وضع داكن
18-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 032 - الولي وتعريفه وأهمية تأدية النوافل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم... حديثٌ شريف من الأحاديث الصحيحة، ومن أحاديث الأربعين النووية، وهذه الأربعون مشهورةٌ في أقطار العالم الإسلامي، وهذا الحديث قيمته نابعةٌ من أن الوسيلة مشرفةٌ من شرف الهدف، فكلما ارتقى الهدف، ارتقت الوسيلة إليه، فإذا كان الهدف إرضاء الله عزَّ وجل، إذا كان الهدف التقرُّب إلى الله عزَّ وجل، إذا كان الهدف مزيد حسن العلاقة بالله عزَّ وجل، فالوسيلة إلى هذا الهدف النبيل أيضاً نبيلة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ صحيحٍ رواه الإمام البخاري في باب التواضع، يقول عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته علي، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ))

( رواه الإمام البخاري )

 أعيد عليكم قراءته فلعلَّ بعضكم يكتبه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( إن الله تعالى قال ـ إذاً هو حديثٌ قدسي ـ من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ))

 

( رواه الإمام البخاري )

 محور هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى يتولى أولياءه بالحب والرعاية، ويغار عليهم أن يصل إليهم أحدٌ بمكروه، وهذا الحديث الصحيح يوضِّح لنا مَن هم أولياء الله، لذلك قيل أن أشرف حديثٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الأولياء هو هذا الحديث.
 والإمام الشوكاني يقول: من عاد لي ولياً ـ هذا الحديث ـ اشتمل على فوائد كثيرة مَن فهمها حق فهمها، ومَن تدبَّرها حق تدبرها فقد أفلح. وعالمٌ آخر يقول: هذا الحديث أصلٌ في السلوك إلى الله. معرفة الله شيء والسلوك إليه شيءٌ آخر، عرفت أن الله هو الخلاَّق العليم، هو الرزاق الكريم، هو الرحمن الرحيم، هو العليم القدير، هو السميع البصير، وماذا تنتظر إذاً ؟ وماذا تفعل ؟ لابد من التحرك إليه، لابد من الإقبال عليه، لابد من الوصول إليه، لابد من حركةٍ إلى الله عزَّ وجل، والدليل:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

( سورة الكهف )

 ما قيمة أن تؤمن بالله دون أن تتحرك إليه ؟ ما قيمة أن تؤمن بالله دون أن تسعى إلى رضوانه ؟ ما قيمة أن تؤمن بالله دون أن تلتزم أمره ونهيه ؟ لذلك يقول أحد الأئمة الكبار: هذا الحديث أصلٌ في السلوك إلى الله تعالى، والوصول إلى معرفته ومحبته، وطريقٌ من طرق آداب العبد مع ربه سبحانه وتعالى. كلكم يعلم أن هناك مرتبة الإسلام، وأن هناك مرتبة الإيمان، وأن هناك مرتبة الإحسان، الإسلام انصياعٌ إلى الله عزَّ وجل، الإيمان من أعمال القلب تصديقٌ وإقبال، والإسلام انصياع، والإحسان أن تجمع بينهما. لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة يذكِّرنا بمرتبة الإسلام والإيمان والإحسان.
 معنى ( عاد، مَن عادى لي ولياً ) معنى عادى أي آذى، أو أبغض، أو أغضب بالقول أو بالفعل، إغضاب، إيذاء، بغض قولاً وفعلاً، مَن هو الولي ؟ هنا السؤال، لعلكم تظنون أن كل مئة عام، كل ألف عام يأتي وليٌ لا يعرفه أحد، من الدراويش، لا ترضي هيأته، لعلكم تظنون أن هذا هو ولي الله، أدق تعريفٍ للولي هو ما عرَّفه الله به..

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

 

( سورة يونس )

 مَن هو الولي إذاً ؟ هل بعد تعريف الله تعريف ؟

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

 المؤمن الذي يطيعُ الله عزَّ وجل هو الولي، ما قولكم أنه يجب على كلٍ منا أن يكون ولياً ؟ إياك أن تظن أن دائرة الولاية ضيقةٌ جداً بل إنها واسعةٌ جداً، يجب أن تضم هذه الدائرة كل مؤمن، كل مؤمن عرف ربه واستقام على أمره..

 

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

 هذا المعنى القرآني، هذا التعريف القرآني للولي. أما التعريف اللغوي، قيل: الولي على وزن فَعيل بمعنى فاعل، الذي واَلَىَ طاعة الله، الموالاة المتابعة، أي تابع طاعة الله في ليلٍ ونهارٍ، وصحةٍ ومرضٍ، وغنىً وفقرٍ، وسفرٍ وحضرٍ، تابع طاعة الله عزَّ وجل، واَلَىَ أي تابع، ولم تتخلل طاعته معاصيَ لله عزَّ وجل، فالولي على وزن فعيل بمعنى فاعل، أي تابع طاعة الله.
 والولي بمعنى مفعول أي والاه الله أي حفظه من كل مكروه، تابعته أنت بالطاعة والحب، وتابعك هو بالحفظ من كل مكروه، منك الطاعة ومنه الحفظ، منك الاستقامة ومنه التكريم، منك موالاة طاعته ومنه موالاة حفظه وتأيده ونصره وتوفيقه، هذا معنى الولي.
 الموالاة ضدُّ العداوة، الولي هو الصديق الحميم، والعدو هو الخصيم المبين..

 

 

(( مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب))

 ما معنى (آذنته) ؟ أعلنته، الآذن يقف على باب الموظَّف، ما مهمته؟ أن يعلمه أن فلان حضر، أندخله عليك ؟ فقد آذنته، والآذان سمي الآذان آذاناً لأنه إعلانٌ للناس وإعلامٌ لهم أنه قد دخل وقت الظهر، فـ..

 

(( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ))

 أيها الإخوة الأكارم... بادئ ذي بدء تعريف الولي هو المؤمن التقي، عرفت الله من خلال خلقه، عرفت الله من خلال أمره، عرفت الله من خلال فعله، ثم تقصَّيت أمره، وطبَّقت أمره فأنت ولي الله، هل يمكن أن أقول لكم: إن كل مؤمنٍ يجب أن يكون ولياً ؟ طبعاً كل مؤمنٍ يجب أن يكون ولياً، هذا المفهوم الساذج القديم أن الولي إنسان نادر، رثُّ الهيئة، بلا عمل، هو عالةٌ على الناس، لا يعرفه أحد، من الدراويش، ليس هذا، هذا مفهوم العصور الوسطى، مفهوم عصور التخلُّف، كل مؤمنٍ وهو على رأس عمله، وهو في أوج شبابه، وهو في أوج صحته وقوته، وهو عَلَمٌ بين الناس يجب أن يكون ولياً لله عزَّ وجل، ألا تكفينا هذه الآية ؟

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

 ألا يكفينا أن الله سبحانه وتعالى توعَّد مَن يؤذي المؤمن بالحرب ؟ ألا يكفي أن الله سبحانه وتعالى يدافع عنك ؟ ألا يكفيك أن الله في عليائه وعد كل من يؤذيك بأن يحاربه ؟ ومن حاربه الله فقد أهلكه وانتهى الأمر.
طبعاً الله سبحانه وتعالى يقول:

 

 

﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾

 

( سورة فاطر: من آية " 32 " )

 مَن هو الظالم لنفسه ؟ هو الذي يرتكب المعاصي والآثام، هو الذي يقترف الذنوب..

 

﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ﴾

 مَن هو المقتصد ؟ هو الذي فعل المأمورات وترك المنهيّات..

 

 

﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾

 مَن هو السابق ؟ الظالم مرتكب المعاصي، مقترف الذنوب، مجترح الآثام، المقتصد مَن فعل الأوامر وترك النواهي، هذا المقتصد أي أنه معتدل بين بين، لكنه ناجي، لكنه ينطبق عليه أنه وليٌ من أولياء الله ولكن في المرتبة الدنيا..

 

 

﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾

 الذي فعل الأوامر والنوافل، وترك المحرمات والمكروهات كراهةً تحريمية، وكرهةً تنزيهيّة، مَن هم أفضل أولياء الله عزَّ وجل ؟ هم الأنبياء والمرسلون، من بعدهم ؟ الصحابة والتابعون، مَن بعدهم ؟ العلماء العاملون إلى يوم الدين.
 دائماً دقق في هذه الكلمة: عامل عالم، احذف عامل، وضع على العالم إشارة ضرب، لأنه:

 

(( أندم الناس عالمٌ دخل الناس بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار ))

 الأنبياء والمرسلون، والصحابة والتابعون، والعلماء العاملون إلى يوم الدين، هؤلاء هم..

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾

 

( سورة يونس )

 الآن، مَن هذا الذي يعادي أولياء الله ؟ قال: كل من يعتدي عليه، حتى لا تظنوا أن الولي هو الإنسان اللامع العالم، لا، أي واحد منكم ولي، أنتم المقصودين ؛ المؤمن الذي عرف الله، المستقيم على أمر الله، هذا الولي، فمَن عادى ولياً لله، أي من عادى مؤمناً، قال: مَن يعتدي على ماله بالاغتصاب، أو بالسرقة، أو بالاحتيال، أو بالغُش، أو بالتدليس، أو بالكذب، أو بالحياء.. " ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام "، مَن يعتدي على ماله، أو على عرضه، ما معنى عرضه ؟ قد يقول أحدكم يعني على أهل بيته، على بناته، لا، العرض هو موضع المدح والذم في الإنسان، أي تحدث عنه من دون تحقق..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

 

(سورة الحجرات )

 إذا قلت: والله بخيل، من دون أن تتحقق من ذلك، وقد أعلمك النبي أنه:

 

((من أدى زكاة ماله فقد بريء من الشح ))

 

( من مجمع الزوائد: عن " جابر " )

 أنت حينما تقول عن فلان: بخيل. وقد أدى زكاة ماله، إنك تكذب النبي عليه الصلاة والسلام وأنت لا تدري، أنت اعتديت على أخيك المؤمن بعرضه، أي ذممته، قلت: والله ليس ورعاً، هل أنت متأكد ؟ هل رأيته مرةً لا يصلي ؟ هل رأيته مرةً أطلق بصره في الحرام ؟ هل رأيته أكل مالاً حراماً ؟ ليس عندك دليل، فحينما تعتدي على مال أخيك، أو على عرض أخيك، تذمه من دون أن تعلم، من دون تحقق، له عندك حق، والله سبحانه وتعالى هو الذي سيأخذ حقه منك يوم القيامة، لذلك أكبر عقاب يعاقب به المغتاب أن الذي اغتابه يأخذ حسناته يوم القيامة، فإذا فنيت حسناته طرحت عليه سيئات التي اغتبته، فإذا ذهبت حسناتك وطرحت عليك سيئات من اغتبته طرحت في النار وأنت لا تدري، لا تنسوا قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما سأل أصحابه:

 

(( أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. فقال عليه الصلاة والسلام: لا، المفلس من أتى بصلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ وقد أكل مال هذا، وشتم هذا، وقتل هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته طرحت عليه سيئاتهم، إلى أن يطرح في النار ))

 

( من الجامع لأحكام القرآن: عن " أبي هريرة " )

إذاً:

((من عادى لي ولياً ـ بالاعتداء على عرضه، أو على ماله، أو على نفسه بالضرب أو القتل ـ فقد آذنته بحرب...))

 وإذا حارب الله إنساناً فقد أهلكه، لأن الله يُمْهِل ولا يُهْمِل. هل تصدقون أنك إذا حاربت مؤمناً فقد حاربت الله ومرسوله، من أين جئت بهذا المعنى يا أستاذ ؟ في حديث عائشة رضي الله عنها في المسند:

 

(( من آذى ولياً فقد استحلَّ محاربتي ))

 يقول الله عزّ وجل من حديث عائشة الصحيح

 

(( من آذى ولياً فقد استحلَّ محاربتي ))

 . وأنا أقول الولي يعني أنتم، لا أقصد شيء آخر بل أنتم كمؤمنين، مادمت عرفت الله عزَّ وجل واستقمت على أمره

(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلكم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))

 إذاً إذا آذيت ولياً لله عزَّ وجل، إذا آذيت مؤمناً في نفسه، أو في عرضه، أو في ماله، ذممته من دون تحقُّق، شتمته، أخذت ماله غصباً، أربكته، أخجلته، شوَّهت سمعته، تمنَّيت أن يفتضح بين الناس، إذا آذيت ولياً فقد استحل محاربتي، فكأنك تحارب الله ورسوله.
وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني:

 

(( مَن أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ))

 أحياناً قد تسأل سؤال لغوي: مَن عادى، فعل عادى على وزن، عادى غير عدا، رسل غير راسل، راسل، عادى، قاوم، ناوش، فاعل يفيد المشاركة، إذا واحد عادى ولياً لله عزَّ وجل فهل يعقل أن هذا الولي الطاهر، المستقيم، الورع أن يبادله عداوةً بعداوة ؟ قال: نعم، لأن ولي الله إذا رأى إنساناً يكذب، ويفتري، ويغتاب، ويأكل أموال الناس بالباطل، ويعتدي على المؤمنين، أيحبه هذا الولي ؟ معاداة الولي لأعداء الله حقٌ، لكن معاداة أعداء الله للولي باطلٌ، هو في معاداة، كما أن هذا الإنسان المنحرف الذي يؤذي أولياء الله عزَّ وجل يعاديهم، يأكل من أموالهم، يعتدي على أعراضهم ؛ بذمهم، وغيبتهم، هذا كما أنه يعتدي، ويعادي، كذلك ولي الله يحب الكمال، يحب الطهر، يحب الإنصاف، يحب العفاف، يحب التنزُّه، يحب الورع، يحب النزاهة، هل يعقل أن تكون أنت في أبهى درجات النظافة وأن ترى إنسان قذر، وأن تميل إليه ؟ لا تحبه أبداً، لا تميل إليه ولا تعجب به، هل تحب الكذاب ؟ هل تحب المنافق ؟ هلب تحب البذيء ؟ هل تحب الفاحش ؟ هل تحب المؤذي؟ لا تحبه أبداً، إذاً كلمة (من عادى) في محلها.
 كما أن هذا الإنسان المنحرف، الشارد، الضال الذي يعادي أولياء الله بتجريحهم، وغيبتهم، والتحدث عنهم، وبأكل أموالهم، وبإحراجهم، وبالتضييق عليهم، وبالفرح بالإساءة إليهم، كذلك أولياء الله حينما يرون إنسان يحارب الله ورسوله، يحب أن يطفئ نور الله عزَّ وجل، يحب أن يضع العصيّ في العجلات، أيضاً يكرهونه، ويعادونه، لكن معاداة أولياء الله لأعداء الله معاداةٌ بالحق، بينما معاداة أعداء الله لأولياء الله معاداةٌ بالباطل، هذا هو الفرق.
 يعني أيعقل أن يحب الورع المبتدع ؟ لا، أيعقل أن يحب المتَّبع لسنة النبي مَن اتبع شيئاً سنة خلاف سنة النبي ؟ مستحيل، أيعقل أن يحب المطيع العاقل ؟ أيعقل أن يحب المستقيم المنحرف ؟ لا.
ذا هو القسم الأول من الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

 

(( إن الله تعالى قال: مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ـ الآن ـ وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي... ))

 كلمة (أحب) ما وزنها ؟ على وزن أفعل، أفعل ما نوعها ؟ اسم تفضيل، أي أنه أحب شيءٍ إلى الله، أحب شيءٍ تتقرَّب به إلى الله، أحب شيءٍ تتوسَّل به إلى الله، أحب شيءٍ تقدِّمه إلى الله، أسرع شيءٍ يدفعك إلى الله..

 

 

(( وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي ـ نوافل ؟ لا، لا ـ مما افترضته عليه))

 الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحج البيت، وأدء الزكاة، وغض البصر، والصدق، والعقَّة، والورع، هذه الفرائض، إذا أدَّيت الفرائض فأنت أورع الناس، إذا أديت الفرائض فأنت أحب الناس إلى الله

 

(( وما تقرَّب ))

حديثٌ رائعٌ جداً:

(( وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ))

 الفرائض، صل الصلوات، صم رمضان إيماناً واحتساباً، أدِ زكاة مالك عن طيب نفس، غُضَّ بصرك عن محارم الله، أما إذا أطلقت بصرك في محارم الله ودفعت المبالغ الطائلة في إعمار المساجد، والله شيء جيد، لكن هذه تمنع هذه، في مثل سبحان الله، وأنا في طريقي إليكم، أو قبل أن آتي إليكم بربع ساعة، بحثت عن مثلٍ يوضح هذا المعنى، قلت: إذا عندك مستودع للوقود السائل ـ للبترول ـ أخطر ما فيه أن يكون محكماً، إذا كان محكماً يمكن أن تضع فيه مائة لتر جيد، مائتي لتر، ألف لتر، أما إن لم يكن محكماً كل شيءٍ يوضع فيه يذهب أدراج الرياح ، إذاً أخطر ما في هذا المستودع أن يكون مُحْكاً، أخطر شيءٍ فيه، لذلك الله عزَّ وجل يقول في هذا الحديث القدسي:

 

(( وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ))

 الآن اسمعوا، ماذا قال السلف الصالح أصحاب النبي عليهم رضوان الله. قال: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ـ الفرائض ـ والورع عما حرم الله، وصدق النية فيما عند الله " أداء الفرائض، ترك النواهي، إخلاص القلب، أفضل الأعمال من دون استثناء أداء الفرائض، ترك النواهي، إخلاص القلب، هذا كلام سيدنا عمر.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز قال في خطبته: أفضل العبادات أداء الفرائض، واجتناب المحارم، وذلك أن الله تعالى إنما افترض على عباده هذه الفرائض ليقرّبهم عنده، ويوجب لهم رضوانه ورحمته، أعظم هذه الفرائض إقامة الصلاة..

 

 

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

( سورة طه )

 كان يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه..

 

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾

 

( سورة العلق )

﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103)﴾

( سورة النساء )

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

( سورة العنكبوت: من آية " 45 " )

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ".. " الصلاة نور ))

(( الصلاة طهور ))

(( الصلاة ميزان فمن وفَّى استوفى ))

((" الصلاة معراج المؤمن ))

 هذه كلها أحاديث عن الصلاة. لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ))

 

( من الجامع لأحكام القرآن )

 مرَّ معي في الأثر أن: " عدل ساعةٍ يعدل عبادة سبعين عاماً ".. ورد أيضاً من الأقوال الحكيمة: أن العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، وأن الورع حسن لكن في العلماء أحسن، وأن الحياء حسن لكن في النساء أحسن، وأن التوبة حسن لكن في الشباب أحسن، وأن السخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، وأن الصبر حسن لكن في الفقراء أحسن ".
 الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات، لكن بعضهم قال: وكل واحدٍ منا راعٍ في بيته، راعٍ في معمله، راعٍ في دائرته، راعٍ في عيادته، أحياناً أنت طبيب وعندك موظف، وعندك زبائن للساعة الثانية عشر ليلاً، وفرحت فيهم كل واحد خمسمائة ليرة، تخطيط وما تخطيط، هذا الموظف ليس له ذنب أن يظل للساعة الثانية عشر، انصفه، أو أعطيه ( أوفرتايم ـ بالتعبير الشائع ـ ) أو اصرفه، إما أن تصرفه وإما أن تعطيه تعويضاً على هذا التأخُّر، فليس شرطاً أن تكون قاضياً، ولا أن تكون راعياً، إذا كنت موظفاً وعندك خمس موظفين، فأنت راعٍ عليهم، المرأة راعيةٌ في بيت زوجها، الأب راعٍ في أسرته، المُعَلِّم راعٍ في صفه، الموظف راعٍ في مراجعيه، أبداً، فالإنصاف من أعظم القربات، لذلك قالوا: " ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد حجة الإسلام " دانق من حرام.
يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمامٌ عادل ))

 

( من مختصر تفسير ابن كثير: عن " أبي سعيد الخدري "

 وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( إن المقسطين عند الله ))

 والله أيها الإخوة... إذا عندك في البيت ابنتك وكنتك، وكنت منصف، والله هذا أفضل قرب لله عزَّ وجل، هذه البنت الغريبة، أحياناً البنت غالية، فإذا توعكت قليلاً: دعوها، دعوها ترتاح، وهذه زوجة ابنك إذا ادعت المرض إنها كاذبة، لماذا ؟ لماذا ابنتك مصدقةٌ عندك وهذه تكذب ؟ لست منصفاً أنت. فدائماً أحياناً الإنسان في معاملته لأولاده، لأصهاره، لبناته، حينما لا ينصف كأنه يطيح بصلاته وصيامه وحجه وزكاته. قولوا لفلان إنه أبطل جهاده مع رسول الله، يعني أعظم قربة إلى الله تعالى أن تكون منصفاً.
 أنا أروي قصة مرات عديدة لأنني متأثر فيها، كنت مرة في محل تجاري، وجدت في المحل صانع، وابن صاحب المحل في سن متقاربة، فصاحب المحل حمَّل هذا الصانع أقمشة، تعب فقال له: احمل أنت مازلت شاب، ابنه رفع حاجة، أوعك ظهرك يا بابا، ما لك منصف، هذا له أب كذلك، وله أم، وهذا له أهل وهو غالٍ على الله عزَّ وجل، ما لك منصف، إن لم تكن منصفاً كأنك أهدرت عملك، أعظم قربة الصلاة، أعظم قربة الإنصاف، العدل..

 

(( عدل ساعة يعدل عبادة سبعين عاماً ))

 ألم يقل حجر لله: يا رب عبدتك خمسين عاماً وتضعني في أس كنيف ؟ قال له: تأدب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم. يعني مكانك في الكنيف أشرف لك ألف مرة من أن تكون في مجلس قاضٍ ظالم.
في شيء آخر:

 

((إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ))

 كن منصف، أحياناً توضع في ظرف وأنت قوي، وكلمتك هي المصدقة، ومَن معك ضعافٌ لا يستطيعون أن يأخذوا حقهم، فأنت تتكلم كيفما تريد على أي أحد ؛ توزع اتهامات، توزع ألقاب، تقوي فلان، تضعف فلان، ولكن هناك رب يراقب، إن لم تكن منصفاً فلست مؤمناً، أنا أعني ما أقول: إن لم تكن منصفاً فلست مؤمناً، أعظم قربةٍ إلى الله أن تكون منصفاً، بين أولادك ؛ أحياناً ابن معك يعمل ليلاً نهاراً، وتعطيه في النهاية كما تعطي أخوه الذي لا يعمل معك، ما أنصفته أنت، ذاك له يحمل شهادة عليا وعنده عيادة، يأخذ منك ما أخذه هذا الذي يعمل معك طول النهار والليل، ما في إنصاف، هذا له أجر نظير جهده، ثم له نصيب قرشه منك، أحياناً الإنسان يظلم أولاده وهو لا يدري، يظلم إخوته وهو لا يدري، إخوانه المؤمنين وهو لا يدري، زبائنه وهو لا يدري.
 العلماء استنبطوا أن من أداء الفرائض ترك المعاصي، فـ:

 

 

(( ما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ))

 دخول الفرائض في ترك المعاصي قال مقدمٌ على دخول فرائض الطاعات، هذا مثل المستودع، الطاعات ضع في هذا المستودع الوقود السائل، وترك المعاصي اجعله محكماً، أيهما أهم ؟ في عندك أمران ؛ أمر أن تجعله محكماً، وأمر أن تضع فيه الوقود، أيهما مقدمٌ على الآخر ؟ أن تجعله محكماً، لأنك لو وضعت فيه الوقود وهو ليس محكماً، ضاع الوقود في الأرض.
 مرة حدثني إنسان قصة فعلاً شر البلية ما يضحك: في بعض الأزمات الحادة جداً للوقود قال لي: بقيت أسبوعان أو ثلاثة أترجا حتى تمكنت أن آتي بسيارة وقود، وأضعه في مستودعي، والفرحة غمرت قلبي، وكأني لا أصدق، وكأنني ملكت الدنيا، بردٌ شديد، وفي أزمة شديدة على الوقود، قال لي: بعدما دفعت المبلغ المرقوم، جئت لأفتح، فإذا الحنفية مفتوحة نسوها الأولاد، كل الوقود صار بالمرحاض، فإذا ما كان محكم انتهى الأمر. عندك أمران ؛ أمر بإحكام المستودع، وأمر بإملائه الوقود، أيهما مقدمٌ على الآخر ؟ الإحكام.
 إذاً هنا في عندنا حديث شريف دقيق جداً، هذا مكانه الصحيح:

 

 

(( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فلا تقربوه ))

 

( من الجامع لاحكام القرآن )

 إذاً ترك المعاصي مقدمٌ على فعل الطاعات، لأن الطاعات مع المعاصي لا قيمة لها، لا جدوى منها، تضيع قيمتها، إذا عندك وعاء فيه آثار فيه رائحة كريهة، فهل تضع فيه الزيت الجيد ؟ لابد من التنظيف، هذا ما قاله العلماء: التخلية مقدمةٌ على التحلية، فالتطهير مقدم على الاصطباغ.
قال بعض العلماء: إن جميع المعاصي هي في حقيقتها محاربةٌ لله عزَّ وجل.
نُقِل عن بعضهم: هل لك في محاربة الله من طاقة ؟ قال: لا، قال: فإن من عصى الله فقد حاربه. أنت حينما تعصي فقد حاربت الله ورسوله. كلما كان الذنب أقبح كانت المحاربة أشد.
 في شيء دقيق: الله عزَّ وجل سمى أكلة الربا وقُطَّاع الطريق ماذا سمَّاهم ؟ هذا الكلام من عندنا ؟ عندما قال العلماء: إن من يعصي الله كمن يحاربه، هذا الكلام أله أصلٌ في كتاب الله ؟ آكل الربا الله يحاربه، ولكن أنا أريد المعنى الآخر، الذي يعصي الله هو يحارب الله ؟

 

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 33 " )

 أي أن قُطَّاع الطرق، المفسدون في الأرض، أكلة الربا، سمَّاهم الله محاربين لله ورسوله.
نعيد عليكم نصَّ الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه))

 بقية الحديث:

 

 

(( وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ))

 الآن النوافل، الصلوات الزائدة ؛ قيام الليل، الضحى، الأوَّابين، صيام نافلة، دفع الصدقة فوق الزكاة، كلما زاد عن الفريضة يسمى نافلة..

 

(( وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ))

 .. الاجتهاد في الطاعات من صلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ وحج، وكف النفس عن دقائق المكروهات، حتى المكروهات التنزيهية يكف نفسه عنها.
 قلنا

(( من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ـ الآن ـ وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ـ مرحلة ثانية ـ وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ))

 لكن

(( فإذا أحببته ))

اذا يحصل ؟ قيل: من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكرٍ وتدبرٍ وتفهمٍ وعمل، ففي الترمذي عن أبي أمامة مرفوعاً:

((" ما تقرب العبد إلى الله بمثل ما خرج منه ـ من قرآن ـ ))

 الآن هذه النوافل.
وقيل: لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهي لذةٌ لا تعدلها لذة، لذلك قالوا عندما ناجى الله عزَّ وجل سيدنا موسى، قال:

 

﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)﴾

 

( سورة طه )

 إلهٌ يسأل..

 

﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾

 وبعدها استحى أن يكون قد أساء الأدب، قال:

 

 

﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)﴾

 إذا ربنا أحب أن يتابع سيقول له: وما هذه المآرب يا موسى ؟ الله عزَّ وجل أراد من هذا أن هذه التي بيدك العصا انتبه إليها، الآن بعد قليل ستصبح حيةً، فأجمل شيء عند المحبوب أن تناجيه، وأن تخاطبه، وأن تسمع كلامه، ومن أراد أن يحدث ربه فليدعوه، فليدعو ربه، من أراد أن يحدثه ربه فليقرأ القرآن، المؤمن الصادق أجمل شيء في حياته إما أن يدعو الله عزَّ وجل، وإما أن يقرأ القرآن، هذه النوافل.

 

 

(( وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته... ))

يقول ابن مسعود: مَن أحب القرآن أحب الله ورسوله.
 الآن، ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله تعالى، والله المؤمن الصادق ما في عنده حديث دنيوي، أينما جلس يحب أن يذكر الناس بالله عزَّ وجل ، وبحسب الحكمة أحياناً قصة، أحياناً آية، حديث، قصة عن صحابي، آية كونية، حكم فقهي، أي لا يدخر وسعاً في تذكير الناس بربهم ؛ من خلال آياته الكونية، من خلال آية القرآنية، من خلال آياته التكوينية، من خلال أوامره ونواهيه، من خلال سِيَر النبي عليه الصلاة والسلام، من خلال سير الصحابة الكرام. قال: ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله تعالى، قال تعالى:

 

 

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾

 

( سورة البقرة: من آية " 152 " )

 ويقول الله تعالى فيما رواه الإمام البخاري ومسلم:

 

((أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خيرٌ منه ))

 المؤمن علامته أنه يذكر الله ذكراً كثيراً، ولما ربنا عزَّ وجل قال:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 الأمر يتعلق لا بالذكر بل بكثرة الذكر، لا بالذكر بل بكثرة الذكر، مؤمن صادق ؛ مع أهلك، مع أولادك، مع جيرانك، مع شركائك، مع أصدقائك، في حفلة، في نزهة، في سهرة، فأي كلامٍ آخر سخيف..

 

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾

 

( سورة المؤمنون )

 عما سوى الله عزَّ وجل.
أما أدق ما في الحديث الآن قال:

 

(( فإذا أحببته ـ ماذا يحدث ؟ ـ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ))

 وفي بعض الروايات:

 

 

((وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به ))


 يا الله ‍‍!!

 

 

((كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، قلبه الذي يعقل به، لسانه الذي ينطق به ))

 شيء مخيف إذا الإنسان أساء فهمه، أو أساء تفكيره، يقع في الذندقة والكفر، هذه عقيدة الحلول أن الله حل بفلان، ما في الجبة إلا الله أعدموه للحلاج، والذي أعدمه إمامٌ كبير أفتى بإعدامه، وهو الإمام الجيلاني، حينما سئل الحلاَّج: مَن في جبتك ؟ قال: ما في جبتي إلا الله. فأصدر الإمام عبد القادر الجيلاني فتوى بقتله.
 الفقرة الأخيرة في الحديث الشريف:

 

 

((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ـ ويضاف إليه ـ وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به ))

 لهذا الحديث تفسيران ؛ التفسير الأول: أنك إذا تركت المعاصي كلها، وفعلت الفرائض كلها، ثم تقربت إلى الله بالنوافل، بالصلوات، والصيام، والحج، والزكاة، والصدقة، فماذا يحصل ؟ يمتلئ قلبك نوراً، يمتلئ قلبك حباً لله، تتجلى لك عظمة الله، لا ترى مع الله أحداً، هذا المستوى الرفيع من الإيمان يجعلك تغفل مَن سوى الله كله، ويجعلك تغفل عن هوى نفسك، وعن حظوظ نفسك، عندئذٍ لا تنطق إلا بالحق، ولا تسمع إلا ما يرضي الله، ولا تمشي إلا إلى مكانٍ فيه طاعة لله، ولا تفعل شيئاً إلا وفق مرضاة الله، لا في سمعك، ولا في بصرك، ولا في لسانك، ولا في يدك، ولا في رجلك، تركت المعاصي كلها، تركت المكروهات كلها، فعلت الفرائض كلها، فعلت الطاعات كلها، فعلت النوافل كلها، إذاً امتلأ قلبك هدىً، امتلأ حباً، امتلأ نوراً، امتلأ إخلاصاً، ذهلت عما سوى الله، ما رأيت مع الله أحداً، ذهلت عن هوى نفسك عندئذٍ لا تنطق عن الهوى، بصرك في طاعة الله، لا تنظر إلا إلى ملكوت الله، لا تسمع إلا الحق، لا تنطق إلا بالحق، لا تمشي إلا إلى طاعة، لا تفعل إلا ما يرضي الله، هذا المعنى، أي أن ارتقاء المستوى إلى درجة عالية جداً يجعل أعمالك خالصةً لوجه الله عزَّ وجل، وفق الشرع، وفق الأمر، وفق النهي، وفقر ما يرضي الله.
 المعنى الثاني يستنبط من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وهو: يقول عليه الصلاة والسلام في دعائه الصحيح:

 

 

(( اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً ))

 بمعنى: أنه يا ربي أكون مستنير فأية كلمةٍ أعرف مداها، ومؤداها، ومدلولها، وأية نظرةٍ أعرف ما الذي يرضيك منها، وأيُّ سماعٍ أعرف ما الذي ترضاه من سماعي، فإما أنك تسمو إلى درجة أنك تذهل عن نفسك وعما سوى الله، وإما أن الله عزَّ وجل يقذف في قلبك نوراً فيريك الحق حقاً فتتبعه، والباطل باطلاً فتجتنبه.
إذاً هذا معنى أن الله عزَّ وجل:

 

 

(( كنت سمعه، وبصره، ويده، ورجله، وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به ))

 . أصبحت أعماله كلها منزهةً عما سوى الله، أعماله كلها خالصةً لوجه الله.
 الآن: من التكريم، من تكريم هذا الولي الذي والى الله، آمن به واصطفاه، وفعل الطاعات، وترك المنكرات، وترك المكروهات، وفعل النوافل، وتقرب إلى الله عزَّ وجل حتى صفت نفسه، وحتى أخلص قلبه، وحتى استنار فؤاده، النتيجة، قال: ومن تكريم الله لوليه أنه إذا سأله أعطاه، وإذا استعاذ به من شيءٍ أعاذه، وإذا دعاه أجابه، أي صار مستجاب الدعوة، هذا الذي قاله النبي عن ربه في حديثٍ قدسي رواه الديلمي:

 

 

(( ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظُلمة نورا، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليَّ فأبره، أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي ))

 الآن، قيل لله رجالٌ إذا أرادوا أراد، قد تبلغ درجة من الولاية أن يصبح دعاؤك مستجاب، لكنك لا تدعو إلا بالخير، لكن في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( ما من مسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ))

 ومع ذلك أنت مستجاب الدعوة، لو أن الله لم يستجب لك أنت مستجاب الدعوة ؛ إما في الدنيا، أو في الآخرة، أو أنه صرف عنك من السوء مثل دعوتك.
آخر شيءٍ في هذا الحديث:

 

 

(( وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ))

 الآن في شيء يقشعر له الجلد، رب العزة في عليائه يقول:

 

 

((وما ترددت ـ طبعاً هذه الزيادة في صحيح البخاري ـ وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفسي عبدي المؤمن ))

 الله يتردد ؟ هنا السؤال، فإذا قال الله عن نفسه أنه يتردد، فما معنى ذلك ؟ " وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفسي عبدي المؤمن ". أي أن هذا المؤمن غالي على الله، والموت صعب عليه، والموت طريقه الوحيد إلى الجنة، حتى ينقله من هذه الدنيا، من دار الغرور، من دار التعب والنَصَب، من دار الهم والحزن، من دار العمل، من دار الكد

 

 

﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

 

( سورة الانشقاق )

 حتى ينتقل من هذه الدار إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فلابد من أن يموت، ولأنه يكره الموت فالله سبحانه وتعالى يتردد، تردد الله عزَّ وجل بمعنى أنه يشفق عليه فقط، إذا قلنا: الله تردد أي أشفق على عبده، قال:

 

(( وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفسي عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ))

 هو يكره الموت وأنا أكره أن أسوئه بالموت، ولكن الموت طريقٌ وحيدٌ إلى الجنة، لذلك ربنا عزَّ وجل يبعث له ملك الموت بأحب الناس إليه، بأجمل حالاته، بحياتك في ألف شخص؛ أقرب الناس لك، أحب الناس لك، أكثرهم إيناساً لك، كثير يقولوا الصالحين حينما حضرتهم الوفاة أولاده جالسين، يقول: دخل عمكم، لمَ لا تسلموا على عمكم ؟ أين هو عمنا لا يوجد أحد، رأى ملك الموت أخاً له، رآه صديقاً حميماً..

 

 

((وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفسي عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))

 فربنا عزَّ وجل إذا أراد أن يميت عبده المؤمن لا يريد أن يفعل هذا مهيناً له، بل يرفعه إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، لذلك قالوا: إن المؤمن يخرج من الدنيا إلى الآخرة، كما يخرج الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا.
 وقد استدل من هذا الحديث أول كلمة أن الإمام البخاري وضع هذا الحديث في باب التواضع، فما علاقة هذا الحديث بالتواضع ؟ قالوا: لأن العبد حينما يفعل النوافل يكون في هذا في غاية التواضع، وحينما يدقق في كلامه وفي نظره يكون هذا في غاية التواضع..

 

(( إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد ))

 فتأدية النوافل، الالتزام بالأمر والنهي كله من باب التواضع، فهذا الحديث أنا أتمنى عليكم أن تحفظوه وأن تعملوا به فهو من أصول الدين، مرةً أقول ثالثة ورابعة: أبحث عن حديثٍ في درس الأحد يعد من أصول الدين، من أركان الدين، وهذا الحديث ورد في الأربعين النووية، أعيد عليكم قراءته مرةً أخيرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ))

 

( رواه البخاري )

 الزيادات:

 

(( وكنت قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وما ترددت عن شيءٍ ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته ))

 

تحميل النص

إخفاء الصور