وضع داكن
25-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 095 - من الكبائر الباطنة عدم العمل بالعلم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام:
 أحرص حرصاً شديداً أن يكون الموضوع المعالج في درس الأحد منتزعاً من الواقع، فأنت حينما تدخل إلى المساجد ترى رواداً كثيرين، وطلاب علم لا يعدون ولا يحصون، ولكن حينما ترى واقع المسلمون تجد شيئاً لا يسر، هذه المشكلة الأولى والأخيرة عدم العمل بالعلم.
 في هذا الدرس لا يعنيني الطرف الآخر الذي كفر بالله والذي آمن بالدنيا، والذي جعل همه دنياه، أنا يعنيني هؤلاء الذين يرتادون بيوت الله، هؤلاء الذين يطلبون العلم، هؤلاء الذين يستمعون إلى قوله تعالى وإلى قول نبيه عليه الصلاة والسلام، هؤلاء ينبغي أن يحاسبوا أنفسهم حساباً شديداً لأنهم إن فعلوا ذلك كنا جميعاً في حال غير هذا الحال.
 ففي بعض الكتب التي تتحدث عن الكبائر وكلكم يعلم أن الكبيرة كبيرة، وقد قال الله عز وجل:

 

﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾

 

[ سورة النساء: الآية 31]

  العلماء فاضوا في الحديث عن الكبائر، بدءوا بسبعة وانتهوا بسبعين وبعضهم جعلها سبع مائة، ومعنى كبيرة تحجب عن الله، يعني صاحبها ملعون، صاحبها مطرود من رحمة الله، يعني صاحبها ينتظره عقاب أليم في الدنيا وعذاب كبير في الآخرة، هذا معنى كبيرة إلا أن المفاجأة أن كبائر الظاهر من قتل، زنا، شرب خمر، يسهل أن تتوب منها لأنها ظاهرة جلية واضحة، لكن كبائر الباطن هذه أخطر، إنسان عنده كبر في داخله، عنده استعلاء، عجب، موقف ازدواجي، والسبب أن الله عز وجل يقول:

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

  معنى سلامة القلب نجاة من الرب، يعني كم مسلم بالمائة مسلم يحرص على قلبه ؟ كم مسلم في مجموع المسلمين يهتم بسلامة قلبه ؟ أن يكون طاهراً، متواضعاً، صادقاً مع الناس صادقاً مع نفسه، هذا هو محور الدرس الكبيرة الخامسة والأربعون، كتاب جليل فيه الكبائر الباطنة، الباطنة وليست الظاهرة، من هذه الكبائر الباطنة عدم العمل بالعلم.
 فالنبي عليه الصلاة والسلام من دعائه الشريف يقول:

 

((عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

 

[ مسلم، الترمذي، النسائي ]

  علم لا ينفع ترى له درس علم من عشرين سنة لكن لا يغض بصره عن محارم الله، له درس من عشرين سنة لكن له لقاءات مختلطة ويمتع عينيه ممن لا يحل له، طالب علم عشرين سنة يغتاب المسلمين وينام مرتاح البال هذه هي المشكلة، المشكلة فيمن يرتاد المساجد والذي يطلب العلم، هذا قد يأكل المال الحرام، قد يغتاب المسلمين، قد ينحرف في علاقاته الاجتماعية فالذي أريده من الله عز وجل أن يمكنني في هذا الدرس إن أوضح لكم خطورة وجناية هذا الذي يطلب العلم ويلقى على مسمعه قال تعالى وقال عليه الصلاة والسلام وهذا حلال وهذا حرام ثم تجده في النهاية ليس ملتزماً، تكاد هذه المشكلة تكون في معظم بلاد المسلمين، في شيء لطيف أنه يوجد مساجد ملأى بالمصلين، دمشق فيها تقريباً ثلاث مائة مسجد أو أكثر وكلها مكتظة يوم الجمعة معنى ذلك أن في ثلاث مائة خطيب، معنى ذلك أن في ثلاث مائة خطبة كل جمعة، لماذا قصر العدل ممتلئ بالخصومات والدعاوى الكيدية ؟ هنا المشكلة.
 التقيت مع قاضي وقلت له قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾

 

[ سورة ص: الآية 24]

  الإمام الشافعي استنبط أن الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً، يمكن إنسان يصلي، ويصوم، ويأخذ من الليل كما يأخذ المؤمن ولكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها، لا نقيم له يوم القيامة وزناً، ليس له وزن عند الله أبداً، استفتاح هذا الدرس بهذا الدعاء:

 

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ))

  العلم الذي لا يطبق لا ينفع بل هو حجة على صاحبه وليس حجةً له هو حجة عليه وليس حجةً له، وفي حديث صحيح وهذا الحديث والله الذي لا إله غيره تنخلع له رقاب الناس، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( عَنْ الأعْمَشِ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فلانُ مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ))

 

[ متفق عليه ]

هنا المشكلة آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه، فأنت كلما دعوت الناس إلى الله، كلما أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر اسأل نفسك هذا السؤال الحرج أنت في مستوى هذه الدعوة ؟ هل تأتمر بما تأمر وهل تنتهي عن ما تنهى ؟ أين أنت من كلامك ؟ وفي حديث آخر رواه الطبراني وأبو نعيم وقال غريب:

(( الزبانية أسرع إلى فسقة القراء منهم إلى عبدة الأوثان فيقولون يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان فيقال لهم ليس من يعلم كمن لا يعل ))

  لك عشرين سنة في الجامع تسمع كل جمعة خطبة وكل جمعة درس تفسير وكل أحد درس حديث، وفي لقاءات، وعقود قران، وأشرطة، وكتب، والعلم يحوطك من كل جانب والفقه واضح والأسئلة تسألها من تشاء بلا مقابل، لا تجرؤ أن تدخل على محامي كي تستشيره دون أن يكون في جيبك مبلغ من المال تعويض أتعابه، ولا تجرؤ أن تدخل عيادة طبيب ما لم يكن في جيبك مال هو أتعاب الطبيب، لكنك تجرؤ وأنت مطمئن إلى أنك تسأل أي عالم عن حقيقة الحكم الشرعي دون أن تفكر بأن تعطيه شيئاً ويجيبك لوجه الله قال تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾

 

[ سورة القمر: الآية 17]

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة النحل: الآية 43]

 وفي حديث آخر:

 

(( أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن ليقال له قارئ ))

  وفي آخره يعني أولئك الثلاثة نفر أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة "

 

 

(( عن عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ....... فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

 

[ مسلم، النسائي، الترمذي، أحمد ]

  أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم لم يعمل بعلمه، ليس معنى هذا أن عالماً يعني عالم كبير، يعني أنت، أي إنسان طلب العلم اسمه تجوزاً عالم، يعني يعلم الحلال والحرام يعلم الخير والشر، يعلم الفرض والواجب، يعلم ما ينبغي وما لا ينبغي، يعلم ما يجوز وما لا يجوز.

 

(( أولئك الثلاثة نفر أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ))

  العلم علمان علم يعد حجةً لك وعلم يعد حجةً عليك، الحديث الذي تسمعونه مني كثيراً:

 

 

(( عَنْ أَبِي الْمُبَارَكِ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ))

 

[ الترمذي ]

  هكذا سمعت قراء كبار في مصر إذا دخلت بيوتهم لا تجد فيها شيئاً من القرآن، ابنته مغنية كبيرة، ولها أغاني ولها أدوار على المسرح وقد ربيت في بيت القرآن، أنا فوجئت مرة أكثر الذين يطبعون القرآن ليسوا مسلمين، ينشرونه ويبيعونه، القرآن تجارة إن طباعةً أو تلاوةً أو تسجيلاً، لكن هذا الذي يشتري بكلام الله ثمناً قليلاً، كل إنسان يحفظ كلام الله ينبغي أن تكون له أخلاق تتناسب مع هذا الكتاب الكريم.
 قصة قديمة جداً وأرجو أن لا تعاد، أحد أقربائي توفي فذهبت لكي أهيأ له لوازم التعزية، ذهبت إلى مكان دفن الموتى تبعني قراء تبعوا السيارة وتحلقوا وبذل ماء وجوههم وركضوا وعرضوا بضاعتهم رخيصةً وتنافسوا وتلاسنوا هؤلاء يحفظون كلام الله ؟ شيء مؤلم جداً هذا الذي يحفظ كلام الله ينبغي أن لا يسهو مع من يسهو، أن لا يغفل مع من يغفل ألا يتساهل في سلوكه مع من يتساهل إنه قبلة الأنظار، إنه محط العيون، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه والحديث الصحيح:

 

(( عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ ))

 

[ الترمذي، الدارمي ]

  خمسة أسئلة، كل سؤال فقرة واحدة إلا سؤال المال فقرتان، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به، كل إنسان يحاسب نفسه هذا الذي استمعت إليه من هذا الشيخ وقد جاءك بالدليل من كتاب الله، والدليل من حديث رسول الله الصحيح أين أنت منه ؟
 أحد التابعين الأجلاء قرأ القرآن فقرأ قوله تعالى أن في القرآن ذكر الإنسان، قال تعالى:

 

﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 10]

  فبدأ يقرأ القرآن قراءةً جديدة فيجد ليجد أين هو ؟ فلما قرأ آيات الكفار والمشركين قال: لا أنا لست من هؤلاء ولما قرأ آيات المؤمين قوله تعالى:

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾

 

[ سورة السجدة: الآية 16]

﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾

[ سورة السجدة: الآية 16]

﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾

[ سورة الأنفال: الآية 2]

  قال: لا والله لست من هؤلاء، إلى أن وصل إلى قوله تعالى:

 

﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 102]

  قال: أنا من هؤلاء، وهذا تابعي جليل.
 فأنت إذا قرأت القرآن ينبغي أن تسأل نفسك أين أنا من هؤلاء ؟ ما الآيات التي تنطبق علي، آيات المؤمنين، آيات لا سمح الله ولا قدر آيات المنافقين، آيات الكفار، أم آيات المقصرين.

 

(( عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ ؟ ))

 

[ الترمذي، الدارمي ]

  الحديث له عدة روايات لكن ينبغي أن أتلوها على مسامعكم جميعاً:

 

(( عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ))

 

[ الترمذي ]

  لو أن مؤمناً نظر إلى سابق عمره، عمره خمسين سنة معظمها أمضاها في طاعة الله وفي طلب العلم وفي خدمة الخلق وفي إنفاق المال وفي خدمة المؤمنين، وفي تقديم الخير للمسلمين، عندئذ يموت إذا مات قرير العين، يا رب والله ما قصرت، وهذا شعور المؤمن حينما يجد أن عمره أفناه في طاعة الله شعور لا يوصف، لكن حينما يمضي الإنسان عمره في غير ما خلق له ويشعر بدنو أجله يندم أشد الندم.

 

(( لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ))

  العلم كما قال بعضهم: العلم ما عمل به فإن لم يعمل به كان الجهل أولى، صار عليك حجة حينما تعلم ولا تعمل صار هذا العلم حجةً عليك.
 وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون لما دخلتم النار وهنا المفارقة العجيبة فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم))

  لذلك أندم الناس يوم القيامة عالم دخل الناس بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار، أندم الناس يوم القيامة غني دخل ورثته بماله الجنة ورثوه حلالاً فأنفقوه في سبيل الله فدخلوا الجنة ودخل هو بماله النار، المال نفسه كسبه من حرام وأخذه أولاده بعد موته حلالاً فأنفقوه في طاعة الله فدخل أولاده الجنة بماله ودخل هو النار بماله والمال واحد، وعلم العالم واحد، دخل هو بعلمه النار ودخل الذين تعلموا منه الجنة.
 لذلك كنت أتلو على مسامعكم من حين لآخر أربعة أدعية قرأتها في كتاب اقشعر لها جلدي الدعاء الأول:
 اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك. كلام رائع ألتمس سمعةً أو مكانةً أو أن يقال فلان فصيح عالم.
 الدعاء الثاني: اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك. يوم الجمعة ارتديت ثوب أبيض تعطرت، اغتسلت، تعطرت عطر خاص مشايخي، أمسك مسبحة خاصة وذهبت إلى المسجد، أين كنت في ليلة الجمعة ؟ وماذا كنت تفعل في تلك الليلة ؟ اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، إنسان حدثنا أحد الدعاة جاء إليه يطلب مساعدة تمسكن بكى ويكاد ينهار أولاده تشردوا لا يجد قوت يومه الكلام مؤلم جداً فهذا الأخ الداعية أرسل معه شخص يحقق وأعطاه خمسين ألفاً، وفي الطريق قال له تأخذ خمسة وعشرون ألف وتقول له رأيت البيت كما قلت له. عرض عليه نصف المبلغ ولكن تعود وتقول له كما قلت له صحيح.
 صار نوع من النفاق، نوع من الكذب، نوع من الدجل عام.
 الدعاء الثالث: اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني. تعلم علم واشرحه وأتعمق بشرحه وأبينه بلغة جلية فصيحة، وحلله وأن أدعمه بالشواهد، فالذي سمع هذا الكلام طبقه فسعد والذي قال هذا الكلام لم يطبقه فشقي.
 الدعاء الرابع: اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحد من خلقك. أكون قصة، أيام الإنسان يغلط غلطة كبيرة والله يؤدبه تأديباً شديداً تصبح قصته قصة تروى في المجالس، كنت أقول كلمة إن شاء الله أن تكون دقيقة في فهم أن الحياة مسرح مقاعد مشاهدين وخشبة مسرح إذا كنت مستقيماً وملتزماً وطائعاً لله عز وجل لك مقعد مع المشاهدين ترى على خشبة المسرح أشياء لا تعد ولا تحصى ارتفاع أناس، سقوط أناس، أما إن لم تكن مستقيماً لابد من أن تجر إلى خشبة المسرح وأن تنزل بك نازلة وأن تصبح قصةً ممتعةً لهؤلاء المشاهدين، اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحد من خلقك.

 

 

(( إن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون لما دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم، فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل))

  وفي حديث آخر:

 

 

(( ما من عبد يخطب خطبةً إلا الله عز وجل سائله عنها أظن قال ما أراد بها))

  سائله عنها أي سائله عن تطبيقه لها.
 قال أحدهم: كان مالك بن دينار إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى ينقطع ثم يقول: تحسبون أن عيني تقر بكلامي عليكم وأنا أعلم أن الله عز وجل سائلي عنها يوم القيامة ما أردت بها ؟
 يروى أن أحد كبار العلماء أظنه ابن المبارك دخل على إخوانه وكانوا بآلاف مؤلفة قال يا رب: لا تحجبني عنك بهم. يوجد بالدنيا مظاهر قوة، شعور بالتفوق، أماكن مرتفعة، مكاسب دنيوية، إنسان تجمع الناس حوله، عظموه، وقروه، بجلوه، وعذروه، نصروه، هذه فتنة. ويقول أيضاً هذا العالم الجليل: ولا تحجبهم عنك بي. يصبح نوع من الشرك الشيخ يحبني، الشيخ يودني، لي مكانة عند الشيخ، الشيخ أنا غالي عليه يطلبني بكل موقف يرتاح لا يهمه رضاء الله عز وجل، الشيخ راض، وهذا شرك.
 لا تحجبني عنك بهم ولا تحجبهم عنك بي. لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ولكن أخاً وصاحباً في الله.
 وقد سئل عليه الصلاة والسلام يا رسول الله أي الناس شر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر سل عن الخير ولا تسل عن الشر شرار الناس شرار العلماء.
 الذين تعلموا ليتصدروا المجالس وليصرفوا وجوه الناس إليه.
 كنت في عقد قران قلت أتمنى صالة الصف الأول خمسة آلاف ولا يوجد بها صف ثاني لا فيها إحراج أبداً تضع الناس كلهم في الصف الأول، لأنه إن لم يكن في المكان اللائق أول صف يتغير لونه، يمتقع لونه، يقول ما عرفوا مكانتي وما عرفوا قدري، أنا مكاني في أول صف وضعوني في الصف الثاني مع أن سيد الخلق وحبيب الحق كان يجلس حيث ينتهي به المجلس.
 هذه قيم الإنسان جاء قبلك وجلس، يجب أن تهيء أناساً يجلسوا ويقوموا، مجمعة أشخاص إذا جاءوا يجب أن تعمل ترتيب تضع أناس صغار في الكراسي الأولى حتى إذا جاء إنسان له مقام كبير يجب أن تضعه في الصف الأول، أو يهيئوا كراسي يأتي فريق ضيف له مكانة فيأتي بكرسي، كان الصف الأول الذي جلس باكراً فصار في الصف الخامس، مشكلة كبيرة مع أن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا التيامن وعلمنا أن يجلس الإنسان حيث انتهى به المجلس وانتهى الأمر.
 أنت انظر يوم الجمعة بالحج مهما كان مكانته كبيرة تأخر آخر إنسان يجلس، يأتي طفل أول الناس يجلس أمام، هذا لمسجد والكعبة المشرفة بالحج فيها موعظة كبيرة جداً، مهما تكن عظيماً مكانك في المسجد حيث ينتهي بك المجلس، ومكانك في الطواف وفي السعي أيضاً بحسب مجيئك.
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه))

 وفي حديث آخر:

 

 

(( كل علم وبال على صاحبه إلا من عمل به))

 وفي حديث آخر:

 

 

(( أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه))

  يا أيها الإخوة:
 إنسان يلزم أن يكتب أحياناً، أنا اليوم تعلمت في خطبة الجمعة هذه الآية وهذا الحديث يحاول كل جمعة أن يحاسب نفسه على التطبيق فكلما طبق الذي سمعه ارتقى عند الله وكان صادقاً في طلب العلم ونفعه الله بهذا العلم.
 حديث دقيق جداً:

 

 

(( عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حي من قيس أعلمهم شرائع الإسلام قال: فإذا هم قوم والعياذ بالله كأنهم الإبل الوحشية))

 سمعت شريط قال: يا بني إنسان مذهبه شافعي وإنسان مذهبه حنبلي وإنسان مذهبه مالكي وإنسان مذهبه مالكي وإنسان مذهبه بغالي وحش، كلام بذيء، حركات مشبوهة، نهم شديد، ينام كالدابة، يأكل كالوحش.
 جالسين أناس يأكلون يبدو أنهم شباب وجائعين، فقال رجل: من يذكر آيةً تنطبق على هؤلاء، فقال أحدهم: وإذا الوحوش حشرت.

 

 

(( فإذا هم كأنهم الإبل الوحشية طامحاً أبصارهم ليس لهم هم إلا شاة أو بعير))

 أكل فقط، الآن الناس أكل وجنس، لهم شيئان في حياتهم أن يملئوا بطونهم وأن يقضوا شهواتهم من أي طريق بأي أسلوب هذا دينهم لذلك قال تعالى:

 

 

﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾

 

[ سورة الكهف: الآية 105]

  لذلك هم صغار عند الله، قال:

(( فإذا هم كأنهم الإبل الوحشية طامحاً أبصارهم ليس لهم هم إلا شاة أو بعير فانصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمار ما عملت ؟ فقصصت عليه قصة القوم وأخبرت بما فيهم من السهوة، فقال يا عمار الآن دققوا: لا أخبرك بأعجب منهم وحوش قوم علموا بما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم))

  أولئك وحوش فعلاً من هم الأوحش منهم ؟ الذين علموا ما جهل هؤلاء ثم غفلوا عن الله كغفلتهم، مثلاً لو ذهبت إلى أدغال إفريقيا إلى أدغال أمريكا اللاتينية، غابات الأمازون، غابات في أستراليا فيها قبائل متوحشة، لا يوجد مشكلة ما تعلموا لكن لو ذهبت إلى مجتمع إسلامي وهذا الإنسان يستمع إلى خطبة ثلاثين سنة و قد سمع مئات الآيات ومئات الأحاديث وحضر مجالس علم، وملتقي مع مشايخ، ودائماً يتقرب لهم، أما بالتعامل آكل مال حرام ؟ معتدٍ اعتداء أخلاقي.

(( فقال يا عمار: لا أخبرك بأعجب منهم قوم علموا بما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم))

  حديث آخر:

 

(( يقول عليه الصلاة والسلام إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً))

 المؤمن واضح والكافر واضح، الكافر لا يغشك واضح يقول لك أنا الدين لا أقنع به، والمؤمن واضح.

 

 

(( يقول عليه الصلاة والسلام إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه شركه ولكن أتخوف عليكم منافقاً عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون))

 وفي حديث آخر:

 

 

(( إن أخوف ما أخافه عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان وإني لأحسب الرجل ينسى العلم كما تعلمه للخطيئة يعملها))

  قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية.
 شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
 وأنبأني بأن العلم نــــور ونور الله لا يهدى لعاصـي
 وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( نبئت أن بعض من يلقى في النار يتأذى أهل النار بريحه فيقال له ويلك ما كنت تعمل ما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن ريحك، فيقول: كنت عالم فلم أنتفع بعلمي))

 أيها الإخوة:
 والله هذه النصوص تقصم الظهر، والله أنا أخاطبكم وأخاطب نفسي وأحذركم وأحذر نفسي، وأتمنى عليكم وأتمنى على نفسي أن نكون دقيقين جداً فيما تعلمنا وأن يكون همنا الأول تطبيق ما تعلمنا ومن عد كلامه من عمله نجا.
بعض الأسئلة أجيب عنها:
 س: فضيلة الشيخ أدامكم الله وبارك بكم وجزاكم الله كل خير، أنا من مقتضيات عملي أزور منازل المسلمين لأعمال الصيانة وفي بعض الأحيان نجد بعض الطعام أو الفاكهة أو ما تيسر ولكن دون علم صاحب المنزل نأكل فقال لي أحد العمال عندي بأن الذي نأكله حرام، فهل هو حرام وإن كان حراماً فهل يجب أن نستسمح من الذين أكلنا من بيوتهم ؟
ج: والله كلام هذا العامل صح وحق، الورع ورع والورع لا يتجزأ، كلكم يعلم أن أكل لقمة من حرام تجرح العدالة إن كان سمحاً لا يوجد مشكلة.
 س: أنا في شركة يتطلب العمل فيها بعض التنقلات ومصاريف التنقلات تقوم الشركة بدفعها بعد تسجيلها خلال الشهر المتعارف عليه أن جميع التنقلات تتم باستخدام سيارة أجرة هل يجوز أن أقوم بهذه التنقلات باستخدام واسطة نقل أرخص وآخذ أجرة التكسي ؟
 ج: صاحب الشركة عندما قال لك استخدم التكسي قصده الإسراع وقصده إكرامك فإذا كان واسطة نقل أرخص تؤدي المهمة نفسها لا يوجد مانع أنت أولادك أولى بالفرق، ركبت في سيارة عامة أما إذا المركبة العامة تحتاج إلى ضعف الوقت وهذا الوقت ملك معلمك وليس ملكك، عندما قال لك خذ تكسي معنى ذلك أن هو يريدك أن تأتي بسرعة، وأنت غبت ثلاث ساعات وسجلت تكسي وركبت ميكرو هذا حرام، أما لو فرضنا أن هذه السيارة العامة تصل تماماً كالتكسي أنت رفهت نفسك وأحببت رفاهتك لنفسك أن يكون لأولادك فأخذت سيارة عادية عامة وما أخذت تكسي هذا هو الجواب، أما إذا كان مستوى الشركة تعطي موظفيها أجرة تكسي فأنا لي حق أن آخذ تكسي أو ما آخذ تكسي ولكن دون أن أؤخر العمل، أما ترى أن في المواصلات العامة تحتاج إلى ساعتين والمعلم يريدك أن تغيب ربع ساعة ويريدك لأمر ضروري فأنت أيدت عليه تكسي وركبت ميكرو وأخذت من وقته ساعتين ليس لهم فائدة هذا هو الجواب.

 

تحميل النص

إخفاء الصور