وضع داكن
29-03-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 072 - حديث أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني – الرجاء هو حُسن الظن بالله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ في درس سابق تحدثت عن باب الخوف من كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم.

وقد وعدتكم قبل أسبوعين أو أكثر, أن أعالج في درس آخر باب الرجاء، لأن الإسلام متوازن، ولأن الإسلام وسطي، ولأن الحق وسط بين طرفين، وأن الفضيلة وسط بين رذيلتين، وأن التطرف انحراف، وأن الغلو في الدين مرفوض، وأن الإفراط مرفوض, والتفريط مرفوض.

الاعتدال والوسطية والتوازن: جوهر هذا الدين العظيم، الدين الواقعي، الدين الذي يتناسب مع الفطرة.

فهناك دعاة إلى الله, يملؤون قلب إخوانهم خوفاً، لدرجة أنهم ييئسون من رحمة الله.

وهناك دعاة إلى الله, يملؤون قلوب إخوانهم طمأنينة على معاصيهم، وأملاً بعفو الله عنهم على انحرافاتهم.

وهؤلاء أيضاً تطرفوا.

ولكن الأصل: أن يتوازن الإنسان بين الخوف والرجاء, أن يرجو الله, كما قال سيدنا عمر: ((لو أنزل الله أنه معذباً واحداً من خلقه, لخفت أن يكون أنا، ولو أنزل أنه راحم واحداً من خلقه, لتمنيت أن يكون أنا))

هذا الموقف الدقيق: أن ترجوه وأن تخافه، وأن تحبه وأن تخشاه, وأن تطيعه دون أن تطمع، وإن قصرت دون أن تيئس, هذا الموقف المتوازن, هو جوهر الدين.

في الدرس الماضي في هذه السلسلة, تحدثت عن الخوف، واليوم: أتحدث عن الرجاء.

 

الأحاديث التي تتعلق بالرجاء:


أيها الإخوة؛ كنت أقول من قبل: أن التجارة مجموعة نشاطات؛ شراء محل، شراء مستودع، تعيين موظفين، استيراد، مراسلات، توزيع البضاعة، جمع ثمنها، إجراء حسابات دقيقة، توزيع الأرباح، هذه نشاطات تجارية، كل هذه النشاطات لا قيمة لها، ولا جدوى منها, إن لم يكن هناك ربح، التجارة كلها فيها كلمة واحدة، يجب أن تربح، وإلا فلست تاجراً، والدين كله قياساً على هذا التمهيد.

يجب أن تتصل بالله، سعادتك في اتصالك، شعورك بالأمن باتصالك، التوفيق في الدنيا باتصالك، امتناعك من عدوك باتصالك، المعنويات المرتفعة باتصالك، تيسير أمورك في الدنيا باتصالك, قطف ثمار الدين من خلال اتصالك بالله.

لذلك يا أيها الإخوة؛ كلام مختصر: أي شيء يقربك إلى الله ينبغي أن تفعله، وأي شيء يبعدك عن الله ينبغي أن تجتنبه، وليس إلا الله، وما من إله إلا الله. 

كل السعادة عنده، وكل التوفيق عنده, وكل الأمن عنده، وكل التيسير عنده، وكل جوانب الحياة الإيجابية عنده. 

 

الحديث الأول: أنا عند ظن عبدي بي.....


يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه؛ والحديث المتفق عليه من أعلى درجات الحديث.

(( عن أبو هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أَنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإِن ذكرني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه، وإن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْرا تَقَرَّبتُ إِليه ذِراعا، وإن تقرَّب إِليَّ ذِرَاعا اقْتَرَبتُ إِليه باعا، وإِن أَتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَة. ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي في سننه ]

 

من علامات الإيمان حسن الظن بالله.


هل تظن أن الله يسلمك؟ هل تظن أن الله يضيع علمك؟ مستحيل.

جاءني أخ كريم قبل يومين.

قال لي: أحمل شهادة عالية، أعمل عملاً فيه شبهة، فسألت عالماً عن حكم عملي في هذا المكان.

فقال: حرام. 

سألت عالماً آخر قال: ابحث عن عمل آخر، فإذا وجدت العمل الآخر, دعك من العمل الأول.

قال لي: أنا لم أحتمل أن أبقى في هذا العمل, بعد أن علمت أنه حرام، فتركته، ومضى علي سنة ونصف, ولم أجد عملاً، وكاد يبكي.

قلت له: والله الذي لا إله إلا هو, لزوال الكون أهون على الله, من أن يضيعك الله عز وجل, تترك عملاً من أجله، وخوفاً منه، وابتغاء رضوانه وينساك؟! أهكذا أخلاق الله عز وجل؟ هكذا ظنك بالله؟.

الله بيده كل شيء، بيده مقاليد السموات والأرض، بيده كل أبواب الرزق، قد يعطي إنساناً شارداً عنه ملايين ألوف الملايين، ولا يعطيك أنت, ولكن كل شيء له وقت، اصبر, ولا تخف، طمأنته.

أيها الإخوة:

يُقال: إن سيدنا موسى. 

هكذا ورد في الكتب.

في سنة من سنوات الجفاف, دعا ربه بالسقيا، فقال الله له: يا موسى, إن فيكم عاصياً. 

يعني عدم نزول المطر بسبب معصية من أحدكم.

فقال سيدنا موسى لقومه: من كان عاصياً لله فليغادرنا. 

ثم نزلت الأمطار بغزارة كبيرة, دون أن يغادر أحد من قوم موسى. 

هكذا تروي الروايات.

قال يا رب: من هذا الذي كان يعصيك؟. 

قال: عجبت لك يا موسى، أستره وهو عاص، وأفضحه وهو تائب.

أيوجد واحد من عامة الناس ليس له جاهلية؟. 

عندما كان غارقاً بالمعاصي ستره الله، وتاب عليه، وحجب سيئاته عن الناس، وأظهر حسناته، فبعد أن تبت إلى الله, واستقمت على أمره، واصطلحت معه, أيعقل ألا توفق؟ قال تعالى:

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)﴾

[ سورة القصص ]

يعني: حينما كانوا يعبدون الأوثان, مكن الله لهم حرماً آمناً، فإذا آمنوا بالله يُتخطفون؟ أهذا منطق؟!.

أكثر الناس يقول لك: أنه إذا رجل يخشى من الله، ولم يودع ماله في مصرف ربوي, يتعرض للقتل في بيته، أهذه أفعال الله عز وجل؟ الذي يخاف الله يُقتل، والذي لا يخاف ولا يسأل يعيش بأمن، أهذا كلام مقبول؟! تطيعه وتخسر؟ تطيعه وتخاف؟ أهذا ظنك بالله عز وجل؟.

هناك كلمة لأحد المفسرين في معرض تفسير, قوله تعالى:

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾

[ سورة آل عمران  ]

كلمة رائعة, يقول صاحب التفسير:

لو أنك اعتقدت: أن الله يضع أولياءه الذين أفنوا حياتهم في طاعته في النار، ويضع الذين ناصبوه العداء في الجنة، وكلا الأمرين عندك في الحسن سواء، ولا يرجح أحدهما، ولا ينفى الآخر, إلا بالخبر الصادق، فأنت لا تعرف الله، وقد ظننت بالله ظن السوء، وظننت به غير الحق ظن الجاهلية.

أيعقل أن يضع الله أولياءه المؤمنين, الذين أفنوا حياتهم في طاعته في النار؟ ماذا قال الله عز وجل؟:

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾

[ سورة سبأ ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

أيها الإخوة؛ لو لم يكن في كتاب الله عز وجل, إلا هذه الآية لكفت، قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)) مستحيل, وألف ألف مستحيل, أن يُعامل المستقيم كالمنحرف, والطائع كالعاصي، والصادق كالكاذب، والمخلص كالخائن، والمنصف كالجاحد, مستحيل. 

الرجاء هو حسن الظن بالله.

فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أبشروا, الأمر يحتاج إلى رجاء.

 

قصص فيها عبر:


جرى في هذا المسجد عدة قصص, لغرابتها لا تُصدق: 

إنسان يحب الله ورسوله، مستقيم، يحفظ كتاب الله، يسعى جهده لخدمة أهل العلم، لكن هو شاب؛ لا شهادة, ولا بيت، ولا مأوى, ولا عمل، ولا مصلحة، ليس لديه أمل ولا بالمليار واحد, أن يسكن في بيت، ليس لديه شيء، ليس لديه قوت يومه، ولا من أجل أن يتزوج.

في ليلة واحدة: بيت، بعده زواج، خطابة، تدريس، بداية معهد, شيء غير معقول, بقدرة قادر.

هذه نقطة, يجب أن تكون أوضح من الشمس عندنا: مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن تطيعه وتخسر.

وما ترك عبد شيئاً لله, إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه

نزلت فلما استحكمت حلقاتها         فُرجت وكان يُظن أنها لا تُفرج

يأتي مرض عضال, ثم يذهب وكأنه لم يكن، تأتي مشكلة اقتصادية طاحنة, تذهب وكأنها لم تكن, يجب أن تحسن الظن بالله، الإله العظيم لا يسلمك لأحد، ولن يضيع عليك عملك. 

طبعاً: الله عز وجل لحكمة بالغة, يحب أن يعرف عباده، هو يعرفهم, ولكن يحب أن يعرفوا أنفسهم, يقربه من الخطر.

أحياناً: يمزح أب مع ابنه, يمسك يده فوق الماء, والأب متمكن, الابن على حسن ظنه بوالده. 

 

قصة إسلام نعيم بن مسعود.


أيها الإخوة؛ قالوا: ((أيعدنا صاحبكم أن تُفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟)) أين هي بلاد قيصر وكسرى؟ الإسلام بقي له ساعات, وينتهي كله، لا رسالة، ولا دعوة، ولا قرآن, ولا نبي, ولا أحد، عشرة آلاف مقاتل, جاؤوا ليبيدوا المسلمين، عن طريق صحابي، عن طريق رجل من غطفان, اسمه: نعيم ابن مسعود، كان رجلاً عادي, مستلقياً في خيمته، حاور نفسه. 

قال: يا نعيم, ما الذي جاء بك إلى هنا؟!. 

جاء من غطفان.

هذا الرجل الذي جئت لتقاتله، لم يسفك دماً, ولم ينتهك عرضاً، ولم يغتصب مالاً، ألك عقل يا نعيم؟ أيعقل أن تقاتل رجلاً كهذا الرجل، وله أصحابه الكرام؟. 

مناقشة دقيقة، وهو مستلق على فراشه، في خيمته، طبعاً الحرب قاب قوسين، هو زعيم غطفان، ما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟ علام تقاتل هذا الرجل؟.

فنهض وتوجه إلى معسكر المسلمين، ودخل على النبي الكريم, النبي قال له: نعيم ابن مسعود؟.

قال: نعم جئتك لأسلم، لأشهد أنه لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. 

أخذ قراراً رائعاً.

قال له: مرني يا رسول الله.

قال: أنك واحد لا تستطيع أن تفعل شيئاً، ولكن خذل عنا ما استطعت. 

بذكاء رائع، ذهب نعيم إلى اليهود. 

طبعاً: لم يعلموا بإسلامه.

نصحهم أن لا يتورطوا مع قريش في قتال, حتى يأخذوا منهم رهائن، وجاء قريش, وأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا مع المسلمين، وسيأخذون منكم رهائن، ويقدمونهم إلى محمد لقمة سائغة ليقتلهم، وهكذا وقع الشقاق بين الفريقين المتحالفين، وأرسل الله رياحاً قلبت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نارهم، وأرسل رياحاً عاتية, ملأت عيونهم غباراً، وكفى الله المؤمنين القتال، قال: هناك ابتلي المؤمنون, وزلزلوا زلزالاً شديداً.

قد يؤخر الله النصر، يؤخر الرزق، يؤخر الزواج، لا تقنط ولا تيأس, لك عند الله حق. 

 

لا ينسى من فضله أحداً.


أخٌ متقدم في السن في الثمانينات, زارني في البيت، وهو فقير.

قال لي: معي ألف ليرة، هي لجامع النابلسي.

قلت له: ليوم الجمعة، صل الجمعة, وادفعها إلى اللجنة. 

قال: طيب، استأذن في الذهاب.

قلت له: سنضيفك كأس من الشاي، وقطعة حلوى، أكل أول لقمة, ودعا دعاء. 

واللهِ قد أبكاني.

قال: سبحان من قسم لنا هذا، ولا ينسى من فضله أحداً.

احفظ هذا الدعاء، الله عز وجل لا ينسى من فضله أحداً، لك عنده حق أطعه.

أطع أمرنا نرفع لأجـــلك حجبنــا         فإنا منحنا بالرضــــــا من أحبنــــا

ولذ بحـــمانا واحـــــــتم بجنابنـــا         لنحميك ممــا فيه أشــــرار خلقنــا

وعن ذكرنـا لا يشـــغلنك شــاغل         وأخلـص لـنا تلق المســـرة والهنـا

وســـلم إلينا الأمر في كل ما يكن          فما القــــرب والإبعاد إلا بأمرنـــا

فيـا خجلي منه إذا هـــــو قال لي          أيـا عــــــبدنا ما قــــرأت كتابنــا؟

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى؟         أما تختشي من عـتبنا يوم جمعنــا؟

أمـا آن أن تقلع عن الذنب راجعاً          وتنظر مـا به جـــــاء وعدنــــــــا؟

فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبــــا          وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا

فلو شاهدت عيناك من حســــننـا          الذي رأوه لمـــا وليت عنا لغيرنـــا

ولو سـمعت أذناك حسـن خطابنا          خلعت عنك ثيــــاب العجب وجئتنـا

ولو ذقـــــت من طعم المحبة ذرة         عذرت الذي أضحى قتيـلاً بحبنـــــا

ولو نســــمت من قربنـا لك نسمة         لمـــــت غــريباً واشتياقاً لقربنــــــا

ولو لاح من أنوارنــــــا لك لائـح          ترك جــــميع الكائنــــات لأجلنــــا

فما حبنا ســــهـل وكل مـن ادعى          ســـــهولته قلنـــــا له قد جهلتنــــا

أيها الإخوة؛ حسن الظن بالله، لا تخف، ما دمت مطيعاً لله, فلا تخف، لا تخش أحداً، الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا وجدت الله ما فقدت شيئاً.

الناس أحياناً بحاجة إلى معنويات عالية، يسمح الله أحياناً للكفار أن يكونوا أقوياء، الحياة ألوان، المؤمنون يمتحنون أحياناً بالضعف, والغطرسة, والكبر, والغنى, والقوة, والسيطرة بيد الكفار، وهذا ما يجري في العالم اليوم, الذين يغرقون في الزنا, والشذوذ، والخمور، والمخدرات, بيدهم كل أسلحة العالم، مسيطرون.

يعني: معقول وزير الصحة البريطاني الحالي بمؤتمر صحفي يقول: أنا شاذ جنسياً! ما هذا؟ ما هذا الكلام؟ هؤلاء الذين بيدهم القوة الناتو, قال: هو شاذ جنسياً.

معقول أضخم مدينة بأمريكا، وأجمل مدينة, خمسة وسبعون بالمئة شاذون؛ نساء ونساء، ورجالٌ ورجال؟!، لم ألمح فيها إلا طفلا واحدًا، لا يوجد أطفال, الطرق كلها مغلقة، امرأة مع امرأة، ورجل مع رجل، هكذا أسرهم، هؤلاء الذين بيدهم القوة الآن، هذا شيء لا يدوم، يعني مستحيل وألف مستحيل, أن تنجح خططهم إلى ما لا نهاية، هذا يتناقض مع وجود الله، يعني لا ييأس أحد، لا يضعف أحد، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

[ سورة آل عمران ]

أنت مع خالق الكون، مع من بيده كل شيء.

 

درسنا اليوم الرجاء:


إياك أن تضعف, إياك أن تستكين، إياك أن تخنع أبداً، ارفع رأسك يا أخي, أنت مؤمن، لا تنس هذه المقولة: 

إذا كان الله معك فمن عليك.

قد يسخر الله عز وجل عدوك اللدود لخدمتك، فإذا لم تكن معه, يتخلى عنك أقرب الناس إليك، هذه حقيقة، لذلك: ((أنا عند ظَنِّ عبدي بي ، وأنا معه حيث يَذْكُرُني))

 

فضائل الذكر:


قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

[ سورة الأحزاب ]

أيها الإخوة؛ عندنا صلوات خمس، لكن ما معنى قوله تعالى:

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

[ سورة المعارج ]

ألا يريد أن يعمل؟ ألا يريد أن يكسب قوت يومه؟ يريد أن ينام؟.

قال بعض العلماء: ((على صلاتهم دائمون بالدعاء)) مع الله دائماً؛ قبل أي عمل، قبل أن يدخل إلى أي مكان، قبل أن يبدأ بأي عمل.

أنا أذكر قصة أتأثر فيها: 

طبيب جراح أعصاب متفوق جداً، يُعد من أوائل الجراحين في هذه البلدة، أول شيء يفعله, والمريض على طاولة العمليات, يصلي ركعتين لله عز وجل، وفي السجود يفتقر إلى الله؛ يا رب أعن، يا رب خذ بيدي، يا رب وفقن إلى إنجاح هذه العملية, والعمليات كلها بالدماغ، وله سمعة طيبة جداً، بافتقاره إلى الله تفوق.

((وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي)) إذا كان إلهك معك، ممن تخاف؟ من يجرؤ على أن ينالك بكلمة, إذا كان الله معك؟ ((وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي)) .

 

واللهِ لَلَّهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِهِ من أحدِكم يجدُ ضالَّته بالفلاة...


أيها الإخوة؛ لو فرضنا أنك تاجر، ولك عند رجل خمسمئة ألف بسند واحد، وضاع منك السند، قال لك: ائت بالسند، وخذ المبلغ، المبلغ ضخم، والسند ضاع منك، لم تترك مكان إلا وبحثت فيه، ثم وجدته، ألا تفرح؟ يتناسب الفرح مع الرقم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((وَاللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ, يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاة)).

 

وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا...


تقربت بركعتي صلاة، تقربت بغض البصر، تقربت بضبط اللسان، تقربت بإنفاق المال، تقربت بتربية أولادك، تقربت بالنصيحة لمسلم، تقربت بإتقان علمك، الطرق إلى الخلاق بعدد أنفاس الخلائق.

قد تجد ملِكًا كل شيء بيده، ولكن ليس هناك طريق إليه، لا يمكن أن تقابله إطلاقاً، بيده كل شيء، والطرق إليه مغلقة، أما ملك الملوك، وهو الله عز وجل, فتح لك إليه طرائق بعدد أنفاس الخلائق، كلها سالكة إليه؛ غضَّ بصرك عن امرأة جميلة, طريق إلى الله, اصدق، قل الحق، ولو كان مراً, طريق إلى الله، كن أميناً.

أقسم لي رجل بالله على ورقة قال: أعدتُ إلى أسرة عشرين مليون ليرة، لا يعلمون أين هي, مات والدهم فجأة بحادث، وقد أعطاني إياها كي أستثمرها، ولا يعلمون عنها شيئاً، سمع درس الأمانة بجامع العثمان، فرد هذا المبلغ لورثة هذا الرجل، ولا يعلمون عنها شيئاً.

هذا طريق إلى الله, إذا كنت أميناً, طريق إلى الله، العفة طريق إلى الله، الصدق طريق إلى الله، إتقان علمك طريق إلى الله، فالطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ, تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا)) خالق يتقرب منك، تتودد إليه, يتودد إليك، تذكره يذكرك، تكرم عباده يكرمك، تذكره في ملأ، يذكرك في ملأ خير منهم، تنفق ينفق عليك.

 

مع الله لا يضيع شيء.


أخ من إخواننا له ابن عم دكتور في الجامعة، توفي بمرض.

قال لي: إنه سأل أولاده أعليه دين؟. 

قالوا: نعم.

قال في نفسه: لعله خمسة وعشرون ألفاً.

في اليوم التالي سأل: كم الدين؟. 

قالوا: مائة وثلاثون ألفاً. 

قال: دفعتهم عداً ونقداً لوجه الله. 

قال لي: والله في يوم السبت ربحي الصافي من يوم واحد مئة وثلاثون ألفًا، تكلم بهذه القصة في صحن المسجد وبكى.

أعرف رجلاً, أنفق مبلغًا لوجه الله، المبلغ جيد، قال لي: والله ما مضى عدة أشهر, حتى رُزقت عشرة أضعافه.

(( عن أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أنفقْ أُنفِقْ عليك ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

(( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبرة من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: يا رسول الله ادخرته لك ولضيفانك. فقال: أما تخشى أن يفور له بخار في جهنم؟ أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

أنفق لا تخف، إذا أراد الإنسان أن ينفق ثم أحجم، معناها دخل فيه إبليس: خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود، هذا كلام إبليس، إبليس له كلمات كثيرة يقول لك: امش في جنازة, ولا تمش في زواج، أي من أخذ أمي فهو عمي، معناها هو منافق، أيضاً كلام إبليس، اعملوا إحصاء لكلمات إبليس، كلها كلمات إبليس, فخار يكسر بعضه، كلام إبليس، هذه الكلمات كلها تنفر الناس من العمل الصالح. 

الحديث

(( عن يحيى بن وَثَّاب، عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ))

[ أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده والحارث في مسنده ]

((من خالط الناس، وصبر على أذاهم خير ممن لم يخالطهم، ولم يصبر على أذاهم)) لو كانت العزلة لها مليون ميزة، مضار الاجتماع مع الناس له مليون فضيلة, يكفي أنك لوحدك, ليس لك عمل صالح؛ يا رب أنا آمنت بك, ماذا فعلت من أجلي؟ ما فعلت شيء, أما ممكن أن تخالط الناس فتنزعج، قد يحمدون وقد لا يحمدن لك عملك، قد يتهمونك ظلماً وبهتاناً.

يروى أن سيدنا موسى بالمناجاة قال: ((يا رب لا تبقي لي عدواً, قال: يا موسى هذه ليست لي)) .

أليس لله أعداء؟ وصف الله فقال: أعداء الله.

النقطة الدقيقة: أنك عندما تقرب من الله, تلق مودة من الله عز وجل.

أنا أستحلفكم بالله واحدًا وَاحدًا، ما من إنسان اصطلح مع الله, إلا شاهد من الله ودٌّ عجيب؛ تيسير أمور، راحة، صار إنسان آخر في بيته, في عمله، قويت شخصيته، أصبحت رؤيته واضحة، صار كلامه سديد محبوب, ألقى الله حبه في قلوب الخلق، لم يكن هكذا.

فلذلك: قناعتي فيما يشد الناس إلى الدين, ليس هي أفكار الدين، أفكار الدين سهلة, وواضحة، وصحيحة، لكن لا تكفي الأفكار كي تشدك إلى الدين، الذي يشدك إلى الدين معاملة الله لك, التي بُنيت على توبتك له، معاملة جديدة.

((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ, تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا, وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا, تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا, وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي, أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) فكلما قربت خطوة, اقترب منك عشر خطوات، الشبر ذراع، والذراع باع، مشيت هرولة، هذا الحديث يلقي في قلبك التفاؤل والثقة, بأن الله يحبك.

سمعت مرةً كلمة أعجبتني: الدعاء يقوي العقيدة، قد يكون الإنسان واقعًا في ورطة، في أزمة، فلجأ إلى الله، ليس له إلا الله عز وجل، فيريه الله رأي العين, كيف أنه صار مستثنى من أي إجراء صعب, هذه لكرامتك عنده. 

حديث آخر في باب الرجاء: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.

(( عَنْ جَابِرٍ, أنه سمع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثة أيام يَقُولُ: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ, إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله عز وجل ))

[ أخرجه مسلم ]

سأضرب مثلاً, ولكن مضحك: معقول مجند في جيش ضخم، ووالده هو قائد الجيش، أعلى قائد، جاء واحد عريف فهدده، فبكى؟ معناها: أنه أحمق.

إذا كنت مستقيمًا، وأنت مع الله عز وجل، وجاء إنسان فخوفك، أو إنسان هددك، وأنت صدقته, معنى ذلك: أنت لا تعرف عن الله شيئاً، الله بيده كل شيء، هذا هو الإيمان.

هناك للأنبياء مواقف عجيبة؛ سيدنا موسى مع شرذمة، يعني عدد قليل من بني إسرائيل هاربون، من وراءهم؟ فرعون، وما أدراك ما فرعون؟ فرعون بجبروته، ببطشه، بقوته، بجنوده، بأسلحتهم, وهم شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، فقال أصحاب موسى: إنا لمدركون, انتهينا، أمامنا بحر، لا أمل لنا، الأمل صفر, قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء  ]

أصبح البحر طريقاً يبساً، فعبره موسى وأصحابه، فلما خرجوا من البحر, دخل فرعون، وهو في الوسط, عاد البحر بحراً, غرق فرعون, هذه قدرة الله عز وجل.

إذاً: ((لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ, إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ)) هذه (لا) ما إعرابها؟ ناهية جازمة، يعني ينهانا الله عز وجل عن أن نموت، فهل الموت بأيدينا؟ هكذا الإعراب، لا: ناهية جازمة، يموتن: فعل مضارع مجزوم بلا, الموت ليس بيدك, معنى هذا الحديث: لا يأتينك الموت إلا وأنت تحسن الظن بالله، يعني: كن دائماً محسناً الظن بالله عز وجل.

 

من أجل أن تحسن الظن بالله ينبغي أن تعرفه.


أيها الإخوة؛ من أجل أن تحسن الظن بالله ينبغي أن تعرفه، الإله العظيم في الغرب خلاق فقط، أما عند المؤمنين فعَّال، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

[ سورة الزخرف ]

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود  ]

 

قصص قرآنية فيها عناية إلهية.


أيها الإخوة؛ هناك قضايا في بعض القصص القرآنية, قد لا ننتبه لها، لما قال الله عز وجل لأم موسى:

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾

[ سورة القصص ]

تمعن بهذه الآية: إذا خفت عليه فألقيه في اليم، فهل معقول هذا الكلام؟ في اليم، ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك.

هذا الصندوق الذي فيه طفل في اليم بنهر النيل من يسيره؟ الله عز وجل.

إذا كان صندوق صغير بتسيير الله, وهو في النهر، وسار الصندوق, واقترب من قصر فرعون، واعترضه غصن فوقف، وألقى الله في روع امرأة فرعون, أن انزلي إلى الساحل، فإذا بصندوق, ففتحته, فإذا فيه طفل, ألقى الله حبه في قلبه، قال تعالى:

﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾

[ سورة القصص ]

بكى، حرمنا عليه المراضع، تحريم منع لا تحريم شرع، أم موسى قالت لأخته:

﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)﴾

[ سورة القصص ]

تتبعي أخباره.

الشيء مستحيل بالمنطق، الإنسان يخاف على ابنه, فيلقيه في البحر، والبحر يقوده إلى قصر، ويقود امرأة فرعون إلى ساحة القصر، وترى هذا الصندوق، وتفتح الصندوق, فترى سيدنا موسى, ألقى الله في قلبها حبه، منعت قتله، ثم كبر هذا الطفل, وصار نبياً مرسلاً، وأزال ملك فرعون.

رأى فرعون في المنام, أن طفلاً من بني إسرائيل, سوف يقضي على ملكه, القضية سهلة جداً، فأمر بقتل كل أبناء بني إسرائيل، هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه, رباه في قصره وهو لا يدري.

﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]

يا الله! إذا كان الإنسان على حق, ما أعظمه!، إذا كان على حق, كان على الصواب، كان على منهج الله عز وجل، إياك أن تكون خاطئاً.

أيها الإخوة؛ هناك آية حيرتني فترة، قال:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم ]

معقول من أجل امرأتين, استنفر بلد معينة، فيها جيش, وفيها طيران, وفيها بحرية، وفيها أجهزة أمن، وفيها شرطة، وفيها وزراء، معقول إذا امرأتان اعترضوا على شيء, نستنفر القوى الجوية، والقوى البرية, والبحرية، والشرطة، والأمن, معقول؟ لا يتناسب، فما معنى الآية؟ امرأتان ضعيفتان (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ) المعنى: إذا أردت أيها الإنسان, أن تحارب الله ورسوله, اعرف من هو الطرف الآخر، هذا الذي يريد أن يكيد للمؤمن، أن يطعن في الدين، أن يمنع بيوت الله, أن يُذكر فيها اسمه، أن يسعى في خرابها، هذا الذي يريد أن يكيد المسلمين, هل يعلم من هو الطرف الآخر؟ من هو خصمه؟.

يمكن لرجل واحد, أن يقف أمام دولة عظمى، أيقدر؟ أنتم ترون دولة عظمى تقصف ولا تذر شيئاً، أيقدر رجل واحد يقف أمامها؟ هذا مثل بسيط، فإذا كان الإنسان يريد أن يقف في وجه الدين, يريد أن يمنع عملاً طيباً، أن يمنع علماً يريد أن ينتشر، أن يمنع مسجد فيه ذكر لله عز وجل، اعلم من هو الطرف الآخر؟ من هو خصمك؟.

إذا كان الشرطي العادي, لا يجرؤ على أن يضربه، يقول لك: هذا ابن دولة، لا تجرؤ عليه، تستطيع أن تضرب واحدًا عاديًا؟ لا تستطيع، الدولة كلها معه، بالميزان اليومي تعرف من وراءه، فلذلك: حينما يريد الإنسان أن يعتدي على أهل الحق, من وراءهم؟ الله جل جلاله. 

الحديث الأخير في هذا الدرس.

(( عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي, يَا بْنَ آدَمَ, لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ, ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ, يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا, ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا, لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

((يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي)) يعني: إنك إن دعوتني ورجوتني ((غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فيك)) يعني: مهما كنت فاعلاً من السيئات, مهما تكن سيئاتك كثيرة، على ما أنت عليه, من إسراف في المعاصي والآثام ((يَا بْنَ آدَمَ, لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ, ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي, يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا, ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا, لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)) البطولة: أن تتوب إلى الله والقلب ينبض، أما عند الغرغرة، لا توبة، وهو على فراش الموت، تُقبل توبة العبد ما لم يغرغر، إذا دخل في النزع لا يوجد توبة، يعني يجب على الإنسان أن يدرك نفسه، ما دام في بحبوحة العيش، ما دام يمشي على قدمين، ما دام أعطاه الله أمل, فعليه بالتوبة. 

نعيده مرة ثانية: 

(( عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي, يَا بْنَ آدَمَ, لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ, ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ, يَا بْنَ آدَمَ, إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا, ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا, لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

 

قصص فيها عبر.


رويت قصة، وأعدتها مرتين أو ثلاثًا، ولكنها مناسبة الآن: 

رجل كان له أرض في شمال جدة، فلما توسعت مدينة جدة, وصلت إلى أرضه، هو بدوي، نزل ليبيعها، مكتب عقاري خبيث جداً, اشتراها منه بربع القيمة، ضحكوا عليه، عمروها بناية من اثني عشر طابقًا، أول شريك وقع من على العمارة فمات، والثاني دهسته سيارة، وانتبه الثالث أنه سبب الحادثة هو المال الحرام, الذي أخذوه من هذا البدوي، بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر, حتى وصل إليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته، قال له البدوي: ترى أنت لحقت حالك.

أدركوا أنفسكم، ممكن كل شيء له حل الآن.

كان ثمة رجل يأكل مالاً حرامًا في معمل، قال لي صاحب العمل: لم أكن أعرف هذا السارق، فرَّغت شخصاً يراقبه، فلم يظهر معي، وينقصني بضاعة ومال، أضع ألفين ثم تختفي من جيبي، وهو يراقب المعطف طوال النهار، يبدو أن يده خفيفة جداً، وذكي ذكاء شيطاني طبعاً.

قال لي: دخل علي رجل بعد عشر سنوات، قال له: أنا كنت عاملاً عندك، وكنت أسرق من معملك، وجئتك تائباً، فأي شيء تريده, فسوف أدفعه لك، قال: والله لك أن تعود إلى المعمل موظفًا، وأنا سامحتك.

هناك حالات كثيرة ........

لي قريب توفي رحمه الله، لديه محل حلويات، قال لي: إن شخصاً دخل عليه, فألقى ظرفًا وخرج، فتحه, فإذا فيه ثمن قطعة حلوى أكلت منذ عشرين عاماً, دون أن يدفع ثمنها، فيبدو أنه تاب إلى الله عز وجل.

إذا مات الرجل, فيستطيع أن يدفع التائب المبلغ المأخوذ صدقة عنه، يصبح الإنسان بريئًا, كل شيء يُحل.

أذكر أن إنساناً اغتصب جزءًا من أرض، ولما أراد أن يحج إلى بيت الله, استسمح من أصحابها، وعرض عليهم ثمنها، وهذا أيضاً أدرك نفسه.

فأنت اعمل جردًا, ماذا عليك من حقوق قديمة؟ سجلها وأدرك نفسك, كما قال البدوي: ترى أنت لحقت حالك, فمن الممكن للإنسان أن يصلح كل شيء.

سؤال أنا لم أفهمه، قال: إذا لقيت شخصاً, لا يوجد في قلبه تقبل للإسلام, فطمأنته لذنوبه كي يتوب فتاب، هل يجوز؟.

نعم يجوز, إذا أنت طمعته برحمة الله، وهونت له ذنوبه, فتاب من ذنوبه, هذا عمل طيب.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور