وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 148 - البرنامج العملي لما بعد رمضان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أعياد المسملين تأتي عقب عبادات:


 أيها الإخوة الكرام ، قبل كل شيء كل عام وأنتم بخير ، وأعياد المسلمين كما تعلمون تأتي عقب عبادات كبرى ، فعيد الفطر السعيد يأتي عقب فريضة الصيام ، وعيد الأضحى المبارك يأتي عقب الحج ، لذلك فرح المسلم بأعياده فرح ديني ، وما قوله تعالى :

 

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

 

( سورة البقرة )

 تكبيرات العيد لنتابع ما اكتسبنا من فضلٍ خلال أشهر العبادات
ما هذه التكبيرات إلا تكبيرات الشكر ، لذلك هذا درس وحيد بعد العيد ، وننتقل إن شاء الله في الدروس القادمة إلى فقه السيرة النبوية ، ونستمر .
 وما التكبيرات التي وردت في القرآن الكريم عقب آيات الصيام :

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

 إلا من أجل أن نتابع المكتسبات التي كسبناها في رمضان بعد رمضان .
 لذلك ما اصطفى الله من أشهر العام شهر رمضان إلاّ ليكون فيه الصفاء والقرب والعبادة ، والتلاوة ، والصلاة في المسجد فجراً وعشاءً إلا لينسحب هذا المكتسب على أشهر العام ، أما حينما نقول : إننا نعود إلى ما كنا عليه فما استفدنا من شهر الصيام إطلاقاً .

 

﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ﴾

 

( سورة النحل الآية : 92 )

 وقد قيل:

(( مثل المنافق في الصيام كمثل الناقة حبسها أهلها فلا تدري لا لم حبست؟ ولا لم أطلقت؟ ))

 ما الذي فعلته في الصيام ؟ صليت العشاء في المسجد ، وصليت التراويح ، وهي قيام الليل ، وصليت الفجر في المسجد .

بنود البرنامج العملي لما بعد رمضان:

البند الأول : صلاة الصبح والعشاء في المسجد جماعة :

 البند الأول في هذا الدرس : أن تسعى جهدك أن تصلي فرضي الفجر والعشاء في المسجد ، فَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))

[ البخاري ]

 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ))

[ مسلم ]

 الإنسان فوقه أخطار لا تعد ولا تحصى ، والدعاء النبوي الشريف :
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ :

(( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ، قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ))

[أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود]

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ))

[ رواه مسلم ]

 الإنسان نقطة دم لا ترى بالعين ، تتجمد في مكان بالدماغ فيفقد بصره ، وفي مكان آخر يفقد ذاكرته ، وفي مكان ثالث يفقد حركته ، نحن تحت ألطاف الله عز وجل .

(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ))

[ البخاري ]

 في رعاية الله ، في حفظ الله ، في توفيق الله ، في تأييد الله ، في نصر الله .

(( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ))

 هذه واحدة .
 أنت في رمضان صليت الفجر في جماعة ، والعشاء في جماعة .

البند الثاني : المواظبة على قيام الليل :

 علينا أن نواظب على قيام الليل حتى بعد انقضاء شهر رمضان
الآن أنت في رمضان صليت قيام الليل ، صليت عشرين ركعة ، أو ثماني ركعات ، ماذا عليك لو استيقظت قبل الفجر بربع ساعة , وصليت ركعتين ، وقدر ورد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))

[ مسلم ]

 صليت في رمضان عشرين ركعة كل يوم ، صلِ بعد رمضان ركعتين فقط ، أو أربع ركعات ، ولا مانع من أن تقرأ من المصحف ، كختمة ، كل ركعة صفحة ، ضع أمامك مصحفًا ، وابدأ ختمةً لقيام الليل ، كل ركعة صفحة ، وتدبر كلام الله عز وجل .
 أنا أعطيكم برنامجًا عمليًا ، أنت في رمضان صليت الفجر في جماعة ، والعشاء في جماعة ، وصليت القيام حاول أن تصلي العشاء في المسجد ، والفجر في المسجد ، وأن تصلي ركعتين قبل الفجر في بيتك قيام ليل واقرأ بهما صفحتين .

البند الثالث : المواظبة على تلاوة القرآن :

 أنت في رمضان تلوت القرآن الكريم ، أليس كذلك ؟ ينبغي أن تقرأ كل يوم ست صفحات أو خمسًا ، أو أربعًا ، ابدأ بختمة تلاوة ، الختمة الأولى ، ختمة قراءة لقيام الليل اقرأ أربع صفحات ، أو خمسًا ، أو عشرًا ، بقدر طاقتك ، إذا أقبلت النفس فاحملها على النوافل ، وإذا فَتَرتْ فاحملها على الفرائض ، فأنت بين حالة إقبال وفتور ، إياك ، ثم إياك ، ثم إياك أن تقول كما يقول الجهلاء : ساعة لك ، وساعة لربك ، هذه مقولة شيطانية ، أنت لله دائماً .

 

 

 

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

( سورة الأنعام )

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

( سورة التوبة الآية : 111 )

 صار معنا الفجر في المسجد ، والعشاء في المسجد ، وأربع صفحات قرآن ، أو خمس ، أو ست ، ربع ساعة أو أقل عشر دقائق ، وركعتان قيام ليل .

البند الرابع : المواظبة على غضِّ البصر :

 ماذا فعلت في رمضان أيضاً ؟ كنت في رمضان تغض البصر عن محارم الله .

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾

( سورة النور الآية : 30 )

 علينا أن نستمر في غض البصر كما كنا في رمضان
فإذا وفقك الله في رمضان في غض البصر فينبغي أن تتابع هذه العبادة بعد رمضان .
 إذاً : البند الثالث بعد رمضان : أن تتابع غض البصر ، وغض البصر من أولى ثمراته الوفاق الزوجي ، وكان الإمام الشعراني رحمه الله تعالى يقول : " أنا أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي ، مادام الزوج طائعاً لله ، غاضاً للبصر ، فالله عز وجل يرزقه محبة زوجته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام عن زوجته خديجة :

(( إني رُزقت حبَّها ))

[ صحيح مسلم ]

 مِن نِعم الله الكبرى أن تحب زوجتك ، حلالك ، أم أولادك التي أكرمك الله بها ومن شقاء الإنسان أن يبغض زوجته ، وأن يحب امرأة لا تحل له .
 إذاً : فلنتابع بعد رمضان غض البصر كما كنا في رمضان .
 وأنتم جميعاً في رمضان تستمعون إلى الدعاء الشهير : اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان .

 

البند الخامس : ضبطُ اللسان بعد رمضان :

 في رمضان أغلب الظن أنك ابتعدت عن الغيبة والنميمة ، أما أن تكون المجالس بعد رمضان مجالس غيبة ونميمة ، وخوض في أعراض الناس ، وافتراءات ، وغمز ، ولمز وما شاكل ذلك فهذا محرّم ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

 

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[ رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ ))

 بل هم في غيبة ، ونميمة وغمز ، ولمز ، وسخرية ، ومحاكاة

(( إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ ))

(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾

( سورة الأحزاب )

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾

( سورة الأحزاب )

 ضبط اللسان الذي كان في رمضان ينبغي أن يستمر بعد رمضان
أيها الإخوة ، في رمضان صليت الفجر في جماعة ، وبعد رمضان ينبغي أن تصلي الفجر في جماعة ، في رمضان صليت العشاء في جماعة ، وبعد رمضان ينبغي أن تصلي العشاء في جماعة ، في رمضان صليت قيام الليل ، وبعد رمضان ينبغي أن تصلي قيام الليل ولو ركعتان ، في رمضان تلوت القرآن ، وبعد رمضان ينبغي أن تتلو القرآن كل يوم ، في رمضان غضضت بصرك عن محارم الله ، وبعد رمضان ينبغي أن تتابع هذه العبادة وفيها آية كريمة :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

 الآن في رمضان ضبطت لسانك عن الغيبة والنميمة والبهتان والقذف والغمز واللمز والسخرية ، والتقليد ، والمحاكاة ، وقد عد الإمام الغزالي عد معاصي اللسان أكثر من ثلاثين معصية .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد]

 السيدة عائشة وصفت السيدة صفية رضوان الله عليهما بأنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))

[ رواه أبو داود والترمذي ، عن عائشة رضي اللّه عنها ]

 هذه مجالس كثير من النساء .
 فلذلك أيها الإخوة ، ضبط اللسان الذي كان في رمضان ينبغي أن يستمر بعد رمضان .
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))

[ أحمد ]

 احذر لسانَك أيُّــها الإِنسانُ لا يلدغنَّك إنـه ثُـــعبانُ

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه  كانت تهابَ لقاءَه الشجعانُ
***

 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ :

(( أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم ْ))

[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم ]

 مرة ثانية :

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد]

 دققوا ثانية في كلمة قصيرة ، قالتها السيدة عائشة عن أختها صفية ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))

 الفجر ، والعشاء ، والقيام ، والتلاوة ، وغض البصر ، وحفظ اللسان .

البند السادس : المواظبة على الصدقة :

 أنت في رمضان تصدقت ، وكان عليه الصلاة والسلام جواداً ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، وبعد رمضان ينبغي أن تتصدق ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 الأعمال المستمرة تحدث في النفس التراكم ، فتتراكم ثقتك بنفسك ، ويتراكم إقبالك على الله ، وتتراكم قربك من الله ، لذلك :

(( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 عَنْ عَلْقَمَةَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَصُّ مِنْ الْأَيَّامِ شَيْئًا ؟ قَالَتْ :

(( لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ... ))

[ متفق ]

 على المسلم أن يطلب العلم ليعرف نفسه
مستمراً ، لذلك بطولتك أنك إذا فعلت عملاً صالحاً ينبغي أن تتابعه .
 مثلاً : أعجبك درس السبت في هذا المسجد ، البطولة أن تتابعه ، فرضاً لو أحب الواحد المطالعة ، ويحب المقالات الطبية ، اشترى مجلة طبيبة فقرأها كلها ، هل يصبح طبيبًا ؟ هل يستطيع أن يفتح عيادة ؟ هل يستطيع أن يكتب الدكتور فلان ؟ يقصّون رقبته ، ما اسمها هذه ؟ هذه ثقافة ، عنده ثقافة طبية ، قرأ المقالة ، فتكلم كلمتين في بالطب ، أما أن يفتح عيادة ، أين الدكتوراه ؟ أين البكالوريا العلمي ؟ أين 230 علامة ؟ أين أول سنة علوم عامة ؟ أين ثاني سنة تشريح ؟ أين ثاني سنة فيزلوجيا ؟ أين رابع سنة علم الأمراض ؟ أين خامس سنة علم الأدوية ؟ أين السادسة والسابعة التاج ، أين هم هذه كلها ؟.
 فكل إنسان حضر درس علم والله شيء حلو ، الله يجزيه الخير ، بعد ذلك كان عنده عقد قران ، فقام رجلٌ وألقى كلمتين ، هذه ثقافة ، لا تقدم ولا تؤخر ، كما لو قرأت بعض المقالات الطبية ، لا يمكن أن تكون طبيباً ، بالضبط ، هذا واضح .
 الزم مجلس علم ، اقرأ كتاباً على يد عالم ، اسمع شرائط ، في العقيدة ، في السيرة ، في الفقه ، في التفسير ، في الحديث ، اجلس مع طلاب العلم ، استمع إليهم حاورهم ، أسالهم ، لمجرد أنك تطلب العلم إنك تؤكد إنسانيتك .
 في الإنسان حاجات سفلى ، نحن والبهائم سواء ، نحن ننام والحيوان ينام ، نحن نتزوج والحيوان يتزوج ، نأكل ويأكلون ، نشرب ويشربون ، أليس كذلك ؟ نحن على أرقى ، هناك غرفة نوم ، هناك طاولة سفرة على أرقى ، مادامت النوازع أرضية فقد هبطت عن مستوى إنسانيتك ، واللهُ عزوجل أودع الله فيك حاجة علوية ، قوة إدراكية ، فإذا لبيت هذه الحاجة فأنت إنسان .
 لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً .

(( مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّت ))

[ رواه البخاري، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه ]

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ ))

[ الترمذي ، أحمد ]

 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ))

[ رواه الترمذي عن أبي أمامة ]

(( وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ))

[ الترمذي عن أبي الدرداء ]

 إذاً ينبغي أن تطلب العلم كي تعرف من أنت ، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما هو العمل المجدي ؟ كيف لا تندم ، ما العمل الذي إذا فعلته لا تندم أبداً .
 أيها الإخوة ، كل الذي أتمناه عليكم أننا بعد رمضان ينبغي أن نحافظ على مكاسبنا التي حققناها في رمضان ، بدءاً من صلاة في المسجد فجراً وعشاء ، ثم تلاوة القرآن ، ثم قيام الليل ، ثم غض البصر ، ثم حفظ اللسان ، ثم الأعمال الصالحة ، هذا الذي يأتيه ملك الموت على أي شيء يندم ؟ على العمل الصالح .

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

( سورة المؤمنون )

 أيها الإخوة ، هناك شيء دقيق جداً ، أحد الصالحين حفر في صحن داره قبراً ، وصار يضطجع فيه كل يوم خميس ، ويتلو قوله تعالى :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

 فيخاطب نفسه ويقول : قومي لقد أرجعناك ، تفضلي ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذمِ اللّذّاتِ ))

(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[ أخرجه الحاكم في المستدرك بسند حسن ]

البند السابع : المواظبة على القربِ من الله :

 في رمضان كنت أقرب إلى الله ، والحقيقة الدقيقة أن طالب العلم ، وأن الصادق مع الله يجعل من شهور العام كلها رمضان ، رب رمضان ، ورب شوال ، ورب ذي القعدة ورب ذي الحجة ، ورب محرم ...إلخ .
الله موجود :
 إذا كنت في كل حال معي فعن حملي زادي أنا في غنى

فأنتم هو الحق لا غـيركم فياليت شعري أنــا من أنا
***

 ما الذي يمنع أن تكتب برنامجا يوميًا لك : الصلاة في المسجد ، تلاوة أربع صفحات ، قيام ليل ركعتين ، اكتب برنامجًا ، وحاسب نفسك فيه ، واكتبْ مخالفات لنفسك ، إذا قصرت في يوم فادفع صدقة ، هذا هو السير إلى الله ، هذا تجده في القبر .

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

( سورة الشعراء )

 قال العلماء : " القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يحتكم إلا لشرع الله " .

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

 

درس شحذ للهمم ، ورفع على القمم:

 


 هذا هو القلب السليم .
 أيها الإخوة ، هذا الدرس شحذٌ للهمم ، وتأجيج للمشاعر ، وحفاظ على المكتسبات ، لجعل أشهر العام رمضان ، لإدامة الصلة بالله ، لترميم الخطأ .
 بعض الشعراء ولا أحب أن أذكر اسمه يقول :

 

 

رَمَضانُ وَلّى هاتِِها يا ساقي  مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ

***
 من سقطات المؤمن أن يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه قبله
مرة سمعت أنه عُوتب من قِبَل طالب علم ، يوم كان حياً ، القصة قديمة ، فلما عُتب وهو الذي مدح رسول الله في قصيدتين شهيرتين كيف يقول :

 

 

رَمَضانُ وَلّى هاتِِها يا ساقي   مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ

 كان هذا الشاعر ذكياً جداً ، فدافع عن نفسه بآية كريمة قال :

 

 

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾

( سورة الشعراء )

 أيْ ما فعلها ، هكذا قال .
 على كلٍ ، هذه سقطة من سقطات المؤمن ، أن يعود بعد رمضان إلى ما كان قبل رمضان ، وكأنه ألغى هذا الشهر الكريم ، وكأنه جعله طقساً ، ولم يجعله عبادة ، ما الطقوس ؟ الأديان الوضعية الأرضية هي طقوس ، يعني حركات ، وسكنات وإيماءات ، وتمتمات ، وكلمات ، وأفعال لا معنى لها ، ما لها معنى إطلاقاً ، بينما العبادات معللة بمصالح الخلق ، العبادة معللة .

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

 

( سورة العنكبوت الآية : 45 )

 العبادة ، الصيام :

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

 

( سورة البقرة )

 الحج :

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾

( سورة المائدة الآية : 97 )

 الزكاة :

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة الآية : 103 )

 فالعبادات معللة بمصالح الخلق .
 أيها الإخوة الكرام ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .

 

تحميل النص

إخفاء الصور