وضع داكن
24-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 48 - الاختيار - حسن الاختيار سبب النتائج الحسنة ـ اللقالق
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
كنا قد تحدثنا في حلقات سابقة عن مقومات التكيف التي تتلخص في الكون والعقل والفطرة والشهوة ، ووقفنا عند الاختيار ، وقلنا : إن الاختيار مفصل هامٌّ ، و فردنا له عدة حلقات ، وقيل : إن الاختيار جاء في صلبه بالتكريم ، وعند تعطي شخصاً حرية الاختيار إنما تعطيه المكانة والقدرة على أن يفعل أو لا يفعل ، دون أن تدخّل ، أو مشيئة ، والاختيار يجعل من العمل شيئاً ثميناً نلقى الله به ز
الآن وكنت قد طرحت أمثلة عديدة ، لو أن الله عز وجل فرض علينا أن نفعل الخير .
الدكتور راتب :

ماذا لو أجبرَنا الله على فعلٍِ الثواب :


لو أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والجنة والنار والتكليف وحمل الأمانة ، ولألغي كل شيء .
الأستاذ علاء :
لذلك الله عز وجل أعطانا الاختيار فيما كلفنا به حتى لا يكون الاختيار مطلقا في أشياء محجوب عنها الاختيار .
الدكتور راتب :
لم يختر أحدنا أمه وأباه .
الأستاذ علاء :
جنسه مكان ولادته ، لون بشرته ، طوله .
الدكتور راتب :
لكن العلماء يؤكدون أن هذا الذي ليس لنا فيه خيار هو محض خير لنا ، ولو كشف الغطاء لما اخترنا غيره ، وهذا معنى قول بعض العلماء : " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني " .
الأستاذ علاء :

حسنُ الاختيار سببُ النتائج الحسنةِ :

نأتي إلى مسألة هامة ، وإلى محطة في قضية الاختيار ، الاختيار يقتضي أن نختار الشيء ، أن نختار الطريق ، أن نختار العمل ، وبالتالي هذا الاختيار معوَّل عليه نتائج ، وهذه النتائج إما أن تكون هناك مثوبة ، وإما أن يكون هناك عقاب ، فإذا أحسن الإنسان الاختيار فهناك نتائج إيجابية .
الدكتور راتب :
القضية مصيرية متعلقة بالأبد ، بسعادة الأبد أو بشقاء الأبد ، قال تعالى :

إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

( سورة الزمر : 15)

الأستاذ علاء :
الآن هذا الاختيار معول عليه حياته الأبدية ، نأتي إلى مفهوم واضح ، هو مفهوم المغفرة والعذاب ، الثواب والعقاب ، قال تعالى :

وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

( سورة المائدة )

الدكتور راتب :

مفهوم المغفرة والعذاب ، والثواب والعقاب :

على هذه وتلك نبتدئ من هنا إن شاء الله .

1 ـ الإنسان مكرَّم :

لكن بادئ ذي بدء ، أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، ينبغي أن نوضح بعضَ المسلَّمات :
أن الإنسان مخيّر ليثمن عمله ، ولكرامته عند الله ، وأن الله سبحانه وتعالى كما أنه من صفاته أنه مريد منح هذه الصفة للإنسان ، وقد يفهم بعضهم أن الله سبحانه وتعالى منح بعض صفاته للإنسان من قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

 

>(( إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ))

 

[ مسلم ]

2 ـ ربُّ الناس رحيمٌ بهم :

لكن الموضوع اليوم دقيق جداً ، ووجهُ الدقة فيه أن الإنسان مخير ، لكن الله رب مُرّبٍّ محب رحيم ، لو أن الإنسان مخير ، وكفر ، واختار طريق الشقاء ، وتركه الله عز وجل حتى ينتهي مصيره إلى الشقاء فليس رباً ، كالأب تماماً ، ولله المثل الأعلى ، لو أن الابن أخفى عن أبيه أخطاءه وانحرافاته ، الأب يتابع ويعالج ، أما لو أنه موظف عندك ، ولا علاقة لك به إطلاقاً ، يهمك فقط مدى إنجاز عمله ، أما حينما تكون أبا لهذا الموظف ، تريد أن تحصي عليه أخطاءه ، لا من أجل الإحصاء ، بل من أجل التقويم ، لأن الله رب العالمين ، لأن الله هو الرحمن الرحيم ، سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وهو أرحم الخلق بالخلق ، فحينما وصل إلى الطائف لينقل أهلها من الظلمات إلى النور من الشقاء على السعادة بالغوا في الإساءة إليه ، بالغوا في السخرية منه ، بالغوا في تكذيبه ، أغروا صبيانهم بإيذائه ، فلما جاءه جبريل ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

>(( هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ : ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ البخاري ]

ما تخلى عنهم ، واعتذر عنهم ، فإنهم لا يعلمون ، ودعا لهم بالهدى ، ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحّده ، لذلك أرحم الخلق بالخلق على الإطلاق سيد الخلق ، ومع ذلك يقول الله له : 

فَبِمَا رَحْمَةٍ

(سورة آل عمران : 159)

تنكير تصغير : 

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ

(سورة آل عمران : 159)

ويقول عن ذاته العليا : 

وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ

(سورة الكهف : 58)

الرحمة كلها مِن عند مَن ؟ لذلك ربنا أرحم الراحمين ، قال تعالى :

وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ

(سورة الأعراف )

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى

(سورة طه )

هذا الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، هذا الذي قال : ما علمت لكم من إله غيري ، هذا الذي قتل أبناء بني إسرائيل ، واستحيا نساءهم ، هذا الذي تجبر وتكبر ، ونسي المبتدى والمتنهى ، قال : أنا ربكما الأعلى ، قال الله لسيدنا موسى ولنبيه من أولي العزم : 

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى

(سورة طه )

يقول بعضهم : يا رب ، إذا كانت رحمتك لمن قال : أنا ربكم الأعلى ، فكيف رحمتك بمن قال : سبحان ربي الأعلى ، إذا كانت رحمتك بمن قال : ما علمت لكم بإله غيري فكيف رحمتك بمن قال : لا إله إلا الله ، لذلك الرحمة كلها عند الله .
تروي بعض الأخبار ، وليست هذه القصة واقعية ، لكنها رمزية ، أن نبياً مر بأمٍّ تخبز على التنور ، وكلما وضعت الرغيف بالتنور مسكت ابنها ، وقبلته ، وشمته ، فعجب هذا النبي الكريم من هذه الرحمة ، قال : يا موسى ، هذه رحمتي أودعتها بقلب أمه ، وسأنزعها ، فلما نزعها وبكى ألقته في التنور ، لذلك :

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ

( سورة آل عمران : 159)

الله عز وجل رحيم ، لو أن هذا الإنسان اتخذ قراراً خاطئاً ، اختار الدنيا ، اختار الشهوة ، اختار أن يبني مجده على أنقاض الآخرين ، اختار أن يبني عزه على إذلالهم ، اختار اختياراً خاطئاً ، اختار اختياراً يقوده إلى جهنم ، يقوده إلى شقاء الدنيا وعذاب الآخرة ، يقوده إلى الضياع ، يقوده إلى الانتحار ، يقوده إلى الإحباط ، يقوده إلى الذل ، الله موجود ، وهو رحيم ، وفي بعض الآثار : " لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي على ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إلي ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين " .
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلى بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إليّ ، مَن أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشر أمثالها ، وأزيد ، والسيئة بمثلها ، وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها .
الآن الله عز وجل أعطى الإنسان الاختيار ، لكن لو أنه أساء في الاختيار ، اختار طريقاً يفضي الشقاء ، إلى الإحباط ، إلى اليأس ، إلى شقاء الدنيا ، وعذاب الآخرة ، الله رب العالمين قال :

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ

( سورة الأنعام )

وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ

( سورة الأنعام )

3 ـ المعالجةُ الربّانية ضرورية لتوبة العبد :

تقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، لذلك كل ما نرى من شرور هي على الشبكية شرور ، لكن هي محض رحمة ، لأن هذه هي النعم الباطنة ، قال تعالى :

 

وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً

( سورة لقمان )

النعم الباطنة المعالجات ، وفي حلقة سابقة كما تفضلت وسألتني : ما معنى تاب الله عليهم ليتوبوا ؟ ساق إليهم من الشدائد ما يحملهم بها على التوبة ، فلذلك الفضل الكبير لله ، حينما يساق للإنسان بعض الشدائد ، وفي الأثر أن الله أوحى إلى الدنيا : " أن تكدري ، وتمرري ، وتضيقي على أوليائي حتى يحبوا لقائي " .
والله أستاذ علاء ، أحياناً الشدائد تسوق الإنسان إلى باب الله ، والرخاء والترف حجاب بين العبد وربه ، هذا معنى قوله تعالى : 

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى

( سورة العلق )

4 ـ حسنُ الاختيار سبب السعادة :

الآن الإنسان مخير ، ولأنه مكرم عند الله هو مخير ، ولأن الاختيار يثمن عمله ، هو مخير ، فإذا أصاب في اختياره شرح الله صدره ، وشعر هذا الإنسان بسعادة لا توصف ، قال تعالى : 

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ

( سورة الحجرات : 7)

فلو أن الإنسان اختار الصواب لشعر بانشراح وتوفيق ، وسعادة ونمو نفسي وإقبال ، حتى يقول : ليس في الأرض من هو أسعد مني ، بأي ظرف ، بأي وضع ، بأي معطيات ، بأي بيئة ، هو سعيد في الفقر وفي الغنى ، وفي القوة والضعف ، وفي إقبال الدنيا وإدبارها ، وقبل الزواج وبعد الزواج ، وقبل المرض وبعد المرض ، هو اتصل بالأصل بالمطلق ، اتصل بالرحيم ، فلذلك يقولون : " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة إنها جنة القرب " .
" ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ " .

 

والله وإن فتتوا في حبهم كبـدي باق على حبهم راض بما فعلوا
هم الحبة إن جاروا وإن عدلـوا فليس لي عنهم معدل وإن عدلوا
***
فليتـــك تحلو والحياة مريرة ولـيت ترضى والأنام غضـابُ
وليت الذي بيني وبينك عـامـر وبيني وبيـن العالمـين خرابُ
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكـل الذي فوق التراب ترابُ
***

يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن ينال منك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟ يتطاول عليك ابنك . 

5 ـ حسنُ الاختيار سبب لتولي الله للعبد ونصرتِه :

لذلك إن سألتني ألخص مشكلة المسلمين في العالم اليوم المليار والخمسمئة مليون هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، قال تعالى : 

وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً

( سورة النساء)

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

( سورة غافر : 51)

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ

( سورة الصافات)

وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

( سورة الروم )

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

( سورة النور : 55)

وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي

( سورة النور : 55)

الكرة في ملعبنا .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، نقلتنا على مسألة أن النصر ، وأن التأييد ، وأن الحفظ والعناية من عند الله تقتضي المقدمة من الإنسان والإيمان ، كل من أتى على ذكرهم الله عز وجل يجمع بينهم الإيمان .
الدكتور راتب :

الكرة في ملعبنا :

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ

( سورة البقرة : 249)

لو استعرضنا مِن الحياة الأحداث القريبة نرى أن منا الله عز وجل أرسل إلينا رسالة في الشهرين السابقين ، أنني موجود ، وأن الأمر بيدي ، وموازين القوى بيدي ، وسأريكم كيف أن جيشاً هو الأول في الشرق الأوسط ، قوة وعدة ، وعتاداً وإعداداً ، وطيرانًا ومدرعات ، كيف أذله الله على يد ثلاثة آلاف إنسان فقط ، الموازين بيد الله ، وإذا أراد الله ينتصر إنسان لم يكن النصر بين يديه ، فالكرة في ملعبنا ، وإن تعودوا نعد ، قال تعالى : 

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

( سورة الرعد : 11)

وزوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين ، إلا أن هذه الآية : 

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

( سورة الشورى : 49)

الكونُ كلُّه ملكٌ لله تعالى :


هذه اللام لام الملكية ، السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ، لكن ملكية الله للخلق أو للكون ملكية مطلقة .أنا أحياناً أملك بيتاً ، ولا أنتفع به ، فهي ملكية ناقصة ، كأن يكون مؤجَّرًا على النظام القديم ، وأحياناً أنتفع ببيت ولا أملكه ، وأحياناً أملكه وأنتفع به ، لكن عرضه لقانون تملك أو استملاك مصيره ليس إليك ، العلماء قالوا : ملكية الله لخلقه ملكية حقيقية ، ملكية مطلقة ، ملكاً وتصرفاً ومصيراً ، ملكاً حقيقياً ، وتصرفاً مستمراً ، ومصيراً أبدياً ، قال تعالى :

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

( سورة الشورى : 49)

الإنسان عبد مملوك لله تعالى :

فنحن من ضمن ما يملك الله عز وجل ، بالمعنى الأوسع حياتك بيده ، رزقك بيده ، صحتك بيده ، زوجتك بيده ، يقول بعض العارفين ، وهو الإمام الشعراني : " أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي " ، وأنا أقيس على هذا أن المرأة يجب أن تعرف مقامها عند ربها من أخلاق زوجها ، لأنه ما تواد اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما .

 

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

( سورة الشورى : 49)

ملكية مطلقة ، هذا الشريان التاجي قد يضيق ، فتبدأ متاعب التي لا حصر لها ، يشعر بذبحة صدرية يحتاج إلى قسطرة ، يحتاج إلى تبديل شرايين ، يحتاج إلى قلب مفتوح ، يحتاج إلى نصف مليون ليرة ، الشريان التاجي بيد الله ، سيولة الدم بيد الله ، إذا تجمد الدم في بعض أوعية الدماغ الفرعية يصاب في مكانٍ بشلل ، وفي مكان عمى ، وفي مكان بفقدِ ذاكرة ...
الآن الأولاد بيد الله ، قد يأتي مرض لولد يكلفك كل ما تملك .
مرة أخ من إخواني قال لي : إذا أنجب الإنسان طفلاً سليماً فهذا الطفل معه مليون ليرة ، ما فهمت عليه ، قلت له : كيف ؟ اشرح لي ، قال لي : ابنتي جاءها طفل صغير ، كان الوريد محل الشريان ، وفي القطر السوري ما مِن خبير بهذه العملية ، وفي لبنان طبيب يكلف أربعمئة ألف ، والمستشفى ثلاث مئة ألف ، والسيارة خمسين ألفًا من المستشفى إلى البيت ، قال لي : دفعت خلال ساعتين سبعمئة وخمسين ألفا ، فأن يأتي الطفل سليمًا من نعم الله الكبرى ، هذا بملك الله ، قال تعالى :

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

( سورة الشورى : 49)

بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية :

الآن هناك أمراض جسمية وأمراض نفسية ، الفرق بينهما كبير ، الأمراض الجسمية مهما كانت عضالة تنتهي عند الموت ، عظّم الله أجركم ، كان سرطان معه ، وانتهى بالموت كل شيء ، لكن الطامة الكبرى أن الأمراض النفسية تبدأ بعد الموت ، تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين .
إذا وصل الإنسان إلى شفير القبر ، وهو معافى من كل أمراضه النفسية فهو أكبر إنجاز على الإطلاق ، أن يصل الإنسان إلى القبر طاهراً ، أما الطامة الكبرى فقد يكون صحيح الجسم ، ويموت فجأة لسبب أو لآخر ، ويدخل القبر ، فتبدأ المتاعب ، قال تعالى :

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ

( سورة غافر )

من ستة آلاف عام آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشيا ، إلى يوم القيامة .
الأستاذ علاء : 

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً

( سورة الكهف : الآية 47 )

الدكتور راتب :

العاقل مَن يعدُّ نفسه لساعة الموت :

والله يا أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، ما من إنسان على وجه الأرض أزكى وأعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، لأن كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر .

كُلُ اِبنِ أُنـثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
فإذا حملت يوما إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمـول
***

ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، قال تعالى :

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض

( سورة الشورى : 49)

قال تعالى :

وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ

( سورة البقرة : 284)

من أمراض نفسية ، أو تخفوه ، لأنه رب رحيم ، يحاسبكم به الله ، الابن إذا كان أبوه طبيبا ، ورأى وجهه مصفراً ، لو تكلم الابن ، أو لم يتكلم يعالجه ، تقتضي رحمة الأب الطبيب العالم الرحيم أن يعالج ابنه من مرض رأى ظواهره عليه ، سواء أذكر الابن مرضه أو لم يذكره ، نحن إذا لم تشتك لا نتصرف بشيء ، نحن كبشر إذا ما شكا الإنسان لك مشكلته أنت مرتاح ، أما الله رب العالمين فلا بد من أن يتابعنا هذه الرحمة ، الرحمة هي المتابعة .
مَن هو اليتيم ؟ لي تعريف خاص لليتيم : قد يكون له أب وأم ، اليتيم من يجد أماً تخلت عنه ، أو أباً مشغولاً ، أب مشغول ، هذا بحكم اليتيم ، أما مثلاً أب يقظ يتابع ابنه ، دراسته ، صحته ، أخلاقه ، دينه ، عقيدته ، أوقات فراغه ، مَن أصدقاءه ، يرعاه ، هيأ له كل الشروط ، هذا ولي عظيم لهذا الابن ، مرة قرأت آية والله بكيت :

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ

( سورة محمد : 11)

لا يستويان أبدًا :

تصور ابنا له أب عظيم أب مربٍّ قدير ، يهتم به ، يسعى إلى أن يكون في أعلى مرتبة ، وابن مشرد من حانة إلى حانة ، من ملهى إلى ملهى ، من سجن إلى سجن ، من شذوذ إلى شذوذ ، هل هذا مثل هذا ؟ لذلك يقول الله تعالى :

 

أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ

( سورة السجدة )

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

( سورة القلم )

أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

( سورة القصص )

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

( سورة الجاثية)

وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور

( سورة سبأ )

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ

( سورة الزلزلة)

وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً

( سورة الكهف)

فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ

( سورة الروم)

وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً

( سورة النساء)

مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ

[ سورة الأنبياء]

آيات لا تعد ولا تحصى تنفي عن الله عز وجل الظلم ، لكنك لا تستطيع بعقلك أن تكتشف عدل الله إلا بحالة مستحيلة ؛ أن يكون لك علم كعلمه ، لكن الله أخبرك بكلامه اليقيني القطعي الثبوت أنني لا أظلم ، فهذا الموضوع موضوع إيماني ينبغي أن تؤمن ، فالآية دقيقة جداً .

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ

( سورة البقرة)

من أمراض نفسية ، كالأب الطبيب يعالج هذه الحالة .
الآن الإنسان مخير ، عنده مرض نفسي ، في طريق سليم ، وأنت في صحتك ، وأنت في مكانتك ، وأنت في بحبوحتك ، وأنت معافى ، وعندك بيت ومركبة ، وأولادك ، أمامك بالإقبال على الله ، والتوبة إليه وذكره ، والاستفادة من الوقت المتبقي ، أنت عندئذ تُشفى .
الأستاذ علاء :
سنقف عند هذه الحالة ، نتابع إن شاء الله في الحلقة القادة ، لأنه بقي دقيقتان للمادة العلمية .

الموضوع العلمي : رحمة الأم عند حيوان اللقلاق :

الدكتور راتب :
المادة الآن قصيرة لأنها إتمام لموضوع طويل بدأنا به سابقاً ، الرحمة والحنان في عالم الحيوان ، وهذا درس للإنسان.
التضحيات لأجل الصغار ، تشاهد من أبرد المناطق إلى أشد المناطق حرارة في العالم ، كل هنا غابات تايلاند ، أهم مشكلة هنا لصغار اللقالق المولودة الحرارة التي لا تحتمل ،لهذه السبب تُحضر اللقالق الكبيرة المياه إلى أعشاشها بمناقيرها ، وتصب هذا الماء على صغارها التي لم تنبت أرياشها بعد ،هذا الاستحمام البارد يخفف حرارة الصغار ولو قليلاً .
أنا أعجب كيف أن الأم أحياناً تهمل أولادها ، أو الأب يهمل أولاده ، الحيوان الأعجم يأتي بالماء البارد بمنقاره ، ويصبه على صغاره ، ثم في الشمس التي لا تحتمل يمد أجنحته كالمظلة تماماً ،هو يحترق ، والصغار ينعمون بالظل ، والماء البارد ، هذا من رحمة الله بخلقه ، وهذه رحمة أودعها الله في قلوب لكائنات جميعاً .

الأستاذ علاء :

خاتمة وتوديع :

شكراً لك سيدي الكريم ، الوقت أدركنا لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نكمل خاصة عندما وصلنا إلى أن الله يغفر لمن يشاء .
الدكتور راتب :
وفي الحلقة القادة نكمل قوله تعالى :

﴿ يُعَذَّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾

الأستاذ علاء :
الله يجعلنا ممن غفر لهم ممن تعنيهم الحلقة الأولى ، شكراً لك وسلام الله عليك ورحمته وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور