وضع داكن
23-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 095 - ماهي علامات حب الله للعبد؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد.


أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا في رياض الصالحين, في كلام سيّد المرسلين, عليه أتمّ الصلاة والتسليم، والباب اليوم هو: 

علامات حبّ الله تعالى للعبد.

من جِبِلَّة الإنسان: أنّه يتطلّع لمعرفة موقف الآخرين منه، الإنسان يكون موظّف, يتمنّى أن يعرف مركزه عند المدير العام، تقييمهُ عنده، معرفتهُ بإمكاناته، ثناؤُه على إيجابيّاته ، تغاضيه عن سيّئاته، هذا الشيء من جِبِلّة الإنسان.

هناك شيءٌ أبلغ من ذلك هو: أنّ المؤمن دائمًا يتطلّع لأن يعرف: 

هل يحبّه الله عز وجل؟. 

هل هو تعالى راضٍ عنه؟.

أيتحرَّكُ في مَرضاته؟. 

أمُخلصٌ له أم غير مخلص؟. 

تشوّق المؤمن لمعرفة مكانته عند الله تعالى، هل يحبّه؟ هل يدافع عنه؟ هل هو في مرضاته؟.

قال الله تعالى:

﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)﴾

[ سورة النحل ]

هذه العلامات لولاها لما قامَت حياة، تقول: 

هذه الفاكهة حينما تصْفرّ, فهذه علامة نضجها، وهذه الحبّة حينما تسْودّ علامة نضجها.

علامات النباتات معروفة عند المزارعين، وعلامات بالحيوانات, هذه الدابة مريضة، علامات عند الإنسان، فكلّ مرض له أعراض، لولا هذه الأعراض لما كان هناك طبّ أساسًا، إذا هناك عِلَّو خفيّة ما لها أعراض.

والآن: أخطر الأمراض التي ليس لها أعراض. 

فهذه تتسلّل تسَلُّلاً مخيفًا. 

فإذًا: أن يكون علامات, فهذه من نعم الله الكبرى.

 

ما هي علامات حبك لله عز وجل؟.


أيها الإخوة؛ ولو أردنا أن نوظّف العلامات في معرفة ما إذا كان الله راضيًا عنك أم لا؟. 

ما علامة محبّة الله للعبد؟. 

أنت عبدٌ تحبّه، وقلبك ممتلئ حبًّا له.

ما علامة هذا الحب؟ أو ما الدليل على هذا الحب؟ أو ما الذي يجسّد هذا الحبّ؟.

كتعليق سريع: 

الحبّ شيء داخلي، وشعور داخلي لا أحدَ يتّطلعُ عليه، ولكنّ الودّ سلوك مادّي يُجسِّدُ هذا الحبّ.

فكلّ شعور صادق يجب أن يعبّر عن ذاته بِسُلوك. 

أنت تحبّ فلان, إذًا: تبتسم في وجهه، ابتسامتك وُدّ، ومحبّتك شعور.

فالشعور داخلي والابتسامة ظاهرة. 

تُحب فلانًا ترحِّب به، تحبّ فلانًا تقدِّمُ له هديّة، تحبّ فلانًا تزوره, كلّ مؤمنٍ يدَّعي أنَّه يحبّ الله عز وجل، لو ألغَيْنا الدليل لاختلطَت الأوراق، فلا بدّ من دليل على محبّة الله تعالى.  

أقوى دليل في القرآن الكريم: اتِّباع سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

حسن الظن بالله.


أيها الإخوة؛ الله عز وجل لا يمكن أن يكون تعاملهُ مع عباده تعاملاً غير مُقنَّن. 

يقول لك: فلان مدير الدائرة، لا نعرف طَبْعَهُ، ساعات يرضى بلا سبب, ويغضب بلا سبب، وإذا غضب يُبالغ, وإذا رضي بالغ، مثل هذا المدير يصعبُ التعامل معه كثيرًا، لأنّه لا توجد قواعد تضبطهُ.

أحيانًا: تكون مقصّرًا فتراه يضحك، وأحيانًا: مُجدّ ويقيم عليك النكير، مثل هذا الإنسان الذي يدير مدرسة, أو مستشفى, أو مؤسسة, التعامل معه صعب جدًّا، لا قاعدة له، أيليق بخالق الأكوان، وبربّ العالمين، والرحمن الرحيم، وبالعادل القويّ, أن يكون التعامل معه بلا قاعدة؟ مستحيل.

أيها الإخوة؛ الجهلة حينما يقولون: يمكن أن تعبده طوال عمرك، ويكون المصير إلى النار؟ والله من قال هذا الكلام, فهو لا يعرف الله أبدًا.

عندنا واقع يغلب أيّ تصوّر غير صحيح.

أنت إنسان مقيم بدمشق، وُلِدْت فيها، ونشأت فيها، وسافرْت إلى بلدٍ غربي، فإذا أمامك كتاب جغرافيا, مؤلّفه ثمانية عشر دكتورًا، ومطبوع بأعظم دار نشر، وإذا بدمشق تراها فوق بيروت على ساحل البحر، هل تلغي الواقع؟ هل تلغي وُجوده؟ هل تلغي عمرًا عِشْتهُ في الشام، وهي مدينة داخليّة؟ مستحيل, لن تصدّق هذا الكتاب, رغم أنّ ثمانية عشر دكتورًا ألّفوه، فالقضية قضيّة واقع، والذي يتوهّم أنّ الله عز وجل، على طاعة العبد, وعلى إخلاصه، وعلى انضباطه، وعمله الصالح, يضعه في النار إلى أبد الآبدين, لماذا؟ لأنّ الله شاء له أن يُعذّب, هذا الإنسان لا يعرف الله إطلاقًا.

الله عز وجل قال:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾

[ سورة التوبة ]

لن: تفيد تأبيد المستقبل، لن ولن ألف مرّة، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾

[ سورة سبأ ]

إذًا: لا بدّ أن نحسن الظنّ بالله عز وجل.

ذكرتُ هذا، إنَّك إن أطعْت الله عز وجل, وإن حملْت نفسك على طاعته، فأنت في مرضاته، وهذه قاعدة, والتعامل مع الله تعالى واضح جدًّا، والتعامل مع الله تعالى مُقَنَّن.


القوانين الإلهية:


مرّة سألني إنسان: هل بالدّين معادلات كالكيمياء؟ قلتُ له: نعم، الأمور بالدّين واضحة جدًّا.

حديث:

عظني ولا تطل, قال: قل: آمنت بالله ثم استقم، قال: أحب أقل من هذا, قال: إذًا فاستعدّ للبلاء

استقم تستقم، لا تستقيم تحمّل المصائب.

أحدهم قال لي: هل هناك زكاة على العسل؟ فقلتُ له: نعم، فقال: وإذا لم يدفع الإنسان؟ فقلتُ له: خراب المحلّ جاهز, هذه الحشرة تأكل كلّ الخلايا، إن دفعت الزكاة أهلاً وسهلاً، وإن لم تدفع, سلط الله عليك حشرة, فتأكل كلّ الخلايا.

(( وما تلف مال في برّ أو بحر إلا بِحَبْس الزكاة ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ]

أنت لمّا تتعامل في الدين بِقَوانين ترتاح، هناك جهات مريحة في التعامل معها، الأمور كلّها واضحة، هناك قواعد ثابتة، لماذا لا تجعل من دينك دينًا له قواعد؟ مع القواعد لا تصبح محتاجا إلى مبرّر، ولن تتشاءم، ولن تكون هناك سذاجة, حيث تعلّق آمالاً ولن تتحقّق، انتهى الأمر.

 

ما هي علامات حب الله تعالى للعبد؟.


فيا أيها الإخوة؛ انطلقنا في الدرس: من أنّ هذا الإنسان المؤمن, يحبّ بأن يعرف مكانته عند الله تعالى، هل يحبّه الله عز وجل؟ هل هو راضٍ عنه؟ وهذا سؤال مهمّ جدًّا.

أنا لا أبالغ إن قلت: هذا السؤال من أشدّ الأسئلة التي يحرص عليها المؤمن ليعرف جوابها، الإنسان أحيانًا يُطَمئنهُ الله تعالى بِرُؤيا صالحة يراها أو تُرى له، ومرّة يُطمئنُه بِحالٍ نفسي عام، نحن مبدئيًّا ندع الحال النفسي، نحن أمام علامات هي علامات حبّ الله تعالى للعبْد. 

أولاً: اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا كنتَ مطبِّقًا لِسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم, فهذه علامة صارخة, أنّ الله تعالى يحبّك, واستنادك في هذا, قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)) هذه من علامة محبة الله: اتِّباع السنة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[ سورة الأنفال ]

المقصود بـ (أنت): ليس جسمه، لكن منهجه، فما دام منهج النبي عليه الصلاة والسلام مطبّقًا في حياة الناس, فهم في مَأْمنٍ من عذاب الله.

الآن: عندنا بحبوحة ثانية، لو أنّ الإنسان زلَّتْ قدمهُ وأخطأ، واستغفر الله تعالى, لا يزال في بحبوحة من عذاب الله تعالى. 

قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) أحدهم قال لي: ما فهمتُ هذه الآية، فقلتُ له: أبٌ فتح جلاء ابنه, فوجده بالرياضيات ضعيفاً، والأب طموحاته كبيرة أن يكون ابنه متفوّقًا، فأدَّبهُ الأب تأديبًا شديدًا، فإذا به وجد ابنه قد اصفرّ وجهه، ولم يأكل، وبقي في غرفته، فبحث له عن مدرِّس رياضيات لدروس إضافية ، فلما وجد هذا الأب ابنه بهذا الحال؛ خوف, وعزوف عن الدنيا، واهتمام بالتصوّف، حينها لن يتدخّل الأب لاهتمام الابن بواجباته، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) .

أيها الإخوة؛ أكبر علامة صارخة على أنّ الله يحبك, أن تكون متَّبعًا للسنَّة.

كما تعلمون دائمًا وأبدًا من لوازم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وما لا يتم الفرْض إلا به فهو فرض، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة.

 

كيفية اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: 


إذا كانت العلامة الصارخة على محبّة الله لك اتّباع رسول الله، ما الذي لا يتمّ هذا الحبّ وذاك الاتباع إلا به, ما دام العلامة الصارخة والقويّة على أنّ الله يحبّك, ما الذي يتوقّف عليه هذا الحبّ؟. 

أن تعرف سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام. 

ما دام أكبر علامة على محبة الله لك أن تطبّق سنَّة النبي، فالشيء البديهي أن تعرف سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم. 

لذا طلب العلم حتْمٌ واجب على كلّ مسلم، وفريضة على كلّ مسلم، لأنّ اتّباع سنّة النبي التي هي علامة محبّة الله, لا تتِمّ إلا بمعرفة سنّة النبي عليه الصلاة والسلام. 

إذًا: حضور درس في شرح أحاديث هذا مهمّ جدًّا، هذا من لوازم اتّباع سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام.


من الآداب الإسلامية:


ذكر لي أخٌ, يخطب في جَامع, عنده ابن صغير, استيقظوا متأخّرين، فهيّأَتْ له (سندويش)، وقلتُ له: كُلْها بالطريق، فنظر إليه الابن، وقال: يا أبي, قال عليه الصلاة والسلام :

(( الأكل في السوق دناءة ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

كيف عرف هذا الطفل: أنّ الأكل في الطريق دناءة, لولا أنّ المدرّسة علّمته هذا الحديث؟.

فأنت لمّا تحضر مجلس علم، وتأخذ طائفة من الأحاديث الكبيرة جدًّا, ستعرف ما ينبغي وما لا ينبغي، وما يجوز وما لا يجوز، وما يمكن وما لا يمكن، ما هو حقّ وما هو باطل، وما هو خير وما هو شرّ، وما هو من الأدب وما ليس منه.

مرّة جلس شخص أمام والد زوجته، ودخل بعلاقة رجل بزوجته, وقضايا اللّقاء الزوجي، فمن آداب الإسلام: 

لا يجوز أن تتحدَّث عن موضوعات الزوجات، ولا سيما علاقات الخاصة جدًّا أمام والد الفتاة، أو أمام أخيها، فالبنت مقدّسة عند الأب وعند الأخ، فإذا طُرِحَ هذا الموضوع, يذهب الخيال إلى صُوَر مزعجة جدًّا للأب أو الأخ، أليس كذلك؟.

فهناك من ليس عنده هذا الأدب، وهو من الأدب: الإعراض عن مثل هذا، الموضوعات التي لا يمكن أن تطرح أمام الأب أو الأخ يطرحها أمامهم، فهذا يعني أنَّه بعيد عن الأدب النبوي.

أيها الإخوة؛ يدقّ الباب ويبقى في الواجهة، النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا أن نطرق الباب، ونعطي ظهرنا للباب، وهذا من الأدب النبوي، فالقضيّة طويلة، وأنا أمْضيتها بأشهر بآداب الطعام والشراب، وآداب الزيارة، موضوع طويل طرِحَ سابقًا.

بالمناسبة: الإسلام عقائد, وعبادات, ومعاملات, وآداب، الآداب ربْع الإسلام.

أحيانًا: في الولائم أكلهُ قليل، ينهي الأكل، ويذهب لِيُغَسِّل، فأنت أحْرجْت الحاضرين كلّهم، ليس من الأدب أن تقوم من طاولة الطعام، أنت أوقفت الطعام، ولكن يجب أن تبقى جالسًا مع المجموع، أما كلّما انتهى واحد, ذهب وغسل، سوف يزعج من هو جائع، ويبقى وحده, لذا ينبغي أن يبقى الجميع على الطاولة، وهذا من الأدب، وهذا الموضوع طويل، وفيه موضوعات طويلة.

الأدب ربع الإسلام، عقائد, عبادات, معاملات, وآداب. 

فهذا أوّل أمر: اتّباع سنة النبي القولية, والاقتداء بسيرته العملية، والدليل قوله تعالى:

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[ سورة الحشر ]

السيرة: قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾

[ سورة الأحزاب ]

من لوازم اتّباع سنّة النبي: معرفة سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن لوازم الاقتداء بسيرة النبي: معرفة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام.

هناك عالم بمصر, ألّف كتاب أعجبني في المقدّمة, أنّه بيّن: أنّ معرفة سنّة النبي القولية فرضُ عيْن على كلّ مسلم، لأنّ هناك أمرًا فرض عيْن، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)) وهذا الأمر لا يتمّ إلا بالمعرفة، وهناك أمر ثان بالاقتداء بسنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمر لا يتمّ إلا بالمعرفة. 

إذًا: 

معرفة سنّة النبي عليه الصلاة والسلام فرض عين.

ومعرفة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام فرض عين على كلّ مسلم.

 

معاناة المسلمين.


أيها الإخوة؛ فالمشكلة التي نعاني منها: كيف أنّ هؤلاء المسلمين مسخوا هذا الدّين العظيم إلى خمس عبادات شعائريّة؛ صام, وصلى, حجّ, وزكّى, فأصبح الإنسان جيّدًا، والإسلام مئة ألف بند في منهجه، نسخت هذه البنود إلى خمس عبادات شعائرية، يؤدّيها بشَكل أجْوَف، ويظنّ أنّه متديِّنٌ وصالح، والأكثر يربحون أموالاً بربْح ثابت، يقول لك: أرْيَح, أنا لا أدخل بالحسابات، ولكن هذا ربا، إذا أعطيته مئة ألف، وقال لك: على المئة ألف خمسة آلاف فرضًا, فأنت أكلت الربا القطعي الواضح والجلي, وأنت لا تدري، بِدَعوى أنّ الحسابات صعبة ، ولن ندخل في تفاصيل الجرد والذّمم، وهذا أرْيَح لي.

يعطيني في كلّ مئة ألف خمسة آلاف كلّ شهر، أو يشتري مع واحد بيتًا، ويقول له: أريد أجرة، ولكن آخذ المبلغ غير مَنقوص بعد سنتين، هذا الذي دفعه لك كلّ شهر ليس أجرة، متى ينقلب المدفوع شهريًّا, أُجرة شرعية صالحة, أن تأخذها وأن تنفقها, إذا كان سعر البيت متغيِّرًا بعد سنتين، قد تهبط الأسعار، وقد تصعد، وقد يُصادر البيت، وقد ينظّم البيت، وقد يُستملك هذا البيت، لن تستحق الأجرة إلا إذا كان البيت بعد سنين تقيّمه، فإذا اسْتُملك فأنت خاسر مع مالكِ البيت، وكذا إذا نظّم، وكذا إن صودر، وكذا لو احترق البيت، لأنّك تضمن النتائج، والأجرة حلال، أما أنت فهل تضمن المليونين بعد سنتين, وطلبْت أجرة على هذين المليونين؟ كلّ هذا ربا.

يقول لك: عملنا عقدًا شرعيًّا بمركز إسلامي، وكان هناك مدير المركز، وصار هناك قبول وإيجاب، نيّتي فقط في أثناء الدّراسة، وبعد ذلك أُطلّقها, زنا.

 

أهمية الفقه الإسلامي.


أيها الإخوة؛ فلا بدّ أن تعلم أحكام الفقه, وإلا تقع في الربا، وتقع في الزنا، وتقع في كلّ المحرّمات.

من دخل السوق من غير فقه, أكل الربا شاء أو أبى

أقلّ شيء حسم السندات.

أحدهم باع بضاعته بسندات، يأتي إلى البنك، ويقدّم السندات، ويُعطونه قيمتها كاملة محسوم منها بالمئة ستّة، يقول: ما فعلنا شيئًا, فقط حسمْنا السندات، وهناك ألف مخالفة بالبيع والشراء.

فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما يأمرك الله أن تتَّبعَ سنَّته، من لوازم هذا الأمر: أن تعرف سنَّته، ومعرفة سنّته فرض عينٍ على كلّ مسلم.

أحيانًا: الإنسان يقول لك: إذا وجدتُ نفسي غير مشغول, أحضر مجلس العلم، هذا كلام مُضحك, درس العلم يجب أن تحضرهُ كفرْض عيْن، لأنَّه لا طريق لمعرفة السنة إلا عن طريق درس العلم، المسجد مكان معرفة الفقه، والحديث، والقرآن، والسيرة، والجامعة مكان معرفة الهندسة, والطبّ, والتاريخ, والجغرافيا، فلا بدّ من أن تطلب العلم.  

ثانياً: جعل حوائج الناس إليه.

من علامات حبّ الله عز وجل:

إذا أحبّ الله عبْدًا, جعل حوائج الناس عنده

يقصدُه الناس من كلّ حدْبٍ وصوب، يتعبونه، ينصبُّون عليه ليلاً ونهارًا، هذه من علامات محبّة الله عز وجل.

ولو أنّ الله لا يحبّ العبد لصرَف عنه الناس، أما من يقصده الناس لقضاء حوائجهم، هذه علامة محبّة الله له، الذي يقصده الناس ينبغي ألاّ يتبرّم، ينبغي ألاّ يتشكّك، وألاّ يضيقَ صدرهُ، وألاّ ينزعج، وألاّ يتكلّم كلامًا لا يليق.

رجل من الأغنياء الكبار, وسّطني أخ أن أكلّمه, كي يعيّنه عندهُ، فكلّمْتهُ فامتنع وتأبَّى، وقال لي: أنا لا أحبّ أصحاب الدّين, فقلتُ له: إنّ الله عز وجل قادر على ما تملك من ذكاء، وعلى ما تملك من خبرات, أن يجعلك تقف في طابور طويل على باب جمعيّة خيريّة، وتأخذ ثلاثمئة ليرة، وتبصم وتوقع، وتبْرز هويّتك، والله على كلّ شيءٍ قدير، يعطي فيدْهِش، ويأخذ فيُدْهش، حينها خجل, واسْتجاب، وعيَّنَهُ.

فأنت إذا مكَّنَكَ الله عز وجل أن تُعْطي, ينبغي أن تعلم أنَّ هذا المال مال الله.

أجمل كلمة قالها أعرابي, كان بيده قطيع إبل، فقيل له:  لِمَن هذا القطيع؟ قال: هو لله في يدي.

فبيْتُكَ أنت لله في يدك، سمَحَ لك أن تسْكُنَهُ، مركبتكَ لله في يدك، سمح لك أن تركبها، لك زوجة هي لله في يدك، سمح لك أن تكون هي لك زوجة، وإلا لو اختلّ عقل الإنسان, من الذي يسعى له؟ زوجته وأولاده، وهل تحتاج هذه إلى واسطة؟ فالله عز وجل بكلّ لحظة قادر أن يحرمك كلّ شيء، أحياناً: الوقت لا تملكهُ.

زارني أخ, وقال لي: أنا أصلي الفجر بِجَامع بالمزّة، مثابر على هذه الصلاة، وهناك أخ يصلّي معنا, له روح دُعابة، خرجنا صحبة، وتكلّمنا طرفًا في الطريق، وسلّمتُ عليه، وذهبنا، وفي الظهر لمحْتُهُ على موقف الحافلة بالمرجة، وفي العصر خرجتُ في جنازته.

أقْسم بالله أنَّه ما كان يشكو من شيء، فقد صلى معه صباحًا ومشينا، وكانت دعابة بيني وبينه، ولمحته ظُهرًا على موقف الحافلة، وفي العصر مشيْتُ في جنازته, أنت لا تملك شيئًا، لا تملك الوقت.

ومن عدَّ غدًا من عمره, فقد أساء صُحْبة الموت.

إذا قال: أنا غدًا سأدْفعُ فاتورة الهاتف، فمعنى ذلك: أنت لا تعرف حقيقة الموت:

الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً     وَ الْقَبْرُ صُنْدُوقُ الْعَمَلِ‏

فإذا أحب الله عبدًا جعل حوائج الناس عنده، هذه علامة.

الخير بيدي والشرّ بيدي، فطوبى لِمَن قدّرتُ على يده الخير، والويل لِمَن قدَّرتُ على يده الشرّ

كيف أنَّ الإنسان أحيانًا: يستخدم ملقط لمسْك شيءٍ نجسٍ وقذر، إذا الإنسان وجد فأرة بالبيت لا يمسكها بيده، وهناك أشخاص الله جعلهم أداة لتأديب خلقه، ((الخير بيدي والشرّ بيدي، فطوبى لِمَن قدّرتُ على يده الخير، والويل لِمَن قدَّرتُ على يده الشرّ)) .

  العلامة الثالثة: إذا أحبّ الله عبْدًا عجَّلَ له بالعقوبة.

هناك متابعة، تكلَّم كلمة غير لائقة، يدفع الثّمن فورًا، تصرّف تصرّفًا غير صحيح, يدفع الثّمن فورًا، تطاوَلَ بِكَلمة، أهْمل، قصّر, زلَّت قدمه، ارتكب معصية، كلّما وجدت الله عز وجل يتابعك سريعًا, فاسْجُد لله شاكرًا، معنى ذك: أنّك ضمن العناية المشدّدة.

إذا قال مريض لطبيب: أنا معي التهاب، يعطيه تعليمات، ومواد يأكلها، والمخلّلات ممنوعة، والمواد الدسمة ممنوعة، فقط تأكل تفاحًا وحليبًا.

إذا كان معه ورم خبيث, يقول له: كل ما شئْت، التساهل رافقَ ماذا؟ رافق أنّ هذا المريض خارج العناية الطبيّة، ما دام خارج المعالجة فلم يعد هناك ضبط وحجر، وكلّ شيء مباح, أما إذا كان الإنسان ضمن العناية المشدّدة, فهناك متابعة شديدة.

أخٌ من إخواننا, له معمل، زاره أخٌ من الجامع، قال له: أريد أن أشتري قطعتين لأولادي، والمعمل يبيع أربعمئة وخمسمئة دزينة، فرأى هذه الصفقة فيها إهانة له، فقال له: أنا لا أبيع المفرّق، قال لي: ثلاثة وثلاثون يومًا, اشتهيتُ أن يكون في معملي مشترٍ واحد، أدَّبهُ الله.

فإذا أحبّك الله عالجك سريعًا، يحْزنك، ويبْكيك، أحيانًا: يفشلك، أحيانًا: يضع العراقيل أمام أهدافك، فأنت انتبه.

إذا دخل الإنسان مع الله في الحساب والمعاتبة، ودخل مع الله في المراجعة, يكون من السعداء، ويكون قطع أربعة أخماس الطريق إلى الله.

فأوّل علامة: اتّباع السنّة.

وثاني علامة: أن يجعل حوائج الناس عندك، مطروق بابه دائمًا، لا يرتاح.

والعلامة الثالثة: عجَّل له بالعقوبة. 

الحالة الرابعة: عاتبه في منامه

إذا صار هناك تقصير, قد يرى منامًا مخيفًا، إذا هناك غلط، فإذا كان الواحد ضمن العناية المشدّدة، وضمن المتابعة، وضمن المحاسبة، فهذه من نعم الله الكبرى، وهذه علامة محبّة الله للإنسان. 

العلامة الخامسة: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.

قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

ما علامة محبّتهم له؟ وما علامة محبّة الله لهم؟ أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين، وليس العكس.

الإنسان من بعده عن الله يتجبّر على الضعيف، ويتذلّل أمام القويّ، أمام القويّ كالشاة ، وأمام الضعيف جبروت ورهبوت، أما المؤمن أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين, يتواضع للمؤمن ولو كان حاجبًا، قد يكون مدير عام هو وعنده حاجب مؤمن، ومتواضع.

مرّة كنت بمؤتمر بالدار البيضاء، دخلنا الفندق بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً من سفرنا ، نمنا واستيقظتُ على صوت أذان، في الحديقة رجل حاجب, يصلّي الصبح بصوت جميل، فخطر ببالي خاطر، قلت: لعلّ هذا الحاجب الذي يصلّي هذا الفجر في وقته، ويقرأ القرآن، ويتغنّى به في الصلاة أقرب من الله, من كلّ مَن في الفندق جميعًا، فهو لا يتيح له دخلهُ أن يدخل هذا المكان إلا ليخْدم فقط.

فموازين الله عز وجل غير موازين الخلق، أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين.

أيها الإخوة؛ سيّدنا الصدّيق سيّد من سادة قريش، لا تقولوا: أسياد، فهي تعني الذئاب، قلْ سادتنا العلماء، هناك أخطاء فاحشة ترتكب، منها هذا الخطأ، لا تقل طبيب أخصّائي, فهي تعني الذي يُخصي، ولكن قل: طبيب اختصاصي، وقل: أنا مولع، وليس مولَّع.

على كلّ؛ سيّدنا الصدّيق سيّد من سادة قريش، اشترى بلالاً من سيّده، قال له سيّده:

والله لو دفعت به درهما لبِعْتُكَهُ

وهذه كلمة تحوي فعلاً, وفاعلاً, ومفعولاً به أولا، ومفعولا به ثانيًا.

فقال أبو بكر: لو طلبت به مئة ألف لاشتريْت منك، وضع يده تحت إبْطه، وقال: هذا أخي حقًّا

أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين.

أحياناً: ينتقل الإنسان إلى منصب رفيع، فإذا به يستحي بِوَالده، من الأخ؟ مستخدم عندنا، وهذا حدث مع أب، أصدقاء ابنه عنده، فأتى لهم بالقهوة، وخرج، لما خرج من الباب من فلان، فقال الابن: مستخدم عندنا, أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين، مع المؤمن ذليل ومتواضع.

قال تعالى: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)

فأوّل علامة: اتّباع السنّة، وثاني علامة: أن يجعل حوائج الناس عندك, مطروق بابه دائمًا، لا يرتاح، والعلامة الثالثة: عجَّل له بالعقوبة، الحالة الرابعة: عاتبه في منامه، والخامسة: أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين.


 خطورة معاداة أولياء الله الصالحين.

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ, يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))

افْعَل ما بدا لك, إلا أن تعتدي على أولياء الله تعالى، والأولياء هنا بالمعنى القرآني، يعني: كلّ مؤمن مطبّق، قال تعالى:

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

[ سورة يونس ]

لا تأخذ معنى الولي كبار العارفين الأقطاب الأبدال, لا، أيّ مؤمن عرف الله, وطبّق منهجه, فهو وليّ عند الله تعالى، قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)) .

 

شرح الحديث:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ, يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))

((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) فالفرائض أوّلا, ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ)) لا يسمع شيئًا إلا وفق منهج الله، لو سمع غلطًا فعنده تصفية، الإنسان يقرأ أشياء كثيرة؛ خرافات, شطحات، نظريات علميّة غير صحيحة، بعد أن يهتدي الإنسان إلى الله, تصبح عنده تصفية، وأيّ شيءٍ يسمعه، يسمعه من خلال منهج الله، فيرفض ويقبل، ((كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ)) إذا دخل الإنسان إلى بيت مغتصب، والبيت فخم جدًّا، فرضًا أبٌ ترك مبلغًا مائة مليون، وترك خمسة أولاد، استطاع أحد الأولاد أن يأخذ المبلغ كلّه، وحرم أخوته الأربعة، واشتغلوا بِمِهَنٍ ضعيفة، وكانوا فقراء، مئة مليون، أقام بيتًا فخمًا وفرشهُ، فيه مسبح، عنده مركبة، تدخل تقول: ما شاء الله، ما هذا؟ أتمَّ الله عليك، لا بدّ أن لا تعظّمه, لأنَّ هذا المال حرام، فأنت لا ترى هذا البيت إلا بعين الشرع، هذا بيت مغتصب.

أحيانًا: يكون لك عمل كبير، ولكن لا يرضي الله تعالى، وقد يكون عملٌ آخر متْعِبًا جدًّا ، ودوامه طويل، وقد يكون مع أناس متعبين، ولكن حلال، يجب أن تنظر إلى كلّ شيء بمنظار الشرع، فالحرام محتقر.

توازن ملهى مع مدرسة، من حيث العين أفخم بكثير، وقد يكلّف الملايين، ولكن هنا رقص, وطرب، وزنا ، وخمر، أما المدرسة قد يكون بناء خشن جدًّا، متواضع، ولكن يخرّج علماء وفقهاء، لذا عليك أن تنظر إلى الشيء بِمِنظار الشرع.

قد تخطب فتاة مؤمنة، ويكون شكلها أقل، والثانية فاسقة فاجرة، لا بدّ أن تنظر للفتاة التي تخطبها بمنظار الشرع، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)﴾

[ سورة البقرة ]

((وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا)) كلّ حركاته شرعيّة، لا يوجد ضرر، أو أخذ مال بغير حق، حركة يده كلّها وفق المنهج، ((وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا)) أين؟ إلى البيت، البيت مشروع، أين؟ على الجامع، أين؟ لإصلاح ذات البين، أين؟ أزور صديقي المؤمن، أين؟ لصلة رحمي، كلّ حركاته مشروعة، ((وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ, يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))

العلامة السادسة: جعل قلوب الناس تميل إليك.

في الحديث الصحيح: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا, دَعَا جِبْرِيلَ, فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ, فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ, ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ, فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ, فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ, ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ, وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا, دَعَا جِبْرِيلَ, فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ, فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ, ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ, إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ, ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ))

[ أخرجه مسلم ]

أحيانًا: يجعل الله قلوب الناس تميل لإنسان، وأحيانًا بالعكس، كلّهم يبغضونه، لم يوفّقه الله، الإنسان يتلخّص عمله بكلمة وفّقه الله، وإذا كان مسيئًا للناس يتلخّص عمله بكلمة أخرى.

أيها الإخوة؛ هذه من علامات محبّة الله للإنسان، وتوجد أشياء أخرى، افتح القرآن الكريم، وتتبَّع الآيات التي تبدأ بقوله تعالى: إن الله يحبّ، وهي اثنتا عشرة آية، ولكنّك لو حذفت المتكرّر, النتيجة اثنتا عشرة آية؛ فالله يحب الصادقين، يحب المتوكّلين، يحب المتطهّرين، يحبّ المخلصين، وهكذا ......

أيضاً: هذه من علامات محبّة الله للإنسان، فالذي هو حريص على محبة الله، محبّة الله مقنّنة، أي لها قواعد، وليس من دون قواعد، إذا كان الإنسان مزاجيًا، هذا لا قاعدة له، أما محبّة الله لها قواعد ومبادئ, إن اتَّبَعْتها أحبّك الله، لأنَّ الله للجميع.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور