وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 53 - سورة البقرة - تفسير الآيات 163-164 ، الآيات الكونية موضوعات للتفكر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحقيقة العظمى التي ينبغي أن يُعلن عنها دائماً أن هناك إله واحد :

 أيها الأخوة المؤمنون... مع الدرس الثالث والخمسين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثالثة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

 الله جل جلاله بعد أن قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 159]

 ما الحقيقة الكبرى التي ينبغي أن تُبيَّن، وما الحقيقة العظمى التي ينبغي أن يُعلن عنها دائماً:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 كلمة

﴿ وإلهكم ﴾

 أيُّ إنسان بفطرته يعتقد أن هناك إله عظيم، خلق الكون، هذا الاعتقاد بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً يستوي فيه البشرُ جميعاً، حتى الوثنيين، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾

[ سورة الزمر الآية: 3 ]

 

الله عز وجل ليس خالقاً فقط بل مسيِّراً:

 الموضوع اليوم في هذه الآية أن هذا الإله العظيم الذي خلق السماوات والأرض، هو بيده كل شيء، ليس خالقاً فقط بل مسيِّراً، الله ليس خلاَّقاً بل فعَّالاً، بيده أدقُّ التفاصيل، قال تعالى:

﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 50 ]

 كل قصص القرآن الكريم مؤدّاها أن الله عز وجل إله قيّوم فعَّال مُهيمن، لذلك قال: إلهكم أيها الناس إله واحد، في أزمان البُعد عن الله توهَّم الناسُ آلهة غير الله، الجهة التي تخافون منها والجهة التي تعظِّمونها هي جهة واحدة، هي الله، أناس عبدوا الشمس وأناس عبدوا البقر، وأناس عبدوا مظاهر الطبيعة، الذي تخافه، وترجوه، وتعتقد أن الأمر كله بيده هو الله، ولا إله آخر معه أبداً، قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 هذا كلام خطير أيها الأخوة؛ إنسان مسلم عادي قد يتوهَّم أن زيداً بإمكانه أن يرفعه، وعُبيداً بإمكانه أن يناله بأذى، وفلاناً يعطيه وفلاناً يمنعه، هناك شِرك خفي، الجهة الوحيدة المتصرِّفة، الجهة الوحيدة الفعالة، الجهة الوحيدة التي بيدها كل شيء هي الله وحده، قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

طبعا كلمة " واحد " أي لا ثاني له، و كلمة أحد أي لا مثيل له، ليس له شريك وليس في خلقه من يشبهه، إذا قلنا واحد، لا ثاني له لأن " واحد " وصف كمِّي، أما إذا قلنا: "أحد " فهو وصف نوعي، قد نقول: هذا الطالب هو الرابع على صفه، هو واحد لكنه الرابع، هذا وصف نوعي، أما إذا قال: جاء أربعة طلاب هذا وصف كمي، فكلمة " واحد " أي لا ثاني له، و كلمة " أحد ": أي لا مثيل له، لا يشبهه شيء.

 

أجمل ما في حياة المؤمن هذا التَّوجُّه إلى الله عز وجل :

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 أجمل ما في حياة المؤمن هذا التَّوجُّه إلى الله عز وجل، حياة المنافق، قال تعالى:

﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ﴾

[ سورة النساء الآية: 143 ]

 الإنسان حينما يشرك يتوزَّع، يتمزَّق، و إرضاء الناس جميعاً غاية لا تُدرك، إرضاء الناس جميعاً مستحيل، فالذي يتعامل مع الله وحده يستريح، هذا الإله العظيم يراه، ويسمع نداءه، ويستجيب لدعائه، وهو عليم بسريرته، عليم بمخبره، وعليم ببواعثه، عليم بنواياه، لا تخفى عليه خافية، لا يحتاج إلى إيصال، ولا إلى شهادة، علاقتك مع الله عز وجل، إن أخلصت النية لله عز وجل أنت في راحة نفسية مع الخلق، قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 الذي خلق الكون هو الفعال، هو المسيِّر، هو المتصرِّف، هو المالك، هو المعطي، وهو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعزُّ، هو المذل، هو القابض، هو الباسط، هو المُسْعِد، هو المشقي، هو المُسَلِّم، هو الحافظ، هو الذي يسوق للإنسان الشدائد، بيده كل شيء، هذا هو التوحيد، وهذا هو الدين كله.

 

الإنسان المؤمن يعيش في التوحيد أما غير المؤمن فيعيش في الشرك الخفي :

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 أي الجهة التي ينبغي أن تُعبد، والجهة التي ينبغي أن يُخاف منها، الجهة التي ينبغي أن تُرجى هي الله، و لا إله إلا الله. لذلك الإنسان المؤمن يعيش في التوحيد، والتوحيد مريح، أما غير المؤمن فيعيش في الشرك الخفي، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:

(( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ؛ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ ))

[ابن ماجه عن أبي سعيد ]

 أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، أن يُعبد صنمٌ في بلاد المسلمين فهذا شيء انتهى، مستحيل، ما الذي نخافه؟ أن يؤلِّه بعضُنا بعضاً، أن يتَّكل بعضنا على بعض، أن نعلِّق الآمال على مخلوقين.
 أخواننا الكرام... أصحاب النبي الكرام قالوا كلمة فتخلَّى الله عنهم، قالوا: لن نغلب من قلة، نحن الآن كثيرون، هذا شرك، اعتمدوا على كثرتهم لا على الله، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

[سورة التوبة الآية: 25]

 إذاً أنت أيها المؤمن بين حالين؛ بين أن تقول: أنا؛ أنا بتحصيل العلم، أنا بذكائي الفطري، أنا ابن فلان، أنا أحمل شهادة نادرة جداً، أنا عملت عملاً عظيماً جبَّاراً، إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، أوكلك إلى نفسك، و إذا قلت: الله، تولاَّك، فأنت بين التولّي والتخلّي، بين أن تنسب ما أنت فيه من الخير إلى ذاتك فهذا شرك خفي، يتخلى الله عنك، أي لو أن إنساناً مدحك، لماذا مدحك؟ قال بعض العلماء ( ولعله صاحب الحكم العطائية ) ابن عطاء الله السكندري: "ما مدَحَك من مدحك و إنما مدح من مَنَحك".

 

رؤية المؤمن رؤية توحيدية :

 إذا أعطاك الله فهماً دقيقاً، أو لساناً طليقاً، أو حكمة، أو أعطاك قدرة على كسب المال، أو أعطاك قدرة على الفهم، فإذا مدحك إنسان و كنت أنت موحِّداً، يجب أن تذوب خجلاً من الله عز وجل، لأن هذا الذي مدحك لولا أن الله منحك لما مدحك، فهو في الحقيقة يمدح من منحك، لا يمدحك أنت، " ما مدحك من مدحك و إنما مدح من منحك "، فالمؤمن كلما سمع ثناء الناس عليه ذاب تواضعاً لله عز وجل، ذاب شكراً له.
 أنا لا أنسى أخاً كريما تبرَّع ببيت غالٍ جدا، تبرَّع به لعمل طيِّب، أُقيم له حفل تكريم، وكل من ألقى كلمات أشادوا بإحسانه وفضله، إلا أحد أخوتنا الكرام، لفت نظره فقال له: أيها المحسن الكريم كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، ولكن الله كرَّمك فجعلك معطياً لا آخذاً تأخذ.
 أنت حينما تمشي في الطريق، وترى من ينقِّب في الحاوية، ليأكل شيئا فاسداً من شدَّة الجوع، كان من الممكن أن تكون مكانه، اشكُر اللهَ عز وجل على أن كفاك، على أنه لم يجعلك تقف هذا الموقف الصعب، فالإنسان الموحِّد لا يرى إلا فضل الله عليه، أي إذا دخل الخلاء وأراد أن يفرغ مثانته، هذه نعمة كبيرة جداً، لو أن هذا الماء حُبِس في المثانة لاحتاج إلى عملية وإسعاف وتخدير وتنويم، لو أن هذا الكأس مُنِع عنك تشتريه بنصف ما تملك.
 أحد المرضى مصاب بفشل كلوي، ذهب إلى غسيل كليته في المستشفى، قالت له الممرِّضة بعنف وبقسوة: لا تشرب ماء، الآلة معطَّلة، فأنت حينما تشرب الماء كما تشتهي، كأساً واثنين وثلاثاً وأربعاً، هذه نعمة لا نعرفها إلا إذا فقدناها، مسموح لك أن تشرب ماء بقدر ما تريد، ومسموح لك أن تأكل، مسموح لك أن تمشي، مسموح لك أن تخدم نفسك بنفسك، فلذلك المؤمن حينما يرى فضل الله عليه و يستمع إلى ثناء الناس عليه، ينبغي أن يذوب خجلاً، ويجد الذين يمدحونه إنما يمدحون من منحه ولا يمدحونه هو.
 هذا التوحيد أن ترى أن الله وراء كل شيء، و فوق كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، هذه رؤية المؤمن رؤية توحيدية، فنعمة السمع ونعمة البصر ونعمة العقل الذي في رأسك.

ليس بعد نعمة الإيمان من نعمة إلا نعمة الصحة :

 مرة كنا في حفل في أطراف المدينة، ضَمَّ الحفل أكثر من ألف شخص، و دُعِي لهذا الحفل أكثر علماء دمشق، إنسان مجنون تكلَّم بكلام لا يُحتمل، سبَّ سباباً لا يُحتمل، قلت: يا ربّ ما الحكمة من وجود هذا الإنسان الذي أفسد هذا المجلس كله، كأن الله عز وجل يريد أن يبيِّن لنا نعمة العقل، إنسان عقله سليم، يتكلَّم عند الضرورة، أحياناً يصمت وأحياناً يتكلم، يجلس، يقف، يمشي، هذه نعمة كبيرة جداً، لأن عندك تمييز، فنعمة العقل و نعمة البصر و نعمة السمع و نعمة الحركة، لو أن الإنسان فَقَدَ حركته نرى أن خدمته أول أسبوع خدمة ممتازة، ثاني أسبوع أقل، بعد ذلك أقرب الناس إليه يتمنى موته، وقد يسمع ذلك بأذنه: " خفف الله عنك "، صار الإنسان بلا حركة، أصبح عبئاً ثقيلاً جداً.
 إذا تحرك الإنسان، أي سمعه و بصره و أجهزته و أعضاؤه سليمة فهذه نعمة كبرى، لذلك ليس بعد نعمة الإيمان من نعمة إلا نعمة الصحة، و ليس بعد نعمة الصحة من نعمة إلا نعمة الكفاية، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))

[الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ]

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 هذا هو التوحيد، ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، علاقتك مع جهة واحدة، حسابك مع جهة واحدة، اعتمادك على جهة واحدة، أملك بجهة واحدة، و رجاؤك بجهة واحدة، هذه الجهة واحدة، كل شيء متعلِّق بها، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود الآية: 123 ]

 كله توكيد؛ فَاعْبُدْهُ.. وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله راجع إليه.. وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ.

 

ما سوى الله عز وجل إما منعَم عليه وهو الإنسان وإما نعمة وهو الكون :

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

 لأنه كان هناك أصنام وشركاء لله عز وجل من باب التأكيد..

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾

 إلهكم الذي ينبغي أن تعبدوه هو الله وهو إله واحد، ومزيداً من التوكيد..

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾

 ما سوى الله هو الكون، إما أنه نعمة، وإما منعَم عليه، والإنسان منعَم عليه، والكون كله نعمة، عطاء، مصدره الرحمة، والإنسان يأخذ فمتى يعطي؟ إذا كان في قلبه رحمة، الإنسان يأخذ المال فمتى ينفق المال؟ إذا هناك رحمة، و الإنسان يأكل فمتى يطعِم؟ والإنسان يعالج نفسه فمتى يعالج غيره؟ إذا هناك رحمة، فما سوى الله عز وجل إما منعَم عليه وهو الإنسان، وإما نعمة وهو الكون، والله عز وجل سخَّر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وكما يقول بعض العلماء: أساس خلق السماوات والأرض رحمةُ الله، لذلك قالوا: هو اسم الله الأعظم، أي أراد اللهُ أن يخلق خلقاً ليسعدهم، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود الآية: 119 ]

 خلقهم ليرحمهم.

 

من تفلت من منهج الله سقط في وحل الشهوات :

 ما يجري في الأرض الآن من مصائب فهذه محض رحمة أيضاً، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 147 ]

 إذا تفلَّت قوم من منهج الله سقطوا في وحل الشهوات، وعاشوا حياة الإباحية، أداروا ظهورهم لمنهج الله، سمعت تعليقاً لفت نظري: لو أن مئة طائرة من أحدث طائرات العالم قصفت منطقة ثلاثين يوماً بشكل مستمر ليلاً و نهاراً، ما استطاعت أن تخرَّب ما خرَّبه الزلزال في خمس وأربعين ثانية، قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[ سورة البروج الآية: 12]

 مئة طائرة تقصف هذه المنطقة ثلاثين يوماً ليلاً ونهاراً لا تستطيع أن تخرب ما فعله هذا الزلزال في خمس وأربعين ثانية فقط؟! هذا الذي ينسى الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾

[سورة الإسراء الآية: 58]

 أي بلد جميل، أخضر، تجارة عريضة، أموال متدفِّقة، ونساء كاسيات عاريات ومحطات فضائية و تفلُّت و ملاهي و قمار و زنا وفجور، من دون معالجة إلهية!! مستحيل، لا بدَّ من تدخُّل الإله فعال.

الله عز وجل موجود ومن حين لآخر يظهر آياته للناس :

 قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل الآية: 61 ]

 الأرض مستقرة، تنشئ بناء من عشرين طابقاً مستقراً، زلزال بثمان درجات من مقياس ريختر لا يُبقي شيئاً، ست درجات يكون مدمِّراً، خمس مخيف، هزَّة أرضية خفيفة، أما ثمان درجات فلا تبقي ولا تذر، قال تعالى:

﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾

[ سورة الحجر الآية: 74 ]

 فالله عز وجل موجود، ومن حين لآخر يظهر آياته للناس. هناك أعاصير في أمريكا أضرارها ثلاثون ملياراً، إعصار واحد، رياح سرعتها ثمانمئة كيلو متر في الساعة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[ سورة البروج الآية: 12]

 خلقنا ليسعدنا فلماذا الزلازل؟ ولماذا الفيضانات؟ ولماذا الأعاصير؟ ولماذا الصواعق؟ ولماذا الحروب الأهلية؟ ولماذا القهر؟ ولماذا المجاعة؟ ولماذا المرض؟ كل هذا تلخِّصه أيةٌ واحدة، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة الآية: 21 ]

 

معنى الفساد :

 قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[ سورة الروم الآية: 41]

 التفاصيل مخزية، ما يجري في العالم في موضوع الرقيق الأبيض، ودور البغاء في العالم، والانحرافات الإباحية، زنا المحارم، وتبادل الزوجات، في العالم كله، قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[ سورة الروم الآية: 41]

 الفساد أيها الأخوة؛ أن تخرج الشيء عن طبيعته التي خلقها الله عز وجل، هذا الماء الله خلقه لا طعم له و لا رائحة وهو صافٍ، هذه طبيعته، لو كان له رائحة كريهة معنى ذلك أنه ماء فاسد، لو كان فيه عكر لكان ماء فاسداً، الفساد أن تُخرج الشيء عن طبيعته، فتاة طاهرة نقية عفيفة، هذه الله عز وجل خلقها على فطرة سليمة، من أجل أن تكون زوجة ثم أمّاً ثم جدة، تسعِد و تسعَد، فالذي أفسدها وجعلها مومساً ماذا فعل بها؟ أفسدها وأخرجها عن طبيعتها، قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[ سورة الروم الآية: 41]

 الإنسان أساسه مخلوق مخيَّر، أودعت فيه الشهوات لترقى به إلى الله وفق منهج حكيم، فتحرَّك بدافع من هواه بلا منهج، سيارة من أحدث الصناعات مصمَّمة كي تسعدك، لكن هناك مقود وتحتاج إلى سائق ماهر، فالسائق إذا شرب الخمر وغاب عن الوعي، ونزل في الوادي، وتحطَّمت السيارة، وأهلكت صاحبها، هل الخطأ في الصنعة؟ لا، في الذي يستخدم هذه الآلة، المستخدِم هو الخطأ، فالفساد أساسه الإنسان.

 

سبب المصائب ابتعاد الناس عن منهج الله عز وجل :

 قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[ سورة الروم الآية: 41]

 كان من الممكن أن لا يذيقهم الذي عملوا، لكن شاءت حكمة الله أن يذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
 تصوَّر إباحية العالم بشيء مخيف مع وجود الإيدز، فكيف تكون هذه الإباحية من دون هذا المرض؟ في الجامعة عندنا رسموا لوحة رمزية شاب وفتاة: " احذر الإيدز"، في الخمسينات: " احذر غضب الله"، كان الناس يخافون أن يعصوا ربهم، الآن يخافون الإيدز، يبتعدون عن الزنا مخافة هذا المرض، مُسِخوا قردة و خنازير، طبعاً، المسخ قد يكون مسخاً معنوياً، بدل أن تخاف الله وأن تكون عفيفاً كسيدنا يوسف، الآن تخاف الإيدز، قال تعالى:

 

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

 

[ سورة الروم الآية: 41]

 قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

 هذا الكلام كله سبب ذكره أن الله عز وجل خلق هذا الخلق كله من أجل أن يسعدنا، لكن لماذا هذه المصائب؟ لأن الإنسان ابتعد عن الله عز وجل، فلا بدَّ من شيء يُعيده إلى الله عز وجل، ثم إن هذه الألوهية والوحدانية يؤكِّدها الكونُ.

 

إعجاز الله في الكون :

 قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

 هل هناك في الأرض جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت الكون؟ أبداً، لو هناك إله آخر لسمعنا رسالته، هل هناك جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت السماوات والأرض؟ قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

 والدليل قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

 نقف عند السماوات والأرض، أحدث رقم مئة ألف مليون مجرة، في كل مجرة تقريباً مئة ألف مليون نجم، والشمس نجم، أما الأرض كوكب، والشمس نجم ملتهب، وهي تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، المجموعة الشمسية كلها قطرها الزمني ثلاث عشرة ساعة، درب التبانة بمجرتنا، قطرها الزمني، طولها الزمني مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، والثلاث عشرة ساعة نقطة في هذه المجرة، ومجرتنا مجرة معتدلة، والحديث عن الكون لا ينتهي، فالسماوات والأرض كون كله يتحرك، لو لم يتحرك لأصبح كتلة واحدة بفعل الجاذبية، أما هذا الكون كله متحرك، حركة ينشأ عنها قوة نبذ، هذه القوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة، إذاً الكون يتحرك بشكل متوازن.

 

التوازن الحركي :

 مرة ضربت مثلاً: لو وضعنا لإنسان اختصاصه الفيزياء قطعتين مغناطيسيتين متساويتين متكافئتين في مكانين على سطح صقيل، وجئنا بكرة حديدية بينهما، وقلنا له: أنت مكلف أن تضعها في مكان متوسط بحيث تتكافأ قوةُ جذب كل جهة مع الثانية، تستقر، هذا فوق طاقته، لو تحركت عشر الميليمتر تنجذب إلى جهة، أما أن تضعها في مكان تستقر بحيث تتكافأ قوى التجاذب هذا فوق طاقة الإنسان، ولو أن الكتلتين غير متساويتين أصعب بكثير، ولا بد لها من حسابات دقيقة جداً، لو كانت ثلاث كتل، ولو أن هذه الكتل في فراغ، لو أنها متحركة، تصوَّر كتل متفاوتة الحجم متحركة متجاذبة، المحصلة: نظام دقيق جداً، المحصلة أن ساعة " بيغ بن " هذه أدق ساعة في العالم تُضبط على أحد النجوم، قد تقصِّر أو تقدم في العام ثانية واحدة، والنجم لا يتغيَّر، معنى ذلك أن الدقة في الحركة مذهلة، ومع التفاوت في الحجم والسرعة والمسافات والحركة الدائمة الكون مستقر، يُسمى هذا بالتوازن الحركي، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

 هل هناك جهة غير الله تدَّعي أنها خلقت السماوات؟

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

 نحن في المدن لا نرى السماء، قلَّما نراها، لو ذهبت إلى الريف، واستلقيت على الأرض، ونظرت إلى السماء في أيام غياب القمر، المنظر مدهش، هذا النجم الأبيض مرَّ بمرحلة ثانية، والنجم الأحمر يكون نجما فتيّاً، بعد ملايين مَلايين ملايين السنين ينقلب إلى نجم أبيض، ثم إلى نجم أسود، ينتقل من نجم أحمر، إلى نجم أبيض، إلى نجم أسود، والأسود صار مقبرة، لو دخلته الأرض، لو دخلت الأرضُ ثقباً أسودَ لأصبح حجمها بحجم البيضة، مع الوزن نفسه، هذه قوى الضغط.

 

 

الأرض والشمس من آيات الله الدالة على عظمته :

 قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

 أيْ إذا كان بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، لو أردنا أن نصل إليها بسيارة نحتاج إلى خمسين مليون سنة، انظر سيدنا عيسى جاء قبل ألفي سنة تقريباً، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى خمسين مليون سنة ضوئية بالسيارة، نجم القطب أربعة آلاف سنة، في المجرة المسلسلة، المرأة المسلسلة مليوني سنة، هناك أربعة وعشرون ألف مليون، ما هذه المسافات؟ قال تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة الآيات: 75-76]

 الشمس نبع ضوئي حراري والأرض هنا، ولو أن الأرض لا تدور حول نفسها لانتهت الحياة، الوجه المقابل للشمس ثلاثمئة وخمسون درجة والوجه الآخر مئتان وسبعون تحت الصفر، لا حياة، تدور، إذاً من أين جاء تعاقبُ الليل والنهار؟ من دورانها حول نفسها، لو أنها تدور هكذا لا هكذا، الشمس هنا و الأرض هنا و تدور هكذا، أي باللغة الرياضية تدور على محور موازي لمستوى دورانها حول الشمس، أيضاً كأنها واقفة، قسم يدور هكذا مقابلاً للشمس ثلاثمئة وخمسون، وقسم مئتان وسبعون تحت الصفر، انتهت الحياة، بقي أن تدور هكذا الشمس هنا، لو دارت هكذا على محور متعامد مع مستوى دورانها هكذا صيف أبدي، وشتاء أبدي، وربيع أبدي، وخريف أبدي، لا يوجد فصول، لكن جلَّت حكمة الله عز وجل فجعل الأرض تدور على محور مائل، ولما كان مائلاً صار للأرض وضعان؛ الشمس هنا، وهنا شمال الكرة الأرضية صيف، الأشعة عمودية، جنوباً شتاء، الأشعة مائلة، في الفصل المقابل انعكست الآية صار هناك فصول، إذاً لولا دورة الأرض حول نفسها على محور ليس موازٍ لمستوى دورانها لما كان ليل ولا نهار، لو دارت على محور عمودي لأُلغيت الفصول، إنها تدور على محور مائل، فصار هناك ليل ونهار.

 

اختلاف الليل و النهار لها معان كثيرة :

 الآن.. اختلاف الليل و النهار لها معان كثيرة.

1 ـ تعاقب الليل و النهار:

 أول معنى: تعاقب الليل و النهار.

2 ـ اختلاف طول الليل و النهار من فصل إلى فصل:

 المعنى الثاني: اختلاف طول الليل و النهار من فصل إلى فصل من سبع عشرة ساعة إلى اثنتي عشرة ساعة، بين الشتاء وبين الصيف، الليل في الصيف قصير، والشتاء طويل، والنهار في الصيف طويل وفي الشتاء قصير، فاختلاف الليل والنهار، تعاقب الليل والنهار، أو تبدُّل أطوال الليل و النهار، هذا من آيات الله، لو افترضنا أن إنساناً تصوَّر حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس ومستوى دورانها ومحورها المائل لرأى شيئاً مذهلاً. من هذه الآيات، قال تعالى:

﴿ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ﴾

 لماذا جعل الله البحر أربع أخماس اليابسة؟ لأن الأرض تحتاج إلى أمطار، والأمطار تحتاج إلى تبخُّر، فلا بدَّ من مسطَّحات مائية واسعة جداً، البحر همزة اتِّصال بين القارات، ولكن كيف ننتقل عبره؟ لا بدَّ من مراكب، ما الذي يمنع المراكب أن تغرق في البحر؟ الله خلق قوة في البحر اسمها قوة دفع أرخميدس، كشفها العالم أرخميدس، إذا أنت حملت وعاء فيه ماء له وزن و تشعر بوزنه، قد يكون عشرين كيلو، ضعه في بركة ماء، تجد أن نصف وزنه ذهب، لأن في الماء قوة دافعة نحو الأعلى، لولا هذه القوة لما كان هناك شيء اسمه بواخر في البحر، البواخر أداة اتِّصال بين القارات، كل الخيرات التي ترونها بسبب التبادل التجاري في العالم، لماذا المقاطعة مخيفة جداً، قد تمنع التبادل التجاري، الله جعل الأرض كلها متكاملة، فأي بلد يُقاطَع اقتصادياً يموت أهله، فالله جعل هذا البحر أداة اتصال بين القارات، وجعل فيه القوة الدافعة نحو الأعلى، وتماسك الذرَّات المائية، ينشأ عن هذا التماسك قوة دفع نحو الأعلى، الذرات المائية ترفض أن تتباعد ، ورفضها أن تتباعد بالمقابل قوة نحو الأعلى، تجد باخرة حمولتها مليون طن، الآن هناك بواخر حمولتها مليون طن، مدينة في البحر تسير، ما الذي يمنعها أن تقع في القاع؟ هذا الخلق الإلهي، قال تعالى:

﴿ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾

 

الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله :

 نتابع الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله؛ الله عز وجل ذمَّ وتوعد أولئك الذين يكتمون العلم، وقال: ينبغي أن تبيِّنوا أن إلهكم إله واحد، وأنه الرحمن الرحيم، وهذا الدليل، وهذا هو الطريق إلى الإيمان بإله واحد، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾

 قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

[ سورة الأنبياء الآيات: 30 ]

 أي قضية الماء قضية الحياة في الدنيا، فأينما وجُد الماء وجدت الحياة، الماء فُقِد تُفقد معه الحياة، وربُّنا عز وجل ـ أقولها مرات كثيرة ـ: إذا قنَّن فإن تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز ولا تقنين بخل، الإنسان يقنَّن تقنين عجز، أو تقنين بخل، إلا أن الله إذا قنَّن يقنن تقنين تأديب، قال تعالى:

﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن الآيات: 16-17]

 قال تعالى:

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾

الرياح من آيات الله الدالة على عظمته :

قال تعالى :

﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾

 أي الماء يُنبت الزرع، والزرع يأكله الحيوانُ، والإنسان ينتفع بالنبات والحيوان معاً، لذلك لو انعدم المطر لهلك الزرع والضرع، وهلك الإنسان، قال تعالى:

﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾

 هذه الرياح من آيات الله الدالة على عظمته، أي الهواء، تحرُّك الهواء نعمة كبرى، كيف يتحرك؟ الله جعل الهواء كأيِّ عنصر يتمدَّد بالحرارة وينكمش بالبرودة، وجعل مناطق حارة في خطِّ الاستواء، ومناطق باردة في القطب، فالهواء في القُطب منكمش، ضغطه عالٍ، والهواء في الاستواء ضغطه منخفض، من فروق الضغط بين القطب وخط الاستواء تنشأ حركة رياح، والهواء الثقيل يهرب إلى المكان المُخَلْخَل، فهذه من نعمة الله، ومع دوران الأرض تنشأ تيارات من الهواء من الشمال إلى الجنوب الشرقي هكذا، الرياح الغربية، تأتي شمالية غربية تقريباً، هذه الرياح تسوق السحاب، والسحاب فيه أمطار:

﴿ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 57]

 قال تعالى:

﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ْقِلُونَ ﴾

 ما الذي يحمل السحاب؟ وكيف أن الله عز وجل صمَّم الهواءَ أن يحمل السحاب، والهواء مصمَّم أن يحمل السحاب، المتر المكعب من الهواء يتحمَّل كمية بخار ماء معيَّنة، بحرارة معينة، فلو أن الحرارة انخفضت لعُصِر بخارُ الماء، وانقلب إلى قطرات ماء، هو السحاب بخار ماء، هناك بخار ماء شفَّاف، الآن هناك بخار ماء، ولو عندنا مقياس رطوبة؛ دمشق خمس وثلاثون رطوبتها تقريباً، وفي الساحل تسعون، وفي الأماكن الجافة عشرة، كلما كان هناك جهاز يقيس الرطوبة الشفافة، السحاب رطوبة كثيفة، هذا السحاب محمول بالهواء ، والهواء من خصائصه أنه يحمل بخار الماء، كل درجة حرارة تقابلها كمية بخار ماء محمولة، فالحرارة إذا انخفضت فجأةً، الماء يعصر بخار الماء ويقلبه إلى ذرات.

 

السحاب رحمة الله عز وجل :

 قال تعالى:

﴿ ٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجـاً ﴾

[سورة النبأ الآية: 14]

 هذا النظام مَن خلقه ومَن نظَّمه ومَن قنَّنه؟ قال تعالى:

﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

 وقال :

﴿ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

 مسخَّر حملاً، ومسخر تنقُّلاً، من ينقل السحاب من مكان إلى مكان؟ الإنسان إذا ركب طائرة يرى السُحُب من أعلى كأنها جبال بكل معاني هذه الكلمة، وديان، وجبال، وتلال، وقمم مؤنَّفة، وقمم منبسطة، هذا السحاب رحمة الله عز وجل.

 

الآيات الكونية هي طريق معرفتنا بالله عز وجل :

 قال تعالى :

﴿ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

 تصريف الرياح؛ رياح شرقية ورياح غربية، رياح معتطلة، نسيم عليل، عواصف هوجاء، أعاصير مدمِّرة من حيث سرعتها ومن حيث حرارتها، هناك رياح باردة جداً تسبب الزمهرير، وهناك رياح حارة، وهناك رياح دافئة، هناك رياح منعشة، تصريف الرياح سرعةً وبرودةً وحرارةً واتَّجاهً، هناك اتجاه وسرعة وبرودة وحرارة:

﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

 أيها الأخوة... في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية، هذه طريق معرفتنا بالله عز وجل، ما بثَّ الله هذه الآيات ولا تحدَّث عنها في قرآنه إلا كي تكون موضوعات للتفكر، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور