وضع داكن
28-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 45 - الاختيار ـ حنان الفيل على صغيره
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

 أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
 أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم .
 جزاك الله خيراً .
 سيدي ، كنا قد تحدثنا في الحلقات المتسلسلة الماضية عن مسائل هامة هي مقومات التكليف ، تحدثنا عن الكون ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ثم الشهوة ، والآن نحط رحالنا عند الاختيار ، بقي في مقومات التكليف ، والشرع ، والوقت ، نحط الرحال الآن عند الاختيار .
 الاختيار كما أفهم مباشرة هو أن يترك للإنسان ، أي أن الله عز وجل ترك للإنسان محض الاختيار في كثير من شؤونه ، فيما كلف به ، وأن هذا الاختيار مقتضى التكليف ، وأيضاً من موجبات التكريم . 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾

( سورة الإسراء الآية : 70 )

 إذاً : حتى يكون الإنسان مكرماً يجب أن يكون حراً في الاختيار ، والله عز وجل يقول : 

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

( سورة الإنسان )

 ماذا عن الاختيار ؟ ما معنى الاختيار ؟ وكيف يكون الاختيار مقتضى للتكريم ؟ وكيف يكون الاختيار مثمناً للعمل ؟ .
الدكتور راتب :

من مقوِّمات التكليف : الاختيار :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 ـ الإنسان مخلوق مكرَّم :

 أستاذ علاء بادئ ذي بدء : الإنسان هو المخلوق الأول رتبة ، لقوله تعالى : 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 72 )

 والإنسان فضلاً عن أنه الأول هو مكرم . 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ً﴾

( سورة الإسراء )ً

2 ـ الإنسان فردٌ بخصائصه :

 إذاً : هو الأول وهو المكرم ، من مظاهر هذا التكريم : أن الإنسان فرد بمعنى أنه ما من إنسان على وجه الأرض يشبهه إطلاقاً فرد واحد .

 

بعض خصا\ص الإنسان المميز بها :

 بصمة الإنسان هوية :
 الله عز وجل جعل هذه الإبهام البصمة ، هي التوقيع ، ما من إنسان يشترك مع إنسان آخر في بصمة ، استقلال هوية ، حتى إنّ بعض المجرمين في أمريكا أزالوا هذه القطعة من الجلد ، وضعوا قطعة من مكان آخر ، بعد شهرين ظهرت علامات البصمة والتمييز ، فالإنسان فرد .

 

قزحية العين :

 شيء آخر ، قزحية العين ينفرد بها الإنسان ، ما من إنسان على وجه الأرض تشبه قزحية عينيه قزحية عينك ، بل إن بعض البلاد صنعت أقفالا لا تفتح إلا من قِبَل واحد ، وضعوا عينيه على حفرتين فيفتح الباب ، فالقزحية ينفرد بها الإنسان .

رائحة جلد الإنسان :

 شيء آخر ، هناك فضلاً عن القزحية رائحة الجلد ، فما من إنسان إلا وله رائحة جلد خاصة ، ولولا هذا التميز بهذه الرائحة لما كان من معنى إطلاقاً للكلاب البوليسية .

نبرة الصوت :

 شيء آخر ، نبرة الصوت ، الإنسان يتميز بنبرة الصوت ، طبعاً قد تأتي رسالة صوتية على الهاتف ، تقول : فلان ، والإنسان عنده ذاكرة صوتية .

بلازما الدم :

 فضلاً عن ذلك بلازما الدم ، إنسان يميل إلى الأطعمة الحامضة ، إنسان إلى الأطعمة الحلوة ، كل إنسان له بلازما دم خاصة .

الزمرة النسيجية :

 فضلاً عن ذلك هناك زمرة نسيجية ، الزمرة النسيجية أيضاً ينفرد بها الإنسان ، ولا تنقل كية من إنسان إلى إنسان إلا مع تقارب الزمر ، والتطابق مستحيل .

نطفة الرجل :

 وقد حضرت مؤتمراً علمياً في القاهرة قبل أشهر ، وقد ألقى بعض مندوبي الدول العربية موضوعاً يلفت النظر ، نطفة الرجل بصمة أيضاً ، وإن المرأة تستقبل هذه البصمة ، وتحفظها في ذاكرتها ، فما دامت هذه البصمة تأتيها تباعاً فالوضع طبيعي جداً ، إذا تبدلت هذه البصمة فهناك احتمال الإصابة بالورم الخبيث في الرحم ، إذا شذت هذه المرأة هل يمكن أن تستقبل المرأة بصمة أخرى للنطفة ؟ بعد أربعة أشهر بعد العدة . إذاً : الله عز وجل تكريماً لهذا المخلوق الأول أعطاه بعض صفاته ، في حديث شريف رواه الإمام مسلم قد يلمح منه هذا المعنى :

(( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 ليس هذا المعنى لازم ، يلمح من هذا الحديث هذا المعنى .

3 ـ الاجتهاد والإبداع :

 الآن : الله عز وجل حينما خلق الكائنات والجماد ، والنبات ، والحيوان ، هذه الكائنات الحية لها جينات ، لها مورثات ، لأن الإنسان خُلق وفق هذه الجينات ، والنبات خُلق كذلك ، والحيوان كذلك ، الإنسان أبدع في النبات أشياء كثيرة ، أبدع وردة سوداء ، أبدع فواكه تأخذ بعض الخصائص من بعضها ، أبدع نباتات مقزمة ، أبدع نباتات معملقة ، قد نضع في أصيص صغير شجرة مثمرة ، وتثمر ، ونقطف هذا الثمر ، هناك أشجار الأرز منها المقزم . إذاً تكريماً لهذا الإنسان أعطاه صفة الفردية ، وصفة الإبداع عن طريق الجينات ، أعطاه صفة الاجتهاد ، من خلال نص ظني الدلالة ، أنا حينما أقول : أعطِ فلاناً 1500 درهم ، النص قطعي الدلالة لا يحتمل التأويل ، ولا الاجتهاد ، ولا الآراء ، أما إذا قلت : أعطِ فلاناً 1000 درهم ونصفه ، الهاء تعود على الألف أم على الدرهم ، هنا الاجتهاد ، هذا النص احتمالي المعنى ، أو ظني الدلالة ، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون في النصوص المقدسة القرآن والسنة نصوص ظنية الدلالة ، هذا مجال الفقهاء ، والمجتهدين ، لذلك تكريماً لهذا الإنسان جعله فرداً ، وتكريماً لهذا الإنسان جعله مبدعاً ، وتكريماً لهذا الإنسان جعله مجتهداً ، وفوق كل ذلك جعله مريداً ، يختار ، الاختيار تكريم للإنسان ، فعمله له قيمة ، لأنه اختاره .

4 ـ الإنسان مكلّف :

 إذاً : الله عز وجل جعل هذا الإنسان مكلفا بحمل الأمانة ، المكلف بمعرفة الله وطاعته ، المكلف بدفع ثمن الجنة جعله مختاراً ، هذا الاختيار موضوع هذه الحلقة إن شاء الله تعالى .
الأستاذ علاء :
 للذين يقولون : إن الله عز وجل أنزل شرعه ، وألزم به خلقه ، أين الاختيار من هذا الإلزام ؟
الدكتور راتب :

شبهة مردودة : الجمعُ بين اختيار العبد وإلزام الله له بالتكاليف :

 ليس هناك إكراه إطلاقاً ، لكن بين له أن هذا المنهج طريق سعادته ، من أجل أن تكون سعيداً وسليماً لا بد من تطبيق هذا المنهج ، هذا اسمه إلزام ذاتي ، أنت مخير ، لكن حينما ترى أن سلامتك في طاعة الله تستقيم ، وحينما ترى أن سعادتك من القرب من الله تعمل الصالحات ، فالإلزام ذاتي والدليل القطعي : 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ 

( سورة البقرة الآية : 256 )

1 ـ قلبُ الإنسان لا يُفتح بالإكراه :

 هنا فكرة دقيقة جداً : أن قلب الإنسان كالصندوق المحكم ، لا يفتح بسيف ، ولا يفتح ببندقية ، ولا يفتح بمتفجرات ، ولا يفتح بصاروخ ، ولا بطائرة ، ولا بمدرعة ، ولا بقنبلة نووية ، لا يفتح إلا بالعدل ، لا يفتح إلا بالرحمة ، لا يفتح إلا بالحب ، بالإنصاف فهؤلاء الذين يقولون إن الدين انتشر بالسيف كلمة مضحكة جداً تتناقض مع الواقع ، ومع الحياة ، هذا القلب الإنسان قد يكون مع طاغية ، ينافق ، أما أن يعتقد أنه صالح فهذا مستحيل ، وأقرب الناس إليه يعوون حجم أخطاءه . فلذلك إذا قلت : إن هذا الدين انتشر بحد السيف كان هذا الكلام مضحكًا ، لأنه :

﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

  وقلبك لا تستطيع جهة في الأرض أن تطلع عليه ، يطلعون على ملامح وجهك ، يستمعون إلى كلامك ، أما أن يصلوا إلى خبايا القلب ، مستحيل ، لذلك

﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

 ولمجرد أن يكون الدين إكراهاً انتهت قيمته . 

﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾

( سورة يونس الآية : 99 )

2 ـ لو أُجبر الإنسان على شيءٍ لأُجبِر على الهدى :

 لو أن القضية قضية إجبار لأجبر الناس على الهدى ، لكن هذا الهدى الذي يجبرون عليه لا يحقق سلامتهم ولا سعادتهم أبداً .
 لو أنه جامعة وزعت أوراق الامتحان على الطلاب وقد طبعت عليها طبعاً الإجابة الكاملة ، وقد طبع في أعلى الورقة العلامة التامة بالأحمر ، وكُلف الطالب أن يكتب اسمه فقط ، ما قيمة هذا النجاح ؟ لا قيمة له لا عند الناس ، ولا عند الجامعة ، ولا عند صاحب هذه الشهادة .
 لمجرد أن نجبر على تطبيق منهج الله انتهت قيمة الدين ، عظمة هذا الدين أن الإنسان يأتي ربه اختياراً ، يأتيه تطوعاً ، يأتيه بمبادرة منه .
 لذلك أساس العلاقة بين الله والناس علاقة محبوبية ، لو أرادنا أن نأتيه مكرهين فالقضية سهلة جداً ،

﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾

 لكنه كرمهم ، وأعطاهم حرية الاختيار ، ولا يزالون مختلفين ، هذا كلام دقيق جداً ، لمجرد أن تكون مكرهاً على طاعة الله انتهت طاعة الله ، ولا قيمة لها .
الأستاذ علاء :
 سيدي الكريم ، من هذا المنطلق ، لو سمحت لي ، هنالك من يقول : إن الإنسان مسير ، وبرزت مدرسة هي المدرسة الجبرية ، أن الإنسان يجبر على كل التصرفات ، هي من الله فرضها عليه ، ما موقف هذا المنطق مع منطق الثواب والعقاب ؟ .
الدكتور راتب :
 هو الحقيقة الإنسان مسير .
الأستاذ علاء :
 هذه نقطة .
 النقطة الثانية : كيف نقف عند من قالوا من أهل العقيدة : إن مشيئة الله مقترنة بمشيئة عبده فإذا شاء شاء ، نعم سيدي ؟ .
الدكتور راتب :

مجال تسيير وتخيير الإنسان :

1 ـ الإنسان مسيَّر في ما لم يُكلَّف به :

 أولاً : الإنسان مسير في كونه ذكراً أو أنثى ، الإنسان مسير في أمه وأبيه الإنسان مسير في مكان ولادته ، الإنسان مسير في زمن ولادته ، الإنسان مسير في قدراته العامة ، هناك إنسان حاد الذكاء ، هناك الأقلّ ذكاءً ، هناك وسيم ، وهناك الأقلّ وسامةً ، هناك قوي ، هناك الأقلّ قوةً ، هناك صحيح ، و هناك الأقل صحةً ، فالإنسان مسير في كونه ذكراً أو أنثى ، مسير في كونه من فلان وفلانة ، مسير أنه جاء في العصور الوسطى ، أو في العصور الحديثة ، مسير في مكان ولادته دمشق أو شيكاغو ، مثلاً ، الآن مسير في قدراته العامة ، الإنسان مسير .

2 ـ مجالات تسيير الإنسان لصالحه كلها :

 لكن العلماء أجمعوا على أن الذي أنت مسير به هو لصالحك قطعاً ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، أنا أسيّر إنسانًا مريضًا إلى المستشفى ، وهو أنسب مكان ، الإنسان مسير ، ولكن هذا التسيير لصالحه قطعاً ، وقد قال بعض العلماء : " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ، وقد تفهم فهماً آخر فجاء التصحيح : ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني .
 إذاً : الإنسان مسيّر في ما لم يكلف به ، ومخير فيما كُلف به ، هكذا نجمع بين من يقول الإنسان مسير ، ومخير ، الإنسان مسير فيما لم يكلف به ، ومخير فيما كلف به ، أمرك الله بالصلاة ، أنت مخير ، أمرك بالصدق ، بأداء الأمانة ، بالإنصاف ، بالعدل ، بالرحمة ، بالعمل .
 لذلك أخطر فكرة ، أن هناك فقر الكسل ، فقر الكسل صاحبه مذموم ، هذا اختياره كسل ، استرخاء ، تأجيل ، عدم إتقان ، فيكون بذلك فقيراً ، هذا فقر الكسل ، لكن فقير العاهة والقدر صاحبه معذور ، بينما هناك فقر هو فقر الإنفاق .

(( ماذا أبقيت يا أبا بكر لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ))

[ ورد في الأثر ]

الأستاذ علاء :
 نعود سيدي الكريم إلى مسألة الاختيار ، كيف يثمِّن الاختيارُ العملَ ؟ .

كيف يثمِّن الاختيارُ العملَ ؟

الدكتور راتب :
 أولاً : سآتيك بمثل : إنسان يحمل باقة من الورد ، وجاء إنسان أقوى منه فأجبره على أن يأخذها منه ، بماذا يشعر هذا الذي أُخذت منه الباقة ؟ يشعر بالألم والضيق ، هل يشعر أنه عمل عملاً صالحاً ؟ هو في الأساس اشتراها ليقدمها لجهة ، أما إذا أُخذت منه عنوة فإنه يتألم أشد الألم ، فسقطت قيمة هذه الباقة ، أما حينما يذهب إلى مريض ، ومعه باقة ورد ، وعليها دعاء بالشفاء ، ويقدمها له يتنامى ، يشعر بثقة ، تنفرج أساريره ، تتألق عيناه ، لأنه قدم عملاً ، فلمجرد أن يُجبر الإنسان على عمل سقطت قيمته .
الأستاذ علاء :
 من هنا ذُمت عمليات السخراء والبناء بالسخرة ، وهي المجيء بمجاميع الناس لتشييد أماكن ، وأوابد كبيرة بالسخرة ، راح منها العدد الكبير ، فكان هذا العمل قسريًا ، وليس فيه الاختيار .
الدكتور راتب :
 إذاً : الإنسان مخير ، فيما كلف ، مسير فيما لم يكلف .
الأستاذ علاء :
 كنت أود أن أستمر لكن يبدو لي أن الوقت المخصص للفقرة العلمية الآن بدأ ، وماذا اخترت لنا سيدي الكريم ؟

الموضوع العلمي : الفيل :

الدكتور راتب :

1 ـ الرحمة في قلوب الأمهات من آيات الله الباهرات :

 الحقيقة هناك موضوع عن الفيل ، وله دلالة كبيرة جداً ، هذا الموضوع يرينا كيف أن الله سبحانه وتعالى أودع في هذا الفيل رحمة تفوق حد الخيال ، هذه الرحمة أودعها في مخلوقاته ، نحن نريد أن نبين أكثر من ذلك ، قلب الأم آية من آيات الله الدالة على عظمته ، قلب الأم وحده آية . 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

( سورة الشورى الآية : 29 )

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾

( سورة فصلت الآية : 37 )

 ومن آياته الشمس والقمر . 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الروم الآية : 21 )

2 ـ جولةٌ مع الفيلة : رحمة الفيل بمولوده المريض :

 الحقيقة أنّنا سوف نرى شيئاً عجيباً ، في إحدى مراعي كينيا الحارة خرج قطيع من الفيلة في المنطقة لإيجاد الطعام ، قائد القطيع الفيلة الأنثى هذه التي تشاهدونها في يوم من أيام الصيف ، تضع الفيلة مولداً جديداً لا يختلف المولود الصغير المحبوب الذي ولد منذ ساعات فقط عن أمه أبداً ، غير أن هناك مشكلة مهمة جداً ، يصعب على الصغير الوقوف لوجود شيء في قوائمه الأمامية ، والقوائم الأمامية للفيل مثنية نحو الداخل ، ولذلك لا يستطيع الوقوف .
 المشاهدون في المنطقة يعتقدون موت هذا الصغير حتماً ، تترك الأم قطيع الفيلة في اليوم التالي لوجود مشكلات صحية للصغير ، ولا تستطيع قيادة القطيع أكثر من ذلك ، ولا بد أن يستمر القطيع برحلته للبحث عن الطعام ، فالتحاق الصغير العاجز بالقطيع مستحيل ، الأخت الكبرى ذهبت ، والأم مضطرة لأن تبقى حية مع القطيع ، إلا أنها تقع في مأزق كبير ، تحاول الفيلة الأم أن ترفع صغيرها من الأرض بخرطومها ، وتؤمن له الوقوف على قدميه ، وفي النهاية تستسلم الأخت الكبرى ، وتبدأ بالمشي شيئاً فشيئاً للالتحاق بالقطيع ، لكن تجاه خيارين صعبين تقف وتنظر خلفها الفيلة الأم لا تزال تحاول الآن مساعدة الصغير ورفعه على قدميه ، فجأة تطلق الأخت الكبرى صرخة كبيرة ، وتسرع نحو أمها وأخيها العاجز ، وتضع الموت بين عينيها ، ولا تفارق أمها وأخاها أبداً .
 في اليوم التالي لا تزال الأم والأخت الكبيرة إلى جانب الصغير العاجز حتى الآن ، فالصغير يتألم بكل خطوة ، ولا تتركه أخته الرحيمة المضحية ، يبدو أن موت الصغير أصبح محققاً ، في نهاية اليوم الثالث تتحقق حادثة مثيرة جداً ، تبدأ أرجل الفيل تكسب التمطط شيئاً فشيئاً ، وحاول الاستقامة على قدميه تحت إشراف أمه ، ويستمر بالتجربة دون ملل ، ودون استسلام ، في النهاية يقف على قدميه لحظة ، ثم يركض على ركبتيه مرة أخرى ، ويكرر ذلك ، وفي نهاية اليوم الرابع يستطيع الصغير الوقوف على قدميه ، والصبر الرائع للأم والأخت ، ومحبتهما وحنانهما أعطى الفيل الصغير الوقت في الدعم الذي احتاجه للبقاء على قيد الحياة .

3 ـ رحمة مثل هذه الحيوانات أفضلُ من بعض البشر التطوريين !!!

 فحينما يرى بعض التطوريين وجوب قتل الأطفال العاجزين لضرورة التطور ترعى الحيوانات العجماوات في الطبيعية صغارها ، وتهتم بها برحمة وتضحية .
 لذلك أستاذ علاء نقول : الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، رحمته ظاهرة في كل شيء ، ظاهرة في خلق الإنسان ، وفي خلق الحيوان .
الأستاذ علاء :
 سيدي الكريم ، هذه الرحمة التي أودعت في الأم عند الفيلة ، وكذلك عند الأخت ، نحن نعرف أن العجماوات ليس لها عقل ، هذا العقل يسيرها ، أو يجعل منها مختارة ، كما كُلف الإنسان وكُرم ، هذا العقل هو الغريزة التي أودعها الله في هذا الكائن تتجه الوجهة الصحيحة ؟ .
الدكتور راتب :

المحبةُ في قلب الإنسان والحيوان بين الفطرة والغريزة :

 الحقيقة ، دعك من الحيوان مبدئياً ، الإنسان أودع في قلبه محبة أولاده فطرة ودون كسب منه ، لذلك قد تدخل مستشفى ، فتجد امرأة جاهلة تبكي من أجل ابنها ، والمثقفة كذلك ، والمتفلتة كذلك ، والمنضبطة كذلك ، والريفية كذلك ، أية امرأة أودع الله فيها محبة ابنها ، أنا أقول مبدئياً : هذه الرحمة فطرية ، وإذا قلنا : فطرية ، أي أن هامش الأجر قليل ، من دون جهد ، ولا معانات ، ولا قصد ، أما حينما يعتني الإنسان بابنه ، بأخلاقه ، بدينه ، ، بعقيدته ، بصلاته ، باستقامته ، هنا يأتي الأجر ، لذلك قلما تجد آية توصي الآباء بأبنائهم إطلاقاً ، إلا آية المواريث .
 تماماً لا يمكن أن نطالب الدولة بإصدار قرار بإلزام المواطنين بتناول الطعام مستحيل ، هذا شيء فطري .
 فلذلك أي أب ، وأية أم من بني بشر ، ومن غير بني البشر ألقي في قلوبهم رحمة أولادهم ، وقد عرضنا من قبل عن طائر البطريق يقف أربعة أشهر دون أن يأكل ، ودون أن يشرب على قدميه ، والبيضة على قدميه مغطاة بفروه ، رحمة بهذه البيضة ، ومعه في الحوصلة كمية طعام هو في أمس الحاجة إليها ، يخبئها لهذه البيضة بعد أن تخرج .
 الحقيقة ، هناك مشاهد لرحمة الحيوان تفوق حد الخيال ، لذلك هذه رحمة الله أودعها في قلوب الكائنات ، من أجل أن تستمر الحياة .

الرحمة في المخلوقات أودعها الله في قلوبهم :

 قصة رمزية ، امرأة تخبز على التنور ، وإلى جانبها طفل ، فكلما وضعت رغيفاً مسكته وقبلته وشمته ، فمر أحد الأنبياء ، قال : ما هذه الرحمة ؟! ورد بالقصة أنها رحمتي أودعتها في قلوب الخلق ، وسأنزعها ، فلما نزعت الرحمة من قلبها وبكى ألقته في التنور .
 عندنا حالات نادرة جداً ، بعض الحيوانات تأكل صغارها ، معنى الله عز وجل علمنا أن رحمة الأمهات بأبنائهم هذه رحمة الله عز وجل ، الآن إذا التف الناس حولك هذه رحمة الله أودعها في قلوبهم ، هذا يؤكده قوله تعالى :

 

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

( سورة طه الآية : 39 )

 إذا استقام الإنسان على أمر الله ، وأقبل عليه الله عز وجل يلقي في قلوب العباد محبته في قلوبهم .
الأستاذ علاء :
 كنا نود أن نستمر في هذا الموضوع ، إن شاء الله نكمل هذا المبحث حيث توقفنا عند الاختيار كمقوم من مقومات التكليف ، والشكر الجزيل للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
 شكراً سيدي الكريم وإلى اللقاء إن شاء الله . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور