وضع داكن
20-04-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 19 - سوء الظن بالله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

من أدوات البحث في هذا الموضوع :

أيها الأخوة الكرام, مع الدرس التاسع عشر من دروس العقيدة، تحدثت في درس سابق عن حقائق متعلقة بالذات الإلهية، إذا اقترب الإنسان من البحث في موضوع العقيدة الذات الإلهية, ينبغي أن يضع هذه الحقائق بين يديه, فهي تعصمه من أن يخطئ, أو يتوهم, أو يقع في خطأ متعلق بالعقيدة .

ما الفرق بين من يخطئ وبين من يقول على الله ما لا يعلم؟ :

أيها الأخوة, إن الله عز وجل في القرآن الكريم رتب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعديً, فذكر الفحشاء والمنكر, والإثم والعدوان, والشرك والكفر, وجعل على رأس هذه المعاصي والآثام الكبيرة معصية, أن تقول على الله ما لا تعلم, قال:

﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة الأعراف الآية: 33]

فشتان بين من يخطئ وبين من يقول على الله ما لا يعلم, من يخطئ يبقى مخطئاً لذاته وخطأه محصور به، أما الذي يقول على الله ما لا يعلم, ويصدقه من حوله, فكل أخطائهم الناتجة عن سوء تصورهم لله عز وجل, فهو في صحيفة من قال عن الله بغير علم .

 

ما وراء هذا المثال :

لا أحب عن أذكر هذا المثل الصارخ لكنني مضطر لذكره: إنسان فتح مكتبة, وباع كتب, تروج الباطل والضلالات والانحراف, على أساس أن هذه مكتبة, كلها كتب, وهذه بضاعته .
يقول بعض العلماء الورعين: لو إنسان باع مادة محرمة وتاب, انتهى البيع، أما الذي باع كتاب, وفيه ضلالات, وهذه الضلالات انتشرت, ورسخت, وانقلبت إلى سلوك منحرف، هذا إثمه عند الله كبير جداً, هذا أكبر ممن يبيع مادة محرمة، لأن الخطأ السلوكي تسهل التوبة منه، أما الخطأ الاعتقادي يصعب التوبة منه .
لذلك قالوا: المبتدع لا توبة له، لأن المبتدع يبتدع أنه على حق, وأن الناس كلهم على باطل .

ما المقصود بمعنى هذا الحديث؟ :

ندخل في الدرس التاسع عشر, أنهيت الدرس الماضي بالحديث الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

قد يتوهم الإنسان أن الإحصاء هو العدل، لكن الإحصاء شيء والعد شيء آخر, قال تعالى:

﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً﴾

[سورة مريم الآية: 94]

فاختلاف المبنى دليل اختلاف المعنى, بشكل مبسط: صف فيه ثلاثون طالباً، العد سهل, أما الإحصاء؛ كل طالب اجتهاده, مستواه, انضباطه, تحصيله, ذكاؤه, أخلاقه, انضباطه, شكله, علاقته بمدرسه, بأهله, مدى انضباطه بالوقت, حضوره, مئات بل آلاف الصفات, يجب أن تستشفها من الطالب خلال الإحصاء .
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:

((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا))

من استوعبها, وفهمها, وعاشها, وعاش في أجوائها, من فعل ما يجب أن يفعله حينما يفهمها، هذا معنى الإحصاء، لذلك من أحصاها دخل الجنة, وتعرف إلى الله وأسمائه, وانضبط وفق هذه الأسماء .

 

من الشيء الذي ينبغي أن تعلمه :

أيها الأخوة, الأحاديث التي فيها عد لهذه الأسماء ليست صحيحة بل أقرب إلى الضعف منها إلى الصحة, والله عز وجل يبين من خلال بيان النبي عليه الصلاة والسلام, لأن النبي لا ينطق عن الهوى, لأن هذه الأسماء ليست محصورة في تسعة وتسعين اسما, بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ, فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, وَابْنُ عَبْدِكَ, وَابْنُ أَمَتِكَ, نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ, عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ, أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ, أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ, أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ, أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ, أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي, وَنُورَ صَدْرِي, وَجِلَاءَ حُزْنِي, وَذَهَابَ هَمِّي, إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ, وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا, قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى, يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا))

الأسماء الحسنى يجب أن نعيشها, ونفعل ما تقتضيه هذه الأسماء، الله عز وجل رحيم ينبغي أن ترحم من دونك، الله عدل ينبغي أن تكون منصفاً، الله كبير ينبغي أن تفتقر له، الله غني ينبغي أن تستغني بالله لا أن تستغني عنه، فهذا المعنى الذي أتمنى أن يكون واضحاً .

 

من الإلحاد :

والله عز وجل يقول:

﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾

[سورة الأعراف الآية: 180]

الإلحاد هو التكذيب, والإشراك, وصرف الاسم عن حقيقته, وإسباغ معنى على الاسم يتناقض مع كمال الله عز وجل, هذا كله إلحاد :

﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾

[سورة الأعراف الآية: 180]

مدخل الدرس اليوم :

سوف ندخل في هذا الدرس في موضوع الإلحاد في الأسماء بشكل أو بآخر سوء الظن بالله, يقول الله عز وجل في معركة أحد:

﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 154]

اسمحوا لي على غير عادتي, أن أقرأ لكم كلمة كلمة ما قاله بعض المفسرين في تفسير هذه الآية, هذه الآية فسرها مفسر, وقد وفق في تفسيرها كثيراً، وأنا والله لعلي ذكرتها مئات المرات في هذه السنوات العشرين الماضية, وضمنتها بعض الخطب، لأنني وجدت في هذه الصفحات قيمة لا تقدر بثمن .

كيف فسر ابن القيم في زاد المعاد هذا الظن الذي لا يليق بالله؟ :

1-أن الله لا ينصر رسوله :

الدرس الآن: كيف نفهم قوله تعالى:

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 154]

قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد: قد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله, لأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وإذا اعتقدتم أن المسلم على إيمانه, واستقامته, وورعه, وإخلاصه, أن الله لن ينصره، فقد وقعنا في أسوأ عقيدة نحاسب عليها, وهي سوء الظن بالله, وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله, لأنه سبحانه لا ينصر رسوله .
عندما تبعه سراقة, وهدر دمه, ووضع مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, قال: يا سراقة, كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ ثقة النبي بنصر الله بلا حدود, وأن أمره سيضمحل ، يقول: الإسلام انتهى, لا لن ينتهي, لأنه دين الله، لا تقلق على هذا الدين, اقلق على نفسك ما إذا سمح الله لك أن تكون جندياً له أو لم يسمح، وأن أمر هذا النبي سيضمحل وأن يسلمه للقتل. قال تعالى:

﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾

[سورة المائدة الآية: 67]

وقد فسر أن ما أصابهم, لم يكن بقضائه وقدره, هذا فهم آخر للمسلمين .
الآن الدين شيء آخر، هذه دولة قوية متحكمة بالعالم نحن ماذا نفعل؟ معها أسلحة فتاكة, واتصالات تفوق حد الخيال, ومعها أموال, وقدرات, وتغطية, وأسلحة, تصيب الهدف بدقة ما بعدها دقة, انتهينا، هذا الذي يعتقد أن الله عز وجل سيتخلى عن المؤمنين, وأنه يقوي أعدائه المضلين, وقد قال الله عز وجل:

﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾

[سورة الكهف الآية: 51]

من المواطن التي يقع صاحبها في مسألة سوء الظن بالله :

الذي يقول مثلاً: سبحان الله! في أشخاص يتمتعون بالأموال الوفيرة, وهم لا يستحقونها, وأناس لا يملكون أموال وهم صالحون، هذا الكلام مؤداه أن الله ليس بحكيم، الكلام دقيق جداً :

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 154]

إذا ظننت أن الله لا ينصر رسوله, وأن أمر هذا الدين سيضمحل، وأن الذي جرى ليس بقضاء الله عز وجل وقدره، القوي يأكل الضعيف، أو لا حكمة فيه، إنكار القدر, أو الحكمة, أو نصر الرسول, أو إنكار ثبات الدين, هذا كله من سوء الظن بالله عز وجل، ثم إنكار أن يظهر الله هذا الدين على الدين كله .

أحياناً يقال: حرب عالمية ثالثة معلنة على الإسلام في شتى بقاع الأرض، صح, ولكن النصر العسكري شيء, ونصر المبادئ والقيم شيء آخر، فكم من دولة فاتحة تأثرت بدين الدول المفتوحة؟ فالعبرة بالانتصار المبدئي, والفكري, والعقائدي, لأن هذا سوف يجر إلى انتصار آخر .

من هم الذين أساؤوا الظن بالله كما ورد في بيان سورة الفتح؟ :

قال:

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 154]

هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمسرفون به سبحانه وتعالى, وقد ورد هذا في سورة الفتح:

﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾

[سورة الفتح الآية: 6]

ما معنى سوء الظن بالله؟ :

الحقيقة: ظن السوء هو أن تظن بالله ظناً لا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، لا يليق بوحدانيته, ولا بتفرده بالربوبية, ولا بالألوهية, ولا بتفرده بصفاته, هذا كله من الظن السوء, والذي يظن أن جند الله لا ينصرون، مع أن الله عز وجل يقول:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[سورة الصافات الآية: 173]

2- أكثر الناس يظنون غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم :

قال: أكثر الناس يظنون غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم، لا يوجد واحد راض عن دخله, ولا عن زوجته, يستحق دخل أعلى من هذا, وزوجة أفضل, أو لا يرضى عما يرى حوله، لكن لا يسلم من ظن الله إلا من عرف الله, وأسماءه, وصفاته, وموجب حمده, وحكمته، فمن قنط من رحمته, وأيس من روحه, فقد ظن به ظن السوء .

3- أن تتوهم أن الله يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه

من الظن السوء, من تصور أن الله يعذب أولياءه, مع إحسانهم, وإخلاصهم, ويسوي بينهم وبين أعدائه :

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

الآية الثانية:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

مستحيل, وألف ألف مستحيل, أن يسوى الشاب المستقيم مع الشاب المنحرف، الصادق مع الكاذب, المخلص مع الخائن, المنصف مع الظالم, المحسن مع المسيء .
أقول لكم كلمة: أن يستوي المحسن مع المسيء, والمنصف مع الظالم, والمستقيم مع المنحرف, والمخلص مع الخائن, أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء, هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب, بل يتناقض مع وجود الله، ومن جوّز عليه أنه يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم, ويسوي بينهم وبين أعدائه, فقد ظن به ظن السوء .

4-أن تظن أن الله يترك خلقه سدى من دون إرسال الرسل ولا تنزيل كتب وتركهم

ومن ظن أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي, ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينزل عليهم كتبه, بل يتركهم هملاً كالأنعام, فقد ظن به ظن السوء، إله ما يرسل رسول؟ نحن قد نتوهم أن الشرائع السماوية ثلاث، لا أكثر بكثير, لكن هذه الثلاث ذكروا في القرآن الكريم :

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾

[سورة غافر الآية: 78]

هناك رسل غير أنبياء, معهم كتب ودعوات, لم يقصص علينا ربنا ذكرهم . 

 

5-أن تظن أن الله لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب :

ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم في الثواب والعقاب, في دار يجازى المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته, ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه, ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله, وأن أعداءه كانوا هو الكاذبين, فقد ظنوا به ظن السوء .
هذه الدنيا شعوب, غارقة في النعيم, والرفاه, والأموال, والبيوت الفخمة, والطعام النفيس, والعناية الصحية, وطرقات, ومركبات, وحفلات, وسفر, وسياحة, وعناية فائقة, وحقوق إنسان تفوق حد الخيال, ودول محتلة, ومسحوقة, ومضطهدة, ومنهوبة الثروات, ومقموع الإنسان فيها, وتنتهي الحياة هكذا، لا هذا مستحيل, وألف ألف مستحيل, لا بد من يوم تسوى فيه الحسابات, لأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف .

6-أن تظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطن وتشبيه وتمثيل وترك الحق

ثم من قال: ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه, وصفاته, وأفعاله, بما ظاهره باطن, وتشبيه, وتمثيل, وترك الحق لم يخبر به, وإنما رمز إليه رموزاً بعيدة, وأشار إليه إشارات ملغزة, لم يصرح بها .
صدقوا أن هذا يقال: الله عز وجل لو كان عنده لوحان من الخشب, جعل لوح باب قصر, ولوح باب خلاء, هل لك دعوة؟ اللوح ملكه، نقول له: أين العدل؟ يقال: عدله غير عدلنا، هذا يقال، أين الحكمة؟ لا يجب عليه الأصلح هذا سوء ظن بالله, الله عز وجل حكيم وعادل, الإنسان الجيد في مكان جيد, والسيء في مكان سيء، أما أن الله عز وجل يخبرنا عن نفسه أنه عادل, ومفهوم العدل ليس كما نتصوره, لا مستحيل، مفهوم العدل كما نفهمه نحن.
كثير من الدعاة كل شيء ظاهري, ليس هذا المقصود، يذهب بك بعيداً لمعاني غير مقصودة, لا تخطر في بالك أبداً، من فكر هذا التفكير, وسار في هذا الاتجاه, فقد ظن بالله ظن السوء .
القضية ليست بالصلاة ولا بالصوم ولا بالحج، أنا إيماني بقلبي، الله أمرنا بالصلاة عبثاً، ولا معنى للصلاة، هناك من يقول: العبرة ليس بالصلاة مع أنها فرض، نحن بالامتحانات لواضعي الأسئلة توجيهات دقيقة جداً, ينبغي أن لا تضع الطالبة أمام مشكلتين, مشكلة هل تعرف ماذا أقصد بهذا السؤال؟ هل تعرف جوابه؟ صاروا مشكلتين، ينبغي أن يضع الطالب أمام مشكلة واحدة, السؤال واضح كالشمس, هل تعرف جوابه؟ .
تجد آيات ظاهرها كذا, ولها معنى عميق, قد لا تنتبه إليه, الله عز وجل لا يستخدم الألغاز مع عباده، هذا من سوء الظن بالله عز وجل، الشر من الله لكن أدباً مع الله نقول من أنفسنا، هذا غير صحيح، الخير والشر من الله, والشر بمفهوم الإنسان، لكن الشر أيضاً خير مطلق :

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[سورة آل عمران الآية: 26]

لو كنت مدير مؤسسة وقلت: تريد كأس ماء, شيء واضح, فجاءك بكأس ماء, فأخبرته أنك تقصد شطيرة, غير معقول, يجب أن أفهم اللغة على نحو واضح, وأفهمه بشكل واضح، فكل إنسان يعطيك شعور أن الدين كل شيء تقرأه في الظاهر ليس مقصوداً, لكن في معاني عميقة جداً لا يعرفها أحد هي المقصودة, فقد ظن بالله ظن السوء .

7-أن تظن أن الله ليس قادراً أن يعبر عن إرادته من خلقه بكلام واضح :

إذا ظن أحد أن الله عز وجل ليس قادراً أن يعبر عن إرادته من خلقه بكلام واضح, فقد اتهمه بالعجز البياني, أيضاً مشكلة ثانية .

8-أن تظن أن في ملكه ما لا يشاء ولا يقدر على إيجاده وتكوينه :

من ظن أن يكون في ملكه ما لا يشاء, ولا يقدر على إيجاده وتكوينه, فقد ظن به ظن السوء .

9-أن تعزو الأمور إلى غير الله :

الأحداث الأخيرة التي جرت هذه بمشيئة الله, هناك من يرتاح ألا ينسبها إلى الله, يوجد إنسان قوي, وإنسان ضعيف, من قوى القوي, ومن ضعف الضعيف؟ إذا أملى القوي إرادته على الضعيف وسحقه, والله عز وجل صار في السماء إله, لكن ليس في الأرض إله، مع أن الله عز وجل يقول:

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

[سورة الزخرف الآية: 84]

أيضاً لقد ظن به ظن السوء .

 

10-أن تظن أن الله لا يحب ولا يغضب ولا يسخط ولا يوالي ولا يعادي .......:

ومن ظن أن الله لا يحب, ولا يرضى, ولا يغضب, ولا يسخط, ولا يوالي, ولا يعادي, ولا يقرب من أحد من خلقه, ولا يقرب منه أحد, وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات الملائكة المقربين, فقد ظن بالله ظن السوء .

11- أن تظن أنه يساوي بين المتضادين أو يفرق بين المتساوين من كل وجه

ومن ظن أنه يساوي بين المتضادين, أو يفرق بين المتساوين من كل وجه، كافر ومؤمن يسوي بينهما، أو إنسانان كلاهما مؤمن ومخلص, واحد في العذاب, وواحد في النعيم, هذا شيء يتناقض مع عدل الله عز وجل .

12-أن تظن أنه يضع المؤمن في النار والكافر في الجنة :

من ظن أنه يضع عباده الذين أفنوا عمرهم في طاعته في النار، وأنه يضع أعداءه الذين أفنوا عمرهم في معاداته في الجنة, فقد ظنوا به ظن السوء, وهو لا يعرف الله عز وجل.
أضرب مثل للتوضيح: إنسان مقيم في دمشق, وعاش بها عمراً مديداً, وسافر لبلاد بعيدة, ودخل لمكتبة بجامعة, وجد فيها أطلس جغرافي, ألفه ثمانية وثلاثون دكتور, وكل هؤلاء في أعلى مرتبة في الجامعة, ومكلف ملايين, فتح على الشرق الأوسط, وجد دمشق فوق بيروت على الساحل, يكونون مليون دكتور, هو ابن الشام, والشام مدينة داخلية ليست على الساحل، أحياناً يمر معك نص يفهم منه: أن الله يفعل ما يشاء, أو لا يسأل عما يفعل، إنسان من جهله يقول: يضع الكافر في الجنة, ويضع المؤمن في النار، ولا تستطيع أن تسأله.

إليك هذا الدليل القرآني الذي يبطل قول من يقول: أنه يضع المؤمن في النار والكافر في الجنة :

الله عز وجل قال:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[سورة الزلزلة الآية: 7-8]

الله عز وجل قال:

﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾

[سورة سبأ الآية: 17]

قال: والوزن يومئذ القسط, إن تك مثقال حبة من خردل أتينا بها، مائة آية تؤكد عدل الله المطلق، لأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل، توجه الآية توجيه أنه يضع الكافر في الجنة والمؤمن في النار ولا تستطيع أن تسأله، ليس هذا المعنى, هذا سوء ظن بالله عز وجل, فالواقع أقوى .

تكليف لم تؤمر به

أحد شيوخ الأزهر اطلع على حديث: أن النبي الكريم إبراهيم عليه السلام كذب، فله تعليق رائع قال: والله لأن أتهم الراوي بالكذب أفضل من أن أتهم نبياً بالكذب .
على الإنسان أن يعمل عقله لا يعطله، فالله عز وجل لا يمكن أن يظلم، لكن أنت غير مكلف, أن تبحث عن أدلة عدالته بعقلك، لأن عقلك لا يستطيع أن يدرك عدل الله عز وجل، لكن الله أخبرنا وهو أصدق القائلين أنه لا يظلم :

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾

[سورة غافر الآية: 17]

﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾

[سورة النساء الآية: 77]

يوجد خيط بالنواة, ولا قطمير غشاء رقيق, ولا نقير رأس مؤنف, في النواة شيء لا يذكر لتفاهته, ولا حبة من خردل :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾

[سورة العنكبوت الآية: 40]

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾

[سورة غافر الآية: 17]

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[سورة الزلزلة الآية:7-8]

إذا أنت تتوضأ, خرجت نملة في حوض الوضوء, فانتظرت حتى تنجو من الماء, هذا عمل صالح، إذا نزعت قشة من المسجد وضعتها في جيبك, كي لا تؤذي أحد, هذا العمل مسجل عند الله، هذا الظن بالله الحسن, فينبغي أن نعتقد بما وصف الله نفسه وذاته العليا, وننفي عنه ما نفى عن ذاته العليا, أما أن نعمل عقولنا القاصرة في الخوض في ذات الله عز وجل, هذا شيء لا يقبل إطلاقاً .
يقول عليه الصلاة والسلام:

((تفكروا في مخلوقات الله, ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا))

13-أن تظن خلاف ما وصف به نفسه وخلاف ما وصفه به رسله :

من ظن به خلاف ما وصف به نفسه, وخلاف ما وصفه به رسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه, ووصفته به رسله, فقد ظن بالله ظن السوء .

اقرأ هذا النص :

وفي نص آخر لم يرد هنا: من اعتقد أن الله يضع في النار أوليائه الذين أفنوا عمرهم في طاعته, ويدع أعداءه الذين ناصبوه العداء في الجنة، النص وكل الأمرين في الحكم سواء ممكن، ولا يرجح أحدهما على الآخر إلا بالنص الصحيح, فهو لا يعرف الله .

مشكلة :

قال لي أخ البارحة: لي صديق عنده مشكلة في عقيدته قلت له: ما هي؟ قال لي: يريد دليل عقلي على أن الله سيضع المؤمنين في الجنة، أنا داعبته قلت له: وهو أصدق القائلين، قال: هذا نقلي أريد عقلي، قلت له: واحد دفع مائة مليون, لإنشاء مساجد, ودور علم, ومياتم, ومستشفيات, ثم سرق عشر ليرات، قال: مستحيل, قلت له: هذا الدليل, هل تقبل بهذا المنطق؟ الله عز وجل كلامه مطلق, وأسماؤه حسنى, وصفاته فضلى, وفي دليل قرآني:

﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾

[سورة التحريم الآية: 8]

النبي بما وعد بأحاديثه, أن المؤمن للجنة والكافر للنار، لكن لا يليق بالمؤمن أن يحكم حكماً قطعياً على المستقبل .

من اليقينيات :

عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ, أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ, بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ, طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى, حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ, قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ:

((فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا, فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ, وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ, فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ, شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَنْ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ, وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ, وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي, قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ))

نحن لا يوجد عندنا من أهل الجنة في اليقين إلا العشرة المبشرون في الجنة فقط, وأحد هؤلاء العشرة سيدنا عمر, أتى سيدنا حذيفة قال له: بربك اسمي مع المنافقين؟ والباقي على الرجاء لا على اليقين, لكن يغلب على الظن, وأدباً مع الله, أن المؤمن مصيره الجنة, أما أن يجزم, فهذا ليس من شأن العبد .

 

قصة :

قصة سريعة جداً: النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر, أعطى توجيه: لا تقتلوا عمي العباس، واحد قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه في المعارك, وينهانا عن قتل عمه -القضية ذهب إلى العنصرية- ثم كشف أن عمه كان مسلم, وكان عين النبي في مكة, ولو أن عمه ما خرج معهم لانكشف أمره، لو أن النبي ما أفصح أنه مسلم لكشفه، لو سكت لقتلوه، فلا بد من أن يقول هذا الكلام: لا تقتلوا عمي العباس, يقول هذا الصحابي: ظللت عشر سنين أتصدق, رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله .
فإذا أسأت الظن به تحجب عن الله، إنسان معصوم, فكيف إذا أسأت الظن بالله عز وجل؟ فثمن الجنة حسن الظن بالله، كم تجد من أحداث؛ مجاعات, وفقر, وحروب, وقتلى, وجرحى, هذه الدنيا لا تساوي في الآخرة شيء، إذا امتحن الله أحد, ومات في المعركة, أو بصاروخ, وكان مصيره الجنة, أفضل مليار مليار مرة من هؤلاء الذين يتصدرون, ويقولون: انتصرنا وسوف نحقق كذا وكذا، لأن العبرة بالآخرة لقوله تعالى:

﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية: 128]

فأنا أحسن الظن بالله تعالى، وأفوض الأمر إلى الله, وأتألم لما يصيب المسلمين, لكن لا أسيء الظن بالله أبداً، أعلم علم اليقين أن أسماء الله حسنى وصفاته فضلى, وهذا كلام قطعي, وهذا هو اليقين, وهذا هو حسن الظن بالله, وهذا هو ثمن الجنة، والحمد لله رب العالمين .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور