وضع داكن
28-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 46 - الاختيار - العقيدة وانعكاسها على السلوك - حنان التمساح على صغاره
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ علاء :

تقديم وترحيب :

 أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، وما زلنا وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
 أهلاً وسهلاً بسيدي الأستاذ .
 بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .

خلاصةُ ما سبق :

 كنا قد بدأنا هذا البرنامج بمقومات التكليف ، مررنا على الكون كمقوم من مقومات التكليف ، ثم أشبعناه بحثاً ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ووقفنا عند الاختيار ، وتحدثنا عنه ، وبدأنا ببعض معالمه في الحلقة السابقة ، ولكن هذا الموضوع يبدو أنه بحاجة إلى حلقات متتالية لكي نتبين هذا الموضوع ، وهذا الموضوع حساس ، وهو في تصور الناس ليس في المعنى السليم ، وليس في التصور السليم ، لوحة الاختيار ، أو لوحة الفرضية لدى الناس هي متداخلة ، غير واضحة ، الكثير يقول : هذا الشيء من الله ، الكثير من الناس يقول : هذا الشيء مقدر عليّ من الله تعالى ، ولا أملك حراكاً تجاهه ، ولا أملك دفعاً له ، هذا الأمر علينا ألا نواجهه ، هكذا يريد صاحب الأمر ، هذه عبارة نسمعها بين أبناء مجتمعنا سيدي الأستاذ .
 كنا قد بدأنا بأن الاختيار هو شيء أساسي في مقومات التكليف ، وشيء أساسي أن الله عز وجل خيّر الإنسان في أن يُقبِل على شيء أو يحجم عنه ، لأنه في المقابل هناك الحساب كما مرّ معنا ، وشرحت هنالك المثوبة ، وهنالك العقاب ، وإلا إذا لم يكن هناك اختيار يجب ألا يكون هنالك لا حساب ، ولا موازين ، ولا محكمة في الدار الآخرة ، ولا جنة ، ولا نار بهذه الطريقة ، طالما أن الله عز وجل فرض علينا الطريق أن نسلكه .
 مر معنا سيدي الكريم أن الاختيار يثمن العمل ، ووقفنا عند هذه النقطة ، ماذا عن كل هذه الأمور ؟ .
الدكتور راتب :

مسائل تمهيدية مهمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

المسألة الأولى : العقيدة أخطرُ شيء في الدين :

 أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، بادئ ذي بد ، أخطر شيء في الدين العقيدة ، إنها إن صحت صح السلوك ، وإن صح السلوك سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة ، وإنها إن زاغت فسد العمل فشقي الإنسان في الدنيا والآخرة ، إذا كان الدين على شكل مثلث فهذا المثلث مقسم إلى أربعة أقسام : العقيدة ـ العبادة ـ المعاملة ـ الآداب ـ على رأس الهرم تقع العقيدة ، فإن صحت صح العمل ، إن فسدت فسد العمل .
 الملاحظة الدقيقة : أنه لو لم يكن للعقيدة انعكاس على السلوك فاعتقد ما شئت ، ولكن لأنه ما من شيء تعتقده إلا وينعكس بشكل صارخ سلباً أو إيجاباً على العمل ، وقيمة الإنسان عمله ، ويحاسب على عمله ، فإن صح صحت سلامته في الدنيا وسعادته في الآخرة هذا النقطة الأولى .

المسألة الثانية : مِن أين نستقي العقيدة ؟

 لكن السؤال الدقيق : من أين نستقي هذه العقيدة ؟ نحن كما تعلمون هناك قرآن كريم ، وهناك بيان نبوي ، وهناك أقوال لا تعد ولا تحصى ، منهج البحث في الإسلام أن القرآن الكريم قطعي الثبوت ، يجب أن أستقي منه مبادئ العقيدة ، وأن الحديث الشريف ظني الثبوت ، ينبغي أن أبحث عن الحديث الصحيح أولاً ، ثم أستقي منه ملامح العقيدة ثانياً ، أما أقوال العلماء فإن طابقت الكتاب والسنة فعلى العين والرأس ، وإن لم تطابق الكتاب والسنة فلا حاجة لنا بها لأن :

(( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ))

[ رواه الحاكم عن أنس وأبي هريرة]

(( ابن عمر ، دينك دِينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

[ رواه ابن عمر ]

المسألة الثالثة : إذا أُلغِي الاختيار ألغي التكليف :

 النقطة الثالثة : أنه إذا ألغي الاختيار ، ألغي التكليف ، ألغي حمل الأمانة ، ألغي الثواب والعقاب ، ألغيت الجنة والنار ، أصبحت الحياة تمثيلية سمجة ، من دون الاختيار العمل لا معنى له إطلاقاً .
 لذلك يقول الإمام الحسن رضي الله عنه : " لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً " .
 الإمام علي رضي الله عنه سأله بعض أصحابه : << أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر ؟ قال : ويحك ، لو كان قضاءً لازماً ، وقدراً حاتماً ، إذاً لبطل الوعد والوعيد ، ولانتهى الثواب والعقاب ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً >> .
 إذاً : إذا ألغي الاختيار ألغي العمل ، وبعبارة تفضلتم بها قبل قليل : الاختيار يثمن العمل .

 

آية قرآنية أصلٌ في تثبيت مبدأ الاختيار ونفي الجبر :

 أين الآيات في القرآن الكريم التي تعزز هذا العمل ؟ قال تعالى :

 

 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ﴾

( سورة الأنعام الآية : 148 )

﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ ﴾

 هذا كلام كذب ، بل إنه مقولة المشرك :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ﴾

﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

 قال علماء العقيدة : هذه الآية أصل في أن الإنسان مخير ، والذي يقول بخلاف ذلك يتوافق في مقولته مع المشرك ، هذا لا يلغي أن الله يعلم ، لكن الله يعلم علم كشف لا علم جبر ، هذا كلام دقيق .
الأستاذ علاء :
 نقف عند هذه القضية ، علم الله بالشيء ليس له علاقة بفرض الشيء وحتميته .
الدكتور راتب :

معنى علم الله بأفعال العباد :

 قال العلماء : هناك علم كشف ، وهناك علم جبر ، أنت كمدرس عريق خبراتك عالية ، يمكن أن تتوقع أن يكون هذا الطالب الأول ، لو أن هذا الطالب لا ينجح ، فإذا توقعت أنه لا ينجح فهل معنى ذلك أنك أجبرته على أن لا يدرس ، علم الله علم كشف ، لا علم جبر .

1 ـ العقل محدود

 إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله فتهلكوا ))

[ رواه ابن حبان عن أبي ذر ]

 العقل ليس أداة مطلقة بالمعرفة ، بل هو أداة محدودة ، فإذا عددناه أداة مطلقة وقعنا في شر أعمالنا .
 أنت تشتري ميزانا لبقالية ، وهو غالٍ جداً ، وحساس جداً ، فيه خمسين ذاكرة ، أحدثُ ميزان ، لكن هذا الميزان مصمم من خمس غرامات إلى خمسة كيلو ، لو وضعته أرضاً لتزن به مركبتك يتحطم ، العلة ليست فيه ، العلة أنك استخدمته لغير ما صنع له .

2 ـ ما لا يُدرَك بالعقل يدرَك بالخبر الصحيح :

 فأن يعدّ الإنسان عقله قادرا على فهمِ كل شيء هذا غير صحيح ، العقل كما تكلمنا في حلقات سابقة إذا ارتكز على شيء مادي يستنبط شيئًا غير مادي ، إن رأى آثار عجلة يقول : مِن هنا مرت سيارة ، إن رأى غديرا يقول : هناك نبع ، إن رأى دخانا يقول : هناك نار ، فالعقل استدلالي استنباطي ، أما أن يغوص في المجهول كلياً فلا يستطيع ، والذي عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الله عنه .
 هذه المركبة لا يمكن وزنها بهذا الميزان ، لكن الشركة محترمة جداً ، وضعت في مكان وزنها الدقيق ، وزن المركبة لا تأخذه من ميزان بقالية ، تأخذه من إعلان الشركة .
 فكل شيء عجز عقلك عن إدراكه أدركتَه بالخبر ، المال مرتكز مادي ، الماضي السحيق والمستقبل البعيد ، وما سيكون بعد الموت ، هذه إخباريات ، ونحن في الوقت الذي نصنف مقولات الدين بين مقولة يقينها حسي ، ومقولة يقينها عقلي ، ومقولة يقينها إخباري تحل مشكلاتنا .
 مثلاً : أخ كريم ببساطة ، وببراءة ، وبحسن ظن بالآخرين يحاول أن يقنع إنساناً إيمانه بالله مهزوز ، يحدثه عن المَلَكين ، أين هم الملكين ؟! هذا الموضوع إخباري ، الجن موضوع إخباري ، الصراط موضوع إخباري ، أهوال النار موضوع إخباري .

3 ـ الحسيات والعقليات والإخباريات :

 حينما أُقسّم المقولات في الدين إلى مقولات يقينها حسي ، وإلى مقولات يقينها عقلي ، وإلى مقولات يقينها إخباري ، تتضح الأمور ، فالعقل مهمته أن ينتقل من المحسوس إلى ألا محسوس ، من المادة إلى المجردات .
لذلك نحن نستقي عقيدتنا من كتاب الله .
الأستاذ علاء :
 لذلك سيدي ، العقل إن صح التعبير كالإنسان الذي يدخل مفازة لا يعرف أين الطريق ، كثبان ، ومتاهات ، إن لم تكن هناك نقاط تدله على الطريق ، يستدل بها طريقه سيتيه ويضلّ ، ولن يحصل على نتيجة ، الهلاك النتيجة الحتمية له ، وكذلك العقل ، هنالك قضايا حسية موجودة ينتقل منها ، ويرتكز إليها ليستدل إلى الأشياء التي هي لا حسية ، أو مجردة .
الدكتور راتب :

العقل من دون الوحي ضلال :

 أستاذ علاء ، هناك نقطة دقيقة جداً ، نحن في عالم المادة هذه العين لا قيمة لها إطلاقاً ، ولو أن درجة الرؤيا 12 على 10 إلا بضوء يتوسط بين العين والمرئي ، اعتقادي الذي لا يقل مصداقية وتأكيداً عن هذا الاعتقاد الأول ، وأن العقل لا يمكن أن يهتدي من وحي السماء ، فحاجة عقلي إلى وحي السماء كحاجة العين إلى النور ، لذلك :

 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ *ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾

( سورة المدثر )

 العقل كالعين يهتدي بنور الوحي ، والعين تهتدي بنور الشمس .
الأستاذ علاء :
 إذاً : اختيار واقع ، والله عز وجل خيّر الإنسان ، وهناك كما تفضلت في الحلقة السابقة الاختيار في كل الأشياء إلا في بعض المواضع التي تتعلق بعمر الإنسان ، وبأمه وأبيه أما في بقية الأشياء :

 

﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾

( سورة البلد )

 نكمل سيدي الاختيار مسألة تثمين العمل ، وصلنا إلى الآية الأولى التي نريد شرحها .
الدكتور راتب :

تثمينُ العمل وأدلة ذلك من القرآن :

الآية الأولى :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

الآية الثانية :

 قال تعالى :

 

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾

( سورة البقرة الآية : 148 )

 هناك من يتوهم أن هو تعود على الله عز وجل ، إذا قبلنا هذا التوجيه للآية هناك مشكلة .

 

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

( سورة البقرة الآية : 148 )

 أنت لا يعقل أن تطلب من رجل يركب مركبة في المقعد الخلفي أن خذ اليمين ، يجب أن تخاطب مَن بيده المقود ، قال تعالى :

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ ﴾

 الإنسان موليها ،

﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾

 هذه آية أيضاً تؤكد أن الإنسان مخير ، ولكل من بني البشر وجهة .
 قال الله عز وجل :

 

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

( سورة الليل )

 انظر إلى طريق مزدحم صباحاً ، كل واحد في باله هدف ، واحد بإلقاء درس ، واحد بعقد صفقة ، واحد لإيقاع مكر بإنسان ، واحد بسرقة ،

﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

 فالإنسان له اختيار ،

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ * فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾

 أينما تكون ، وفي أي مكان كنتم ، وفي أي مكانة كنتم ، يأت بكم جميعاً .

 

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

( سورة الغاشية )

 والله هذه الآية رسمت الصورة ، إلى أين أنت ؟ الإنسان في قبضة الله .

الآية الثالثة :

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

( سورة الكهف الآية : 29 )

 واضحة وضوحًا تامًّا ،

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾

 هذا الحق ، أنت أيها الإنسان مخير ، فإما أن تؤمن ، وإما أن تكفر ، لكنك إذا آمنت يقول الله عز وجل :

 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

( سورة السجدة )

 إنك إن أسلمت :

 

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

( سورة القلم )

 إذا اخترت الآخرة :

 

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

( سورة القصص )

 إذا كان عملك طيبًا :

 

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

( سورة الجاثية الآية : 21 )

الآية الرابعة :

﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

( سورة الإنسان )

 هنا ملاحظة أتمنى أن تكون واضحة في ذهن إخواننا المشاهدين : قديماً كان هناك خط أبيض يمثل الحق ، وخط أسود يمثل الباطل ، وملايين الخطوط الرمادية بينهما ، الآن الشيء العجيب ، هذا الخط الأبيض يتوسع ، يتوسع ، يتوسع ، والأسود يتوسع على حساب الرماديات ، الآن هناك حق وباطل ، والحق واضح أبلج كالشمس ، وإن كان ضعيفًا ، والباطل أسود كالليل ، وإن قوي ، لذلك هذه قصة قابيل وهابيل ، البشر الآن قبابلة وهبابلة .
الأستاذ علاء :
 سيدي الكريم ، هنالك من يقول : إن الله عز وجل له مشيئة وإرادة بالتوبة لشخص :

 

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

( سورة التوبة الآية : 118 )

 في قصة المخلفين ، كيف نجمع بين الأذى ؟
الدكتور راتب :

معنى مشيئة الله للعبد بالتوبة :

 الله عز وجل رب العالمين ، الإنسان أحياناً يكون عنده موظف يحصي عليه أخطاءه ، أما إذا كان ابنه في هذا المكان فيتابعه عند كل خطأ ، فالله عز وجل رب العالمين ، فكيف يحصي على العبد أخطاءه ؟ لا ، يعالجه خطأ بخطأ .
لذلك الإنسان حينما تزلّ قدمه يأتيه علاج من الله ،

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾

 يعني ساق لهم من الشدائد ما حملهم على التوبة ، فإذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد ، أي : قبِل توبتهم ، تابوا فتاب عليهم ، لها معنى ، تابوا فتاب عليهم أي : قبِل توبتهم ، أما :

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾

 فلها معنى آخر ، ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة ، والدليل :

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة السجدة )

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

( سورة لقمان الآية : 20 )

 المصائب هي النعم الباطنة ، والمصائب رسالة من الله ، أن يا عبدي أنت شارد .

إلى متى أنت باللذات مشغول  و أنت عن كل مـا قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لـــعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادق لأطعته  إن الــــمحب لمن يحب يطيع
***

 لذلك من هو البطل ؟ الذي يفهم على الله تصرفاته .

(( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ رواه مسلم عن أبي ذر ]

 لو ذهب رجل إلى البحر إلى طرطوس ، وركب قاربًا إلى أرواد ، ومسك إبرة ، وغمسها بالبحر ، كم حملت هذه الإبرة من مياه المتوسط ؟ ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر ، قال : ذلك لأن عطائي كلام ، كن فيكون ، وأخذي كلام زل فيزول .

((فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ))

[ رواه مسلم عن أبي ذر ]

فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ

 نحن ألِفنا بعالم الشرك الخفي لا أقول : الجلي أن نعزوَ أخطاءنَا إلى الظروف الصعبة ، وإلى أخطاء الناس ، دائماً نحن نبرئ أنفسنا من مسؤوليات أخطائنا ، نلقيها على الاستعمار أحياناً ، أو على الصهيونية ، والحقيقة نحن المخطئون ، والبطولة أن تكون جريئاً ، وتعترف أنك مخطئ ً

((فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ـ هذا حديث قدسي في الصحاح ـ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ))

 وأنا قناعتي أنه لا أحد يستطيع أن يغوي أحدًا ، الدليل :

 

﴿ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾

( سورة ق )

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 22 )

 لو ذهب رجلٌ إلى مركز الشرطة ليشتكي على إنسان ، هو لابس ثياب بيضاء جميلة جداً ، وسقط في حفرة فيها مياه آسنة ، قال له المحقق : هو أجبرك ؟ قال له : لا والله ، قال له : شهر عليك المسدس ؟ قال له : لا والله ، قال له : كيف تشتكي عليه ؟ قال : قال لي : انزل فنزلت ، هذا الرجل يحتاج إلى مستشفى مجانين .
الأستاذ علاء :
 كنا نود أن نكمل في هذا المبحث إن شاء الله في الحلقة القادمة ، لكن جاء الوقت المخصص لفيلمنا العلمي ، ماذا اخترت لنا سيدي ؟.
الدكتور راتب :

الموضوع العلمي : التمساح :

1 ـ رحلة مع التمساح !!!

 في موضوع عن التمساح ، الحقيقة إنه حيوان يلفت النظر ، أحيانا تجد بلدا غربيًا شديد القسوة على الشعوب الأخرى ، وعلى المواطنين هو من أرحم ما يكون .
 لنقم برحلة إلى قارة إفريقيا ، ونتابع هذا الشكل من الحماية التي تصل إلى حد الروعة ، تعيش في نهر النيل تماسيح النيل ،والتماسيح من أشد أصناف الحيوانات اكتراثاً على وجه الأرض ، ومع ذلك تأخذ هذه الحيوانات مكاناً لها من أشفق أمهات العالم .

2 ـ التمساح من أرحم الحيوانات بصغارها :

 هناك حالتان حادتان ، تغرز أثنى التمساح بيوضها في رمال الشاطئ ،وعندما يحين وقت فقس البيض تبدأ بحفر الرمال بدقة واهتمام ، إنها دقيقة جداً ، كي لا تتضرر بيوضها ، تبدأ البيوض بالفقس بمجرد إزالة الرمال عنها ،وتظهر التماسيح الصغيرة كما نرى على الشاشة ، وفي هذه الأثناء تحدث واقعة عجيبة جداً ، تحرك التمساح الأم أسنانها الحادة ، وتفتح فمها الضخم ، وتضع صغارها في فمها ،أوائل المشاهدين لهذه الحادثة من العلماء ظنوا أن التمساح يأكل صغاره ، لكن الحقيقة مختلفة تماماً ، فآمن مكان في الساحل لأجل الصغار أفواه أمهاتهم .
 تضع الأم جميع صغراها واحداً واحداً في فمها برحمة واهتمام كبيرين ، الصغار الخارجة من البيوض كأنها تستنجد بأمها كي تدخل إلى فمها ، تأخذ التمساح البيوض التي لم تفقس بعد أيضاً ، وتضغط على البيض بخفة بحيث تزيل قشرتها فقط ،هذه الأسنان الحادة كالشفرة يمكن أن تمزق جاموساً ، وهي من أشد الأسنان في الحيوانات ، جاموس بأكمله تمزقه ،وإذا مسكت بيضة ابنها فبضغط خفيف ، وتضغط على البيض بخفة حيث تزيل قشرتها فقط ، هذه الأسنان الحادة كالشفرة يمكن أن تمزق جاموساً كبيراً ، أو غزالاً عندما يعض التمساح فريسته ،تأخذ هذه التماسيح صغارها التي في فمها إلى النيل ، إلا أنها عندما تأخذ صغراها تتصرف برحمة ودقة إلى درجة أن الصغار لا يتأثرون بأي ضرر من هذه الأسنان الحادة .
تعود الأم إلى النهر بعد أن ملأت فمها تماماً بصغارها ، تأتي إلى الماء الضحل الآمن التي عينته من قبل ، ثم تفتح فمها ، وتهزه باهتمام تضع الصغار والبيوض التي لا تزال في قشورها ، في ذلك الماء بلطف ، وفي لحظة يغطي الماء صغار التمساح ،يتحول حيوان مفترس ، ومتوحش كالتمساح إلى أم حنون ذات رحمة بإلهام من الله تعالى في فترة وضع بيضها ، الصغار من الآن تحت حماية القرب من أمهاتها في كل لحظة .

3 ـ التمساح لا يأكل لحم تمساح !!!

 أما القصة الثانية دقيقة جداً وهي : في الأيام نفسها يلاحظ نشاط تحت التراب قرب عش التمساح ، تفقس بيوض السلاحف تحت الرمال وتخرج صغارها إلى السطح شيئاً فشيئاً ، هذه الكائنات الصغيرة التي لا تملك حماية تجاه الأخطار مضطرة إلى الوصول إلى الماء في أقرب وقت كي تعيش هناك كما نرى ،إنها تركض بشكل معجز إلى الماء بمجرد ولادتها ، الآن وفي طريقها تماسيح ضخمة لا تضر التماسيح الصغار أبداً ،بل تمر صغار السلاحف بأمان أمامها ، أمام هذه الوحوش الضارية ، هذه السلحفاة التي نشاهدها على الشاشة ضلت طريقها ، وتواجه في لحظة تمساحاً جائعاً يتشمس على الشاطئ يكبرها بالآلاف الأضعاف ، يشعر التمساح بالصغير ، ولأول وهلة تبدو السلحفاة وكأنها فقدت حياتها ، تفتح التمساح فمها فجأة وتأخذ صغير السلحفاة بين أسنانها الحادة ، إلا أن هدفها ليس أكلها ، بل يعمل هذا التمساح على وضع السلحفاة في فمه ، ويعدله على أن يكون على وضع صحيح ، وتحمل التمساح السلحفاة الصغيرة التي أضاعت طريقها ، ولم تستطع الوصول إلى الماء بشكل محير ، ويأخذها ، ويدفعها إلى الماء .

4 ـ ويقتل بعضُنا بعضًا عيانًا !!!

 إلى الآن تم قتل خمسة آلاف طفل فلسطيني في ست سنوات ، والتمساح يحافظ على صغير السلحفاة .
الحقيقة نحن نعيش في عالم متوحش ، الإنسان بلغ أعلى درجة في التقنية والاختراع ، لكنه في العلاقات الإنسانية في الحضيض ،الله تعالى خلق كل كائن على وجه الأرض أودع فيه عاطفته تجاه أولاده ، فهذه من آيات الله الدالة على عظمته .

الأستاذ علاء :
 هذا الفيلم الذي كنا نتابع ، والذي كنا نشاهد كيف أن هذا المخلوق الشرس عندما يوصف إنسان في قسوته ، وفي ظلمه ، وفي اعتدائه كالتمساح ، وإذا ذرفت دموعه ، وهو ظالم كدموع التماسيح .
الدكتور راتب :
 من أجل أسيرين دُمر لبنان بأكمله ، قسوة ما بعدها قسوة ، عصر توحش .
الأستاذ علاء :
 الأطفال ، والنساء ، أشلاء الأطفال ، تقصف البيوت بالمدافع .
الدكتور راتب :
 أنا لفت نظري التمساح كم هو عطوف على أولاده ، وكم هو متوحش مع غيره .
الأستاذ علاء :
 كنا نود أن نستمر في حديثنا ، لكن الوقت أدركنا ، الشكر الجزيل لأستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
 شكراً سيدي الأستاذ نكمل موضوعنا إن شاء الله في الحلقة القادمة . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور