وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 098 - قواعد السلوك إلى الله5 - ذكر القلب وذكر اللسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ لا زلنا في موضوع الذكر، وقد بينت لكم في درسين سابقين أنّه من أفضل أعمال المؤمن، وخير له من إنفاق الذهب والفضة، وخير له من أن يلقى عدوه فيضرب عنقه، قالوا: وما هو خير من كل ذلك ؟ قال: ذكر الله، وبينت أيضاً أن ذكر الله جل جلاله واسع جداً يشمل نشاطات المؤمن كلها، فإن قرأت القرآن ذكرته، وإن سبحته ذكرته، وإن وحدّته ذكرته، وإن حمدته ذكرته، وإن كبرته ذكرته، وإن دعوته ذكرته، وإن قرأت كتب العلم التي تقربك منه ذكرته وإن أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ذكرته، وإن دعوت إلى الله ذكرته، وحينما تذكره في خلقه يذكرك في ملأ خير منهم، ولقد قال الله عز وجل:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾

( سورة البقرة )

 وذكر الله هو معرفته ومحبته والتقرب منه، ننتقل اليوم إلى موضوع خاص في الذكر، ذكر اللسان وذكر القلب، الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول: الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان معاً، ذكر اللسان كأنْ يمسك الإنسان سُبحة ويقول: الله، الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وهو شارد بالشؤون الدنيوية، نقول: هذا ذكر باللسان، والإنسان أحياناً يغمض عينيه، ويتأمل في ملكوت السماوات والأرض، ويتأمل في عظمة الله، نقول هذا ذكر القلب، ولكن ذكر القلب أحياناً يشتط إلى أمور دنيوية، وذكر اللسان وحده أحياناً يشتط إلى خواطر بعيدة عن الذكر، لكن الإمام النووي رحمه الله تعالى يرى أن ذكر القلب واللسان معاً هو أفضل من ذكر اللسان وحده، وذكر القلب وحده، قال فإذا اقتصر على أحدهما، فالقلب أفضل، أكرر إن اقتصر الذكر على أحدهما ؛ القلب أو اللسان فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يُظن به الرياء، فالإنسان يتوقف عن التسبيح لئلا يقال عنه: مُراءٍ، هذا خطأ كبير، يتوقف عن الدعاء لئلا يقال عنه: مراءٍ، هذا خطأ كبير، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر بالقلب مع اللسان خوفاً من أن يُظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً، ويقصد بهما وجه الله عز وجل، إذًا هناك لسان وهناك قلب، والأفضل منهما أن يكون الذكر بالقلب واللسان معاً، وقد قال بعضهم: الذكر باللسان مشروع، للأكابر والأصاغر، الإنسان مهما دنا شأنه ومهما قل شأنه، يذكر بلسانه، ومهما علا شأنه يذكر بلسانه، فكأن ذكر اللسان قاسم مشترك بين الأكابر والأصاغر، ولأحد العلماء مقولة طيبة، يقول إن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان على نفسه باب ملاحقة الناس، فمثلاً تنام عند إنسان آخر، ومن عادتك قيام الليل، فلو لم تقم الليل خوفاً من أن يقول: هذا يتظاهر أمامي بقيام الليل، وهذا رياء، لكن ما دام قيام الليل من شأنك فقم الليل، ولا تعبأ إطلاقاً، الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول: أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان، دققوا للمُحْدِث، والجنب، والحائض، والنفساء، أي ما من عبادة إلا ولها شروط، تكثر أو تقل إلا الذكر، فليس له أيُّ شرط، أنت محدث اذكر، جنب اذكر، نفساء اذكري، حائض اذكري، مضجع اذكر، قائم اذكر متكئ اذكر، نائم اذكر، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 وقال أيضاً:

 

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾

 

( سورة الفرقان )

 وقال:

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

( سورة آل عمران )

 أي دائماً، الإنسان في أول طريق الإيمان يذكر الله في بعض أحيانه، لكن كلما تقدم وتفوق في هذا الطريق ؛ أيْ طريق الإيمان بالله عز وجل، فإنه يذكر الله في أكثر أحيانه، بل إنه لا يستسيغ أن يتكلم كلامًا من كلام أهل الدنيا، سأضرب مثالاً: إنسان كان في الجاهلية، في جاهليته هو، أي قبل أن يلتزم، قبل أن يصطلح مع الله، له أغنيّة يحبها كثيراً يطرب لها، في أول توبته لو استمع إلى هذه الأغنيّة، طبعاً الصواب هو أغنيّة، أغنيَة غلط في اللغة، غنَّى يغنِّي أغنيّة بالتشديد، لو أنه سمع هذه الأغنيّة في مركبة عامة ربما طرب لها، ولكنه ليس مؤاخذاً على ذلك، أما إذا تقدم في مجال الإيمان وطال باعه في مسالك الإيمان، قد يستمع إلى الأغنيّة نفسها فيشمئزّ منها أشد الاشمئزاز، فهذه علامة طيبة، وأنت في الأساس محاسب على العمل، لكن أحياناً ترقى نفسك إلى مستوى الشرع، سلوك في مستوى الشرع، قد تقصر النفس عن مستوى الشرع أما إذا تعمقت في الإيمان وقوي إيمانك اشتدت صلتك بالله عز وجل، ترقى نفسك إلى مستوى الشرع، وبالمقابل، فالإنسان إذا أكثر من ذكر الله يصبح ذكر الله ديدنه، وعندئذ لا يستسيغ أن يقول كلاماً من كلام أهل الدنيا، المزاح، الحديث الفارغ، سفاسف الأمور، القيل والقال، المماحكات، القضايا التافهة، هو أرقى من ذلك، يصون نفسه عن هذه الترهات، وعن هذه الأباطيل، وعن هذه السفاهات، وإن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودَنِيِّها، أي إذا قوي ذكرك سمت نفسك، أحياناً: أخ له إخوان في أول عهدهم بالإيمان، بالدرس العام منضبطون، في جلسة رسمية منضبطون، فإذا جلسوا مع بعضهم بعضاً مزحوا وعلا صياحهم، ومزح بعضهم مع بعض مزاحاً قد يكون غير مقبول، هذه خلوتهم، لكن لو رأيت هؤلاء أنفسهم بعد أن قوي إيمانهم لرأيتهم في أية جلسة هم في أعلى درجة من السمو، في أية جلسة سواء كانت علمية أو ذكرًا أو روحانية، فلذلك الذكر إذا داومت عليه لا تستطيع أن تنفك عنه، هناك بالفيزياء قانون يدعى العطالة، قانون رائع، على ما أعتقد أنّ القوانين المادية لها في النفس ما يشبهها، لأن الكون في وحدة بدءًا، من الذرة وانتهاءً بالمجرة، وبدءًا من المادة وانتهاءً بالروح، مبدأ العطالة أن الأجسام المتحركة ترفض السكون، لذلك يضعون في السيارات الأحزمة لأن هذا الراكب إذا ركب السيارة، وانطلقت به بسرعة مائة، ورأى السائق أنه من الضروري أن يـقف فجأة، فالراكب لا يقف، يبقى مندفعاً فيموت، إما بالزجاج، أو بمقدمة السيارة، فلا بد من الحزام، بسبب قانون العطالة، فالجسم المتحرك يرفض السكون، والجسم الساكن يرفض الحركة، فإذا ترك أخ من الإخوان من الدروس درساً واحداً أو درسين صار صعبًا عليه المجيء، فيختلق عذرًا لأتفه سبب، يريد به أن يترك الدرس الثالث، وبعد أربعة دروس أو خمسة لن يأتي أبداً، هذه هي العطالة، ما دام سكن لا يتحرك، والذي يداوم على الدروس لا يتركها، والمتحرك لا يقف، خاصة رائعة، هذا مبدأ فيزيائي، قانون فيزيائي مادي يعتمد على طبيعة النفس، فالإنسان إذا اجتهد لا يقف، إذا أكثر من ذكر الله لا يفتر لسانه عن الذكر، أحياناً بعض الإخوة الكرام يحدثونني، أننا لو فرضنا يوماً لم نحضر الدرس، أشعر كالضائع، كاليتيم، وأحتقر هذا الوقت الذي أمضيه في سفاسف الأمور، لقد فاتني خير كثير، لا تصدق أنَّ إنسانًا يدخل إلى بيت الله عز وجل إلاّ ويكرمه الله، وهناك كلمة واللهِ أعجبتني، أحد العلماء قال: هؤلاء الذين يأتون إلى الدروس، لا يأتون للشيخ يأتون لله عز وجل، هو ينتظر رحمة الله ينتظر السكينة من الله، التوفيق من الله، رعاية الله، ينتظر تيسير الأمور، ينتظر أن يزداد علمه، أن يزداد قربه من الله، هذا الذي يتكلم قد سخره الله لهداية العباد، أنت تأتي إلى بيت الله، ومحال على الله عز وجل أن تطرق بابه ولا يفتحه لك، أن تطرق باب رحمته ولا يفتحها لك، والله أيها الإخوة، وهذه من خبراتي الشخصية، أحياناً أخ كريم يحدثني أن الطرق كلها أمامه مسدودة، كل باب مغلق، أقول له: اصطلحْ مع الله، وتُبْ إليه، ولا تعبأ بشيء، والله الذي لا إله إلا هو أستمع منه إلى قصص تشبه الخيال، تَوَفَّق، واللهُ أكرمه في عمله، تيسر زواجه فقد يسر الله له بيتًا، سبحان الله إذا عقَد الإنسانُ الأملَ على الله، ووضع ثقته بالله، رجا الله وحده ولم يرجُ غيره، فمن الطبيعي أن يمده الله بقوة من عنده، يقول الإمام النووي أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك، والدعاء هو العبادة، اسمحوا لي أيها الإخوة أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة، إنسان أصابته محنة، ليعلم علم اليقين، أن هذه المحنة ما ساقها الله له إلا ليقفز قفزتين ؛ قفزة في معرفة الله، وقفزة في محبته، وتنتهي المحنة، ساق له محنة بعد هذه المحنة، فهناك منحة، ساق له شدَّة بعد هذه الِّشدة، فكانت هناك شَدّةٌ إليه، لذلك الإسراء والمعراج متى جرى ؟ جرى بعد الطائف، ورحلة الطائف كانت محنة، الخط البياني لرسول الله عليه الصلاة والسلام كان في الطائف في الحضيض، ضُرب وكُذِّب وسُخر منه، وجاءهم بعد أن أخرجه أهل مكة، وأعرضوا عن دعوته، قال إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، نحن كل عام نحتفل بالإسراء والمعراج، ما علاقتنا بهذه المناسبة، شيء وقع وانتهى، علاقتنا بهذه المناسبة أنك إذا كنت صادقاً مع الله، وجاءتك محنة أو ابتلاء أو مصيبة وصبرت ، واحتسبتها عند الله عز وجل ولم تزعزعك عن إيمانك، وعن استقامتك ولم تزحزحك عن صدق التوجه إلى الله عز وجل، فإن هذه المحنة سيعقبها منحة، النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج عرف أنه سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، فكأن الإسراء والمعراج هو الرد الإلهي على محنة الطائف، وكأن ترحيب السماء وحفاوة السماء هي الرد على جفوة الأرض، نعم، والله أنا أعرف أخًا كان زميلي في العمل بالتدريس، أعرفه أنه كان من أبعد الناس عن الدين، واللهِ يكاد يكون ملحداً، زميل عمل، تعليقاته ساخرة لاذعة على هذا الدين، وعلى رسول الله، ويتمتع بصحة، وبشكل، وبجمال، وبذكاء، ويحمل شهادة عليا، وله زوجة متفلتة، يعيش تائها كما يعيش كثيرٌ من الناس، وذات مرةٍ رأيته يسلم عليّ سلام طالب علم على شيخه، وكدت ألاّ أصدق نفسي، ما هذا السلام ؟ قلت له: طمئني عن أحوالك، قال لي والله أنا عندك منذ ستة أشهر، أصلي الجمعة، أهلاً وسهلاً، وثار سؤال في ذهني: ما الذي جاء بك إلى المسجد، وأنا أعهده واللهِ أبعدَ الناس عن الدين، قال لي طفلة صغيرة أحبها حباً جنونياً أصيبت بمرض في دمها، مرض خبيث، ولأنني متعلق بها أشد التعلق أنفقت كل ما أملك من أجل شفائها حتى اضطررت إلى بيع بيتي وسافرت بها إلى بريطانيا، ولم أستفد شيئاً، وهي بين الموت والحياة، تعاني سرطان الدم، ثم قال: جاءني خاطر، قلت: لو أنني تبت إلى الله أنا وزوجتي لعل الله يشفيها لنا، قال: فعقدنا العزم أنا وزوجتي على التوبة، بدأت أصلي وحجّبت زوجتي بالاتفاق، وبيته قريب من هذا المسجد، فالتزم بهذا المسجد، فالذي لفت نظري سلامُه في أعلى درجة من الأدب، فعجبت له، سبحان الله، فاللهُ لم يخيب ظنه، تراجع المرض شيئاً فشيئاً، وبعد عدة سنوات لا أدري كم هي، زارني في عملي فدعاني إلى حضور عقد قران لابنته، وكنت قد نسيت هذه القصة، حضرت عقد القران وألقيت كلمة في هذا الحفل وبينما كنتُ خارجًا من مكان الحفل تبعني مرحِّبًا بي، ومودعاً لي، قلت له: من هي هذه التي زوجتها، أهي هي التي أصيبت بمرض خطير ؟ قال: هي هي، هذه القصة أعطتني عبرةً عجيبةً، أنّ مرضاً خبيثاً من يحبه ؟ من لا ترتعد مفاصله إذا سمع به ؟ عن طريق هذا المرض الخبيث الذي جاء كالضيف وهدى الأم والأب ورحل، هذا فعل الله، هذه هي المصيبة تزيدك قربىً وتزيدك حباً.
 أيها الإخوة مثل هذه القصة آلاف، ولقد زارني أخ مقيم في بلد غربي، وفي أعلى درجة من النجاح في الجراحة، أصيب بمرض عضال ؛ خثرة في الدماغ، قال لي: ناديت الله في منتصف الليل قلت يا الله إن أردتني أن أعيش فاشفني وإن أبقيتني مريضاً فخذني إليك وأعاهدك على الطاعة، وخدمة الحق، وهذا المرض والله لا ينجو منه بالألف شخص واحد، وانتهى هذا الإنسان وأصبح قعيد الفراش، والكرسي، لقد فقَدَ الحركة كلياً، قال: ثم شفاه الله بعد ساعتين من دعائه، لقد قال : والله يا أستاذ ما من خلية في جسمي إلا ونادت الله عز وجل، ما من قطرة من دمي إلا وناجت الله عز وجل واستجاب الله وغيّر اتجاهه مائة وثمانين درجة.
 أيها الإخوة ؛ إنّ الله موجود، وليس هناك إلا الله، وكل شيء بيده، أي بصراحة نقطة دم تجمدت في أحد أوعية الدماغ، شيء مخيف، إن تخثرت بمكان يحدث شلل، وبمكان آخر عمى، وبمكان ثالث فقد السمع، بمكان رابع فقد الذاكرة، هذه النقطة من الدم التي تجمدت أية يد تستطيع أن تدخل إلى وسط الدماغ، أو إلى الشريان وتذيبها، الله هو الذي بيده كل شيء، يجب أن تعلم أنّ كل أعضائك وأجهزتك وأوعيتك لله عز وجل فإذا كنت معه كان معك، القصة غريبة، فهو طبيب يَعْلَم مضاعفات ونتائج وأمد هذا المرض، يعرف هذا كله معرفة يقينية، واللهُ سبحانه وتعالى بمناجاة العبد الصادقة، وإخلاصه الشديد، ويقينه بقدرة الله عز وجل يفعل المستحيلات، ولقد مضى على هذه القصة سنة ونصف تقريباً، وهو الآن يتمتع بأعلى درجات الصحة، قال لي: وفي اليوم التالي أجريت فحوصًا شاملة ولم أجد شيئاً عند أطباء عصبيين كبار، فوجدت استجابات أعضاء القدم واليد وكل شيء طبيعية، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ))

(رواه أحمد عن سعيد بن أبي راشد)

 وأنا أقيس على هذا ؛ أين المرض إذا جاء الشفاء ؟ التغى المرض، الذي يخلق المرض يخلق الشفاء، قال بعض العلماء: قلب الغافل عليه غشاوة لا يجد صاحبها لطعم الذكر حلاوة ولا لغيره من العبادات، لذلك قيل: لا خير في ذكر مع قلب غافل ساهٍ، إذا كان قلب الإنسان غافلاً ساهيًا هل يترك الذكر ؟ لا، استيقظ، اذكر وقلبك حاضر، الإمام الغزالي رحمه الله تعالى له تمثيل لطيف قال: هذا الذكر لباب عليه ثلاثة قشور القشرة الأولى ذكر اللسان، والقشرة الثانية ذكر القلب، والقشرة الثالثة أن يتمكن المذكور من الإنسان، والقلب حينما يذكر الله عز وجل ويتعلق به لا يستطيع أن ينفكّ عنه أما لب الذكر قال: أن يستمكن المذكور من القلب وينمحي الذكر ويختفي أي تنسى أنك تذكر الله، تنسى شكليات الذكر، وتحس أنك صرت مع الله، أيْ حقيقة الذكر أن تكون مع الله، مقدمات الذكر أن تذكر بلسانك، وأن تذكر بقلبك، وأن يتمكن الذكر من قلبك، لكن وأنت في كل هذه المراحل تعلم أنك تذكر الله عز وجل، أما إذا وصلت إلى الدرجة الرابعة إلى لب الذكر، فإنك تذكر الله، وتنسى أنك تذكر الله لأنّ الذكر أصبح جزءًا من كيانك، الإنسان أحياناً يُدعى إلى طعام، فيجلس إلى المائدة، وينتقي ألوان الطعام، أعطوني هذا الطبق، أعطوني ذاك الطبق، هو واعٍ لما يفعل، أما وهو يتنفس طوال النهار ينسى أنه يتنفس أليس كذلك ؟ فلحركة نَفَسِه غير واعٍ، لأنه شيء مستمر ومألوف، فقال الإمام الغزالي: إنّ أعلى درجة بالذكر أن ينمحي الذكر ويبقى المذكور، الوسائل يضعف وجودها ويبقى الله وتبقى أنت مع الله، قال: المراحل الثلاث مبدؤها ذكر اللسان ثم ذكر القلب تكلفاً ثم ذكر القلب طبعاً ثم استيلاء المذكور ومحو الذكر، هذا رأي الإمام الغزالي، وفي بعض الأحاديث الشريفة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ.))

 

(رواه الترمذي)

 أي هناك نِعَمٌ استمرارُها يؤدي إلى نسيان قيمتها، إنسان في برد شديد يكاد يموت من شدة البرد لو دخل إلى غرفة دافئة في العشر دقائق الأولى يشعر براحة ما بعدها راحة، بعد ساعة يألف هذا الجو المعتدل وينسى أنه انتقل من برد شديد إلى جو معتدل، فالذكر أوله جميل جداً بعد ذلك يصبح جزءًا من حياة الإنسان، وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِـسـُونَ أَهـْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا: يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي، قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ))

 

(رواه مسلم)

 أي إذا أنت دخـلت إلى بيت الله عز وجل لك فعند الله كرامة ومكافأة وتوفيق، وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ))

 

(رواه مسلم)

 وعن معاوية رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلْقة من أصحابه، طبعاً( حلَقة) - بالفتح - في اللغة خطأ صوابها (حلْقة) - بسكون اللام - يقول له: أنا سرت في المحلِّق الجنوبي خطأ، المحلِّق من التحليق، أما اسمه فهو المتحلِّق الجنوبي، المحلِّق من حلّق طار في السماء، فهنا (الحلْقة) وليست (الحلَقة)، شخص ألّف كتاباً سماه أخطاؤنا الشائعة فذكر أحدهم مقالة ذكر فيها أنّ عنوان الكتاب خطأ شائع لأن الخطأ لا يجمع على أخطاء يجمع على خطيئات، لقول الله عز وجل:

 

﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25)﴾

 

( سورة نوح )

 ثم جاء إنسان ثالث قال: والعنوان الثاني خطأ، والصواب أغلاطنا الشائعة، لأن الخطأ علمي، والانحراف خطأ، أما الخطأ العلمي اسمه غلط، الخطأ الأخلاقي اسمه خطأ، قال تعالى:

 

﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25)﴾

 

( سورة نوح )

 اللغة العربية دقيقة، يقول لك: أنا عملت (تجارُب)، (التجارب) العدوى بالجرب، يجب أن تقول: (تَجَارِب) بالكسر، يقول لك: هذا الطبيب (أخصائي) بأمراض الدم، أي يُخصي، الإخصاء مِن أخصى يُخصي إخصاء، والصواب اختصاصي، يقول لك: فلان موَلّع بكذا، (المُوَلّع) هو الثور الأحمر، يجب أن يقول (مُوْلَع)، فلان موْلع بكذا، وطبيب اختصاصي، وأجرى تجارِب، وحلْقة لا حلَقة، لكنّ بعضهم قال: الخطأ الشائع خير من الصواب الضائع، أي إذا تكلم الإنسان بالكلمة وفق الصواب الصحيح يُتَهم أنه أخطأ، إذا قال هذا بين من يجهلون اللغة العربية.

 

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَدْعُو اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِدِينِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ، قَالَ: آللَّهُ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ، قَالُوا: آللَّهُ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَلِكَ: قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهَمَةً لَكُمْ وَإِنَّمَا أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ ))

 

(رواه النسائي)

 إذا كنت في مجلس ذكر، ومجالس الذكر كثيرة، شرحُ القرآن الكريم مجلسُ ذِكر، شرحُ الحديث مجلسُ ذِكر، تعليمُ العلم الشرعي مجلسُ ذِكر، الدعاءُ مجلسُ ذِكر.

 

((وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ ))

 

(رواه الترمذي)

 الإمام ابن علاّن شارح كتاب الأذكار يقول: إذا مررتم بجماعة يذكرون الله فاذكروا مواقفه لهم، أو اسمعوا أذكارهم، فإنهم في رياض الجنة حالاً أو مآلاً، لقوله تعالى:

 

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

 

( سورة الرحمن )

 وإليكم آداب الذكر المفرد، وذاك الذي مرَّ بنا هو الذكر مع المجموع، أما الذكر المفرد فله آثار، قالوا: له أثر فعّال في صفاء القلب وإيقادِهِ، وتعويد المؤمن على الأُنس بربه، والتنعم بمناجاته والشعور بقربه فلا بد للمؤمن من جلسة يذكر الله خالياً منفرداً بربه بعد أن يحاسب نفسه ويطّلع على عيوب نفسه، وأخطائها، فإذا ما رأى سيئة استغفر وتاب وإذا ما رأى عيباً جاهد نفسه للتخلص منه.
 إخوة كرام يذهبون لأداء فريضة الحج، وأقدس وأشرف مكان عرفة، ويوم عرفة خير أيام السنة، فيجلس أحدهم في الخيمة، فإما حديثه عادي، أو ذكر جماعي، هذا ما خلا بربه، وقد يندم أشد الندم، فهناك بعض الأماكن، بعض الحالات، بعض العبادات لا بد أن تخلو بالله عز وجل، ولا بد أن تذكر الله وحدك، الذكر المفرد فيه صفاء ويقظة وأُنس وتنَعُم بالمناجاة، والشعور بالقرب، لذلك مهما تحدثنا عن الذكر مع الإخوة الأكارم فلا بد من الذكر المفرد الذي له خصوصية خاصة، الدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ع

((َنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))

(متفق عليه)

 وهذه أشياء متممة للدرس، قال العلماء: ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإذا كان جالساً في موضع استقبل القبلة متذللاً متخشِّعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل، يجب أن يكون في مكان نظيف، متجهاً نحو القبلة، أما لو كنت معذورًا فلا حرج، الإنسان يعمل عملاً شاقاً، يحفر أرضًا مثلاً، يصلح سيارة مثلاً، إذا ذكر الله والشحم على ثيابه فما المانع ؟ أما بلا سبب يجب أن يجلس باتجاه القبلة و في مكان نظيف ويكون هو نظيفاً قال العلماء: من دون عذر يكون قد ترك الأولى والأفضل، وهذا شيء آخر في موضوع الذكر ؛ فعندنا ذكر مقيد وذكر مطلق، فالمقيد كما قال العلماء: هو الذكر الذي ندبنا إليه النبي عليه الصلاة والسلام مقيداً بزمان خاص أو مكان خاص، كالذكر بعد أداء الصلاة ؛ من تسبيح وتحميد وتكبير وأذكار المسافر، وأذكار الآكل والشارب، وأذكار النكاح، أذكار تقال عند الشدة ودفع الآفات والمصائب، وأذكار تقال عند المرض وعند الموت وما يتعلق بهما، وبعد صلاة الجمعة وليلتها، وعند رؤية الهلال، أذكار الصائم، وأذكار الحج بأنواعها، وأذكار تقال في الصباح والمساء وعند النوم والاستيقاظ، وأذكار الجهاد في سبيل الله، هذه كلها أذكار مقيدة، أما الذكر المطلق فليس له قيد، فهو ما لم يقيد لا بمكان ولا بزمان، ولا بوقت ولا بحال، ولا بقيام ولا بقعود، فالمطلوب من المؤمن أن يذكر الله في كل حال حتى يكون لسانه رطباً بذكر الله، والآيات كثيرة منها قوله تعالى:

 

﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)﴾

 

( سورة الأنبياء )

 وأيضاً:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 وقال سبحانه:

 

﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)﴾

 

.( سورة الأحزاب )

 ومن الأحاديث ؛

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ شَرَائِعَ الإِْسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

(رواه الترمذي)

 السيدة عائشة رضي الله عنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يذكر الله في كل أحيانه.
 وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال - وهذا كلامه وليس حديثاً شريفاً - قال: لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا في حالة واحدة ؛ إذا كان مغلوباً على عقله، أي مجنونًا، وأمرهم بذكره في الأحوال كلها فقال عزّ من قائل:

 

﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103)﴾

 

( سورة النساء )

 ابن آدم إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني، أو تحب أن يكون الله جليسك، كيف هذا ؟ شيء يكاد لا يُصدق، قال: أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني.
إخواننا الكرام ؛ أختم هذا الدرس بهذا التحذير، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)﴾

 

( سورة الزخرف )

 إما أن تذكر الله، وإما أن يكون الشيطان هو الذي يسيّرك، الآية الثانية:

 

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)﴾

 

( سورة الأعراف )

 والآية الثالثة، قال الله عز وجل:
و

﴿َلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾

( سورة النساء )

 وهذه تتناول المنافقين وقد ذمَّهم الله تعالى.
أما النبي عليه الصلاة والسلام فيقول

(( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرٍ إِلاَّ تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

(رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ )

((وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً: يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ: التِّرَةُ هُوَ الثَّأْرُ ))

(رواه الترمذي)

تحميل النص

إخفاء الصور