وضع داكن
23-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 092 - حديث أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان - الخوف دافع للاستقامة والتوبة والصلح مع الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

مقدمة:


أيها الإخوة الكرام؛ كما هي العادة: عقد الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم, باب بعنوان:

 الخوف.

وقبل أن نمضي في الحديث عن هذا الباب, لا بد من مقدمة.

جسم الإنسان: خلقه الله في أحسن تقويم, قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾

[ سورة البلد ]

حواس خمس، أعضاء، وأجهزة، قلب, ورئتان، كبد، وكليتان، وعضلات، وأعصاب، وعظام، وشعر، ووجه، وجلد، شيء يحير العقول, قال تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾

[ سورة التين ]

كما أن خلق الإنسان, كان في أحسن تقويم, جبلة النفس، هذه النفس البشرية لها جبلة، كيف أن الجسم له أجهزة، وأعضاء، وحواس, وخصائص، أعصاب حس، وأعصاب حركة، وجملة ودية، وجملة نظيرة الودية، ودماغ فيه مئة وأربعون مليار خلية، لم تعرف وظيفتها بعد، وثلاثمئة مئة ألف شعرة، ولكل شعرة شريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية, وغدة صبغية، هذا التعقيد البالغ في جسم الإنسان, يقابله إعجاز في جبلة النفس، هذا الكلام ينطلق من قوله تعالى:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

وأتمنى أن يتتبع المؤمن آيات القرآن الكريم المتعلقة بجبلة النفس، فهذه الآية من هذا الموضوع.

أيها الإخوة؛ النفس البشرية مفطورة أو مجبولة -أو بالتعبير الحديث-: المبرمجة على أنها تعرف ذاتياً, خطأها من صوابها، خيرها من شرها، إحسانها من إساءتها، تقواها من فجورها بالفطرة، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

[ سورة القيامة ]

هذه خصيصة.

أيها الإخوة؛ الإنسان يحاسب على هذه الفطرة التي فطره الله عليها، ولو لم يلتقِ لا بنبي، ولا رسول، ولا مرشد، ولا عالم، ولم يقرأ كتاباً، ولم يسمع شريطاً.

جبلة نفسه أساسها أنها: تعرف استقامتها من انحرافها، معرفة ذاتية فطرية من دون معلم، وهذه الفطرة هي التي تعذب صاحبها, حينما ينحرف، مجبولة على الكمال, فإذا خرج الإنسان عن منصوص الكمال عذبته فطرته، وهذا عبر عنه علماء النفس بالكآبة.

مرض الكآبة: هو مرض شائع الآن بين معظم الناس، لأنهم خرجوا عن قوانين فطرتهم، وخرجوا عن منهج ربهم، ولأن أنفسهم مفطورة ومجبولة على حب الكمال، فإذا ارتكب الإنسان نقص يتألم.

يعني: أنت لو شاهدت إنسان يظلم إنسان, تتألم, مع أن هذا الظلم لم يقع عليك، لكن أنت مجبول جبلة أنك تحب الكمال، لو سمعت قصة عدل تطرب بها أشد الطرب، لو سمعت موقفا رحيمًا تطرب له أشد الطرب، لو بلغك موقف لئيم فيه قسوة بالغة تنزعج أشد الانزعاج.

 

قوانين النفس البشرية:

 

1- تحب الكمال والجمال والنوال.

قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾

[ سورة الروم ]

(( كل مولود يولد على الفطرة ))

[ أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ]

الفطرة أن تحب الكمال، الصبغة أن تكون كاملاً، ((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها)) أحد قوانينها: 

أنها تحب المحسن، وتحب الجميل, وتحب الكريم، فالنفس جبلت على حب الكمال والجمال والنوال, هي من قوانين النفس، كل هذه قوانين. 

2- تخاف.

قانون آخر: أنها تخاف، موضوع درسنا اليوم.

الخوف: أحد خصائص النفس, جبلة جبلنا عليها، نخاف من فقد رزقنا، نخاف من فقد صحتنا, نخاف من فقد حياتنا، نخاف من أن يصاب أولادنا بمرض، نخاف من شقاء زوجي، نخاف من إذلال، نخاف من اضطهاد، نخاف من قهر, هذه فلسفة الخوف.

أيها الإخوة؛ فلسفة رائعة جداً، الخوف: 

أحد البواعث الكبرى لطاعة الله، أحد البواعث الكبرى للتوبة لله عز وجل، أحد البواعث الكبرى للصلح مع الله، أحد البواعث الكبرى كي تساق إلى باب الله. 

إذا لم يخف الإنسان لا يتوب، إذا لم يخف لا يصلح عمله، إذا لم يخف لا يصطلح مع الله، فالخوف باعث، والله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

[ سورة المعارج ]

يعني: هكذا خلقته، أنا خلقته خائف، شديد الخوف لمصلحته, قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) هذا الضعف في أصل خلقه ولمصلحته، لأنه يخاف يتوب، لأنه يخاف يعبد الله، لأنه يخاف يتحرّى الحلال، لأنه يخاف يبتعد عن الظلم، لأنه يخاف يبتعد عن الزنا، هذا الذي لا يخاف إنسان غير سوي، إنسان خرج عن قواعد فطرته، تخاف الله بقدر معرفتك, طيب لا سمح الله، ويعصي الإنسان الله عز وجل بقدر ضعف معرفته, فكلما اشتدت معرفتك بالله عز وجل، اشتد خوفك منه.


الخوف إحدى خصائص النفس البشرية.


أشد الناس خوفاً من الله: 

هو رسول الله، لأنه أعظمهم معرفةً به.

وأقل الناس خوفاً من الله: 

هو الجاهل، والخوف بقدر العلم.

لا حظ الطبيب, حينما يبالغ في غسل الخضار والفواكه، لأنه يقول لك: هناك وباء، هناك حمى مالطية، هناك هجمة التهاب سحايا، هناك أمراض كثيرة جداً، فعلمه الشديد يدفعه إلى المبالغة في تنظيف الفواكه والخضار، وكل إنسان يخاف بقدر علمه، فالخوف إحدى خصائص النفس البشرية، خصيصة أساسية.

يمكن أن أمثل الخوف بهذا الفيوز الذي يوضع في آلة غالية جداً, حينما يأتي التيار شديداً، هذا الخط الضعيف في الفيوز يسيخ، فينقطع التيار، فيسلم الجهاز، لو لم توجد نقطة الضعف لعطب الجهاز، وتكلفنا في إصلاحه مبالغ كبيرة.

فأنت اشكر الله عز وجل على أنك تخاف، لأن الخوف هو الذي يدفعك إلى باب الله، هو الذي يدفعك إلى طاعة الله.

 

الخوف يحمل المؤمن على الطاعة والمحبة والتعظيم.


أيها الإخوة؛ المؤمن لا بد من أن يستقر في قلبه خوف يحمله على طاعة الله، ولا بد من أن يستقر في قلبه محبة لله, كي يقبل عليه من باب الرجاء، ولا بد من أن يستقر في قلبه تعظيم لله.

يا رب, أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي؛ تقي القلب نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني, وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقه، قال: يا رب, إنك تعلم أنني أحبك, وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي, ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني

فإذا كان في قلبك تعظيم مع حب، مع خوف، فهذه حالة طيبة كاملة، في قلب المؤمن.

أيها الإخوة الكرام؛ ومن رحمة الله بنا: أنه يسوق لنا الشدائد كي نخافه، ويسوق لنا الرحمات كي نحبه، ويسوق لنا الآيات كي نعظمه، وهذه تربية الله للإنسان، الآيات الباهرة كي تعظمه، التعظيم مطلوب.

هناك تعليق لطيف جداً وهو: 

أن الحب وحده من دون تعظيم, لا يحملك على طاعته ، الإنسان قد يحب أمه محبةً شديدة، لشدة عطفها عليه، ومع ذلك قد لا يطيعها، أما إذا اقترن الحب بالتعظيم, حملك على الطاعة، لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32)﴾

[ سورة الحاقة ]

لماذا؟ قال:

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[ سورة الحاقة ]

هو يؤمن بالله، ولكن لا يؤمن بالله العظيم، فالآلاء من خلالها تعظم الله عز وجل. 

يعني: أنت قد تلتقي بإنسان شكله لا يعجبك، لا يملأ عينك، أما إذا علمت أنه يملك أكبر ثروة فرضاً، أو إذا علمت أنه يحتل أعلى منصب، أو إذا علمت أنه يحمل أعلى شهادة، رغم شكله الذي لا يعجبك، وحجمه الصغير، وقد يكون دميمًا، تقف أمامه في منتهى الأدب، أنت تعرف عنه الشيء الكثير.

أيها الإخوة؛ كلما ازدادت معرفتك بالله عز وجل، ازداد تعظيمك له، والتعظيم يحملك على طاعته.

 

الخوف دافع للاستقامة والتوبة والصلح مع الله.


أيها الإخوة؛ فالخوف موضوع هذا الدرس، بل موضوع باب الخوف، موضوع هذا الباب في رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، هو أكبر باعث, يحمل المرء على طاعة الله عز وجل، وحتى الكافر، وحتى الملحد، إذا ركب السفينة, وكانت قاب قوسين أو أدنى من الغرق, نادى ربه، واستجار به، ودعاه في هذه الساعة العصيبة، لذلك: الله عز وجل يسوق الشدائد حتى ندعوه، فالبطل هو الذي يدعوه قبل أن تأتي الشدة، يدعوه وهو في الرخاء، والذي يعرف الله في الرخاء, يعرفه الله في الشدة.

الإنسان أحياناً يخاف إنسانًا، قد يخشى إنسانًا، ولا يخشى خالق الأكوان، قد يستحي من إنسان فينضبط، ولا يستحي في خلوته أن يقترف معصية، مع أن الله ناظر إليه، لذلك: يقول الله عز وجل، وهي آية صدر بها المؤلف هذا الباب:

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)﴾

[ سورة البقرة  ]

اجعل خوفك من الله، وصدقوا أيها الإخوة؛ وهذا كلام دقيق: أنك إذا خفت من الله، الله عز وجل أجل وأكرم, من أن يجعلك تخاف من غيره، أبداً.

يعني أيام تجد مثل من واقع الحياة: 

بائع لا يكذب, ولا يغش، ويخاف الله, أن يؤذي المسلمين في هذا البيت، شديد الحرص على مصلحة المشتري، لا يغشه، ولا يدلس عليه، ولا يكذبه، ولا يبالغ، لأنه خاف من الله فيما بينه وبين الله، مستحيل أن يخيفه الله من إنسان، أما إذا كان لا يخاف الله فيما بينه وبين الله, قد يضعه في موقف, ترتعد فرائصه من إنسان، لذلك الدعاء الذي أدعوه دائماً:

اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، والسلب بعد العطاء، ونعوذ بك أن نخاف إلا منك، وأن نذل إلا لك، وأن نفتقر إلا إليك

بطولة المؤمن: أن يفتقر إلى الله، وأن يذل له، وأن يخاف منه.

فمن كان خوفه من الله, ألقى الله عليه هيبة

يخافه الناس، بقدر ما تخاف الله، يخافك الناس, فإن لم تخف الله عز وجل, فليس لك هيبة إطلاقاً، وإذا هان أمر الله عليك, هان أمرك على الناس، تطاولوا عليك وتجاوزوا حدودهم، قال تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) .

أيها الإخوة؛ لو فرضنا موظفًا له مدير، المدير كم يملك من خيار على هذا الموظف؟ يستطيع أن يرفع فيه كتابًا أنه يتأخر، خصم يومان من راتبه، يقدر أن يجافيه، يقدر أن يوبخه، ليس هناك أكثر من هذا، لا يعدمه، لا يسوق له مرضًا خطيرًا، فالإنسان له خيارات محدودة جداً، أما الله عز وجل فله مليار، مليار، مليار، مليار، مليار، مليار خيار على الإنسان، ممكن للقناة الدمعية أن تنسد, فتصبح حياته جحيماً، يحتاج إلى مسح دموعه دائماً من على خده، بعد حين هذا الدمع القلوي, يرسم خطًّا على الخدين، ممكن أن يحدث شلل في المستقيم، تنقلب الحياة إلى جحيم.

إنسان موظف, يعطيه إنسان عشرة آلاف ليرة في الشهر، كي يزيل هذا القذر من مستقيمه، شلّ المستقيم، الكليتان تعملان بانتظام، المستقيم يعمل بانتظام، العضلات القابضة تعمل بانتظام، الدسام بالقلب يعمل بانتظام.

 

قصص فيها عبر.


أحد إخواننا الكرام؛ والده معه مرض في قلبه، ركب دسامًا، فزرته. 

قال لي: يا أستاذ لا أنام طول الليل. 

قلت له: خير؟. 

قال لي: طرق طرق.

الدسام الطبيعي ليس صوت، أما الدسام الصناعي فيه خردقة.

قال لي بالنهار: لا يشعر بضجيج، في الليل لا ينام.

من كان دسامه سليمًا، شريان التاجي لمعته واسعة، الكبد يعمل بانتظام، الكليتان بانتظام، يرى بعينيه، هناك مرض تضيق ساحة الرؤية إلى أن تصبح الدائرة صغيرة جداً.

زارني أخ معه هذا المرض (تضيق ساحة الرؤية). 

قال لي: ماشي بالطريق, اصطدمت بامرأة, فظنت بي الظنون، قلت لها: يا أختي, والله لا أبصر، سامحيني، اندفع إلى سيارة ولم يرها.

جاء طبيب أجرى له عملية، ونجحت العملية، لكن منعه أن يسجد. 

قال له: متى تسمح لي أن أسجد، وأشكر الله عز وجل؟. 

قال له: الأمر يطول. 

بعد شهر ثان، قلت له: والله أنت سجدت قبل أن تسجد، لما قال للطبيب: متى تسمح لي أن أسجد حتى أشكر الله على نجاح هذه العملية؟. 

قال له : الآن.

لا بد أن تبقى من دون سجود، قلت له: أنت سجدت قبل أن تسجد.

الذي عنده شبكية سليمة، أحد إخواننا –نسأل الله له العافية- لا ينام الليل. 

أنا متأكد لو عنده مليون ليرة, يدفعها ثمنًا لينام ليلة واحدة. 

قلت له: امش. 

قال لي: أمشي حتى أتعب، أبداً, ولا دقيقة ينام، ولا ثانية. 

فلما يضع الإنسان رأسه على الوسادة وينام, يعني: فهو نعمة لا تقدر بثمن، نعمة النوم، نعمة الصحة، نعمة السمع، نعمة البصر.

يعني: سمعنا عن عميد الأدب العربي, فقد بصره, قال: يصف بسويسرا، قلت: لا داعي, لا يرى شيئاً، فإذا فقد الإنسان بصره, لا يرى شيئاً، نعمة البصر، فلما يشكر الإنسان هذه النعم التي حباه الله بها.

يزور إنسان سجناً يجد أسيراً، لا يتحرك، لا يتصل بإنسان، لا يقعد مع زوجته وأولاده، أيضاً: نعمة الحرية نعمة كبيرة جداً.

فالله عز وجل من ألف باب وباب، من ألف باب في الجسم، من ألف باب بمن فوقك، بمن دونك، بمن حولك، مفتاح زوجتك بيده, مفتاح أولادك بيده, مفتاح رؤسائك بالعمل بيده، مفتاح أتباعك بيده، مفتاح صحتك بيده، مفتاح رزقك بيده، كله بيده. 

 

بالتوحيد ترى يد الله عز وجل تعمل وحدها.


قال تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود ]

إخواننا الكرام؛ التوحيد شي رائع جداً: أن ترى يد الله وحدها تعمل، ألا ترى مع الله أحداً، لا شريكًا، ولا رجلاً قويًّا، ولا رجلاً مخيفًا، ولا رجلاً يفعل ما يهدد، كلهم دمى بيد الله عز وجل، حتى الأقوياء منهم, عصي بيد الله عز وجل، وأكبر دليل:

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

وحوش مخيفة، كل وحش ممكن أن تكون للواحد لقمتان بفمه، كلها مربوطة بأزمة, بيد جهة قوية، ورحيمة، وعادلة، فأنت علاقتك ليست مع الوحوش، مع الذي يملك أزمتها، فما دام الحبل مشدودًا فأنت مرتاح، فإذا أرخي الحبل, هناك المشكلة.

يا أخوان؛ كل مخلوق بيد الله عز وجل، إذا أراد الله أن يؤدب إنسانًا, يرخي حبل هذا الوحش, فيصل إليك، فينهشك، يخلق لك مشكلة، يطالبك بشيء فوق طاقتك، يضع لك عراقيل صعبة، يبحث عن أدق الدقائق في معاملتك، الله أرخى له الحبل. 


لا يخافن العبد إلا ذنبه.


إخواننا الكرام؛ هناك حديث -والله الذي لا إله إلا هو- عن رسول الله, هو جامع مانع، قال: ((لا يخافن العبد إلا ذنبه)) أحياناً: ينام الرجل بالعراء، حيث الثعابين –فرضاً- والأفاعي، والعقارب، والوحوش، ((لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه)) .

(لا يخافن إلا ذنبه) في بعض البلاد, طريقة من طرق التصفية، كلب عقور يمنع عن الطعام أسبوعين، ثم يجمع مع شخص, فيأكله عن آخره.

رجل صالح لم يقترب الكلب منه، ولا تحرك، الله عز وجل كل شيء بيده، هذا الشعور: أن كل جهة بالأرض بيده, يملأ قلبك أمنًا, قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]

قال لي شخص: معي مرضان أستاذ، أدوية كل مرض, تزيد المرض الآخر، فأنا ممتنع قهراً عن أخذ الدواء، أدوية المعدة وأدوية القلب، أدوية المعدة تسبب تفاقماً في مرض القلب، وأدوية القلب تسبب قرحة بالمعدة، قال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) .

 

المصلي برئ من هذا الخوف.


أيها الإخوة؛ لكن ليس من المعقول أن يعيش الإنسان طوال حياته في خوف شديد، الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

[ سورة المعارج ]

يعني: شديد الخوف, قال تعالى:

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

[ سورة المعارج ]

أتم الآية:

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

[ سورة المعارج ]

معنى ذلك: أن المصلي برئ من هذا الخوف، أمنه الله عز وجل. 

يعني: نعمة الأمن، والله الذي لا إله إلا هو لا تعدلها نعمة على وجه الأرض، قال تعالى:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام ]

لهم وحدهم، يعني: في قلب المؤمن أمن, لو وزع على أهل بلد لكفاهم، بيد خالق الكون، بيد رحيم، أمره بيد رحيم، بيد عادل، بيد قوي، بيد حكيم، بيد لطيف، هذا الشعور وحده صحة.

هناك أمراض كلما تقدم العلم أثبت: أن معظم الأمراض أساسها شدة نفسية، هذا جهاز المناعة المكتسب, أروع جهاز بالإنسان.

حدثني طبيب بلوس أنجلوس. 

قال لي: في الإنسان مورث سرطاني، الآن: الهندسة الوراثية من أرقى العلوم، في كل إنسان مورث سرطاني، الإنسان عنده باليوم ملايين الخلايا السرطانية، أما جهاز المناعة المكتسب, ففيها فرقة الاستطلاع، وفرقة القتال، وفرقة تصنيع السلاح، وفرقة الخدمات، وفرقة متميزة جداً, تشبه جيوش كمندوس المغاوير, هذه الفرقة كشفت في عام 69 19، والذي اكتشفها أخذ جائزة نوبل، هذه الفرقة عندها إمكانية عالية جداً, حيث إنها تلتهم الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً، ما دام الجهاز المناعة قويًا, فكل خلية سرطانية, تلتهمها هذه الفرقة المتميزة. 

قال لي: تماماً كالصنبور والمصب، هناك توريد للخلايا، واستهلاك لهم.

متى ينشأ مع الإنسان ورم خبيث؟ لما يضعف جهاز المناعة المكتسب، لذلك أكثر مرض الإيدز معهم سرطان، لأنه ضعف فيهم جهاز المناعة المكتسب، فهذا الجهاز المناعة المكتسب شيء يحير، قيادته ليست داخل الجسم، جهاز الدوران قيادته في القلب، جهاز التصفية القيادة في الكليتين، الجهاز العصبي قيادته في الدماغ، الجهاز الهرموني قيادته في هذه المراكز اللمفاوية، إلا جهاز المناعة المكتسب ليس لك قيادة بالجسم.

هكذا قرأت في كتاب علمي، والكتاب مترجم بمجلة محترمة جداً، قال: قيادته خارج الجسم.

يعني: كأنها بيد الله عز وجل، فإذا قوي هذا الجهاز, التهم كل الأمراض الإنتانية والسرطانية.

قال: ما الذي يقوي هذا الجهاز؟ الأمن، الشعور بالأمن، يقويه الحب، إذا كان في المجتمع حب, وطمأنينة، وراحة نفسية، جهاز المناعة قوي.

لذلك: تجد الإنسان معه قلق، معه خوف، عنده حقد، أقل مرض ينقله إلى ورم خبيث، وقد تجد الإنسان عنده أخطاء كثيرة جداً بجسمه، عنده حالات صعبة جداً، لكن قوة جهاز مناعته, هو الذي يبعده عن الأمراض الخبيثة.

لذلك: التوحيد صحة ، صحة بالمفهوم المادي العلمي الجامد, التوحيد صحة.

سأله مرة ثانية, ومرة ثالثة، بأسلوب تربوي، في المرة الرابعة، قال له:

يا معاذ حق الله على عباده, أن يعبدوه ولا يشرك به شيئاً، تركه فترة، قال له: يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ قال له: الله ورسوله أعلم، مرة ثانية, مرة ثالثة, مرة رابعة, قال له: يا معاذ, حق العباد على الله إذا هم عبدوه, أن لا يعذبهم

فإذا أنشأ الله عز وجل لك حقًّا عليه, تجد نفسك مرتاحًا في بيتك، بعملك، يا ربي أنت وليّ، وإذا تولى الله إنسانًا, من يستطيع في الأرض أن يصل إليه؟ من يجرؤ أن يصل إليه؟ وإذا تخلى الله عز وجل عن إنسان, أقرب الناس إليه يتطاول عليه، أقرب الناس إليه الذي قدم له كل خدمة، يتطاول عليه. 

أيها الإخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)﴾

[ سورة هود ]

الآية الثالثة التي ذكرها الإمام النووي رحمه الله تعالى:

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)﴾

[ سورة آل عمران ]

إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه, فاحذره, قال تعالى:

﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)﴾

[ سورة عبس ]

 

ما الذي يحملك على طاعة الله؟.


أيها الإخوة؛ أنا أعتقد وأرجو أن أكون على صواب. 

أن الشيء الوحيد الذي يحملك على طاعة الله حقيقة: هو الخوف من العقاب.

هذا كلام علمي دقيق، وما سوى هذا الدافع, هناك أخذ ورد، وهناك موضع جدال كثير حول الدوافع الأخرى، أما أنت حينما ترى أن الله موجود، ويعلم, وسيحاسب، وسيعاقب، ولا يمكن أن تنجو من عقابه، تستقيم على أمره, هذه حقيقة, قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)﴾

[ سورة الحج  ]

إذا كان خالق الكون يقول لك: شيء عظيم.

الزلازل غير زلزلة الساعة, الزلازل التي حولنا شيء عظيم, قال: أخرجوا طفلة تحت الأنقاض, بقيت 78 ساعة، أخرجوا امرأة عمرها 70 سنة بعد ستة أيام، إنسان تحت الأنقاض يصيح, فلا أحد يسمع، لا ماء، هناك من يشرب بوله، هناك يأكل بعض من حوله، من شدة الجوع، هو تحت الأنقاض, لكنه حي، وابنه مات إلى جنبه, يأكل من لحم ابنه، هي زلزلة الأرض، إعصار باليابان، إعصار بأمريكا، فيضان، والعياذ بالله, أخبار الكوارث لا تنقطع، قال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾

[ سورة الحج ]

أيها الإخوة الكرام؛ حدثني صديق, كان بمصر أيام الزلزال عندهم، أقسم لي بالله, أن امرأة من شدة الخوف, توجهت إلى حذاء زوجها الجديد وحملته، وظنت أنه ابنها الصغير الرضيع، قال تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول: ((اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمتك)) بلاد جميلة، رائعة, جبال خضراء، سواحل رائعة، طقس جميل بين البرد والحر، أبنية, فنادق، مطاعم، محلات للتسلية، يعني: محطات وقود، خدمات بأعلى مستوى، البحار فيها القوارب، وفيها درجات البحر، وفيها سباق القوارب، فجأة, قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)﴾

[ سورة هود ]

الخوف ضروري، يجب أن تخافه كي تطيعه، ويجب أن تحبه، ويجب أن تعظمه. 

الآية التي بعدها:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

جنتان؛ جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة، هذا مقام الخوف, مقام عال جداً, قال تعالى:

﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)﴾

[ سورة  المائدة ]

معاذ الله! لا أفعل هذا، بحياة المؤمن يقول: بملء فمه، ولا يخشى لومة لائم، لا أفعل هذا, لو قطعتني.

إنسان سمعت عنه, أنه أجبر على شيء يغضب الله عز وجل, قال له: لا أفعل هذا، وافعل ما شئت، والذي أمره بإمكانه أن يسحقه، فلما امتنع، كلف إنسانًا آخر, ففعل ما يريد، قال لي: والله الذي فعل ما يريد, نزع من تحت مركبته أربع قطع، بعد شهر بحادث، قال لي: والله أنا الله أكرمني، أتمتع بأعلى مكانة في عملي, مع أنني رفضت أن أغضب الله عز وجل. 

هناك كلمة أقولها لكم دائماً: 

والي البصرة, كان عنده الإمام الحسن البصري، سيد التابعين، فجاءه توجيه من يزيد. 

التوجيه: لو نفذه أغضب الله، وإذا لم ينفذه أغضب يزيد، وقد يعزله. 

قال له: ماذا أفعل يا إمام؟.

أجابه إجابة, تكتب بماء الذهب، ويجب أن تكون شعارًا لكل مؤمن الآن.

قال له: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.

إذا أمرك إنسان بمعصية، أبوك، افعل كذا، وهو شيء لا يرضي الله عز وجل، الله عز وجل يمنعك من هذا الإنسان، ولكن هذا الإنسان إذا أراد الله أن يؤدبك, لا يمنعك من الله عز وجل.

 

أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان.


ذكر أول آية, الثانية، ست، سبع آيات في هذا الباب، كلها عن الخوف من الله عز وجل, أما سآتيكم بحديث واحد:

هذا الكلام كلام رسول الله, والحديث متفق عليه، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

(( عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ, مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ))

والذي أقصده.

((  عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, قال: سَمِعت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, لَرَجُلٌ يوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتان, يَغْلِي مِنْهَما دِمَاغُهُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه ]

جمرتان في أخمص قدميه, يغلي منهما دماغه، هذا كلام من؟.

 كلام إنسان عادي، أما كلام رسول الله، وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟.

فيا أيها الإخوة؛ مرة ذكرتها لكم كثيراً، لكن الآن مناسبتها. 

قال لي مرة طالب: أنا لا أخاف من الله، طالب أرعن. 

قلت له: أنت بالذات معك حق, لا تخاف منه. 

فلما قلت له: أنت بالذات معك حق, انزعج أكثر. 

قال: من أنا؟. 

قلت له: يا بني, الطفل الصغير, عمره سنتان, يأخذونه على الحصيدة, يمر من جنبه ثعبان, لا يخاف منه، يلحمس عليه، ليس هناك خوف، الإنسان يخاف بقدر إدراكه، يخاف بقدر علمه، يخاف بقدر معرفته.

هذا الذي يرتكب المعاصي والآثام، ويأكل مالاً حراماً، ويزني، ويشرب خمر، هذا أين إدراكه؟ إدراكه صفر، والله عز وجل يبطش به بطشة واحدة، فالذي لا يخاف, إنسان غير سوي، إنسان مختل، إنسان فاقد العلم، فاقد البصيرة، فاقد الوعي، فاقد الإدراك.

 

الخاتمة:


أعيد وأقول: 

الخوف أحد أكبر الدوافع للاستقامة على أمر الله.

والخوف أحد أكبر الدوافع للتوبة لله عز وجل. 

والخوف أحد أكبر الدوافع للصلح مع الله عز وجل. 

والخوف أحد أكبر الدوافع. 

والخوف أحد أكبر الدوافع لتسعد بقرب الله عز وجل. 

والخوف نقطة ضعف بالإنسان لصالحه.

كالفيوز تمام في الآلة، الفيوز تعريفه مسار ضعيف جداً، فإذا جاء التيار قويا, ساخ هذا المسار، وانقطع التيار, وحفظ الجهاز، ونفس الشيء، الإنسان: الخوف يمنعه عن أن يتطاول.

إنسان لا يصلي, جاءته مصيبة كبيرة، بدأ يصلي، هذه القصة أسمعها مئات المرات بالشهر، على أثر مصيبة بدأ يصلي.

إنسانة متبرجة, متفلتة، منحلة تقريباً, دعيت إلى الطاعة والاستقامة والحجاب, أبداً، أصابها مرض عضال, فقالت بالحرف الواحد: لو أن الله شفاني, لأضع على رأسي ما يوضع على الحمار, من شدة ألمها، من شدة ألمها, قالت كلمة قاسية جداً، لعل الله يشفيني, إذا جاء الإنسان بعد مصيبة جيد، الأجود أن يأتي بلا مصيبة.

مرة إنسان أحب أن يمزح, أنا قبلتها منه، دعوتك ما ملخصها؟ قلت له كلمتين أعيدهما ثلاثين سنة: إمّا أن تأتي ركضًا، وإما أن يؤتى بك ركضًا، اختر واحدة منهما.

ملخص الملخص: إمّا أن تأتيه طائعاً, مسرعاً، مشتاقاً، منيباً، مقبلاً، وإمّا له طرق، تأتي مقهوراً.

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ ))

[ أخرجه البخاري ]

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور