وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 1163 - الرؤية الصحيحة أصل في صحة العمل - التفريق بين قضاء الله والتقصير.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الإنسان بين دخول الدنيا و مغادرتها :

الإنسان بين دخول الدنيا ومغادرتها
أيها الأخوة الكرام، الواحد منا يأتي إلى الدنيا وهو لا يعلم شيئاً، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾

[ سورة النحل : 78]

ويخرج منها بعد عمر مديد وهو لا يعلم إلا القليل، ويجهل الكثير الكثير، وهو بين القدوم النضر المتفتح، والأفول الذابل الواهي، هذا شأن البشر جميعاً، ويبذل الكثير من الجهد، ويلاقي الكثير من العناء في سبيل امتلاك رؤية صحيحة، لأن العمل سببه رؤية، فإن كانت الرؤية صحيحة كان العمل صواباً، وإذا كان صواباً سعدت بعملك في الدنيا والآخرة.
وإذا كانت الرؤية غير صحيحة جاء العمل غير صحيح، فشقي الإنسان في الدنيا والآخرة، أين البطولة إذاً؟ أن تملك رؤية صحيحة، الرؤية تسبق العمل، هذا الذي يسرق ماذا رأى؟ رأى أنه يأخذ مالاً كثيراً بلا جهد، وغاب عنه أنه سيحاسب ويلقى في السجن، والذي يقتل ماذا رأى؟ رأى أنه بهذا القتل يفوز فوزاً عظيماً، فإذا به بعد أيام يعلق على حبل المشنقة، أين المشكلة؟ الرؤية، إما أن تملك رؤية صحيحة تنقلب إلى عمل صحيح، فتسلم وتسعد به في الدنيا والآخرة، أو ألا تملك رؤية صحيحة فيأتي العمل منحرفاً، فيه عدوان، أو فيه إثم، ويشقى فيه الإنسان في الدنيا والآخرة، لذلك سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال مرة:

(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))

[ متفق عليه عن حذيفة رضي الله عنه]

لماذا تناقض الواقع مع وعود الله عز وجل ؟

لماذا تناقض الواقع مع وعود الله
لذلك أردت أن تكون هذه الخطبة التي تأتي قبل رمضان كي نعرف أين الخطأ في حياة المسلمين؟ لماذا وعود الله عز وجل ليست مطبقة؟ ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

بربكم و الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، هل نحن كمسلمين في العالم مستخلفون؟ لا والله:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

هل هذا الدين الإسلامي مُمكن في الأرض أم شنت عليه حرب عالمية ثالثة؟

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾

[ سورة النور : 55 ]

هل المسلمون آمنون أم خمسة دول إسلامية محتلة؟ الواقع يتناقض مع وعود الله، أين الخطأ؟ أي بشكل أو بآخر إنسان يركب مركبته، لأمر مهم توقف المحرك، أيهما أفضل أن يندب حظه وأن يتهم نفسه أنه سيئ الحظ أم أن يصرخ أم أن يفتح غطاء المحرك ليرى أين الخلل؟ أيهما أفضل؟
الموقف العلمي، الموقف الحضاري، الموقف الرائع لا أن نندب حظنا، لا أن نقول: انتهينا، العالم كله يحاربنا، الإسلام مرفوض في العالم كله، أمرنا ليس بيدنا، كمسلمين علينا أن نبحث عن الخطأ أين هو ونزيله، القوانين ثابتة، هناك خطأ ابحث عنه، أزله، يكون الأمر كما تتمنى:

 

﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾

[ سورة فاطر: 43 ]

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمسلمين :

أقول دائماً: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده لك:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

لذلك أيها الأخوة، نحن في أمس الحاجة إلى وحي السماء.

(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، ... فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ مسلم عن أبي ذر]

السؤال من وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ابحث أين الخطأ؟ أين المعصية؟ ابحث عن سبب هذه المشكلة، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾

[ سورة التغابن: 11 ]

الضوء للعين كالوحي للعقل :

أيها الأخوة، أرأيتم إلى هذه العين، ما قيمتها من دون ضوء يتوسط بين العين وبين المرئي؟ لو وضعت في غرفة إنساناً بصيراً وآخر كفيفاً وأطفأت الضوء، يستويان، فالعين تحتاج إلى ضوء، يقاس على ذلك والعقل يحتاج إلى وحي، الضوء للعين كالوحي للعقل، من دون وحي:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴾

[ سورة المدثر: 18-28 ]

استخدم عقله من دون وحي السماء، كالذي يستخدم عينه في الظلام لا تقدم له شيئاً.

 

علة خيرية الأمة الإسلامية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

أول نقطة في هذا اللقاء الطيب أن الله عز وجل بقرآنه الكريم يقول:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

معنى كنتم في هذه الآية أي أصبحتم بهذه البعثة خير أمة أخرجت للناس، ما علة هذه الخيرية؟ قال تعالى:

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا : وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

نحن في زمن يكاد المؤمن يذوب قلبه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، كل الذي يقال كذب بكذب، صحفية عاصرت ثمانية رؤساء أمريكيين، يزيد عمرها عن خمسة وثمانين عاماً لأنها قالت كلمة واحدة قبل شهر: على اليهود أن يعودوا إلى أرضهم، طردت من البيت الأبيض، كلمة واحدة، أين الحرية؟
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، مليون قتيل في بلد مجاور لنا شرقاً، مليون معاق، خمسة ملايين شريد، كل شيء دمر وسرق، هذا الفوضى الخلاقة، تخلق ماذا؟ نحن في عصر دجل، لذلك ورد في بعض الأحاديث أنه: في آخر الزمان سيأتي الأعور الدجال من بعض فهم الناس لهذا الحديث أعور يرى بعين واحدة، يرى مصلحته ولا يرى مصالح الآخرين، يرى كرامته ولا يرى كرامة الآخرين، مثل أسوقه كثيراً، جاءنا رئيس أمريكي برنامج زيارته مذهل الشرق الأوسط تل أبيب رام الله دمشق، رابع بند زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي، أحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير ما خطر في باله أن يزور أسرة واحدة.

 

من لم يكفر بالطاغوت لن يؤمن بالله عز وجل :

الطواغيت ضربوا بأحدث الأسلحة الأبرياء بغزة
أيها الأخوة الكرام، كلمة من القلب إلى القلب، ما لم نكفر بالطاغوت لن نؤمن بالله، ما لم نكفر بطواغيت الأرض الذين ينهبون الثروات، يقهرون الشعوب، يقيمون الحروب المدمرة، حروب إبادة، ومع ذلك يتربعون على وسائل الإعلام ويقولون: جئناكم من أجل الحرية، كي نتحرر من ماذا؟ أيها الأخوة الكرام، هذا الأعور الدجال يقول عكس الواقع، ويرى بعين واحدة، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف الإنسان الغربي المتأخر بهذه الصفة، تصريحاتهم مثلاً عقب حرب غزة تمّ قتل ألف وخمسمئة طفل وامرأة بأرقى الأسلحة، بالأباتشي، وf16، بيوت هدمت، شعب آمن أعزل، محاصر، بطولة العدو بهذه الأسلحة الفتاكة على شعب أعزل، هذه الأسلحة لجيش آخر من نفس المستوى أوربا اجتمعت في شرم الشيخ من أجل أن تتخذ قراراً، أغرب توصية سمعتها أنهم جاؤوا ليمنعوا تهريب السلاح للمقاومة، أما ألف وخمسمئة طفل وامرأة يقتلون بأرقى الأسلحة لا تعليق ولا إشارة، ما لم نكفر بالطاغوت لن نؤمن بالله، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

أيها الأخوة، نحن في موضوع الخلل، غيبة الوعي خلل، فقدان الهوية الإسلامية خلل، اختفاء الطريق إلى الله خلل، فقد الوسيلة خلل، هذا بعض حجم المشكلة، فقد الهوية، غيبة الوعي، اختفاء الطريق، ضبابية الهدف، فقد الوسيلة، هذا هو الخلل الذي نعانيه في المسلمين، لا أقصد دولة واحدة أتحدث عن مجموع المسلمين في العالم الإسلامي.

 

المسلمون أمة الوسطية فإن مالوا يمنة أو يسرة فقدوا خيريتهم :

المسلمون أمة الوسطية
يجب أن أذكركم بآية، حينما قالت اليهود والنصارى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾

[ سورة المائدة :18]

الله عز وجل لم يقبل دعواهم، فردّ الله عليهم؟

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[ سورة المائدة :18]

ولو قال المسلمون هذا الكلام نحن أمة محمد، نحن أمة سيد الخلق وحبيب الحق، نحن أمة الوحيين، الرد الإلهي جاهز، قل: فلمَ أعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق، أنا لست من أنصار الكلام المريح الذي يدغدغ الأسماع، أنا من أنصار الحقيقة المرة التي تهز العقول، تهز القلوب، ما لم ننطلق من الوهم المريح إلى الحقيقة المرة فلن نتقدم إطلاقاً، علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كم إنسان تأتيه ابنة أخيه بأبهى زينة، بثياب فاضحة، بثياب تبرز كل محاسنها، يستقبلها، ويرحب بها، ويسألها عن أبيها، ويبارك لها شبابها، و يسألها عن دراستها، ولا يخطر في باله أن يلفت نظرها إلى هذه الثياب التي لا تليق بالمسلمة، حينما ألغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدنا خيريتنا:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

أيها الأخوة الكرام، وإذا قلنا نحن خير أمة، الجواب:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[ سورة المائدة :18]

نحن أمة الوسطية، الكمال في الوسط، الاعتدال في الوسط، الحق في الوسط، الفضيلة في الوسط، التوازن في الوسط، الوسط قوة، فإذا ملنا يمنة أو يسرة، شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً، لا نكون وسطيين، نكون متطرفين، وعندئذ نفقد خيريتنا.

 

تصنيف الناس أنفسهم إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان :

شيء آخر، إن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

[ سورة الأنبياء : 92]

نحن ماذا فعلنا؟ جعلنا أنفسنا طوائف، وجماعات، وأشعريين، وماترديين، ومتفوقين، وما إلى ذلك من تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان، مع أن الله عز وجل يقول:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل: 1-4 ]

دقق:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل: 5-6]

صدق أنه مخلوق للجنة، اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، الرد الإلهي:

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل: 7-9]

كذب بالجنة، وآمن بالدنيا، بنى حياته على الأخذ، أساء لخلق الله عز وجل، الله عز وجل يقول:

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾

[ سورة الليل: 10-11]

بعض نقاط الضعف في حياتنا :

أيها الأخوة، أنا أذكر بعض نقاط الضعف في حياتنا، عدم الوسطية، التطرف، عدم الوحدة، التشرذم، عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التسيب، هذه نقاط الضعف في حياتنا، ضعف آخر لا قيمة للوقت عندنا، هل تصدقون بدراسة علمية دقيقة في جامعات الغرب أن المواطن في بلاد المسلمين يعمل سبع عشرة دقيقة فقط، بينما المواطن في الدول القوية يعمل ثماني ساعات، سبع عشرة دقيقة لن تغلب ثماني ساعات، عمل غير مجدي، داوم و لم أنجز، هذه مشكلة كبيرة جداً:

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة التوبة ]

لا يوجد إنجاز، هناك استعلاء، وتوزيع تهم، وتصنيف، وفوقية، واصطفائية، لكن لا يوجد إنجاز، الأمم الأخرى لها إنجازات مذهلة، بعد هذه الإنجازات فرضت علينا ثقافتها، فرضت علينا إباحيتها، هذه الصحون حرب من نوع آخر، حرب لتدمير ديننا، وأنا أقول دائماً: كلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، وكلما رخص لحم النساء غلى لحم الضأن، وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء، قال تعالى:

﴿اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

لذلك وصفنا عند الأمم الأخرى أننا أمة اقرأ، ويقول أحدهم معلقاً: لكننا اليوم أمة ارقص لا اقرأ. زرت بلداً إسلامياً في إفريقيا، ذكروا لي أن شاشتهم رقص وغناء لمدة أربع وعشرين ساعة، شيء غريب من أجل اختيار مغنيتين كان هناك ست وثمانون مليون اتصال، ما الذي يهم الشعب؟ الغناء، حتى بعد سقوط بغداد من دولة إسلامية صدر أربعاً وستين مليون اتصال، هذه أمة لا تنتصر، لا تنتصر إلا إذا عادت إلى دينها، وإلى مبادئها، وإلى قيمها، لذلك المشكلة كما قال بعضهم: كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون.
والله هناك محطات فضائية إباحية قدمت خصيصاً مجاناً لشمال إفريقيا، هذا بعلمي الدقيق من أجل إفساد دينهم، نحن أمام حروب من أنواع متنوعة، هناك حرب ثقافية، وحرب عسكرية، و حرب إعلامية.

 

من نقاط ضعفنا أيضاً أننا ابتدعنا في الدين ولم نبدع في الدنيا :

من نقاط ضعفنا: ابتدعنا في الدين ولم نبدع في الدنيا والأصل العكس، الأصل هذا الدين توقيفي لا يزاد عليه، ولا يحذف منه، لأنه من عند الله عز وجل، إله عظيم لا يعدل على منهجه، لا يضاف ولا يحذف، فالدين اتباع أما الدنيا فابتداع، ينبغي أن نبتدع حلاً لمشكلاتنا، لمشكلة الشباب، حلاً لمشكلة السكن، لمشكلة التصنيع، نحن قلدنا في دنيانا وابتدعنا في ديننا، والأصل العكس أن نقلد في الدين وأن نبتدع في الدنيا، الله عز وجل حينما قال:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2]

الامتحان لا من أجل تمييز الناجح عن الراسب بل من أجل ترتيب الناجحين فقط، الأصل أن تنجح:

﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

[ سورة البقرة: 282 ]

علمك بالكون، علمك بالأنبياء، بوحي السماء، بالدعاة، بالحوادث، علمك بأشياء لا تعد ولا تحصى، فلمَ لا تتقي الله؟

 

قيمة الإنسان ما يتقنه من عمل :

قيمة الإنسان ما يتقنه من عمل
شيء آخر: قيمة الإنسان ما يتقنه من عمل، سيدنا عمر يقول: " إني أرى الرجل ليس له عمل فيسقط من عيني " ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
الآن نحن نسعد كثيراً إذا ضحى إنسان بحياته من أجل أن يهز كيان العدو، ونطرب لهذا الخبر، ونرتاح له، ولكن لا بدّ من أن أضيف إليكم أن أمتنا بحاجة إلى من يموت في سبيلها، وهي في أمس الحاجة أيضاً إلى من يعيش في سبيلها، ماذا يمنع الشاب أن يختار فرعاً من فروع الجامعة يخدم به أمته؟ يقوي به أمته؟ يحصن به أمته؟ لذلك ينبغي أن نعيش في سبيل هذه الأمة ولا نكتفي أن نكون صالحين، ورد في الأثر أن الله عز وجل أرسل الملائكة لإهلاك قرية، فقالوا : إن فيها رجلاً صالحاً؟ قال : به فابدؤوا، ولمَ يا رب؟ قال : لأنه لم يكن يتمعر وجهه إذا رأى منكراً.
عندما تقول: أنا ليس لي علاقة، فخار يكسر بعضه، ينطبق عليك هذا الحديث، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إسلامي، لذلك:

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

[ سورة هود: 117 ]

ما قال صالحون، قال: مصلحون، المصلح لا يدمر أما الصالح فيهلك لأنه قصر، صالح في نفسه و لم يفكر أن يصلح غيره.

 

العمل قيمة راقية جداً :

العمل قيمة راقية جدا
أيها الأخوة الكرام، العمل قيمة راقية جداً، أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد ابن مسعود وكانت خشنة من العمل، أمسك يده ورفعها وقال: هذه اليد يحبها الله ورسوله، و قال أيضاً:

(( إن قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))

[ أحمد عن أنس بن مالك]

قامت الساعة، وانتهت الحياة، معك فسيلة اغرسها، هل هناك من معنى أدق من هذا المعنى بوجوب العمل؟
سيدنا عمر زار بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية بيد غير المسلمين، فعنفهم أشد التعنيف، فقالوا: لقد سخرهم الله لنا، فقال لهم قبل ألف وأربعمئة عام: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
الخليفة العملاق أدرك قبل ألف وأربعمئة عام أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، تعمير محرك لطائرة يكلف خمسة ملايين دولار، ضرب خمسين، مئتان وخمسون مليون، أربعة محركات مليار، كم طن قمح؟ كم طن قطن؟ كم طن شعير؟ إنتاجك الزراعي كله يذهب في تعمير طائرة، نهبونا حينما باعونا، وحينما اشتروا منا، الصوف يشترونه بسعر يعود علينا نسيجاً من أعلى مستوى بألف وسبعمئة وخمسين ضعفاً، يجب أن نعمل، كل شاب منكم يجب أن يفكر بعمل يخدم به أمته، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ))

[ متفق عليه عن زيد بن أرقم]

لذلك أيها الأخوة:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

لأن المؤمن القوي خيارات العمل الصالح أمامه واسعة جداً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله .

* * *

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

على الإنسان أن يفهم القضاء و القدر فهماً صحيحاً كما أراد النبي الكريم

أيها الأخوة الكرام، حديث أعلق عليه أهمية كبيرة:

((النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))

[ أبو داود عن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ]

طالب لم يدرس أبداً فلم ينجح، يقول: هكذا ترتيب الله، هذا قضاء وقدر، ما بيدي حيلة، كله كذب، متى تقول حسبي الله ونعم الوكيل؟ إذا بذلت أقصى ما تستطيع من الجهد وقبل الامتحان بيوم جاء مرض عضال منعك من تأدية الامتحان، الآن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما قبل أن تدرس، قبل أن تأخذ بالأسباب، هذا كلام يعد كذباً ودجلاً، عود نفسك أن تكون علمياً، إن كان هناك تقصير، هكذا ترتيب الله، ترتيبه أن يصيب ابنك بمرض شديد، لا ليس هذا ترتيبه، هذا تقصيرك، دائماً لا تستخدم القضاء والقدر لتبرير أخطائك، والدليل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

[ سورة النور: 11 ]

حديث الإفك خير، هذا معنى التوحيد، هذا الذي تولى كبر هذا الحديث معفى من المحاسبة؟

﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة النور: 11 ]

لا يمكن أن تستخدم القضاء والقدر لتبرير أخطائك، لا يمكن أن تستخدم القضاء والقدر لتغطية العيوب، هذه عيوب، افهم القضاء والقدر فهماً صحيحاً كما أراد النبي عليه الصلاة والسلام.

 

على المسلمين أن يقفوا في خندق واحد حفاظاً على سلامتهم و وجودهم :

وحدة المسملين ضرورية من أجل سلامتهم
أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 46]

الغرب وضعنا جميعاً في سلة واحدة، حفاظاً على سلامتنا ووجودنا يجب أن نقف جميعاً في خندق واحد، أنا أرى أن معالجة أية قضية خلافية يعد الآن في حق الأمة جريمة، نريد كلاماً يجمعنا، نريد أن نبحث عن القواسم المشتركة، عن التوافقات لا عن الخلافيات:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

[ أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ]

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور