وضع داكن
24-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 112 - حلاوة الإيمان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام: من التعريفات الجامعة المانعة للدين أنه نقل عن الله عز وجل، فهذا الذي يسمي الإسلام تراث إنسان جاهل، تراث أرضي أما ديننا وحي من الله، من خالق الكون، فلذلك الدين نقل ولأن الدين نقل أخطر ما في النقل صحة النقل، وأخطر ما في النقل فهم النقل، العقل علاقته بالنقل له دور قبل النقل ودور بعد النقل، دوره قبل النقل التأكد من صحة النقل، ودوره بعد النقل فهم النقل، يعني فهم النص هذه نعمة من نعم الله الكبرى أن تفهم النص كما أراده الله عز وجل مع أن هناك علوماً راقيةً جداً لفهم النصوص ولاستنباط الأحكام الشرعية هذه العلوم من أرقى العلوم الشرعية هي علوم أصول الفقه.
كيف تستنبط المعنى الدقيق والحكم الشرعي والإشاري من النص، على كلٍ في هذا الدرس اخترت لكم نصاً ألقيته على مسامعكم كثيراً ولكن قد يسأل أحدكم لماذا تعيد نصاً تلوته على مسامعنا ؟ الإنسان أحياناً يذكر نصاً دون شرح، أو بشرح بسيط أما حينما يجعل النص محوراً لدرس لابد من أن تقف على جزئياته ودقائقه وقفةً متأنية.
كنا في الجامعة أستاذ النصوص الأدبية كان يمضي ساعتين في شرح بيتين فقط، فهم النص شيء دقيق جداً وقد ورد في القرآن الكريم:

﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)﴾

( سورة يوسف )

وقد ورد في الحديث الصحيح: إلا أن يؤتى فهماً في كتاب الله.
 فالإنسان عندما يفهم النص الشرعي فهماً عميقاً أصولياً هذه نعمة كبرى بالمناسبة الدين نقل وكل دروس العلم في الحقيقة بشكل أو بآخر شرح لهذا النقل، الحديث اليوم:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

 لماذا ينصرف الناس عن الدين، لماذا لا يدخل الناس في دين الله أفواجاً ؟ لأنهم ما ذاقوا حلاوة الإيمان، تعرفوا إلى حقائق الإيمان ومعرفة حقائق الإيمان شيء وأن تذوق حلاوة الإيمان شيء آخر وشتان بين المستويين، أن تعرف حقائق الإيمان شيء وأن تذوق حلاوة الإيمان شيء آخر.
 قد تجد إنساناً في جامعة غربية قد يكون يهودياً، ذكي جداً يحمل أعلى الشهادات وصل إلى حد كبير من الإطلاع وقد يمنح شهادات في الشريعة هذا وصل إلى حقائق الإيمان، النظرية التي قرأها في الكتب، أما أن يذوق حلاوة الإيمان هذا له طريق.
 أريد أن أقول لكم بادئ ذي بدء، أنه فرق كبير كبير كبير بين أن تعرف حقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان، مليار ومائتا مليون مسلم يعرفون حقائق الإيمان، ولو أن من هؤلاء، لو أن اثني عشر ألف منهم ذاقوا حلاوة الإيمان لن يغلبون في الأرض.

 

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))

 فالعبرة أن تصل إلى الله كي تذوق حلاوة الإيمان لا أن تبقى في حدود المعرفة النظرية، أنا من باب التعليق على كلمات نسمعها كثيراً أنه فلان يوجد عنده خلفية إسلامية، فلان يوجد عنده أرضية إسلامية، فلان يوجد عند اتجاه إسلامي، نزعة إسلامية، فلان ثقافته إسلامية، هذا كله ثقافة معلومات أما حلاوة الإيمان شيء آخر، حلاوة الإيمان لا تذوقها إلا إذا اصطلحت مع الله، حلاوة الإيمان لا تذوقها إلا إذا آثرته على كل شيء، حلاوة الإيمان لا تذوقها إلا إذا استقمت على أمره، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق، والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف، هذه الأحوال الذي عاشها الصحابة الكرام شيء لا يصدق، يعني خبيب بن عدي كان يعذب قبل أن يقتل، قال له أبو سفيان: أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت معافى في أهلك، اسمعوا ماذا قال لأنه ذاق حلاوة الإيمان، قال: والله لا أحب أن أكون في أهلي ومالي وولدي، جالس في غرفة الجلوس زوجته أمامه متزينة أولاده أمامه، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، صحة طيبة وتناول طعام العشاء والمكيف يعمل، وباقة ورد، وعصير وموالح، جالس ومرتاح والله لا أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة، هؤلاء الذين ذاقوا حلاوة الإيمان هذا موقفهم.
 صحابي جليل كان ينازع في أرض المعركة، قال له الذي كلفه النبي أن يتفقده: يا سعد أنت بين الأحياء أم بين الأموات، قال له: أنا مع الأموات أبلغ رسول الله مني السلام وقل له جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وقل لأصحابه لا عذر لكم إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، وهو ينازع ذاق حلاوة الإيمان.
 امرأة رأت زوجها قتيلاً، وابنها قتيلاً، وأباها قتيلاً، وأخيها قتيلاً، تقول ما فعل رسول الله، فلما وقعت عينها على النبي قالت: يا رسول الله كل مصيبةٍ بعدك جَلَد، أي تهون.
 أخوانا الكرام: الصحابة بضعة آلاف فتحوا الدنيا لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان، درسنا اليوم حلاوة الإيمان، الحقائق بالكتب موجودة، تفتح كتب العقيدة، كتب السيرة، كتب الفقه، كتب الحديث، أصول الفقه، علم العقيدة، التاريخ الإسلامي، تاريخ التشريع، شيء لا ينتهي ملايين الكتب، أما حينما تجاهد نفسك وهواك وحينما تؤثر طاعة الله على كل شيء يكرمك الله إكراماً لا يوصف بأن يذيقك حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان أن تصل إلى الله، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ...))

 الإيمان له حلاوة يذوقها، ما الذي يدفع المؤمن إلى طاعة الله، المرأة محببة، ما الذي يحملك على غض البصر ؟ كن واقعي أن تطلق البصر هذا شيء يتفق مع الطبع أن تستمتع بمحاسن النساء الكاسيات العاريات هذا شيء يتوافق مع طبع الإنسان لكن يتناقض مع التكليف، التكليف عليك أن تغض البصر كأن حلاوة الإيمان لا يمكن أن تصل إليها إلا إذا خالفت نفسك وهواك، قال تعالى:

 

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾

 

( سورة النازعات )

 أنت حينما تذوق حلاوة الإيمان تفعل الأعاجيب، شيء لا يصدق الذي فعله الصحابة الكرام، محبتهم كانت فوق التصور لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان، أيام ترى شخصاً دكان صغير بطرف السوق يجلس فيها اثني عشر ساعة، إذا كل يوم الغلة عشرة آلاف ليرة، مائة ألف مائتان ألف تراه الدكان أصبحت جنة له، فبحسب الوارد تتعلق.
 أيها الأخوة: شبه الإيمان بشيء مادي له طعم وطعمه حلو وأضيف هذا الطعم إلى الإيمان، حلاوة الإيمان، شبه الإيمان بطعم حلوى ثم أضفت الإيمان إلى هذا الطعم فصار حلاوة الإيمان، لذلك هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان.

 

((َنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا...))

 هنا موطن الشاهد، يوجد نص ويوجد مصلحة، نص وشهوة، نص ورغبة، نص وتقليد اجتماعي، يجب أن تصافحها، يوجد نص ودعوة إلى حفلة رائعة جداً مختلطة، يوجد نص وجائزة كبيرة نلتها باليانصيب يوجد نص وسفرة ممتعة، حينما تؤثر طاعة الله في قرآنه، وطاعة النبي في سنته على الشهوات التي أودعت فيك يسمح الله لك أن تذوق حلاوة الإيمان، ومتى ذاق الإنسان حلاوة الإيمان آثر طاعة الله على كل شيء، قضية موازنة، أنت إذا توقفت أمام أي مكان في طريقك إلى دمشق ترى أمام الملهى مائة سيارة، ماذا يوجد في الداخل ؟ يوجد طعام وغناء ورقص، ويوجد دفع،هؤلاء الذين قبعوا في هذه الأماكن يأكلون ويستمتعون، ويمتعون آذانهم وأعينهم بما حرم الله، لو ذاقوا حلاوة الإيمان لكان استمتاعهم بقرب الله يعني أضعافاً مضاعفة لكن لا يعلمون، إذا إنسان أقسم لك يميناً مغلظاً أن الدبس أطيب شيء في حياته صح لأنه لو ذاق العسل ما قال هذا الكلام.
أنا أقول لكم كلمة أيها الأخوة، المؤمن أكبر إنجاز له أنه أحسن الاختيار، اختار الله، إنسان اختار المرأة، اختار المال، الجاه، المتع الرحلات، اختار المظاهر الفخمة، ويوجد إنسان اختار الله عز وجل أعطى الإنسان أذكى إنسان هو الذي اختار الله ورسوله، الإنسان متى يشعر بالطعم الحلو ؟ إذا كان صحيح المزاج، إذا الإنسان مريض أو معه حالة تخمة، أو معه غثيان لا يقدر أن يتصور الطعام، لا يشعر بالطعم الطيب إلا صاحب المزاج الطيب، فالمؤمن مزاجه صحيح يذوق حلاوة الإيمان باستقامته يجرب، مع أن الله لا يجرب ولا يشارط جرب أن تصطلح معه اصطلاحاً تاماً، أن تصلي إن لم تكن الصلاة أعلى متعة في الأرض فهذا الدين باطل، تتصل بالله، تقبل عليه، تطلب منه تناجيه، تستغفره، يلقي في قلبك الأمن، الطمأنينة، يلقي في قلبك مجموعة مشاعر سماها النبي حلاوة الإيمان.
 مرة عبرت عن هذا الحديث بهذا المثل، حقائق الإيمان أنت أمام خارطة لقصر شيء جميل لكن ورق، هنا الشرفة ثمانية أمتار بأربع أمتار ممتازة، إطلالة على السهل، الغرفة خمسة بأربعة، جيد ثلاث غرف نوم، حمام كبير، ولكن كله على الورق، هذا ورق ورق، فبين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان ما بين الورق والقصر نفسه، بين ورق وبين قصر، بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان ما بين صورة تفاحة وتفاحة تأكلها، ما بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان ما بين مليون تنطقها وبين مليون تملكها فرق كبير جداً، درسنا اليوم لا عن حقائق الإيمان بل عن حلاوة الإيمان.
 حلاوة الإيمان تحتاج إلى مجاهدة، جاهد تشاهد، أما حقائق الإيمان تحتاج إلى مدارسة كتاب تقرأه، تسمع شريط، تحضر درس، تتثقف تزداد معلوماتك، هذه حقائق الإيمان تأتيك من درس علم من شريط من كتاب من محاضرة، هذه حقائق الإيمان، أما حلاوة الإيمان حينما تتصل بالله عز وجل وتذوق طعم القرب فقد ذقت حلاوة الإيمان.
 حلاوة الإيمان تحتاج إلى إخلاص، الإخلاص عبادة القلب، الجوارح لها عبادة، عبادة العين غض البصر، عبادة الأذن أن تكف عن ما لا يرضي الله، عبادة اليد أن تكون في طاعة الله، عبادة الرجل أن تقودك إلى مجالس العلم، عبادة القلب الإخلاص، قال تعالى:

 

 

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾

 

( سورة إبراهيم )

 أنا أضع بين أيديكم هذه التجربة، أنت ذقت الطعام والشراب والسفر والزواج، والاستلقاء على فراش وثير، أن ترتدي ثياب جميلة جداً أن تدعى إلى حفلة فاخرة، هل ذقت حلاوة القرب من الله عز وجل، ادفع ثمنها، ثمنها العمل الصالح، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

( سورة الكهف )

 إلا أن الحديث هنا يوجد شيء دقيق، اطلعت على شرح هذا الحديث في أوسع كتاب لشرح الأحاديث الصحيحة يوجد معنى لهذا الحديث ما ورد في الشرح،

((... أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))

 سواهما اسم تفضيل، يعني أنت أمام شيئين مما سواهما مساكن ترضونها، مما سواهما تجارة تخشون كسادها، مما سواها قل إن كان آباءكم، الأب لو أمرك بمعصية، قال لك إذا لم تفعل مثل ما أقول لك ليس لك شيء عندي وليس ابني، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

 

( سورة التوبة )

 مرة ذكرت في خطبة في يوم الوقفة أن الإنسان إذا أطاع مخلوقاً وأطاع خالقه، ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة لأنه أطاع الأقوى في تصوره، الإنسان إذا آثر أن يكسب مالاً حراماً من غش الناس، هذا ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة لأنه رأى أن هذا المال الذي يجمعه من الغش أغلى عنده من طاعة الله ورسوله، الإنسان الذي لم يقم الإسلام في بيته إرضاءً لأهله ولأولاده ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه رأى إرضاء الزوجة والأولاد أغلى عنده من إرضاء الله عز وجل، شيء محرج جداً أنت حينما تؤثر الدنيا على طاعة الله فأنت آثرت الأقوى أو الأنفع في نظرك عندئذ لا تذوق حلاوة الإيمان.
 الآن يوجد مليار ومائتان مليون مسلم كلهم يعرفون الحلال والحرام، يعرفون الصدق فضيلة والكذب رذيلة وهو يكذبون، يعرفون الأمانة فضيلة والخيانة رذيلة وهم يخونون، لأنهم ما ذاقوا حلاوة الإيمان وعرفوا حقائق الإيمان.
 يوجد نقطة بالحديث دقيقة أن يكون الله ورسوله يعني أوامر الله في قرآنه وأوامر النبي في سنته أحب إليك، يعني يوجد صراع ويوجد رأي دقيق أنه حين التعارض، حينما تتعارض مصالحك مع النص الشرعي حينما يأتيك مبلغ مغري، أما هذا المبلغ يخالف نصاً شرعياً، حينما تكسب شيئاً ثميناً لكن الشرع لا يقرك عليه صار هناك صراع، إذا آثرت الله عز وجل في قرآنه والنبي في سنته أذاقك الله حلاوة الإيمان يوجد نقطة مهمة الحب نوعان، حب نفسي وحب عقلي، لما إنسان يكون له عمل شاق يطلب أجراً كبيراً جداً، يعني عشر أمثال أجر المثل العمل شاق لماذا أحب هذا العمل ؟ لا لأنه مريح بل هو شاق لكن أحب الدخل الكبير الذي يأتيه من هذا العمل، فهذا حب عقلي، الإنسان حينما يأخذ الدواء المر لماذا يحب الدواء ؟ يحبه حباً عقلياً، لأن بقناعته هذا الدواء ينهي هذا الألم، الدواء وإن كان مراً وإن كان غالي الثمن، وإن كان أخذه يحتاج إلى جهد كل ثلاث ساعات عليه أن يستيقظ في الليل ليأخذ الدواء مع أنه في نفقة، وضبط للأمور، وطعم مر، لكنه يحب الدواء حباً عقلياً وهذا العقل الذي أودعه الله في الإنسان هو الذي رفعه عن باقي المخلوقات.
 أيها الأخوة: المؤمن حينما يوقن أن الشارع الحكيم لا يأمر ولا ينهى إلا ما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، كل أوامر القرآن الكريم والسنة المطهرة فيها صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتني رجحان جانب الصلاح العاجل والخلاص الآجل.
 شعور المؤمن المصطلح مع الله المستقيم، المستقبل مريح لا يوجد مفاجآت، أنت وازن بين شخصين، مستقيم علاقته بالمستقبل، إنسان غير مستقيم علاقته بالمستقبل، علاقة المستقيم بالمستقبل التفاؤل والطمأنينة والشعور أن الله لا يستغني عنه وأن الله يحسن ختامه وأن الله يرعى شيخوخته، بينما علاقة غير المؤمن بالمستقبل الخوف، توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أنت من خوف الفقر في خوف، من خوف المرض في مرض، هذا القلق المستمر، خوف المجهول خوف المستقبل، هذا وحده شقاء، حلاوة الإيمان تنفي عنك كل هذه الآلام، ماذا قال أحد العلماء: بستاني في صدري ماذا يفعل أعدائي بي إن أبعدوني فإبعادي سياحة، إن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي.
 بعض شراح الحديث لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: أبو بكر في الجنة، لهذا القول معنيان المعنى الأول أنه الآن في جنة القرب وقال بعض العارفين بالله في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ويوجد آية قرآنية تشير إلى هذا المعنى:

 

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

 

( سورة الرحمن )

 جنة الدنيا وجنة الآخرة، قال تعالى:

 

﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

 

( سورة محمد )

أذاقهم طعمها في الدنيا، أنا ألح في هذا الدرس على حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان محرك تدفعك إلى العمل، إلى بذل الجهد والوقت، إلى بذل المال، توصلك بالله عز وجل، شيء غريب إن أردت أن تكون متألقاً، إن أردت محبة ثائرة لا فاترة، تألقاً لا خفوتاً فعليك بحلاوة الإيمان وهي أن تكون على طاعة الله مقيم.
 يوجد شيء آخر الإنسان أحياناً يتلذذ بعقله، لو قلت إنسان تاجر ويبيع بيعاً كثيراً وهو متعب دخل المحل الساعة الثامنة وهو ليس متناول طعام الغذاء والدنيا حر والمروحة معطلة، والزبائن فوق بعضهم، يوجد لذة مادية، لا اللذة المادية أن يكون الإنسان مرتاحاً، مكيف، طعام، لكن هو اثني عشر ساعة عمل، الجو حار لكن الزبائن الكثر والدخل الكبير يعمل له لذة عقلية، المؤمن حينما تأتي حركته اليومية موافقة لهدفه في الحياة يوجد عنده لذة عقلية هو عرف سر وجوده وغاية وجوده، عرف الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، عرف أن له عند الله مكانة، قال تعالى:

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)﴾

( سورة القمر )

 قال: أصغر اللذائذ الحسية الحلاوة، يوجد أطعمة صعب أن تميز بينها أما الشيء الحلو صارخ، الطفل الصغير يضعون في فمه لعقة عسل يُسر، أكثر الطعام الطيب حلو، كلمة الحلاوة صارخة والنبي لبلاغته الرائعة استعار الحلاوة لمشاعر الإيمان، قال:

 

(( عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَاقَ طَعْمَ الإيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ))

 حلاوة الإيمان تأتي من إيمان المؤمن أن الله تعالى هو المانح ولا مانع سواه، هو كل شيء، إذا أردنا أن نضغط الإيمان بالملخص، يوجد في الكون حقيقة واحدة هي الله أي قرب منها يحقق سعادة، أي بعد عنها يحقق انقباض، كل واحد منكم له مع الله تجربة لاشك، إذا كان غلط أو عينه رفت، أو لسانه تكلم كلمة لا ترضي الله، أو أساء، أو ظلم، أو شيء بسيط، مباشرةً يشعر بالحجاب، العوام لهم كلمة أحبها، الإنسان حكيم نفسه، إذا أنت بلغت في تعاملك مع نفسك أنك تشعر أنك الآن في قرب والآن في حجاب، إذا كان إدراك القرب والحجاب صارخاً فأنت في مرتبةٍ عالية أصبحت حكيم نفسك.
 يوجد شخص أكله كله خفيف إذا شعر أن هذه الأكلة ثقيلة يدعها، يقولون أن فلان حكيم نفسه، الآن نريدك أن تكون حكيم نفسك مع الله إذا كان الطريق سالك، قال لي أحد الأخوان أنا فتحت مع الله طريق ساخن، موصول نريد هذا، هذا الذي يفتقده معظم المسلمين، يصلي صلاة جوفاء لا يوجد انضباط، الشيطان أساساً يئس أن يعبد في أرض المسلمين انتهى، عبادة الأوثان مستحيلة في العالم الإسلامي ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم، رضي فيما دون ذلك، فهذه الصغائر الذي يتوهمها الإنسان أنها صغائر هي كبائر في المفعول كما قلنا سابقاً إذا المقود ثبته سم والطريق مستقيم لابد من أن تسقط في الوادي بعد حين، هذه هي الصغير سنتمتر واحد ولكنك ثبته في النهاية هلاك.
 لا صغيرة مع الإصرار، وسميت صغيرة لأن تعديلها يسير، أن تعدل المسار القضية سهلة جداً، أما إذا ثبت هذه الصغيرة انقلبت إلى كبيرة هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
 من أجل أن تذوق حلاوة الإيمان ينبغي أن لا تحب إلا ما يحب الله عز وجل، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به، الإنسان لما يستمر على طاعة الله تصبح الطاعة محببة له، مثل بسيط أحدهم حديث عهد بالإيمان يحب أغنيات كثيرة فلما آمن واستقام إلى الله ما سمع أغاني، لكن راكب سيارة عامة والسائق وضع أغنية يحبها، تفاعل معها تفاعلاً شديداً، وهذه ليست بيده ما استمع ولكن سمع، من استمع إلى غانية صب في أذنيه الأنك يوم القيامة.
 مستواه النفسي لم يرقى، أما مستوى الضبط جيد، لكن صدق أو لا تصدق بعد حين لو أسمعته الأغنية نفسها التي يحبها حباً جماً لانزعج منها أشد الانزعاج، نقطة مهمة جداً لكل جعلنا شرعةً ومنهاجا، النفس قد تكون من حيث الظاهر وفق الشرع، من حيث الواقع بعيدة عن الشرع، أما في ذكر وفي ضبط، أما حينما ترقى في سلم الإيمان ترتقي النفس إلى مستوى الشرع، وعندما ترتقي النفس إلى مستوى الشرع لا يوجد مجاهدة.
المؤمن أجمل مكان عنده المسجد، أجمل مكان بيته، أجمل مكان أن يجلس مع أهله في البيت، لا يوجد عنده تطلعات للمعاصي أبداً، سعادته بالشيء النظيف، الشيء المباح، الشيء الصحيح، الشيء الذي يرضي الله، أجمل جلسة يجلس مع أخوانه المؤمنين، يتذاكرون العلم هذه أجمل جلسة.
 أيام الإنسان يستغرب فلان له دعوة إلى الله وليس له اختصاص بالعلوم من أين جاء بهذه العلوم، هذا الكون لكل المخلوقات، هذا الكون قاسم مشترك، أساساً لما أنت تدعو إلى الله عز وجل يوجد شيء يخضع له الجميع هو الكون إن عرفتهم بدقائق الجسم، أنا ذكرت مرة قال تعالى:

 

 

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾

 

( سورة الحج )

 هناك آيتان بهذا المعنى، بعض العلماء قال: نحن نعد الزمن بالقمر، قال تعالى:

 

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)﴾

 

( سورة يونس )

 هذا القمر يدور حول الأرض في الشهر دورة، كيف نحسب المسافة التي يقطعها حول الأرض في الشهر ؟ نأخذ مركز القمر ومركز الأرض نصل بينهما بخط هذا الخط نصف قطر الدائرة التي يسير القمر عليها في دورته حول الشمس، والقانون الرياضي البسيط نعرف من نصف القطر محيط الدائرة حسبنا كم كيلو متر يقطع القمر في دورته حول الأرض، كم يقطع في سنة ضرب اثني عشر، كم يقطع في ألف عام ؟ ضرب ألف، معنا رقم كبير، الآية إن يوماً عند ربك، اليوم كم ثانية أربع وعشرين ضرب ستين ضرب ستين، لو قسمنا المسافة على الزمن القمر يدور حول الأرض كل شهر دورة في السنة ضرب اثني عشر، في ألف عام ضرب ألف، صار معنا رقم حسابي كبير قسمناه على ثواني اليوم، سوف نفاجأ أننا إذا قسمنا هذه المسافة التي يقطعها القمر في ألف عام على عدد ثواني اليوم لفوجئنا أن الناتج سرعة الضوء الدقيقة مائتان وتسعة وتسعين ألف وثمان مائة واثني عشر، هذه سرعة الضوء، معنى هذا أن هذه الآية تشير إلى سرعة الضوء الثابتة، قال تعالى:

 

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾

 

( سورة الحج )

 إلا أن الآية التي ذكر الله فيها خمسين ألف سنة، لا يوجد مما تعدون هذه سرعة الملائكة، خمسة أضعاف سرعة الضوء، الإنسان حينما يرى عظمة الكون ما الفائدة التي نجنيها حينما نضع أيدينا على حقائق الكون المذهلة إن في الآفاق وإن في النفس، قال تعالى:

 

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾

 

( سورة فصلت )

 الإنسان حينما يضع يده على عظمة آيات الله عز وجل في الآفاق وفي الكون يشعر شعوراً عجيباً، أنه يوجد في الكون انسجام، الآن أكثر الناس عندهم العلم شيء والدين شيء، هذا الطلاق بين الدين والعلم عند أهل الضلال، أما أهل الإيمان عندهم شعور أن الذي خلق الكون أنزل هذا القرآن، وأن الذي أنزل هذا القرآن أرسل هذا النبي العدنان وأن كلام النبي شرح للقرآن، وأن خالق الأكوان منزل القرآن، وأن الحق دائرة يمر بها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، والعقل الصريح والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي، لا يوجد عند المؤمن تناقض أبداً ينسجم مع الكون، الكون والقرآن واحد، أساساً قالوا: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي قرآن يمشي، كان خلقه القرآن، الانسجام الذي يتمتع به المؤمن لا يقدر بثمن، لا يوجد تناقض في حياته العلم هو القرآن والقرآن هو العلم، ويوجد في القرآن آيات حاسمة، قال تعالى:

 

﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)﴾

 

( سورة الكهف )

 فكل التكهن في بداية العلم تكهنات أما الشيء القاطع كلام الله عز وجل من أجل أن تذوق حلاوة الإيمان ينبغي أن تؤثر طاعة الله في قرآنه، وطاعة النبي في سنته على كل ما تتوهم أنه مصالحك، أو حظوظك، أو شهواتك، لذلك النشاط الفكري سهل، قالوا: هناك علم بأمره، علم بخلقه، علم بذاته، العلم بخلقه القضية سهلة خذ ثانوية وادخل جامعة يوجد طب، صيدلة، هندسة، طب أسنان، رياضيات، تاريخ، جغرافية، لغة إنكليزي، هذه الفروع بالجامعات هي علم بخلقه، ادخل شريعة الحلال والحرام، والطلاق، والأحكام الفقهية، والعقيدة هذا علم بأمره، كل العلوم علوم كونية أو علوم شرعية، علم بخلقه وعلم بأمره أما العلم النادر الآن هو علم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاج إلى مدارسة إلى ذاكرة، معهد إلقاء محاضرة وكتابة، هذا علم بأمره وبخلقه، العلم بأمره وبخلقه لا يرقى بالإنسان إلا إذا اتخذ وسيلة إلى ذلك، أما العلم به هو الذي يسعدك، العلم به يحتاج إلى مجاهدة، أما العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة.
أخوانا الكرام: يوجد في القرآن الكريم آية دقيقة:

 

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ لْفَاسِقِينَ (24)﴾

 

( سورة التوبة )

 يعني إذا آثرتم هذه الأشياء أنت ساكن في بيت ثمنه اثني عشر مليون وأجرته مائة ليرة في الشهر والعقد قبل سنة السبعين، وعندك بيت ثاني ولكن هذا البيت أوجه فأنت آثرت أن تبقى في هذا البيت بمائة ليرة لكن كأن الله لا يرضى عنك أن تفعل ذلك، أن تحرم صاحب البيت من أن ينتفع ببيته وعندك بيت آخر، وأن تستغل القانون الذي لصالح المستأجر وأن تتمتع بهذا البيت، أنت ماذا فعلت ؟ ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله، والأمر فيه قانون إيجار في شرع الواحد الديان، لما الإنسان يآثر طاعة الله على مسكن فخم بأجرة رمزية، لما يآثر طاعة الله على تجارة رابحة لكن فيها شبهة، لما يآثر طاعة الله على أب يلزمك بأن تعصي الله، قال تعالى: فتربصوا، يعني الطريق إلى الله غير سالك، في حاجز مكانكِ تحمدي أو تستريحي، تربصوا حتى يأتي الله بأمره، أمر الله هو الموت، يموت الإنسان فقد الدنيا وفقد الآخرة والله لا يهدي القوم الفاسقين، معنى ذلك أن الفاسق آثر الدنيا على طاعة الله عز وجل.
 أخوانا الكرام: يوجد نقطة دقيقة جداً، حينما تعصي الله لابد أن هناك خللاً في محبتك، وفي معرفته، أي معصية أساسها خلل في المحبة وفي المعرفة، إذا إنسان يحب إنسان لا يعصيه، فلما يكون في معصية يكون في خلل في المحبة والمعرفة، ويوجد شيء ثاني أيام الإنسان يسترسل بالمباحات، الشيطان له مداخل كثيرة، مداخله على أهل الكفر بالمعاصي والمبيقات، مداخله على بعض الأشخاص بالتقاليد والعادات مداخله على بعض الناس بالحداثة والتجديد والتقدم، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾

 

( سورة الأعراف )

 علو، حداثة، أصالة، عصر الكومبيوتر، عصر الأقمار الصناعية، عصر الانفتاح يقول لك العالم كله قرية صغيرة، بيت صغير، غرفة صغيرة، ومن خلفهم، التراث، العادات والتقاليد، وعن أيمانهم المؤمنون من هنا يؤتون يغريه بالمبيحات، المباحات الملهيات لا يوجد عنده معصية لكن غارق في دنياه إلى قمة رأسه، هذا الانغماس بالدنيا يصرفه عن الله عز وجل.
فالاسترسال بالمباحات والاستكثار منها أحد مداخل الشيطان على عباد الرحمن، والمؤمن أيضاً لا يصغي إلا إلى من أناب إلى الله، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

 

(سورة لقمان )

أيها الأخوة: أول بند من حلاوة الإيمان:

((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

 الأمر القرآني، والأمر النبوي أحب إليه عند التعارض والتناقض مما سواهما، فالآن نحن ندعو أخوانا الكرام إلى أن تذوقوا حلاوة الإيمان بمعصية الهوى، بمخالفة الهوى، إذا خالفت هواك نلت مناك.
الشيء الثاني:

((.... وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ... ))

 يعني تحب المؤمن ولو جافاك، تكره الفاسق ولو أعطاك، أما إذا كانت محبتك معلقة بالعطاء هذه مصلحة، المؤمن يحب المؤمن ولو جافاه ويكره الفاسق ولو أعطاه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم لا تجعل لي خيراً على يد فاسق أو منافق، كافر أو منافق.
 يوجد عندنا شيء دقيق جداً هو الحب في الله والحب مع الله، الحب في الله: أنا أحب المؤمنين لأني أحب الله، فحبي للمؤمنين لا يتناقض مع حبي لله، من جنس محبتي لله، محبتي لله أصل ومحبة أنبياء الله بسبب محبة الله، محبة أولياء الله بسبب محبتي لله، محبة بيوت الله بسبب محبتي لله، محبة الأعمال الصالحة بسبب محبتي لله، هذا حب في الله.
 أما الشيء الخطير أن تحب مع الله، أن تحب جهةً محبتها تبعدك عن الله، نحن عندن نقطتين وأنت بينهما، إذا قربت من هذه النقطة ابتعدت عن هذه طبعاً فإذا كان في شيء الآخرة والدنيا، كلما أحببت الآخرة ابتعدت عن الدنيا، وكلما أحببت الدنيا ابتعدت عن الآخرة، شخص لا يوجد فيه دين ولكن قوي فإذا أحببته ابتعدت بحبك له عن الله هذا حب مع الله خطير جداً، أما الحركة بجهة واحدة أنت أحببت مؤمن، نقلتك محبته إلى الله، أحببت بيت الله نقلتك محبته إلى الله، أحببت كتاب الله نقلتك محبته إلى الله، إذا أنت تسير في خط واحد وكل شيء قربك من هدف هذا حب في الله، أنت تسير في خط وكل شيء دفعك إلى مرتبة أعلى، أما إذا في شيئين متناقضين كلما أحببت هذا ابتعدت عن الله، هذا حب مع الله.

 

(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ... ))

 " فاحذر أن تحب مع الله أحداً وعليك أن تحب بالله، فالمؤمن يحب المؤمنين ويحب الأعمال الصالحة وبيوت الله، والإنفاق ومجالس العلم، وكتاب الله، هذا كله فيه انسجام كلما أحببت فقرة من هذه الفقرات نقلتك إلى التي أعلى.
الشيء الأخير:

 

((... وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))

 " هذه على حرف ليست واردة، قال تعالى:

 

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾

 

( سورة الحج )

  نريد مؤمن بالأعماق، مؤمن بالخندق، قال تعالى:

 

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 نريد هذا الإيمان، أما حينما قال تعالى:

 

﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 فإذا الإنسان قلبه مريض يعني على الحرف، يعني غلطة من أخ تبعده، ضاقت يده في المال تراه يقول أين الله لماذا لم يعطيني ؟ هذا الذي يعبد الله على حرف، هذا وضعه خطير جداً يسير على حافة أي غلطة يصبح في النهر ويغرق، أما أنت ينبغي أن تكون في الأعماق فهيئ إيمان قوي لا يتزلزل، الباخرة الضخمة كالجبل، أما القارب الصغير تتلاعب به الأمواج، فكن أنت راسخاً كالجبل لا قارب تتلاعب بك الأمواج هذا المعنى الثالث.
 إذاً درسنا اليوم حلاوة الإيمان ثمنها أن تؤثر الله عز وجل، وطاعة رسوله على كل حظوظك وشهواتك ومصالحك، من أجل أن تذوق حلاوة الإيمان، وأن يكون ولاءك للمؤمنون وبراءتك من الكفار والمنافقين، أنت في حياتك كلمة لا، هذا الشخص لا أتعامل معه، هذه النزهة لا أذهب إليها، هذا المكان لا أجلس فيه، هذه الصفقة لا أعقدها هذه الحفلة لا أحضرها، هذا الولاء والبراء، توالي أهل الإيمان وتتبرأ من أهل الكفران.
آخر شيء أن تكون في الأعماق وأن تكره أن تعود في الكفر كما تكره أن تلقى في النار، هذا الأحاديث أيها الأخوة من أصول الأحاديث، حديث جامع مانع، هذا التفرقة بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان والتفرقة بين خريطة لقصر وبين القصر نفسه، والذي يدفعك إلى الدين والذي يثبتك على الدين، والذي يجعلك تتألق هو حلاوة الإيمان وهذه تذوقها، والله يا أخوان لي كلمة ولو كانت لعلكم ترونها مبالغة إذا ما قلت لي أنا أسعد الناس يوجد عندك خلل، خالق الكون يحبك هذه قليلة، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾

 

( سورة مريم )

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾

( سورة القمر )

 أنت عندما تكون غالي على الله عز وجل، والله يا معاذ إنني لأحبك، ارمي سعد فداك أبي وأمي، أبو بكر وعمر مني بمثابة السمع والبصر سدوا كل خوخة علي إلا خوخة أبي بكر، ما ساءني قط، هذا الثناء من رسول الله تعبير عن محبة الله لهذا الإنسان، الله عز وجل محبته بين يديك، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

( سورة الكهف )

 بإمكانك أن تعمل عملاً تتألق به، أنا لا أريد الدين ثقافة، الدين ليس عادات وتقاليد، الدين ليس مظاهر استعراضية، في بعض البلاد الإسلامية مظاهر الدين صارخة جداً، ولكن الدين لا يوجد.
هذا واحد سمعت أنه تركي اشترى كيليان لحم وعنده عزيمة ففي قط أكل له اللحم، نظر إليه وتمنى أن يمزقه، سود له وجهه فالقط له ورد عندما يجلس تسمع له خرخرة، تطلع به وقال له، أوراد شوك أما أمنات يوك.
ترى شخص ثقافته جيدة ومعلوماته جيدة، لكن لا يوجد استقامة ما ذاق حلاوة الإيمان، أما عندما يذوق حلاوة الإيمان تعد للمليون قبل أن تعصي الله، تعد إلى المائة مليون قبل أن تأكل درهماً حرام، قبل أن ترتكب خطيئة بلسانك، هذا الورع هذا يذيقك حلاوة الإيمان، وحينما يرضى الله عنك، حينما يكون الله معك من الذي سيكون عليمك، وحينما تجد الله عز وجل ما فاتك شيء، يا ربي ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك.

 

إخفاء الصور