وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الفجر - تفسير الآيات 15-16-17 ، الإبتلاء 1 عطاء الله ابتلاء وحرمانه دواء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

عطاء الله ابتلاء وحرمانه دواء :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في سورة الفجر آيات كريمة دقيقة جداً ، يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾

[سورة الفجر : 16-20]

 أيها الأخوة ؛ مفتاح هذه الآيات في كلمة كلا ، كلا في اللغة العربية أداة ردعٍ ونفيٍ، والردع غير النفي ، إذا سألك شخص : هل صليت الظهر ؟ تقول له : لا ، أما لو قال لك : هل أنت سارق وأنت إنسان عظيم ، لك مكانتك ، رجل مؤمن ؟ لا تقول له : لا ، تقول له : كلا ، إنك تردعه وتنفي عنك هذا الشيء .
 الإنسان أحياناً يتوهم إذا الله أغناه ومتعه بالصحة ، وأعطاه بيتاً فخماً ، وعنده زوجه وأولاد ، أن الله يحبه ، وإذا إنسان آخر حرمه الله ، دخله محدود ، أقل من مصروفه ، بزواجه غير سعيد ، عنده أولاد غير أبرار ، يتوهم أن الله حارمه لا يحبه ، هذان المعنيان ليسا صحيحين، قال الله تعالى :

﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾

[سورة الفجر : 15]

 هذه مقولته ، هذه دعواه ، هذا توهمه ، هذا تصوره ، لا . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ، إنسان دخله محدود ، فيقول : ربي أهانن . الله عز وجل قال :

﴿كَلَّا ﴾

 هذا كلامكم ، هذا ادعاؤكم ، هذا وهمكم ، كيف ؟ ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء وحرماني دواء ، ليس عطائي إكراماً .
 لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء ، فإذا شخص يتمتع بصحة ، له دخل كبير ، له بيت ، هذه نعم ولا شك ، أما يتوهم أن الله يحبه ، والله عز وجل أعطى الدنيا لمن لا يحب ، أعطاها لقارون ، وأعطى القوة لمن لا يحب ، أعطاها لفرعون ، لكن الذي يحبه الله عز وجل آتاه العلم والحكمة . .

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾

[سورة القصص : 14]

 الله عز وجل قال : هذا ابتلاء ، الآن دخلنا في صميم الآية .

 

حظوظ الدنيا حيادية :

 إذاً حظوظ الدنيا ، كلمة حظوظ أنا وسعتها ، الصحة حظ من حظوظ الدنيا ، المال حظ ، الزواج الناجح حظ ، الأولاد حظ ، السمعة حظ ، الذكاء حظ ، حظوظ الدنيا ليست نعماً وليست نقماً ، إنها حيادية ، إما أنها سلم ترقى بها إلى أعلى عليين ، وإما أنها دركات تهوي بها إلى أسفل السافلين .
 متى تبدو هذه النعم سلماً ؟ قال : إذا وظفتها في طاعة الله ، هذا المال أنفقته فيما يرضي الله ، الآن أصبح نعمة ، لماذا أصبح نعمة ؟ لأن خير هذا المال سيعود عليك بعد الموت.
 الزوجة ، إذا أخذت بيدها إلى الله وحملتها على طاعة الله ، الزوجة نعمة أصبحت الآن ، لأنك تنتفع بعملك هذا بعد الموت .
 الأولاد ، نعمة ونقم ، إذا ربيتهم تربية إسلامية نعمة ، لأنك تلقى هذا العمل بعد الموت ، ينقطع العمل ويبقى الولد الصالح صدقة لك جارية .
 إذاً نستنبط استنباطاً أن حظوظ الدنيا مجتمعة أو متفرقة ، إما أنها درجات نرقى بها إلى الجنة ، وإما أنها دركات نهوي بها إلى النار ، حيادية إذا وظفتها في طاعة الله .
 الإنسان أحياناً عنده بالبيت سكين يستخدمها في تحضير الطعام ، وأحياناً المجرم يذبح بها رجلاً آخر ، فهي حيادية .
 السكين ، إما أنها تعينك على تحضير الطعام ، وإما أنها تعينك على ارتكاب جريمة، أبداً ، إما أنها درجات نرقى بها ، وإما أنها دركات نهوي بها .
 الإنسان لا يتوهم أن المال دليل محبة الله ، قارون أغنى منا ، لا يتوهم إذا كان الإنسان في منصب رفيع هذا دليل محبة الله ، لا ، فرعون لم يكن الله يحبه ، سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان قوياً ، لكن كان الله يحبه ، سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان الله يحبه مع أنه كان غنياً . إذاً الغنى ليس مؤثراً ، والقوة ليست مؤثراً ، لكن الشيء الدقيق هو العلم والحكمة وطاعة الله عز وجل .
 إذاً ملخص الآية ، يا عبادي هذه الحظوظ التي أعطيكم إياها لا تعدوها مؤثرات على رضائي عنكم ، المؤثر هو طاعتكم لي فقط ، إنها درجات ترقون بها ، أو دركات تسقطون بها.
 إنما الله أكد لنا ، هذا وهمكم ، هذه مقولتكم ، هذا ادعاؤكم ، هذا ظنكم ليس عطائي إكراماً ، وليس منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء وحرماني دواء ، لذلك الله عز وجل قال :

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة القصص : 77]

 صحتك كيف تنفقها ؟ مالك كيف تنفقه ؟ وقتك كيف تنفقه ؟

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾

[سورة القصص : 77]

المواقف من الآيات المتعلقة بذات الله موقفان صحيحان وموقفان فاسدان :

 في هذه السورة كلمة وجاء ربك . بعض الآيات بالقرآن الكريم متعلقة بذات الله عز وجل .

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح : 10]

 هل له يد ؟

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور: 48]

 هل له عين ؟

﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾

[سورة المجادلة : 1]

 هل له سمع ؟

﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾

  الله يأتي ؟
قال : هذه الآيات المتعلقة بذات الله ، يوجد أربعة مواقف منهم ، موقفان صحيحان ، وموقفان فاسدان . السلف الصالح فوضوا أمر معناها إلى الله ، أما الخلف فأولوا .
 هناك من فوض وهو على حق ، وهناك من أوّل وهو على حق ، لكن الذي أنكر هذه الصفات الزائدة على ذات الله عز وجل فقد عطل ، وأما الذي أثبتها كما هي فقد جسّم ، والتجسَيم عقيدة فاسدة ، والتعطيل عقيدة فاسدة ، أما التفويض فعقيدة صحيحة ، والتأويل عقيدة صحيحة . تأويل هذه الآية .
 إنسان يرتكب المعاصي باستعمال الحرام يظن نفسه ذكياً ، الله يرخي الحبل يقول لك: لم أصب بشيء ، كله خلط هذا الذي تتكلموا عنه ، يكون ماله حراماً ، الله يعطي مهلة حتى يأخذ أبعاده الكاملة ، ثم فجأة يشد الحبل ، إذاً هو في قبضة الله .
 وقع لإنسان قصة ، شخص يركب سيارة ، ذهب لعند البريد ، أصيب بأزمة قلبية وهو يقود السيارة ، صدفة لحسن الحظ ولرحمة الله به أثناء الوقوف يوجد ازدحام فتوقف ، الله عز وجل أوحى لشريكه أو صديقه أن يمر في هذا المكان ، رأساً حمله ووضعه في المقعد الخلفي ، وقاد السيارة إلى مشفى الشامي ، إلى العناية المشددة ، فهذا بعدما صحا طلب آلة تسجيل ، أحضروا له آلة تسجيل ، قال : المحل الفلاني ليس لي ، أنا مغتصبه من أخوتي الأيتام ، والأرض الفلانية ليست لي ، كان أكبر أخوته ، وكان هو المسيطر ، تركهم يوقعون له عن تنازل وعمل وكالة ، كل شيء سجل باسمه ، تركهم بلا شيء ، عندما صارت معه الأزمة تذكر ، هذا بعد مرور فترة شفي تماماً فقال : أين الشريط ؟ أعطوه الشريط فكسره ورجع كما كان ، هذا الذي صار معه إنذار ، بعد ثمانية أشهر

﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾

 قال العلماء : وجاء أمر ربك ، نحن أنذرناك ما فهمت علينا ، فكانت القاضية بعد ثمانية أشهر .
 فربنا أحياناً الإنسان يعصي ربه ، الله يمهله ، يأخذ أبعاده ، يرخي له الحبل ، فإذا أخذ أبعاده وأصر على معصيته .
 شخص ذهب ليشتري صوفاً من البادية ، كان والده من كبار تجار الصوف ، من الكبار ، وكان صالحاً ، وصاحب ذمة ، بعدما تقاعد الأب وكّل ابنه بالتجارة ، ذهب إلى البادية ليشتري الصوف ، فكر أن الشطارة أن تأكل حق الناس فصار يزين للبدوي الصوف بالغرامات ، هذا البدوي لم يسمع بحياته عن الغرامات ، يسمع أن الجزة عبارة عن ثلاثة وعشرين كيلو غراماً ، قال له : ثلاثة وعشرون كيلو وثمانمئة غرام ، قال له : هذا هو الوزن ، بعدما انتهى الوزن ، البدوي يحس بالحاسة السادسة ، وجد أن كوم الصوف مثلاً كان ثمنه ثلاثين ألفاً ، قال له : عشرون ألفاً ، قال له : إن شاء الله تلقاها بصحتك إذا أنت غبنتني .
 هذا الإنسان -القصة والله سمعتها من فمه - قال : ركبنا السيارة وحملنا الصوف والسمن ومشينا ، قال لي : دخلت بصراع مع نفسي ، أرجع وأعطيه الفرق أو أبقى ساكتاً ، ماذا أفعل ؟ هذا الذي أخافني ، قال لي : بقيت ماشياً من مكان شراء الصوف إلى الضمير وأنا داخل في صراع مع نفسي ، عند الضمير قلت في نفسي : ما الذي حصل ؟ لم يحصل شيء ، قال لي: لم أكمل هذه الكلمة ، لأني أخذت قراراً وجدت نفسي وسط بركة من الدماء ، والسيارة قلبت، والسمن ساح ، وجاء البدو أخذوني وأسعفوني . فأنا ماذا قلت ؟

﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً ﴾

 هذا الذي نتج معك بالنهاية ، ماذا فعلت ؟ لم أفعل شيئاً ، توقف لأقول لك :

﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾

[سورة الزخرف : 79]

 الله عز وجل عالجه عندما أخذ قراراً ، عندما دخل بصراع مع نفسه الله لم يعالجه ، ثم بعث له هل الأزمة حتى يرجع المال لأصحابه ، فلما شفي هات الشريط ، كسر الشريط ، رجع إلى القديم .
 قال له : وقف لأقول لك ، هذه معنى

﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾

 الله لا يأتي لكن يأتي أمره ، الإنسان يظن نفسه بحمقه وجهله أنه شاطر .
 أكل مال الناس ، اعتدى على أعراض الناس ، ما صار معه شيء ، الله عز وجل من لطفه بخلقه أنه يؤخر أمره قليلاً ، حتى الإنسان يأخذ أبعاده حتى يعرف اتجاهه الحقيقي ،

﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾

 أي جاء أمره .

 

تأويل الآيات هو وقوع الوعد والوعيد :

 يوجد آية تفيدنا في هذا الموطن ، الله عز وجل قال :

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾

[سورة يونس : 39]

 كلكم تتوهمون أن التأويل هو التفسير ، العلماء قالوا : تأويل القرآن وقوع الوعد والوعيد .
 إذا الإنسان واقع بمال حرام ، أو له علاقة محرمة ، أو معتد على آخرين عدواناً أدبياً أو مادياً أو معنوياً إلى آخره . تأويل الآيات وقوع الوعد والوعيد ، كأن الله عز وجل شهد لخلقه أن هذا الكلام كلامه ، والدليل تنفيذ الوعد .
 لو فرضنا الطلاب جاؤوا إلى المدرسة ، مكتوب على السبورة : غداً الساعة الأولى مذاكرة رياضيات ، هذا كلام ، يا ترى من كتب الكلام ؟ يا ترى الأستاذ كتبه ؟ لعله مزحة من طالب ، هذا الكلام ، في اليوم الثاني في الساعة الأولى إذا قال الأستاذ : افتحوا الأوراق عندكم مذاكرة ، معنى هذا أن الكلام صحيح ، معنى هذا أنه كلام الأستاذ ، افتحوا الأوراق عندكم مذاكرة أي مثل ما بلغتكم البارحة ، معناه تنفيذ الأمر ، تنفيذ الوعيد ، هو شهادة الله لعباده أن هذا القرآن كلامه .

 

المصائب عقوبات من الله عز وجل :

 أخواننا يوجد آيتان ننهي فيهن الدرس .

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه : 124]

 إذا وجدت شخصاً بالأرض سعيداً بالبعد عن الله يكون القرآن باطلاً ، طبعاً لن تجد شخصاً واحداً .

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه : 124]

 شخص سئل سؤالاً غريباً ، قال : أين معيشة الضنك للأغنياء ؟ هم يأكلون الطعام ، عندهم مركبات وبيوت ، أين معيشة الضنك ؟ أجاب علماء التفسير : ضيق القلب . إذا الإنسان صار ماله كثيراً ، ويعيش عيشاً وفيراً ، وهو معرض عن الله عز وجل يصبح بقلبه قلق وشقاء ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم .

﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾

 ضعوا في أذهانكم أن معناها وجاء أمر ربك ، رد الله على المعاملة هو العقاب .
 الإنسان يكون أحمق وغبياً إذا كان قال لك : أنا أعصي ربي و لم أصب بشيء ، قال: يا رب كم عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : يا عبدي كم عاقبتك ولم تدر ، أنت من مصيبة لمصيبة ، ومن مطب لمطب ، ومن ضيق لضيق ، ومن شقاء زوجي لشقاء زوجي ، ومن عقوق أولاد لعقوق أولاد ، ومن تلف مال لتلف مال ، إذاً . . . المصائب كلها عبارة عن عقوبات من الله عز وجل ، قال له : يا رب كم عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : يا عبدي كم عاقبتك ولم تدر ؟!

 

تحميل النص

إخفاء الصور