وضع داكن
24-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 021 - الابتلاء2 . الفرق بين البلاء والابتلاء ـ فهم فلسفة المصيبة من الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم... لاشك أن موضوع الدرس اليوم هو الصيام، لأن شهر رمضان على الأبواب، وقد أقبل علينا، وهو موسم الطاعات، ولكن تأكيداً للدرس الماضي والذي قبل الماضي، هناك آيةٌ في سورة القلم، أو بضعٌ آيات تعطينا حقيقةً دقيقةً جداً، وعميقةً جداً، ونحن في أمس الحاجة إليها، يقولون: البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
 إن رأيت إنسان في بحبوحة تدعوه إلى الشكر، وإن رأيته في ضائقة فادعوه إلى الصبر، إن رأيته متذمِّتاً إلى درجةٍ غير معقولة فادعوه إلى الاعتدال، أما إن رأيته غارقاً في الدنيا إلى قمة رأسه فادعوه إلى الزهد، فمن صفات البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، إن ألمَّت بالناس نازلة، إن ضاق الأمر على بعض المؤمنين، يصح، ويناسب، وينبغي أن يكون الحديث عن فلسفة المصائب، لأن الحب أساس هذا الدين..

((ألا لا إيمان لمن لا أمانة له )) وفي بعض الأحاديث :

((ألا لا إيمان لمن لا محبة له ))

 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((. حسن الظن بالله ثمن الجنة ))

(من كنز العمال )

 فركنٌ أساسيٌ من أركان الإيمان أن تحب الله عزَّ وجل، وهذا الحب ليس إرحسن الظنادياً، هناك أشياء كثيرة تفعلها بإرادتك ولكن الحب ليس إرادياً، لابد من أن تحب الله، والأدلة على ذلك كثيرة، قول الله عزَّ وجل:

﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

( سورة المائدة: من آية " 54 " )

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾

( سورة التوبة: من آية " 24 " )

 ما الذي يعكِّر صفو الحب فيما بين العبد والرب ؟ الكون يدل على عظمة الله، ثابت، القرآن يدل على عظمة الله، ثابت، هناك ثوابت كثيرة في حياتنا، وهذه تدعونا إلى معرفة الله، تدعونا إلى إجلاله، تدعونا إلى تقديره، تدعونا إلى طاعته، ولكن قد يعكِّر صفو الحب فيما بين العبد والرب مصيبةٌ لم يحسن تفسيرها، هنا، فمحور هذه المقدمة لهذا الدرس الذي يعكر صفو الحب فيما بين العبد والرب مصيبةٌ لم يحسن العبد تفسيرها، إذاً جزءٌ من الإيمان أن تحسن تفسير المصائب، ولاسيما إذا كانت مصائب كبيرة، ولاسيما إذا كانت مصائب مصيرية.
 فربنا سبحانه وتعالى يستخدم أحياناً كثيرة. كنت أصلي المغرب هذا اليوم في أحد مساجد دمشق، وقرأ الإمام هذه القصة، ما رأيت قصةً أقرب إلى درسنا السابق، تتوِّجُه، وترسِّخ حقائقه وقيمه من هذه القصَّة، ولا تنسَ أن أسلوب القصة من أنجح الأساليب في التربية، لأنك متعلقٌ بشخصيات تتحرك، أحداث تتعقد، حوار، ثم تنتهي هذه الأحداث على نحوٍ معين، أنت لا تشعر، وقطعاً لا تشعر، تستنبط المغزى وأنت لا تدري..
فربنا سبحانه وتعالى يقول في سورة القلم عن أصحاب الجنة، والجنة هنا البساتين الغنَّاء، يقول لك: مشروع ثلاثمائة دونم تفاح وكرز، مثلاً، مشروع حمضيات، مشروع كذا، فربنا عزَّ وجل قال:

 

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾

 

(سورة القلم: من آية " 17 " )

 في عندنا ابتلاء، وفي عندنا بلاء، هل هناك فرقٌ بينهما ؟ البلاء المصيبة، أما الابتلاء الامتحان..

 

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾

 أي امتحناهم..

 

 

﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾

 يا أيها الأخ الكريم... هل أنت موقن أن سر وجودك في هذه الأرض هو الابتلاء، وأنه لابدَّ من أن تبتلى شئت أم أبيت ؟ وأن الإمام الشافعي حينما سُئل: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فتبسَّم وقال: لن تبتلى قبل أن تمكَّن، هل ورد عليك أنه لابد من أن تبتلى ؟ ليس معنى هذا أنه لابد من أن تصاب بمصيبة، لا، ليس المعنى هذا، لكن لابد من أن تبتلى، أحياناً تجد أنك أمام زوجةٍ كل مصالحك معها، وأمام أمٍ يلزمك الوازع الأخلاقي والديني أن ترعاها، وأن هناك تصادماً بين هذه الأم التي ربَّتك، وهذه الزوجة التي أنت في أشد الحاجة إليها، هذا ابتلاء. ليس معنى هذا أنه مصاب، لا، لكنه موقف حرج، ماذا تعمل ؟.
 بعض الإخوة الأكارم يتوهَّمون توهماً أن الإنسان إذا استقام على أمر الله أصبحت حياته حياةً رغيدةً، غنَّاء، كلها مسرَّات، كلها توفيق، الدخل كبير، والصحة طيبة، والمكانة الاجتماعية عالية، هذا يتناقض مع الابتلاء، مَن قال لك ذلك ؟ إذا استقمت على الله فأنت أسعد الناس، ولكن لا على طريقتك، لا على تصميمك، لا على كما تريد ؛ ولكن على ما يريد الله عزَّ وجل.
 الآن أنا أتكلم كلمة دقيقة جداً، إذا توهم الإنسان أنه بمجرد أن يستقيم أصبحت حياته طريقاً معبداً، محفوفاً بالرياحين، زوجته تصبح إنسانة مقدسة، ملائكية، أولاده أبرار، منزله واسع، دخله كبير، مكانة اجتماعية، والله شيءٌ جميل ! لمَ لا يتجه الناس جميعاً إلى الدنين ؟ لمَ لا يتهافتون على الدين ؟
 أقول لكم الحقيقة: إنك إذا آمنت بالله عزَّ وجل، واستقمت على أمره لابد من أن تبتلى، وأُأَكد لكم مرةً ثانية، فرقٌ كبير بين الابتلاء وبين البلاء، البلاء مرض عضال، البلاء تدمير المال، هذا البلاء، أما الابتلاء الامتحان، فإذا عندك مركبة قوة أحصنتها ستون حصان، وكل هذه المركبات التي أمامك لا تزيد قوة محركها عن سبعة عشر، عن عشرين، عن خمسٍ وعشرين، إذا كان عندك مركبة قوة محركها ستون، والطريق كله مستقيم، طريق هابط ومعبَّد، هل يظهر في هذا الطريق قوة محركها ؟ هل تظهر قوة هذا المحرك ؟
 أنا أقول لكم: ليست البطولة ألا تواجه الصعاب، ليست البطولة ألا تواجه مشكلة، ليست البطولة ألا تواجه مصيبة، ليست المشكلة ألا تواجه مُعْضِلَة، ليست المشكلة ألا تواجه ضائقة، في ضائقة، وفي معضلة، وفي مشكلة ؛ في البيت، وفي العمل، وفي الصحة، وفي الأولاد، ولكن بطولة المؤمن كلها كامنةٌ في أن تقف الموقف النبوي الكامل من هذه المشكلة..
 ألا يواجه النبي عليه الصلاة والسلام مشكلة حديث الإفك ؟ هل تحتمل أنت هذه المشكلة ؟ هل تحتمل أن يقول الناس عن أهلك ما يقولون ؟ هل تحتمل أن تتحدَّث المدينة كلها عن أهلك ؟ عن انحرافهم ؟ هذه مشكلة، واجه النبي مشكلة في أهله، مشكلة في أولاده حينما مات ابنه إبراهيم، واجه مشكلة في الدعوة حينما ذهب إلى الطائف، واجه مشكلة مع قريش حينما قاطعوه، واجه مشكلة مع قريش حينما حاربوه، واجه مشكلة حينما ائتمروا عليه، واجه مشكلة وفاة الزوجة، وفاة العم، وفاة الابن، حياة النبي عليه الصلاة والسلام كلها مشكلات وصعاب، ولكن بطولته صلى الله عليه وسلم أنه كيف واجه هذه الصعوبات بأكمل موقف ؟
 فأنت لا تفرح إذا كانت حياتك خط مستقيم لا معنىً له، لا، افرح إذا جاءتك المشكلة ووقفت منها الموقف الشرعي ؛ كنت صابراً، أو كنت موحداً، أو كنت مطيعاً، أو كنت محسناً، هذا الذي أتمناه عليكم أن أضعه بين أيديكم.
 فربنا عزَّ وجل له أساليب كثيرة في التعريف بذاته، من هذه الأساليب، ومن أجمل هذه الأساليب القصة، لأن الناس مهما تنوَّعت ثقافاتهم، واختلفت مشاربهم، واختلفت مستوياتهم متعلِّقون بالقصة، مندفعون إلى سماعها ؛ لأنها تحاكي أنفسهم، لأنها تحرِّك أوتار قلوبهم، لأنها تعبِّر عن مشاعرهم، لأنها تعبر عن صراعاتهم، عن تساؤلاتهم، فربنا عزِّ وجل قال:

 

 

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾

 مشروع زراعي ضخم، أنفق عليه أصحابه ألوف الألوف، بل الملايين، والآن النفقات باهظة جداً، يقول لك: المتر الفلاني ثمنه ثلاثة آلاف ليرة، الدواء الفلاني ثمنه كذا، الإصلاح الفلاني ثمنه كذا، التنقيط ثمنه كذا، نفقات باهظة، قال:

 

 

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) ﴾

 ربنا عزَّ وجل الآن سَيُرينا مصيبةً نموذجية، ما هي نتائجها في الدنيا، وما هي نتائجها في الآخرة ؟ ثم يقول الله عزَّ وجل كلمة واحدة، هذه الكلمة أو الكلمتان، هاتان الكلمتان هما مغزى القصة كلها، ولهاتين الكلمتين مدلول كبير جداً إذا استوعبنا ثنيِّات القصة، قال:

 

 

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) ﴾

 انظر إلى الأَثَرَة، لن نستثني من هذا المحصول أحداً، لن نطعم أحداً، لن نعطي أحداً، ما لنا وللناس ؟ الناس لهم ربٌ يرزقهم، هكذا يقول بعض الناس، من بعدي الطوفان، ما دام عندي طعامي وشرابي فعلى الدنيا السلام، هذه النفس المريضة المصابة بالأنانية أو بالأثرة، هذه النفس الحريصة على صالحها فقط، هذه النفس المنسلخة من المجتمع، لا يعنيها أمر الناس، لا يعنيها أمر الفقراء، أمر الجائعين، أمر المتعبين، أمر المحرومين هذه نفس مريضة عند الله عزَّ وجل، بمقياس الكمال، بمقياس الشرف، بمقياس الدين، بمقياس الإيمان هذه نفسٌ مريضة..

 

 

﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) ﴾

 الصحابة الكرام حينما كانوا في حنين، وكانوا عشرة آلاف مقاتل، وما اجتمع هذا العدد أبداً في الجزيرة، وفتحوا مكة، وقد دانت لهم الجزيرة من أقطارها، وبلغوا قمة مجدهم، وهم أصحابٌ أجلاءٌ، مجاهدون، ورعون، طائعون، أتقياء، ومع ذلك حينما تسرَّب إلى أنفسهم شعورٌ بالكبر، شعورٌ بالقوة، شعورٌ بالاستغناء، شعورٌ بأنهم لن يغلبوا الآن من قلَّة، ماذا فعل الله بهم، والنبي معهم، بين أظهرهم ؟ هل منع وجود النبي بينهم أن يمتحنهم الله عزَّ وجل ؟ أو أن يعالجهم ؟ فإذا كان أصحاب النبي وهم على ما هم عليه من رفعة شأن، ومن جهادٍ طويل معرَّضون للمعالجة ومعهم النبي عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم، فما قولك بنا ونحن بعد ألفٍ وخمسمائة عام، والمشكلات، والمخالفات، وحب الدنيا، والتمزُّق، والتدابُر، والتباغض، والتحاسد، والتخاصم، وكلٌ يحب ذاته، يحب أن يشبع ويجوع الآخرون، يحب أن يكتسي ويعرى الآخرون، يحب أن يرتفع ويهبط الآخرون، فإذا مجتمع الصحابة، مجتمع ربَّاهم النبي عليه الصلاة والسلام، مجتمع كله جهادٌ في سبيل الله، كله طاعةٌ، كله ورع، كله بذل، ومع ذلك هؤلاء حينما تسرب مرضٌ نفسيٌ إلى قلوبهم استحقوا أن يعالجوا.
 إذا شخص في معه ورم بسيط جداً يحتاج إلى عملية جراحية واستئصال، فما قولك بإنسان مصاب بعشرات الأمراض ؟ بعشرات بل بمئات الأمراض، أتريد من الله عزَّ وجل أن يدع الناس على أمراضهم ؟ وعلى انحرافاتهم ؟ وعلى اعتدادهم ؟ وعلى شِركهم ؟ وعلى شكِّهم ؟ وعلى انحرافهم ؟ وعلى معاصيهم ؟ وعلى بَغْيهم ؟ وعلى عدوانهم ؟ لا، إذا كان أصحاب النبي وهم ما عليهم من جلالة القدر، قد عالجهم الله عزَّ وجل في الوقت المناسب، إذاً يجب أن تفهم المصيبة فهماً يليق بجلال الله عزَّ وجل.
 ما قولك بإنسان يرى طبيب يفتح بطن مريض، فيتهم هذا الطبيب بأنه قاتل ؟ فيقول: واللهِ رأيته بأم عيني يذبح هذا المريض من خاصرته. أليس هذا مجنوناً ؟ هذا مريض في غرفة عمليات، في تخدير، دافع خمسين ألف سلفاً، وهذا الطبيب كله علم، وكله خبرة، وكله براعة في استقصاء المرض.
 إذاً شيءٌ أساسيٌ جداً، مهمٌ جداً أن تفلسف المصيبة، المصيبة هي هي، لها حجم، لها بُعد، لها مكان، لها زمان، لها آثار، لها أسباب، فالبطولة لا في إدراك هذه الآثار، وإدراك هذه الأبعاد، وإدراك هذه الأسباب، البطولة في إدراك المَغْزى الذي من خلاله جاءت المصيبة، كلما ارتقى الإنسان في فهم المصيبة، كلما ارتقى إيمانه، وكلما واجه بقية المصائب برؤيةٍ صحيحة وموقفٍ شريف.
فهؤلاء من أين جاء المرض ؟..

 

 

﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)﴾

 أنا أردت أن أقول هذه القصة قُبَيْل رمضان، هل تعلمون لماذا ؟ لأن رمضان شهر الإنفاق، شهر القرآن، دائماً برمضان موضوعات تقليدية ؛ موضوع الإنفاق، موضوع القرآن، موضوع بدر، موضوع ليلة القدر، أربع موضوعات في رمضان تقليدية لابد من طرحها في كل عام، إلى آخر الدوران، إذاً هذا الموضوع وإن كان قصة قرآنية لكن له معنى كبير، من أين جاء المرض ؟ جاء المرض..

 

 

﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)﴾

 يا أخي له رب، له رب فلماذا تتدخل أنت فيه ؟ أنت عليك بنفسك. كلكم يعلم أحياناً تكون مزرعة ثمن ما تحمل من ثمار مليون ليرة، خلال ثوانٍ معدودة تهبط درجة الحرارة إلى ما دون الصفر أكثر من زمن محدود، فإذا بها كلها تسود وتحترق بفعل الصقيع، كلكم يعلم أن الصقيع له أجهزة إنذار، له مشكلات، مزرعة تتضمَّن بأربعمائة ألف تذهب بثواني، هكذا ربنا قال، قال:

 

 

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) ﴾

 هم نائمون على أحلام لذيذة، والله ما أضمن، لو دفعوا لي ثمانمائة لا أضمن، يقول لك: غير معقول غير معقول لا أضمِّن. يحس بنشوة أن هذا المحصول كبير، يريد الضمَّان ألا يربح شيء، يريد أعلى سعر..

 

 

﴿وَهُمْ نَائِمُونَ (19) ﴾

 على أحلام لذيذة جداً، أحلام الربح الفاحش، أحلام الأثرة، أحلام أن هذه الأموال كلها لي، لن أعطي أحداً، لن أطعم الفقير، ما لي وللناس، الناس لهم ربٌ يرزقهم يا أخي، أنا أوْلى، قال له الرب:
ـ عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟
ـ قال له: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي.
ـ قال: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم.

 

 

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)﴾

 أي كأنها مقطوعة، كأنها مزرعة قد قُطِفَ ثمرها، صباحاً طبعاً ؛ يوم الحصاد، يوم الغنيمة، يوم عقد الصفقة مع المشترين، يوم قبض المبالغ الطائلة..

 

 

﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) ﴾

هيا يا شباب..

 

 

﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)﴾

 إنه لا يرغب أن يدخل عنده فقير، يقول لك: الثمار مرشوشة بمواد سامة، حتى إذا اشتهى هذا الفقير يقطف تفاحة متدلية من على الجدار يخاف من السم، لا يقدر، أنا سمعت في بعض البلدان أتلفوا محصول البرتقال بكميات كالجبال، فصاروا الزنوج يأتون من أطراف أماكن الإتلاف ويأكلوا برتقال بلا ثمن، في العام القادم سمموا هذا المحصول، قرأت خبر قبل ستة أشهر بمجلَّة أو بجريدة تصدر في الخليج: أنه تم إعدام عشرين مليون رأس غنم في أستراليا، عشرين مليون رأس في أستراليا، وسط مطالبة الجمعيات الخيرية بإرسال هذه الأغنام إلى الدول الفقيرة التي فيها مجاعات، انظر تجد البعيد عن الله عزَّ وجل أناني، يحب نفسه، يكره الناس، و الإنسان بنيان الله وملعونٌ من هدم بنيان الله.
النتيجة:

 

 

﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)﴾

 توهموا أنهم قادرون على قبض نتائج أعمالهم الناجحة..

 

 

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾

 انظر للحركة في القصة..

 

 

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾

 صُعِقوا ؛ هذه مزرعتنا ؟ هذا بستاننا ؟ هذا هو المشروع ؟ أعوذ بالله ليس هذا، غلطانين..

 

 

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) ﴾

 ثم لما رأوا الباب هو هو، والمدخل هو هو، والطريق هي هي، والبيت موجود، وكل شيء كما تركوه البارحة، ولكن ليس هناك من ثمارٍ إطلاقاً، الآن يأتي شخص فضولي يأتي فيقول لك: الله لو كان أبقاها ماذا كان حصل ؟ قال لي واحد: الله ليس الآن، وقتها كان في شح أمطار شديد جداً كاد يكون كأس الماء مهدداً، شهر أيلول ما في مطر، تشرين أول ما في، تشرين ثاني ما في، كانون أول الشمس ساطعة، الأرض قاحلة، الأمطار منحبسة، الينابيع جافة، النبات كله مصفَر، ففي واحد ضعيف الإيمان بالله، فقال لي: الله يكون أحسن منا وينزل لنا المطر ماذا كان صار ؟ قلت له: عملها كثير وما بانت معكم.
 هنا يأتي شخص فيقول لك: لماذا يبعث الصقيع الله عزَّ وجل ؟ ما هي فائدة الصقيع ؟ هذه الخمسمائة ألف أو الستمائة ألف لماذا أتلفهم الله ؟ ينطرح موضوع يقول لك: فيضانات، وزلازل، وبراكين، وحروب، وتدمير، ويقول لك: تحتاج إلى كذا. هذه الأخبار التي يسمعها الإنسان ؛ تدمير شامل، هنا تلوث، وهنا شيء يحترق، وهنا كذا، وهنا كذا، وهنا كذا، وهنا في كوليرا، وهنا في جراد سيأتي، وهنا في زلزال، وهنا زلزال راح، أنت تتوازن لأنك مؤمن، في كل يوم خبر، إذا تتبعت الأخبار في كل يوم خبر مؤلم بالأرض، هنا إعصار دمَّر مدينة، هنا زلزال أطاح بخمسين ألف، هنا حرب أهلية أبادت كذا، هنا صار في مشكلة، هذا السؤال الأبدي: الله لماذا فعل هذا ؟ أنت مؤمن، في قرآن، في بيان إلهي، في توضيح، في إرشاد..

 

 

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) ﴾

 هذا ليس بستاننا، مستحيل، نحن بستاننا سنضمنه بثمانمائة ألف، ومتواعدون في الساعة العاشرة مع الضمَّانة، ولا نأخذ غير نقدي، وبعقد. ثم عرفوا الحقيقة المرة فقالوا:

 

 

﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) ﴾

 لقد حرمنا الله عزَّ وجل هذا المحصول كله، الآن ؛ كم بضاعة احترقت، بضاعة صودرت، بضاعة غرقت، بضاعة تلفت، في إتلاف، إتلاف بضائع، إتلاف ممتلكات، إتلاف محاصيل، ممكن، يقول لك: هذه الذبابة أتلفت ما قيمته ثلاثين مليون مثلاً، هذه دودة القطن أتلفت كذا، وفي ذبابة أتلفت محصول الزيتون، فتجد البعض يقول: يا رب مَن خلق هذا الذباب ؟ لماذا هذا الذباب يأتي لنا ؟ يقول لك بعدها: في قوارض بالتربة، فالأمراض بالنبات لا تعد ولا تحصى، يا رب لماذا خلقت هذه ؟ أنت مؤمن وتسأل أحياناً، انظر لهذه القصة ما أجملها..

 

 

﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾

 هنا، هذا أوسطهم، أي أقربهم إلى الله عزَّ وجل..

 

 

﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) ﴾

 لو أنكم سبَّحتم الله عزَّ وجل لما بخلتم، لو عرفتم الرزَّاق لما بخلتم، لو عرفتم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين لما بخلتم، لو عرفتم أن الله عزَّ وجل:

 

 

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾

 

( سورة سبأ: من آية " 39 " )

 ما بخلتم، لو عرفتم ما عند الله من ثوابٍ عظيم ما بخلتم، لو عرفتم ما عنده من عذاب أليم ما بخلتم، لو عرفتم مَن تعاملون ما أحجمتم..

 

﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) ﴾

 صحوا، وأدركوا خطأهم، وأنانيَّتهم، وأثرتهم، وبخلهم، وشحهم، وحبهم لذاتهم، وإعراضهم عن ربهم، واستغنائهم عن فضله..

 

 

﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) ﴾

 فعلاً نحن ظلمنا أنفسنا، فإذا الواحد، في آية قرآنية يا إخوان دقيقة جداً، في آيات يقرأها الإنسان فيفهمها فهم ظاهري..

 

 

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

 

( سورة البقرة: من آية " 195 " )

 لا تنفق كثير، هكذا يقول له، أي طول بالك، ضب هذان القرشان ضبهم ـ باللغة الدارجة ـ يفهم الآية هكذا، والآية تعني هذا المعنى لاشك، ولكن هناك معنىً آخر..

 

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾

 فإن لم تنفقوا تكونون قد ألقيتم بأنفسكم إلى التهلكة، لا تهلكة الدنيا بل تهلكة الآخرة، شخص ذهب إلى بلد أجنبي وليس معه إطلاقاً عملة متداولة في هذا البلد ألم يظلم نفسه ؟ أراد أن يركب سيارة، فليس معه عملة، يأكل شطيرة ما معه، فإذا الإنسان انتقل للدار الآخرة، يحتاج لإنفاق من عملتها، إلا وهي العمل الصالح.
إن لأهلك عليك حقاً، إن لأولادك عليك حقاً، إن لجسدك عليك حقاً، هذا المعنى الأول، المعنى الثاني: إن لم تنفقوا فقد ألقيتم بأنفسكم إلى التهلكة إن لم تنفقوا، فأنت هالك إن أسرفت في الإنفاق، وهالك إن أحجمت عن الأنفاق، هذا المعنى:

 

 

﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)﴾

 

﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) ﴾

 أحد الأشخاص حكى لي قصة نُقِلَت عن شخص آخر، رجل إيمانه على بسيط، وعارف أنه في زكاة مال، وعارف الزكاة أمر واجب، وجمع أمواله وطلع زكاتها إحدى عشر ألف، وهو في طريقه إلى أن يدفعها له زوجة شحيحة، أقنعته، لماذا تدفع هذا المبلغ نحن أولى فيه، نريد أن نغير طقم الكنبات، في عندنا ثريات، في عندنا مشكلات، نريد أن نعمل برندة ألومنيوم، طول بالك، أقنعته فاستجاب لها، القصة من أغرب القصص، فهو يملك سيارة انضربت، صلحها جلَس، ومعجن، واشترى قطع، أما أن تطلع الفاتورة بالضبط مقدار الزكاة، شيء غريب جداً، بعد ما دفع التجليس والتدهين والقِطَع، وإذ الرقم نفسه مع الكسور، درس بليغ، فهذا حق الله عز وجل:

 

﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)﴾

 طغينا، هذا المال تعلَّق فيه حق الفقير، تعلَّق فيه حق الفقير، فما معنى:

 

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾

 

(سورة التوبة: من آية " 103 " )

 تطهر هذا المال، ما طهارة المال ؟ إنفاق زكاته، إذا أنفقت زكاة مالك فقد ذهب عنك شرك، هذا المال متعلِّق في حق الفقير..

 

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)﴾

 هنا البطولة، كمان موقفهم راقي، الشيء فقد مثلما قال سيدنا عمر: " كان إذا أصابته مصيبة قال: الحمد لله ثلاث، الحمد لله إن لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها " الإنسان إذا أصابته مصيبة، ونقلته إلى مرتبةٍ أعلى فهو الرابح الأول، إذا أصابته مصيبة، واستنبط منها درساً بليغاً فهو الرابح الأول، إذا أصابته مصيبة، واتعظ منها فهو الرابح الأول، اسمعوا هذه الكلمة وسجلوها في أذهانكم:

 

 

(( من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً، فمصيبته في نفسه أكبر))

 أي إذا جاءت المصيبة ولم تحدث درساً بليغاً، فالمصيبة ليست هذه المصيبة، المصيبة صاحب المصيبة، تقول لفلان: أنت مصيبة، إذا الإنسان أصابته مصيبة وقال لك: هكذا الدهر يوم لك ويوم عليك، هكذا، ليس لي حظ بالدنيا، حظوظي قليلة، إذا واجه هذه المصيبة بهذه التفسيرات السخيفة، إن عزاها إلى الدهر، أو عزاها إلى القدر بمعناه الشائع، لا بمعناه الإسلامي، أو عزاها إلى قلة حظه، فهذا نوع خطير من أنواع فهم المصائب، فلذلك قالوا:

 

 

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)﴾

 فإذا أنت لك ابن، ومخطط له مستقبل كبير جداً، وتلهى عن هذا المستقبل بلعبة غالية، فجئت أنت وكسرتها كي يدعها، هو يرى أن هذه مصيبة كبيرة، ولكنك تعده إعداد كبير، ومن أجل هذه المرتبة العالية تضحي بكل شيء بين يديه، فالنتيجة كل هذه القصة من أجل كلمتين، الكلمتان هما:

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 أي أن أي عذاب في الدنيا هذه قصتنا، أي مصيبةٍ، أي نازلة، أي قضية، أي مشكلة، أي ضائقة، أي محنة، أي بلية، هذه قصتها:

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 فهل فهمت على الله عز وجل ؟ هل فهمت أن الله عز وجل لا يبتغي إزعاجنا، ولا يبتغي حرماننا، ولا يبتغي مضايقتنا، ولا يبتغي أن يقسو علينا، ولكن الله عز وجل يحب أن يرحمنا ؟ إن فهمت المصيبة هكذا فأنت مؤمن، لذلك هذا الذي يفهم المصائب هكذا إنسان متفائل، إنسان مدرك، إنسان مؤمن بالله عز وجل:

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 هكذا العذاب، كل عذاب أسوقه لكم يا عبادي في الدنيا هذا هو.

 

 

((إني والإنسان والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي ـ الحديث طويل ـ خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، مَن أقبل عليهم منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي، لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ـ ضع في ذهنك هاتين الكلمتين: الله جل في علاه حبيب أو طبيب، حبيب أو طبيب ـ إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ".))

 مرض نفسي ؛ أثرة، بخل، شح، في بحبوحة ولكن حرص على المال، ذكرت هذه القصة قبَيل رمضان لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان جواداً، وكان أجود ما يكون في رمضان، تفقَّد أهلك، تفقد المتعَبين، أقول لكم كلمة يا إخوان: الوقت الذي تنتظر أن يسألك إنسان عن حاجته، انتهى هذا الوقت، الآن يجب أن تسأل أنت عن حاجة الناس، أنا أعني ما أقول، الوقت الذي كان فيه المحتاج يتحرك ويسأل وكانوا قلَّة، انتهى، الآن إن لم تتفقد أحوال إخوانك ؛ لك أخت، لك قريب، لك عمة، لك ابنة عمة، لك أخ ساكن بأطراف المدينة، يا ترى وضعه المالي جيد، الدنيا رمضان، الدنيا عيد، عنده ثمن ألبسة لأولاده، فقول: ما دخلني، ما دخلهم قالوا، لهم رب هؤلاء الفقراء، إلقى ما دخلك، ما دخلك، هكذا!! ما دخلنا، ماذا ما دخلك لكن دخل مَن ؟ أنت خليفة الله في الأرض، "الأغنياء أوصيائي، والفقراء عيالي، فمن منع مالي عيالي أذقته عذابي ولا أبالي ".
 سبحان الله القارئ اليوم بالمغرب قرأ هذه الآيات في الصلاة، يعني تفاعلت مع كلمة:

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 بشكل غير محدود..

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 أي: يا عبادي، كل ما تراه أعينكم من مِحن، من مصائب، من مشكلات، من قهر، من فقر، مما يبدو لكم ؛ مرض، من، من، اكتب خمسين كلمة، هذه قصة كل عذاب، هذه قصة كل مصيبة، التعليم حرف والتكرار ألف، القصة لها منطوق ولها مفهوم، مفهومها يشمل كل مصيبة، منطوقها يشمل قصة وقعت في زمن معين، هذا ملخصها..

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 وإذا الإنسان هذا العذاب في الدنيا لم يستفد منه، ما وظَّفه لمصلحة إيمانه، ما استقى منه الموعظة، ما استقى منه العبرة، ما كان هذا العذاب دافعاً له إلى باب الله، ما حمله هذا العذاب على التوبة، إن لم يستفد من هذا العذاب فما هي مصيبته ؟ نفسه، إذاً هو المصيبة، كان في مصيبة أصابته إذا لم يستفد منها معنى ذلك هو المصيبة، هذا الإنسان هو مصيبة، صار فلان مصيبة، وجوده مصيبة، مَن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، مصيبته في نفسه أكبر، لذلك الإنسان " ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر ". يحاسب نفسه حساب عسير، ولا يبرئ نفسه، وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء، لا تقل: هذه مصائبي مصائب ترقية، لا، بل اترك الكلام لغيرك، اتهم نفسك دائماً بأن الله عز وجل حينما ساق لك هذه المشكلة يريد منك إصلاحك.
 في نقطة ثانية ذكرتها اليوم بمجلس: أن ربنا عز وجل قال:

 

 

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾

 

( سورة النحل: من آية " 126 " )

 يفهم من الآية فهم ظاهري، وفهم صحيح أيضاً، القرآن حمَّال أوجه، أنه يجب أن تعاقب بالقدر الذي عوقبت به، ضرب بضرب، ضربين بضربين، خمسة بخمسة، في تفسير آخر لهذه الآية: أي حينما عاقبك الله لماذا عاقبك الله عز وجل ؟ عاقبك كي يردك إليه، عاقبك ليرحمك، عاقبك ليهديك، عاقبك ليكرمك، عاقبك ليرفعك، عاقبك ليقرِّبك، عاقبك ليصلك، عاقبك لتكون من سعداء الدنيا والآخرة، إذاً في أهداف نبيلة جداً في العقاب، لا يوجد تشفي، أنت إذا عاقبت الناس لا تعاقبهم تشفياً، لا تعاقبهم انتقاماً، لا تعاقبهم حقداً، عاقبهم رحمة، أدِّبهم، ليتعرفوا إلى الله عز وجل، أدبهم لتوقفهم عند حدهم، أدبهم كي تردهم إلى جادة الصواب، كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( انصر أخاك ظالماً أو مظلوما، قالوا يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالماً ؟ قال بالأخذ على يديه ))

 

(من الجامع لأحكام القرآن: للإمام القرطبي )

 فالذي أتمناه على كل أخ كريم يحضر هذا المجلس أن يراجع نفسه، والإنسان لا يكون مستهلك، لا يكون هامشي، أنا الله عز وجل خلقني ليسعدني، لابد من أن أطبق أمره، هذه المشكلة لعلها إشارة، لعلها تنبيه، لعلها لفت نظر، لعلها تحذير، لعلها إنذار، لعلها لتوجيه معين، فأنا أقول لإخواني الكرام: حينما تفهموا على الله سر تصرفاته فقد قطعت نصف الطريق إليه، حينما تفهم على الله سر تصرفاته، وسر هذه المِحَن والشدائد التي يسوقها، أحياناً الإنسان يقول لك: في بلد رجع مائة سنة إلى الوراء، الله عز وجل هو لا إله إلا الله، لعل الله عز وجل يخلق فرج، لعل الله يخلق خير لا نعلمه نحن، دائماً اجعل شعارك:

 

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

 

( سورة البقرة )

 كما قلت لكم من قبل لا أبالغ إذا قلت لك: إن تسعين بالمائة من المؤمنين صاروا مؤمنين على أثر نازلة نزلت بهم، كانت هذه النازلة دافعة لهم إلى الله عز وجل، فأنا ترنَّمت بكلمة:

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 هذه قصة العذاب في الأرض، هل عرفناها ؟ هذه القصة طبِّق عليها أية قصة، طبِّق عليها أية مصيبة، طبِّقها على أية نازلة، طبقها على أية محنة، طبقها على أية مشكلة..

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 وإذا الإنسان لم يستفد من هذه المصيبة، قال:

 

 

﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) ﴾

 انتبه إلى هذه الآية:

 

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

( سورة السجدة )

 إذا واحد مقدم على عمل يستحق به الإعدام، وأنت ضربته ضرب مبرِّح حجزته عن هذه الجريمة، ألم تكن به رحيماً، إذا أنت ضربته ضرب حجزته عن أن يقتل فيعدم، ألست رحيماً بهذا الضرب ؟ هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

( سورة السجدة )

 أقول لكم آخر كلمة: ممكن تأتي مصيبة، ربنا عز وجل إذا أحب يداوي يعرف يداوي، من محل يوجع تماماً، إذا شخص معه مئات الألوف ألوف الألوف ضاع له ألف ليرة، ولا يحدث له شيء إطلاقاً، قال لي واحد: شخص عنده سيارة عملت حادث، ثمنها كذا مليون، ما تنازل يشوفها، قال: بيعوها لي، هذا الشخص لا ينهز بإتلاف مال، ولكن يجوز إنسان يأتي فيقسوا عليه بالكلام يهزه هز، فربنا عز وجل، إذا أحب يداوي إنسان يعرف يداويه، من أين يجعه تمام ؟ يجوز الشحيح يداويه بفقد المال، يجوز إنسان عنده شيء من الشأن الاجتماعي يداويه بإنسان ينال منه، يصغره، يقول لك: ظللت شهر لا أنسى هذا الموقف، يجوز يداويه بأن يوهمه بمرض، هو مرض غير عضال، ولكن أوهمه بمرض عضال، ركضه ركيض لعنده، أنا مرة حكيت كلمة مضحكة، قلت: ملخص ملخص الملخص، يا تأتيه راكضاً أو بإمكانه وقدرته أن يجعلك أن تأتيه راكضاً، اركض لحالك أحسن ما يركضك، لأن الله عز وجل يريدك، لأنه خلقك ليسعدك، قال بعض علماء القلوب: أنت أيها الإنسان مطلوب أكثر مما أنت طالب، مطلوب من قِبَل المولى عز وجل، خلق لك الكون، دعاك إليه، دعاك إلى طاعته، دعاك إلى عبادته، إذاً هذه الآية، خلوها ببالكم:

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 هذه قصة العذاب، وإذا الإنسان أصر، واستكبر، وركب رأسه، وإنما هذه الحياة الدنيا وليس بعدها شيء، نموت ونحيا، ولا يهلكنا إلا الدهر، وهكذا الحياة، هكذا شأن الحياة، نقول له أكمل الآية:

 

 

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) ﴾

 فهم كتاب الله دقيق جداً، هذه القصة نور لنا كلنا، فلا تجد هذا الضيق، وتقول: تمزقت عندما سمعت هذا الشيء، لم يعد في هذا الضيق الشديد، ما عاد في هذه الحيرة: يا رب لماذا هكذا فعلت ؟ لم يعد في تساؤل: أين الله عز وجل، هذه كله رعونات جاهلية، رعونات أناس ضعاف الإيمان، أما ربنا ذكر لك العذاب قال لك:

 

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 صف هذا العذاب ما شئت، في عذاب حديث، في عذاب قديم، صف هذا العذاب ما شئت..

 

 

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) ﴾

 لذلك قال تعالى:

 

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

( سورة السجدة )

 هذا الذي أتمناه على نفسي وعليكم أن نواجه كل مشكلة، كل امتحان، كل ابتلاء، كل ضغط، كل ضائقة، كل نازلة، كل محنة، بهذا الفهم العميق، الله عز وجل غنيٌ عن أن يعذبنا، غني أن يزعجنا، غني عن أن يضيِّق علينا، أقول لكم دائماً: إذا قنن الإنسان فتقنينه تقنين عجزٍ، أما إذا قنن الإله فتقنينه تقنين تأديب..

 

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾

 

(سورة الحجر: من آية " 21 " )

 هذا الذي والله في صلاة المغرب اليوم هذه الآيات قرأت فتفاعلت معها تفاعلاً شديداً، قلت لعل الله يوفقني إلى أن أذكر بعض المعاني في يوم الأحد، وإن كان الدرس انقلب إلى درس تفسير أرجو المعذرة، فهو درس حديث عندنا، ولكن هذا الحديث صار متمم للموضوعات السابقة التي تحدَّثنا بها عن سر وعن فلسفة المصيبة في الإسلام، هكذا، فالإنسان يجب أن يشمر، كل ما جاءته مشكلة يجب أن ترقى به، قال: كل مِحْنَة بعدها مِنْحة، وكل شدة بعدها شدَّة إليه، فالإنسان لا يتشائم، يتفائل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يحب الفائل الحسن، في شخص سوداوي الطبع، متشائم، قنوط، يئوس، هذا إنسان يحتاج إلى معالجة، هذا عنده حالة مرضية، فلان متشائم، أما المؤمن يتأمل: الأمر كله بيد الله، الله أسماؤه كلها حسنى، الله عز وجل لو لم يشأ ما كان الذي كان، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا كان، إذاً خير، وقبل أن يقع؟ الخير فيما يبدو ألا يقع، قبل أن يقع الشر، الخير ألا يقع، إذا وقع وانتهى الأمر، إذاً هو الخير، هو الخير غير الظاهر الخير الباطن، الإنسان عليه أن يستقبل بعض المحن بعض الشدائد على مستوى فردي وعلى مستوى جماعي بهذا الفهم العميق لكتاب الله، والله سبحانه وتعالى يحب المؤمن الواعي.
 تصور طفل صغير عند طبيب أسنان، تجده يتحرك حركات غير صحيحة، يبكي، يكسر يد الطبيب، يلبكه، أنظر لإنسان راشد كبير، ممكن إذا كان أعطاه إبرة من غير بنج يمسك مسند الكرسي ويشد عليه ومع ذلك يعطيه الأجر ويتشكره، لأنه راشد، فالراشد يفهم أن هذه الإبرة لمصلحته، يقول: وجع ساعة ولا كل ساعة، هذه الإبرة وهذا الحفر، طول بالك، غير ممكن حتى ينظف تمام، بعد ذلك يضخ له هذا الهواء يموت من ألمه، يكون رأس العصب لم ينسحب، لا يتكلم شيء لا يسب الطبيب المريض، لأنه راشد، فمَن يحوص، ويبكي ويعيط، وأحياناً إذا كان غير مربى يسب، هذا الطفل الصغير الجاهل.
فالإنسان لما يضوج من مصيبة، ويضطرب اضطراب شديد، يكون في عنده ضعف في إيمانه، أما كلما زاده إيمانه:

 

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾

 

( سورة آل عمران )

تحميل النص

إخفاء الصور