وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 061 - التوكل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم... اخترت لكم في هذا الدرس حديثاً شريفاً صحيحاً، لماذا اخترت هذا الحديث ؟ لأنني أرى كثيراً من حالاتٍ مرضيةٍ أساسها ضغوطٌ نفسية، أمراضٌ كثيرة ؛ تصيب الجهاز الهضمي، الجهاز العصبي، القلب، الضغط، هذه الأمراض تُعزا في الدرجة الأولى إلى الناحية النفسية الضاغطة، النفس تتلقَّى ضغطاً، طبيعة الحياة معقَّدة جداً، المطالب كثيرة، الموارد قليلة، الضغوط كثيرة، التعقيدات بالغة، المنافسة شديدة، ما من بيتٍ إلا وفيه همومٌ لا يعلمها إلا الله، ما الخلاص من هذه الهموم، وهذه الضغوط، وهذه الصدمات، ثم في النهاية تلك الأمراض، لأن العضوية لا تحتمل هذا الضغط النفسي.
 عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( لو أنكم توكَّلون على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً ))

 رواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وقال الترمذي: حسن صحيح.
 حديث على إيجازه، بليغ في مدلولاته، أولاً: ما الذي يقلق الناس ؟ الرزق، وقبل الرزق ؟ الحياة، حياة الإنسان ورزقه، إذا أيقن العبد أن له عند الله عمراً لا ينقص ولا يزيد، وأن له عند الله رزقاً لابد من أن يستوفيه، إذا أيقن أن أجله محدود، ورزقه مقسوم، رفع عنه ضغطٌ كبير.
 هذا الحديث يتعلق بالتوكل، ولو أنك توكلت على الله، أنت انظر إلى الطفل الصغير، لا يهتم ؛ لا بالإنفاق، ولا بالمصروف، ولا بارتفاع الأسعار، ولا بشح الموارد، ولا بتعقيد الحياة، كل همه على أبيه، لا يهتم بشيء إطلاقاً، تجده عمره سنة أو سنتين، تجده، يفرح ويمرح ويضحك، المؤمن الصادق حينما يضع همومه عند الله عز وجل يستريح.
 هذا الحديث الشريف، قال عنه العلماء: أصلٌ في التوكل، في أحاديث تبين التوكل من زوايا فرعية، أما هذا الحديث يعد أصلاً في التوكل، وهذا الحديث يعد من أعظم الأسباب التي يجلب بها الرزق، أصلٌ في التوكل، وأصل في طلب الرزق، الله عز وجل قال:

 

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾

 

( سورة الطلاق)

 النبي عليه الصلاة والسلام قرأ هذه الآية وقال:

 

(( لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ))

 

( من زيادة الجامع الصغير: عن " أبي ذر " )

 والآن نحن في أمس الحاجة إلى هذه الآية، نحن في أشدِّ الحاجة إلى التوكُّل، إلى أن تلقي الهموم كلها عند الله، " يا رب، أنا عبدك، وابن عبدك،وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في قضاؤك، نافذٌ في حكمك، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، من أن تنزل بي سخطك، أو أن تحل بي غضبك، ولك العتبى حتى ترضى، ولكن عافيتك أوسع لي " هذا الدعاء من القلب، الدعاء مع الخشوع، الشعور أن الله بيده كل شيء، يا رب ليس لي إلا أنت، أنا لا أملك إلا رحمتك، إذا قطعت الأسباب، إذا قطعت العلائق وتوكَّلت على الله عز وجل، لا شك أنك تشعر براحةٍ شديدة.
 أنا علي أن أعبده، أنا علي أن أبحث عن أمره، أنا علي أن أطلب العلم، أن أتعلَّم، وأن أتقصى أمره، وأن أنفذ أمره، والباقي كله عليه، هو يعلم حاجتي، " عبدي كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ". أي لا تجشم، لا تكلف خاطرك تقول لي ماذا تريد، أعلم ماذا تريد، أعلم ماذا يصلحك، أعلم ماذا يسرُّك، أعلم ماذا يرضيك، أعلم ماذا يسعدك، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد.
 يقول بعض السلف: لو حقق الناس التقوى والتوكل... توكل بلا تقوى لا يكون ـ هذه أخطر فكرة بالدرس ـ كل إنسان متلبِّس بالمعصية لا يستطيع أن يتوكل على الله لأنه خجول، لأن وجهه أسود، لا يستطيع أن يقول له: يا رب توكلت عليك. على ماذا ؟ فهو مقصر، أما إذا حقق العبد التقوى أي طاعة الله عز وجل بإمكانه أن يتوكل عليه، قدمت أنت شيء، يا ربي أنا أطيعك، هذا قسمي فيما أملك، أنا أملك أن أطيعك، ولكن لا أملك الأقدار، الأقدار بيدك يا رب، أنا لا أملك الصحة، ولكن أملك أن أطيعك، وأنا لا أملك المال المال يا رب، لكنك تملك المال، أنا أملك أن أطيعك، أنا لا أملك الأقوياء هم بيدك، أنا أملك أن أطيعك، الأمر واضح جداً أنت ماذا تملك ؟ تملك أن تطيعه، أنت مكلفٌ بطاعته، ما أنت مكلفٌ به، محاسب عليه، ما لست مكلفاً به لا تحاسب عليه، الأقوياء ليسوا بيدك، السماء ليست بيدك تمطر أو لا تمطر، يا رب إن أمطرتنا فهذه رحمتك الواسعة، وإن لم تمطرنا فهذه حكمتك البالغة، شيء مريح.
 أنا قلت لكم مرة أستاذ لنا في الجامعة، من كبار أساتذة علم النفس، عقد مؤتمر للطب النفسي في أوروبا، في ألمانيا، وكان هو مندوب سوريا في هذا المؤتمر، بدأ محاضرة بليغة طويلة، قال في مقدمتها: أعلن عليكم أيها السادة أن نسبة الأمراض النفسية في مجتمعاتنا قلية جداً بسبب الإيمان بالله عز وجل..

 

هم لأحبة إن جاروا وإن عدلوا  فليس لي عنهمٌ معدل وإن عدلوا
والله وإن فتتوا في حبهم كبدي  باقٍ عـلى حبهم راضٍ بما فعلوا
* * *

 في استسلام لله عز وجل، أقامك بهذا الشكل، وبهذا الدخل، وبهذه الإمكانيات، وبهذا البيت، وبهذه الحرفة، ليس في الإمكان أبدع مما كان، يا رب هذا حكمك وأنا راضٍ بحكمك، مشاعر الرضا لا توصف، المؤمن إذا ارتقى في الإيمان، يشعر بالسعادة التي لا توصف حينما يرضى بقضاء الله، ترضى بقضاء الله، وقد يكون هذا القضاء مكروهاً.
 لذلك: قال التوكل من أعظم الأسباب التي يستجلب به الرزق، ولو حقق العباد التوكُّل والتقوى لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم. أرضين مُعَدَّتين للبناء، اشتراهما رجلان، الأرض الأولى لم يعطَ رخصة البناء، لأن هذه الأرض سوف تمر بها المجارير، الثاني أعطي رخصة البناء، فأنشأ المخططات، وحفر الأساسات، وأقبل عليه الناس، وقبض المبالغ الطائلة، وتألَّق وجهه، ولمعت عيناه، وعَلَت الابتسامة على وجهه، شيء جميل، الثاني: يرى جاره يبيع ويشتري، وهو معَطَّل، مازال الهم يضغط عليه، ويضغط عليه حتى أصيب بأزمة قلبية، بعد عامين، نال الرخصة، فأصبحت سعر أرضه أضعافاً مضاعفة عن كل أرباح جاره، ولكن بعد فوات الأوان، لو توكل على الله لكسب الدنيا والآخرة، أنت لا تعرف الخير أين هو ؟.

 

 

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

 

( سورة البقرة )

 أيها الإخوة الكرام... يكفينا جميعاً قصة سيدا الخضر، سفينة خُرِقَت، ولولا أنها خرقت لصودرت، ما الذي جعلها تنجو من المصادرة؟ أنها خرقت، فلو علم صاحبها مسبقاً أن هذا الخرق لصالحه لكان شاكراً للذي خرقها له، ولكنه لا يعلم، ثم كُشِفَ الغطاء.
... إذا تحقق العبد من التقوى والتوكل، فقد اكتفى بهما في مصالح الدين والدنيا.
 عَرَّف بعضهم التوكل: بأنه صدق اعتماد القلب على الله. أنت أحياناً تعتمد على جهة ولا تثق بها، نقول هذا اعتماد كاذب، ولكن التوكل الحقيقي الذي به تنجو من عذاب الدنيا والآخرة هو صدق اعتماد القلب على الله، اعتماد حقيقي، الإنسان أحياناً يوكِّل قضيته لمحام لامع جداً، وبالتعبير العامي ( يده طايلة )، مفتاح أكثر القضاة، تجده يرتاح فلان وكلته مثلاً، فكيف لو كان الله عز وجل هو الوكيل ؟!.

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 

( سورة الحج )

 قال بعضهم، وهذه عبارة دقيقة: حسبك من التوسُّل إليه أن يعلم الله من قلبك حسن التوكل عليه. لك وسيلة واحدة لله، الوسيلة الوحيد أن يعلم الله أنك صادقٌ في التوكل عليه، فكم من عبدٍ من عباد الله فوَّض أمره إلى الله فكفاه الله كل ما أهمه.
 يا إخوان نقطتين ؛ عليك أن تطيع الله، فإذا أطعته لك عليك دالة، تستطيع أن تتوكل، عليه التوكل على الله ممتع، ومسعد، ولكن العاصي يستحيي أن يتوكَّل على الله، يخجل، لأن الذنوب حجاب.
 حقيقة التوكل: " صدق اعتماد القلب على الله، في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة ". تعريف جامع، مانع، الطالب يتوكل على الله، والتاجر يتوكل يا جبار، والطالب يا رب يا معين، والمزارع يا رزاق، كل إنسان باختصاصه، والطبيب: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى الله عز وجل يلهمك التشخيص الصحيح، ويلهمك الدواء المناسب، والمحام كذلك، والمهندس كذلك، فباب التوكل واسع جداً، عوِّد نفسك الدعاء كلما أقدمت على عمل فقل: " اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ".
 قال: تحقيق الإيمان، أي حقيقة الإيمان أنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع إلا الله، إذاً توكل عليه.
 قال بعض العلماء: التوكل على الله جماع الإيمان، أي أن الإيمان بأكمله يلَخَّص بالتوكل، الغاية القصوى هي التوكل نحن أحياناً باللغة العربية نعلم الطالب نصوص، نعلمه قواعد، نعلمه نحو، نعلمه صرف، نعلمه بلاغة، نعلمه عروض، الغاية الكبرى من كل هذه الفروع التعبير السليم، الشفهي والكتابي، فالتعبير غاية، لكن النصوص والقواعد والنحو والصرف والبلاغة والعروض وسائل، فالتوكُّل غاية، فإذا عرفت الله وكنت مستقيماً على أمره تتوكل عليه، في جلب المصالح ودفع المضار، في الدنيا والآخرة، وانتهى الأمر، طاعة وتوكل لجلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة.
 قال بعض العلماء: إن التوكل، توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته. أحياناً الإنسان يقول: يا رب توكلت عليك، وكل ثقته بفلان، هذا يعلمه الله، يعلم الله حقيقة هذا التوكل. لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: " من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ".  وكان يدعو عليه الصلاة والسلام ويقول:

 

(( اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك ))

 دققوا: صدق التوكل، لأن في توكل كاذب..

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

 

(سورة آلعمران )

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾

( سورة الحج: من آية " 78 " )

 أسألك صدق التوكل على الله، التوكل الحقيقي، في دعاء آخر للنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته))

 

( من كنز العمال: عن " أنس " )

 والله شيء جميل، هذه: " حسبي ونعم الوكيل " هل هي قليلة ؟!
لكن أيها الإخوة الذي لا أريده أن تفهموه مني أنك إذا توكلت على الله تركت السعي بالأسباب، الله عز وجل قال:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

 

( سورة النساء: من آية " 71 " )

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

( سورة الأنفال: من آية " 10 " )

﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾

( سورة الجمعة: من آية " 10 " )

 لذلك قال بعض العلماء: من طعن في الحركة أي في السعي والكسب فقد طعن في السنة، كل إنسان كسول يقبع في بيته، ويقول: على الله، كله شغل سيدك، أنا مفوض له، أنت واحد كسلان، ليس هذا هو التوكل، التوكل أن تأخذ بكل الأسباب، التوكل مكانه القلب، والجوارح مكانها السعي، لا تخلط هذا بذاك، لا تلبِس على الناس دينهم، التوكل بالقلب، والسعي بالجوارح.
 قال أحد العلماء: " مَن طعن في الحركة يعني في السعي والكسب، فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن بالإيمان " إذا الإنسان لم يتوكل معناها ضعيف الإيمان، وإذا ما سعى، ضعيف التطبيق للسنة، النبي كان يسعى.
 أكمل شيء أيها الإخوة أن تسعى بجوارحك، وأن تتوكل بقلبك، أنا عليّ أن أسعى، وأوضح مثل أن المطاردين حينما وصلوا إلى غار ثور، النبي بقي رابط الجأش، هو عليه أخذ بالأسباب والآن متوكل، مثل الطالب درس، فليس مضطرب الآن توكل، التاجر، اشترى البضاعة المناسبة، واجتهد في اختيارها، وفي أسعار، وارتاح، الآن بيعها على الله، المزارع، زرع بالوقت المناسب وتوكل، شيء جميل لك مظهرين، مظهر السعي والنشاط والحركة والعلم والأسباب والخطط، ومظهر من الداخل كلام بكلام: يا رب هذا الذي علي فعلته بقي الذي عليك، بالدراسة، بالزواج، بالتجارة، بالصناعة، بالقضاء، بالطبابة، بالتدريس، بالهندسة، عليك سفر أنت هذه السيارة راجعت فيها، راجعت ميكانيكها وأجهزتها هذا الذي علي، وعلى الله الباقي، أما أن تقول: أنا راجعتها. فهذا لا يكفي، تنشأ معك مشكلة كبيرة ولو راجعت للسيارة. أنا متوكل يا رب، ولا فيها فرام، ولا فيها شيء سليم، هذا ليس معقول، هذا ليس توكل، هذا الشخص المتوازن بقدر ما هو مستسلم، بقدر ما هو يأخذ بالأسباب.
 أيها الإخوة... التوكل حال النبي، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، لا ينبغي أن يترك سنته، سنته السعي، وحاله التوكل، أنت مكلف أن تقلده في حاله وفي سنته، في حاله الاستسلام، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه أمر على ما يريد قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإن جاءت الأمور على غير ما يريد قال: الحمد لله على كل حال ". هكذا يريد الله، إن كانت لكلمة غير فصيحة لكن أتذوقها، الذي تحبه هكذا يريد ( ياللي بتحبه هيك بدّه )، فالذي أنت بكل حياته من أجله..

 

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾

 

( سورة الأنعام)

 كل حياتي من أجلك يا رب، وهذا قرارك، وهذه حكمتك، والله مرة قرأت لوحة:

 

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾

 

( سورة الطور: من آية " 48" )

 اصبر، لو كان حكم الله واضح جداً لا يحتاج لصبر، لما أنت تكون مريض عند طبيب أسنان، ويعطيك إبرة البنج، المخدر، وأنت تعرف أن هذه الإبرة مؤلمة، لا أقول جداً لكن مؤلمة، لكن ألمها أخف كثير من آلام قلع الضرس، فالأمر واضح، لأنه واضح صابر، لكن الأمر إذا لم يكن واضح، الله يقول لك:

 

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾

 

( سورة الطور: من آية " 48" )

 أجمل شيء بحياة المؤمن: إذا جاءت الأمور على خلاف مراده يا رب لك الحمد، أنا مستسلم، أنا راضٍ، التوكل حال النبي، والكسب سنته، بعض العلماء قال: أفعال الإنسان ثلاث أنواع ؛ أولها الطاعات التي أمر الله عباده بها، وجعلها سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة، هذه الطاعات لابد من فعلها مع التوكل على الله، والاستعانة به عليها، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، قال النبي الكريم في تفسير هذه الكلمة: " لا حول عن معصية الله إلا بالله، ولا قوة على طاعته إلا به ".
 يجب أن تتوكل على الله في أداء الطاعات، فأحياناً الله عز وجل يضعف لك همتك، يضعف لك مقاومتك أحياناً، فإذا الإنسان الله رزقه الاستقامة لا ينبغي أن يتيه بها على الخلق، ويقول: أنا مستقيم، أنا غير فلان. ومَن أنت ؟ إذا كنت مستقيماً فهذا فضل من الله عليك، فالإنسان إذا استقام على أمر الله، واعتد باستقامته، وتاه بها على عباد الله، هذه ليست استقامة، لكن شابها الكِبْر، شابها الاعتداد، شابها العلو، لذلك هذه الاستقامة ليست مقبولة إلا إذا خالطها التواضع، خالطها العبودية لله.
 المؤمن الصادق يا إخوان إذا وفقه الله لطاعة، يشكر الله على أنه وفَّقه إليها: يا رب سمحت لي أن أقوم بهذا العمل، سمحت لي أن أحضر هذا المجلس، في إنسان يكون مريض، في إنسان الله عز وجل يسبب له متاعب كثيرة جداً في حياته، ليس فاضي، مشاكل بالبيت، ومشاكل بالشغل، ومشاكل هنا، أولادي يغلبوني، إذا شخص الله عز وجل فرغه، سمح له يحضر مجلس علم هذه من نعم الله، لا يمن على الله فيه..

 

﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)﴾

 

( سورة الحجرات )

 فحتى العبادة تحتاج إلى توكل، يا رب، والدليل الفاتحة:

 

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

 

(سورة الفاتحة )

 الفاتحة، تستعين بالله على صلاتك، وعلى صيامك، وعلى حجك، وعلى زكاة مالك، وعلى غض بصرك، وعلى ضبط لسانك، وعلى تحرير دخلك، وعلى قيامك بالأعمال الصالحة، هكذا.
 الشيء الثاني: ما أجرى الله به العادة في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه كالأكل والشرب، كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، والتدفؤ من البرد، فهذه أيضاً أسباب إن لم تأخذ بها تحاسب عليها، إذا الإنسان أهمل طعام الفطور مثلاً، صار معه ضعف، أو أهمل نوع الطعام، صار في معه كتم، أهمل الحاجات الأساسية التي أمره الله بها، وصار في عنده مشكلة، هذه المشكلة يحاسب عليها، يحاسب على تقصيره، فجسمك ليس ملك، أولاً: هذا الجسم أمانة بين يديك، سلمك الله إياه، عليك أن تعتني به لأنه قوام حياتك، رأسمالك في حياتك، فالعناية بالصحة جزء من الدين.
 أن تعلم ماذا تأكل ماذا تشرب، في أشياء فيها مواد ملوثة، في أمراض كثيرة جداً، وأمراض خطيرة جداً، وصار في حالات وفيات كثيرة جداً من التلوث، الآن أنا أنصح إخواننا الكرام أن يقصروا تناول الطعام في بيوتكم، تعرف أنها مغسولة جيداً، أحياناً يكون عامل بمطعم لا ينظف نفسه جيداً بعد قضاء الحاجة، آثار البراز بيديه، وأيضاً يعمل سلطة، لا تعرف السلطة ماذا فيها، بهذه الطريقة تنتقل الجراثيم، بهذه الطريقة تنتشر الأوبئة، فالنصيحة الآن الخضر الورقية ممنوع استعمالها، الطعام خارج المنزل الأولى الإنسان يبتعد عنه الآن لعدم الدقة في إعداد الطعام، الغسيل المتقن للخضار والفواكه هذا الأسباب وعلى الله الباقي، أما أهمل الأمر !! إذا المياه ليس متأكداً منها اغليها، إذا المياه ليست صالحة لتكن مغلية، هذا الثاني.
 أنا لفت نظري أنني قرأت في الجريدة من يومين: أن كل موظفي المطاعم مكلَّفون أن يقدموا فحوصاً لبرازهم للصحة، لعل يكون معهم مرض، وأثناء قضاء الحاجة ينتقل هذا المرض من برازهم إلى طعام رواد المطعم. خبر لفت نظري، معناها تنتقل الجراثيم بهذه الطريقة، لماذا النبي أمرنا بالنظافة البالغة الشديدة ؟ الحقيقة موضوع الغذاء إذا كان مطعم القائمين عليه ليسوا مؤمنين، موضوع النظافة مهْمَل جداً، أما المؤمن حريص.
 الآن، يقول بعض العلماء: لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح. في عندنا نقطة: أحياناً ربنا عز وجل يرزقك لكن بعد أن يعصرك عصر، تعمل اثني عشر ساعة، صياح، مشاكل عيّ، معاندة مع الناس لكي تلحق رزقك، وحياناً ربنا يكرمك يبعد لك رزقة تكفيك مع جهد بسيط، هذا من إكرام الله لك.
 اسمعوا هذه الحقيقة يا إخوان: إذا طلبت العلم، وحضرت مجالس العلم، وأعطيت من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله لفهم كتابه، لفهم سنة نبيه، لفهم سيرة أحبابه، إن أعطيت من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله أرجو الله سبحانه وتعالى ألا أكون مبالغاً في هذا، ساق لك الله رزقاً وفيراً مع جهدٍ يسير، أنا اشعر أحياناً مع شخص يشكو إلى درجة غير معقولة يقول لك: مسحوق سحق، ليمونة معصورة، منتهي، أنام الساعة الواحدة، طبعاً للدنيا فقط، في فقط في أشخاص يناموا في الساعة الواحدة لكن للأمور الأخروية، لكن إذا كان الدنيا فقط تأخذ منك كل هذا الجهد وكل ذلك الوقت والله هذه حياة صعبة، الإنسان إذا ألغي وقت فراغه ألغي وجوده.
 أنا أقول لكم الآن: أي عمل من أعمالكم إذا استغرق كل وقتكم مهما علا دخله هو خسارة كبيرة، إذا استغرق عملك الوقت كله فقد ألغى وجودك، أنت تعمل من أجل رسالة، من أجل إيمانك بالله، من أجل عمل صالح ينفعك بعد الموت، أنا أخالط أناساً الدنيا كل همهم، لا يوجد عنده شيء غير تجارته من الفجر، لأنصاف الليالي، لا زوجة لا أولاد، لا مجلس علم، لا درس فقه، لا قرآن، إطلاقاً، في تجارته، تجارته قبر له، في معمله، معمله قبر له، وفي وظيفته، وظيفته قبر له، انتهى الإنسان، هذه نصيحة أسديها لكم: العمل الذي يستغرق كل وقتك هو خسارة فادحة ولو درَّ عليك مئات الألوف، انتهى وجودك، انتهت رسالتك.
 أحياناً في إنسان يتباهي: أنا أرجع للبيت قبل أن يناموا أولادي أذهب بعدما يفيقوا، جيد، لكن من لهم أولادك ؟ أنت لست أباً لهم أنت منفق عليهم فقط. لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح.
لذلك، الإمام أبو حنيفة قرأ عن النبي حديثاً شريفاً، كان هذا الحديث الشريف انعطافا في حياته، ما هذا الحديث:

(( من طلب العلم تكفل الله له برزقه))

 الكلام أكيد، كلام قطعي، إذا طلبت العلم تكفل الله لك برزقك.

 

( من الدر المنثور: عن " زياد الصدغي " )

 اسمعوا الآن قال: ربما حرم الإنسان الرزق بذنب يصيبه. يروي ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

((إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه))

 معنى هذا أن أحياناً الذنوب تقطع الأرزاق.
 في عندنا للرزق سبب آخر ؟ سؤال: هل هناك آية قرآنية استنبط منها العلماء أن هذا العمل يسبب بحبوحة الرزق ؟

 

 

﴿لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16)﴾

 

( سورة الجن )

 الاستقامة.
 والصلاة:

 

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾

 

(سورة طه: من آية " 132 " )

 الدليل:

 

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾

 

( سورة طه: من آية " 132 " )

 التقوى والتوكل، هذه ثلاثة، أربعة: العبادة لله في كل شيء، الاستغفار، أيضاً إتقان العمل، الأمانة، صلة الرحم، الاستقامة، والأمانة، وصلة الرحم، وإتقان العمل، والصدقة، " استمطروا الرزق بالصدقة "، والتوكل مع التقوى.
 التوكل مع التقوى، والصدقة، وصلة الرحم، والاستقامة، والأمانة والاستغفار، هذه كلها أسبابٌ لوفرة الرزق، وإذا كانت توافرت كلها والرزق قليل، بمَ نفسر ذلك ؟ نفسر ذلك بالحكمة، " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ".
الحديث دقيق احفظوه:

 

(( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ))

 

( من شرح الجامع الصغير )

 وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:

 

(( لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ))

 

( من الجامع لأحكام القرآن )

 لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها الأجل محدود والرزق مقسوم، إذاً لا تقلق
 قال بعض السلف: توكل تُسَق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلُّف.
 سأل أحد العلماء قال: ما علامة صدق التوكل ؟ فقال: أن يتوكل العبد على الله، وألا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء. أي يجب أن تيأس مما في أيدي الخلق، ما دام فلان لا يقصر إذا طرقت بابه، فلان يودني، فلان مسَبِّق معه، قل فلان فقط، باب السماء مغلق، إذا يئست مما في أيدي الخلق أمدك الله عز وجل بما تحتاج، فعلامة صدق التوكل اليأس مما في أيدي الخلق

 

لا تـســـألـن  بـني آدم حاجـة
وسـل الـذي  أبـوابـه لا تـغـلـق
الله يغضب  إن تركت سؤاله
وبني آدم حي ن يسـأل يغضـب
* * *

  قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوَّدون ويقولون نحن متوكلون، فيحجون فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية:

 

 

﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾

 

( سورة البقرة )

 هذه الآية تدل على الأخذ بالأسباب.
 الحقيقة أيضاً صدق التوكل عرَّفه بعضهم: بأنه قطع الاستشراف من الخلق، الاستشراف أي الطمع، قطع الاستشراف من الخلق، فسئل أحد العلماء ما الدليل ؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما عرض عليه جبريل أن يساعده وهو يرمى في النار فقال له: ألك حاجة ؟ فقال: أما إليك فلا. وظاهر الكلام أن إبراهيم ترفع سؤال جبريل حينما ألقي في النار فقال: أما لك فلا، علمه بحالي يغني عن سؤالي. أي أن الله عز وجل حينما رأى منك يأسك من الخلق أمدك بما تريد.
 في تعبير دقيق سئل أحد العلماء، وهو بشر الحافي، عن التوكل ؟
 ـ فقال: اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب. كلام ملغز، اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب.
ـ فقال له السائل: فسره لنا حتى نفقهه.
ـ فقال بشر: اضطراب بلا سكون ؛ رجل تضطرب جوارحه بالسعي، وقلبه ساكن إلى الله لا إلى عمله.
 سعى، وأخذ بالأسباب، وخطط، وصمم، وقدم استدعاء، وحاكى فلان، أخذ بكل الأسباب هذا اضطراب، لكن بلا سكون لهذا العمل بل السكون إلى الله، اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب، رجل ساكن إلى الله عز وجل بلا حركة، لا يوجد اضطراب، فاضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب.
 إذا الإنسان توكل على الله عز وجل وقصر في تحصيل رزق أولاده، فهو محاسب عند الله والدليل: " كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع مَن يقوت " أحياناً الإنسان يفرط، أنا أقول له: هذا ليس مالك هذا مال أولادك، عندك بنات، عندك شباب، له ورثة تاركها، له حساب قديم مع شخص هامله، له عقد شراكة مع شخص ويقول: يصطفل يعمل بأصله، أنت مكتفي ولكن عندك أولاد، لو أن هذا المال حصَّلته، وزوجت أولادك به كان أفضل، فالتقصير في المطالبة بالحقوق مع شدة الحاجة للمال، هذا الإنسان يحاسب عليه.
 النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف))

 

( من الأذكار النووية: عن " أبي هريرة " )

 كل مؤمن يسعى، ويكسب المال، ويتخذ الأسباب هذا قوي، هذا أحب إلى الله من المؤمن الضعيف لأن قوته للمسلمين.
 يعني أخ درس دراسة عالية جداً، احتل منصب رفيع، شيء جميل، تمكن يخدم خمسين أخ، فكلما إنسان قوي مركزه ، كثر ماله، علا شأنه، احتل مركزاً رفيعاً، كلما كثر مركزه، كثر عمله الصالح، "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير..." الكل على العين والرأس ولكن القوي أحسن.

 

( من الأذكار النووية: عن " أبي هريرة " )

 إنسان يحمل شهادة عالية جداً، ويصلي أمام الناس، والله شيء جميل يشجع الضعفاء، صاحب مشروع ضخم ومستقيم استقامة تامة، العمال كلهم يرونه، شيء ممتاز أصبح قدوة، فالإنسان كلما ارتفعت مكانته الاجتماعية أصبح قدوة، أما إذا واحد مقصر، يقولون له: اذهب خذ شهادة أولاً، هذه حل مشاكلك قبل أن تنصحنا، فالإنسان إذا كان كسول، وفي الطبقات الدنيا الاجتماعية، طبعاً في كسل منه، كل إنسان الله أقامه بشيء، " رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ".
 قلت مرة لأخ: الناس الآن لا يحترمون المؤمن ولا يقتدون به إلا إذا تفوق بعمله. إذا كان دكان نظيفة جداً، شيء جميل، وحسابات دقيقة، شيء جميل، بالتعامل في رقي، وإذا كان في فوضى، في تقصير، في تجاوزات، في إهمال.
 النبي عليه الصلاة والسلام قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه ـ الذي جاء الحكم ضده لما أدبر: حسبنا الله ونعم الوكيل. فقال عليه الصلاة والسلام معلما:

 

 

(( إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبك لله ونعم الوكيل))

 

( من تفسير ابن كثير: عن " عوف بن مالك " )

 واحد مقصر، لم ينجح، ولم يدرس ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل. هذه زعبرة، ادرس، بعد ما رسب يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، اشترى شروة بدون دراسة فلم تبع معه، هكذا ترتيب الله حسبي الله ونعم الوكيل، لا هذا تقصير منك، مسوقها كان سيئ جداً. النبي قال: " إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس ـ كن عاقلاً، هيئ أمورك ، أما ـ إذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل " أحياناً أمر قاهر.
 النبي الكريم أبى يصلي على رجل ركب ناقة حروناً وقع من عليها فدقت عنقه، لم يصل عليه لأنه عصى قال: " من كان جمله حرون فلا يركبها ".
ركبها، ودقت عنقه فما صلى عليه، خذ بالأسباب وبعدها توكل.
 أما أدق قول قاله النبي الكريم في هذا الموضوع:

 

(( إن التوكل بعد الكيس ))

 

( من كنز العمال: عن " عائذ بن قريظ )

 معنى الكيس التعقل، إن التوكل بعد الكيس بعد أن تأخذ بالأسباب تتوكل على الله، أنا أعرف رجل، والله له أعمال طيبة، سافر سفرة، سيارته لم يراجعها من ست سنوات، ماشي على المائة والعشرين والميزان فلت، طبعاً مات، مات بأجله، لكن الإنسان يموت بهذه الطريقة ؟! إنسان عنده مركبة يجب أن يراجعها، أخطر شيء بالمركبة الميزان والمكابح، الميزان قد يقتل صاحب المركبة، والمكابح، في أشياء ليست خطيرة، أما هذان الشيئان خطيران في المركبة، فمن لوازم التوكُّل أخذ الأسباب.
 العلماء قالوا: إن التوكل لا ينافي الإتيان بالأسباب، بل قد يكون الجمع بينهما أفضل، أن تجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل، والتوكل بالقلب، والأسباب بالجوارح.
 آخر نقطة في التوكل هي من أدق نقاطه، قال: من توكل عل الله لطلب الرزق، فقد جعل التوكل سبباً، أنا سوف أتوكل لكي يرزقني الله، جعلت التوكل سبباً، يجب أن تتوكل على الله لأنك راض بما قسمه لك، في فرق: إن توكلت على الله لأنك راضٍ بما قسمه لك، هذا هو التوكل الحقيقي، أما إذا توكلت على الله كي تجلب بهذا التوكل الرزق، هذا التوكل أصبح مشوب.
 قال: لا تكونوا بالمضمون مهتمين فتكونوا للضامن متهمين.
 الحكماء قالوا: التوكل على الله على ثلاث درجات، أولها ترك الشكاية، في إنسان كثير الشكوى، أينما جلس يحيطك بهالة سوداوية ؛ الشغل صعب، أولاد، بيت، جيران، مشاكل، تحس بانقباض معه متشائم، كثير الشكوى، قال: ترك الشكاية أول درجة من درجات التوكل، وثاني هذه الدرجات الرضا، وثالث هذه الدرجات المحبة.
 فترك الشكاية درجة والرضا درجة، والمحبة درجة ثالثة، الأولى للزاهدين، والثانية للصادقين، والثالثة للمرسلين، وكان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: " أصبحت وما لي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر " من شدة حبه لله، وتعلقه به، من شدة يقينه برحمته، من شدة استسلامه له، قال: " أصبحت وما لي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر ". الذي يقضيه الله عز وجل أنا راضٍ به.
قال سيدنا علي: " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ".
 سقت هذا الدرس للأسباب التالية: الحياة في المدن معقدة، والهموم كثيرة، والضغوط شديدة، والصراعات على أشدها، وكسب المال صعب، توفير الأعمال صعب، والشبهات كثيرة، فهذه الضغوط من شأنها أن تضغط على الإنسان فتصيبه بالعطب، الحل لمثل هذه الحالات الصعبة طاعة الله والتوكل عليه، الآية التي أتمنى أن تكون شعار لكم جميعاً أولها في بل، بل حرف إضراب، بل تنفي ما قبلها وتثبت ما بعدها..

 

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾

 

( سورة الزمر)

 هذه مهمتك، وبها تنتهي مهمتك، أنا علي أن أتعرف على الله، أتعرف لمنهجه وأطيعه، ثم علي أيضاً أن أشكره على نعمائه، لأن نعمائه سوف تتوارد عليه بشكل كثير، هذه مهمة العبد، أما إذا لم يستقم على أمر الله، لا يستطيع أن يتوكل عليه، قاعدة ويمكن هذه أهم نقطة بالدرس: لم تستطع التوكل عليه إلا إذا أطعته، إنك إن لم تطعه تشعر بالخجل، تشعر بالحجاب، ممكن مثل بسيط: إذا كان شخص مهم له ابن، ضربته ضرباً مبرحاً على مرأى منه، ثم طرقت بابه ترجوه أن يعاونك في قضية، ممكن أن تقرب عليه ؟ أبداً مستحيل، ضربت ابنه ضرباً مبرحاً أمامه، ولم تعبأ به، وبعد قليل طرقت بابه تقول لك: أتساعدني في هذا الموضوع؟ الأصح لن تستطيع أن تطرق بابه، ما دمت قد أسأت إلى ابنه لن تستطيع أن تطرق بابه، إلا إذا كنت محسناً إلى أولاده، فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فالإنسان المستقيم يرى أنه بإمكانه التوكل على الله عز وجل.
 علاجنا أيها الإخوة إذا الأمور اشتدت، المكاسب ضاقت، الظروف عقدت مثلاً، الإنسان وقع في حرج، في بيته، في عمله، الضغط النفسي خطير جداً ينتهي برفع الضغط، ينتهي بأزمة قلبية، ينتهي بأمراض في المعدة، ينتهي بأمراض في العضلات، بانفجار في الدماغ، هذا الشيء ثابت، فالمفروض الإنسان يستسلم، ويستقيم، ويتوكل وعلى الله الباقي، تجد المؤمن ينام نوم مريح، في فندق بألمانيا مكتوب عليه: " إذا لم تنم نوماً مريحاً فلا تتهم فروشنا، اتهم ذنوبك ". إذا واحد لم يقدر ينام يكون له مشكلة مع ربه، أما إذا كان لم يعمل شيء، مستقيم، لا يوجد برقبته حقوق أبداً، لم يؤذ الناس، ينام براحة، فالتوكل يحتاج إلى استقامة، استقم ترى أن الله معك، كن مع الله ترى الله معك.

 

تحميل النص

إخفاء الصور