وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة الزمر - تفسير الآية 5 ما هو اليقين؟.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الخامسة من سورة الزُّمر، وهي قوله تعالى:

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾

[ سورة الزمر ]

 كم آية في كتاب الله ورَدَ فيها قوله تعالى خلق السماوات والأرض بالحق ؟ ماذا تعني كلمة الحق؟ قال تعالى:

 

﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(105)﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 والله سبحانه وتعالى هو الحق هذه كلمة كثيرًا ما ترِدُ في كتاب الله تعالى، وفهْم المعاني الدقيقة لِمُصطلحات القرآن جزءٌ مِن فهْم القرآن فالله جلَّ جلاله يقول:

 

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ(87)﴾

 

[ سورة الحِجر ]

 فالله عز وجل وصَفَ كِتابهُ بأنَّه مثانيَ ؛ ما معنى مثاني ؟ قال بعض العلماء: أي أنَّ كل آية تنْثني على أُختِها فَتُفسِّرُها، قال تعالى:

 

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)﴾

 

[ سورة الحِجْر ]

 ما هو اليقين ؟ الموت، والدليل أنَّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابِهِ:

 

﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47)﴾

 

(سورة المدثر)

 فاليقين هو الموت، فكُلّ آيةٍ تنثني على أُخْتِها فَتُفَسِّرُها، هل هناك آياتٌ تُفسِّر معنى الحق ؟ الله جلَّ جلاله قال:

 

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾

 

[ سورة الزمر ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38)﴾

 

[ سورة الدخان ]

 فالحق إذًا ضِدّ اللَّعِب وقال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ(27)﴾

 

[ سورة ص ]

 والحق ضِدُّ البُطْلان، ومعنى الباطل أنَّهُ زائِل، وكلّ شيءٍ باطِلٍ زائِلٍ فالحق ليس زائلاً وليس لعِبًا، ونحن فَهِمنا الحق مِن آيتين، فالله تعالى نفى أن يكون خلق السماوات والأرض لعبًا، ونفى أن يكون خَلْق السماوات والأرض باطِلاً، فليس باطلاً وليس لعِبًا، ولكنَّ خلق السماوات والأرض بالحق، فالحق الشيء المسْتقرّ، والباطل الشيء الزائِل، والحق الشيء الهادِف، واللَّعِب الشيء العابث، فالله عز وجل خلق السماوات والأرض لتبقى، وخلق الإنسان لِيَبقى، قال تعالى:

 

﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 فالإنسان يذوق الموت ولا يموت، قال تعالى:

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 أما أن يكون خلق السماوات والأرض لِهَدفٍ كبير فهذا حينما نفى الله عز وجل عن ذاتِهِ البُطْلان، والآية الكريمة:

 

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 لو أشَدْنا بِناءً مائِل ! هذا مصيرُهُ إلى الانْهِيار، أما إذا أشَدْنا بِناءً وِفقَ القواعِد الصحيحة، فهذا أُشيدَ لِيَبقى فالحق باقٍ، والباطِل زائِل، ولو عاش سبعين سنة، سيَنْهار ويسْقط ويتداعَى، ويُفْتضَح، فكلمة زهوقًا اسم فاعِل مُبالغ به ؛ مهما كان الباطل كبير يسقط ويزْهَق، فالكون خُلِقَ لِيَبقى وخُلِق لِهَدَفٍ كبير، فالإنسان إذا أيْقَنَ أنَّه يذوق الموت ولا يموت وبعد الموت إما حياةٌ أبَدِيَّة في جنَّة عرضُها السماوات والأرض، وإمَّا شَقاءٌ أبدي، فهو خُلِقَ لِيَبقى.
 المعنى الثاني ؛ خُلِقَ لِهَدَفٍ نبيل، فالله تعالى نفى عن خلْقِهِ البُطلان واللَّعِب، فالبُطلان الزَّوال، واللَّعِب هو العبَث، فالله تعالى خلق السماوات والأرض بالحق، وأنت مِن خلْق السماوات والأرض، فأنت خُلِقْتَ لِتَبقى، وخلقْتَ لِهَدَفٍ نبيل، اِبْحَث عن هذا الهَدَف مِن أجل أن تسْعَدَ به إلى أبَدِ الآبدين، قال تعالى:

 

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾

 

[ سورة التغابن ]

 هذه الآية تتكرَّر عَشَرات المرات، فالحق الشيء المُستقرّ، والباطل هو ما زال، فإبْطال العقْد إلْغاؤُهُ، وإبْطال الزَّواج فسْخُه، وإبْطال الدَّعْوة إسْقاطُها، فالإبْطال هو الزَّوال، حقَّ الشيء أيْ اسْتَقَرّ، فإذا تعامَلْتَ مع خلْق السماوات والأرض ؛ على أنَّ خلْق السماوات والأرض ثابت ولِهَدَفٍ كبير، فالآية الكريمة:

 

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ﴾

 

[ سورة الزمر]

 لا يوجَد إلا شكل واحِد هَنْدسي، فإذا كانت هناك كرة تدور أمام منْبَع ضَوئي يتداخل فيه الضوء مع الظلام، فأنت بالمغرب والعشاء تجد تداخل الضوء مع الظلام، وكذا عند الشروق، ففي حال المكعَّب فالضَّوء يأتي فجأةً، وكذا في الموشور والمقطوع إلا الكرة، فَيُكَوِّرُ الليل على النَّهار أيْ يلفُّ الليل على النَّهار، فالليل والنَّهار يتداخلان، وهذه الآية مِن الآيات التي تُثْبِتُ كُرَوِيَّة الأرض، وقد يسأل سائل: لمَ لمْ يقل الله عز وجل في إحْدى آيات القرآن الكريم الأرضُ كرةٌ ؟ هذا فيه حِكمة بالغة لأنَّ الذين عاصَروا النبي عليه الصلاة والسلام ما توصَّلوا إلى أن يعْرفوا أنّ الأرض كرَة، فهم رأوْها مُنْبسِطَة فالله سبحانه وتعالى لو أغْفل أنَّها كرة لأخذْنا على كتابنا هذا المأخذ، ولو أنَّ الله تعالى بيَّنَ لهم أنَّها كرَة لما صدَّقوه ! فجاءَت بعض الآيات منها قوله تعالى:

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا﴾

 

[ سورة الرعد ]

 لا يوجد إلا شكل واحِدٌ تمْتَدُّ عليه الخُطوط إلى ما لا نِهايَة، فالدُّحْيَة دليل الكُرَوِيَّة، قال تعالى:

 

﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30)﴾

 

(سورة النازعات )

 فالآية الكريمة:

 

﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾

 

[ سورة الزمر]

 ففي الفجْر يتداخل النَّهار مع الليل، وبعد المغرب يتداخَل الليل مع النَّهار قال تعالى:

 

﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾

 

[ سورة الزمر]

 فالشَّمس تكْبر الأرض بِمِليون وثلاثمائة ألف مرَّة، وألْسِنَة اللَّهَب طولها مِن نصف مليون إلى مليون كيلومتر، وبُعْد الشَّمس عن الأرض مائة وستٍّ وخمسين كيلومتر يقْطَعُها الضَّوء في ثماني دَقائِق، ودرجة حرارة الشَّمس سِتَّة آلاف درجة على سَطْحِها، وعِشرين مليون درجة في بطْنِها ولو أنَّ الأرض أُلْقِيَت فيها لَتَبخَّرَتْ في ثانِيَة واحِدَة، ويتَّسِع جوْف الشمس لِمِليون وثلاثمائة ألف أرض ! ومضى على تَوَقُّد الشمس كما يقول علماء الفلَك خمسة آلاف مليون سنة، وهناك تَقدير مُشابِه، وهو أنَّها سوف تبْقى مُتألِّقة لِخَمسة آلاف مليون قادِمَة، فاطْمَئِنُّوا ! فَمَن أعطى الشمس هذه الطاقة ؟ الله جلَّ جلاله، وفي بعض بُروج السَّماء برْج العقْرب يتَّسِع للشَّمس والأرض مع المسافة بينهما، قال تعالى:

 

﴿ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(102)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 قال تعالى:

 

﴿أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾

 

[ سورة الزمر]

 القمر تَقويم، قال تعالى:

 

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(5)﴾

 

[ سورة يونس ]

 تقويمٌ يراه جميع الناس.
قال تعالى

 

﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾

 

[ سورة الزمر]

 فالله تعالى:

 

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5)وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6)﴾

 

[ سورة التكوير ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)﴾

 

[ سورة يس ]

 ثمّ يقول تعالى:

 

﴿أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾

 

[ سورة الزمر]

 العزيز هو نادِر الوُجود، والشيء العزيز يصْعُب الوُصول إليه والشيء العزيز تشْتَدُّ الحاجة إليه أما إذا قلنا الله تعالى عزيز فلا نقول ينْدر وُجودهُ، ولكن معناه لا إله غيْرهُ، ويحْتاجُهُ كلّ شيء في كلّ شيء، ويسْتحيل أن تُحيطَ به، لذلك الآية:

 

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾

 

[ سورة الزمر]

 النقطة العمَلِيَّة في هذا الدرس أنَّ الله تعالى خلقَنا لِنَبقى إما في جنَّة عرْضُها السماوات والأرض، وإما في نارٍ لا يموت فيها الإنسان ولا يحْيى، والحق معناه أيضًا أنَّنا خُلقْنا لِهَدَفٍ نبيل، ما هو هذا الهدف ؟ قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)﴾

 

[ سورة الذاريات ]

 أن نعْبُدَهُ، لكي يُسْعِدَنا.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور