وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات علمية من الخطب - الموضوع : 331 - الفرق بين التشريع الأرضي, وبين التشريع الإلهي - قانون تحريم الخمر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

ما العبرة التي يمكن أن يأخذها المسلم من هذا الشاهد الذي مضى في التاريخ

 أيها الأخوة الكرام, أسوق لكم شاهداً تاريخياً يؤكِّد موضوع هذه الخطبة: في أمريكا انتشرت عادة السِكْرُ وشِرْبُ الخمور انتشاراً كبيراً، الأمر الذي أقنع الحكومة وقتها بضرر ذلك على الفرد، والأسرة، والمجتمع، فأصدرت قانوناً يمنع الخمر، ومما يلفت النظر أن هذا الحظر، أو منع الخمر، لم يكن أمراً ملكياً، أو أمراً من إمبراطور، بل إنه تشريعٌ جاء عن طريق برلمانٍ في بلدٍ ديمقراطي، من شأنه أن يشرِّع لنفسه ما يجلب له النفع، ويدرأ عنه الفساد والضرر، وبعد أن اقتنع الرأي العام، وتحقق له من الوجهة العلمية والعملية أن الخمر ضارّةٌ بالصحة، مفسدةٌ للعقل، محطمةٌ للحضارة، صدر قانونٌ بتحريم الخمر في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانية عشر .
 ماذا فعلت الحكومة وقتها من أجل تنفيذ هذا القانون؟ قال: جنّد الأسطول كلُّه لمراقبة الشواطئ منعاً للتهريب، جنّد الطيران كلُّه لمراقبة الأجواء، منعاً للتهريب عن طريق الطائرات الخاصة، شُغلت أجهزة الحكومة، واستخدمت كلَّ وسائل الدعاية لمحاربة الخمر، أنفقت الدولة في محاربة الخمر على المنشورات التي تحذِّر من تناوله، وتبيِّن أضراره، ستين مليون دولار ، وطبعت عشر بلايين صفحة في أربعة عشر عاماً، ووزِّعت وأنفقت على متابعة هذا القانون مئتي وخمسين مليون دولار، وأُعدم ثلاثمئة إنسان اتجروا بالخمر، وسجن خمسمئة ألف مواطن، وبلغت الغرامات التي دفعها الذين خالفوا هذا القانون ستة عشر مليون دولار، وصودرت من الأملاك، أماكن تصنيع الخمر تهريباً، ما قيمته أربعمئة مليون دولار، وكلُّ هذه الإجراءات، وهذه النفقات، وهذه المطبوعات، وهذه النشرات، وهذا الاستنفار لم يزد الشعب إلا غراماً بالخمر، وعناداً في تعاطيها, ففي عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين، اضطُّرَّت إلى إلغاء القانون، وإباحة الخمر, في القرآن الكريم آيةٌ واحدة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 90]

 ما الذي حصل؟ أن الإنسان أحياناً يضحّي بتجارته، ولا يجلس على مائدة فيها خمر، يضحي بمركزه أحياناً، هذه الحقيقة تبيِّن الفرق بين التشريع الأرض، والتشريع الإلهي، لذلك الحياة لا تنتظم إلا بتشريعٍ إلهي، الحياة من دون قيمٍ لا تُعاش، والقيم من دون دينٍ لا تكون .

باب التوبة مفتوح :

 أيها الأخوة الكرام, لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها، لا بدَّ من الصلح مع الله، لا بدَّ من التوبة إليه، لا بدًّ من الرجوع إليه، الله جلَّ جلاله يفرح بتوبة عبده, كما يفرح الضالُّ إذا وجد، والعقيم إذا ولد .
 لا تنسوا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطانا صورةً رائعة بلاغية، ذلك الذي ركب ناقته وعليها زاده، وطعامه، وشرابه، ليقطع بها الصحراء، جلس ليستريح، فاستيقظ فلم يجد الناقة، فأيقن بالهلاك، فجلس يبكي، ثم يبكي، حتى أخذته سنةٌ من النوم، فاستيقظ فرأى الناقة أمامه، من شدة فرحه اختلَّ توازنه، وقال:

((يا رب, أنا ربُّك وأنت عبدي))

 ما دام القلب ينبض باب التوبة مفتوح, قال تعالى:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾

[سورة الزمر الآية: 53]

 لا يصلح الإنسان، ولا تصلح الأسرة، ولا يصلح المجتمع إلا بتطبيق منهج الله .

تحميل النص

إخفاء الصور