- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيّته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظر أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومَن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الإنفاق في سبيل الله :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الإنفاق في سبيل الله بالمعنى الواسع أن تنفق مما آتاك الله؛ أن تنفق من مالك ، وأن تنفق من وقتك ، وأن تنفق من خبرتك ، وأن تنفق من علمك ، وأن تنفق من جاهك ، فربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
فالله سبحانه وتعالى خالقنا ، ومربينا ، ومسيرنا ، يأمرنا بالإنفاق ، والأمر الإلهي يقتضي الوجوب ، لا تعرف معنى الأمر إلا إذا عرفت مَعنى الآمر ، مَن هو الآمر ؟ قد ينصاع الإنسان لإنسانٍ مثله إذا رجا خيره أو خاف بطشه ، فكيف لو عرفت أن الآمر هو الله سبحانه وتعالى ؟ أمرك كله بيده . .
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
إذا عرفت الآمر معرفةً صحيحة بادرت إلى تنفيذ أمره ، الله سبحانه وتعالى خالقنا ، ومربينا ، ومسيرنا ، ومَن إليه مصيرنا ، يأمرنا فيقول :
﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾
أمرٌ إلهي ، وفي آيةٍ أخرى يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
بعض العلماء عقَّب على هذه الآية فقال : أي إن لم تنفقوا في سبيل الله ، عندئذٍ تلقون بأيديكم إلى التهلكة . تهلكون أنفسكم لأنكم تذهبون إلى الله وليس لكم عمل صالحٌ ترقون به ، ترجعون إلى الله يوم القيامة وليس لكم عملٌ تسعدون به ، ليس لكم عملٌ يصلح للعرض على الله ، إذاً :
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
من إعجاز القرآن الكريم أن آياته تفهم على وجوهٍ شتّى ، إما أن الله سبحانه وتعالى يريد من هذه الآية أي لا تنفق كل مالك فتلقي بيديك إلى التهلكة ، أو لا تمتنع عن الإنفاق فتلقي بيديك إلى التهلكة . .
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
وفي آيةٍ ثالثة يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم﴾
و . .
﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾
و . .
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
لن تنالوا البر ، طريق البر الإنفاق ، كما قلت قبل قليل : أن تنفق المال ، وأن تنفق العلم ، وأن تنفق الخبرة ، وأن تنفق الوقت ، وأن تنفق الجاه ، وأن تنفق كل شيءٍ حباك الله به .
الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالإنفاق ويدعونا إليه :
ويقول الله سبحانه وتعالى :
﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾
المؤمن يُدعى للإنفاق ؛ إما أن يستجيب وإما أن يبخل .
والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾
وله أجرٌ كريم . كأن الله سبحانه وتعالى حينما يدعونا إلى أن ننفق في سبيله يعد هذا الإنفاق قرضاً له ، وسوف يردُّ هذا القرض أضعافاً مضاعفة . فما موقفك أيها الأخ الكريم إذا كان خالق السموات والأرض يدعوك أن تقرضه قرضاً حسناً ليضاعفه لك أضعافاً كثيرة ؟
وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
هذا الذي تجمعه ، وهذا الذي تخزِّنه ، وهذا الذي تمتنع عن إنفاقه ليس لك في النهاية . .
﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض﴾
إذاً الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالإنفاق ، ويدعونا إليه ، والله خالقنا ، ومربينا ، ومسيرنا ، لكن الإنفاق الذي ليس فيه إخلاصٌ ليس مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى . .
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
إذا أتبعت الذي أنفقته المَنَّ والأذى بطل ثواب إنفاقك ، لا تمتنَّ على الذي أعطيته ربما هو الذي يمتنَّ عليك ، الذي قبل منك ، وأعطاك فرصةً كي تتقرَّب إلى الله سبحانه وتعالى.
ما يضاعف أجر الإنفاق :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ جزاء الإنفاق في الدنيا والآخرة ، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾
لو أن عندك صندوقاً حديدياً ووضعت فيه مبلغاً من المال ، إلى أين ذهب هذا المال ؟ هو لك ، لكن الصندوق الذي تضع فيه هذا المال يحافظ عليه من دون أن يزداد المال، لكنك إذا أودعت عند الله مالك فإنه يضاعفه لك أضعافاً كثيرة ، يأتي المؤمن يوم القيامة ليجد لقمةً أنفقها في سبيل الله كجبل أُحُد ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مما يضاعف أجر الإنفاق أن يكون الإنفاق في الضَرَّاء ، ومما يضاعف أجر الإنفاق أن يكون الإنفاق سراً ، ومما يضاعف أجر الإنفاق أن يكون في ساعة العسرة ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْح﴾
في ساعات العسرة ، في ساعات الشدة ، هذا الذي ينفق ماله له عند الله أجرٌ كبير، و . .
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾
في الرخاء والشدة ، في إقبال الدنيا وإدبارها . .
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَة﴾
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))
أية نفقةٍ ينفقها الإنسان في سبيل الله يخلفها الله عليه أضعافاً كثيرة :
ولكن قد يسأل سائل : لماذا يمتنع بعض الناس عن الإنفاق ؟ الجواب واضح : إنهم يمتنعون عن الإنفاق لأنهم يعتقدون أنهم إذا أنفقوا من مالهم فإن مالهم سوف ينقص ، ولكنهم لو آمنوا بالله عزَّ وجل حق الإيمان ، وآمنوا بكتابه ، وعرفوا أن الله سبحانه وتعالى صادقٌ في كلامه ، وأنه . .
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّه﴾
لو قرؤوا هذه الآيات الثلاث ، وعرفوا أن هذه الآيات قطعية الثبوت ، قطعية الدلالة ، وأنها كلام رب العالمين ، وأن الله سبحانه وتعالى ليس جهة في الكون أصدق من الله سبحانه وتعالى ، يقول الله عزَّ وجل :
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾
شيء نكرة ، لو أنفقت من وقتك لبارك الله لك في وقتك ، لو أنفقت من جاهك لرفع الله لك جاهك ، لو أنفقت من علمك لزادك علماً ، لو أنفقت من مالك لزادك مالاً..
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء﴾
شيء ، جاءت نكرة ، والنكرة هنا تعني الشمول ، و من تعني استغراق كل شيء ، أي أية نفقةٍ صغرت أو كبرت ، جلَّت أو عظمت ، في السرَّاء أو في الضرَّاء ، في الضيق أو في اليسر ، في إقبال الدنيا أو في إدبارها ، مادية أو معنوية . .
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾
هذه الآية لو عرفنا أنها كلام رب العالمين ، وأن الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم كلامه قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة .
آيةٌ ثانية :
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
يوفَّ إليكم . .
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾
في آياتٍ ثلاثة من آيات القرآن الكريم ، هذه الآيات تؤكِّد تأكيداً قاطعاً لا مجال للظن فيه أن أية نفقةٍ تنفقها في سبيل الله لابدَّ من أن يخلفها عليك أضعافاً كثيرة ، فهذا الذي يمتنع عن الإنفاق في سبيل الله إما أنه لم يقرأ القرآن ، وإما أنه لا يعرف الواحد الديَّان ، هذه أو تلك ، إما أنه لم يقرأ ، وإما أنه لا يعرف الله سبحانه وتعالى .
معرفة الله تعالى كل من ينفق في سبيله :
شيءٌ آخر : أنت إذا أنفقت في سبيل الله لا تحتاج أن تُعْلِم الله بذلك ، لا تحتاج أن ترفع له كتاباً بذلك ، لا تحتاج أن تبرز له الإيصال ، لا تحتاج أن تعلمه بذلك ، الله سبحانه وتعالى في أربع آياتٍ من قرآنه الكريم يؤكِّد لنا أن أية نفقةٍ تنفقها في سبيله يعلمها . .
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
التعامل مع الله سهلٌ جداً ، إن أية نفقةٍ تنفقها ؛ علمتها أو لم تعلمها ، سجلتها أو لم تسجلها ، أعلمت الله بها أم كتمتها ، أنفقتها علانيةً أو سراً ، أنفقتها أمام الناس أو وحدك ، أنفقتها في الليل أو في النهار ، في ضوءٍ كاشف أو في ظلمةٍ دامسة إن الله يعلمها ، وكفاك فخراً أن يعلم الله ما تنفق ، فكيف إذا قرأت آياتٍ في كتاب الله يبيِّن الله فيها أنه هو الذي يأخذ منك الصدقة ، هو نفسه . .
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾
يا داود مرضت فلم تعدني ، قال : كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟! قال : مرض عبدي فلان فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟! استطعمتك فلم تطعمني، قال : كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟! قال أما علمت أن عبدي فلانٌ قد استطعمك وأنك لو استطعمته لوجدتني عنده . . وهكذا " .
والله سبحانه وتعالى يَعُدُّ هذه الصدقة - كما قلت قبل قليل - قرضاً له ، هو الذي يأخذها ، وهو الذي يثيب عليها .
أهداف الإنفاق :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ربنا سبحانه وتعالى في آيات القرآن الكريم يبيِّن لنا أهداف الإنفاق ، يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
تطهرهم ، الله سبحانه وتعالى هكذا يقول : إذا أنفقت من مالك طهر الله قلبك ، كيف ؟ إذا أنفقت أقبلت ، وإذا أقبلت جاء نور الله فطهر كل الأدران ، ومحا كل السيئات ، وأزال كل العيوب ، ومحا كل النقائص ، إذاً أنت بالزكاة تزكو ، وبالإنفاق تطهر . .
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل﴾
إذاً الله سبحانه وتعالى يكافئ في الدنيا قبل الآخرة ، وهناك المؤمنون الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله . .
﴿وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِم﴾
أي الإنسان له مكانة عند الله ، قد تكون هذه المكانة مهزوزة ، قد تكون هذه المكانة ليست مكينة ، إنفاق المال يثبِّت مكانتك عند الله ، أحياناً الإنسان يحتل مكانة ثابتة عند إنسان ، فإذا أنفقت من مالك تحتل عند الله مكانةً ثابتة لا تزعزعها الأهوال .
((إن الله راضٍ عن عثمان ، اللهمَّ إني راضٍ عن عثمان فارضَ عنه))
متى ؟ يوم أنفق من ماله وجهَّز جيش العسرة .
((ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم ))
((اللهمَّ إني راضٍ عن عثمان فارضَ عنه ))
ماذا فعل عثمان ؟ أنفق من ماله ، فالذي ينفق ماله يثبِّت نفسه عند الله سبحانه وتعالى .
إنفاق المال على الزوجة والأولاد سبب قوامة الرجل :
ولا تنسوا أيها الأخوة أن إنفاق المال على الزوجة وعلى الأولاد سبب قوامة الرجل..
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم﴾
ربما كان إنفاق المال سبب قوامة الرجل على زوجته ، فإذا امتنع عن إنفاق المال ، أو بخل ، أو سمح لها أن تنفق عليه هي ، ضعفت مكانته ، وفقد قوامته ، فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
((ليس منا من وسَّع الله عليه ثم قتَّر على عياله ))
أيها الأخوة المؤمنون ؛ من أمثل حالات الإنفاق أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾
﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾
الاعتدال في الإنفاق ، لا إسراف ولا تقتير .
حصر إنفاق الزكاة في ثمانية أبواب :
وأما زكاة المال فلها وجوه حصرية ، الله سبحانه وتعالى حصر إنفاق الزكاة في ثمانية أبواب لا يجوز أن تتعدَّاها ، لكن صدقة النفل لها وجوهٌ أخرى ، أي مشروعٍ ، أو أي عملٍ، أو أي بناء مسجدٍ ، أو أي عملٍ طيِّبٍ مُغَطَّى من قِبَل صدقة النفل ، أما الزكاة فيجب أن تذهب إلى آدميٍ على وجه التمليك ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾
إذا اجتمع الفقراء والمساكين افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، إذا قلنا : فقراء أي فقراء ومساكين ، وإذا قلنا : مساكين أي فقراء ومساكين ، أما إذا قلنا : فقراء ومساكين ، فالفقراء هم الذين لا يجدون حاجتهم ، أما المساكين فهم الذي لا يملكون شيئاً ، ليس الفقير مَن ترده اللقمة واللقمتان إنما الفقير الذي لا يجد حاجته .
شيءٌ آخر :
﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾
هؤلاء الذين يقومون بأعمالٍ من قِبَل الأمير ، ويضيعون من أجل هذه الأعمال كل أوقاتهم ، كيف يعيشون ؟ لابدَّ من أن يأخذوا جزءاً من أموال الزكاة التي هم يعملون على جبايتها وتوزيعها .
شيءٌ آخر :
﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم﴾
هم الذين يرجى بالإنفاق عليهم أن يسلموا ، أو يؤمنوا . وقد عطَّل بعض المجتهدين هذا السهم لأن الله سبحانه وتعالى نصر الإسلام وأعزَّه ، كان هذا قبل أن يقوى الإسلام .
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾
بعتق الرقبة . .
﴿وَالْغَارِمِينَ﴾
أصحاب الديون . .
﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
في تجهيز الجيوش لإعلاء كلمة الله . هذا إنفاقٌ في سبيل الله وهناك إنفاقٌ في سبيل الشيطان . .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُون﴾
﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ﴾
أي نار . .
﴿أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً﴾
الإنفاق في سبيل الشيطان :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الإنفاق في سبيل الشيطان من لوازم الكفار ، ينفقون المال بَطَراً ، ينفقون المال رئاء الناس ، ينفقون المال ليعظموا في عين الناس ، يمنعونه مَن يستحقه ويعطونه مَن لا يستحقه ، هذه صفات أهل الكفر والضلال .
من الأسباب التي تبطل ثواب الإنفاق قوله تعالى :
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
المقيم على معاصي الله ، المقيم على المعصية يتوهم أنه إذا أنفق المال نجا من عذاب الله ، لا ، إن الله يريد استقامتك قبل أن يريد مالك ، إن الله يريد قلبك قبل أن يريد مالك ، هذا الذي يتوهَّم أنه بإنفاقه في سبيل الله وإقامته على المعاصي ، هذه بتلك ، هذه المعادلة ليست عند الله صحيحة ، لن يتعادل هذا بهذا . . " إن لكل حسنةٍ ثواباً وإن لكل سيئةٍ عقاباً" . .
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
هذا الذي ينفق وهو كاره خوفاً من الفضيحة ، خوفاً من أن يقال عنه بخيل ، بلا إخلاص ، بلا توجه إلى الله عزَّ وجل ، هذا مما يمنع ثواب الإنفاق . أيضاً إذا أنفقت شيئاً خبيثاً لا تحبه ، أكلةً لا تحبها ، أنفقتها ، قال تعالى :
﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾
نهى العلماء عن أن تعطي طعاماً تعافُه نفسك ، إذا كان هذا الطعام تعافه نفسك فلا أجر فيه إطلاقاً ، يجب أن تعطي من أطيب ما كسبت ، يجب أن تعطي الطعام الطيب . . المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيباً ولا يطعم إلا طيباً .
المسارعة إلى الإنفاق :
والله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نسارع بالإنفاق ، لأن الإنسان لا يدري متى أجله ، قال تعالى :
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
درهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ؛ غناك قبل فقرك ، صحتك قبل سقمك ، حياتك قبل موتك ، فراغك قبل شغلك ))
الكنز هو أي مالٍ لا تؤدَّى زكاته :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ أما الذين يمتنعون عن الإنفاق في سبيل الله فإليكم ما أعدَّ الله لهم . .
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾
أي مالٍ لا تؤدَّى زكاته فهو كنز قلَّ أو كثر ، وأي مالٍ تؤدى زكاته ليس بكنز قل أو كثر . .
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾
أحياناً يحتجُّ الإنسان حينما لا ينفق بأنه ليس مكلفاً بالخلق ، الخلق لهم رب هو الذي يتكفَّلهم ، هذه دعوى المنافقين ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
هذه دعوى أهل النفاق والفجور .
﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾
ماذا عليهم ؟!! وكأن الله سبحانه وتعالى يحضُّهم على الإنفاق في سبيل الله .
بل إن من علامات الإيمان الصادق أن يحزن الإنسان إذا لم يُتَح له أن ينفق . .
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾
من علامة الإيمان الحزن الشديد إذا لم يتمكن المؤمن من أن ينفق المال في سبيل الله .
الصدقة تمنع البلاء وتزيد في الرزق وتسترضي الرب :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ النبي عليه الصلاة والسلام كان جواداً ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ القرآن ، ولكنه كان يقرأه في رمضان أكثر من أي وقتٍ آخر ، فَسِمَتان من سمات الصيام الجود وكثرة قراءة القرآن .
فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ أنفقوا من أموالكم ، هذا كلام الله ، هذا كلام خالق السموات والأرض، هذا الكلام يقيني ، هذا الكلام من أعلى درجة من درجات المصداقية ، هذا الكلام إذا طبَّقته لمست نتائجه ، أية نفقةٍ تنفقها الله يعلم ، وأية نفقةٍ تنفقها الله يخلفها ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، وبادروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطَّاها ، ويقول النبي الكريم :
(( استنزلوا الرزق بالصدقة ))
فالصدقة تمنع البلاء ، وتقي مصارع السوء ، وتزيد في الرزق ، وتسترضي الرب .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطّانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
القمح :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ تنفيذاً لقوله تعالى :
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾
ويأتي في رأس قائمة الطعام ، القمح ، هذا المحصول الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ينبت في كل الفصول ، وفي كل المرتفعات ، في السهول ، وفي الجبال ، وفي البوادي ، وفي الأغوار ، وفي المناطق الحارة ، والمناطق الباردة ، جعله الله سبحانه وتعالى ينمو في كل الظروف لأنه غذاءٌ أساسي .
يقول العلماء عن هذه القمحة : إن لها غلافاً خارجياً لا يزيد وزنه إلى وزنها عن تسعةٍ في المئة ، غلاف خارجي . وهو ما يسميه العوام : النخالة ، وهناك طبقةٌ رقيقةٌ ، تحت الغلاف الخارجي ، لا يزيد وزنها إلى وزن القمحة عن ثلاثةٍ بالمئة ، وهناك الرُشيم جنين القمحة، الذي ينبت إذا جاءته الرطوبة ، والهواء ، والشمس ، لا يزيد وزن هذا الجنين عن أربعةٍ بالمئة ، وبعدها يأتي لبُّ القمح ، وهو مادةٌ من النشاء .
الذي يلفت النظر أن الرشيم يعدُّ أغنى أجزاء القمحة بالفيتامينات ، يليه في الأهمية قشر القمح ، أي النخالة ، ففي هذا القشر ، فيتامين ب 1 ، وفيتامين ب 2 ، وفيتامين ب 3 ، وفيتامين ب ، وفي هذه القشرة فوسفور ، وهو غذاءٌ للدماغ والأعصاب ، وفي هذه القشرة حديد ، يهب الدم القوة ، والحيوية ، والأوكسجين ، وفي هذه القشرة الكالسيوم ، والكالسيوم مادةٌ أساسية لبناء العظام ، وقوة الأسنان ، وفي هذه القشرة السيليكون ، وهو الذي يقوِّي الشعر ، ويزيده قوةً ولمعاناً ، وفي هذه القشرة اليود ، وهو الذي يعدِّل عمل الغدة الدرقية ، ويضفي على آكله السكينة والهدوء ، وفي هذه القشرة البوتاسيوم ، والصوديوم ، والمغنزيوم ، وهذه كلها تدخل في تكوين الأنسجة ، وفي بنية العصارات الهاضمة ، هذه المواد موجودة كلها في قشر القمح الذي ننزعه ونطعمه للدواب ، وهذه من مفارقات الحياة ، إن هذا الخبز الأبيض اللذيذ ليس هو إلا غراءٌ جيدٌ للمعدة .
تقدم في المطاعم في بعض الدول ، مع الوجبات هذه القشور محمَّصةً ، مدعَّمةً بالسكر ، كي يأكلها الإنسان ، فيعوِّض ما فاته من الخبز الأبيض النقي ، كلُّ هذه المعادن ، وكل هذه الفيتامينات موجودةٌ في قشر القمح ، ولذلك كان أجدادنا يأكلون القمح مع قشره ، ولو أن له منظراً أسمر اللون ، خشن القِوام ، لكن فيه فائدةً لا تقدَّر بثمن ، إن معظم الأمراض التي يعاني منها أهل العصر هي بسبب خطأٍ كبيرٍ في التغذية . وحينما خلق الله سبحانه وتعالى القمح ، خلقه غذاءً مثالياً كاملاً ؛ فيتامين ، فوسفور ، حديد ، كالسيوم ، سيليكون ، يود ، بوتاسيوم ، صوديوم ، مغنزيوم ، كل هذه في القشرة . إذا غُليت هذه القشور بالماء الساخن ، كانت مهدئةً للسعال ، والزكام ، وإذا شرب هذا المغلي ، كانت قابضاً للأمعاء ، وإذا شربت أيضاً كان دواءً لتقرحات المعدة ، وللزحار ، وإذا شرب كان غذاءً للجلد ، ووقايةً له من أمراض الجلد ، وفي رأسها الأكزيما .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ كلُّ هذا الخير من قشر القمح ، لذلك هناك مَن يشتري قشر القمح ، وينظفه ، ويأكله مع الخبز ، ليتلافى النقص الحاصل في الخبز الأبيض الخالي من قشر القمح ، هذه بعض الحقائق التي هي في العالم الآن من المسلمات .
فلذلك جزءٌ من الدين أن يعرف الإنسان ماذا يأكل ؟ وكيف ينبغي أن يأكل ؟ لأن صحتك ليست ملكك وحدك ، إنها ملك أسرتك أولاً ، وملك مجتمعك ، وملك المؤمنين جميعاً ، بل ملك المسلمين ، وإن رأس مالك في الدنيا هذه الصحة ، إنك بالصحَّة تعبد الله ، وبالصحة تدعو إلى الله ، وبالصحة تحقق وجودك على الأرض وتؤدي رسالتك .
فلذلك يجب أن يعلم الإنسان أن أكثر أمراض العصر إنما هي أخطاءٌ فاحشة من سوء التغذية ، أو من تغيير التصميم الإلهي للغذاء الذي صممه الله لنا .
الدعاء :
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا .
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا. اللهم استر عيوبنا ، واغفر ذنوبنا ، واقبل توبتنا ، وفكَّ أسرنا ، وأحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ارزقنا حجاً مبرورا ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفورا . اللهم اكتب الصحة والسلامة للحجاج والمسافرين ، والمقيمين والمرابطين ، في برّك و بحرك من أمة محمدٍ أجمعين. اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .