، في الوقت تعرف الفقه والحلال والحرام، في الوقت تصل رحمك، في الوقت تعطف على مسكين، في الوقت تدعو إلى الله، في الوقت تأمر بالمعروف، هذا كله في الوقت، فهذا الذي يلعب النرد، أو هذا الذي يسهر سهرة فارغة ليس لها معنى إطلاقاً.
 والله أيها الأخوة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرٍ إِلا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

 

[ أحمد، الترمذي، أبو داود ]

  يتكلمون عن الأسعار، وعن الأعمال، وعن الأبنية، والسيارات، والقوانين الحديثة، وقت ضاع سداً، أنا ما رأيت إنساناً ناجحاً في حياته إلا رأيت الوقت ثمين جداً عنده، وما رأيت إنساناً تافهاً في حياته إلا أهون شيء عنده الوقت.
 حدثني أخ وقال لي: أنا أرغب أن أتقن اختصاص ولا يوجد عندي وقت وبيته في مكان بعيد يركب سيارة عامة، ويوجد عندي كل يوم ساعة طريق، أخذت الكتاب أقرأ في السيارة العامة كل يوم تقريباً عشرين صفحة، ساعة ركوب سيارة عامة استفاد منها. إنسان أحياناً يذهب إلى طبيب ويوجد انتظار يأخذ معه كتيب صغير في جيبه يوجد انتظار يقرأ، إما أن تقرأ، وإما أن تستغفر، أو تحفظ كتاب الله، وإما أن تتلو كتاب الله غيباً، وإما أن تنظر في آية من آيات الله، وإما أن تدعو إلى الله، وإما أن تنصح، الوقت ينبغي أن لا يضيع سدى، لأن المؤمن المتفوق الناجي يوم القيامة يندم على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، من قول النبي الكريم:

 

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ))

  يعني هذا أنه يجب أن تصطفي من العلوم ما ينفع، بربك هل ترى كتاباً أعلى من كتاب الله؟ أبداً كتاب الله دستورنا، منهجنا، حبل الله المتين، كلام رب العالمين، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، هذا هو القرآن.
 إذاً أي وقت تمضيه في تلاوته، أو في فهمه، أو في تطبيقه، أو في تعليمه فهذا استثمار للوقت، وأي وقت تمضيه في موضوع يمت إليه بصلة، موضوع لغة عربية هذه اللغة تعينك على فهم كتاب الله، أحياناً بلاغة تعينك على فهم كتاب الله، أحياناً حديث شريف هذا تفسير النبي لكتاب الله تقريباً، أي شيء يمت بصلة إلى الله يجب أن يشغلك، وأي شيء يبعدك عن الله يجب أن تبتعد عنه لذلك النبي الكريم هكذا في بعض الأحاديث يقول:

 

 

(( ما من شيء يقربكم إلى الله تعالى إلا أمرتكم به، وما من شيء يبعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه))

  هذا هو المقياس، الله هو كل شيء، تسعد بقربه وتنجو بحفظه وترقى برضاه، فلابد أن تكون على طريق يوصل إليه، هذا أول فقرة بالدعاء:

 

 

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ))

  ابحث عن علم ينفع، أنت لاحظ مريض مع طبيب من أعلى مستوى هذا المريض من شدة ثقته بهذا الطبيب لا يسأله التعليل يتأكد من الطريقة الدقيقة في استعمال الدواء ولا يسأله التعليل لثقته به، والمؤمن كذلك لا شيء يعلو في حياته على معرفة حكم الله في أي موضوع، حكم الله هكذا انتهى الأمر.

 

 

(( وَقَلْبٍ لا يَخْشَعُ))

  هذا القلب، هذا الذي قال عنه الله عز وجل:

 

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

  هذا هو قلب النفس، هذا القلب الذي يكبر ويكبرُ ويكبر ولا نرى كبره فيتضاءل أمامه كل عظيم، يوجد قلب أكبر من المجرات، قلوب الأنبياء أكبر من المجرات، يكبر هذا القلب ولا نرى كبره فيتضاءل أمامه كل عظيم، ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير.
 كنت مسافراً إلى بيروت فالسائق يتكلم طول الطريق عن نفسه وعن بطولته وعن أعماله، أشبعنا حديثاً عن نفسه، والإنسان يصدقه، في العودة رجعت معه جندي فقير، راكب اشترى عدداً من العلب الغذائية، وأنا أريد أن أنزل في مكان قبل آخر الخط فنزلت وهو نزل قبلي وفتح صندوق السيارة يخرج علب الجندي ويدخلها خلف الدولاب، يعني نفسه دنية إلى درجة أخذ بعض العلب الغذائية من بضاعة الجندي الفقير ورماها خلف العجلة الاحتياط، يعني كل شيء قاله في الطريق صار تحت الأقدام.
 هذا هو القلب الصغير، علبة ثمنها تقريباً خمسين ليرة، عشرين ليرة، وهذه سرقة دنا نفسه، ويوجد إنسان أقسم بالله شخص وجد في سيارته ثمانية عشر مليون في كيس أسود وبحث عن صاحبها عشرين يوماً حتى وجده وأعطاه الكيس، هذا إنسان آخر، انظر إلى القلب الكبير، قلب دنيء لدرجة أنه يسرق من جندي فقير بعض العلب الغذائية وإنسان آخر في أمس الحاجة إلى ألف ليرة يجد ثمانية عشر مليوناً في السيارة ويبحث عن صاحبها، قال عليه الصلاة والسلام:

 

((عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام))

 

[ البخاري، مسلم ]

  فأنت كلما عرفت الله غلى معدنك، مرة كنت في استنبول رأيت ألماسة وسمعت أن ثمنها مائة وخمسين مليون دولار، وهي بحجم البيضة ألماس برلنت وعليها إضاءة كأنها شمس، والألماس أساسه فحم، ويوجد فحمة بالحجم نفسه ثمنها قرشين، بائع الفحم يبيعها ربع ليرة.
قلب كالألماس وقلب كالفحم، كلما عرفت الله ارتقيت وكلما ابتعدت عنه إلى شهوات الدنيا سفهت.
 وجدت طبيباً في مدينة في أمريكا من أخوانا الكرام قال لي: كنت أعالج مريضة يوجد عنده فطور ما كنت أعرف أصلها، عملت تحليل وزرع بعد هذا كان يوجد حالة نادرة جداً، ثم فوجئ أنها تعاشر كلباً، إنسانة مكرمة خلقت لتكون زوجةً تعاشر كلباً، طبعاً انتقل إلى أسنانها من لعابه فطور لم يوجد مثلها في البشر توجد في الكلاب.
 إذا الإنسان سقط من عين الله يكون أحقر إنسان، وقد تقرأ عن بعض المجرمين أشياء لا تصدق، قبل أشهر إنسان مسلم من لبنان دخل إلى مدينة قمار في أمريكا وكسب مليوني دولار وذهب إلى بيته سحب مسدسه وقتل زوجته وأولاده الخمسة ثم انتحر وقال ليغفر لي الله.
انظر طريق الدين طريق العفاف والطهر والنقاء، طريق الطمأنينة والسعادة، أساساً الآية:

 

﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 5]

  الهدى رفعهم، وقوله تعالى:

 

﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 3]

  أي شيء ضمن شيء، هم داخل كآبة أو داخل السجن، أو داخل القبر بعد الإعدام، بين أن يكون الإنسان له قلب كبير، هذا القلب الكبير سببه معرفة الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾

 

[ سورة الحج: الآية 46]

  النبي الكريم استعاذ بالله من علم لا ينفع، تمسك جريدة مائة وأربعين صفحة، وكل حرف يسمونه قياس تسعة، إذا ما كان بصره اثنتي عشرة على عشرة يحتاج إلى نظارات، اثنين وأربعين صفحة بحرف تسعة يكون كتاب مائتي صفحة كل يوم، كل يوم...
 في مصر يوجد خمسين طن كتب كاسدة ويوجد عندهم معمل ورق فأحالوا هذه الكتب الكاسدة إلى معمل الورق يصبحوا عجينة ورق، فجاء معلق خبيث كتب وهنا يتحول اللت إلى عجن، أما يقول لك لت وعجن.
 يوجد كلام ليس له نهاية، محور اللقاء محور هذا الدرس المبارك إن شاء الله الاصطفاء، طالما يوجد علم لا ينفع لابد من أن تصطفي من العلوم ما ينفع، يوجد أصدقاء لا ينفعون لابد أن تصطفي من الناس ما ينفعك، من يرقى بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله.
 مادام يوجد أماكن فيها موبقات لابد أن تصطفي مكان فيه قربات، إن بيوتي في الأرض المساجد، يمكن أن تصطفي كتاب، صديق، مكان، لقاء، جلسة، مجلس، ندوة، سهرة، يوجد سهرة فيها ذكر لله عز وجل، أكثر الدينين لهم جلسات لطيفة يتدارسون كتاب الله، كتاب فقه، كتاب حديث، شيء جميل جداً، وعندهم علاقات لطيفة جداً، عندهم مزح بريء لطيف مسعد، اختر جلسة راقية، دائماً صاحب في أمور الدين من هو فوقك وصاحب في أمور الدنيا من هو دونك.
 حدثني أخ طبيب قال لي أنا أسافر إلى أوربا كل سنة تقريباً أرجع وعندي كآبة أرى عندنا أشياء كثيرة ناقصة، طرقاتنا، مواصلاتنا، التعامل مع الناس صعب أحياناً، قال لي هذه المرة سافرت إلى الهند وجدت بلدي أرقى بلد في العالم، قال لي واصفاً لبيت عبارة عن جدرانه من أقمشة مهترئة أو من أكياس نايلون عتيقة، أو من كرتون مخيطة، هذا الجدار أرض تراب ويوجد داخله خمسة أشخاص وأمهم وأبيهم يسكنون، هذه حياة الرصيف بيت له فروغ، أسرة هنا أسست وأنجبت أول ولد والثاني والثالث على الرصيف لا يوجد غرفة نوم، وجلوس، وضيوف، فلما الإنسان يرى بلاد فقيرة جداً يرى نفسه في بحبوحة، يوجد أناس في القوارب، الآن سبعين مليون نزلوا في نهر يتطهروا، اشكروا الله يوجد عندك حمام وماء نظيفة، هذا النهر قذر والذي فيه أقذر، أديان كلها.
 دائماً في أمر الدين صاحب من هو فوقك تقتبس من علمه، من لطفه، من حكمته، من نظام حياته، من تصرفاته.
 فالغني تشتهي الغنى من تواضعه ومن سخائه، ومن محبته للناس ومن إكرامه لهم، الغني المسلم إنسان كبير جداً وله شأن كبير هو يؤلف القلوب بماله والآخرون يؤلفون القلوب بعلمهم، وهو بماله، فإذا قلنا غني المقصود غني غير مؤمن، غني متكبر.
 لا تصاحب في أمر الدنيا إلا من هو دونك فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك، سيدنا عمر قال: من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط. إذا السجادة ثمنها ثلاث ملايين وهو لا يملك، قال لي أحدهم يوجد صنبور ماء بثمن بيت.
 القلب لا يخشع لأنه قلب بعيد عن الله مشغول في الدنيا، لذلك قال سيدنا عمر تعاهدوا قلوبكم، هل القلب فيه محبة إلى الله ؟ أقول هذا مرات كثيرة إذا ذكرت الله فلم تشعر بشيء وإذا تلوت القرآن فلم تشعر بشيء، وإذا صليت فلم تشعر بشيء يوجد مشكلة كبيرة في إيمانك، إياك أن تكون كالنعامة تتعامى عنها، يوجد مشكلة كبيرة تعاهد قلبك.

 

(( وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ))

  مهما أعطيتها تقول هل من مزيد، المؤمن هناك شيء يبلغ به سؤله، دخلوا على سيدنا أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه في الشام وكان قائد الجيوش الإسلامية وجدوا في بيته قدر ماء مغطى برغيف خبز وهو يجلس على جلد غزال وسيفه معلق على الحائط، قالوا: ما هذا يا أمين هذه الأمة ؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقت !

 

 

(( وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

 يا أيها الإخوة:
 كم خطيب يدعو يوم الجمعة اللهم دمرهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، ما تدمروا لأننا نحتاج إلى دعاء يمثل مجموع المؤمنين الصادقين، طبعاً إذا الإنسان دعا نيابة عن المجموع ينبغي أن يكون المجموع على مستوى الدعاء، فالنبي الكريم يقول:

 

 

((يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))

  يعني اشترِ طعاماً بمال حلال كسبته من حلال عندئذ الطعام طيب وإذا كان طعامك طيباً فدعاؤك مستجاب، والحقيقة لما يكون الإنسان مستجاب الدعاء يشعر أن الله معه، أما إذا دعا ولم يستجب له لأن مطعمه غير طيب أو لحكمة أرادها الله.
 هذا هو الحديث الأول:

 

 

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

 

(( في بعض الروايات من عين لا تدمع، ومن أذن لا تسمع))

  الأذن تسمع الصوت ولكن إن لم تستجب فكأنما لم تسمع وأقوى دليل على ذلك قوله تعالى:

 

﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾

 

[ سورة التحريم: الآية 4]

  يعني علامة الإصغاء هو التوبة، الحركة، الموقف العملي، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)﴾

 

[ سورة الأنفال ]

  السماع عند الله الاستجابة فقط، في رواية لهذا الحديث عين لا تدمع، يعني عين تبكي من خشية الله، أو عين تحرس في سبيل الله، أو عين تغض عن محارم الله، هذه عين أطاعت الله ومادامت أطاعت الله عز وجل أغلب الظن أن الله يحفظها لك، كذلك الأذن لو أنها كفت عن سماع الغناء وعن سماع أي شيء لا يرضي الله أغلب الظن أن الله يحفظها لك واليد والرجل واللسان وكل هذه الأعضاء وهذه الأجهزة إذا أطعت الله فيها يحفظها الله لك.

 

(( قِالَ ِأسَامَة سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ مَا لَكَ مَا أَصَابَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ فَقَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ))

 

[ البخاري، مسلم ]

  أقتابه: أمعاؤه.
 والله أيها الإخوة هذا كلام يقصم الظهر، الحديث سهل، كل إنسان طليق اللسان، ذكي الفكر، إذا حافظته قوية، يتكلم كلاماً يسمونه متحدثاً لبقاً، فالكلام سهل لكن البطولة أن تكون في مستوى هذا الكلام.
 المؤمن الصادق يحاول أن يكون إنساناً فعالاً قبل أن يكون قوالاً، مرة أحد الخطباء في عهد بني أمية صعد المنبر، أو أحد الخلفاء صعد المنبر فأُرتج عليه أي اضطرب فقال: يا أهل الشام أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، مادام الفعل هو الأساس، سبحان الله أنا أشعر الآن مع كثرة الكلام في أي موضوع الناس انصرفوا عن الكلام يقول لك: كلام بكلام، لكن ما الذي يهزهم ؟ العمل، الموقف الأخلاقي أي أنت لا تستطيع أن تحدث تأثيراً إيجابياً بإنسان إلا بعمل، بعمل بطولي، كان يوجد أمانة، كان هناك عفة، يوجد صدق، يوجد وفاء، تضحية فما لم تكن، و الله إنسان دعاني إلى طعام حدثني عن حياته السابقة فكان مقيماً بحي من أحياء دمشق المتطرفة، القصة من حوالي أربعين سنة، قال لي: نحن اثني عشر أخاً بغرفة واحدة نزحوا من فلسطين عقب الحروب القديمة، قال لي: الطريق إلى الطريق العام تقريباً يوجد ثلاثين سنتيمتر من الطين السائل في الشتاء، و هو طالب طب فما الحل ؟ كيف يصل من غرفته إلى الطريق العام ؟ كيف يصل إلى الجامعة بحذاء و بجوارب و ببنطال إذا الطين السائل أربعين سنتيمتراً، طريق يوجد فيه أمطار و أطيان و بين البيت و الطريق العام هذا الطريق، قال لي: أمي كانت تحمل لي جوربين و حذاء و تمشي في الطين إلى الطريق العام، مع وعاء ماء، أغسل رجلي و أرتدي الجوارب و الحذاء و أذهب إلى الجامعة، تنتظرني في المساء لتحمل لي حذائي و جوربي و أعود إلى البيت، أربع، خمس سنوات في الطب، قال لي: مرة احتجت إلى كتاب، هذا الكتاب لا يوجد معي ثمنه و هو أساسي فباعت حليها و اشترت لي الكتاب و بكى، قال لي: و ماتت و لم ترني طبيباً، لكنها أوصتني بأخوتي، ماذا فعل بعد التخرج ؟ قال لي: وصلت إلى أمريكا فأعطونا أول راتب ستمائة دولار، تقول له زوجته: ادفع أربعمائة إلى أهلك و يكفينا الباقي، قال لي: هذا الموقف لا أنساه لزوجتي، ثم بدأ يرسل، قال لي: كل أخوتي الذكور و الإناث اشترى لهم بيوتاً في الشام و لهم رواتب شهرية منه إلى الآن، لأن والده ووالدته أوصياه بأخوته، فهذه بطولة، الإنسان يرقى بأعماله الصالحة و يسقط بلؤمه، و الله يوجد أعمال يشقى بها الإنسان في جهنم إلى أبد الآبدين، و هناك أعمال دائماً أخوانا هناك قاعدة: الخير أو متاعب الخير تنقضي و يبقى ثوابه، و لذائذ الشر تنقضي و يبقى عقابه، هذا الذي يعق أمه أو يعق أباه، أقول هذا الشخص كان يوجد فيه خير فما نسي الفضل لأمه و أبيه، لكن كم شاب الآن و الله هناك شباب تركوا بلادهم و تركوا أمهاتهم عشرين سنة و لم يبعث أية رسالة، تزوج و عاش و أهله فقراء، هذا لما ربنا عز وجل يوم القيامة يكشف له عن عمله ماذا يحصل له ؟ تصور، هناك آباء و أمهات كل ما عندهم لأولادهم، سافر و لم يعد أحب واحدة فاسقة، فاجرة، عاش حياة منحطة، ضنّ على أهله برسالة، باتصال هاتفي، أنا أعرف أناساً عشرون سنة و لا رسالة، يعيش في بحبوحة كبيرة جداً و أهله فقراء أما هذا فطلع صاحب أصل، حكى لي قصة ماذا فعل مع أهله والله أبكاني وأنا أكبرته جداً، قال لي: الحمد لله كل أخوتي في بحبوحة وأنا أنفق عليهم جميعاً وأعطيهم فوق ما يحتاجون تنفيذاً لوصية أمي وأبي، الأم آية من آيات الله والأب كذلك، فأنت حياتك كلها كلمة في الأخير، اذكر واحداً لا على التعيين تقول الله يرحمه عمل كذا وأحسن، واذكر إنساناً خبيثاً جداً، زاني، شارب خمر، سافل، ظالم مثلاً أول كلمة تقول الله يلعنه.
 في النهاية الإنسان كلمة واحدة إما ان يترحم الناس عليه وإما أن لا يترحموا عليك، قال تعالى:

 

﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾

 

[سورة الدخان: الآية 29]

  غير المؤمنين، أما المعنى المخالف المؤمن تبكي عليه السماء والأرض، تبكي في مكان سجوده، في مكان عمله، أيام أكون في جلسة يتكلم عن رجل صالح كيف كانت أعماله ترى الجلسة كلها صار فيها خير، صار فيها سرور ورحمات، سمعت عن رجل من أهل العلم عنده كان معهد شرعي قالوا لي أولاده ما أكل في حياته لقمة تزيد عن طلابه أبداً، إذا أكلوا لحم يأكل معهم وإذا لم يأكلوا لا يأكل، عاش من أجل الطلاب والمعهد والدعاة إلى الله، الله عز وجل رحمه بهم.
 اترك أثر خطط للمستقبل لا تكون علماً لا ينفع، على هامش الحياة، مهمش إنسان، رقم بمجموع كبير لا يعني شيئاً، الأولى أن يكون الإنسان كبيراً عند الله، والعمل الصالح بين يديكم جميعاً، وكل واحد منكم بإمكانه أن يعمل عملاً صالحاً، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا.
آخر حديث:

 

(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قُلْتُ مَا هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ))

 

[ أحمد ]

  هناك قصة بليغة، كان رجل عنده عبد فهذا الرجل له شيخ، الشيخ زار التلميذ، العبد رأى سيده أديب جداً مع شيخه ليس معقول احترمه احتراماً يفوق حد الخيال، فجاء إلى الشيخ وقال له: يا سيدي لعلك تأمر سيدي أن يعتقني، فقال له: إن شاء الله أقول له، مضى جمعة جمعتين شهر شهرين ولا أي حركة، يا ترى ما قال له الشيخ ؟ ثم زاره ثانيةً بعد أن زاره قال له العبد: يا سيدي قلت لك أن تقول لسيدي أن يعتقني، قال له: إن شاء الله أفعل وأيضاً مضى سنة ولا أي حركة، ثالث مرة قال له بعد شهر أعتقه، فالتقى هذا العبد بالشيخ وقال له: يا سيدي إذا كان أمر إعتاقي يتم بكلمة منك فلماذا أخرتها حتى الآن ؟ قال له: يا بني لقد أرهقتني أنا وفرت من مصروف البيت مبلغاً أعتقت عبداً ثم أمرت سيدك أن يعتقك.
 يعني ما أمر سيده أن يعتقه حتى كان قدوة له، وأنت حينما تكون قدوة في شيء تقول عن هذا الشيء وأنت قوي النفس، أما حينما تكون مقصراً في هذا الشيء تتحدث عنه وأنت ضعيف النفس فلن تستطيع أن تؤثر إلا إذا كنت في مستوى دعوتك.

تحميل النص

إخفاء الصور