وضع داكن
19-05-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 19 - أدعية ما قبل النوم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الرحمة و العدل سبب التفاف الناس حول النبي صلى الله عليه و سلم :

 أيها الأخوة الكرام:
 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, أنه قال:

((ألا أُحَدثُكَ عني, وعن فاطمة ـ بِنْتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم, وكانت من أحَبِّ أهْلِهِ إليه, كانت فاطمة من أحب أهل النبي إليه ـ وكانت عندي؟ قلت: بَلَى. قال: إنها جَرَّت بالرَّحى حتى أَثَّرَتْ في يدها ـ الرحى الطاحون ـ، واستَقَتْ بِالقِربة حتى أَثَّرت في نَحرها، وكنَسَتِ البَيْتَ حتى اغْبرَّتْ ثِيابُها، فَأتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَدَمٌ ـ أتاه خدم ـ فقلتُ: لو أتيتِ أباكِ فسألتيهِ خادماً؟ فَأتتهُ فوَجَدَت عنده حُدَّاثاً، فرجعتْ ـ استحيت ـ، فأتاها من الغَدِ، فقال: ما كانت حاجتُكِ؟ ـ أي جاءت أباها؛ لتسأله خادماً, رأت عنده خداماً فاستحت, فرجعت ـ قال: ما كانت حاجتُكِ؟ فسكتت, فقلتُ: أنّا أُحَدِّثُكَ يا رسولَ الله: جَرت بالرَّحى حتى أَثَّرَتْ في يَدِها، وحَمَلَت بالقِربة حتى أَثَّرتْ في نَحرها، فلمَّا أن جاءَ الخَدمُ، أمرتُها أن تأْتِيَكَ، فتَستَخْدِمَكَ خادماً، يَقيها حَرَّ ما هي فيهِ، قال: اتَّقي الله يا فاطمةُ، وأَدِّي فريضةَ ربِّكِ، واعملي عَمَلَ أهلِكِ، وإذا أَخَذْتِ مَضجعكِ: فَسَبِّحي ثلاثاً وثلاثين، واحمَدي ثلاثاً وثلاثين، وكَبِّري أربعاً وثلاثين، فتلك مئة، فهي خَيرٌ لَكِ من خادم، قلتُ: رَضِيتُ عن الله وعن رسوله))

[أخرجه البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب]

 الحقيقة في هذه القصة ملمح عظيم جداً: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم زعيم هذه الأمة, ونبي هذه الأمة, وهو يقع في قمة هذا المجتمع الإسلامي, والأمر كله بيده, والأموال كلها بيده, وأي إنسان آخر يعطي ابنته عشرات الخدَّام.
 هذا الحديث: له روايات عديدة, من بعض رواياته:

((قال لها: والله يا فاطمة, لا أؤثرك على فقراء المسلمين))

 وهناك رواية أخرى:

((يا فاطمة! لا أؤثرك على أهل الصُّفَّة؛ إنهم يتضورون جوعاً, هم أولى بالمال منك))

 هناك عدة روايات.
 هل من الممكن إنسان يعد كل المجتمع الإسلامي أسرة واحدة, وأن هناك من يتلوى جوعاً, وأن فاطمة واحدة من هؤلاء, ولم يسمح لها بخادم, وفي الناس من هو جائع.
 لذلك: الإنسان عندما يتصور التفاف الناس حول رسول الله, ما سببه؟ الرحمة التي في قلبه لكل الخلق, التفاف الناس حول رسول الله, ما سببه؟ العدل الذي كان دينه: "يا من كانت الرحمة مهجتك, والعدل شريعتك, والحب فطرتك, والسُّمو حرفتك, ومشكلات الناس عبادتك".

 

قانون الالتفاف و الانفضاض :

 هناك قانون مستنبط من هذه الآية:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

 يوجد في هذه الآية إيجاز عجيب, أي بسبب رحمة ـ يا محمد ـ استقرت في قلبك لنت لهم, فلما لنت لهم أحبوك؛ معنى هذا اتصال، رحمة, لين، التفاف, بالمقابل:

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

 لو لم تكن متصلاً لما استقرت هذه الرحمة في قلبك؛ فكنت فظاً، غليظ القلب, فانفضوا من حولك.
 هذه الآية يتوهم الإنسان أنها للنبي؛ هذا قانون في أي مجتمع،الأب, الأم, المعلم, في أي منصب, في أي دور اجتماعي؛ اتصال، رحمة, مع الرحمة لين, مع اللين التفاف, أو انقطاع، قسوة, مع الانقطاع فظاظة, مع الفظاظة انفضاض.
 فالنبي عليه الصلاة والسلام بهذه المبادئ التي طبقها على نفسه التف الناس حوله.

 

من علامة نجاعة الإسلام أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً :

 الشيء الذي يلفت النظر أن الصحابة الكرام عاشوا في عصر لا توجد الوسائل التي نحن نعيشها, ومع ذلك الإسلام انتشر انتشاراً مذهلاً؛ دخل الناس في دين الله أفواجاً بهذه المبادئ التي جاء بها الإسلام, وحينما أصبح الإسلام عبادات شعائرية؛ صار الإسلام تقاليد, عادات, هناك مظاهر صارخة لكن لا يوجد حب, لا يوجد تطبيق, لا أحد يدخل في دين الله.
 لو فرضنا في بلد هناك المسلم, وغير المسلم؛ لو كان المسلم مسلماً حقيقياً لأسلم غير المسلم؛ أسلم تعظيماً لهذا الدين, لهذه القيم, أما عندما يقصر المسلم في علاقته مع الله عز وجل, ستكون علاقته بالناس سيئة؛ لو كان يصلي, وله مظاهر صارخة, هذا لا يدعو الناس إلى أن يسلموا.
 من علامة نجاعة الإسلام أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً, ومن علامة ضعف المسلمين أن يخرج الناس من دين الله أفواجاً.

كل يوم جزء من الإنسان فإذا انقضى اليوم انقضى بضع منه :

 طبعاً هذا الحديث يُضَمُّ له حديث آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:

((إذا أَتيتَ مَضْجعكَ))

 أردت أن تنام, والنوم موت, الإنسان عندما ينام فقد الاختيار, نفسه استردها الله عز وجل:

﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾

[سورة الزمر الآية:42]

 فالنوم وفاة صغرى, والموت وفاة كبرى:

((....إذا أَتيتَ مَضْجعكَ, فتوضَّأ وُضُوءك للصلاة، ثم اضْطَجِعْ على شِقِّك الأيْمن, وقل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضْتُ أمْري إليك، وألجَأْتُ ظَهْري إليك، رَغْبة ورَهْبة إليك، لا مَلْجأ، ولا مَنْجَا منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ، فإنكَ إنْ مُتَّ في ليلتك: مُتَّ على الفِطْرَةِ, واجْعَلْهُنَّ آخرَ ما تقول, قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك, قال: لا, ونبيك الذي أرسلت))

[البخاري عن البراء بن عازب]

 هكذا صححها له النبي عليه الصلاة والسلام.
 معنى ذلك أن الإنسان كل يوم قبل أن ينام عليه أن ينام على إيمان, وأن ينام على طهارة فلعله لا يستيقظ, وكل إنسان يتوقع نفسه دائماً بالمغادرة, يكون مهيئاً نفسه؛ لأن قضية المغادرة قضية خطيرة جداً, فالأبد مبني على الأيام المعدودة التي نحياها؛ أنت تعيش في أيام محدودة, وكل يوم جزء من الإنسان إذا انقضى اليوم انقضى بضع منه: "ما من يوم ينشق فجره, إلا وينادي: يا بن آدم! أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد؛ فتزود مني, فإني لا أعود إلى يوم القيامة" .
 مفهوم الزمن أن الإنسان بضعة أيام؛ وكلما انقضى يوم انقضى بضع منه, وأن حياته الأبدية مبنية على نوع استهلاكه للوقت.

 

من أطاع الله عز وجل عاش في سلام مع كل من حوله :

 هناك أعمال كثيرة جداً ليس لها مستقبل, إنسان بالَغ في ترفيه نفسه, هذا الرفاه ليس له مستقبل, لو مات فجأة لا ينتفع من كل هذا الرفاه الذي عاشه أبداً؛ لو بالغ بتحسين أنواع الطعام, لو بالغ بتحسين ثيابه, لو بالغ بتزيين حياته, كل هذه المبالغات لا تنفعه يوم القيامة شيئاً, أما لو أنه عمل عملاً ينفعه بعد الموت؛ فهذا هو الفالح.
 فأحد الأعمال التي يمكن أن تنتفع بها أن تنام على إيمان:

((.......أسْلَمْتُ نَفْسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضْتُ أمْري إليك، وألجَأْتُ ظَهْري إليك، رَغْبة ورَهْبة إليك، لا مَلْجأ، ولا مَنْجَا منك إلا إليك))

 و هذا الشيء يكون مع الله عز وجل؛ تتقي غضبه برضاه, وتفر منه إليه, وتفر من أسماء الجلال إلى أسماء الجمال, الله له أسماء جلال؛ الله منتقم, جبار:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية:12]

 والله عز وجل رحيم, ولطيف, فإذا فررت من أسماء جلاله إلى أسماء جماله, أي إذا أطعته انطبقت عليك أسماء جماله, فإن عصيته انطبقت عليك أسماء جلاله؛ هناك مصائب, وحوادث, وأمراض, و مشكلات, وقهر, و إذلال, هناك مصائب الإنسان قد لا يحتملها, أما حينما ينحرف انحرافاً شديداً, يُحمّل نفسه ما لا يطيق.
 لذلك: الله سلام، من أسمائه: السلام, أي حينما تطيعه تكون في سلام مع كل من حولك؛ أصبحت محسناً, ومنصفاً, ليس لك عدو؛ والعادل ليس له عدو, والمحسن ليس له عدو, أما حينما تبتعد عن منهجه, سوف يبنى على سلوكك عدوان, والعدوان فيه ضحية, والضحية يصبح عدواً.

 

جوهر الدين أن يتعامل الإنسان مع الله عز وجل بوضوح :

 أيها الأخوة: قضية الإنسان أن يتعامل مع الله بوضوح هذا جوهر الدين؛ أحياناً الإنسان حتى ضمن الحلقات الدينية ينشأ نوع من الشرك الخفي, ونوع من قوة الأشخاص, الأشخاص الذين يتعامل معهم قد يؤثرهم على طاعة الله عز وجل فيقع في الشرك وهو ضمن الحلقة الدينية: " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء, على الصخرة الصماء, في الليلة الظلماء, وأدناه أن تحب على جور, وأن تبغض على عدل".
 عندما تحب شخصاً عنده انحراف، تحبه لأنه أعطاك, لأنه أكرمك بشيء, وتكره إنساناً نصحك؛ كراهية إنسان نصحك, ومحبة إنسان انحرف لكنه أعطاك, هاتان الحالتان المخففتان؛ فالإنسان ينجو حينما يوحد, حينما لا يرى مع الله أحداً, حينما لا يفيق إلا بالله؛ لا يعتمد إلا عليه, لا يتجه إلا إليه.

 

القلب السليم رأسمال المؤمن و سبب نجاته :

 يقول عليه الصلاة والسلام في تتمة هذا الحديث:

((فإنك إن مت من ليلتك: مت على الفطرة, وإنْ أصبحتَ: أَصَبْتَ خيراً))

[أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب]

 أي لم يبق إلا شيء واحد؛ الإنسان يتابع نفسه, ويتعهد قلبه؛ لأنه:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾

[سورة الشعراء الآية:88]

﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[سورة الشعراء الآية:89]

 القلب السليم رأسمال المؤمن, والقلب السليم هو سبب النجاة, وأكبر شيء تقدمه لله عز وجل القلب الذي هو منظر الرب:

((عبدي طهرت منظر العبد سنين أفلا طهرت منظري ساعة؟))

[ورد في الأثر]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور