وضع داكن
29-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 32 - الشهوة - خيرة الأمة والدعوة البيانية والتأديب التربوي ـ خلق الإنسان المورثات
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ونستمر إن شاء الله في رحلتنا المديدة مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
في الحلقة الماضية توقفنا عند مسألة كنا قد أشبعنا منها هي مسألة الشهوة كمقوم من مقومات التكليف ، وقلنا : إن الإنسان الله عز وجل أعطاه من العقل ، أعطاه من الاختيار أعطاه ، لكن آثر الإنسان أن يتبع طريق الشهوة لعدم انضباطيتها ، وبجنوح الشهوة وبارتكاب المعاصي .
الله عز وجل تبنى في الكثير من الآيات الهدى المبسوط أمام الناس الله عز وجل ، قدم الهدى البياني للناس ، وأملأ هذه المساحة بكل البيانات أمام الإنسان ، ومع ذلك جاء الإنسان لينحرف ، وليتبع الشهوة ، هل من مرحلة أخرى لتربية القرآن في تربية الله عز وجل لتنبيه هذا العبد ، وللعودة به إلى الصراط ؟
الدكتور راتب :

تعقيب على مرحلة الدعوة البيانية : علّةُ خيرية الأمة :

هناك مرحلة أخرى ، ولكن لا بد من تعقيب على المرحلة الأولى ، الحقيقة أن الإنسان في المرحلة الأولى مرحلة الهدى البياني ينبغي أن يستجيب ، فإن لم يستجب ، أو فإن لم تستجب الأمة بأكملها خرجت من قوله تعالى : 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 110 )

هذه الخيرية مقيدة بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله ، لذلك العلماء قسموا أمة الله إلى أمتين ، أمة الاستجابة التي هي بفضل هذه الدعوة السماوية خير أمة أخرجت للناس ، والذين لم يستجيبوا سموا أمة التبليغ ، وليس لها آية ميزة إطلاقاً .
لذلك هؤلاء الذين ادعوا أنهم أبناء الله وأحباءه دعوة رد الله عليهم : 

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

( سورة المائدة الآية : 18 )

وإذا ادعى المسلمون أنهم خير أمة ، ولم يطبقوا منهج الله إطلاقاً ، ولم يعبئوا بهذا الوحي العظيم ، إذاً : أصبح الجواب لهم كالجواب الأول : قل فلم نعذب بذنوبنا ، بل نحن بشر ممن خلق الله عز وجل .
ودائماً وأبداً الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
الأستاذ علاء :
اسمح لي سيدي بالنسبة ،

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾

هل هذه الآية تخص المجتمع النبوي ، أم هذه مستمرة ؟
الدكتور راتب :

هل هذه الآية خاصة بالمجتمع النبوي أم عامة للمسلمين ؟

بل مستمرة ، لأن في الحديث :

(( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ))

[ رواه الترمذي عن أنس ]

(( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ))

[ ورد في الأثر ]

هذه الأمة اختارها الله لتكون أمة وسطا ، أي وسيطة بين الله وبين خلقه ، فإن أدت هذه المهمة كانت خير أمة ، وإن قصرت ، وتولى أقوام آخرون أن يؤدوا هذه المهمة كانوا خيراً منهم ، العلماء قالوا عنها : كنتم بمعنى أصبحتم ، يعني بهذه الرسالة السماوية التي خص بها العرب أصبح العرب خيرة أمة أخرجت للناس يشرط أن يستجيبوا ـ بالمقيدات ـ فإن لم يستجيبوا أصبحوا أمة كأية أمة شردت عن الله عز وجل ، وتعامل كأية أمة أخرى .
الآن إما أن نستجيب ، وإما أننا فقدنا خيريتنا ، فلا داعي أن يقول المسلم الذي لا يطبق منهج الله : نحن أمة عظيمة ، هذا كلام فارغ ، نحن أمة كأية أمة خلقها الله عز وجل ، أما إذا طبقنا منهج الله ، وحملنا هم الأمم والشعوب ، وسمح الله لنا أن نكون قادة للأمم ، بعد أن كنا رعاة للغنم ، يمكن أن نستعيد الآن دورنا ، بأن نلتفت إلى منهج ربنا ، وإلى هذين الوحيين الذين ارتقينا بهما ، لذلك سيدنا عمر قال :
<< الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله >> .

الموقف الكامل من مرحلة الدعوة البيانية :

هذه المرحلة الموقف الكامل منها أن نستجيب لله عز وجل ، فإن لم نستجب فلا قيمة لهذه الميزة .
الآن :

﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

الحياة التي تليق بكم ، الحياة التي خلقتم لها ، حياة القلب حياة المبادئ ، حياة القيم ، حياة أداء الرسالة ، حياة أداء التكليف ، حياة أن يخرج الإنسان من ذاته لخدمة الآخرين ، حياة أن يكون بطلاً .
بالضبط كإنسان مريض معه التهاب معدة حاد ، زار طبيب من أشهر الأطباء ، قال له : هناك طريقان للشفاء ، إما أن تلتزم حمية قاسية ، وأنا أعدك أن هذه القرحة تشفى ، وإلا لا بد من عمل جراحي .
فالله عز وجل بدأ بالهدى البياني ، دعوة هادئة ، دعوة سليمة ، أنت صحيح معافى ، مرتاح ، دخلك يكفيك ، عندك زوجة وأولاد ، كل شيء عندك ، وأنت ما عندك ولا مشكلة ، لكن بحثت عن الحقيقة ووصلت إليها .
لذلك عندنا ملاحظة دقيقة : أن العبيد غير العباد ، العبيد جمع عبد ، والعباد جمع عبد ، لكن العبيد جمع عبد القهر ، بينما العباد جمع عبد الشكر .

فكل إنسان ولو كان أكفر كفار الأرض متعلق بقاءه بعناية الله به ، القلب يقف فجأة ، خثرة في الدماغ تسد بعض الشرايين ، يفقد الإنسان سمعه أو بصره ، أو ذاكرته ، أو حركته ، فالإنسان تحت رحمة الله ، والإنسان كل مكانته منوطة بشريان قلبه التاجي ، ميلي وربع ، الشريان الذي يغذي القلب ، وكل حركته ، ومكانته ، وهيمنته ، وقوته ، وفرعنته ، كما تكلمنا في الحلقة السابقة سببها سيولة دمه ، فإذا تجمد الدم فقد معظم حركته ، وكل مكانته نمو خلايا إذا نمت نمواً عشوائياً أصيب بالسرطان ، الإنسان ضعيف أمام الله عز وجل ، فالمقهور اسمه عبد القهر ، جمع عبد القهر عبيد .

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾

( سورة فصلت )

أما الذي عرف الله وهو معافى وسليم ، بمبادرة منه ، بإقبال منه ، بمحبة لربه هذا عبد الشكر ، جمعه عباد . 

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

( سورة الفرقان الآية : 63 )

الأستاذ علاء :
يعني هذا الذي استجاب للهدى البياني .
الدكتور راتب :
وأكمل موقف أن نستجيب للهدى البياني .

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

( سورة التوبة )

يقول الله عز وجل : 

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

( سورة النساء الآية : 77 )

إذاً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

ما استجاب .

من مراحل معالجة الله للعبد المخالف لشرعه :

المرحلة الثانية : التأديب التربوي :

يقول الله عز وجل :

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة السجدة )

لأن الإنسان حينما لا يستجيب لا بد من الشدة .

(( عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في السلاسل ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي أمامة أبو نعيم ، عن أبي هريرة ]

تأتيه الشدائد ، تأتيه المكاره ، يُضيق عليه ، يصاب بهم ، بحزن ، بقلق ، هذا كله دفع إلى الله عز وجل .
إذاًً : إما أن نأتيه طائعين بمبادرة منا ، بمحبة عالية جداً ، أو أن يسوقنا الله إلى بابه سوقاً ، ونحن إذا استجبنا أيضاً فائزون ، لكن الموقف الأول أكمل ، الصفوة يأتون إلى الله طواعية .

(( نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ : لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ ، لَمْ يَعْصِهِ))

[ ورد في الأثر ]

هؤلاء بأعلى مستوى : 

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾

( سورة الواقعة )

لكن الإنسان أحياناً يضعف ، فيخضعه الله لمعالجة قد تكون مؤلمة ، الدواء مر دائماً .
المرحلة الثانية مرحلة التأديب التربوي ،

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

الأستاذ علاء :
العذاب الأدنى هل هو المقصود هو عذاب الدنيا ؟
الدكتور راتب :

معنى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى

طبعاً المقصود عذاب الحياة الدنيا ، لأن الإنسان في الدنيا ، في الدنيا مرحلة دراسة ، مرحلة إعداد للآخرة ، فإذا قصر.
يقول لك طالب : أنا لا أؤذي أحدًا ، لكن لا تدرس ، هناك مقولة شائعة ، أنا لا أؤذي أحدًا ، طبعاً لا يلتزم بشيء من الدين ، وقد يكون عنده عقيدة سيئة جداً ، لكن يدعي أنه لا يؤذي أحداً ، هذا كلام غير مقبول ، الأب لا يقبل من ابنه ألا يؤذي إخوته ، وهو كسول ، لا بد من أن يسوق له بعض الشدائد ، كي تدفعه إلى طاعة الله عز وجل ، كي تدفعه إلى باب الله ، كي يذوق طعم القرب من الله .
الإنسان عدو ما يجهل ، إنسان ما أكل في حياته إلا الدبس ، فإذا أقسم أنه أطيب أكلة على الإطلاق فهو صادق ، لو أنه ذاق العسل يغير موقفه . 

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾

( سورة هود الآية : 88 )

الأمور واضحة جداً ، في الإيمان ميزة قد لا ننتبه إليها ، ما عندك مشكلة إيديولوجية .
هناك رجل أذكر قصته دائماً ، رئيس وزارة فرنسي انتحر ، مئة صحفي حاولوا أن يحللوا سبب انتحاره ، من أرقى عوائل باريس ، لم يرتكب أي مخالفة ، لا مالية ، ولا أخلاقية ، وانتحر ، إلا صحفي واحد كشف السر ، هو كان يعتقد أنه لا إله ، في السبعين رأى أنه أمضى حياته في عقيدة غير صحيحة ، احتقر نفسه ، وأنهى حياته بهذه الطريقة .
المؤمن قدم الله له تفسيرا عميقا ودقيقا ومتناسقا لحقيقة الكون ، والحياة والإنسان ، عنده جواب لكل سؤال ، عنده عقيدة منسقة عميقة دقيقة ، فما عنده مفاجئات ، بل المؤمن وقد قرأ القرآن الكريم ما عنده حدث لا يفسر ، كل ما يجري في الحياة له إشارة في القرآن الكريم .

الموقف الكامل من التأديب التربوي : التوبة :

إذاً هذه مرحلة أكمل موقف فيها التوبة ، أكمل موقف بالأولى الاستجابة ، الآن دخل أخضعه الله لمرحلة أقسى ، في تأديب تربوي ، في خوف ، في قلق ، في مرض أحياناً والآية الكريمة واضحة جداً : 

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

( سورة البقرة )

إذاً : هذه مرحلة ثانية أكمل شيء فيها التوبة ، لذلك في إشارة دقيقة بالقرآن الكريم بعد أن ذكر الله لنا قصة أصحاب الجنة الذين منعوا حق الفقير : 

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾

( سورة القلم )

يقول الله في نهاية القصة : 

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾

( سورة القلم الآية : 33 )

يا عبادي ، أي عذاب أسوقه لكم في الدنيا من هذا النوع ، عذاب تربية ، عذاب دفع إلى بابي ، عذاب دفع إلى التوبة ، عذاب دفع إلى أسباب السعادة والسلامة ،

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾

أستاذ علاء ، إذا حميت المكواة تمتحن حرارتها ، تضع شيئًا من اللعاب على أقل مساحة بالإصبع ، وتضع الإصبع بأقل زمن ، هذا المس .
نحن في الدنيا العذاب يمسنا مساً ، بهذه الطريقة ، أقل مساحة ، وأقصر وقت ، هذا المس ، وهو شيء لا يحتمل ، فكيف إذا كان الشيء كبيراً ؟!!!
أنا أذكر في بلد عربي حدث زلزال ، لي قريب هناك ، المرأة من شدة الخوف حملت ابنها الوحيد الوليد ، وانطلقت به إلى خارج البيت ، اكتشفت في الطريق أنه ليس وليدها ، بل حذاء زوجها . 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

( سورة الحج )

إذاً : في الدنيا العذاب يمسنا مساً ، تنبيهاً لنا ، تذكيراً ، بل إن الله عز وجل يقول : 

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾

( سورة القصص الآية : 47 )

﴿ لَقَالُوا ﴾

يوم القيامة : 

﴿ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

( سورة طه )

معنى ذلك المصائب رسالات من الله عز وجل ، ولولا أن هذه المصائب لم تكن لكان الله ملوماً يوم القيامة .

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾

﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

هذه المرحلة الثانية ، وفيها إطار : 

﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ﴾

( سورة البقرة الآية : 156 )

هؤلاء نجحوا ، إذاً المرحلة الثانية التأديب التربوي .

المرحلة الثالثة : الإكرام الاستدراجي :

أما الثالثة هي الإكرام الاستدراجي ، قال تعالى : 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾

( سورة الأعراف الآية : 95 )

الآن عندنا معالجة ثالثة ، هي سهلة ، لكنها خطيرة ، يعطينا الدنيا ، خذوا من الدنيا ما شئتم ، خذوا الأموال ، والأولاد ، والمكانة ، والشهوات ، واللذائذ ، إن لم نشكر فقد رسبنا في هذه المرحلة ، انزلقنا إلى الكفر ، أخطر شيء أن يمدك الله بكل شيء ، وأنت في معصية ، هذا أخطر شيء ، هذه الثالثة ، لا بالدعوة البيانية استجاب ، ولا بالتأديب التربوي تاب ، ليكن المعالجة الثالثة إكرام استدراجي .

الموقف الكامل من الإكرام الاستدراجي :

في هذه الحالة الإنسان عليه أن يشكر ، وأن يستحي من الله .

(( عبدي كبرت سنك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك فاستحي مني فأنا استحي منك ))

إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيــع
***

فالإكرام الاستدراجي خطير جداً ، هو خفيف على النفس ، لكن وراءه عقوبة كبيرة جداً .
فالإنسان إذا كان الله يمده بما يشتهي ، وهو على معصيته ، وهو يجاهر في معصيته ، فليرتقب قصماً من الله عز وجل ، هذه المرحلة الثالثة .

المرحلة الرابعة : القصم :

أما الرابعة : هي القصم ، قال تعالى : 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾

( سورة الأنعام الآية : 44 )

أستاذ علاء ـ دقق ـ : 

﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ ﴾

جمع : 

﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

( سورة الأنعام الآية : 44 )

أنا ما أظن أن آية في القرآن أكثر شمولًا من هذه الآية ، بلاد جميلة ، دخل فلكي ، انغماس بالمعاصي ، شذوذ ، تطاول ، غطرسة ، عدوان ، أبنية جميلة ، رفاه منقطع النظير .

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ﴾

في قمة نشوتهم ، وفي قمة غطرستهم ، وفي قمة استمتاعهم بالحياة :

﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

أكبر بطولة للإنسان أنْ يصل إلى القبر وهو طاهر ، أمامه الجنة ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، وأخطر إنسان الذي يمد بما يشتهي والله غاضب عليه ، الآية الكريمة
:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

الإنسان في قبضة الله بثانية يفقد حركته ، ولا يموت .
الأستاذ علاء :
لذلك هل نستطيع الرد على من يسأل من الذين تعثروا ، أنه يا أخي ، فلان يعصي الله ، وفلان أخذ يجاهر ، وفلان فعل فعلة فرعون ، والله أعطاه مالا ، والله أعطاه جاهًا ، والله أعطاه سلطانًا ، والله أعطاه كلمة ، كيف هذه تتسق مع عدل الله ؟ .

شبهة مردودة ، وطريق الاحتجاجِ بها مسدودة :

الدكتور راتب :أستاذ علاء ، بربك لو أن إنسانًا معه التهاب معدة حاد والطبيب أقام عليه الدنيا إذا أكل قطعة من الشيء الذي يؤذيه ، وأعطاه تعليمات مشددة ، شرب الحليب فقط ، وأكل التفاح ، وعناية فائقة ، وإنسان معه سرطان من الدرجة الخامسة ، فلما سأل طبيبه : ماذا أكل ؟ قال له : كل ما شئت ، أيهما أفضل ؟ أن نكون في العانية المشددة أفضل ألف مرة من أن نكون أعطينا كل شيء ، لأن أمرنا انتهى إلى لا شيء ، الآية دقيقة جداً :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

شعوب تقتل ، ثروات تنهب ، قهر ، ظلم ، وهم مرتاحون ، وبراءة الأطفال في أعينهم ، ويُقتَلون بدم بارد .

قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
***

لذلك أنا أقول : إذا كان الشعب المؤمن الطاهر المستقيم يعاني ما يعاني أفضل عند الله مليار مرة من شعب غارق في الانحراف .
بلدة في مدينة ضخمة في العالم الغربي 75 من سكانها شاذون جنسياً ، انحراف ، لا يعبؤون بشيء ، شهوتهم إلههم ، هؤلاء خارج العناية المشددة ، فإذا كنا نحن في عناية مشددة فالحمد لله ، لأن هناك شيء من الأمل ، أننا نلقى الله على شيء من الطاعة الله عز وجل .
الأستاذ علاء :
الآن سيدي الكريم ، هل لدينا وقت يا ترى ؟ لنتابع الفيلم :
الدكتور راتب :

خَلقُ الإنسان :

1 – المورِّثاتُ :

 الآن ترون على الشاشة نطفة الرجل التي اتحدت قبل قليل مع البويضة

 المعلومة الوراثية للنطفة والبويضة بعضها إلى جانب بعض ، هنا الآن ستتحقق واحدة من أكبر المعجزات على وجه الأرض ، حيث يتم اجتماع وانسجام معلومتين وراثيتين لتكوين إنسان جديد

  وتحقق اللقاء ربما يكون تصديق الأمر أمراً صعباً
 إلا أن داخل هذه الخلية جميع المعلومات العائدة للإنسان الذي لم يولد بعد ، عين الطفل الذي سيولد ، بشرته ، لون شعره ، شكل وجهه ، خصائصه الفيزيائية

 جميعها مشفرة هنا ، إلا أن الأمر ليس مقصوراً على مظهره الخارجي فقط ، بل حدد هيكله وأعضاءه الداخلية ، عروقه ، وحتى أشكال خلايا الدم ، التي تدور في عروقه ، وعددها ، إلى التفاصيل جميعها ، وخصائص الإنسان .
 في سن السابعة وحتى خصائصه في سن السبعين كل شيء وضح ، وكتب داخل هذه الخلايا .

 

انقسام الخلية :

 تقوم الخلية بعد التلقيح بمدة قصيرة بتصرف آخر محير جداً ، تنقسم وتكون خليتين حديثتين ، ثم تنقسم هذه الخلايا مرة أخرى ، وتصبح أربعة ، فقد بدأ الآن تكوّن إنسان جديد

 ولكن لماذا تتخذ الخلية قرار الانقسام هذا ، ولماذا تكلف نفسها عناء تكوين الإنسان

 هذه الأسئلة ترشدنا إلى عظمة الله تعالى بالعلم الكامل ، والقدرة اللامتناهية ، خالق الخلية والإنسان الموجود داخلها ، والعالم الذي يوجد فيه الإنسان ، والكون كله خالقهم من العدم هو الله جل جلاله .

تمايز الخلايا :

 في هذه اللحظة نشاهد رحلة الخلايا التي تنقسم ، وتتكاثر باستمرار داخل قناة فالوب

 أي البويضة الملقحة ، كتلة الخلايا هذه يطلق عليها منذ الآن البويضة الملقحة ، في أثناء انقسام الخلايا وتكاثرها داخل البويضة الملقحة تتحقق حادثة أخرى محيرة أيضاً ، تبدأ بعض الخلايا بالتمايز ، التمايز أكبر دليل على وجود الله عز وجل ، لو امتنع تمايز الجنين لأصبح قطعة عظم ، أو قطعة لحم

 تتمايز مجموعة خلايا عن الأخرى بشكل ملفت للنظر ، فالخلايا المتمايزة تحيط بها ، وبعد مدة قصيرة ستكون مجموعة الخلايا المركزية الجديدة التي هي الإنسان

 ثم تكون مجموعة خلايا أخرى بشكل مشيمة ، الطفل ، ثم المشيمة ، هناك أمر مخفي يعمل في هذه الخلايا ، تصل البويضة الملقحة بعد أربعة أيام من تلقيحها إلى المكان الذي جهز وخصص لأجلها ، الآن البويضة تمشي في قناة فالوب ، كي تنتهي رحلتها إلى الرحم

 لكن المشكلة أن هذه الخلية الملحقة البويضة ليس لها نتوءات تتمسك بها في الرحم ، ما الذي يحصل ؟

ثبوت البويضة في جدار الرحم :

 شيء لا يصدق ، لا بد من أن تثبت هذه البويضة في جدار الرحم كي لا تسقط خراج الجسم وينتهي الحمل ، إلا أن البويضة الملقحة ليست إلا كتلة دائرية مكونة من الخلايا الشبيهة ببعضها ، ولكن ليس لها أي نتوء يؤمن لها التعلق بمكان ما ، هذه البويضة على جدار الرحم ، فإذاً : كيف تستطيع التمسك بجدار الرحم ؟ هذا أيضاً قد حسب حسابه عند وصول البويضة الملقحة إلى الرحم .
 إذا دخل نظام آخر ، هذا المشهد الملتقط بمجهر إلكتروني يظهر البويضة الملقحة التي وصلت من اللحظة إلى رحم الأم تفرز الخلايا الموجودة في السطح الخارجي للبويضة أنزيمات خاصة تذيب جدار الرحم ، وبذلك تتمسك البيضة الملقحة بالرحم بشدة

 وتنجو من سقوطها خارج الرحم ، وجود الخلايا على سطح البويضة الملقحة في المكان اللازم ، وإفرازها الأنزيم اللازم يوضح مرة أخرى كمال خلقها ، بفضل هذا الخلقة الكاملة تغرز هذه البويضة الملقحة في جدار الرحم .

وصولُ مرحلة خلق الإنسان إلى العلقة :

 هذا المخلوق الجديد الذي يكبر في أثناء تمسكه بالرحم يسمى منذ الآن بالجنين

 هذه الحقيقة اكتشفتها البيولوجيا الحديثة ، ذكرت في القرآن الكريم عندما يذكر الله عز وجل أول مرحلة للطفل في رحم الأم يستخدم كلمة العلق ، علقت :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

( سورة العلق )

خاتمة وتوديع :

الأستاذ علاء :
شكراً جزيلاً لكل ما قدمت ، ولكل ما شرحت ، ونعد السادة المشاهدين إن شاء الله أن نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله .
شكراً لك وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور