وضع داكن
24-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 149 - الإخلاص - قيمة العلم والعمل بالإخلاص.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الخطاب القرأني للناس

1 – خطاب العامة بأصول الدين:

 أيها الإخوة الكرام، أحياناً تتجه الدروس إلى عامة الناس، ومن أساليب القرآن الكريم أن الله حينما يخاطب الناس عامة يخاطبهم بأصول الدين، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾

 

[ سورة البقرة: 21]

1 – خطاب الخاصة من المؤمنين بفروع الدين:

 أما إذا خاطب الخاصة منهم، أما إذا خاطب المؤمنين يخاطبهم بفروع الدين، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾

 

[ سورة البقرة: 183]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾

[ سورة المائدة: 1]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

[ سورة آل عمران: 102]

ضرورة تخصيص الدروس لطلاب العلم:

1 ـ خطورة الإخلاص:

 لكن أجد أحياناً ضرورة قصوى إلى توجيه الدرس إلى طلاب العلم، إلى رواد المساجد، إلى المؤمنين، إلى السالكين إلى الله، السبب أنه في باب الإخلاص قد تعمل عملاً كثيراً، وقد يتسرب الرياء إليك، فقد تكون كنت في خندق النفاق وأنت لا تشعر، لذلك أحد التابعين التقى بأربعين صحابياً فقال:

(( ما منهم واحداً إلا ويظن نفسه منافقاً من شدة خوفه من الله ))

1 ـ أهمية بيان النفاق:

وأقول لكم أيها الإخوة، إن المنافق يعيش في حال واحد أربعين عاماً، بينما المؤمن يتقلب في اليوم الواحد في أربعين حالاً من شدة خوفه وحرصه.
 اخترت لكم في هذا اللقاء، وفي هذا الدرس المبارك إن شاء الله موضوع الإخلاص، لأن قيمة العمل بالإخلاص فقط، والله عز وجل أغنى الأغنياء عن الشرك، أنا حينما أتحدث عن الشرك لا أقصد الشرك الجلي، الشرك الجلي والفضل لله عز وجل غير موجود إطلاقاً في العالم الإسلامي، نحن ما عندنا آلهة، وما عندنا أصنام كبوذا نعبدها من دون الله، نعبد إلهاً واحداً، لكن الخطورة ليست في الشرك الجلي، بل هي في الشرك الخفي، الإنسان أحياناً يتقن صلاته أمام الإخوة الكرام، ولا يتقنها في بيته، دخلنا في باب من أبواب الرياء والنفاق، أحياناً إذا مدح يعمل عملاً صالحاً، فإن لم يمدح لم يعمل شيئاً، فيربط عمله بثناء الناس عليه، فقد وقع حينئذ في الشرك، وأشرك نفسه مع الله، فلذلك أيها الإخوة ما من كتاب في الفقه أو في الحديث ومعظم الكتب الدينية تبدأ باب الإخلاص، وقد يقول واحد منكم: هذا الموضوع طرح كثيراً، والجواب:

﴿ وَذَكِّرْ فَإِنّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ﴾

أحاديث عظيمة أصل في النيات:

الحديث الأول: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ

 أيها الأخوة الكرام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

 

[ متفق عليه ]

وفي رواية:

(( بِالنِّيّةِ ))

 إخوتنا الكرام، أحدُ الصالحين ما تخلف عن صلاة الفجر أربعين عاماً، وأدرك في هذه الأعوام الأربعين مع الإمام تكبيرة الإحرام، مرة أخذته سِنة من النوم، فاستيقظ بعد الشمس، وقال: ماذا يقول الناس عني اليوم ؟ أربعون سنة من أجل أن ينتزع إعجاب الناس، أنه رجل ملازم للمساجد، لا تفوته تكبيرة الإحرام في الصف الأول مع الإمام.
 أنا ما اخترت هذا الدرس عبثاً، لأنه ضمن الحلقات الدينية ضمن المساجد هناك دنيا، هناك إنسان يحب السيطرة، خصمه يسحقه، وهو من رواد المساجد، وحينما لا يكون الإنسان مخلصاً تبدو منه صفات غريبة وعجيبة.
هذا الدرس ليس موجهاً إلى عامة الناس، الإنسان خارج المدرسة كلياً ما له علاقة بالوظائف والمذاكرات، والمناهج والتفوق والأطروحة والبحث الخاص، هذه شؤون تتعلق بطلاب المدارس، لذلك أنا حينما أخاطب رواد المساجد طلاب العلم، أنا أخاطبهم بخصوصيات الدين، الإخلاصَ الإخْلاصَ.

 

مؤشرات عدم الإخلاص :

أيها الإخوة الكرام، قبل أن نمضي في الحديث عن الإخلاص أعطيكم بعض المؤشرات:
 ـ إذا اختلف العمل في جلوتك عن خلوتك فهذا مؤشر سلبي ليس في صالحك، فإن اختلف العمل بين خلوتك وبين جلوتك، يعني خلوتك وحدك جلوتك مع الناس، هذا مؤشر ليس في صالحك، معنى ذلك أن هناك خللاً في الإخلاص.
 ـ إذا اختلف العمل مع مديح الناس لك أو مع ذمهم لك، لك أعمال طيبة مع أختك ـ وتقول دائماً: أنا أبتغي وجه الله بهذا العمل، صدر من هذه الأخت موقف غير مناسب، فتقسم بالأيمان المغلظة لن أساعدها بعد اليوم، معنى ذلك أنك حينما تساعدها تريد أن تستجدي مديحها وثناءها، والسمعة الطيبة، فلما واجهتك بموقف لم تكن تتوقعه حلفت الأيمان المغلظة ألا تمد إليها يد المساعدة.
إذاً: الإخلاص يعني ألا يتغير العمل مع المديح أو مع الذم، قال تعالى:

 

 

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾

 

[ سورة الإنسان: 9]

هذه علامة ثانية.
ـ العلامة الثالثة: ما من عمل يرفع إلى الله خالصاً لوجهه إلا عاد عليك منه سكينة.

العمل الصالح صحة نفسية وجسمية:

 التقينا مع طبيب ـ جزاه الله خيراً ـ أنبأني بحقيقة رائعة، أن الإنسان لما يخاف من خطر، من شبح مصيبة، من شبح مرض، من شبح بطالة، لما يكون له عدو يتربص به تتبدل كيمياء دمه، الخطر يدرك بالدماغ، والدماغ ملك الجهاز العصبي، والدماغ يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني الغدة النخامية أن تواجه الخطر، والغدة النخامية ملكة عندها وزراء، أهم وزرائها الكظر، غدة فوق الكلية تعطي أمراً لوزير داخليتها أن يواجه الخطر، الكظر معه أسلحة، أول سلاح يرسله يرفع نبض القلب، فالخائف يزداد نبض قلبه، السلاح الثاني يرسل أمرا إلى الرئتين يزداد الوجيب، سلاح ثالث يرسل أمرا إلى الكبد بإفراز كمية سكر إضافية، الأمر الرابع إلى الأوعية المحيطية، فتضيق لمعتها ليتوافر الدم للعضلات لا إلى الجلد، والأمر الخامس يرسل أمرا إلى الكبد لإطلاق هرمون التجلط سميكاً، بالتعبير الآخر لزجاً، لذلك هذا الهرمون يقرب من الجلطة، الدم لزج، والضغط مرتفع، ضربات القلب عالية، لو أنك عملت عملاً صالحاً، لو أنك خدمت الإنسان، خدمت من حولك، لو كنت صادقاً، لو كنت شهماً، لو كنت عطوفاً، لو كنت رحيماً، لو بذلت من مالك، بذلت من وقتك، بذلت من خبرتك، ما الذي يحصل ؟ هناك هرمون آخر معاكس يوسع الأوعية، ويخفض الضغط، وينزل ضربات القلب، ويخفض وجيب الرئتين، لا يطرح سكراً زائداً، الإنسان يشعر براحة، وبطمأنينة، وبسعادة، لذلك إذا أردت أن تسعد، أو أن تصح فأسعد الناس.
 الشيء المدهش أن العمل الصالح له وزن كبير في الآخرة، لكن من يصدق أن العمل الصالح صحة، العمل الصالح ضغط منخفض، العمل الصالح نبض قلب منخفض، العمل الصالح أوعية واسعة، العمل الصالح دم سيال ما في جلطات، فلذلك هذه الهرمونات شيء عجيب هرمون التجلط هرمون التمييع، هرمون توسيع الأوعية هرمون تضيقها، هرمون رفع الضغط، هرمون تخفيض الضغط، هرمون رفع وجيب الرئتين، هرمون تخفيض وجيب الرئتين.
لذلك أيها الإخوة، لمجرد أن تعمل عملاً صالحاً خالصاً لله فأنت أسعد الناس، إذا أردت أن تكون أسعد الناس فأسعدهم.
 أيها الإخوة الكرام، حدثني طبيب آخر أن عندنا طريق الآلام، طريق الآلام يبدأ من المحيط، من الحواس الخمس، ويتجمع في العمود الفقري في النخاع الشوكي، وينتقل إلى الدماغ، الآلام التي لا تحتمل موجودة في الدماغ، في قشرة الدماغ، لما يضطر الطبيب أن يقلع لإنسان أحد أسنانه ولا يستطيع المريض أن يتحمل المخدر، ففي أثناء نتش السن يصيب المريض ألم لا يصدق، يكاد يخرج من جلده، فإذا أطلع الطبيب مريضه على السن يجد العصب الذي قطع أرفع من الشعرة، كل هذه الآلام من هذا العصب

 

هل تعلم أن في جسمك بوابات للألم

 على طريق الآلام بوابات، إن أغلقت انخفض الألم إلى العشر، وإن فتحت تضاعف الألم إلى عشرة أمثال، إنها بوابات الألم، من الذي يتحكم في هذه البوابات ؟ الحالة النفسية للمريض، إذا كان مؤمناً كانت آلامه خفيفة جداً.
حدثني أخ طبيب هذه القصة، لعلي رويتها لكم، لكن الآن هي مناسبة أن يعاد سماعها، طبيب من إخواننا الكرام بمستشفى حكومي، جاءهم مريض مصاب بالسرطان في الأمعاء، شيء يلفت النظر، مبتسم، كلما دخل مَن يعوده يقول له: أهلاً وسهلاً، اشهد أنني راض عن الله، يا رب، لك الحمد، وجهه منير، نفسه طيبة، مرح، متفائل، والمرض خبيث، والمرض مميت، كلما دخل إنسان يزوره يشهده أنه راض عن الله، ويتبع هذا الكلام بكلمة الحمد لله رب العالمين، بقي أياما معدودة وتوفاه الله، لكن في هذه الغرفة سر وسحر وجذب، إن ضغط على المنبه يتنافس الممرضون على الدخول إلى غرفته، والأطباء يسرعون إليه، ويرتاحون عنده، نفسه راضية عن الله، نفسه مستسلمة لله، كلما دخل عليه إنسان قال: اشهد أنني راض عن الله، يا رب، لك الحمد.
 والله أيها الإخوة، لي صديق حميم أصيب بهذا المرض، وبقي سنتين، تقسم بالله زوجته إنه خلال السنتين ما سمعت منه إلا الحمد لله، يا رب، لك الحمد، يا رب أنا راض، الإيمان درجة عالية جداً، سبحان الله، توفي، وجاء مريض آخر إلى الغرفة نفسها، والأطباء نفسهم، والممرضون نفسهم، ما مِن نبي ما سبّه هذا المريض الثاني، سبّ الدين كأنه استغفار، صوت لا يحتمل، رائحة كريهة، تشاؤم، سباب، أصبحت هذه الغرفة قطعة من الجحيم، يقرع الجرس فلا يجيبه أحد، الكل يتهرب منه، أقسم بالله هذا الطبيب وقال لي: درّس للمستشفى المرض نفسه، الآلام نفسها، قال لي: كأن المريض الأول لا يتألم، هذه بوابات الألم.
 هذا الموضوع أنا أخذته من مجلة، لكن الموضوع ليس له علاقة بالدين إطلاقاً، إنها قضية علمية محضة، هناك بوابات ألم، فكلما ارتفعت معنويات المريض أغلقت هذه البوابات، فوصل من الألم العشر، وهو محتمل، وكلما ابتعد المريض عن الله عز وجل فتحت البوابات على مصارعها، وانهمر الألم بشكل لا يحتمل.
 لذلك أيها الإخوة، المؤمن عنده هرمون آخر غير هرمون الكظر، هرمون يوسع الأوعية، هرمون يخفض الضغط، هرمون يخفض ضربات القلب، هرمون يبعث السرور والمرح، فلذلك إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، النصوص.
عبدي، كن لي كما تريد أكن لك كما تريد، عبدي، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك، من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين.

 

 

الحديث الثاني: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ

أيها الإخوة الكرام، حديث آخر متعلق بالإخلاص عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

 

[ مسلم ]

 مرة كنت في مؤتمر إسلامي كبير في المغرب، الأيسيسكو، عام ثلاثة وتسعين، ونزلنا في أضخم فندق هناك، كان هذا الفندق مقراً لمؤتمرات القمة، وصلنا الساعة الثانية عشر ليلاً يوم الأحد، نمت في صبيحة اليوم الأول استمعت إلى قرآن كريم مع أذان الفجر رائع جداً، أطللت من النافذة فإذا بعاملِ الحديقة يصلي الفجر في وقته بصوت رائع، وبخشوع، وبقراءة مؤثِّرة، والله أبكاني، وقلت: لعل هذا العامل أفضل عند الله مِن كل رؤساء الوفود في هذا المؤتمر، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

 

[ الترمذي ]

 قد يكون الإنسان في الدرجة الاجتماعية الدنيا، قد يكون حاجباً، لكنه موصول بالله، وهو عند الله كبير، لذلك:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ* خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾

[ سورة الواقعة ]

 الذين كانوا في القمم قد يأتي يوم هُم في الحضيض، والذين كانوا في الحضيض قد يأتي يوم هم في القمم، خافضة رافعة، فالبطولة أن تتفوق لا بمقاييس البشر، بل بمقاييس رب البشر، أن تكون عند الله محبوباً، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾

 

[ سورة القمر]

 إذاً:

 

(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

 

[ مسلم ]

 قال بعض الشعراء:

 

جمال الجسم مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
***

أحيانا يكون عند الرجل جَمال، لكن كلامه بذيء.
مرة شخص أنيق جداً يبدو غنياً وألبسته غالية جداً، وتكلم كلاماً بذيئاً جداً، أحد الوجهاء قال له كلمة رائعة، قال له: إما أن تلبس مثل كلامك، أو تتكلم مثل لبْسِك.

 

 

التأدب في الكلام حلية نفسية:

 المؤمن عفيف، والله لا أدري ماذا أقول، أنا لا أصدق أن ينطق المؤمن بكلمة فاحشة، هناك كلمات كثيرة، هذا الذي تجري على لسانه هذه الكلمات والله ما أستطيع أن ألفظها في حياتي كلها، هذا إنسان فاحش متفحش، ليس المؤمن بالفاحش ولا المتفحش، كلمات العورات، كلمات فضلات الإنسان، كلمات السباب الرخيص، كلمات سباب أهل الأزقة المنحرفين، هل هذا يكون في المسجد ؟ من مؤمن ؟ والله الذي لا إله إلا هو مستحيل وألف ألف مستحيل أن ينطق المؤمن بكلمة فاحشة، أو أن يكني عن العورات، أو أن ينطق بكلام ملغوم، أو مغشوش، أو مزاح جنسي، هذه كلها صفات المنافقين، صفات السفلة، صفات المنحرفين، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))

 

[ أحمد ]

 تعلموا الأدب من الصحابة، قالت امرأة لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، إن زوجي صوّام قوام، ما انتبه سيدنا عمر، قال: بارك الله لك بزوجك، قال سيدنا علي: إنها تشكو زوجها، ليس هذا موضوع مديح هنا، ماذا اختارت هذه المرأة: صوام قوام، في النهار صائم، في الليل قائم، لا علاقة له معي إطلاقاً، وأنا محرومة منه، اقرأ القرآن الكريم:

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾

 

[ سورة المؤمنون]

 دخل الجنس، ودخل السحاق واللواط، وتبادل الزوجات، والأفعال المنحرفة، وزنا البهائم، وزنا المحارم، كل هذه الانحرافات تضمنتها كلمة:

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾

[ سورة المؤمنون: 7]

 اقرأ القرآن:

 

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾

 

[ سورة الأعراف: 189]

 كلمة تغشاها لا تجرح الحياء إطلاقاً.
قال تعالى:

 

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾

 

[ سورة النساء: 43]

 هناك كلمات قرآنية كلها أدب، تعلموا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأدب، تعلموا من القرآن الأدب، تعلموا من أصحاب رسول الله الأدب.

 

ثلاث نقط ملخص الإخلاص

 أيها الإخوة الكرام، موضوع الإخلاص باب كبير، لكن أتمنى أن يكون التركيز على النقاط التالية الثلاث:
ـ المخلص لا يختلف عمله مع الناس أو وحده، لا في خلوته ولا في جلوته، عمل واحد، عبادة واحدة، انضباط واحد.
ـ المخلص لا يتأثر لا بالمديح ولا بالذم.
ـ المخلص يشعر بالسكينة، لأن السكينة شيء يلقى في قلبه يشعره بالسعادة، وإن لم تقل: أنا أسعد الناس فالإيمان في خلل.

 

 

الحديث الثالث: من هم بحسنة

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ ))

 

[ مسلم ]

لكن هنا سؤال: من همّ بحسنة فلم يستطع أن يعملها، ما له أجر إطلاقاً، ما استطاع أن يسرق، وجد في البيت أشخاصا، فلم يستطع أن يسرق، من هم بحسنة بنهي ذاتي، بندم ما عمِلها.
 القضية في النية، طبعاً أضرب مثلاً مشهوراً لشخص يملك آلاف الدنمات، جاء من يهمس في أذنه أن هذه الأرض كلها مشاع، وأسعارها رخيصة جداً، أنت حينما تتبرع لبناء مسجد تضطر البلدية أن تنظم هذه الأرض إلى محاضر، فإذا فرزت إلى محاضر ارتفع سعرها، هو في الأصل لا يصلي، فقدم لبناء مسجد خمسة دنمات، فالبلدية اضطرت أن تنظم هذه الأرض أن تفرزها إلى محاضر، وارتفع السعر، هو عند الناس محسن كبير.

إياك والوقوف في خندق معاد للدين !!!

 مرة أحد إخوتنا الكرام له زوجة مدرسة في ثانوية، والمديرة يبدو أنها حاقدة على كل فتاة محجبة، فتتفنن في إذلالها، في إيلامها، في فصلها، في تحقيرها، وكثير من المدرسات تركوا الثانوية خوفاً من بطشها، شوهدت بعد بضع سنوات على رأسها الحجاب، ما الذي حصل ؟ لعلها تابت، لا، أصيبت بمرض عضال في جلدة رأسها، فنصحها الطبيب أن تضع خمارا على رأسها، قالت له: هل يمكن أن أضع الباروكة ( الشعر الاصطناعي )، قال: لا، تسبِّب لكِ حساسية، يجب أن تضعي خمارا فقهرها الله بالحجاب.
أشقى الناس من كان في خندق معادٍ للدين، هذا أشقى إنسان، لأنه في الآية ملمحًا دقيقًا، لما قال الله عز وجل:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾

[ سورة التحريم: 4]

 هل من المعقول لعائشة، وأختها استنفار:

 

﴿ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِِنِينَ وَالمَلاَئِكُةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾

إذا انتقدت فتاة النظام يحدث استنفار القوى الجوية والبحرية، وقوى الأمن والإعلام، إنها امرأة انتقدت بكلمتين.
 في الآية شيء ليس واضحاً، لكن بعض المفسرين قال: إذا كنت معادياً للحق فاعلم من هو الطرف الآخر، لذلك الله عز وجل توعد بالحرب لشخصين فقط في القرآن والسن توعد بحرب المرابي، قال تعالى:

 

 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

 

[ سورة البقرة: 279]

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:

 

(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))

 

[ البخاري ]

سبحان الله !!! بعض الأشخاص أحياناً يتلذذ بقهر الضعيف، قد يكون مؤمنًا ضعيفًا، لكنه بريء، فيلصق به تهمة هو بريء منها، فيتفنن في إذلاله.
 والله أعرف رجلاً هو من علماء الشام الأجلاء، عنده مركبة، في أثناء رجوعه يبدو أن مركبته مست مركبة أخرى، من أدبه وورعه كتب رسالة أن هذا تلفوني، وأنا مستعد لإصلاح الخلل مهما بلغ، الخلل ضربة خفيفة جداً، يمكن أن تصلح في دقائق، مع ذلك كتبها، في أثناء كتابة الورقة جاء صاحب السيارة، وله عمامة وجبة، لم يترك كلمة بذيئة ما نعته بها، الله يسامحك، مهما ترِد أعطك، خذ عشرة أضعاف، هذا صاحب السيارة السفيه عنده ثاني يوم حفلة خارج دمشق، عنده مزرعة، فأحد أصدقائه ما عرف المزرعة، فقال له: أنا سآتي وآخذك، فوقع في حادث صدام فقطع عموده الفقري، عمره ست وعشرون سنة، وهو يقضي عمره كله مشلول.

(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))

[ البخاري ]

 إياك أن تقترب من إنسان ولي لله عز وجل، تجلس فتنصب له فخًا أو سؤالا محرجًا، أو تتهمه بتهمة باطلة، أو أنه لا تقدّر، هذا ولي لله عز وجل، فالله يحارب اثنين، يحارب المرابي، و:

(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))

الإخلاص الإخلاص

 أيها الإخوة الكرام، الموضوع يتعلق بالإخلاص، ومع الإخلاص ينفع قليل العمل وكثيره، ومن دون إخلاص لا ينفع قليل العمل ولا كثيره، والإخلاص عبادة القلب، ولا يعلم به أحد، لا ملَك، ولا نبي، فلذلك الإخلاصَ الإخْلاصَ، وهناك إخلاص يحتاج إلى إخلاص.
وراقب قلبك، هل تبتغي وجه الله، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
 هل يمكن أن تسمع مشي نملة في الليل على صخرة صماء ؟ هل تسمع صوت مشيها ؟ مستحيل، فالشرك أخفى من ذلك، وأدناه أن تحب على جور، إنسان جائر تحبه، غني قوي، يبرك فتتعامى عن خطأه، لا تنصحه أبداً، يباع بالعزاء، أنا لي مصلحة معه الآن، أو أن إنساناً نصحك بأدب فلا تقبل، مَن أنت حتى تنصحني ؟ أخذته العزة بالإثم.

 

عليكم بالتواضع وإياكم العلو

فيا أيها الإخوة الكرام، تواضعوا لله، باب العلو في الأرض عليه ازدحام شديد، أما باب الانكسار إلى الله فليس عليه ازدحام أبداً.
بالمناسبة، أيها الإخوة الكرام، هناك ست جهات، شرق، غرب، شمال، جنوب، فوق، تحت، أليس كذلك ؟ أربع جهات احتلها إبليس، قال تعالى:

 

 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾

 

[ سورة الأعراف: 17]

 لكن ما تكلم عن فوق وتحت، الطريق إلى الله محروس من الشيطان، وطريق الانكسار أيضاً محروس، فتحت هناك حراسة، وفوق هناك حراسة، أما الأربع اتجاهات فللشيطان، قال تعالى:

 

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

 

[ سورة الأعراف ]

تحميل النص

إخفاء الصور