وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الأعراف - تفسير الآية 88 ، الفرق بين العبادة والحب والإتباع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

العبادة لله عز وجل والحب والتقدير للنبي صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآية الكريمة الثامنة والثمانون بعد المئة من سورة الأعراف وهي قوله تعالى :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

 الحقيقة هذه الآية ، ولها أخوات في القرآن الكريم ، من أخوات هذه الآية قل :

﴿لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾

[ سورة الأنعام : 50 ]

 من أخوات هذه الآية :

﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾

[ سورة الأنعام : 15]

 من أخوات هذه الآية :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً﴾

[ سورة يونس : 49 ]

 إذاً إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فألا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً من باب أولى .
 معنى هذه الآية أن الإنسان مهما أحبّ النبي ، ومهما قدر النبي ، ومهما فنيَ في حب النبي ، لا ينبغي أن يعبد النبي بدون الله ، لأن الصديق رضي الله عنه ما من إنسانٍ على وجه الأرض كان أشد حباً ، وأعظم تقديراً لرسول الله منه ، ومع ذلك حينما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ، قال هذا الصحابي الجليل الصديق قولةً لو لم تكن له إلا هذه القولة لكفته ، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
 إذاً يجب أن نفرق بين الحب والولاء والتقدير والتعظيم وبين العبادة .
 العبادة لله عز وجل ، والحب ، والتقدير ، والفناء في حبّ النبي ، هذا للنبي ، لكن العبادة لله وحده ، لذلك يقول الله عز وجل : يا محمد قل لهم :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾

  الله هو الخالق ، وهو الرب ، وهو الإله ، والذي بيده الخير والشر ، هو الذي يرفع ويخفض ، هو الذي يعز ويذل ، هو الذي يعطي ويمنع ، هو الذي يقبض ويبسط ، هو الذي يحيي ويميت ، هو الذي يرزق ، العبادة للخالق ، المربي ، المسير ، الرزاق ، الوهاب ، المعطي، المانع ، القابض ، الباسط ، العبادة لله عز وجل ، والحب ، والولاء ، والتقدير ، والتعظيم ، والاتباع للنبي عليه الصلاة والسلام ، النبي لا يملك أن ينفع أو يضر ، لكنك إذا اتبعت سنته تنتفع بها ، هو لا ينفعك بالأمر التكويني ، لكن ينفعك بالأمر التكليفي .
 مدرس لا يملك أن يضع على ورقة الامتحان مئة من مئة وأنت لا تفهم شيئاً ، لكن يملك أن يعلمك الرياضيات ، أما الامتحان فمع جهة أخرى ، هو يعلمك ويرشدك ويفهمك ، لكنك ممتحن مع جهة أخرى .
 إذاً أردت من هذه الآية أن نفرق بين العبادة ، وبين الحب والاتباع ، العبادة للخالق ، للرب ، للمسير ، للإله ، للمعطي ، للمانع ، للرازق ، للوهاب ، للرافع ، للخافض ، للقابض ، للباسط ، للمعز ، للمذل ، العبادة لله هذه الآية ، قل يا محمد لأصحابك ، قل للأهل مكة :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾

  ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

النبي الكريم لا يملك أن يعلم الغيب :

﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾

 عندنا نقطة ثانية ، لا يملك أن يعلم الغيب . إذاً ماذا نفسر الأحاديث الشريفة الكثيرة التي وردت عن قيام الساعة وعن أحوال آخر الزمان ؟ كيف عرف الغيب ؟ قال العلماء ، علماء العقيدة : لا يعرف النبي الغيب بذاته ، أما إذا أخبره الله عز وجل فعندئذٍ يعلم الغيب .

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾

[ سورة الجن : 26-27]

 النبي إذا أخبرنا عن أحوال قيام الساعة ، وعن آخر الزمان ، وعن الفتن ، هذا ليس علماً بذاته ، إنما هو علم عن طريق الله عز وجل . إذاً مقام النبي ، هو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، سيد ولد آدم ولا فخر ، ما طلعت شمس على إنسان أعظم من رسول الله ، ومع ذلك لا يعلم الغيب ، لماذا ذكرت هذه الآية ؟ ممكن بهذه الآية أن تنفي مليون قصة يفتريها ويختلقها أناس يدعون أنهم على صلة بالله . صار التنجيم ، والعرافة ، والكهانة :

(( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))

[أبو داود وأحمد والحاكم عن أبي هريرة]

((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ))

[مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ]

 هذه آية خطيرة جداً ، ربنا عز وجل عندما يقول : يا محمد أنت لا تعلم الغيب ، هل يستطيع إنسان كائناً من كان أن يدعي ماذا سيكون بالمستقبل ؟ لذلك أي سلوك يسلكه من يدعي بأنه مؤمن لمعرفة الغيب عن طريق إنسان ، عراف ، كاهن ، ساحر ، منجم بالقهوة ، حظك هذا الأسبوع ، هذا كله من وسائل الكفر .

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

 هذا حجم العبد لله عز وجل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان مرة عند أحد أصحابه الذين ماتوا ، ذهب لبيته ليعزي أهله ، كان مسجياً على سرير ، سمع النبي من وراء الستار امرأةً تقول له : هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله ، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان سكوته إقراراً لهذا الكلام ، فقال عليه الصلاة والسلام :

((ومن أدراك أن الله أكرمه ؟ قولي : أرجو الله أن يكرمه - كلمة لقد أكرمك الله ، هذا تأله على الله - وأنا نبيٌ مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم - إذاً لا يعلم الغيب إلا الله- ))

 نحن أردنا بهذه الآية أن نقطع الدجل ، أن نقطع الخرافات ، أن نقطع الادعاءات التي يدّعيها بعض من يمتهنون الدين ، هذه الآية سلاح معنا ، النبي عليه الصلاة والسلام بنص القرآن الكريم سيد الخلق أقسم الله بعمره الثمين قال :

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

[ سورة الحجر : 72]

 قال :

﴿فَأَنَا أَوَّلُ﴾

[ سورة الزخرف : 81]

 ومع ذلك قال : قل لهم :

﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

  هناك حادثة في السيرة لها دلالة كبيرة جداً ، وفد جاء من قبيلة لا أذكرها الآن ، طلبوا من النبي أن يعطيهم علماء وقراء ليعلموهم أمر دينهم ، سبعون قارئاً وعالماً أخذوهم وذبحوهم ، هل كان يعلم النبي الغيب ؟ لو علم الغيب لما أعطاهم هؤلاء ، هذه حادثة تؤكد أن النبي لا يعلم الغيب ، إلا أن يعلمه الله ، والله أعلمه مئات المرات ، أعلمه عشرات أو مئات المرات عن طريق الوحي ، أما أن يعلم هو بذاته فمستحيل ، ونحن عندما نسمع لإنسان يدّعي أنه يعلم الغيب ، أو لإنسان يدعي أن بإمكانه أن ينفع ، أو أن يضر ، فإذا نفينا عن الإنسان النفع والضر وعلم الغيب أعطيناه حجمه الطبيعي ، أما مقامه عند الله فقد يكن صديقاً ، قد يكون ولياً من أولياء الله ، قد يكون مؤمناً كبيراً ، وقد يكون نبياً ، وقد يكون رسولاً ، وقد يكون سيد الخلق ، ومع ذلك لا يعلم الغيب ، ولا يملك الخير والشر لنفسه ، فلأن لا يملكه لغيره من باب أولى .
حتى لا نسمح لقصة فيها دجل ، فيها افتراء ، فيها إفك ، فيها ارتزاق بالدين ، فيها ابتزاز للأموال ، هذا حجم النبي العظيم ، وهو سيد الخلق وحبيب الحق ، نعيد الآية مرة ثانية :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي﴾

  هذه بليغة جداً ، أي إذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً من باب أولى ،

﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾

  طبعاً إلا ما شاء الله ، أي إذا شاء الله لي الخير كان ، وإن شاء لي غير ذلك كان ، أنا عبد أتلقى من الله عطاءه أو منعه .

النبي الكريم بشير ونذير :

﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

 أصبح النبي نذيراً وبشيراً ، ينذر بعذاب الله في جهنم ، ويبشر بالجنة لمن أطاعه ، وهو لمن ؟ لمن آمن بالله أصلاً ، لمن آمن بالله أصبح له نذيراً وبشيراً ، أما الذي لن يؤمن بالله ليس له النبي نذير ولا بشير ، هذه الآية آية مفصلية ، بالتعبير الحديث آية مفصلية ، أي لا تقبل قصة خلافاً .
 أخي قال لي الشيخ : إنه سوف يأتيني دفعة كبيرة ، هذا كذب ، قال لي : إن ابنك ستزوجه إنسانة غنية ، كذب ، لا تصدق كلاماً فيه غيب ، حتى الجن لا يعلمون الغيب .
 سيدنا سليمان بقي ميتاً فترة طويلة جداً إلى أن جاءت دابة الأرض ونخرت عصاته .

﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾

[ سورة سبأ : 14]

 أعطاهم أمراً شاقاً ومتعباً ومهيناً وقد مات ، لو علموا أنه مات ما بقوا في هذا العذاب ،

﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾

 أي عصاه ،

﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾

 إذاً أخواننا الكرام ؛ الأنبياء جميعاً والنبي عليه الصلاة والسلام في رأس القائمة لا يعلمون الغيب ، فإذا ادعى أحد غير النبي أنه يعلم الغيب يجب ألا نلتفت إليه ، وأن نظنه كاذباً ، دجالاً ، مزوراً للحقائق .
 النبي إذاً لا يعلم الغيب ، ولا يملك الخير والشر إلا أن يشاء الله .

تحميل النص

إخفاء الصور