وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الأنعام - تفسير الآية 153 ، الحق واحد والباطل متعدد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الحق واحد لا يتعدد فعلينا اتباعه واجتناب الباطل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الثالثة والخمسين بعد المئة من سورة الأنعام :

﴿هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

 نستنبط أيها الأخوة من أن كلمة :

﴿ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾

 جاء الصراط مفرداً ، ونستنبط من قوله تعالى :

﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾

 السبل جاءت جمعاً ، فماذا نستنبط من أن كلمة صراطي مستقيماً جاءت مفردةً وأن السبل جاءت جمعاً ؟ نستنبط أن الباطل يتعدد ، وأن الحق لا يتعدد ، الحق واحد .
 أي من نقطتين لا تستطيع أن ترسم إلا خطاً مستقيماً واحداً ، لو رسمت خطاً آخر يأتي فوق الأول ، خطاً ثالثاً يأتي فوق الثاني ، فبين نقطتين ليس في إمكانك أن ترسم إلا خطاً واحداً ، لذلك الحق لا يتعدد ، لو أننا على حق لاجتمعنا ، لو أن فلاناً وفلاناً وفلاناً أو أن الجماعة الفلانية والجماعة الفلانية والجماعة الفلانية ، والفئة الفلانية والفئة الفلانية ، لو أنهم على حق لاجتمعوا ، فإذا تفرقوا منهم من هم على باطل ، لأن الحق لا يتعدد .

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾

 لذلك ربنا عز وجل قال :

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾

[سورة آل عمران : 103]

 ما الذي يجمعنا ؟ كلكم يعلم ويرى ويسمع رغم أن الماضي واحد ، والمستقبل واحد ، والآلام واحدة ، والآمال واحدة ، واللغة واحدة ، و ، و ، ويقتتلون .
 ما الذي يجمع إذاً ؟ أن نكون جميعاً على حق ، فإذا كان بعضنا على حق وبعضنا على باطل لا نجتمع .

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾

،

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾

  إذاً الذي يجمعنا حقيقةً ، يجمعنا قلباً وقالباً ، هو أن نلتزم الحق جميعاً ، فالحق يجمع ، كيف أن خيط السبحة يجمع حباتها المتناثرة ، هذا الخيط يجمع ، لولا هذا الخيط لما اجتمعت هذه الحبات

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾

  ومعنى مستقيم ، بمعنى آخر الخط المستقيم أقصر خط بين نقطتين ، المنحني أطول ، المنكسر أطول ، المتعرج أطول ، المستقيم لا يتعدد ، والمستقيم أقصر خط إلى الله عز وجل ،

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾

 هذا يذكرنا بأن الله سبحانه وتعالى وحد كلمة النور وجمع كلمة الظلمات .

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

[سورة البقرة : 257]

 الباطل متعدد ، إذاً ظلمات فوقها فوق بعض ، الحق واحد ، إلى النور ، النور مفرد والصراط المستقيم مفرد .

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾

 إذاً ما الذي نستفيده ثالثاً ؟ الطريق مستقيم هناك مسلمون كثيرون يعلمون أن دينهم هو الحق ، وأن دينهم لم يتبدل ، ولم يتغير ، وأن دينهم هو أقصر طريقٍ إلى الله ، هذا كله يعلمونه ، لكن ما الذي يقصرون فيه ؟ لا يتبعونه ،

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً﴾

 الحق لا يتعدد ، وأقصر طريق إلى الله ،

﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾

طريق الباطل ينتهي بصاحبه إلى النار :

 الآن الله عز وجل قال :

﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

[سورة الفاتحة : 7]

 من هم المغضوب عليهم ؟ هم الذين عرفوا وانحرفوا ، عرفوا وقصروا ، عرفوا ولم يسيروا ، الضالون هم الذين ما عوفوا وهلكوا ، المغضوب عليهم ، هم الذين عرفوا وشقوا .

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾

 الباطل لا يؤدي إلى الحق، يؤدي إلى الهلاك .

﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾

[سورة البقرة : 221]

 الباطل يدعو إلى الدنيا فقط ، والدنيا إن وصلت إليها بالظلم والعدوان والبغي ، هذا يوصلك إلى النار .
 لذلك طريق الباطل ينتهي بصاحبه إلى النار ،

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾

 سبيل الله هو الوحيد إلى الجنة ، فإذا اتبعت سبيلاً آخر باطلاً صرفك عن طريق الحق إلى طريق الباطل ، وطريق الباطل إلى جهنم ،

﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾

الإسلام منهج كامل :

 ثم يقول الله عز وجل في الآية الواحدة والستين بعد المئة :

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

 أنت مسلم عندك منهج دقيق ، منهج في علاقتك مع ربك ، منهج في علاقتك مع زوجتك ، منهج في علاقتك مع أولادك ، منهج في علاقات العمل ، علاقات البيع والشراء ، علاقات الهبة ، حتى هناك منهج في علاقاتك مع من هم فوقك ، من هم دونك ، حتى في المناسبات مناسبات الفرح ، مناسبات الحزن ، هناك منهج تفصيلي ، الإسلام منهج كامل .

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[سورة المائدة : 3]

 هذا المنهج الكامل هو الذي عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى :

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾

 شيء ثمين ، قيّم ، يأخذ بالألباب .

﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[سورة الأنعام : 161]

 لذلك ينبغي :

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

.

الخاسر الأكبر من يعمل لغير الله :

 المؤمن الصادق أيها الأخوة ، علمه ، خبرته ، عضلاته ، طاقاته ، شهاداته العليا ، رأس ماله ، كله موظف في خبرة المسلمين ، طبعاً هو يعيش ويسعد لكن يوجد له هدف نبيل ، هذه آية الإخلاص .

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ﴾

[سورة الأنعام : 162-163]

 لا يوجد جهة بالكون غير الله عز وجل مؤهلة أن تفني من أجلها عمرك ، أن تفني من أجلها شبابك ، أنت مخلوق لله عز وجل . الماء للتراب ، والتراب للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، وأنت لله عز وجل . خلقت لك ما في الكون من أجلك ، فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ، خلقت لك السماوات والأرض ، ولم أعيّ بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا ، تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عني مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
 هذه أخواننا آية الإخلاص :

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾

 آخر آية :

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾

 أي معقول أن تعمل لغير الله ؟ معقول أن تجير لغير الله ؟ معقول أن تحسب على غير الله ؟ أنت الخاسر الأكبر .

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾

  أي السؤال استفهام إنكاري ، أي معقول أنت مخلوق أول ، خلقت من أجل الله عز وجل أن تكون لغير الله ؟!
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الآيات ينبغي أن نتأملها ، وأن نتدبرها ، وربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾

[سورة محمد : 24]

تحميل النص

إخفاء الصور