وضع داكن
25-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 074 - حديث أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام – كيفية التعامل في فهم النصوص من الكتاب والسنة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

مقدمة:


أيها الإخوة الكرام؛ المؤمن والمسلم يتعامل مع النصوص, لأن دينه وحيٌ، والوحي هو القرآن, والنبيُّ عليه الصلاة و السلام بيَّن القرآن، فأنت مع نصَّين؛ كتابٍ وسنة، فتعامل المؤمن في شأن دينه, في الأعمِّ الأغلب مع النصوص، وأهمُّ شيء في التعامل مع النصوص: أن تفهمها فهماً صحيحاً، لذلك: تأويل الأحاديث منحةٌ إلهية كبيرة، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

[ سورة يوسف ]

وقال تعالى:

﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)﴾

[ سورة الأنبياء ]

أي منحةٌ كبيرة جدًّا جدًّاً, أن يعينك اللهُ على فهم النص كما ينبغي، فهم النص كما أراده قائلُه؛ إن كان قرآناً كما أراده اللهُ عز وجل، وإن كان سنةً كما أرادها النبيُّ عليه الصلاة والسلام. 

أيها الإخوة؛ هذه المقدِّمة قدَّمت بها، أيها الإخوة:

 

ما المراد من هذين الحديثين؟.


  الحديث الأول.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ, فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ, لكَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ, فَإِنَّ لَوْ: تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

[ أخرجه مسلم ]

كلام النبيِّ المؤمن القوي؛ أي قويٌّ في علمه، قويٌّ في ماله، قويٌّ في منصبه.

القوة أنواعٌ ثلاثة: إما انك عالمٌ، وكما تعلمون العالِم مرجع العالَم كله، ورؤساء الدول في العالم لا يتَّخذون قراراً إلا بعد أن يسألوا أهلَ الخبرة، وأهل الخبرة وأهل العلم يضعون الخيارات أمامهم، فكل إنسان يريد أن يأخذ قراراً صحيحاً، وأن يقف موقفاً صحيحاً, عليه أن يسأل أهل الخبرة، وربُّنا عز وجل قال: إذا كانت القضية متعلِّقة بالدين:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾

[ سورة الأنبياء ]

والقضية إن كانت متعلِّقة بالآخرة، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾

[ سورة الفرقان ]

أنت أمام عالِميْن: عالم دنيوي وعالم أخروي.

في شأن معرفة الله, والإقبال عليه, والوصول إليه, وبلوغ محبَّته, عليك أن تسأل به خبيراً، قال تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) وفي شؤون الدنيا, عليك أن تسأل أهل الذكر الذين يعلمون، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) العلمُ قوةٌ، قوة كبيرة، ماذا يسمُّون هذا العصرَ؟ عصر المعلوماتية؛ أي كثافة المعلومات, شيءٌ لا يُصدَّق، وأيُّ حركة صحيحة تحتاج إلى معلومات صحيحة، وأيُّ قرار صحيح يحتاج إلى معلومات صحيحة، وأيُّ موقف قويٍّ يحتاج إلى معلومات صحيحة، فالعلمُ قوةٌ، والمالُ قوةٌ, المال قوام الحياة، واللهُ عز وجل جعل المالَ قوام الحياة، واللهُ عز وجل جعله نعمةً، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8)﴾

[ سورة الضحى ]

أنا كنت ذكرتُ سابقا: أن هناك فقر الكسل وهو مذموم، وفقر القدر وهو فيه معذور، وعندنا فقر الإنفاق الممدوحُ، الذي ينفق مالَه ليلا ونهارا قد يفتقر، هذا الفقر الممدوح.

(( عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ, وَوَافَقَ ذَلِكَ مني مَالًا, فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ, إِنْ سَبَقْتُهُ, قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ, وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ, فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي ]

فقر الكسل مذموم، وفقر القدر معذور، وفقر الإنفاق محمود، فالمالُ قوة, والعلمُ قوة، و أن تكون في منصبٍ حسَّاس تنفع المسلمين، مدير مستشفى، مدير جامعة، مدير مثلا تربية، الأمور كلها بيدك، تصدر القرار الصحيح, الذي يعود خيرُه على المسلمين أيضا, هذا شيءٌ محمود.

 الحديث الثاني. 

(( عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا, وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا, وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قال: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأغنياء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا, يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ, وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ, يُقَرِّبُكِ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أخرجه الترمذي ]

وقبل قليل حديث: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ, فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ, لكَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ, فَإِنَّ لَوْ: تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) ثم: ((عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا, وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا, وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قال: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأغنياء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا, يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ, وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ, يُقَرِّبُكِ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أي إذا أحبَّ الإنسان أن يقلِّل من شأن إنسان, يقول لك: درويش، مسكين, ليس بيده شيءٌ، هذا مفهوم الجميع، فكيف نوفِّق أن النبيَّ تمنى أن يكون مسكيناً، وأن يُحشر مع المساكين، وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ, فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ, لكَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ, فَإِنَّ لَوْ: تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) هكذا فهمُ النصوص، أي إذا كانت القوةُ سبيلُها معصية الله مرحبًا بالضعف، إذا لم يوجد إلا سبيل واحد للقوة, أن أدفع ديني ثمنًا لها، لا واللهِ، ديني أغلى، أبقى ضعيفا، ولا أضحِّي بديني, إذا كان سبيلُ الغنى كسبَ المال الحرام، لا واللهِ، أبقى فقيرا مسكينا، ولا أضحِّي بديني، والنبيُّ علَّمنا إذا بإمكانك أن تكون قويًّا، وأنت في منهج الله، وأنت تطيع اللهَ عز وجل، فالقوة جيِّدة، وبإمكانك أن تكون غنيًّا من طريق مشروع، فالغنى جيِّد، وبإمكانك أن تكون عالما، لكن في طريق صحيح، فالعلمُ ضروري، أما إذا كان طريقُ القوة أن تبيع دينك، أن تكون منافقا، إذا كان طريقُ المال أن تكون آكلاً للمال الحرام، واللهِ أنعِمْ بالفقر، وأنعِم بالضعف، هنا المعنى، أيْ مسكين حينما تجد طريقَ القوة, طريقَ المعصية، طريق التضحية بدينك، الآلاف من الأشخاص في سبيل دنياهم ضحُّوا بدينهم، فلعنهم اللهُ, ولعنتهم الملائكةُ, و لعنهم الناسُ أجمعين، طبعًا ذكرتُ هذا كتمهيد.

((عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا, وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا, وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قال: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأغنياء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا, يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ, وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ, يُقَرِّبُكِ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أي حينما يكون طريقُ القوة متلبِّسا بالمعصية, حينما يكون الغنى عن طريق المال الحرام، وحينما تكون القوةُ عن طريق بيع الدين، حينما يكون العلمُ عن طريق الولاء لغير المؤمنين ((عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا, وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا, وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قال: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأغنياء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا, يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ, وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ, يُقَرِّبُكِ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) هكذا توازن.

  

الفهم الصحيح للأحاديث.


أيها الإخوة؛ وأحيانا تجد في الأحاديث ما يشبه التناقضَ.

(( عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ, عن المقداد: أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ, فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ, فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ, وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا, وجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ, فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ, فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ ))

[ أخرجه مسلم ]

النبيُّ عليه الصلاة والسلام يذمُّ المدَّاحين ثم يقول: ((المؤمن إذا مُدِح, ربا الإيمان في قلبه)) أي: نما، كيف نجمع بين الحديثين؟ القضية بسيطةٌ، إذا مدحتَ إنساناً جاهلاً, يعتدُّ بنفسه, ويستعلي بمديحه، ويصدِّق أنه إنسان عظيم, فأنت أعنتَه على الكِبر، أما إذا مدحت مؤمناً, يرى فضلَ الله عليك, يزداد حبًّ لله عز وجل، ويزداد تواضعا, ويزداد عطاءً، إذا مؤمن فامدحْه، المديحُ يرفع معنوياته.

((  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا, كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَمَرَّ رجُل, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا, فَقَالَ لَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: فأَعْلِمْهُ, فَلَحِقَهُ, فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ, قَالَ: أَحَبَّكَ الله الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ ))

[ أخرجه أبو داود ]

إذا كنت تحبُّ أخًا أخلاقه عالية، وسمتُه حسنٌ، واستقامته جيِّدة، لِمَ تضنُّ عليه بكلمات الحبِّ؟ قل له: يا فلان, واللهِ إني لأحبك في الله، يقول لك: أحبك الذي أحببتني فيه، إذا كانت عندك مشاعر نبيلة فلا تُخفِها، أظهِرها، وإذا أظهرتها يشتدُّ الودُّ بين المؤمنين، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى مجتمع مؤمن, متماسك, قوي، قال تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[ سورة الأنفال ]

 

من خصائص الدعوة إلى الله الاتِّباع.


قبل هذا الدرس, كنتُ في لقاء, ذكرتُ: 

أنك إذا دعوتَ إلى الله مخلصا اتَّبعت.

أما إذا دعوتَ إلى ذاتك بدعوة مغلَّفة بالدعوة إلى الله ابتدعتَ. 

المخلص يتَّبع، وغير المخلص الذي يدعو إلى ذاته يبتدع.

من أجل أن تنفرد، ومن أجل أن تقول: ليس في الأرض مثلي, لا بدَّ من أن تبتدع، شيءٌ في الدين لم يرِد.

 فهناك دعوةٌ إلى الله خالصة, وهناك دعوة إلى الذات مغلَّفة بالدعوة إلى الله. 

فالدعوة إلى الله من خصائصها: 

الاتِّباع.

والدعوة إلى الذات من خصائصها: 

الابتداع. 

أن تأتيَ بشيء ليس من الدين.

الدعوة إلى الله من خصائصها: التعاونُ.

والدعوة إلى الذات من خصائصها: التنافسُ.

الدعوة إلى الله من خصائصها: الإنصافُ ، أن تثني على ما عند الآخرين بالفضل. 

والدعوة إلى الذات من خصائصها: الجحودُ ، أن تجحد ما عند الآخرين.

فهناك دعوتان: دعوة إلى الله خالصة, ودعوة إلى الذات مغلَّفة بالدعوة إلى الله.

إذًا: إذا مدحتَ المؤمنَ, ربا الإيمانُ في قلبه، رأى فضلَ الله عليك, قال تعالى:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء الآية: 113   ]

أما إذا مدحتَ المنافق, تاهَ بمديحك، واستعلى، ونسيَ اللهَ عز وجل، لذلك: المدَّاحون كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ, فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ)) أما إذا مدحت مؤمناً, رَبا الإيمان في قلبه، هذه أمثلة فيما يبدو أنه فيها تناقض بين الأحاديث.

  

من خصال الإسلام إفشاء السلام وإطعام الطعام...


موضوعنا اليوم: من كتاب رياض الصالحين, من كلام سيِّد المرسلين, عليه أتمُّ الصلاة والتسليم، والباب: 

كتاب السلام.

حدَّثني رجلٌ, عاش في فرنسا حقبةً من الزمن، قال لي: الشيءُ العجيب, أينما التقيتَ بأيِّ إنسان, يسلِّم عليك، قلتُ: واللهِ هذا ديننُا، ومع الأسف الشديد أن نقصِّر في تطبيق ديننا، ويأتي أهلُ الدنيا من خلال عقولهم, ومن خلال عاداتٍ وتقاليد, يطبِّقون ما في ديننا، وحينما ذهبتُ إلى أمريكا, الذي وجدتُه أن كلَّ شيءٍ إيجابي إسلامي، دون أن يشعروا، قادهم ذكاؤهم إلى أن يطبِّقوا تعاليم الدين، لا عن إيمان بالله أبدا، ولا عن إيمان بالآخرة أبدا، ولا عن حبٍّ للمسلمين أبدا، عظمة هذا الدين أنه موضوعي، ومعنى موضوعي: أن الملحِد لو طبَّقه, لقطف ثمارَه في الدنيا، لو طبَّقه الملحِدُ, لقطف كلَّ ثماره في الدنيا، لكن قال تعالى:

﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)﴾

[ سورة البقرة  ]

سببُ اختياري هذا الدرس: 

أن أحدَ إخواننا الكرام؛ قبل أن يصطلح مع الله, يعمل في المكان, وحوله زملاء كلُّهم شاردون عن الله عز وجل، في شرود، اصطلح مع الله، وذاق طعمَ القرب، وأقبل على الله، وتبدَّلت حياتُه رأساً على عقب، وغيَّر اتِّجاهه -كما يقال-: مئة وثمانين درجة، قال لي أحدهم، وأراد أن يبالغ: غيَّر اتِّجاهه ثلاثمائة وستين درجة، معنى ذلك: أنه ما فعل شيئا، أحياناً الإنسانُ يريد أن يبالغ, فيقع في التناقض.

قال لي شخص، وهو قارئ للقرآن، قال: إن إنساناً أراد أن يتقرَّب مني, فتمثَّل ببيت من الشَّعر، ولكن أخطأ في حركة واحدة، فعكسَ المعنى، قال:

أحبُّ الصالحين ولسـتَ منـهم      لعلي أن أنال بهم شفاعــــة

وأكره مَـن بضاعته المعاصي      ولو كنا سواءً في البضاعة

هي: أحب الصالحين ولستُ منهم, هذا كلام الإمام الشافعي، أحب الصالحين ولستُ منهم تواضعا، هو منهم واللهِ، لكن تواضعا.

فهذا الشاب, أراد أن يتقرَّب إلى قارئ القرآن, فقال: أحب الصالحين ولستَ منهم، رأيتم: كيف أنّ لغتَنا دقيقة؟ حركة واحدة, قلبت المعنى رأسا على عقب.

 رجل آخر, كان في وليمة, فأكل كثيرًا، وله تلاميذ، سيدي ثقلتَ، والنبيُّ قال:

(( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ, بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ, فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ؛ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ, وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ, وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ))

[ أخرجه الترمذي ]

فنظر إليهم وقال: كلٌّ منا أدرى بثلثه.

ورجل آخر, أراد أن يقلِّد الذين يتحدَّثون في العلم، كلُّ هؤلاء الناس صعدوا إلى القمر، قال في نفسه: غيِّرْ أنت، قال: يا بني صعدوا إلى الشمس، وهناك تلميذ فهيمٌ، فقال له: يا سيدي, الشمس لسان, لها طول مليون كيلومتر، فزوَّر له كلمة، وقال له: بالليل.

هذا الأخ كان مثل هؤلاء الناس، من حوله زملاء شاردون عن الله عز وجل، اهتدى إلى الله، واصطلح معه، وغيَّر اتِّجاهه الكلِّي، واللهُ عز وجل أكرمه بسعادة كبيرة جدًّا، من وفائه لأصدقائه, تمنى لهم الهدايةَ، هذا الصديق شارد جدًّا، وقد يكون علمانيا، وأتمنى أن أقول: بدل كلمة علماني, جهلاني، كلمة علم لا تليق بواحد يحارب الدينَ، نسميه: جهلانيا على الأصح، هذه مصطلحات كلُّها غلطٌ، مجتمع الفسق, والفجور, والزنا, والانحراف, والخمر يسمُّونه: مجتمع المخملة، وأنا أسمِّيه: مجتمع جنطيز, أبشع أنواع الأقمشة.

وعلى كلٍّ؛ هذا الأخ لما رأى أصدقاءه, يتمنى لهم الهداية إلى الجامع ليأتوا، ولا يقرؤون كتب الدين، ولا يسمعون شريطًا، لكن لو دعاهم إلى طعام نفيس يأتون، فاستخدم الولائمَ سبيلا إلى هدايتهم، دعاهم إلى الطعام، ودعا أخا كريما حدَّثهم عن ربِّهم، على جلستين ، وثلاث، وأربع، وخمس، وعشر، أصبح أكثرهم في هذا المسجد عن طريق إطعام الطعام.

 

حديث إطعام الطعام وإفشاء السلام...


أيها الإخوة؛ هذا الحديث حيَّرني طوال حياتي:

(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:  أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: تُطعِمُ الطعامَ ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف ))

[  أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ]

سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الإسلام, فقال: ((إطعام الطعام)) ليس إطعام الطعام هكذا بسذاجة، أن تبتغي من إطعام الطعام جلبَ الإنسان، وتقريبَه, وجمع الناس.

هناك أخٌ من إخواننا, واللهِ أخٌ كريم بسيط، يعمل في دمشق، ونُقِل عملُه إلى الكويت، وهو هنا ألِف الدروسَ؛ الجمعة, والسبت, والأحد, والاثنين، وأخوان طيِّبين طاهرين، وجوّ إيماني، وهناك اشتغل في فندق، أين الثرى من الثُّريا؟ وهو متحرِّق لهداية الناس، هو يعمل في مصبغة, بمستوى عالٍ جدًّا، فندق خمس نجوم، كيف يهدي ما حولَه من الموظَّفين؟ فاسمعوها مني من دون تعليق.

قال لي: أكلة الفول نادرة هناك، فأصنع لهم أكلة الفول بالدرجة الأولى، وتكلِّفني، ثم أدعوهم إلى عَشاء في البيت، ما يتخلَّف أحد، أسمعهم شريطا كلّ خميس، أو كل جمعة يدعوهم لعشاء، ويسمعهم الشريطَ، فصار إطعامُ الطعام هادفًا. 

وأحياناً: تصنع وليمةً تدعو الناسَ، بيتك يتكلم بالحق، وبيتُك يؤلِّف القلوبَ، وبيتك يجمع الناسَ، وبيتك ينوِّر قلوبهم، لعلَّ طريقَ العقل يبدأ من الفم، ولمَّا النبيُّ سئِل عن أفضل الإسلام؟ قال: ((إطعام الطعام)) كثير من الإخوة, يطبِّقون هذا الشيءَ، ما يقبل أخٌ أن يقعد بالجامع فرضًا, هو بعيد عن جوِّ الجامع، لا يقبل، أما ادعُه إلى بيتك لسهرة, يأتي على عشاء، ويأتي على ضيافة كريمة مثلا، وأنت تستغلُّ المناسبة، وتدعوه إلى الله عز وجل، فكلُّ الذي أنفقتَه هو في سبيل الله، كلُّ المال الذي أنفقته في سبيل تأليف قلبه, هو في سبيل الله، نسميها: دعوةً ذكية إلى الله عز وجل، وهناك دعوات ساذجة، وهناك دعوات ذكية، هناك تعبيرٌ نبوي, يقول عليه الصلاة والسلام: ((أبضِع تبِع)) نوِّع بضاعتك تبِع، كذلك الدعوة تحتاج إلى تنويع، هناك درس عام، وهناك درس خاص، وهناك سهرة، وهناك نزهة، ووليمة، الهدف واحد، الهدف جمعُ الناس، وتقريبهم إلى الله، وإشاعة الألفة بينهم، فهناك أعمال ذكية جدًّا؛ مظهرها وليمة، ومظهرها سهرة، ومظهرها نزهة، هي لا وليمة، ولا سهرة، ولا نزهة، هي دعوة إلى الله ذكية، وهناك دعوة ساذجة.

يقول لك: ليس لي وقت فارغ، يقول الحجَّاجُ، وقد مرَّ على صاحب دكَّان, يبيع قدورًا، رآه يصلي قاعدا، طلب منه قدرا في أعلى الدكان, أتى بالسُّلم وصعد، قال له: عفوا التالي، فنزل ورجع صاعدا للمرة الثانية، قال: ما انتبهت عليه، هذا الذي على اليمين، نزَّله عشر مرات، قال له: تصلِّي قاعدا، أما في البيع والشراء فنشيط جدًّا. 

الشخص أحيانا يقول لك: لست فارغاً لك، وأحياناً: تسمعه الحقَّ بشكل مركَّز ومباشر, يتثاءب أو ينام، اشتهيتُ أن أجد إنساناً واحداً, أن يكون له من الخمس مئات مثلي، ليس أحد مثلي أبدا، وأحيانا يعدُّ اثنتين مع بعضها، ليس مثلي أبداً. 

فأنا قصدي: أن هناك دعوة ذكية إلى الله عز وجل، ممكن أن تدعو الناسَ إلى وليمة، إلى طعام، وإلى نزهة، وأنت تنوي هدايتهم، وتنوي تعريفهم بالله، وتنوي بأن تأخذ بأيديهم إلى الله.

في الحقيقة: أخوة كثُر فعلوا هذا، وكان لفعلهم أثرٌ كبير، هذا معنى إطعام الطعام، إطعام الطعام بشكل هادئ، أن تتخذ من إطعام الطعام وسيلةً لهدايتهم، واللهُ عز وجل يعوِّض لك أضعافاً مضاعفة.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)) الدرس العام جيِّد جدًّا، ولكن يأتي أخٌ أحياناً لا يعرفه أحدٌ، ولا يعرف أحدًا، يغيب شهراً, لا يسأل عنه أحدٌ، ليس له علاقات مع الإخوة الكرام، وأحياناً: تجد شخصاً تدعوه إلى البيت، وتكرمه، وتضيِّفه، وتحدِّثه بحادثة، فصار بينكم ألفةٌ، لما يأتي إلى الدرس, في نيته أن يرى أخاه، وأنا حريص على أن تكون علاقات المسجد طيِّبة جدًّا، يكون لكم أخوان بالمسجد، والإنسان يعيش مع أخوانه، وأحيانا تكون الإخوة إما على أساس جغرافي، وإما على أساس حِرفي، إما هناك قرابة، وإما هناك حرفة، وإما هناك جوار، إذا فقدَ الإنسان أخًا.

النبيُّ علَّمنا اللهم صلِّ عليه، أخوان تآخيا في الله اثنينِ اثنين، هذا الكلام ذكرته كثيراً جدًّا، أتمنى عليكم، وأتمنى واللهِ، وأشدِّد: أن تتخِّذ أخًا واحداً مبدئيًّا، أخا في الله حقيقي، تسأل عنه إذا غاب، ويسأل عنك إذا غبتَ، تتفقَّدهُ ويتفقَّدك، وتنصحه وينصحك، تزوره ويزورك، تتَّصل به هاتفيا، ويتَّصل بك.

  

التعاون على البر والتقوى...


أيها الإخوة؛ مثلاً: بعض الإخوان على مشارف الزواج, وأنا ذكرتُ موضوعًا في درس سابق، ولكن الآن سأذكره بالتفصيل.

كنتُ مرة في مصر, فوجدتُ هناك تقليدا رائعا جدًّا، إنسان يريد أن يتزوَّج، أحدُ أصدقائه يتولى إدارة الهدايا، يسأل من كان على وشك الزواج ماذا تحتاج؟ القائمة طويلة، يحتاج إلى ثرية، وإلى برَّاد، ليس برَّاد شاي، ويحتاج إلى غسَّالة، ويحتاج إلى سجَّادة، يحتاج إلى مطبخ, وإلى الحاجات كلها، وأيُّ إنسان يقدِّم له هدية, يرجع إلى المسؤول عنه، يقول له: أرِني القائمةَ، أنا أجلب الثرية، هو نوى ألفي ليرة، وثمنها أربعة آلاف, أنا أدفع تمام الثرية، فلا تأتي الهديّةُ إلا في مكانها، عندك قائمة الحاجيات، طبعا بالمعقول، وكلُّ إنسان يريد أن يقدِّم هديةً.

أنا أتمنى أن تُطبَّق هنا في المسجد، أيُّ إنسان مقدم على زواج, تأتيه هدايا عشوائية, كلُّ واحدة بثمنها، أحيانا يأتي الواحد بثلاثين صينية، صينية واحدة، وما عنده ثريات، تأتي مثلا حاجاتٌ متكرِّرة، ثماني ساعات حائط، وليس عنده غسالة، قضية عشوائية، إذا أنت نويت تقديم هدية لأخيك، لماذا لا تمسكه؟ أي أخ تزوج, ما المانع أن كلَّ إنسان يعرفه, يهديه هديةً من دون استثناء؟ كلُّ إنسان يعرفه، هذه الهدية موضوع ديْن، وسوف يُؤدَّى هذا الديْنُ على التراخي، فإذا تزوج الإنسان, استلم هذا الموضوعَ أخٌ، فما أحد يقدِّم هديَّةً لهذا الأخ إلا عن طريق المسؤول عن الهدايا، ومعه قائمة تفصيلية، يحب ثلاثة أن يشتركوا في سجَّادة، خمسة في برَّاد مثلا، واحد قدَّم فرضًا أدوات المطبخ، أو خمسة قدَّموا، حيث إن كلَّ الهدايا تصُبُّ في حاجيات الإنسان الأساسية، هذا من باب:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة ]

فهذه دعوة ذكية إلى الله، أنك أنت تؤلِّف القلوبَ بإطعام الطعام.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا, وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))

[ أخرجه الترمذي ]

أن تقدِّم هديَّةً، وأخوك يردُّ لك بهدية ((أيُّ الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام, وتقرأ السلام على من عرفت, ومن لم تعرف)) أنا أتمنى كلَّما كانت علاقاتكم وشيجةً، ومحبَّتُكم وافرةً, أحبَّكم اللهُ عز وجل، واللهُ في عون العبد, ما كان العبدُ في عون أخيه.

يمكن أن تكون مشكلةُ الإنسان في عشرة آلاف، عشرة أشخاص، خمسة أشخاص, يحلُّون مشكلتها خلال ساعة، ممكن مشكلتُه في خمسين ألفًا، عشرة أشخاص يحلُّون مشكلتها، مستوى أعلى، أما هذا التعاون فهو عنوان الدين الصحيح، وأنت أمام أمرٍ إلهي، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) إذًا: 

معنى إطعامُ الطعام ليست قضية أن تدعوه, وكسرت له عينه، رأى بيتنا، ورأى ترتيباتنا، ورأى طبخَ زوجتي، وأكلا من الدرجة الأولى، أكلَ وهو خجِلٌ، هذا إطعام الطعام لوجه الشيطان، أما إطعام الطعام لوجه الرحمن, فأن تطعم أخاك لتقرِّبه منك، ولتؤلَّف قلبه، أكثر شيء المسافرون، المسافر إذا استقبلتَه، ورحَّبت به، وأطعمتَه، تترك أثرا عميقا جدًّا.

 

السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ...


أيها الإخوة؛ نحن ألِفنا عادات بالية, أن نسلِّم على من نعرف، أما النبيُّ فيقول: ((على من عرفت, ومن لم تعرف)) السلام عليكم، يقول لك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، والسلام: اسمُ اللهِ عز وجل، وهو السلام، فإذا سلَّمتَ على أخيك, ملأتَ قلبَه أمنًا وطمأنينةً.

(( عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ, وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ, أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ, وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ, وَإِجَابَةِ الدَّاعِي, وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ, وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ, وَرَدِّ السَّلَامِ, وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ, وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ, وَخَاتَمِ الذَّهَبِ, وَالْحَرِيرِ, وَالدِّيبَاجِ, وَالْقَسِّيِّ, وَالْإِسْتَبْرَقِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

معنى ذلك: أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام, كلُّ شيء يقرِّب الأخَ من أخيه أمرك به، و كلُّ شيء يبعِد الأخَ عن أخيه نهاك عنه، أنت لك علاقة مع الحقِّ, ومع الخلق, سنَّة النبيِّ كلُّ شيء يقرِّبك إلى الحق أمرك به، وكلّ شيء يبعدك عن الله نهاك عنه، وكلُّ شيء يقرِّبك من أخيك أمرك به، وكلُّ شيء يبعدك عن أخيك نهاك عنه ((وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ)) .

أيها الإخوة؛ لا يعلم أحدٌ إلا اللهُ: كم من الخير يكون في عيادة المريض؟ المريض موصول بالله عز وجل، عنده شفافية كبيرة جدًّا, يأتي الأخُ المؤمنُ فيعوده، ودعاءُ الأخ العائد للمريض لا يُردُّ، ذكرت هذا في دروس سابقة، دعاء الأخ المؤمن لأخيه؛ ما لم يكن مرض الموت بالشفاء لا يُردُّ، واتِّباعُ الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم، أي إذا أقسم الإنسانُ فينبغي أن تبرَّ قسَمه، لا أن تجعله يحنث.

وفي الحديث الصحيح: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ, إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ))

[ أخرجه مسلم ]

يعني: أن السلام معه الحبُّ، والحُبُّ معه استقامة.

والقاعدة الثابتة: ((أن أخويْن أقربُهما إلى الله, أشدُّهما حبًّا لصاحبه، ولا تنقطع هذه الصلةُ إلا بذنبٍ أصابه أحدُهما)) اِبحثْ عن أيِّ علاقة ضعُفت, أو عن أيّ علاقة فسدتْ, سببُها: أن الاثنين أو أن أحدَهما وقع في ذنبٍ.

أيها الإخوة الكرام؛ كلامي دقيق، ألف تصرُّف ذكيٍّ, وحكيم, وصادق, وحار, يشُدُّ أخاك إليك، وتصرُّف واحد أحمق يقطعه عنك، والمؤمن يصل ولا يقطع، يقرِّب ولا يبعِّد, يحبِّب ولا ينفِّر، قبل أن تخلف وعدَك معه فكِّر، وقبل أن توعدَه، هل بإمكانك أن تنفِّذ وعدك؟ من الناس من عنده الوعد سهلٌ، يعِد ويترك الناسَ يعيشون في أحلام تحقيق الوعد، ثم يخلف، فإذا أخلف الوعدَ, سقطت قيمةُ هذا الذي وعد, ولو كان ديِّناً.

أنا أعتقد أن كلَّ من انتكس عن الدين, بسبب معاملة سيِّئة تلقَّاها من أحد المؤمنين، فأنت سفيرُ هذا الدين، فقبل أن تمزَح مزحةً جارحة، وقبل أن تسخر، وقبل أن تعلِّق تعليقا سخيفا، وقبل أن تتطاول, فكِّر أن هذا الذي أمامك, إن قرَّبتَه إلى الله, كانت كلُّ أعماله في صحيفتك، وإن أبعدتَه عن الله, كانت كلُّ سيِّئاته في صحيفتك.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال, قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ, إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ))

[ أخرجه مسلم ]

أنا أتألَّم ألما شديدا, لما المسلمون يستعملون السلام الأجنبيِّ BYE, ما معنـى هــذه BYE؟ كلام لا معنى له، ولا تستحِ بإسلامك، وهناك كلمات أخرى يستخدمها غيرُ المسلمين من باب التفرنج، ومن باب التقعر، ومن باب تقليد الأجانب، أردتَ أن تقيم احتفالا لابنتك الصغيرة، وأن تدعوَ صديقاتها, فاجعَلْ عنوان الاحتفال عيدَ المولد، لا عيد ميلاد، كنْ إسلاميًّا, دعوة الأصدقاء ممكنة، وإطعام الطعام ممكن، ولكن ليس على أساس عيد ميلاد، على أساس عيد مولد.

(( وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: أول ما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ, انْجَفَل الناس إليه، فكنتُ فيمن جاءه، فلما تأمَّلْتُ وجهه واسْتَثْبَتُّه، عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجهِ كَذَّاب، قال: فكان أولَ ما سمعتُ من كلامِهِ, أن قال: يا أيُّها الناس، أفْشُوا السلام، وأطعموا الطعام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنةَ بسلام ))

[ أخرجه الترمذي ]

 

الخلاصة.


أيها الإخوة؛ بعد ذلك نحن صار عندنا فكرٌ مادي، كلمة البركة لا نعرفها، أو ربما لا نصدِّقها، أو ربما لا ندخلها في حساباتنا.

يقول لي شخص: صنعتُ طعاماً لوجه الله، أقسم بالله أكلناها اثني عشر يوماً بعد ما انتهت الدعوة، شيءٌ جميل، واللهُ عز وجل يطرح البركةَ في هذا الطعام، ضيَّفتَ، وألَّفت القلوبَ، وأحبَّك الناسُ، وأكلت بعدها اثني عشر يوماً.

مرَّةً دُعينا إلى عقد قران، وفي هذا العقد طعام العشاء، في مزرعة كبيرة جدًّا خارج دمشق، المدعوُّون ألف شخص، ورجل من إخواننا قال: واللهِ أنا حضرت دفعة من الطعام مليون ليرة، كلُّ مدعوٍّ ألف ليرة، أنواع منوَّعة من الطعام، أنا وجدت الطعامَ الذي أُكل لا يجاوز الخمسَ بالضبط، لكن أنا تريَّثتُ، ما حكمت، ثم سألت بعد أيام, ماذا حصل للطعام؟ فقيل لي: أُخذ الطعام، ووُضِع في علبٍ في البرَّادات، وأكله يُتمٌ قرابة عشرين يوماً، قيل لي: حبة أرزٍّ واحدة لم تذهب هدراً، من الذي دفع هذا الثمنَ؟ رجلٌ من أهل الغنى، دفع مليون ليرة مقابل ذلك لتزويج الشباب، أطعم الطعام، وألَّف القلوبَ، وأكل هذا الطعامَ أيتامٌ، ودفع مقابل ذلك مليون ليرة، ما عليه مأخذٌ، العبرةُ: أن إطعام الطعام يؤلِّف القلوب, ويجمع الشَّملَ، وقد يُستخدَم إطعام الطعام وسيلةً للدعوة إلى الله عز وجل، واللهُ ربُّ النوايا.

أحياناً: تأخذ إنساناً إلى النزهةِ، وفي نيَّتك أن تقرِّبه إلى الله.

والآن: كنتُ أقول دائماً الطرف الآخر غنيٌّ جدًّا أجانب وأقوياء، ويستخدمون أساليب ذكية في خطف أبنائنا وشبابنا، فالمسلم يجب أن يكون أذكى، وأن يستخدم وسائل ذكية وحضارية لجلب الصغار, وتحبيبهم للإسلام، والأطفال مستقبل الأمة، والذي أراه لا شيءَ في الحياة, ليس هناك من عملٍ, يعلو على تربية الأولاد, لأن الكبار بالسنِّ يمثِّلون الماضي، والكهولَ يمثَّلون الحاضرَ، أما الصغار فيمثِّلون المستقبل، وبقدر رعايتهم, وتحبيبهم الدين، أنا أتألَّم ألمًا لا حدود له, من إنسان نهرَ طفلا من المسجد، هذا السنُّ يشكِّل عُقَدا أحيانا، وأحيانا الطالبُ يكره اللغة العربيةَ، لأن أستاذ العربية قديما, ضربَه ضربا مبرِّحا، أو أهانه، قد يكره الإنسان الرياضيات، كلّ ذلك من أستاذ الرياضيات، وقد يكره الدينَ من أبٍ ظالمٍ، الأب ظالمٌ ديِّنٌ، يكره الدينَ، وقد يكره المساجد من تصرُّف أحمق في المسجد، دُفِع الطفل أو نُهِر.

مرة في طرابلس من يسمع دروس هذا المسجد في الإذاعة، أبٌ أراد أن يأتيَ بابنه إلينا في العطلة النصفية, كي يحضر دروس العلم هنا، وهنا أخٌ دفعه إلى الصفِّ الخلفي، واللهِ جاءني يبكي، جاء من طرابلس, حتى يحضر دروسَ العلم، ويصلِّي، دفعه إنسان إلى مكان آخرَ, فترك في نفسه أثرًا مؤلمًا جدًّا، فأنا أتمنَّى أن يكون الطفلُ محترمًا جدًّا, ومكرَّمًا جدًّا, لأنه إذا أحبَّ المسجدَ أحبَّ الإسلام، وأبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا، والقضيةُ الآن لا تحتمل حلاًّ وسطًا، قد نكون أو لا نكون، الطرفُ الثاني لا يرحمنا أبدًا، يتمنى أن يفسدنا، وأن يفسد أخلاقنا.

كلُّ شيءٍ في الأرض, يدعو إلى الفساد، أينما ذهبتَ, المرأة في شكل فاسد، وفي شكل متفلِّت مبتذل، الفساد مركَّز, العالَم كلُّه, ونحن نُحارَب من قِبَل أعدائنا الألِدَّاء, لإفساد علاقاتنا، ولإفساد الأسرة، ولإفساد التربية.

كنتُ أقول سابقا: قديما حدائق الحيوان فيها وحوشٌ في أقفاص، والزُّوارُ طلقَاء، الآن بالعكس، الوحوش طلقاء، فإذا ما دخل الزُّوارُ إلى غرفة مصحَّفة يُؤكَلون، ممكن أن يكون الطريق, سببَ فساد ابنك، أينما ذهب الابنُ فيه فساد، فإذا أنت حصَّنتَه بالعلم، وكان معك في المسجد، وأحبَّ هذا الدينَ، وليس ثمة شعورٌ, يغمُر قلبَ الأب, كأن يرى ابنَه صالحا، هذه قرَّةُ عين، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

[ سورة الفرقان ]

أردتُ من هذا الدرس: أن أبيِّن أنَّ إطعام الطعام, ليس من أجل إطعام الطعام فقط، إطعامُ الطعام من أجل الدعوة إلى الله، ومن أجل تأليف القلوب، ومن أجل تقريب البعيد، من أجل تمتين القريب، والطعام الذي يُطعَم يُنفَق في سبيل الله، اللهُ عز وجل يعوَِّض عليك أضعافاً مضاعفةً.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور