وضع داكن
25-04-2024
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 1996 - الدرس : 47 - اسم الله المجيب .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 مع الاسم السابع والأربعين من أسماء الله الحُسنى ؛ والاسم هو المجيب، وفي اللغة: الإجابة والاستِجابة بِمعنى واحد، قال تعالى:

﴿أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾

(سورة الأحقاف)

 فالاستجابة والإجابة بِمعنىً واحد، إلا أن الإجابة فِعلها رباعي، والاستجابة فِعلها سداسي ؛ أجاب، أو استجاب. و كلمة مُجيب كاِسم من أسماء الله الحُسنى لها معنيان:
 - المعنى الأول: الإجابة.
 - المعنى الثاني: أن يُعطي الله السائل مطلوبه.
 فإذا سألت إنساناً، يُجيبك، وإن سألته حاجةً، يُعطيك. فإما أن تكون الإجابة بيانيَّةً، وإما أن تكون الإجابة عطاءً ؛ إجابة بيانيةٌ، وإجابةُ عطاء، معنيان من معاني الاستجابة التي وردت كاِسم من أسماء الله الحُسنى.
 والمجيب في حق الله تعالى: هو الذي يُقابِل مسألة السائلين بالإسعاف، فأنت في العلاقات الاجتِماعية، لو سألت إنساناً يستمع ويرى ويتمتَّع بِأخلاقٍ عالية لو سألته شيئاً لا بد أن ترى استِجابةً ؛ أو اعتِذاراً أو ترحيباً أو وَعداً أو بياناً: فالاستجابة صفة من صِفات الإنسان لكنها اسم من أسماء الله الحُسنى قال تعالى:

 

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ﴾

 

(سورة البقرة)

 لا أُبالِغ إن قلت: إن أكثر ما يحتاجه الإنسان في الدين هو الدعاء، حينما يدعو ربه، يعلم أنه سميعٌ، وحينما يدعو ربه يعلم أنه بصير، وحينما يدعو ربه يعلم أنه قدير، و حينما يدعو ربه يعلم أنه رحيم، وحينما يدعو ربه يعلم أنه عفوّ، فبالدعاء يتوجّه الداعي إلى معانٍ كثيرة، فأنت حينما تسأل، تسأل غَنِياً، وحينما تسأل، تسأل قوياً. وحينما تسأل، تسأل رحيماً، وتسأل مُحِباً. فلو أن هناك شخصاً لا يحبّك لا تسأله، لو أنه ضعيف لا تسأله، ولو أنه فقير لا تسأله، لو أنه عدو لا تسأله، ولو أنه حاقد لا تسأله ؛ إذاً من تسأل ؟ تسأل من يسمع، تسأل من يحبك، تسأل من يقدر على إجابة طلبك تسأل من يستجيب لك تسأل من يُبْصر حالك، من يعلم ومن يسمع، وبِمُجرّد دعائك لله يعني أنك تعرِفه، والإنسان له إحساس عام، فَأَحياناً يمشي في طريق يسأل عن شخص، فَتَجِده يسأل البقال إذْ يقول هذا الذي يسكن هنا لا بد من أن يتردد على هذا البقال. فأنت لا تسأل إنساناً عابرًا في الطريق، وإنما تسأل بقالاً، مثلاً فرَاقِب نفسك حينما تسأل ؛ تجد أنك تسأل من يعلم، ومن يبصر ومن يسمع، والذي يقتَدِر، والغني، والرحيم، المحب، العفوّ.
 فَلِذلك المجيب: اسم من أسماء الله الحُسنى. وزوال الكون أهون على الله من أن تدْعُوَه فلا يستجيب لك ويستجيب لك بِشَكلٍ أو آخر، إما أن يُطمئنك، وإما أن يعطيك، وإما أن يُلْقي في رَوْعِك أن هذه الحاجة لا تناسِبك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

((عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))

 

(رواه الترمذي)

 والمجيب في حق الله تعالى: هو الذي يُقابِل مسألة السائلين بالإسعاف، مثل أضربه لكم كثيراً وأردّدهُ، لو أنك في زمن الشتاء، وترتدي ثياباً سميكةً ومُحكمةً، وتحمل بِيَدك اليمنى حاجةً ويسألك الطفل الصغير كم الساعة ؟ أنت مضطرّ أن تضع حاجتك على الأرض لِتَرى الوقت وتجيبه، فهذا طِفل صغير يسألك فَتَشعر بِالواجب أن تُجِيبه، وأنت إنسان في قلبك ذرة من الرحمة لا تعدل شيئاً بالنسبة لرحمة الله ولا تستطيع إلا أن تجيبه ؛هو طفلٌ وقد يسألك ترَفاً أو عائبًا، وعن غير حاجة، كان فيك أيها الإنسان ولو ذرة كمال فلا تستطيع إلا أن تجيب، فكيف بِخالق الأكوان وبالواحد الديان ؟
 لذلك المجيب في حق الله تعالى: هو الذي يُقابِل مسألة السائلين بالإسعاف، ويقابل دعاء الداعين بِالإجابة، ويُقابل ضرورة المضطرين بِالكِفاية.
 بل إن معنى المجيب يُنْعِم قبل النِّداء - وهذا معنى جديد من معاني المجيب الأب الرحيم المقتدر والغني إن رأى ابنه بِحاجة إلى مِعطف في أيام البرد، هل ينتظر الأب أن يسأله ابنه شِراء هذا المِعطف ؟ يشتريه له ويُقَدّمه له قبل أن يسأله، فَمِن معاني المجيب أنه يُنعِم قبل النداء، ويتفضل قبل الدعاء، ولكن لماذا أحياناً يتأخّر العطاء إلى ما بعد الدعاء ؟ هنا نقطة دقيقة الدلالة جداً مفادها أن الله تعالى يحب أن تدعُوَه، وأن تلجأ إليه، وأن تتصل به، وأن تناجِيَه، وأن تُمَرِّغ وجهك في أعتابِه، ويحب أن يُسْعِدك بالاتصال به ؛ فَيَجْعل حاجتك وسيلة لِهدف هو الاتصال والتعبّد. وهذه نقطة مهمة جداً، قد يُحوِجك إلى شيء، وقد يخيفك من شيء، وقد يلوح لك شبح مصيبة من أجل أن تسأله، وتفزع إليه، وتتصل به، وتلوذ بِحِماه، ومن أجل أن تُصلي وتدعوه، ومن أجل أن ترجوه ؛ لأنك بهذا الدعاء، وذاك الاتصال، وهذا الرجاء تسعد، وإجابة السائل هي الوسيلة.
 إنّ التضرّعُ في الدعاء هو الهدف، فأحياناً تمسك بِيَدك حاجةً يحِبها ابنك الصغير وتلوّج بها، والقصد من هذا أن يأتِي إليك، فَإتْيانه إليك هو الهدف، والحاجة هي الوسيلة، فإذا فهِمت على الله قصده في إسعادك رأيت المصائب وسائل والاتصال بالله هو الهدف، فالله خلقك لِيُسعِدك، وهو تعالى يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم، والدليل: خلقنا وخلق ما نحتاج إليه، هل تعلم مكوِّنات الحليب ؟ فهي تتوافق توافقاً تاماً مع حاجة الإنسان ! وهل تعلم مكونات الحِنطة تتوافق توافقاً تاماً مع حاجة الإنسان ؟ وهل تعلم جوّ الأرض الطبيعي فهو يتوافق توافقاً تاماً مع حاجة الخلق ؟ وهل تعلم أن حجم الأرض الذي يقتضي لك وزناً في الأرض، فهو يتوافق توافقاً تاماً مع أنسب حالة تعيشها ؟ فلو وجدت الأرض مَلأى بِكل ما تحتاجه ؛ فأنت تحتاج إلى معادن تنصهر بِدرجة معيَّنة كالرصاص مئة درجة، وتحتاج إلى معدن يتمدد عند التبريد من أجل أن تعامل الحديد مع الحجر، وتحتاج إلى معدن خفيف ومتين من أجل أن تصنع منه بعض الأواني والأدوات، وتحتاج إلى معدن ثمين يكون قِيَماً للأشياء، وتحتاج إلى معدن كثيف كالحديد ومتين، فلو درست حاجات البشر كلهم لعرفت أن الله علمها ووفَّرها لهم قبل أن يخلقهم، وأنت بِحاجة إلى أزهار تبعث فيك البهجة فَخَلَق لك أنواعاً منها لا يعلمها إلا الله، وبِحاجة إلى مادة تُرمِّم جِسمك، خلق لك اللحوم والحيوانات التي ذلَّلها لك ؛ فهذا كله قبل أن تسأله، فكِّر بِظاهرة النبات فأنت بِحاجة إلى أن تنظِّف أسنانك، خلق لك الخلة والسواك. وبِحاجة إلى أن تنظف جِسمك، فخلق لك اللِّيف الطبيعي. وبِحاجة إلى ظلٍ ظليل، فخلق لك أشجار الزينة. وبِحاجة إلى نبات يكون حداً بينك وبين جارك، فخلق لك النبات الحدودي. وبِحاجة إلى الفواكه كي تتنعَّم بها خلق لك الفواكه بأنواعها التي لا تُعد ولا تُحصى. وبِحاجة إلى أولاد يُؤنسون وحشتك فشرع لك نِظام الزواج. وبِحاجة إلى زوجة تكمِّل وجودك خلق الذكر والأنثى....
 فهذه كلها حاجات خلقها لك قبل أن تسأله إياها. أنت بِحاجة إلى ماء وإلى هطول أمطار، فخلق المسطحات المائية الواسعة أربعة أخماس الأرض بِحار، وخلق الشمس وجعلها قريبة بعيدة- فالمجال لا يتسع لذِكر كل شيء -ولو أمضيت حياتك كلها في تَعداد النِّعم التي خلِقت لك وأنت لا تعلم ! ومن قبل أن تخلق، لعرفت ما معنى أنّ الله يعلم ما تحتاج إليه قبل أن تسأله. هو مُجيب ومن معاني مُجيب أنه يجيبك قبل أن تسأله ! والشواهد حول هذا الموضوع تفوق الحصر ؛ الطفل الصغير يشرب الحليب من ثدي أمه، وحليب الأم ليس فيه حديد، وهو محتاج للحديد من أجل تكوين خُضاب الدم، إذاً أودع الله في طحال الوليد كمية حديد تكفيه سنتين إلى أن يأكل ! والوليد بِحاجة إلى رضعات تذيب الشحوم التي أودعها الله في جِهازه الهظمي ؛ فأول أربع وعشرين ساعة من عمر الطفل يأخذ من ثدي أمه مادة ليست حليباً، ولكن هي مادة مذيبة تذيب الشحوم التي في جِهازه الهضمي. أنت بِحاجة إلى دورة دم داخلية قبل أن تولد، الله جعل ثقب بوتال بين الأُذَيْنَين ؛ فالدورة الدموية داخلية. فحينما يولد الطفل الصغير يحتاج إلى هواء تأتي جلطة تُغلِق هذا الثقب فَتَنْتَقِل الدورة من دورة صغرى إلى دورة كبرى فَبِيَدِ من هذا ؟ أنت بِحاجة إلى قلب يدفع الدم وبِحاجة إلى أورِدة وشرايين مَرِنة ليندفع الدم فيها، فالله جلّ جلاله يجيب قبل أن تسأل، كل ما في الكون مصمّم ومسخّر للإنسان ؛ والدليل قوله تعالى:

 

﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

 

(سورة الجاثية)

 الكون كله مسخّر لك بدْءاً من الأرض وانتِهاءً بِالمجرات مسخر لهذا الإنسان الذي قَبِل حمْل الأمانة، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 فهو يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم. يخلق الأطعمة والأقوات، ويُيَسِّر الأدوات والآلات الموصِلة إلى جميع المهمات. فهذه البقرة بحاجة إلى حليبها فكيف تستفيد منها ؟ لا بد من أن تكون مذلّلة، وكيف تعلم أنها مذللة؟ تُصاب أحياناً بِمرض التوحّش فَتَقْتُل الإنسان مما يضطر صاحبها إلى قتْلِها لِيَمنع أذاها عن الناس. إذاً هي مذللة وينبغي أن تعلم أنها مذللة، خلق ثقب بوتال بين الأُذَينَين وينبغي أن تعلم أن هناك ثقب لأن هذا الثقب يُغلق، بِعشرة آلاف حالة يولد الطفل وثقبه مفتوح، وهذا المرض اسمه داء الزَّرَق والطفل عندها يموت بعد حين، لكن الله تعالى له حِكم، وله أحكام، له خلق، وله تربية ولم يخلق الخلق عبثًا.
 وقيل إن المجيب: هو الذي يقابل الدعاء بِالقبول، والسؤال بِالعطاء، تدعوه فَيَقْبَلُك تسْأله فَيُعْطيك، بدأْنا البحث ببيان أنّ اسم المجيب يعني شيئين: الإجابة عن دعاء، والعطاء عن سؤال. تدعو فَيُجيبك، وتسأل فَيُعْطِيك. ثم إن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المضطرين ؛ فهذا المضطر من له غير الله ؟ لا شك أن كل إنسان يمر بِحالات اضطرار شديدة ويكون فيها، على أحَرّ من الجمر ؛ يا رب يا الله قال تعالى:

 

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62)﴾

 

(سورة النمل)

 إنه المجيب فلا تَخيبُ لديه آمال الطالبين. قيل: هو الذي يجيب دعاء الداعين ويكشف ضرورة الطالبين، وحول هذه الكلمات آلاف وآلاف الوقائع والأحداث، بل إني متأكد أنه ما من واحد من خلقه، إذا كان صادِقاً مع ربه مؤمناً بِوُجوده وبِأسمائه الحُسنى وَوَحْدانِيَته، إلا وله تجرِبة مع الله. دَعَوْته فَأجابك، وسألته فَأَعْطاك. والإنسان حينما يُعاني من مشكلة، وحينما تحلّ به محنة، لو سألت العارفين بالله ما حكمتها ؟ هذه المحنة التي تحل بالإنسان المؤمن لا بد من أن تنقله نقْلةً نوْعِيَة على مِحورين ؛ مِحور معرفته، ومِحور محبّتِه. فكل مِحنة فيها نقلة على محور المحبة تزداد من خلالها حباً له، فعلى مِحور محبته تزداد حُباً له وعلى مِحور المعرفة تزداد معرفة. وهذه فيما أعتَقِد هي الحِكمة العظمى في سَوْق المصائب للناس، ولا سِيَّما للمؤمنين. أنت في درجة فإذا أراد ربك أن ينقلك نقلةً إليه، يرسِل إليك مشكِلة، تدعوه، وتسأله وتتوسّل إليه، وتلوذ به، وتستعيذ به، وتلجأ إليه، من أجل أن يجيبك فإذا أجابك تقول: لقد سمعني وهو يُحِبني وهاهو ذا قد أكرمني، ها هو قد استجاب لي.
 أيها القارىء الكريم، إنّ مِحنة وراءها نقلة نوعِية على مِحور معرِفته، وعلى مِحور محبَّتِه. فَوَراء كل مِحنة هناك معرِفة جديدة، ومحبة جديدة. والله عزّ وجل رب العالمين، يُقَلِّب حال عِباده من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، ومن منزلة إلى منزلة، ومن درجة إلى درجة، إلى أن يصِل به إلى أقصى ما يُمكن أن يصِل إليه ؛ ليس في الإمكان أبدع مما كان.
 الحقيقة: إن أسماء الله الحُسنى تتفاوت من حيث ذِكرها في كِتاب الله بين الكثرة والقِلّة. اسم المجيب ورد في كتاب الله كثيراً قال تعالى:

 

﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)﴾

 

(سورة هود)

 هو في السماء لكنك إذا دعوْته فهو معك قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) ﴾

 

(سورة الزخرف)

 أنت لا تنادي بعيداً، لا تنادي إلا قريباً، لا تنادي إلا من يسمعك، لا تنادي إلا من يقتدر على أن يُجيبك.

﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾

 وفي سورة الصافات:

 

﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)﴾

 

(سورة الصافات)

 أحياناً يضع ذو حاجة ثقته بِإنسان، يزوره ويعرض عليه حاجته، يخرج صِفر اليَدَيْن، وخالِيَ الوِفاض، يُخَيِّب ظنه، قد يعتذِر له بِأسلوب لطيف، أو بِأسلوبٍ قاسٍ على كلٍ ليس هناك بأس إلا أنه قد خاب ظني، وندِمت على تلك الزيارة. أما الله عز وجل يقول:

﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾

 نِعم الذي يجيب هو الله عز وجل، وقال تعالى:

 

﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)﴾

 

(سورة آل عمران)

 وفي سورة الأنبياء قال تعالى:

 

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) ﴾

 

(سورة الأنبياء)

 وكَتَعْلِيق سريع على هذه الآية فقد يتبادر لبعض الناس أن يقول: هؤلاء أنبِياء ؛ وبدوري أقول: فما داموا أنبِياء فهم من جِنس البشر وضرب الله الأمثال بهم لتعلم أن إجابتك كإجابتهم إذا توافر شرط السؤال:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾

 

(سورة الكهف)

 ولولا أنهم بشر، وتجري عليهم كل خصائص البشر، لما كانوا سادة البشر- لِماذا ذكر الله لنا قَصصهم ؟ لِسببٍ بسيط وهو الاقتِداء بهم، والسَّيْر على منهجهم، واقتِفاء أثرهم، وأن تجعلهم قُدوةً لك. قال تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾

 ما الذي يمنعك إذا مسّك الضر ؛ أن تصلي قِيام الليل، وأن تقول يا رب إني مسَّنِيَ الضر، وأنت أرحم الراحمين. أنت تخاطب مَنْ بِيَده ملكوت السماوات والأرض، وكل الجِهات التي في الأرض بيده ناصِيَتُها أجلْ، بِيَده، قال تعالى:

 

﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾

 

(سورة هود)

 قال تعالى:

 

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) ﴾

 

(سورة الأنبياء)

 فالله عز وجل هو وحده أهلٌ أن تسأله ؛ أجَلْ، أهلٌ أن تسأله، وأن تدعُوَه، وأن ترجُوَه، وأن تحطّ رِحالَكَ عِنده، وأن تُعَلِّق الآمال عليه، وأن تستجير به، وأن تلوذ به، وأن تستعيذ به، هو وحده الأهل. وحينما تضع الثقة في غيره -الله جل جلاله غيرةً عليك ومحبَّةً لك، يلقي في قلب الذي وضعت الثقة به أن يُخَيِّب ظنك تأديباً لك، وفي سورة النمل:

 

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62)﴾

 

(سورة النمل)

 وفي سورة الأنفال:

 

﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾

 

(سورة الأنفال)

 وفي سورة البقرة:

 

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ﴾

 

(سورة البقرة)

 أيها القراء الكِرام: قوله سبحانه فليستَجِبوا لي، ولِيُؤمنوا بي لعلهم يرشدون. فَيَجِب أن تؤمن به أوَّلاً بِوُجوده، وكماله، ووحْدانِيَتِه، وأن تؤمن بِأسمائه الحسنى وهذه الأبحاث من صُلْبِ العقيدة الصحيحة. ما من بحث أنت بِأمسّ الحاجة إليه مثل أن تعرف الله عز وجل، كي تُقْبِل عليه قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

 والحقيقة ورد في كتاب الله آيات كثيرة تزيد عن عشر آيات كلها تبدأ بكلمة يسألونك قال تعالى:

 

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

 

(سورة البقرة )

 قال تعالى:

 

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85)﴾

 

(سورة الإسراء)

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) ﴾

(سورة البقرة)

 يسألونك أكثر من عشر آيات وردَتْ بهذه الصيغة [يسألونك، قل ] ثم يأتي الجواب مبدوءً بكلمة قلْ، إلا هذه الآية الوحيدة قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

 قالوا: لأنه في الدعاء ليس بين العبد وربه حِجاب، وليس بين العبد وربه وسيط، وليس بين العبد وربه وسيلة، هو قريب سميع مجيب، ما عليك إلا أن تسأله. لكن من أجل أن تعرف ماذا تسأله ؛ عليك أن تؤمن به أولاً، وأن تستجيب له ثانِياً، حتى تُحسِن أن تسأله، وحتى يستجيب لك ثالِثاً. وقال: " ربكم ادعوني استجِب لكم " وبالمناسبة ما أمرك أن تدعُوَه إلا لِيَستجيب لك. يتوهَّم بعض الناس ويقولون دعَوْنا كثيراً ولم يستجب لنا، والمشكلة أنك ما دَعَوْتَه كما يريد، مثلاً قال تعالى:

 

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

 

(سورة البقرة)

 أحياناً تدعو الله عز وجل من دون تضرّع، وبِصَوْتٍ جهير هدفك أن تُسْمِع الناس، فأنت اِعْتَدَيْت على شرط التضرع، وشرط الخُفْيَة، واعتديت على خلقِه، أنّى يُستَجاب لك ؟ لذلك الذي يعتدي على خلق الله دُعاؤه لا يُسْتَجاب. والذي يأكل مال الحرام دُعاؤُه غير مُستجاب، الذي مطعمه حرام، ومَشربه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، أنّى يُستَجاب له ؟ أنا وأنا أبيّن هذه الشروط: أن يكون الدَّخْل حلالاً، وعدم الاعتِداء، وعدم الجهر بالدعاء قال تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

 وقال تعالى:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

 

(سورة غافر)

 هناك بالآية ما يلفِت النظر، الإنسان على حَسَبِ تصوّره، فالله سبحانه لم يقل: إن الذين يستكبرون عن دعائي، بل قال: عن عِبادتي ؛ فُهِم أن الدعاء هو العِبادة. والعِبادة كلها في الدعاء، بل إن الدعاء مخ العِبادة، وهو أفضل ما في العِبادة.
 وبعد فالاستِجابة في حق الله كما ترَوْن أيها القراء الكرام، وكذلك فالاستِجابة في القرآن وردت لِغير الله قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

 

(سورةغافر )

 أنت مؤمن دُعِيت إلى الله، فاسْتَجَبْت. وإلى عمَلٍ صالِحٍ، فاستَجَبْت. وإلى إقامة الصلاة، فَصَلّيت. وإلى دفْع الزكاة، فزَكَّيت. وإلى حج بيت الله، فَحَججت. وإلى مساعدة زيْدٍ أو عُبَيْدٍ، فَفَعلْت، الاستِجابة وردت في كتاب الله منسوبةً لِغير الله قال تعالى:

﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾

 وفي سورة الرعد قال تعالى:

 

﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)﴾

 

(سورة الشورى )

 أما أجمل آية متعلِّقة بالاستِجابة:

 

﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

 

(سورة الرعد)

 أنتم حينما تُدْعَون إلى طاعة الله، فإنما تُدْعَون إلى الحياة. والمؤمن قبل أن يعرف الله ميِّت قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

(سورة الأنفال)

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

 

(سورة فاطر)

 قيل:

 

ليس من مات فاستراح بِمَيتٍ  إنما الميِّت ميِّت الأحياء
***

 الميّت الحقيقي: هو الذي يتمتّع بأعلى درجات الصحة، لكن قلبه ميّت، لا يعي على خير، ولا يستجيب، لا يذكر الله، لا يعطي لله، ولا يمنع لله، ولا يحب لله، ولا يبغض لله، قال تعالى:

 

 

﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

 

(سورة الرعد)

 وليعلم كلّ مؤمن أنّ استِجابة الله بالعطاء، وإجابته للدعاء على أنواعٍ كثيرة ؛ أحياناً ربنا عز وجل لِحِكمةٍ يُريدها يُجيب العبد قبل أن يَدعُوَه، بِمعنى أنه يتفضل عليك لِتُقْبِل عليه، هو الذي بدأ، إذْ إن المرء يغفل ويلهو فإذا أتاه فضل من الله من غير سؤال، تجد الذي معدنه طيِّب حينما يغمره الله تعالى بِفضْلِه يستجيب، فهو
 إما أن تدعُوَه فَيُعْطِيَك، وإما أن يُعطِيَك لِتدْعُوَه. فقد يأتي الدعاء قبل العطاء، وقد يأتي العطاء قبل الدعاء. فإن كان الدعاء قبل العطاء، فالمُبادرة منك. وإن كان العطاء قبل الدعاء، فهذه حِكمة بالِغة أراد الله أن يمتَحِنك بها. فَتُطيعُه لِيُكْرِمك، وأحياناً يُكْرِمك لتُطيعَه. ربما ضيَّق عليهم الحال ابتِلاءً وامتِحاناً ورفْعاً لِدرَجاتِهم بِصَبْرِهم وشكرِهم في السراء والضراء. فهو تعالى يستجيب بعد الضيق أو يُكرِم قبل الدعاء.
 قال بعض العلماء: حتى إذا يئِسوا تداركهم بِجميل عوائده وآلائه، قال تعالى:

 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

 

(سورة النحل )

 أحد العارفين بالله نظم قصيدة بدأها: اشتدِّي أزمةُ تنْفَرِجي، والأمور إذا ضاقت، اتَّسعت. أحياناً تضيق قال:

 

نزلت فلما استَحكِمت حلقاتها  فُرِجت وكان يظنّها لا تُفْرَج
***

 البطولة ؛ أن تفهم على الله ؛ أن تفهم على الله حِكمته ؛ أن تفهم على الله كماله ؛ أن تفهم على الله رحمته. لكن الله يضمن للعبد إجابة الدعاء بِما يعلم أنه خير للعبد بِحَسَب عِلمه، لا بِحسَب علمك. في الوقت الذي يريده الله، لا في الوقت الذي يريده العبد. فأنت لا تعلم والله يعلم. وأنت لا تدري والله يدري، وأنت لا تعرف ما يناسبك والله يعلم المناسب. دَعَوْتُك له أمر مرغوب ؛ لكن لا ينبغي أن تحدد متى يستجيب لك ؛ فهذا سوء أدبٍ مع الله، يستجيب لك في الوقت المناسب، وبالقَدْر المناسب، وفي الطريقة المناسِبة، فما عليك إلا أن تدعُوَه وكفى.
 الآية الكريمة قوله تعالى:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

(سورة الأنفال)

 حدّثني أخ أنه كان مُسافراً من بلدٍ إلى بلد، يدرس في كلِّية الطِب وحجمه صغير نسبيًّا، ركِب في سيارةٍ عامة لِيَذهب إلى بلدِه فقال لي: جاء رجلان ضخما الجُثة فتح أحدهما باب السيارة، وحملني ووضعني على الأرض، وركِب هو وزميله مكاني. يقول هذا الأخ: تألَّمت ألَماً لا حدود له، وما تمنَّيت في حياتي أن أكون مُجْرِماً إلا تلك الساعة، إذْ أن هذا هو منتهى الإهانة والقسوة. ثمّ قال: وبعد ساعة ركِبت السيارة الثانية، وأنا في الطريق إلى بلدتي كانت هناك تلة صغيرة، فرأيتُ تلك السيارة قد تدهورت وكل الركاب ماتوا، ثمّ قال: في ثانية واحدة انقلب حِقدي إلى شكر قال تعالى:

﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾

 آن الأوان أن تستسلِم لله عز وجل، هذه الآية وحدها اِجعلْها شِعارك. وقد ورد أن شخصين سألا الله حاجةً، وكان الله يحب أحدهما ويكره الآخر. فأوحى الله إلى بعض ملائكته أن يقضِيَ حاجة البغيض مُسْرِعاً حتى يكُفّ عن الدعاء، لأن الله يبغض سماع صوته. وقال الله للمَلَك توقَّف عن حاجة فلان، لأني أحب أن أسمع صوته، قيل في مغزى هذه القصة: لو كشف الله الحجاب، لفرِح هذا وحزِن ذاك. فالذي استجاب الله له لا يحب أن يسمع صوته، والذي لم يستجِب له يحب أن يسمع صوته -هذه قِصة رمزِيَّة - فإذا دعَوْت الله في صلاتك وبعدها، صباح مساء، وأُخِّرتْ الاستجابة فمعنى ذلك أن الله يحب سماع صوتِك.
 ورد في بعض الأحاديث:

((إن الله عز وجل يحب أن يسمع صوت عبدِه اللهفان. فالدعاء هو مخ العبادة.))

 أما التطبيق العملي لِهذا الاسم ؛ فيا أيها العبد، ينبغي أن تعلم أن الله مجيب، وينبغي أن تعلم أن الله تعالى دعاك إلى طاعتِه، وأنت تدعوه لِيُرْضيك، هو دعاك إلى طاعتِه، وأنت تدعوه لِيُرْضيك. فإن أجبت دعاءه، أجاب دعاءك. أي كن لي كما أريد، أكن لك كما تريد. دعاك إلى طاعته، وأن تدعوه إلى حاجَتِك. استَجِب لِيَسْتَجِب. كن له كما يريد، لِيَكُن لك كما تريد. أنت تريد وأنا أريد ؛ فإذا سلَّمت لي فيما أريد، كفَيْتُك ما تريد. وإن لم تُسَلِّم لي فيما أريد، أتْعَبْتُك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، قال تعالى:

 

﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

 

(سورة الرعد)

 أجِب دعاء الله، وأجِب دعاء الناس أيضاً. دعاك أحد الخلْق، وضع أمله بك، وَوَضع ثِقَته فيك، كُنْ ممّن يتخلّق بِأخلاق الله، لولا التشهد - كما قال بعضهم يصِف النبي عليه الصلاة والسلام - ما قال لا قط إلا في تشهده - لولا التشهد كانت لاءَهُ نَعَمُ - ما قال: "لا" قطّ في حياته، فإذا وثِق أحدٌ فيك. ووضَع أمله فيك، وطمع فيك، تخلَّق بِأخلاق الله واسْتَجِب له. هذا هو تطبيق الاسم مع الناس.
 قال فإذا سألك أحدٌ فلا تزجُره فإن الله تعالى يقول:

 

﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾

 

(سورة يوسف)

 حظ المؤمن من هذا الاسم أيضاً ؛ أن يقضِيَ حوائِج الطالِبين، لِيَقْضِيَ الله حاجَتَه. والله في عَوْن العبد ما كان العبد في عَوْن أخيه. عِبادي إن أردتم رحمتي، فارحموا خلقي.
 الإمام أحمد يقول: " اللهم كما صُنْتَ وجهي عن السجود لِغَيرِك، فَصُن وجهي عن مسألة غَيْرِك "، أنا أدعو بعض الأدعية وأقول: اللهم صُن وجوهنا بِاليسار ولا تبذِلها بالإقتار، فَنَسْأل شرّ خلقِك، ونُبْتَلى بِحَمد من أعطى وذمّ من منع، وأنت من فوقهم وليّ العطاء، وبِيَدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
 الإمام الغزالي يقول: " إن العبد ينبغي أن يكون مجيباً لربِّه تبارك وتعالى أولا فيما أمره بِه ونهاه، وفيما ندبَهُ إليه ودعاه، ثم لِعِباده فيما أنعم الله عليه بِالاقتِدار، وفي إسعاد كل سائلٍ بِما يسأله، وفي لُطْفِ الجواب إن عَجَزَ عن الإجابة " فأنت اِسْتَجِب للناس ؛ دعاك، أجِبْهُ سألك، أَعْطِهِ. فإذا طُلِب منك شيء لا تستطيع تنفيده ماذا تفعل ؟ رُدّه رداً لطيفاً. قل له: والله أتمنى أن أخدمك وأُلَبِّيَ حاجَتَك، فالردّ اللطيف إجابة.
 النقطة الدقيقة أنك لا تستَعْظِم شيئاً تسأله الله، فالله عز وجل لا يُعْجِزُه شيء، فهل يمكنني أن أشترِيَ بَيْتاً ؟ وهل يمكن أن أصبِح داعية؟ وهل يمكنني أن أحصل على شهادةٍ عُلْيا؟ وهل يمكنني أن أصبِح في منصب رفيع ؟ كل هذا ممكن. ولا تستعظم السؤال إطلاقاً فالله على كل شيء قدير قال: إذا سألت فاسأل الله وإذا اِستَعَنت فاسْتَعِن بالله. وفي الحديث الشريف:

((إن الله يستحي أن يرد يدي عبده صِفْراً.))

 من أدعية هذا الاسم ؛ إلهي أنت المجيب لِمن دعاك، والمغيث لِمن ناداك تنصِف المظلوم من الظالم ؛ لأنك فوق الكل حاكِم. الهي إن نفسي ظلمت روحي، فَحَجَبَتْها عن الأنوار ومنعتْها من الأسرار، فانصُر الروح على النفس، بِفضلك وأسْعِدها في رِياض وصلِك. إلهي لا تردّ الدعاء فأنت المجيب، ولا تؤاخِذنا بِما فرَّطنا فَمَن دعاك فلا يخيب، واجعَل لنا نوراً مَوْروثاً من نور اسمك المجيب، فَنَسْتَجيب بِأمرِك ونقوم بِشُكرِك وذِكرِك إنك على كل شيء قدير.
 أعزائي القراء، أعتقِد أن هذا الاسم ولا أُبالِغ من أقْرَب الأسماء إلينا ؛ المجيب اِجعل عنده كل حاجاتك. حُطَّ حالَكَ عنده. اِلْزَمْه واسْألْه وتذلّل له ومَرِّغ جبهتَك في أعتابِه فهو السميع المجيب، فلا تنْسَوا أنّ المجيب اسم من أسماء الله الحُسنى وينبغي أن يكون مثلاً في قلبك دائماً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور