وضع داكن
29-03-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 22 - مستلزمات التوحيد -2- تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

متى يستقيم العبد على أمر ربه؟ :

أيها الأخوة, مع الدرس الثاني والعشرين من دروس العقيدة، وقد بدأنا في الدرس الماضي بموضوع لوازم العبودية لله عز وجل، وتحدثنا عن أبرز هذه اللوازم، ألا وهي الإخلاص لله عز وجل، وسلامة الطوية، واليوم ننتقل إلى تعظيم حرمات الله عز وجل, وتعظيم شعائره، فيه آية تعد أصلاً في هذا الباب، ألا وهي قوله تعالى:

﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾

[سورة نوح الآية: 13-14]

شدة القرب حجاب :

فالإيمان بالله شيء، وتوقيره شيء آخر، حينما قال الله عز وجل:

﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ﴾

فالتركيز والإضاءة والخط تحت كلمة عظيم، لأن معظم الكائنات من دون استثناء يؤمنون بالله، حتى إن إبليس قال:

﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾

[سورة ص الآية: 76]

﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

[سورة ص الآية: 78-79]

فالإيمان بوجود الله قاسم مشترك بين معظم الخلق، ولا يعد هذا الإيمان إيمان منجياً، لكن الإيمان بالله العظيم حينما تعظمه، وتوقره، وتراه عظيماً، عندئذ تستقيم على أمره، ويبدو أن الطاعة مرتبطة بالتعظيم :

﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾

[سورة نوح الآية: 13-14]

الشيء مألوف جداً، وكما قالوا: شدة القرب حجاب، أما أن ترى ابنك بين يديك يضحك، ويلعب، ويتكلم، ويبكي، ويأكل، ويتنفس، ودماغه فيه مئة وأربعون مليار خلية استنادية، وأربع عشرة خلية قشرية، ورئتان، ومعدة، وأمعاء، وعينان، وأذنان، ولسان، ومريء، وتنفس، وإفراز، وكليتان، لا أعتقد أن في الكون أعقد من الإنسان، إنه تعقيد إعجاز، لا تعقيد عجز، وأنت تعلم علم اليقين: أن هذا الابن, كان خلية من أربعمئة مليون خلية, خرجت منك في اللقاء الزوجي، تشكل هذا الطفل الذي أمامك من حوين واحد, من أربعمئة مليون حوين، يفكر, ويسأل، ويعترض، ويناقش، ويفرح، ويحزن، ويرى، ويسمع، ويتكلم، وينطق .....

﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾

[سورة نوح الآية: 13-14]

شاءت حكمة الله أن ترى خلقك من ابنك، تراه رأي العين، لكن كما قالوا: شدة القرب حجاب، هذا الكون من دون خرق لنواميسه، ومن دون تعطيل لأنظمته, هو معجزة، وأية معجزة .

من لوازم العبودية لله :

1-طاعته وتعظيمه كي تطيعه :


قال الإمام مجاهد: ما لكم لا تبالون لله عظمة، وقال ابن عباس: ما لكم لا تعلمون لله عظمة، وفي رواية: ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيم، وقال ابن زيــد: ما لكم لا ترجون لله وقاراً، الوقار هو الطاعة، ما لكم لا تخافون عظمة الله عز وجل .
أيها الأخوة, دائماً الطاعة مقترنة بالتعظيم، أنت في الخدمة الإلزامية، ويوجد رتب تبدأ من سبعة، هذه أقل رتبة، ويوجد سبعتان، وثمانية، وثمانيتان، يوجد ثمانية ونجمة، أو ثمانيتان ونجمتان، أو ثمانيتان وثلاث نجمات، بعد هذا نجمة على الكتف، ثم اثنتان، ثم ثلاث، ثم تاج، ثم تاج ونجمة، وتاج ونجمتان، وتاج وثلاث، ثم سيفان, إذا كنت في الخدمة الإلزامية، وقال لك عريف: ازحف, يمكن ألا تزحف، أما إذا كان اللواء موجودًا تصير على الأرض، لأنك تعرف ما معنى الاستعصاء؟ إنه السجن .
مثل بين أيديكم :

﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾

[سورة نوح الآية: 13-14]

أنت تطيعه بقدر ما تعظمه، وتعصيه بقدر ما يقلّ تعظيمك له، فمن لوازم العبودية لله عز وجل: طاعته وتعظيمه كي تطيعه .

ما موقفك من النعمة التي أكرمك الله بها؟ :

يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم))

الآن: هذه النعمة التي أكرمك الله بها, ينبغي أن تراها من فضل الله عليك، فإذا رأيتها هكذا بذلتها، وإن رأيتها بجهدك كما قالها قارون:

﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾

[سورة القصص الآية: 78]

بخلت بها .
قد يقول لك التاجر: خبرات متراكمة، سهر، عمل دؤوب، حتى حصلت هذه الثروة، يوجد أذكى منه بمئات المرات، ولا يملك درهماً واحداً، فعطاء الله لا علاقة له بذلك، بل الذكاء، ولكن له علاقة بالاستقامة :

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هلكن إذاً من جـهلـهن البهائم

من لوازم تعظيم الله :

1-تعظيم نعمه :

فيا أيها الأخوة, من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم نعمه، الزوجة نعمة، فمن كفر بها حرم منها، والزوج نعمة، فإذا كفرت الزوجة, حرمت هذه النعمة، وأن تكون معافى في جسمك هذه نعمة .كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول:

((الحمد لله الذي عافاني في بدني))

أن تتمتع بسمعك، وبصرك، وحركتك، وذاكرتك، وقوتك، وتخدم نفسك بنفسك، هذه نعمة لا تعدلها نعمة .

((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم))

 

2- تعظيم ما حباك الله به :

من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم ما حباك الله به، ومن نتائج تعظيم ما حباك الله به: أن تبذله للناس، لا أن تستأثر به، وتنفرد به .عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ, قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: يُفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ, حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط, والبزار في مسنده, والإمام أحمد في مسنده]

إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك :

أقول: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، إذا أحب الله عبداً استعمله في خير، وجعل حوائج الناس إليه، وفتح على يديه باب الأعمال الصالحة، واستعمله، أي جعله أداة خير للناس، فكلما رأيت إنسانًا منّ الله عليه بعمل صالح، بدعوة، بتعليم، ببناء مستشفى، أو ميتم، أو مسجد، أو بإدارة دعوة ناجحة لله عز وجل .
أنا لا أجد كلمة أهنئه بها كهذه الكلمة : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .

 

تطبيق عملي لهذا الحديث :

في حديث آخر من طريق آخر:

((إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه))

أخ من أخواننا, يقيم في بلدة في أمريكا، لما سافرت إليها من عدة سنوات, حضر الدروس، ثم اقتنى الأشرطة، يقول لأحد أصحابه: هذه الأشرطة مضمونها أن أعود لبلادي، وأن أخدم أمتي، نوّر الله قلبه، قال: هذا كلام دقيق، وعليه أدلة، أقسم لي صديقه, توفي رحمه الله، شاب في مقتبل العمر، أنه في أوج نجاحه, أنهى عمله، وباع أثاث البيت، واستقال من وظيفته، وتنفيذاً لوصية رسول الله حيث يقول:

((من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله))

عاد إلى الشام، وخلال أيام ثلاثة توفي بحادث، على أي نية مات؟ على أعلى نية، إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، هذا لمجرد أنه أراد أن يعود لبلد مسلم, حيث المشكلات لا تعد ولا تحصى، وأن يتبرأ من بلد آخر, ترتكب فيه المعاصي على عارضة الطريق، أراد أن يعود لبلد مسلم، وأن يكون جهده في خدمة المسلمين، ومات على هذه النية .

 

هذا الصحابي يحبه الله :

سيدنا زيد الخيل, كان من أجمل العرب, فلما زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, رآه النبي, قال له:

((من الرجل؟ قال: أنا زيد الخيل، قال: بل زيد الخير -لكرم النبي وأخلاقه العلية, دعاه إلى داره- قال له: يا زيد, ما وصف لي رجل فرأيته, إلا رأيته دون ما وصف, إلا أنت يا زيد، لله درك، أعطاه وسادة ليتكئ عليها، قال: يا رسول الله! لا أتكئ بحضرتك -ما هذا الأدب؟!- قال: يا رسول الله! أعطني ثلاثمئة فارس لأغزو بلدهم الروم - أعجب به النبي عليه الصلاة والسلام- قال: لله درك يا زيد، واستأذن النبي، وغادر إلى بلده, وفي الطريق توفاه الله))

وهو من كبار الصحابة، وبين إسلامه وموته ثلاثة أيام فقط .
إذا أحب الله عبداً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه .

 

كيف يكون طهور العبد قبل موته؟ :

وفي حديث آخر:

((إذا أراد الله لعبد خيراً, طهره قبل موته، قالوا: وما طهور العبد؟ قال: عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه))

أناس صالحون كثر يموتون، وهم يصلون، يموت في ليلة القدر، وهو يقرأ القرآن، يموت في المسجد، وإنسان آخر يموت وهو يعالج الصحن، لأن محطة إباحية لا تأتي عنده، فصعد فوق السطح, ليعدل اتجاه الصحن, لعله يراها واضحة, فمات، موت الإنسان يلخص حياته كلها، وإنسان ادعى النبوة في شرق آسيا، وادعى أنه نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوه ميتاً في بيت الخلاء، فيبدو أن طريقة موت الإنسان تترجم حياته في الدنيا .
لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة:

((صنائع المعروف تقي مصارع السوء))

الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح :

مفاد كلامي: أن المؤمن يعظم النعمة، لأنها من الله، يشكرها ويبذلها، المؤمن يعظم العمل الصالح، يقبل عليه, لأنه قربة إلى الله، يعظم الله، ويعظم نعمه وأوامره, ويعظم الأعمال التي تقرب منه، بعد أن سقى سيدنا موسى للفتاتين, قال:

﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾

[سورة القصص الآية: 24]

لذلك العلماء استنتجوا: أن الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح .
الله عز وجل هدى على يد إنسان مئات الأشخاص، هذا أكبر غني في الأرض، والذي يملك ألوف الملايين، ولم يقدم لله عملاً صالحاً واحداً, هذا أفقر خلق الله .

3-التفكر في خلق السموات والأرض :

فمن وسائل التعظيم كما يقول الله عز و جل:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾

[سورة سبأ الآية: 46]

التفكر في خلق السموات والأرض .

 

4-التفكر في آياته :

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 190-191]

من باب تعظيم الله عز وجل وتوقيره: التفكر في آياته .

 

ما وراء هذا البحث :

قرأت بحثاً عن النملة والنحلة والمجرات, شيء لا يصدق، خلق الله يملأ ساحة نفسي ، الإنسان الآخر يقول: هل رأيت سيارة ب إم؟ ماركات السيارات، والأجهزة، والشركات العملاقة، والعطور، والمصانع الكبيرة في العالم التي تقدم للجسد ما يحتاج، هذه تملأ ساحة نفسه، ما الذي تهتم له؟ يهمك صنع الله أم صنع البشر؟ لذلك الأنبياء والصديقون والعلماء الكبار, ملأت نفوسهم عظمة الله عز وجل، بينما الأشخاص التافهون تملأ نفوسهم مصانع, تقدم سلعًا, وخدمات, ومركبات، وما شابه ذلك .

تعليق :

لي تعليق: لو أنك ركبت طائرة عملاقة، وهي تقلّ أربعمائة راكب، وكل شيء ميسر لك في الجو، وتقطع المحيط الأطلسي، أو تطير ساعات طويلة بلا توقف، يمكن من تعظيم هذه الطائرة, أن تنتقل لتعظيم الله عز وجل، كيف؟ .
هذا الإنسان أعطاه الله عقلاً، لولا هذا العقل لما اخترع هذه الطائرة، هل رأيت في مجتمع القرود من يصنع طائرة؟ الحيوانات هيَ هي، أما الإنسان فصنع طائرات، ونقل صورة عبر المسافات الشاسعة، وصارت الاتصالات سريعة جداً، هذا كله بفضل الجهاز الذي كرم الله به الإنسان .
قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾

[سورة الحج الآية: 32]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور