وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة النساء - تفسير الآية 123 ، التمنيات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ قال تعالى:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾

(سورة النساء: الآيات: 123،124، 125 )

 الإنسان أيها الإخوة يتمنى، ما منا واحدٌ إلا ويتمنى أن يصبح غنياً، وما منا واحدٌ إلا ويتمنى أن يكون صحيحاً معافًى، ما منا واحدٌ إلا ويتمنى أن يدخل جنة ربه.
 والله سبحانه وتعالى يؤكد لنا في هذه الآية، أن هذه التمنيات لا قيمة لها إطلاقاً، لأن الله لا يتعامل مع التمنيات.
 لو أن واحداً تمنى أن يكون أغنى أغنياء بلده، وهو قاعد في بيته، مسترخياً على فراشه، هل يصبح غنياً.
 لو تمنى أحد الطلاب أن يكون أكبر طبيبٍ في هذا القطر، وهو لا يقرأ، ولا يذاكر، ولا يدرس، فهل يكون كذلك ؟.
عجيب في أمر الدنيا ؟ يسقط الناس التمنيات كلياً،لكنْ لماذا يتمنون في الآخرة أن يكونوا من أهل الجنة ؟ وهم لا يدفعون ثمنها، ربنا عز وجل ينفي، قال:

 

﴿لَيْسَ﴾

 فعل ماض ناقص.

 

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

 طيب، يا رب فبِمَ إذاً ؟.
 نفى ربنا عز وجل أن تكون الجنة بالتمنيات، إذاً بماذا ؟
 قال:

 

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

 

(سورة النحل: الآية: 32 )

 قال:

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)﴾

 

(سورة الإسراء: الآية:19 )

 دققوا في الهاء:

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾

 لو قال الله عز وجل وسعى لها ؟ معنى ذلك أن أى سعيٍ مقبول، لكن حينما قال:

 

 

﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

 يعني لها سعيٌ خاص، لا يُقبَل سعيٌ دون هذا السعيٍ.
 كأن نقول مثلاً، من أتى بمجموع كلية الطب، بمجموعها، لها مجموع خاص، تقريبًا (230 درجة ) مِن أجل أنْ يسمح للطالب بالانتسابِ إلى كلية الطب، من جاء بمجموع هذه الكلية فإنّه يدخلها، أما من جاء بأي مجموع أدنى فلا يقبل.

 

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

 الخاص.

 

﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)﴾

 هذه هي الآية الثانية.
 أمَّا الآية الثالثة:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

( سورة الكهف: الآية:110 )

 إذًا ثمن هذا اللقاء العمل الصالح.
 الآية الأولى:

 

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

 القضية ليست بالتمني، ولكنها بالسعي.

 

 

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

 

(سورة النحل)

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

( سورة الأنعام: الآية: 132 )

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

( سورة الكهف: الآية:110 )

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾

 آيات واضحة كالشمس.
 الآن آية تشبه هذه الآية:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

( سورة فاطر: الآية: 5 )

 الغرور هو الشيطان.
 يعني أنّ الشيطان قال:

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾

 

( سورة الأعراف: الآية: 17 )

﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾

 يعني... الشيء الجديد، ونحن في عصر علم وتقدم، وقد يوحي لأوليائه أنّ هذا الدين تخلف وغيبيات، فالشيطان إذًا أتى الإنسانَ من بين يديه.
 أمّا:

 

﴿مِنْ خَلْفِهِمْ﴾

 هكذا رباك أبوك على الاختلاط مثلاً، هكذا يتاجر أبوك بهذه الطريقة، قد تكون الطريق غير شرعية، فإما أن يأتينا من بين أيدينا، وإما أن يأتينا من خلفنا، وأما أن يأتينا عن شمائلنا، يدعو إلى المعاصي، إذًا لم يبقَ إلاّ هذه الجهة الرابعة.

 

 

﴿لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾

 

 فما معنى عن أيمانهم ؟ يقول لك الشيطان: إن الله غفور رحيم، أنت تنتمي لهذه الأمة العظيمة، والنبي عليه الصلاة والسلام لن يدخل الجنة حتى يدخل أمته قبله، يسجد ولا يرفع رأسه حتى يشفع وتُقبل شفاعته لأمته، واللهِ شيء مريح، فمثل هذا المفهوم الخاطئ عن الشفاعة مضلِّل، الشفاعة حق، وهي في نص القرآن الكريم، وفي نص السنة النبوية، ولكن بعض العوام يفهمون الشفاعة فهماً مغلوطاً، فيظن أنه إذا فعل كل المعاصي وشفع له النبي فقد انتهى الأمر.
 مع أن ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:

((يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار أنا لا أغني عنكما من الله شيئا لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه))

 يقول النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة:

((أمتي أمتي، فيقال له لا تدري ماذا أحدثتْ بعدك، فيقول سحقاً سحقا.))

 إذا الآية الكريمة.

 

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

 

 البديل.

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

(سورة النحل)

 البديل الثاني.

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

 البديل الثالث.

﴿لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

(سورة الأنعام: 132 )

 وأما الآية التي تنهى الإنسان عن أن يغتر بالحياة الدنيا.
 أنا أعرف رجلاً توفاه الله، كان شاباً يعمل في محل تجاري في سوق الحميدية، شاب مراهق في ريعان الشباب، يحب أن يداعب الناس، كان يكنس المحل التجاري، ويضع الكناسة في علبةٍ أنيقة، ويلف هذه العلبة بورق ثمين، ويضع حولها شريطًا أحمر، ويضع هذه العلبة على الرصيف، فيمرُّ شخصٌ، ويرى علبةً أنيقةً، ملفوفةً بورق أنيق، لها شريط أنيق، فيظنها شيئاً ثمينًا، فيأخذها ويعدو بها، فيتبعه خفيةً، وبعد مئتي متر يفكُّ الشريط، ثم بعد مئة متر أخرى يفتح الورق، وبعد مئة متر ثالثة يفتح العلبة فإذا فيها كناسة المحل !!! فينفجر ويسب ويلعن.
 واللهِ هذا المثل وهذه القصة أراها تنطبق على الدنيا مئة بالمئة، الإنسان في مقتبل شبابه يرى المال شيئاً ثميناً، المرأة، الزوجة، النزهات، الطعام، الشراب، الولائم، وعند منتصف العمر يرى أن المال مجرّد شيء، ولكنه ليس كلَّ شيء، وعند خريف العمر يرى أن المال ليس بشيء، فهذه الرؤية هي الحقيقة التي نراها عند الموت، ولو رأيناها في مقتبل الحياة لكنا في أوَّج السعادة، ولكنا في أعلى عليين، فالمفروض بالإنسان أن يرى الحقيقة في الوقت المناسب، فرعون رأى الحقيقة، واللهِ لقد رآها، وأيقن بها، واعترف بها، ولكن عند الغرق. قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين.

﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

( سورة يونس: الآية: 91 )

 فقضية الرؤية قضية وقت، دققوا أيها الإخوة، والله أنا ناصحٌ لكم، قضية رؤية الحقائق قضية وقت فقط، إما أن ترى الحقيقة في الوقت المناسب، أو بعد الوقت الناسب، ومَا من إنسان ولو كان فرعون إلا وسيرى الحقيقة، لكن بطولتك كلها تعني أن ترى الحقيقة وأنت شاب كي تعمل صالحاً قبل فوات الأوان، وكي تتقرب إلى الله عز وجل.
 وبعد ؛ الآية دققوا في الآية مرة ثانية:

 

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

 فيها فقرة مخيفة، قال:

 

 

﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾

 

 هذا كلام مَنْ ؟ كلام خالق الكون، آية بالقرآن الكريم الآية، رقمها ثلاثةٌ وعشرون بعد المئة، في سورة النساء:

﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123)﴾

 فالواحد لا يغتر بحِلم الله عز وجل، فالله عز وجل من سننه في الكون أنه يرخي الحبل للإنسان، لينظر ماذا يعمل، فالإنسان إذا كان مربوطًا بحبل، والحبل مرخى، قد يتوهم أنه ليس هناك حبل، والحقيقة هناك حبل، وفي أية لحظة هو في قبضة الله عز وجل.

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124)﴾

 أجلْ ؛ في دارٍ من الدور الأماني تصلح، أين ؟ في دار الدنيا الأماني لا تصلح لها، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل معها أبداً، ولا يعبأ بها، لا ينظر إليها، والدليل هذه الآية:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾

 لكن في الدار الآخرة لمجرد أن يخطر على بالك شئ هو أمامك.

 

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾

 

( سورة ق: الآية:35 )

 لمجرد أن يخطر على بالك شئ تجده أمامك والدليل:

 

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾

 

 التمنيات أين ؟ في الآخرة، أمّا في الدنيا فهي دار السعي والعمل.
 الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، الدنيا دار ابتلاء، والآخرة دار تكريم، فلما يتوهم الإنسانُ أنه في الدنيا يتمنى، ويكفيه التمني فقد وقع في خطأً كبير، الدنيا تحتاج إلى سعي.

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)﴾

 وكذلك:

 

﴿لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

 

(سورة الأنعام: 132 )

 حجمك في الدنيا وعند الله بحجم عملك في الدنيا.

 

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

 

(سورة النحل)

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾

 لا تقل: " شفاعة" هذا مفهوم ساذج، مفهوم سوقي، مفهوم الغوغاء، فأنت مخطئ عندئذٍ، والشفاعة حقٌّ لمَنْ عمل صالحًا، أمَّا:

﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً(124)﴾

 آخر آية الله عز وجل ضغط الدين كله في كلمتين قال:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾

 التعريف الدقيق للدين إحسان إلى الخلق، واتصال بالحق، هذا جوهر الدين إحسان إلى الخلق، واتصال بالحق، وبينهما علاقة، لن تستطيع أن تتصل بالحق إلا إذا كنت محسناً إلى الخلق.

تحميل النص

إخفاء الصور